التضامن الإسلامي للشيخ ابن باز رحمه الله - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

التضامن الإسلامي للشيخ ابن باز رحمه الله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-08-11, 17:40   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
نقاء روح
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي التضامن الإسلامي للشيخ ابن باز رحمه الله

التضامن الإسلامي
ص -136- التضَامن الإسلامي
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الحمد لله وحده.. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. أما بعد:
فلا ريب أن الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له كما قال عز وجل:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بهذه العبادة وبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنزل الكتب لبيان هذا الحق وتفصيله والدعوة إليه كما قال عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} ومعنى قضى في هذه الآية أمر ووصى وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} وقال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} وقال تعالى: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} ففي هذه الآيات الكريمات الأمر بعبادته سبحانه والتصريح بأنه خلق الثقلين لهذه العبادة وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها والدعوة إليها.
وحقيقة هذه العبادة هي طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالإخلاص له في جميع الأعمال والامتثال لأوامره والحذر من نواهيه والتعاون في ذلك كله وتوجيه القلوب إليه سبحانه في كل ما يهمها وسؤاله عز وجل جميع الحاجات عن ذل وخضوع وإيمان وإخلاص وصدق وتوكل عليه سبحانه ورغبة ورهبة مع القيام بالأساليب التي شرعها لعباده وأمرهم بها وأباح لهم مباشرتها.

