منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - حماية البيئة 2
الموضوع: حماية البيئة 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-01-28, 17:58   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 اضافة

الفرع الثاني
الحظر النسبي
المقصود بالحظر النسبي كما سبق الإشارة إليه منع القيام بأعمال أو نشاطات معينة تعد خطرا على البيئة ، إلا أن المنع في هذه الحالة لا يكون مطلقا ، إنما هو مرهون بضرورة الحصول على تراخيص من طرف السلطات المختصة و وفقا للشروط و الضوابط التي تحددها التنظيمات الخاصة بحماية البيئة (2) .
ومن خلال دراستنا لأسلوب الترخيص ، باعتباره إجراء من الإجراءات الوقائية لحماية البيئة نصل إلى القول أن الحظر النسبي له علاقة بأسلوب الترخيص ، فالمشرع حينما ينص على حظر مؤقت يبيح إتيان السلوك سواء تعلق الأمر بإقامة منشأة ذات نشاط خطر على البيئة أو منع صب بعض المواد الخطرة في الأوساط المستقبلة ، أو منع تداول سلع معينة فإنه يبيحه إذا توافرت الشروط القانونية التي تسمح بمنح الترخيص .
و بما أننا سبق و أن تعرضنا إلى أسلوب الترخيص بنوع من التفصيل فإننا سنكتفي فقط بالإشارة إلى التمييز بين كل من الحظر المطلق و الحظر النسبي.
فالحظر المطلق هو نصيب محجوز للمشرع و المقصود بذلك أن سلطات المشرع في استعماله هي سلطة كاملة و ما على الإدارة في هذه الحالة إلا تنفيذ القواعد القانونيـة دون توسيع لسلطتـها

1- القانون 84/12 المتعلق بالغابات .
2- د. ماجد راغب الحلو ،مرجع سابق ،ص96 و 97.

وعليه فإن مجاله الخصب هو السلطة المقيدة ، في حين أن الحظر النسبي يمنع فيه المشرع إتيان السلوك المخالف للتشريع، إلا أنه يرخص به في حالة توافر الشروط القانونية التي تسمح بإتيانه هذه الشروط تقوم الإدارة بدراستها بدقة ثم يكون لها حق استعمال سلطتها في منح الترخيص أورفض الطلب حسب المصلحة التي يقتضيها القانون ، و بالتالي فالإدارة لا يمكن أن تستعين بسلطتها التقديرية بصفة مطلقة ، كما لا يمكن للمشرع أن يقيد لها المجال التقديري بصفة مطلقة أيضا و على حد تعبيرنا فسلطة الإدارة هنا تتأرجح بين التقييد و التقدير في نفس الوقت ، و بعبارة أخرى فنكون بصدد سلطة تقديرية في حدها الأوسط .
من جهة أخرى يمكن القول أن الحظر المطلق يكون دائما نهائيا و الحكمة من ذلك أن المشرع لا يستعمل هذا الأسلوب إلا في حالة الأخطار الجسيمة التي من شأنها أن تسبب أضرار جسيمة سواء للمحيط بصفة عامة أو للصحة البشرية بصفة خاصة ، في حين أن الحظر النسبي لا يمكن أن يتحول إلى حظر مطلق ذلك لأن الشخص الذي يرغب في مزاولة نشاط ما و تتوفر فيه الشروط القانونية تكون الإدارة ملزمة بمنح الترخيص متى توافرت الشروط القانونية .
وقد تضمن التشريع الجزائري أمثلة لحالات الحظر النسبي، نذكر البعض منها على سـبيل المثال:
منها ما نصت عليه المادة 55 من القانون 03/10 التي اشترطت في عمليات الشحن و تحميل المواد و النفايات الموجهة للغمر في البحر الحصول على ترخيص يسلمه الوزير المكلف بالبيئة و عليه فإن الحظر المنصوص عليه في المادة 52 (1) ، هو حظر نسبي ما دام أنه يخضع لشرط استيفاء الرخصة .
و خارج قانون حماية البيئة نجد نص المادة 23 من القانون المتعلق بحماية الساحل و تثمينه تنص على أنه يمنع مرور العربات و وقوفها على الضفة الطبيعية ، غير أن الفقرة الثانية من نفس المادة تنص على أنه يرخص عند الحاجة بمرور عربات مصالح الأمن و الإسعاف و مصالح تنظيف الشواطئ و صيانتها ، و من قراءة نص المادة نخلص أنها تحمل حظر مطلق على الجميع وحظر نسبي يتوقف على رخصة بالنسبة للمصالح و الهيئات المذكورة أعلاه .


1- تنص المادة 52 "...يمنع داخل المياه البحرية الخاضعة للقضاء الجزائري كل صب أو غمر أو ترميد ..."، ونصت المادة 53 علي إمكانية الصب والغمر في البحر بناء علي ترخيص الوزير المكتف بالبيئة بعد إجراء تحقيق عمومي .

ومن ذلك أيضا ما نصت عليه المادة 118 من القانون المتعلق بالمناجم 01/10 بشأن منح الرخص المنجمية في الأماكن الغابية و المائية إذ أخضعت المادة مباشرة هذا النشاط إلى الموافقة الرسمية للوزير المكلف بالبيئة .
المطلب الثاني
الإلزام
قد يلجأ المشرع إلى إلزام الأفراد بالقيام ببعض التصرفات ، و عليه فالإلزام هو عكس الحظر ، لأن هذا الأخير هو إجراء قانوني إداري يتم من خلاله منع إتيان النشاط فهو بهذا إجراء سلبي في حين أن الإلزام هو ضرورة إتيان التصرف ، فهو إيجابي لا يتحقق هدفه إلا بإتيان التصرف الذي يوجبه القانون ، و مع ذلك فالإلزام نجده يتقيد ببعض الشروط أهمها أن تكون ثمة حاجة ضرورية وواقعية زمانا و مكانا للقيام بالتصرف المنصوص عليه و يجب ألا يكون هناك نص تشريعي يمنع الإدارة من إصدار الأوامر التي تأتي على شكل قرارات فردية (1) .
إن النصوص القانونية الخاصة بحماية البيئة ثرية بمثل هذه القواعد ، باعتبار حماية البيئة عملا ذا مصلحة عامة ، هذا المبدأ تتفرع عنه الالتزامات البيئية التي تقع على عاتق الأشخاص سواء الطبيعية أو المعنوية منها ، و بالتالي فإن حماية البيئة مدرجة ضمن مهام و أعمال السلطة العامة وحمايتها قانونا بمقتضى قوانين ذات طابع إداري ،وعلى هذا تكون الأوامر هي الوسيلة المناسبة للتعبير عن هذه الأهداف و تحقيق الحماية و المحافظة على النظام العام .
وفي التشريعات البيئية هناك العديد من الأمثلة التي تجسد أسلوب الإلزام سواء في القانون الأساسي للبيئة أو في التشريعات الأخرى التي تهدف إلى حماية البيئة ، من ذلك قانون التوجيه العقاري قانون حماية الساحل و تثمينه ، قانون المناجم و القانون المتعلق بالساحل ، و عليه سنكتفي بإعطاء بعض الأمثلة من خلال وقوفنا على بعض القوانين .
ففيما يخص النفايات المنزلية أصبح لزاما على كل حائز للنفايات و ما شابهها استعمال نظام الفرز و الجمع و النقل الموضوع تحت تصرفه (2) من طرف البلدية التي ألزمها القانون بوضع مخطط بلدي

1-د. إبراهيم عبد العزيز شيحا، مبادئ وأحكام القانون الإداري ،الدار الجامعية للطباعة والنشر ،1997 ،ص 788.
2-المادة 35 من القانون 01/19.

لتسيير النفايات البلدية و ما شابهها يتضمن على وجه الخصوص:
- جرد كمية النفايات المنزلية و ما شابهها و النفايات الهامدة المنتجة في إقليم البلدية.
- جرد و تحديد مواقع و منشآت المعالجة الموجودة في إقليم البلدية .
و يجب أن يوضع المخطط المذكور أعلاه تحت سلطة رئيس المجلس الشعبي البلدي و يشمل كافة إقليم البلدية و أن يكون مطابقا للمخطط الولائي للتهيئة و يصادق عليه الوالي .
أما النفايات التي تتخلف عن عملية الإنتاج و التحويل أو استعمال أية مادة فالمشرع يلزم كل شخص طبيعي أو معنوي ينتج نفايات أو يملكها، إذا كانت مضرة بالصحة و الموارد البيئية أوتدهور الأماكن السياحية أو تلويث الهواء و المياه أو إحداث صخب أو روائح أن يعمل على ضمان إزالتها ، و في نفس الإطار نصت المادة 06 من القانون 01/19 على أن يلزم كل منتج للنفايات أو حائز لها باتخاذ كل الإجراءات الضرورية لتفادي إنتاج النفايات بأقصى قدر ممكن سيما الامتناع عن تسويق المواد المنتجة للنفايات غير القابلة للانحلال البيولـوجي و الامتناع عن استعمال المواد التي من شأنها أن تشكل خطرا على الإنسان لاسيما عند صناعة منتجات التغليف .
و بغرض تثمين النفايات (1) ، ألزمت المادة 07 من نفس القانون كل منتج أو حائز للنفايات ضمان العمل على تثمين النفايات الناجمة عن المواد التي يستوردها أو يصنعها أو يسوقها، و في حالة عدم قدرته على تثمينها فإنه يلزم بضمان أو العمل على ضمان إزالة النفايات على حسابه الخاص ، بطريقة عقلانية بيئيا، و عملية تثمين و إزالة النفايات ألزم المشرع أن تتم وفقا للشروط و المعايير البيئية و عدم تعريض صحة الإنسان و الحيوان للخطر ، و تأتي هذه النصوص لضبط حركة النفايات الصناعية باعتبارها أخطر أنواع النفايات تأثيرا على الصحة و حالة المحيط ، و قد أخضع المشرع نقـل و تصدير و عبور النفايات الخاصة و الخطرة إلى ترخيص مسبق من الوزير المكلف بالبيئة و لا يمنح هذا الترخيص إلا عند توافر الشـروط الآتية :
- احترام قواعد و معايير التوضيب المتفق عليه دوليا .
- تقديم عقد مكتوب بين المتعامل الاقتصادي المصدر و مركز المعالجة .

1- عرفت المادة 03 من القانون 01/19 تثمين النفايات: أنه طل العمليات الرامية إلي إعادة استعمال النفايات أو رسكلتها أو تسميدها.

- تقديم عقد تأمين يشمل كل الضمانات المالية اللازمة.
- تقديم وثيقة حركة، موقع عليها من طرف الشخص المكلف بعملية النقل عبر الحدود.
وإذا كان المشرع قد سمح بتصـدير النفايـات فإنه يمنع منعا باتا استـيراد النـفايات الخـاصة الخطرة (1) ، و في حالة وقوع ذلك يلزم الوزير المكلف بالبيئة حائزها أو ناقلها بإرجاعها إلى البلد الأصلي في أجل يحدده الوزير ، و العكس صحيح في حالة تصدير النفايات دون رخصة إذ يتم إلزام الأشخاص الذين ساهموا في تصديرها بضمان إرجاعها إلى الإقليم الوطني(2) .
و في مجال حماية مياه البحر فإنه يلزم ملاك السفن العائمة التي تشكل خطرا أكيدا على البيئة للقيام بإعادة ترميمها أو نزعها بعد إعذار موجه من طرف السلطة المينائية (3) .
لكن بالنظر إلى النص القانوني المشار إليه و المتعلق بإلزام المشرع الأشخاص بضمان إزالة النفايات الناجمة عن مفرزات نشاطاتهم ، و الواقع الذي نعيشه، يمكن القول أن معالجة النفايات الخاصة لاسيما الصناعية تكاد تنعدم في الجزائر ، حيث أن 80% من النفايات الصناعية يتم التخلص منها بطريقة التخزين غير المنتظم في العراء ، و رغم هذه القواعد الآمرة فإنه لم يتم القيام بأي عمل من أجل نقل النفايات السامة ، و كمثال على ذلك مصنع الزنك بالغزوات ، حيث تفرز عملية التصنيع فيه حمض الكبريت ، و هي مادة قاتلة في مرحلة الإنتاج (4) .
و برجوعنا إلى القانون 03/02 المحدد للقواعد العامة لاستغلال الشواطئ نجده ينص على مجموعة التزامات تقع على صاحب امتياز الشاطئ، منها حماية الحالة الطبيعية و إعادة الأماكن إلى حالتها بعد انتهاء موسم الاصطياف ، كما يقع عليه عبء القيام بنزع النفايات و مختلف الأشياء الخطرة .
و من خلال النصوص السابقة و رغم استعمال أسلوب الإلزام إلا أنه يبقى بدون فعالية في غياب قائمة دقيقة للنفايات ، إذ اكتفى المشرع بذكر عواقب أضرارها ، حيث اعتبر النفايات ذات خطورة في حالة ما إذا كانت لها عواقب مضرة بالتربة و النباتات و الحيوانات و بصفة عامة إذا كانت تضر بصحة الإنسان و البيئة .

1- المادة 25 من القانون 01/19.
2- المادة 27 و 28 من القانون 01/19 .
3- المادة 61 من المرسوم 02/01.
4- المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي في الجزائر،رهان التنمية ،الدورة التاسعة1997.

كما يلاحظ غياب آليات إزالة النفايات، بينما نجد التشريع المصري يستعمل أسلوب استعمال السجل الخاص بالنفايات و تبيان طريقة التخلص منها، و في رأينا أن هذه الطريقة تساعد الإدارة المختصة على المراقبة المستمرة.
و عكس قانون حماية البيئة الذي لا يرتب المسؤولية في غالب الأحوال إلا عند عدم إزالة النفايات فإن القانون 01/19 يرتب المسؤولية على كل منتج لهذه النفايات (1) .
و فيما يتعلق بالنفايات التي يلتزم المجلس الشعبي البلدي بالتخلص منها فهي تتمثل في النفايات الحضرية الصلبة ، و حددها كما يلي (2) :
- الأزبال المنزلية الفردية أو الجماعية .
- نفايات التشريح أو التعفن التي ترميها المستشفيات.
- نفايات المسالخ و جثث الحيوانات ، و الفضلات المضايقة كالأشياء الضخمة و الخردة الحديدية و هياكل السيارات .
يبدو أن هذه القائمة قد اعتمد عليها المشرع في صياغة تعريف النفايات المنزلية و التي عرفها على أنها كل النفايات الناتجة عن النشاطات المنزلية و النفايات المماثلة الناجمة عن النشاطات الصناعية والتجارية و الحرفية و غيرها ، و التي بفعل طبيعتها و مكوناتها تشبه النفايات المنزلية (3).
فهذه الأنواع من النفايات قد خصها المشرع بطريقة معالجتها و التخلص منها بما في ذلك جمعها واختيار الموقع لمعالجتها و الذي يخضع إلى ترخيص الوزير المكلف بالبيئة بالنسبة للنفايات الخاصة وإلى رخصة الوالي بالنسبة للنفايات المنزلية و ما شابهها و إلى رخصة رئيس المجلس الشعبي البلدي بالنسبة للنفايات الهامدة .
و في هذا الإطار تبنى المشرع أيضا أسلوب الإلزام فيما يخص الشروط الواجب توفرها في الموقـع



1- المادة 19 من القانون 01/19 .
2- المادة 02 من المرسوم 84/378 .
3- أنظر تعريف النفايات المنزلية وما شابهها نص المادة 03 من القانون 01/19 .

المختار و تتمثل هذه الشروط في ما يلي (1):
- أن يكون الموقع المختار أقرب ما يمكن إلى مركز القطاع الذي يتم فيه الجمع قصد التقليل من تكاليف النقل، لكنه بعيد في نفس الوقت من المساكن.
- يحب ألا تقل المسافة الدنيا الواجب احترامها بين موقع المعالجة و أقرب المنازل عن 200 متر.
- تحديد مسافة بعد مكان المعالجة عن مجرى الماء .
- القيام بتحقيق هيدرولوجي للتأكد من كون المياه السائلة أو المتسربة لا يمكن بأي حال أن تصل إلى المياه الجوفية .
- منع إفراغ النفايات و البقايا الحضرية في نقاط المياه مهما كان نوعها .
- منع استعمال المحاجر الباطنية و الآبار و الكهوف مزابل للتفريغ .
إلا أن المشرع بعد ذلك نص على عدم قبول النفايات الصناعية الحضرية في المزابل العمومية لاسيما الآتي ذكرها (2) :
- السوائل التي تحتوي على مواد كيميائية و لو كانت معبأة في أوعية مغلفة.
- النفايات الصناعية الصلبة المختلفة إذا كانت قابلة للاشتعال التلقائي .
- الفضلات الصناعية القابلة للذوبان .
- المواد الملوثة و المواد المشاعة .
- المواد التي تحمل خطر التلوث الكيميائي أو التسممي .
وبعد استشهادنا ببعض الأمثلة نصل إلى أن الإلزام كأسلوب من أساليب الضبط ، في حقيقة الأمر هو المجال الخصب الذي يتمكن من خلاله المشرع الوقاية من الأخطار و الأضرار التي تمس بالبيئة والمحيط في مختلف المجالات ، و قد أخذ هذا الأسلوب نصيبا معتبرا من نصوص التشريع البيئي سواء التشريع الرئيسي أو التشريعات الأخرى التي كرست الحماية القانونية للبيئة ، كقانون المياه ، قانون الغابات و القانون المتعلق بالنفايات، و أسلوب الإلزام تكمن أهميته في أنه يأتي في شكل إجراء إيجابي عكس أسلوب الحظر الذي يأتي في شكل إجراء سلبي.


1- المادة 25 من المرسوم 84/378 .
2- المادة 32 فقرة 2 من المرسوم 84/378

المطلب الثالث
نظـام التقـاريـر
يعد نظام التقارير أسلوب جديد استحدثه المشرع تماشيا مع التطور الدولي في مجال حماية البيئــة ونظام التقارير أو التصريحات يهدف إلى فرض رقابة لاحقة و مستمرة على منح الترخيص فهو أسلوب مكمل لأسلوب الترخيص ، و هو يقترب من الإلزام كونه يفرض على صاحبه القيام بتقديم تقارير دورية عن نشاطاته حتى تتمكن السلطة الضابطة من فرض الرقابة وهو أسلوب يسهل على الإدارة عملية المتابعة من الناحية المالية و البشرية ، فبدلا من أن تقوم الإدارة بإرسال أعوانها للتحقيق من السير العادي للنشاط المرخص به، يتولى صاحب الرخصة تزويد الإدارة بالتطورات الحاصلة ، و يرتب القانون على عدم القيام بهذا الإلزام جزاءات مختلفة نتعرض لها لاحقا .
و أسلوب نظام التقارير هو شبيه بنظام التقييم البيئي فإذا كان هذا الأخير يقع على عاتق الإدارة فإن الأول يقع على صاحب الرخصة.
وكون أسلوب التقارير أسلوب جديد في حاجة إلى نصوص تنظيمية ، فإننا نكتفي بذكر بعض القوانين التي نصت عليه ، و منها قانون المناجم الذي ألزم أصحاب السندات المنجمية أوالرخص بأن يوجهوا خلال مدة الاستغلال و البحث إلى الوكالة الوطنية للجيولوجيا و المراقبة المنجمية تقريرا سنويا متعلقا بنشاطاتهم و كذا الانعكاسات على حيازة الأراضي و خصوصيات الوسط البيئي (1) ،و رتب القانون عقوبات جزائية على كل مستغل أغفل تبليغ التقرير، تتمثل في الحبس من شهرين إلى ستة أشهر و بغرامة مالية 5000دج إلى 20000دج(2) ،كما يتعين على صاحب رخصة التنقيب تقديم تقرير مفصل عن الأشغال المنجزة كل ستة أشهر إلى الوكالة الوطنية للممتلكات المنجمية ، أما صاحب رخصة الاستكشاف فهو ملزم بإرسال تقرير سنوي إلى نفس الوكالة .

1- المادة 61 من القانون 01/10.
2- المادة 182 من القانون 01/10 .
3- المادة 112 من القانون 01/10 .
ونجد نفس الالتزام يقع على صاحب السند المنجمي إضافة إلى التزامه بحماية البيئة و الأمن والصحة ، فهو ملزم كذلك بتقديم تقرير عن نشاطه السنوي للوكالة الوطنية للممتلكات المنجمية
والوكالة الوطنية للجيولوجية و المراقبة المالية ، و قد أحال القانون على التنظيم لتحديد محتوى التقرير .
أما القانون المتعلق بتسيير النفايات 01/19 فقد جاء بنظام التقرير في مادته 21 بنصها "يلزم منتجو أو حائزو النفايات الخاصة الخطرة بالتصريح للوزير المكلف بالبيئة بالمعلومات المتعلقة بطبيعة و كمية و خصائص النفايات " ، كما يتعين عليهم دوريا تقديم المعلومات الخاصة بمعالجة هذه النفايات و كذلك الإجراءات العملية المتخذة و المتوقعة لتفادي إنتاج هذه النفايات بأكبر قدر ممكن .
و هذا الأسلوب يساعد بشكل كبير في مراقبة و تحديد كيفيات تسيير و معالجة النفايات معالجة عقلانية ، غير أنه يبقى في حاجة إلى نصوص تنظيمية لتحديد مواعيد تقديم التقارير و الجزاءات التي قد تترتب على مخالفة هذا الإجراء .
و رغم ما تمثله النفايات من خطر على الصحة العمومية و المحيط البيئي إلا أن المشرع لم يكن متشددا في فرض العقوبات اللازمة عن عدم الالتزام بنص المادة إذ خص هذا الامتناع بغرامة مالية فقط (1) ، بينما نجد نص على عقوبات سالبة للحرية في قانون المناجم عن عدم الالتزام بنظام التقارير .
في الأخير نخلص إلى أن قواعد أسلوب نظام التقارير جاءت في شكل قواعد آمرة يترتب عن عدم الالتزام بها عقوبات سالبة للحرية و الأكيد أن هذا الأسلوب سيساهم بلا شك في دعم باقي الأساليب ، و الأجدر بالمشرع أن يعمل على تعميمه على باقي المنشآت سيما منها المنشآت المصنفة .





1- المادة 58 من القانون 01/19 .
الفصل الثاني
الجزاءات المرتبة على مخالفة الإجراءات القانونية
إن مواجهة المشاكل البيئية و إن كان يعتمد في غالبية الأحيان على حلول تقنية وتكنولوجية إلا أن جل الدول لجأت إلى توظيف التقنية القانونية من أجل إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المطروحة.
فالمشاكل المرتبطة بالبيئة تلقى اهتماما يتزايد يوما بعد يوم على المستوى العالمي و ذلك لظهور مخاطر التلوث البيئي و اتساع مفهوم البيئة كذلك.
فعلى مستوى الدول أنشئت وزارات و مجالس عليا و أجهزة متخصصة أوكل إليها أمر البيئة وصدر فيها العديد من التشريعات ذات الطابع الإلزامي .
وعلى المستوى الدولي صيغت العديد من الاتفاقيات و المعاهدات و البروتوكولات لحماية البيئة وأصبح التعاون الدولي في موضوع البيئة أمرا حتميا خاصة في المنـاطق المشتركـة و المحيطـات و الفضاء .(1)
ومن بين التوصيات الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المنعقد في جــوان 92 بريودي جانيرو( البرازيل ) و الذي سمي بقمة الأرض،حث الدول على ضرورة سن تشريعات فعالة بشأن البيئة مع وضع قانون بشأن المسؤولية و كذلك تعويض ضحايا التلوث .(2)
والجزائر كدولة نامية لجأت إلى هذه الوسيلة فأصبحت تحوز منظومة قانونية مكثفة خاصة بعد صدور القانون 83/03 المتعلق بحماية البيئة الذي كان يشكل الإطار العام للمجهود التشريعي الرامي إلى وضع الخطوط العريضة و المحاور الرئيسية للسياسة البيئية في الجزائر و قبل إلغائه بموجب القانون رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة في أيطار التنمية المستدامة و ذلك من خلال الاعتماد على طرق قانونية غير جنائية تعتمد على الجزاءات الإدارية من جهة و المسؤولية المدنية من جهة أخرى إلى جانب الجزاءات الجنائية لقمع الجرائم البيئية .

1- المادة 214 فقرة 2 من القانون 01/10 المتضمن قانون المناجم التي نصت على أنه تطبق الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتلوث البحري التي وقعت عليها الجزائر على المخالفات المعاقب عليها بموجب هذا القانون.
2- على سبيل المثال المادة 2من اتفاقيات فيينا لحماية طبقة الأوزون – الوثيقة الختامية – المبرمة في فيينا بتاريخ 22 مارس 1985 و التي انضمت إليها الجزائر بموجب ملحق المرسوم الرئاسي 92/54 جريدة رسمية رقم 17 المؤرخة في 29 مارس 2000 .
المبحث الأول
آليات الحماية الإدارية
بدأ الإشكال البيئي يطفو بطريقة موضوعية ابتداء من الثمانينات و ذلك بوضع الإطار القانوني لحماية البيئة لسنة 1983 عن معاينة أن البيئة تعتبر ركيزة أساسية في المساهمة في التطور الاقتصادي و الاجتماعي ،فالإستراتيجية الوطنية تمحورت أساسا في وضع عدة أهداف رامية إلى الحماية و الحفاظ من كل أشكال التلوث و ذلك بإدخال الإدارة كعنصر أساسي و توضيح معالم تدخلها كسلطة عامة .
وإن أعطى المشرَع الإدارة سلطة الضبط في مراقبة التوازن البيئي و ذالك بمنحها وسائل التدخل عن طريق استعمال امتيازات السلطة العامة إلا أنه قيدها بإتباع جسامة المخالفة المرتكبة ونوع التدخل ،وعادة ما تأخذ شكل الإخطار (الإعذار) ، الوقف الجزئي للنشاط أو الوقف الكلي عن طريق سحب الرخصة ، كما أن المتمعن في قوانين المالية يلاحظ آلية جديدة في يد الإدارة رسمها المشرع في قانون المالية 91 /25 لسنة 1992 وهو الرسم على التلويث خاصة لمواجهة آثار التلويث الصناعي .
المطلب الأول
الإخـــطار
وإن لم يعد الإخطار في حد ذاته جزاء في يد سلطة الإدارة و إنما عادة ما يأخذ شكل التنبيه لتذكير المخالف بإلزامية معالجة الوضع و اتخاذه التدابير الكفيلة للجعل من نشاطه مطابقا للمقاييس القانونية المعمول بها.
وقد تطرق المشرع إلى هذه الآلية في القانون الأساسي لحماية البيئة لسنة 1983، لاسيما المادة 53 منه ،الملغى بموجب القانون 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة لاسيما المادة 25 منه التي تنص " عندما تنجم عن استغلال المنشأة غير واردة في قائمة المنشآت المصنفة أخطار أو أضرار تمس بالمصالح المذكورة في المادة 18 أعلاه وبناء على تقرير من مصالح البيئة يعذر

الوالي المستغل و يحدد له أجلا لاتخاذ التدابير الضرورية لإزالة الأخطار أو الأضرار المثبتة ..." (1).
و يلاحظ من صلب النص أن المشرع الجزائري قد استعمل مصطلح الإعذار الذي يقابله بالنص الفرنسي مصطلح (mise en demeure) و ذلك لما يحظى به هذا المصطلح بقوة قانونية وذلك لدرء الخطر كخطوة أولى قبل المستغل و كملاحظة ثانية أن المشرع قد أدرج هذه المادة تحت الفصل الخامس بعنوان - الأنظمة القانونية الخاصة – لأن الهدف من الإخطار أو الإعذار هو حماية أولية قبل أخذ إجراءات ردعية أكثر صرامة.
كما ينص المرسوم الصادر في سنة 1994، الخاص بحماية مياه الحمامات المعدنية على أنه إذا رأى مفتش البيئة أو المصالح المختصة التابعة للصحة العمومية أن شروط استغلال المياه المعدنية غير مطابقة لعقد الامتياز فإن الوالي المختص إقليميا يرسل بناء على إعذار للمستغل بغرض اتخاذ الإجراءات الكفيلة بجعلها مطابقة و إذا لم يقم بذلك خلال المهلة المحددة له في الإعذار فإن الوالي يقرر وقف عمل المؤسسة مؤقتا إلى غاية تنفيذ الشروط (2) .
و قد نص القانون 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة في مادته 56 على أنه "في حالة وقوع عطب أو حادث في المياه الخاصة الخاضعة للقضاء الجزائري ، لكل سفينة أو طائرة أو آلية أو قاعدة عائمة تنقل أو تحمل مواد ضارة أوخطيرة أو محروقات من شأنها أن تشكل خطرا لايمكن دفعه ، و من طبيعته إلحاق ضرر بالساحل أو المنافع المرتبطة به ، بعذر صاحب السفينة أوالطائرة أو الآلية أو القاعدة العائمة باتخاذ كل التدابير اللازمة لوضع حد لهذا الإخطار ...".(3)
المطلب الثاني
سحب الترخيص
عملا بقاعدة توازي الأشكال فإن الإدارة تقوم بتجريد المستغل الذي لم يجعل من نشاطه مطابقا للمقاييس القانونية البيئية من الرخصة و ذلك عن طريق سحبها بقرار إداري و يعد من أخطر

1- المادة 25 من القانون 03/10 .
2- المادتان 38 و 39 من المرسوم 94/91 .
3- المادة 56 من القانون 03/10 .
4- رسالة الماجستير، حميدة جميلة، المرجع السابق
- في استمرارية المشروع خطر يداهم النظام العام ،إما الصحة العمومية أو الأمن العمومي أوالسكينة العامة .
- إذا لم يستوف المشروع الشروط القانونية التي ألزم المشرع ضرورة توافرها.
- إذا توقف العمل بمشروع من أكثر من مدة معينة حددها.
- إذا صدر حكما قضائيا بغلق المشروع أو إزالته.
ونجد لهذه الآلية في المنظومة التشريعية البيئية عدة تطبيقات منها ما نص عليها القانون 98/02 المتعلق بالقواعد العامة لحماية المستهلك في مادته 19 منها التي تنص على سحب المنتوج من حيز الاستهلاك من طرف السلطة بعد تحققها في عدم مطابقته .
كما نصت على هذه الآلية المادة 11 من المرسوم التنفيذي رقم 93/160 المتعلق بتنظيم النفايات الصناعية السائلة و التي تنص: "إذا لم يمتثل مالك التجهيزات في نهاية الأجل المحدد أعلاه ،يقدر الوالي الإيقاف المؤقت لسير التجهيزات المتسببة في التلوث،حتى غاية تنفيذ الشروط المفروضة وفي هذه الحالة يعلن الوزير المكلف بالبيئة عن سحب رخصة التصريف بناء على تقرير الوالي وذلك دون المساس بالمتابعة القضائية المنصوص عليها في التشريع المعمول "(1) .
واستعمل المشرع نفس الآلية في المادة 7 من المرسوم 93/162 الذي يحدد الشروط وكيفية استرداد الزيوت المستعملة ومعالجتها و في هذه الحالة يمكن سحب الاعتماد الذي يمنحه الوزير المكلف بالبيئة عندما يثبت تهاون أو عدم احترام الالتزامات المنصوص عليها في دفتر الشروط .
المطلب الثالث
وقف النشـاط
عادة ما ينصب وقف النشاط على المؤسسات ذات الصبغة الصناعية مما لها من تأثير سلبي على البيئة خاصة تلك المنبعثة منها الجزئيات الكيميائية المتناثرة جويا أو التي عادة ما تكرر زيوتا شحمية تؤثر بالدرجة الأولى على المحيط البيئي مؤدية إلى تلويثه أو المساس بالصحة العمومية .



1- المادة 11 من المرسوم التنفيذي رقم 93/160 .

وفي هذا المجال نص المشرع الجزائري على هذه الآلية الحمائية في المادة 6 من المرسوم التنفيذي رقم 93 /165 المنظم لإفراز الدخان والغاز و الغبار والروائح والجسيمات الصلبة في الجو :" إذا كان استغلال التجهيزات يمثل خطرا أو مساوئ أو حرجا خطيرا على امن الجوار وسلامته وملاءمته أو على الصحة العمومية ،فعلى الوالي أن ينذر المستغل , بناء على تقرير مفتش البيئة بأن يتخذ كل التدابير اللازمة لإنهاء الخطر والمساوئ الملاحظة وإزالتها ،وإذا لم يمتثل المستغل أو المسير في الآجال المحددة لهذا الإنذار , يمكن إعلان التوقيف المؤقت لسير التجهيزات كليا أو جزئيا بناء على اقتراح مفتش البيئة بقرار من الوالي المختص إقليميا دون المساس بالمتابعات القضائية ..."(1).
كما تناول قانون المياه رقم 83/17 في مادته 108،المعدل بموجب الأمر 96/13 نفس الحماية وذلك عن طريق إيقاف سير الوحدة المسببة في التلوث ،إلا أن الإيقاف يأخذ هنا شكل الطابع المؤقت إلى حين زوال التلوث وقد نصت هذه المادة في صلبها على ما يأتي : ( تقرر الإدارة إيقاف سير الوحدة المسؤولة عن التلوث إلى غاية زواله , عندما يشكل تلوث المياه , خطرا على الصحة العمومية أو يلحق ضررا بالاقتصاد الوطني )(2).
نفس المعنى تناولته المادة 25 في فقرتها الثانية من القانون رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة "... إذا لم يمتثل المستغل في أجل المحدد, يوقف سير المنشأة إلى حين تنفيذ الشروط المفروضة مع اتخاذ التدابير المؤقتة الضرورية بما فيها التي تضمن دفع مستحقات المستخدمين مهما كان نوعها "(3).
كما نلاحظ أن المشرع لم يهمل النص على حماية البيئة وذلك باشتراطه الموافقة القبلية من طرف المجلس الشعبي البلدي على إنشاء أي مشروع على تراب البلدية يتضمن مخاطرا من شأنها إضرار البيئة وهو نص المادة 92 من قانون البلدية لسنة 1990 ،وتناول نفس الهدف في نص المادة 58 من القانون 90/09 المتضمن قانون الولاية.


1- المادة 6 من المرسوم التنفيذي رقم 93/165.
2- المادة 108 من القانون 83/17 المعدل و المتمم بموجب الأمر 96/13 .
3- المادة 25 من القانون 03/10 .
كما أعطت المادة 212 من القانون رقم 01/01 المتضمن قانون المناجم للجهة القضائية الإدارية وفقا للإجراء الاستعجالي أن يأمر بتعليق أشغال البحث أو الاستغلال بناء على طلب السلطة الإدارية المؤهلة والتي تنص: " في حالة معاينة مخالفة كما هو منصوص عليها في المادة 210 أعلاه يمكن لرئيس الجهة القضائية الإدارية المختصة وفقا للإجراء الاستعجالي أن يأمر بتعليق أشغال البحث أو الاستغلال بناء على طلب السلطة الإدارية المؤهلة ويمكن للجهة القضائية أن تأمر في كل وقت برفع اليد عن التدابير المتخذة لتوقيف الإشغال أو الإبقاء عليها وذلك بطلب من السلطة الإدارية المؤهلة أو من المالك المستغل "(1).
إلا أن الملاحظ من هذا النص استعماله لازدواجية هيكلية في اتخاذ القرار،حيث أن المادة 212 قيدت سلطة الإدارة المؤهلة وهي إدارة المناجم أن تعلق بقرار منفرد أشغال البحث أو الاستغلال إلا بعد تقديم الطلب إلى الجهة القضائية الإدارية والتي هي الغرفة الإدارية .
وهو الشيء الذي يجعل في رأينا تعقيدا للإجراءات ،حيث أن عدم التعليق الفوري قد يؤدي إلى خطورة الأمر وما يؤكد ذلك أن المادة 212 تحيلنا على المادة 210 لنفس القانون هذه الأخيرة التي تتناول باب حماية البيئة , والتي تتطلب عادة عجلة السرعة في اتخاذ الأمر .
المطلب الرابع
العقوبة الماليـة
لقد سبق القول أن المشرع الجزائري استحدث آلية جديدة في قانون المالية 91/25 لسنة 1992 تتمثل في الرسم على التلويث وذلك في حالة تجاوز المستغل أو المنشأة للوسائل الكفيلة لحماية البيئة وهذه الآلية لها طابع مالي تساهم من جهة في الإيرادات العامة ومن جهة ثانية تفرض جزاء ماليا على مرتكبي المخالفات في حق النظام البيئي وقد ظهرت هذه الوسيلة في مختلف الأنظمة الدولية بعد انتشار الصناعة بعدما طرحت مشاكل بيئية عديدة و خطيرة.
وعادة ما تكون على شكل رسوم مالية على المواد الملوثة وتهدف أساسا هذه الرسوم إلى إزالة ومعاقبة كل ما تسبب في التلوث الصناعي ومن أجل ذلك وضعت عدة تدابير لازمة من أجل معالجة الأخطار والأضرار أو على الأقل التقليص من أثارها وذلك عن طريق اقتناء الأجهزة لتصفية الغبار والغازات وهذا ما حدث مع العديد من الوحدات الصناعية.

1- المادة 212 من قانون 01/01 .
من ذلك مؤسسة إنتاج الإسمنت و مؤسسة إنتاج الأسمدة الآزوتية " أسميدال " حيث اتخذ بشأنهما إجراءات إزالة التلوث تمثلت في تفكيك الوحدة الأكثر تلوثا وتعديل الإفرازات الغازية المحملة وكذلك الشأن بالنسبة لمركب الحديد والصلب بالحجار الذي وضع برنامجه في حيز التنفيذ وذلك بالترميم وتصليح الأفران العالية الحرارة من أجل تقليص الإفرازات الغازية المحملة بثاني أكسيد الكبريت وأكسيد الآزوت(1) .
وقد تضمن قانون المالية لسنة 1992 إحداث صندوق الوطني للبيئة في مادته 189 التي تفيد أن موارد الصندوق تشمل الرسم على النشاطات الملوثة أو الخطيرة على البيئة بالإضافة إلى حاصل الغرامات الناتجة عن المخالفات للتنظيم المتعلق بالبيئة وكذا التعويضات عن النفقات الخاصة بمكافحة التلوث المفاجئ الناتج عن تدفق المواد الكيميائية الخطيرة في البحر ومجالات الري والمياه الجوفية (2).
وبالرجوع إلى نص المادة 117 من نفس القانون نجد أن المشرع حدد هذا الرسم القاعدي بالنسبة للمنشآت المصنفة الخاضعة لإجراء التصريح بحوالي 3000 دج أما بالنسبة للمنشآت المصنفة الخاضعة لإجراء الترخيص بحوالي 30 ألف دج ،أما المنشآت التي لا تشغل أكثر من شخصين فقد خفض الرسم القاعدي إلى 750 دج .
و العبرة من وضع هذه الرسوم هي الموازنة بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة التي تقتضي الحفاظ على السلامة والصحة العامة ومحاربة كل أشكال التلويث وقد أخد هذا الرسم من مبدأ الملوث الدافع " pollueur payeur " وهو مبدأ اقتصادي principe économique لأن ضبط قيمة هذا الرسم تسمح بوضع سياسة مالية لمكافحة التلويث وتقليل من أثاره وعليه فله فعالية قد تنتهي إلى ظهور سوق التلويث marché de la pollution(3).
وخلاصة القول فإن الحماية الإدارية لديها وظيفة أساسية في مراقبة التوازن البيئي وقد سمح لها المشرع التدخل بمجرد دق ناقوس الخطر الداهم قبل وقوعه وذلك بتوجيهه الإنذار من طرف المصالح المؤهلة للمستغل أو بعد حدوث الخطر بتوقيفه عن طريق سحب الرخصة أو توقيف المنشأة كليا أو جزئيا .

1- حميدة جميلة ،المرجع السابق ،ص 154 .
2- المادة 189 من قانون المالية 91/25 لسنة 1992 .
3-Sousse marcel op.cit P 395
المبحث الثاني
الجزاء الـمدني
لقد سبق القول أن تطور الحياة الاقتصادية والعلمية الناجمة عن توسيع استخدام الآلات والمواد المضرة قد شكل عائقا كبيرا أمام تفاقم الأزمة البيئية التي يعيشها الإنسان حاليا مما دعى بالمشرع في كل الدول أن يتدخل محاولا منه إيجاد صيغة قانونية لإعادة هذا التوازن البيئي بدءا من استعماله لآلية الحماية الإدارية ،لكن لم يكتفي بهذا فقط بل أدخل نوعا جديدا من الحماية المدنية هذه الأخيرة تأخذ طابعا خاصا عن المفهوم التقليدي للمسؤولية المدنية في القانون المدني، لذا يجب أولا تحديد عناصر الضرر البيئي لتحديد المسؤولية ومن تم تحديد نوع التعويض المنجر عنه.
المطلب الأول
خصائص الضرر البيئي
ذهب العديد من الفقهاء الفرنسيين أن الضرر البيئي له صفات خصوصية تجعله يختلف عن تعويض الأضرار التي تنطبق عليها القواعد العامة للمسؤولية المدنية(1) .
وبالرجوع إلى قواعد المسؤولية المدنية في التشريع الجزائري ،فخصائص الضرر قد يكون مباشرا أو غير مباشرا ،متوقعا أو غير متوقعا وقد نصت المادة 124 من القانون المدني الجزائري على " كل عمل أيا كان ،يرتكبه المرء ( بخطئه) ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض"(2) .
والسؤال المطروح : هل تجد هذه المادة تطبيقاتها على الأضرار التي تصيب البيئة ؟ يرى الأستاذ Goulloud Renald أن للضرر البيئي أهم خاصية فيه هو مساسه بالمحيط الطبيعي بطريق غير مباشر وجماعي مما يطرح إشكالية وضع مقاييس التعويض عنه،كما أن القواعد العامة للتعويض في حالة القيام المسؤولية المدنية تحتوي على أحكام قليلة مقارنة بطبيعة هذا الضرر(3).
وتتمثل خصائص هذا الضرر كونه غير شخصي من جهة وضرر غير مباشر من جهة أخـرى
بالإضافة إلى أنه ضرر من طبيعة خاصة.

1- المسؤولية المدنية الناجمة عن أضرار التلوث الصناعي في القانون الجزائري ،وعلي جمال ،رسالة الماجستير ، جامعة تلمسان 2002-2003 .
2- المادة 124 من القانون المدني .
3-Sousse marcel.OpCit.
الفرع الأول
الضرر البيئي ضرر غيرشخصي
ويقصد بذلك أن الضرر يتعلق بالمساس بشيء لا يملكه شخص معين وإنما مستعمل من قبل الجميع دون استثناء ، إذ نجد أن أغلب التشريعات تعطي للجمعيات البيئية حق التمثيل القانوني للحد من الاعتداءات البيئية وهذا ما انتهجه المشرع الجزائر في الترسانة القانونية البيئية نذكر منها المواد 35-36-37- من القانون رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة فأتى نص المادة 36 بما يلي : " دون الإخلال بالأحكام القانونية السارية المفعول يمكن للجمعيات المنصوص عليها في المادة 35 أعلاه رفع الدعوى أمام الجهات القضائية المختصة عن كل مساس بالبيئية ،حتى في الحالات التي لا تعني الأشخاص المتسببين لها بانتظام"(1).
وهذا ما يؤكد أن الضرر الذي يمس البيئة ضرر غير شخصي لذا تماشى المشرع الجزائري مع فكرة إعطاء الجمعيات حق التمثيل القانوني والقضائي ضد المتسبب في ذلك ،كما نصت المادة 08 من القانون السالف الذكر على أنه يتعين على كل شخص طبيعي أو معنوي وبحوزته معلومات حول حالة مؤثرة على التوازن البيئي ومؤثرة على الصحة العمومية تبليغها إلى السلطات المحلية و /أو السلطة المكلفة بالبيئة لأن الضرر هنا لا يمس مصلحة الفرد كفرد وإنما يمس المصلحة الوطنية ككل.
الفرع الثاني
الضرر البيئي ضرر غير مباشر
يحل هذا النوع من الضرر بالوسط الطبيعي، وكثيرا ما لا يمكن إصلاحه عن طريق إعادة الحالة إلى أصلها كما هو معمول به أصلا في قواعد المسؤولية المدنية أوما يعرف بالتعويض العيني ومن الأمثلة الشهيرة في مجال اعتبار الضرر البيئي غير مباشر مجال الموارد المائية إذ غالبا عندما تمس بشكل من أشكال الثلوت الصناعي يصعب تقنيا إعادة الحالة إلى أصلها.



ــــــــــــــــــ
1- المادة 36 من القانون 03/10 .

الفرع الثالث
الضرر البيئي ذوطبيعة خاصة
إن الضرر البيئي له طبيعة خاصة لأنه لايمس الإنسان فقط في حد ذاته وإنما هذا الأخير جزء من الوسط الذي يعيش فيه وكثيرا ما يتعداه ليمس الثروة الحيوانية ، النباتية وممتلكات ثقافية سواء مادية منقولة أو عقارية بحكم طبيعتها.
وهذا مانصت عليه المادة 29 من قانون 03/10 " تعتبر مجالات محمية وفق هذا القانون ، المناطق الخاضعة إلى الأنظمة الخاصة لحماية المواقع والأرض والنبات والحيوان والأنظمة البيئية وبصفة عامة كل المتعلقة بحماية البيئة " (1).
المطلب الثاني
أنواع التعويض عن الضرر البيئي
إذا كان أساس التعويض عن الضرر البيئي مقتبس من المواثيق الدولية التي تعطي للأشخاص حق التمتع والعيش في بيئة سليمة إلا أن المساس بها يجعل التعويض قائما ضد مرتكبي المخالفة ،فأساس التعويض هنا لا يقوم على الخطأ بالمفهوم التقليدي لقواعد المسؤولية المدنية وإنما يرتكز على الضرر في حد ذاته وتغطيته، وهذا ما يعرف بمبدأ الملوث الدافع المنصوص عليه في الباب الأول تحت عنوان الأحكام العامة 03/10 الذي عرفه بما يلي : هو المبدأ الذي يتحمل بمقتضاه كل شخص يسبب نشاطه أو يمكن أن يتسبب في إلحاق الضرر بالبيئة ، نفقات كل تدابير الوقاية من الثلوت والتقليص منه وإعادة الأماكن وبيئتها إلى حالتها الأصلية .
وفي هذا المجال نجد أن الجزائر انضمت إلى اتفاقية برشلونة الخاصة بحماية البحر الأبيض المتوسط من الثلوت المبرمة في 16 فبراير 1976 .(2)


1- المادة 29 من القانون 03/10 .
2- المرسوم رقم 81/02 المؤرخ في 17 يناير 1981 ، المتضمن المصادقة على البروتوكول الخاص بحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث الناشئ عن رمي النفايات من السفن و الطائرات و الموقع في برشلونة يوم 16/02/1976 .
- أنظر كذلك المرسوم 81/03 المؤرخ في 17 يناير 1981 المتضمن المصادقة على البروتوكول الخاص بالتعاون على مكافحة تلوث البحر الأبيض المتوسط بالنفط و المواد الضارة الأخرى في الحالات الطارئة و الموقع في برشلونة يوم 16/02/1976 .

وكذلك اتفاقيات بروكسل الخاصة بالمسؤولية المدنية في حالة التلوث البحري و الأضرار الناجمة عن التلوث بالمحروقات (1) .
لذا يمكن لنا أن نصنف هذه الأنواع إلى :
الفرع الأول
التعويض العيــني
وهو التعويض الذي يطالب به الضحايا غالبا و ذلك استنادا لنص المادة 691 من القانون المدني التي تنص على إعادة الحالة إلى أصلها كما يجوز طلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف و على القاضي أن يراعي في ذلك العرف و طبيعة العقارات و يكون إعادة الحالة إلى أصلها عن طــريق غلق المنشأة الملوثة أو إعادة تنظيمها لكي تتماشى مع القوانين البيئية وفي حالة تعسف صاحب الحق يمكن للقاضي إرغامه عن طريق الغرامة التهديدية . .
ومما تقدم نخلص أن القاضي المدني يملك سلطة واسعة تمكنه من الأمر بإصلاح لأضرار الناجمة عن الأنشطة الصناعية الملوثة .
الفرع الثاني
التعويض النقدي
ما يلاحظ في نص المادة 691 من القانون المدني أنها و لو سمحت بإزالة الأضرار و إعادة الحالة إلى أصلها إلا أنها لم تنص على حق الجار المتضرر في المطالبة بالتعويض النقدي ،فقد يصاب الجار من فعل المنشأة بأضرار جسمانية مثلما حدث في المنشأة الصناعية الخاصة بالإسمنت بعنابة إذ أصيب عدد من المواطنين بمرض الربو ، فهذا المرض يستلزم اتخاذ تدابير علاجية تضطر بالمصاب دفع مبالغ باهظة للعلاج أو تؤدي هذه الغازات السامة إلى الإضرار بالمحاصيل الزراعية لذا فإن الحل الأمثل هو التعويض النقدي لأنه في مثل هذه الحالات يستحيل إعادة الحالة إلى أصلها


ـــــــــــــــ
1- أنظر الأمر 72/17 المتعلق بمصادقة الجزائر على الاتفاقية الدولية الخاصة بالمسؤولية المدنية الناجمة عن التلوث البترولي ،المنعقدة في بروكسل ج رع: 53 لـ 04/08/1972 .

ويعتبر التعويض النقدي القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية لذلك يشمل التعويض عن الضرر المادي و المعنوي و يتغير مبلغ التعويض بحسب طبيعة الضرر لذا فإن للقاضي سلطة واسعة في تقدير هذا التعويض ، و من الطرق التي يلجأ إليها القاضي، إما التقدير الوحدوي أي تقدير ثمن كل عنصر و ذلك بالاستعانة بجداول رسمية و هو النظام المعتمد في الولايات المتحدة الأمريكي وإما التقدير الجزافي و هو التقدير العام المعتمد عادة هنا في الجزائر ويرتكز القاضي فيه على تقرير الخبرة الذي يحدد العجز الجزئي الدائم و العجز المؤقت .
وعادة ما يكون التعويض جزء من المسؤولية الجنائية إذ يمكن للمتضررين أن يتأسسوا كأطـراف
مدنية بالتبعية للدعوى العمومية و في هذا السياق نصت المادة 157 مكرر 1 من الأمر 96/13 المعدل و المتمم للقانون رقم 83/17 المتضمن قانون المياه ، على: " ...و في هذا الشأن يمكن أن تـتأسس كطرف مدني أمام الجهات القضائية المختصة التي رفعت أمامها المتابعات إثر المخالفة المرتكبة ".













المبحث الثالث
الجزاء الجنــائي
لم يكتف المشرع الجزائري بالحماية المقررة بموجب أحكام القانون الإداري،و لا تلك الحماية المنصوص عليها في أحكام القانون المدني بل ذهب إلى أبعد من ذلك و أقر الحماية الجنائية للبيئة من خلال وضع جزاءات جنائية تطبق في حالة مخالفة القواعد القانونية المنصوص عنها في مختلف النصوص المتعلقة بحماية البيئة .
فلمواجهة المشاكل المرتبطة بالبيئة يقتضي تنفيذ القوانين المتعلقة بها ،و ذلك من خلال وضع قواعد جنائية تقوم عليها حماية البيئة ، أي تحديد القواعد التي لابد من احترامها لأجل حماية البيئة من جهة، و من جهة أخرى المعاقبة على مخالفتها(1).
فإذا كان الاعتداء على البيئة سواء بالإيجاب أو السلب يشكل جريمة فذلك كونه يهدد سلام المجتمع و أمنه و سكينته لذلك رتب القانون على هذا الاعتداء عقوبة و حتى و إن كان هذا الأخير ينصب هنا على البيئة و ليس على الفرد مباشرة .
لذلك هناك جانب من الفقه عرف الجريمة البيئية بأنها: " خرق لالتزام قانوني لحماية البيئة "(2) فهي بذلك تشكل اعتداء غير مشروع على البيئة بالمخالفة للقواعد النظامية التي تحظر ذلك الاعتداء وبيان العقوبات المقررة لها .
إن المشرع الجزائري من خلال النصوص القانونية المتعلقة بحماية البيئة اعتمد على القواعد المنصوص عنها في قانون العقوبات و هكذا وصفت الأفعال المجرمة بالمخالفات أو الجنح و في بعض الأحيان بالجنايات و هو نفس التقسيم المعتمد في التشريعات المقارنة ، أما بالنسبة للعقوبات المقررة فإنها أتت هي الأخرى متماشية مع ما تضمنه قانون العقوبات الجزائري من جزاءات .
و هكذا أقرت جل النصوص العقابية في مجال حماية البيئة عقوبتي الحبس أو الغرامة أو الحبس والغرامة معا أو السجن مع بعض التدابير الاحترازية.

1- الغوثي بن ملحة ،حماية البيئة في التشريع الجزائري ، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية الاقتصادية والسياسية ،العدد (3) لسنة 1994، ص 722.
2- أحمد عبد الكريم سلامة ، قانون حماية البيئة ، دراسة تأصيلية في الأنظمة الوطنية و الاتفاقية ، مطابع جامعة الملك سعود ،السعودية ،طبعة 1997 ،ص 21 .
و هو كما يرى البعض مسلك تقليدي كون أن المشرع الجزائري لم يتبع سياسة جنائية حديثة في مجال تجريم الاعتداءات على المكونات البيئية بالرغم من أن الفرصة كانت متاحة لوضع جزاءات بديلة تتماشى و السياسة الجنائية الحديثة .
و كونه يتعارض مع الخصوصية التي تتميز بها البيئة و التي تعد ضحية من نوع خاص و هذا نتيجة كون الضرر البيئي يظهر بفترة متباعدة عن تاريخ ارتكاب الجريمة مما يصعب مسالة تحديد الشخص المسؤول عن ذلك .(1)
المطلب الأول
تقسيم الجرائم الماسة بالبيئة
المشرع الجزائري فيما يخص الجزاء الجنائي اعتمد على القواعد المنصوص عنها في قانون العقوبات من جهة و على القواعد المنصوص عليها في التشريعات البيئية من جهة أخرى ، و هذه الجزاءات لها أهمية مقارنة بتلك المنصوص عنها في قانون العقوبات و التي تكمن في تجسيدها الفعلي لمبدأ المحافظة على حقوق الإنسان لاسيما حق العيش في بيئة سليمة تخلو من كافة صور التلوث والأمراض المختلفة ، و هو في نفس الوقت يعد حقا دستوريا نصت عليه مختلف دسـاتير دول العالم (2) .
فحسب قانون البيئة (3) كرس المشرع حماية جنائية لكل مجال طبيعي ، فمنع الاعتداء أوالمساس بالتنوع البيولوجي ، و البيئة الهوائية و المائية و كذلك البيئة الأرضية و المحميات إلى جانب المساحات الغابية (4) و ذلك من خلال نصوص تشريعية متنوعة تضمنت أحكاما جزائية تطبق بشأن المخالفين لها، مع عدم خروجها عن المسلك المتبع ضمن قانون العقوبات في مادته 25 التي تقسم الجرائم إلى ثلاثة أنواع: جنايات ،جنح و مخالفات .



1- عبـد اللاوي جواد ، الحماية الجنائية للبيئة ،دراسة مقارنة ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في الحقوق ،كلية الحقوق جامعة أبي بكر بلقايد ،تلمسان ،2004-2005 ، ص 8 .
2 - الدستور الجزائري ساير كلا من الدستورين الفرنسي و المصري في عدم النص صراحة على ذلك .
3- القانون رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة .
4- القانون رقم 84/12 المتعلق بالنظام العام للغابات ،المعدل بالقانون 91/05 .
الفرع الأول
الجنــايـــات
يعد قانون العقوبات القانون الأساسي للسياسة الجزائية في التشريع الجزائري و نجد فيه مجموعة من النصوص الخاصة المصنفة في القسم الأول و هي الجنايات ، في حين هذا النوع من الجرائم لم يذكره المشرع الجزائري في القانون الأساسي لحماية البيئة (1) .
في حين نجد بعض النصوص التشريعية المتعلقة بالبيئة تجرم بعض الأفعال و تصنفها ضمن الجنايات فعلى سبيل المثال بالنسبة للقانون المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها (2) ، و القانون المتعلق بالصحة (3) ،و القانون البحري (4) ، وهذه الجريمة كما ذكرنا سابقا نجد بعض تطبيقاتها في نصوص قانون العقوبات الجزائري ، فالمشرع أقر بحماية البيئة جنائيا من الإعتداءات الناجمة عن أعمال إرهابية ، و ذلك من خلال نص المادة 87 مكرر من قانون العقوبات التي جرمت الإعتداء على المحيط و ذلك بإدخال مواد سامة أو تسريبها في الجو أو في باطن الأرض أو إلقائها في مياه من شأنها أن تجعل صحة الإنسان أو الحيوان أو البيئة الطبيعية في خطر فهي أعمال تستهدف المجال البيئي ، كذلك القانون رقم 83/17 المعدل بالأمر 96/13 المادة 149منه تعاقب كل من أتلف عمدا منشآت المياه طبقا لأحكام المادة 406 من قانون العقوبات .
و الجرائم ضد البيئة التي تأخذ وصف الجنايات تتحقق بتوافر الأركان الثلاث التقليدية لأية جريمة الركن الشرعي ، الركن المادي ثم أخيرا الركن المعنوي ، إلا أن الطبيعة الخاصة للبيئة محل الحماية تجعل من هذه الأركان تتميز بصفات خاصة تعكس خصوصية هذه الجريمة .


1- القانون رقم 03/10 .
2-المادة 66 من القانون رقم 01/19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها التي تعاقب ... بالسجن من (5) الى (8)سنوات و غرامة مالية من 1 مليون دينار الي 5 ملايين دينار أو بإحداهما .
3-المادة 248 من القانون رقم 85/05 المتعلق بالصحة ،المؤرخ في 16/02/1985 التي تعاقب بالإعدام إذا كان طابع إحدى المخالفات المنصوص عليها بالمادتين 243،244 مخلا بالصحة المعنوية للشعب الجزائري .
4- المادة 500 من الامر 76/80 المؤرخ في 23/10/1976 ،المعدلة و المتممة بالمادة 42 من القانون رقم 98/05 المؤرخ في 25 يونيو 1998 ، ج رع: 47 ، التى تعاقب بالاعدام كل ربان سفينة جزائرية أو أجنبية ألقى عمدا نفايات مشعة في المياه التابعة للقضاء الجزائري .
أولا: الركن الشرعي :
فإذا كان الركن الشرعي في الجريمة البيئية الموصوفة جناية لا يطرح أي إشكال بالنظر إلى أن جل النصوص القانونية المتعلقة بالبيئة تعاقب على مخالفة أحكامها بالحبس و الغرامة أو بإحداهما فقط فتعد بذلك جنح أو مخالفات ،بينما الجرائم الموصوفة جنايات تكاد تنعدم فجميع الأحكام الجزائية التي تضمنها القانون رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة تعد جنح أو مخالفات كما أشرنا إليه سابقا كذلك جل النصوص المتعلقة بالبيئة باستثناء بعض المواد المتفرقة التي نص عليها قانون العقوبات.
كالمادة 87 مكرر و المادتين 396 فقرة 3 /4 و 401 المتعلقتين بجناية الحريق العمدي للغابات والحقول المزروعة و قطع الأشجار و بعض المواد الأخرى التي سبق الإشارة إليها كالمادة (42) من القانون رقم 98/05 المتضمن القانون البحري والمادة (66) من القانون رقم 01/19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها و كذلك المادة (149) من قانون المياه (1) .
ثانيا : الركن المادي :
يعد الركن المادي لأي جريمة بمثابة عمودها الفقري الذي لا تتحقق إلا به بحيث يشكل مظهرها الخارجي ، و لتوفر الركن المادي يشترط ثلاث عناصر و هي :
1- الفعل الإجرامي و يتمثل في قيام الشخص بكل إرادته و دون أي إكراه بفعل سلوك إيجابي محضور قانونا بغرض إتلاف الموارد البيئية .
2- الضرر الناجم عن السلوك و المتمثل في إتلاف الموارد البيئية أو هلاك الأموال أو تدميرها .
3- العلاقة السببية التي تربط بين الفعل الإجرامي و النتيجة .
ثالثا:الركن المعنوي :
و هو القصد الجنائي العمدي ، أي اتجاه نية الشخص إلى الإضرار بهذه الموارد و الممتلكات و تعريض صحة الإنسان أو الحيوان للخطر .



1- وهو القانون رقم 83/17 المؤرخ في 16 يوليو 1983 ،المعدل بالأمر 96/13 المؤرخ في 15 يونيو 1996.

الفرع الثاني
الجنـــح
جل النصوص التشريعية المتعلقة بالبيئة تعاقب على مخالفة أحكامها بالحبس أو الغرامة أوبإحداهما فقط ، فتعد بذلك جنح أو مخالفات ، فمن خلال قراءة نصوص القانون المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة (1) ، و القوانين الأخرى التي لها علاقة بحماية البيئة (2) .
فالجريمة البيئية تتحقق بتوفر أركانها الثلاث، الركن الشرعي، الركن المادي ، الركن المعنوي ، إلا أن الطبيعة الخاصة للبيئة محل الحماية تجعل من هذه الأركان تتميز بصفات خاصة تعكس خصوصية هذه الجريمة .
أولا: الركن الشرعي:
الركن الشرعي في الجريمة البيئية الموصوفة جنحة يخلق بعض الصعوبات نتيجة كثرة التشريعات من جهة و من جهة أخرى الطابع التقني الغالب على القانون البيئي في حد ذاته ، فهذا الثراء التشريعي نلمسه على المستوى الداخلي و نجده مجسدا كذلك على الصعيد الدولي من خلال العدد الهائل للاتفاقيات و المعاهدات الدولية المكرسة لحماية البيئة ، إلا أن له من جهة أخرى جانب إيجابي كونه يغطي جميع مجالات البيئة و يشملها بالحماية، وعلى هذا يكون المشرع قد جرم الاعتداء أوالمساس بالتنوع البيولوجي و البيئة الهوائية و المائية و كذلك البيئة الأرضية على النحو التالى :

1- القانون رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة ، المواد من ( 81 إلى 110 ).
2- أنظر القانون رقم 83/17 المعدل بالأمر 96/13 المتضمن قانون المياه ، المواد من ( 151 إلى 154 ).
- و القانون رقم 84/12 المعدل بالقانون 91/20 المتضمن النظام العام للغابات ،المواد من (71 إلى 87 ).
- و القانون رقم 01/19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها ،المواد من ( 55 إلى 63) .
- و القانون 01/10 المتعلق بالمناجم ، المواد من ( 179 إلى 191 و 211 ).
- و القانون رقم 01/11 المتعلق بالصيد البحري ، المواد : 82/1 ،89، 90 منه .
- والقانون 02/02 المتعلق بحماية الساحل و تثمينه ، المواد من ( 39 إلى 43 ).
- و القانون 98/04 المتعلق بحماية التراث الثقافي ، المواد من ( 93 إلى 104 ).
- و القانون 03/02 المحدد للقواعد العامة للاستعمال و الاستغلال السياحي ، المواد من ( 47 الى 53 ).
- و القانون 03/03 المتعلق بمناطق التوسع و المواقع السياحية ، المواد من( 43 الى 49 ) .
- و القانون 01/13 المتظمن توجيه النقل البري و تنظيمه .
- و القانون 04/07 المتعلق بالصيد ، المواد من (85 الى 99 ).
1- حماية التنوع البيولوجي :
و ذلك للحفاظ على التوازن البيئي سواء كان ذلك بخصوص الثروة الحيوانية أو النباتية و حتى الغابية و الثروة البحرية .
- فلأجل الحفاظ على الثروة الغابية جرم المشرع كل مساس بهذه الثروة سواء كان ذلك عن طريق الرعي في الأملاك الغابية و البناء داخل الغابات وبالقرب منها وكذا استغلال هذه الثروة بشكل غير منظم وكذا حرقها(1).
- وفي مجال الثروة النباتية منع إتلاف النباتات المحمية وتخريب الأوساط التي توجد بـها. والرعي والحرث العشوائيين(2) .
- وبخصوص الثروة الحيوانية نضم الصيد البري والبحري فمنع الصيد العشوائي والمعاملة السيئة للحيوان إلى جانب استعمال وسائل صيد غير مرخص بها(3).
2-حماية البيئة الأرضية والهوائية والمائية :
ففي هذا المجال جرم المشرع كل اعتداء على الثروات السطحية والباطنية للأرض وذلك من خلال حماية الساحل وحماية الوسط المائي العذب والبحار(4).
3-حماية البيئة الثقافية:
فالحماية كذلك تشمل البيئة الثقافية كالآثار التاريخية ثم امتدت لتشمل كذلك النهج المعماري داخل المدن (5)
4-حماية البيئة من المضار الأخرى :
كحمايتها من النشاطات الملوثة وذلك عن طريق وضع مواصفات تقنية محددة .




1-المواد 26،27، 45 من قانون الغابات .
2-المادة 40/2 من قانون حماية البيئة .
3-المادة 40/1 من قانون حماية البيئة و المادتين 94 و 102 من قانون الصيد البحري.
4-المادتين 94 و 102 من قانون المناجم و القانون المتعلق بحماية الساحل و قانون المياه .
5- القانون المتعلق بحماية التراث الثقافي و القانون رقم 02/08 المتعلق بشروط إنشاء المدن الجديدة و تهيئتها .
ثانيا- الركن المادي :
يعد أهم أركان الجريمة البيئية ،فالنصوص البيئية التنظيمية تجعل من مجرد الامتناع عن تنفيذ أحكامها جريمة قائمة في حد ذاتها.
1-الجرائم البيئية الشكلية:
ويتمثل السلوك الإجرامي في هذا النوع ،من الجرائم في "عدم احترام الالتزامات الإدارية أوالمدنية أو الأحكام التقنية والتنظيمية كغياب الترخيص ،أو القيام بنشاط غير موافق للأنظمة" وهذا بغض النظر عن حدوث ضرر بيئي ومن أمثلتها عدم احترام الشروط اللازمة لنقل البضائع والمواد الحساسة ¬(1) فهذا النوع من التجريم يسمح بحماية البيئة قبل حدوث الضرر.
2-الجرائم البيئية بالامتناع:
فهي تقع نتيجة سلوك سلبي من الجانح
3-الجرائم البيئية بالنتيجة:
فهذه الجرائم لا تقع إلا من خلال إعتداء مادي على إحدى المجالات البيئية سواء كان ذلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة ومن أمثلتها جرائم الإعتداء المادي على الثروة الحيوانية والثروة البحرية.
فإلى جانب السلوك الإجرامي لابد من توافر علاقة سببية بين فعل الجانح والضرر البيئي (النتيجة) لمتابعة الجانح عن أفعاله.
ثالثا:الركن المعنوي:
أغلب النصوص البيئية لا نجدها تشير إلى الركن المعنوي مما يجعل أغلب الجرائم البيئية جرائم مادية تستخلص المحاكم الركن المعنوي فيها من السلوك المادي نفسه،وتكتفي النيابة العامة بإثبات الركن الشرعي والمادي للجريمة لينجم عن ذلك قيام مسؤولية المتهم ،فلقد تم تمديد قاعدة عدم ضرورة إثبات وجود الخطأ الجنائي من مادة المخالفات والتي تعد كثيرة في المجال البيئي فلا نجد في النصوص البيئية ما يشير إلى ضرورة توفر قصد ارتكاب هذه الجرائم(2).


1-المادتين 04 و 05 من المرسوم التشريعي رقم 94/16 المتعلق بشروط ممارسة أعمال حراسة الاموال و المواد الحساسة و نقلها
2- عبد اللاوي جواد ، مرجع سابق ، ص 34 .

الفرع الثالث
المخالفــــات
تعد المخالفات كثيرة في المجال البيئي فلقد وردت هذه الجرائم في العديد من النصوص القانونية الخاصة بحماية البيئة ،بل أغلب الجزاءات المقررة لمخالفة أحكام هذه النصوص تعد جنح ومخالفات(1).
والمخالفة في الجرائم البيئية تتحقق بتوفر أركانها.
أولا: الركن الشرعي:
فالمشرع الجزائري وضع نصوص لحماية البيئة وأقر جزاءات على مخالفة أحكامها ،فشمل جميع المجالات البيئية بالحماية (2) ،وما قيل عن الجنح يقال كذلك عن المخالفات ،فمن خلال هذه النصوص منع الاعتداء أو المساس بالتنوع البيولوجي والبيئة الهوائية والمائية وكذلك الأرضية وحتى الثقافية