ص -137- وبهذا كله يستقيم أمر الدنيا والدين وتنظيم مصالح العباد في أمر المعاش والمعاد ولا صلاح للعباد ولا راحة لقلوبهم ولا طمأنينة لضمائرهم إلا بالإقبال على الله عز وجل والعبادة له وحده والتعظيم لحرماته والخضوع لأوامره والكف عن مناهيه والتواصي بينهم بذلك والتعاون عليه والوقوف عند الحدود التي حد لعباده كما قال عز وجل: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}.
ومن المعلوم أنه لا يتم أمر العباد فيما بينهم ولا تنتظم مصالحهم ولا تجتمع كلمتهم ولا يهابهم عدوهم إلا بالتضامن الإسلامي الذي حقيقته التعاون على البر والتقوى والتكافل والتناصر والتعاطف والتناصح والتواصي بالحق والصبر عليه. ولاشك أن هذا من أهم الواجبات الإسلامية والفرائض اللازمة وقد نصت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. على أن التضامن الإسلامي بين المسلمين أفراداً وجماعات حكومات وشعوباً من أهم المهمات ومن الواجبات التي لابد منها لصلاح الجميع وإقامة دينهم وحل مشاكلهم وتوحيد صفوفهم وجمع كلمتهم ضد عدوهم المشترك.
والنصوص الواردة في هذا الباب من الآيات والأحاديث كثيرة جداً، وهي وإن لم ترد بلفظ التضامن فقد وردت بمعناه وما يدل عليه عند أهل العلم والأشياء بحقائقها ومعانيها لا بألفاظها المجردة فالتضامن معناه التعاون والتكاتف والتكافل والتناصر والتناصح والتواصي وما أدى هذا المعنى من الألفاظ.
ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله سبحانه وإرشاد الناس إلى أسباب السعادة والنجاة وما فيه صلاح أمر الدنيا والآخرة.
ويدخل في ذلك أيضاً تعليم الجاهل وإغاثة الملهوف ونصر المظلوم ورد الظالم عن ظلمه وإقامة الحدود وحفظ الأمن والأخذ على أيدي المفسدين والمخربين وحماية الطرق بين المسلمين داخلاً وخارجاً وتوفير المواصلات البرية والبحرية والجوية والاتصالات السلكية واللاسلكية بينهم لتحقيق المصالح المشتركة الدينية والدنيوية وتسهيل التعاون بين المسلمين في كل ما يحفظ الحق ويقيم العدل وينشر الأمن والسلام في كل مكان.
ويدخل في التضامن أيضاً الإصلاح بين المسلمين وحل النزاع المسلح بينهم وقتال الطائفة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله عملا بقول الله عز وجل
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ
ص -138- بَيْنِكُمْ} وقوله سبحانه {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
ففي هذه الآيات الكريمات أمر الله المسلمين جميعاً بتقواه سبحانه والقيام بالإصلاح بينهم عموما وبالإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين منهم خصوصاً وقتال الطائفة الباغية حتى ترجع عن بغيها وأن يكون الصلح على أسس سليمة قائمة على العدل والإنصاف لا على الميل والجور، وفيها التصريح بأن المؤمن جميعاً إخوة وإن اختلفت ألوانهم ولغاتهم وتناءت ديارهم فالإسلام يجمعهم ويوحد بينهم ويوجب عليهم العدل فيما بينهم والتصافي والكف عن عدوان بعضهم على بعض ويوجب على إخوانهم الإصلاح بينهم إذا تنازعوا. ثم ختم الله هذه الآية بالأمر بالتقوى وعلق الرحمة على ذلك فقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فدل ذلك على أن تقوى الله في كل الأمور هي سبب الرحمة والعصمة والنجاة وصلاح الأحوال الظاهرة والباطنة.
ويدخل في التضامن أيضاً تبادل التمثيل السياسي أو ما يقوم مقامه بين الحكومات الإسلامية لقصد التعاون على الخير وحل المشاكل التي قد تعرض بينهم بالطرق الشرعية واختيار الرجال الأكفاء في عملهم ودينهم وأمانتهم لهذه المهمة العظيمة.
ويدخل في التضامن أيضاً توجيه وسائل الإعلام إلى ما فيه مصلحة الجميع وسعادة الجميع في أمر الدين والدنيا وتطهيرها مما يضاد ذلك.
ومما ورد في هذا الأصل الأصيل وهو التضامن الإسلامي والتعاون على البر والتقوى قوله عز وجل
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أمر الله سبحانه في هذه الآية الكريمة عباده المؤمنين بأن يتقوه حق تقاته ويستمروا على ذلك ويستقيموا عليه حتى يأتيهم الموت وهم على ذلك، وما ذاك إلا لما في تقوى الله عز وجل من صلاح الظاهر والباطن وجمع الكلمة وتوحيد الصف وإعداد العبد لأن يكون صالحا مصلحا وهاديا مهديا باذلا النفع لإخوانه كافا للأذى عنهم معينا لهم على كل خير ولهذا أمر الله المؤمنين بعد ذلك بالاعتصام بحبله فقال {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} وحبل الله سبحانه هو دينه الذي أنزل به كتابه الكريم وبعث به رسوله الأمين محمداً صلى الله عليه وسلم والاعتصام
ص -139- به هو التمسك به والعمل بما فيه والدعوة إلى ذلك والاجتماع عليه حتى يكون هدف المسلمين جميعاً ومحورهم الذي عليه المدار ومركز قوتهم هو اعتصامهم بحبله وتحاكمهم إليه وحل مشاكلهم على نوره وهداه وبذلك تجتمع كلمتهم ويتحد هدفهم ويكون ملجأ لكل مسلم في أطراف الدنيا وغوثا لكل ملهوف وقلعة منيعة وحصناً حصيناً ضد أعدائهم، وبهذا الاجتماع وهذا الاتحاد وهذا التضامن تعظم هيبتهم في قلوب أعدائهم ويستحقون النصر والتأييد من الله عز وجل ويحفظهم سبحانه من مكائد الأعداء مهما كانت كثرتهم كما وقع ذلك بالفعل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان في صدر هذه الأمة ففتحوا البلاد وسادوا العباد وحكموا بالحق وحقق الله لهم وعده الذي لا يخلف كما قال عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} وقال سبحانه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} وقال تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}. ففي هذه الآيات الكريمات حث المسلمين وتشجيعهم على التمسك بدينهم والقيام بنصره وذلك هو نصر الله فإنه سبحانه وتعالى في غاية الغنى عن عباده وإنما المراد بنصره هو نصر دينه وشريعته وأوليائه والله ناصر من نصره وخاذل من خذله وهو القوي العزيز وفي هذه الآيات أيضاً البشارة العظيمة بأن الله عز وجل ينصر من نصره ويستخلفه في الأرض ويمكن له ويحفظه من مكائد ا لأعداء.
فالواجب على المسلمين جميعاً أينما كانوا هو الاعتصام بدين الله والتمسك به والتضامن فيما بينهم والتعاون على البر والتقوى ومناصحة من ولاه الله أمرهم والحذر من أسباب الشقاق والخلاف والرجوع في حل المشاكل إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم والتواصي في ذلك كله بالحق والصبر عليه مع الحذر من طاعة النفس والشيطان وبذلك يفلحون ويسلمون من كيد أعدائهم ويكتب الله لهم العز والنصر والتمكين في الأرض والعاقبة الحميدة ويؤلف بين قلوبهم وينزع منها الغل والشحناء وينجيهم من عذابه يوم القيامة. وفي هذا المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح
" إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا
ص -140- تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ". أخرجه مسلم في صحيحه.
ومما ورد في التضامن الإسلامي قوله جل وعلا:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وهذه الآية الكريمة من أصرح الآيات في وجوب التضامن الإسلامي الذي حقيقته ومعناه التعاون على البر والتقوى كما سلف بيان ذلك وفيها تحذير المسلمين من التعاون على الإثم والعدوان لما في ذلك من الفساد الكبير والعواقب الوخيمة والتعرض لغضب الله سبحانه وتسليط الأعداء وتفريق الكلمة واختلاف الصفوف وحصول التنازع المفضي إلى الفشل والخذلان. نسأل الله للمسلمين العافية من ذلك. وفي قوله سبحانه في ختام الآية: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} تحذير للمسلمين من مخالفة أمره وارتكاب نهيه فينزل بهم عقابه الذي لا طاقة لهم به.
ومن الآيات الواردة في التضامن أيضا قوله عز وجل:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه} وهذه الصفات العظيمة هي جماع الخير وعنوان السعادة وسبب صلاح أمر الدنيا والآخرة ولهذا علق سبحانه وتعالى رحمتهم على هذه الصفات الجليلة فقال: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، فتبين بذلك أن الرحمة والنصر على العدو وسلامة العاقبة كل ذلك مرتب على القيام بحق الله وحق عباده ولا يتم ذلك إلا بالتناصح والتعاون والتضامن والصدق في طلب الآخرة والرغبة فيما عند الله والإنصاف من النفس وتحري سبيل العدل وفي هذا المعنى يقول عز وجل{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}، ويقول عز وجل في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} وفي هاتين الآيتين أمر المؤمنين أن يقوموا لله بالقسط وأن يشهدوا له بذلك في حق العدو والصديق والقريب والبعيد. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
ص -141- ومما ورد من الأحاديث الشريفة في التضامن الإسلامي الذي هو التعاون على البر والتقوى قول النبي صلى الله عليه وسلم : "الدين النصيحة " قيل لمن يَا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وشبك أصابعه. وقوله صلى الله عليه وسلم : "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر "، أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحيهما.
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل دلالة ظاهرة على وجوب التضامن بين المسلمين والتراحم والتعاطف والتعاون على كل خير. وفي تشبيههم بالبناء الواحد والجسد الواحد ما يدل على أنهم بتضامنهم وتعاونهم وتراحمهم تجتمع كلمتهم وينتظم صفهم ويسلمون من شر عدوهم فواجب المسلمين جميعاً أن يتعاونوا على البر والتقوى وأن يدعوا إلى الحق والهدى وأن يعنوا غاية العناية في الدعوة إلى تضامن المسلمين وأن يبذلوا جميعاً ما يستطيعون من الوسائل في نشر هذه الدعوة ومساندة الداعين إليها وشرح محاسنها ومصالحها لجميع الناس على اختلاف طبقاتهم حتى يتحقق للجميع ما يرجونه من عز في الدنيا وسعادة في الآخرة، عملا بقول الله سبحانه
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}. وقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وإمام الجميع في هذه الدعوة العظيمة وقدوتهم في هذا السبيل القيم هو نبيهم وسيدهم وقائدهم الأعظم نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أول من دعا هذه الأمة إلى توحيد ربها والاعتصام بحبله وجمع كلمتها على الحق والوقوف صفاً واحداً في وجه عدوها المشترك، وفي تحقيق مصالحها وقضاياها العادلة عملا بقوله تعالى مخاطبا له: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} وقوله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}.
وقد سار على نهجه القويم صحابته الكرام وأتباعهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم فنجحوا في ذلك غاية النجاح وحقق الله لهم ما وعدهم به من عزة وكرامة ونصركما سبق التنبيه على ذلك والإشارة إليه أول هذه الكلمة، ولا ريب أن الله عز وجل إنما حقق لهم ما تقدمت الإشارة إليه بإيمانهم الصادق وجهادهم العظيم وأعمالهم الصالحة وصبرهم ومصابرتهم وصدقهم في القول والعمل وتضامنهم وتكاتفهم في ذلك لا بأنسابهم ولا
ص -142- بأموالهم. كما قال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" وقال عليه الصلاة والسلام: " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " أخرجهما مسلم في صحيحه فمن سار على سبيلهم ونهج نهجهم أعطاه الله كما أعطاهم وأيده كما أيدهم فهو القائل عز وجل في كتابه المبين: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} وهو القائل سبحانه: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} وهو القائل عز وجل: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.
والله عز وجل المسؤول أن يجمع كلمة المسلمين على الهدى وأن يفقههم في دينه وأن يصلح ولاة أمرهم ويهديهم جميعا صراطه المستقيم وأن يمنحهم الصدق في التضامن بينهم والتناصح والتعاون على الخير وأن يعيذهم من التفرق والاختلاف ومضلات الفتن وأن يحفظهم من مكائد الأعداء إنه ولي ذلك والقادر عليه.. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.








 


رد مع اقتباس
قديم 2014-08-11, 18:09   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
-العائد الى الله-
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم :
" كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلي الرحمن : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم "
صحيح البخاري .
<< سبــحان الله وبحمــده سبــحان الله العظيــم >>










رد مع اقتباس
قديم 2014-08-11, 22:10   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
نقاء روح
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
للشيخ, الله, التضامن, الإسلامى, رحمه


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:59

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc