منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - بحوث الخاصة اولى جامعي ارجوالتيت
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-11-18, 23:04   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
sarasrour
محظور
 
إحصائية العضو










B10 ارجو الدعاء لي بالفرج والهداية والنجاح لي ولكل من دعا لي

هذه الحوث الخاصة الدستوريمقدمة:
ليست الدول جميعا من نمط واجد من حيث تكوينها السياسي، و كيفية ممارستها للسلطة، و حدود هذه
السلطة في الداخل و الخارج، و تنقسم الدولة عادة إلى أنواع، و ذلك اســتنادا على معايــير النظر إليها.
فقد يــنظر إلى الدولة من زاوية السيادة، أي مقدار ما تمارسه الدولة من سيادة داخل إقليمها أو خارجها
و من هذه الناحية فإن الدول تنقسم إلى مجموعتين رئيسيتين هما: الدول الكاملة السيادة و الدول الناقصة
السيادة.
فإذا ما كانت الدول تمارس سيادتها كاملة ( في الداخل و الخارج ) دون أن تخضع لأي سيادة فهي دولة
ذات سيادة، أما حين يعيق تصرف الدولة مانع يمنعها من حرية التصرف المطــلـق ( داخليا و خارجيا )
فإنها تعد دولة ناقصة السيادة، و من أمثلة الدول الناقصة السيادة: الدول الموضوعة تحت الانتداب، أو
تحت الوصاية أو تحت الحماية… أو الدول المستعمرة ( بالفتح ).
و قد ينظر إلى الدول من حيث كـيـفية مـمارستها للسـلطـة بـمعنى هل فيها هيئة واحـدة، و يـخضـع لهـذه
الممارسة شعب دولة بكامله، أم أن ممارسة السلطة تتجزأ بين هيئات مختلفة مركزية و محلية و لا يخضع
شعبها بذات الدرجة لهذه السلطات المتعددة.

المبحث الأول: الدول البسيطة الموحدة
المطلب الأول: تعريف الدول البسيطة الموحدة
الدول الموحدة هي تلك الدول البسيطة في تركيبها الدستوري حيث تكون السلطة فيها واحدة و يكون شعبها وحدة بشرية متجانسة تخضع لدستور واحد و قوانين واحدة داخل إقليم الدولة الموحدة.
و سوف نعرض فيما يلي خصائص الدولة الموحدة من جهة و دراسة موضوع المركزية و اللامركزية داخل الدولة الموحدة من جهة أخرى.
المطلب الثاني: خصائص الدول الموحدة
تتميز الدولة الموحدة بكون التنظيم السياسي للسلطة فيها واحد تتجسد في جهاز حكومي الموحد الذي يضطلع بجميع الوظائف في الدولة طبقا للقواعد الدستورية فيها هذا من ناحية.
و من ناحية ثانية تكون الدولة الموحدة متحدة في عنصرها البشري حيث تخاطب السلطة السياسية فيها جماعة متجانسة، بالرغم من ما قد يوجد من اختلافات فردية بين أعضاء الجماعة كما يخضع الجميع في الدولة الموحدة لقرارات صادرة من الهيئات الحاكمة و أخيرا يغطي التنظيم الحكومي جميع أجزاء إقليم الدولة بطريقة متجانسة دون اعتبار الفوارق الإقليمية أو المحلية.
و على ذلك فإن الدولة الموحدة تتميز بعدم تجزئة السلطة الحكومية فيها سواء في تكوينها أو طريقة ممارستها لاختصاصاتها كما تتميز بوحدة السلطة التشريعية التي تتولى سن القوانين التي يخضع لها أفراد شعبها، و بوحدة السلطة القضائية التي يلجئ إليها هؤلاء الأفراد بالفصل فيما يثور بينهم من نزاعات، و إذا كانت القاعدة العامة في الدولة الموحدة – كم رأينا- هي وحدة السلطة و ممارستها على مجمل إقليم الدولة بطريقة موحدة لمواجهة جميع الساكنين بقوانين موحدة يخضعون لها عند تماثل الظروف فإنه عند اختلاف الظروف ببعض أقاليم الدولة فإنها قد تضطر إلى تطبيق قوانين مغايرة على بعض الأقاليم التي تخضع لظروف خاصة بيئية أو سكانية كاستثناء على القاعدة العامة إلى أن يتم تغير هذه الظروف و الأمثلة كثيرة للدول الموحدة لأن معظم دول العالم دولا موحدة كجمهورية مصر العربية و الجمهورية اللبنانية و غالبية الدول العربية و فرنسا و بلجيكا و هولندا و اليابان و غيرها من الدول.
المطلب الثالث : المركزية و اللامركزية الإدارية في الدولة الموحدة
وحدة السلطة الحكومية في الدولة الموحدة و بساطة تركيبها الدستوري لا يمنعان من توزيع الاختصاصات
المعهود إلى السلطة الإدارية أي الأخذ بنظام اللامركزية الإدارية.
إذ تملك الدولة الموحدة حرية الاختيار بين نظام المركزية الإدارية أو تطبيق اللامركزية الإدارية بجوارها طبقا لما تراه محققا لصالحها العام.
الفرع الأول : المركزية الإدارية
إذا تركزت الوظيفة الإدارية في الدولة في يد السلطة المركزية في العاصمة بحيث تمارسها بنفسها أو بواسطة موظفين تابعين لها ينتظمون بالسلم الإداري و يخضعون لسلطتها الإدارية مع عدم منح أية اختصاصات مستقلة ووحدات إدارية مصلحية أو محلية فنحن نواجه نظاما إداريا مركزيا، و ينتسب هذا النظام لعدة مزايا تتلخص في تحقيقه الوحدة الوطنية و توفيره للنفقات و إتاحة الفرصة لموظفي الإدارة المركزية لاكتساب خبرة و كفاءة إدارية عالية، و مع ذلك يوجه إلى النظام العام عدة انتقادات تتلخص في عدم تعرف الإدارة المركزية في العاصمة على حقيقة المشاكل التي تواجه أقاليم الدولة مما يؤدي إلى حرمان سكان بعض الأقاليم من الخدمات العامة و من مواكبة التركيز الإداري.
و بالنسبة لكيفية ممارسة الوظيفة الإدارية داخل النظام المركزي فإنه يوجد أسلوبين هما :
- التركيز الإداري
- عدم التركيز الإداري .

و يقصد بالتركيز الإداري تجمع سلطة البت و التقرير في يد الرئيس الإداري بصدد جميع المسائل الداخلية في اختصاصاته أما عدم التركيز الإداري فيعني قيام الرئيس الإداري بنقل سلطة التقرير النهائي في بعض اختصاصاته إلى نوابه و رؤسائه لكي يتفرغ للقيام بمهمة الإشراف و التوجيه و التخطيط داخل إدارته.
و نلاحظ أن فقهاء القانون العام يعرضون لدراسة التركيز و عدم التركيز عادة باعتبارهما صورتين للنظام المركزي، فإذا كانت قاعدة عدم التركيز قد ظهرت في النظام المركزي بقصد التخفيف من تركيز السلطة فهذا أمر طبيعي نظرنا لأن اللامركزية الإدارية بصورتيها المرفقية أو الإقليمية لم تظهر إلا حديثا بالمقارنة مع النظام المركزي العتيق.
الفرع الثاني : اللامركزية الإدارية
يسمح النظام اللامركزي بتوزيع الاختصاصات بين الجهاز المركزي للدولة و الوحدات الإدارية المرفقية أو المحلية فيها،إذ تمنح هذه الوحدات بسلطة البت و التقرير فيما يتعلق في الاختصاصات التي خولها القانون على أن تخضع برقابة و إشراف السلطة المركزية، و يتركز الهدف من فرض هذه الرقابة أو الوصاية الإدارية في الحفاظ على وحدة الدولة لأنه لو استقلت الهيئات اللامركزية المصلحية أو المحلية استقلالا كاملا و تخلصت من السلطة المركزية عليها لتحولت اللامركزية الإدارية إلى لامركزية سياسية، ولتغير شكل الدولة على الفور من دولة بسيطة إلى دولة مركبة و بمعنى أدق تتحول الدولة الموحدة إلى دولة اتحادية ( فدرالية).

المبحث الثاني : الدولة المركبة
المطلب الأول : تعريف الدولة المركبة.
يقصد بالدولة المركبة هي تلك الدول التي يربط بينها نوع من أنواع الإتحاد بحيث تخضع لسلطة سياسية مشتركة و لا يعني قيام نوع من أنواع الإتحاد بين عدد من الدول أن تتحول هذه الدول بالضرورة إلى دولة واحدة، ‘ إذ أن الأمر يتوقف على نوع الإتحاد المتفق عليه، و مدى الاندماج الذي يسمح به بين الدول الداخلة فيه.
المطلب الثاني: الإتحادات المنشئة لشخص دولي جديد
الفرع الأول: الإتحاد افعلي أو الحقيقي :
تفقد الدول الداخلة في الإتحاد الحقيقي شخصيتها الدولية وتٌُكوّن لها شخصية دولية جديدة على أن تحتفظ كل دولة بدستورها و قوانينها و نظامــها الإداري في الداخــل، ويرجع ذلك إلى أن الإتحاد الفعلي لا يكتفي بوحدة شخص رئيس الدولة كما هو الحال في الإتحاد الشخـصي و إنما يقــيم رباطا قويا بين الأعضاء عن طريق شخصية الإتحاد التي تعتبر الدولة الوحيدة على الصعيد الدولي و يتولى الشؤون الخارجية و إدارة شؤونها الدولية و الدبلوماسية و الدفاع و قيادة العمليات العسـكرية و يترتـب على اندماج الدول الأعضاء في الإتحاد أن تتوحد السـياسة الخـارجيـة و كذلك التمثيل الدبـلومـاسي و أن يـــتقيــد الأعـــضاء بما يعقده الأعضاء من معاهدات و اتفاقيات دولية و تشـمل الحرب بين الإتحاد و دولة أجنبية جميع الأعمار، كما أن الحرب التي تقوم بين الأعضاء تعتبر حرب أهلية لا حرب دولية و من أمثلة الإتحاد الحقيقي :
الإتحاد بين السويد و النرويج إبتداءا من سـنـة 1815م . تـحـت حكم مــلـك السـويد الذي استمر حتى عام 1905م عنـدمــا انـفصلت الدولتان بمقتضى معاهدة ستوكهولم و كذلك الإتحاد الذي تم بين النمسا و المجر في الفترة ما بين سـنـة 1867م و سنة 1918م، و انـتـهـى بـهزيمـة الـنـمسا و الـمجر في الـحرب العالمية الأولى .






الفرع الثاني : الإتحاد المركزي ( الفدرالي)
الإتحاد المركزي هو اتحاد ينظم عدة دول تندمج جميعها في دولة اتحادية واحدة تنهض بجميع الاختصاصات الخارجية، باسم جميع الأعضاء، و تتولى كذلك إدارة جانب من الشؤون الداخلية لدويلات الإتحاد أو ولايته و بذلك لا يعتبر الإتحاد المركزي بعد قيامه اتحادا بين دول مستقلة و إنما هو دولة واحدة مركبة تضم عدة دويلات أو ولايات أي أنه دولة عليا فوق الدول الداخلة في الإتحاد التي ذابت شخصيتها في الشخصية الدولية للدولة الاتحادية ، و على هذا الأساس فإن الدويلات الأعضاء في الدولة الاتحادية لا تملك الحق في الانفصال كما هو الشأن الدول الأعضاء في الاتحاد التعاهدي و لهذا كان من الطبيعي أن تكون عناية القانون الدستوري كبيرة لدراسة الدولة الاتحادية، إذ يستند هذا الاتحاد إلى الدستور الاتحادي و ليس إلى معاهدة دولية كما هو الحال بالنسبة للإتحادات الأخرى التي تحتفظ فيها الدول الأعضاء بشخصيتها الدولية الكاملة و تخضع في علاقاتها فيما بينها لقواعد القانون الدولي العام.
أ- كيفية نشأة الاتحاد المركزي و انتهاؤه:
تنحصر طرق نشأة الإتحاد المركزي في طريقتين أساسيتين، تتمثل الطريقة الأولى في اندماج عدة دول مستقلة في الاتحاد و تسمى هذه الطريقة fédération par agréation و هي الطريقة السائدة في نشأة الاتحاد المركزي.
و قد قامت الدولة الاتحادية في سويسرا و الولايات المتحدة الأمريكية و استراليا و ألمانيا و كندا ز جنوب إفريقيا بهذه الطريقة
أما الطريقة الثانية فتحدث عند تفكك دولة موحدة إلى عدة دويلات صغيرة يجمعها الاتحاد المركزي و يطلق عليها fédération par ségréation و بها نشأ الاتحاد المركزي في روسيا و البرازيل و الأرجنتين و المكسيك.
وأيًا ما كانت الطريقة التي نشأ بها الاتحاد المركزي، فإن قيام هذا الاتحاد يهدف إلى التوفيق بين اعتبارين أساسين، رغبة الدول الأعضاء في الاتحاد في تكوين دولة واحدة ( أي فكرة المشاركة )، و رغبتها في المحافظة على استقلالها الذاتي بقدر الإمكان أي فكرة الاستقلال الذاتي ، و قد انتشر نظام الاتحاد المركزي بين دو العالم في خلال القرنين التاسع عشر و القرن العشرين بعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1787 م .
ب- أسس الوحدة في الاتحاد المركزي :
يقوم الاتحاد المركزي على عدة أسس للوحدة تتمثل في عدد من المظاهر سواء على الصعيد الدولي الخارجي أو في الميدان الداخلي.
أسس الوحدة في النطاق الدولي :
1-يقوم الاتحاد المركزي على أساس وحدة الشخصية الدولية، إذ أن الدولة الاتحادية هي المتعاملة مع دول العالم في جميع المجلات إبتداءا من إبرام المعاهدات و إقامة التمثيل الدبلوماسي و إنشاء العلاقات التجارية و الثقافية و غيرها من العلاقات الدولية و انتهاءا بالدخول في حالة حرب مع دولة أو دول أجنبية و ذلك أن الدولة الاتحادية وحدها القادرة على التعامل مع العالم الخارجي و هي المخاطبة بقواعد القانون الدولي و هي وحدها تتحمل المسؤولية الدولية.
2-يظهر رعايا الدولة الاتحادية كشعب واحد يتمتع بجنسية موحدة أما انتمائهم إلى الدويلات الداخلة في الاتحاد فلا يعدو أن يكون مجرد رعوية أو مواطنة، و هذه المٌُوَاطنة لا تتعارض مع الجنسية الموحدة للدولة الاتحادية، فلا توجد إذن جنسية مزدوجة لرعايا الدولة الاتحادية في مفهوم القانون الدولي الخاص.
3-يقوم الاتحاد المركزي على إقليم موحد يمثل الكيان الجغرافي للدولة الاتحادية في مواجهة العالم الخارجي و يتكون من مجموع أقاليم الدويلات المكونة للإتحاد .


أسس الوحدة في الميدان الداخلي:
تتلخص أسس الوحدة في المجال الداخلي في وجود دستور اتحادي و في السلطة التشريعية الاتحادية و السلطة التنفيذية و أخيرا في السلطة القضائية الاتحادية
الدستور الاتحادي :
يحظى الدستور الاتحادي بمكانة هامة في دراسة الاتحاد المركزي لأنه يمثل حجر الزاوية و الأساس القانوني الذي تقوم عليه الدولة الاتحادية.
و تلزم الموافقة على مشروع الدستور الاتحادي من السلطة التأسيسية الأصلية في كل دولة من الدول الداخلة في الاتحاد بالإضافة إلى موافقة المجلس النيابي في كل دولة على معاهدة الاتحاد لكي يدخل الدستور حيز التنفيذ و ذلك في حالة قيام الاتحاد المركزي بين عدة دول موحدة .
أما في حالة تَكَوّن الاتحاد نتيجة تفكك دولة بسيطة إلى دولة اتحادية، فإن إجراءات وضع الدستور الاتحادي تكون أبسط بكثير من مثيلها في الحالة الأولى و بعد أن تقوم السلطة الاتحادية بإصدار الدستور الاتحادي تصبح جميع السلطات و الهيئات الاتحادية و سلطات الولاية ملزمة بهذا الدستور.
و يتميز الدستور الاتحادي بأنه دستور مكتوب، كما أنه دستور جامد غير مرن إذ لا يجوز تعديله بقانون عادي، و يرجع ذلك إلى الأهمية الكبيرة لهذا الدستور إذ أنه يتولى تحديد اختصاصات الحكومة المركزية و البرلمان الاتحادي و كذلك حكومات الولايات و لهذا فإن على جميع هذه الهيئات أن تحترم نصوصه دون ارتكاب أدنى مخالفة لها.
السلطة التشريعية الاتحادية :
تتكون السلطة التشريعية في الدولة الاتحادية من مجلسين، كقاعدة عامة ، المجلس الأول هو مجلس الشعب الذي يمثل الشعب في مجموعة و ينتخب نوابه بما يتناسب مع سكان كل ولاية بالاقتراع العام المباشر في كثير من الدول الاتحادية.
و ينتج عن ذلك أن ترسل كل ولاية عددا من النواب يختلف عن الولايات الأخرى فولاية ذات كثافة سكانية كبيرة كولاية نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية ستبعث بعدد كبير من النواب بخلاف الولايات الصغيرة التي ستنتخب عددا محدودا منهم، و من الظاهر أن هذه المجالس تحقق الأمن و المساواة بين الأفراد الناخبين في حين أن الواقع يقر غير ذلك حيث يتم وقوع الدول الصغيرة تحت ضغط الولايات الكبيرة.
أما المجلس الثاني فهو مجلس الولايات و يتشكل من عدد متساوي من الممثلين لكل ولاية بصرف النظر على مساحتها أو ثقل سكانها أي أنه لا يتكون طبقا للمساواة بين الأفراد و إنما على أساس المساواة التامة بين ولايات الاتحاد.
أما عن سلطات المجلس فإننا نجد أنه في معظم الدول الاتحادية المعاصرة يتساوى مجلس الولايات ( المجلس الأعلى ) مع المجلس الشعبي ( المجلس الأدنى ) في السلطة التشريعية بحيث يشترط موافقة كل متهما على كل مشروعات القوانين الاتحادية قبل إصدارها.
السلطة التنفيذية الاتحادية :
تتكون السلطة التنفيذية الاتحادية من رئيس دولة و حكومة اتحادية، و نظرا لأن معظم الدول الاتحادية تأخذ بالنظام الجمهوري فإن رئيس الدولة ينتخب عن طريق شعب الدولة الاتحادية في مجموعة و تختلف الدول الاتحادية في الأساليب التي يتم بها تنفيذ القوانين و القرارات الاتحادية، هذه الأساليب هي :

- أسلوب الإدارة الغير مباشرة .

- أسلوب الإدارة المباشرة .

-أسلوب الإدارة المختلطة.

1- أسلوب الإدارة الغير مباشرة :
يعتمد هذا الأسلوب على الإدارة المختلفة للولايات لتنفيذ القوانين الاتحادية لأن الحكومة المركزية لم تنشئ إدارات محلية خاصة بها في الولايات لـتأمين تنفيذ هذه القوانين و هذا هو الأسلوب الذي اتبعه الدستور الألماني الصادر سنة 1871م و كذلك الدستور الصادر سنة 1919م، و يحقق هذا الأسلوب ميزة الاقتصاد في النفقات كما يحقق الانسجام بين الإدارة الاتحادية و إدارة الولايات و لكنه يؤدي في بعض الأحيان إلى التأخير في تطبيق القرارات نتيجة لتراضي الموظفين المحليين في التنفيذ.
2- أسلوب الإدارة المباشرة :
فلا يوجد فيه عيب أو تأخير أو القصور في تنفيذ القوانين الاتحادية و ذلك ـن الإدارة الاتحادية يكون لها إدارات في مختلف الولايات تتبعها و تأتمر بأوامرها دون أن تخضع لإدارة الولايات، و لكن نظرا لما يحتاجه هذا الأسلوب من نفقات مالية كبيرة فإننا نجده في البلدان الغنية فقط كالولايات المتحدة الأمريكية و ينتقد هذا الأسلوب بأنه يؤدي إلى تعقيد شديد في الجهاز الإداري و إلى وقوع تنافر بين الإدارة و الولايات.
3- أسلوب الإدارة المختلطة :
يقوم هذا الأسلوب على أساس إنشاء بعض الإدارات الاتحادية في الولايات لكي يقوم موظفو الدولة الاتحادية بتنفيذ بعض القوانين، على أن تتولى الولايات الأعضاء في الاتحاد مهمة تنفيذ القوانين الأخرى و هذا هو الأسلوب الذي طبق في النمسا دستور 1922م و في سويسرا أيضا.
السلطة القضائية الاتحادية :
تتولاها محكمة عليا اتحادية و قد يعاونها بعض المحاكم الاتحادية التي تتوزع في أنحاء الدولة الاتحادية و تتلخص مهمتها في الفصل في المنازعات التي تهم الدولة بصفة عامة، و فيما يثور بين الدولة الاتحادية و الولايات من خصومات و يعتبر وجود محكمة دستورية أمر ضروري في الدولة الاتحادية لمراقبة دستورية القوانين الاتحادية و القوانين التي تصدرها الولايات و يجوز للمحكمة أن تصدر أحكامها من ستة قضاة فقط يمثلون النصاب القانوني و يختار رئيس المحكمة العليا و أعضائها عن طريق رئيس الجمهورية من بين الشخصيات السياسية لمدى الحياة على أن تتم موافقة مجلس الشيوخ على هذا الاختيار.
جـ-مظاهر استقلال الولايات :
تستقل كل دويلة من الدويلات الأعضاء في الاتحاد المركزي بقدر كبير من الاستقلال الذاتي، إذ تختص كل منها بدستور و بحكومة خاصة و بمجلس نيابي و كذلك قضاء خاص يتولى تطبيق القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية لكل ولاية في النطاق الإقليمي لها.
- الدستور :
لكل دويلة عضو في الاتحاد المركزي الحق في أن يكون لها دستور خاص بها تتولى وضعه السلطة التأسيسية فيها بكامل الحرية و تملك حرية تعديله و كذلك دون أي قيد، إلا تلك القيود التي يفرضها الدستور الاتحادي على جميع الولايات كما رأينا.
- السلطة التشريعية :
يقوم سكان كل ولاية بانتخاب برلمانها لكي يتولى السلطة التشريعية فيها عن طريق سن القوانين الخاصة بالولايات و المنظمة للحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية فيها، و ذلك في الحدود الدستورية التي رسمها دستور الولاية و من فوقه الدستور الاتحادي.
- السلطة التنفيذية : تتولى المهام السياسية و الإدارية في كل ولاية حكومة خاصة بها، تعمل بصفة مستقلة عن الحكومة الاتحادية دون أن تخضع لأي نوع من الرقابة أو التوجه من جانب السلطة المركزية في العصمة الاتحادية.




- السلطة القضائية :
تنشئ كل ولاية محاكم خاصة بها تتولى تطبيق قوانينها و الفصل في النازعات التي تثور بين مواطنيها في النطاق الجغرافي لحدودها الإقليمية و ذلك بجوار القضاء الاتحادي، و هكذا يتبين لنا أن الدول الداخلة في الاتحاد المركزي و إن فقدت شخصيتها الدولية و سلطتها في النطاق الدولي فإنها تحتفظ بجزء كبير من هذه السلطات في الميدان الداخلي حيث يكون لكل منها سلطات تشريعية و تنفيذية و قضائية خاصة فضلا عن قيامها بالمشاركة – على قدم المساواة – في تكوين الهيئات و المؤسسات الاتحادية المختلفة التي تسير الأمور على مستوى الدولة الاتحادية في مجموعها.
د- توزيع الاختصاصات في الدولة الاتحادية الفدرالية :
يختلف توزيع الاختصاصات في الدولة الاتحادية الفدرالية بحسب ظروف كل دولة حيث يتخذ هذا التوزيع عدة أساليب :
1- حصر اختصاصات الحكومة الفدرالية بحيث تكون الصلاحيات الغير واردة في هذا الحصر من اختصاص الدول الأعضاء في الاتحاد الفدرالي و هو الأسلوب الأكثر انتشارا و هذا الفصل يكون بمقتضى الدستور الفدرالي .
2- حصر اختصاصات الحكومة الفدرالية بحيث تكون الصلاحيات الغير واردة في هذا الحصر من اختصاص الدول الأعضاء في الاتحاد الفدرالي و هو الأسلوب الأكثر انتشارا و هذا الفصل يكون بمقتضى الدستور الفدرالي .
3- تحديد الاختصاصات للحكومة المركزية و للدول الأعضاء في حال واحد
و يستلزم هذا الوضع إحداث هيئة تحدد الاختصاص في المسائل التي لم يحددها الدستور ة أيا كانت هذه الطريقة المتبعة في توزيع الصلاحيات بين السلطة الفدرالية و سلطات الدول الأعضاء في الاتحاد الفدرالي فإن الحكومة الفدرالية تختص بالمسائل الهامة في حيث تختص الحكومات المحلية بالمسائل ذات الطابع المحلي .

هـ-الفرق بين الاتحاد المركزي و اللامركزية الإدارية :
في هذا النطاق يتعرض فقه القانون العام عادة لدراسة الفوارق الأساسية بين الاتحاد المركزي أو اللامركزية السياسية و اللامركزية الإدارية و التي سنلخصها فيما يلي :
1-تتعلق اللامركزية السياسية بالنظام السياسي للاتحاد المركزي و توزيع السلطات بين الدولة الاتحادية و الولايات التي تعتبر وحدات سياسية تتمتع بالاستقلال الذاتي وبدستور خاص بها في حين تٌُعَبِرٌُ اللامركزية الإدارية عن نظام إداري يتم عن طريقة توزيع الوظيفة الإدارية بين السلطة الإدارية و المركزية و الهيئات المصلحية أو الإقليمية التي لا تعدو أن تكون وحدات إدارية بحتة .
2- تخضع المحافظات و الأقاليم في اللامركزية الإدارية لذات القوانين المطبقة في جميع أرجاء الدولة أما الولايات في الدولة الاتحادية فتتمتع بالحق في تطبيق قوانينها الخاصة التي سنتها سلطتها التشريعية المستقلة عن السلطة التشريعية الاتحادية .
و يمثل هذا الفارق المعيار الهام للتفرقة بين الدولة الاتحادية و الدولة الموحدة
3- تتمتع الدويلات الأعضاء في الاتحاد المركزي بسلطات تشريعية و تنفيذية و قضائية مستقلة عن الدولة الاتحادية، تمارسها دون أية رقابة أو وصاية طالما ظلت في الحدود التي رسمها لها الدستور الاتحادي، في حين تخضع الهيئات الإقليمية للوصاية من الحكومة المركزية في مباشرتها لاختصاصاتها الإدارية.
4- إذا كان الدستور الاتحادي في الاتحاد المركزي هو الذي يتولى مهمة توزيع الاختصاصات بين الدولة الاتحادية و الولايات بالطريقة التي تلائم ظروف و أوضاع كل دولة، فإن القانون العادي يضطلع بتشكيل الهيئات الإقليمية اللامركزية و يعدد اختصاصاتها الإدارية و كيفية و وسائل ممارسة هذه الاختصاصات .


و- تقدير الإتحاد المركزي :
في نهاية دراستنا للإتحاد المركزي يتعين علينا أن نبرز المزايا التي يحققها هذا النظام الذي انتشر بين دول العالم حتى أصبحت مساحة الدول الاتحادية تغطي الجزء الأكبر من الكرة الأرضية، و كذلك ما يوجه إلى هذا النظام من انتقادات.
مزايا الإتحاد المركزي :
1- يساعد على تكوين الدول الكبيرة التي تباشر سلطتها على مساحة جغرافية عريضة و يعد سكانها بعشرات الملايين، و إن لم يكونوا بالمئات كالولايات المتحدة الأمريكية أو الهند و الإتحاد الروسي.
2- يعمل الإتحاد المركزي – بحكم طبيعته – على التوفيق بين ما تحققه الوحدة الوطنية من مزايا عن طريق ما تتمتع به الدولة الاتحادية من سلطات عامة على جميع أجزاء الدولة و متطلبات الاستقلال الذاتي.
3- يمنح الاتحاد المركزي الفرصة لتجربة نظم سياسية متنوعة فتتضح مزايا و مثالب كل نظام، لكي تتمكن كل دويلة أو ولاية من الأخذ بالنظام الذي يبث صلاحيته في التطبيق العملي.
عيوب الإتحاد المركزي :
1- نشأة المنازعات و تثور الخلافات بين الدولة الاتحادية والدويلات الأعضاء بسبب اختلاف القوانين و التشريعات من ولاية إلى أخرى و قد يؤدي ذلك إلى ظهور مشكلات كبيرة تهدد وحدة الدولة ذاتها .
2- يحتاج هذا النظام إلى نفقات ضخمة بسبب تعدد الهيئات و التنظيمات.
3- فرض ضرائب متنوعة اتحادية و محلية على الأفراد مما يثقل كاهلهم.
4- يأخذ الاتحاد المركزي ضعف سيطرة الدولة الاتحادية على اقتصاديات الدولة و عدم قدرتها على توجيه هذا الاقتصاد لتحقيق أهداف قومية التي تضطلع بها مثلما هو سائد الآن في معظم الدول.
و لهذا يسود الاتجاه في الوقت الحاضر نحو توسع سلطات الدولة الاتحادية في المجالات الاقتصادية على حساب سلطات الولايات الأعضاء في هذه الإتحادات.
المطلب الثالث: الإتحادات الغير المنشئة لشخص دولي جديد
الفرع الأول: تعريف الإتحاد الشخصي و خصائصه :
الإتحاد الشخصي Union Personnelle، هو إتحاد دولتين أو أكثر في شخص رئيس الدولة، أي أن رئيس الدولة في دول الإتحاد يكون شخصا واحدا، و يكون ذلك العلامة الوحيدة على اتحاد هذه الدول. و لا يترتب على قيام الإتحاد الشخصي المساس بسيادة أي من الدولتين في الداخل أو الخارج. فمع أن رئيسا واحدا يتربع على هرم السلطة في الدولتين، إلا أن ذلك لا ينشئ اتحادا حقيقيا ما بين الدولتين. فتحتفظ كلتاهما بسيادتها الخارجية، و الداخلية بمعزل عن الأخرى، كما تظل كلتاهما دولة مستقلة تمام الاستقلال. و من كل هذا نستخلص أهم الإتحاد الشخصي :
1/- إذا كان المظهر الوحيد للإتحاد الشخصي يتمثل في خضوع الدول الداخلة في الإتحاد لرئاسة شخص واحد، فهذا يعني أن هذا الرئيس يمارس سلطاته بصفته رئيسا للإتحاد حينا، و بصفته رئيسا للدولة الأخرى حينا آخر، و يعني أن نفس الشخص الطبيعي تكون له شخصية قانونية مزدوجة أو متعددة بحسب عدد الدول الداخلة في الإتحاد.
2/- لا يتكون من الإتحاد الشخصي شخص دولي جديد، بل تظل لكل دولة شخصيتها الدولية الخاصة بها، و ينتج عن هذا استقلال كل دولة بسيادتها الخارجية و بممثليها الدبلوماسيين، و بمعاهداتها الخاصة مع الدول الأخرى. كما تستقل كل دولة بمسؤوليتها الدولية عن تصرفاتها القانونية، و فيما يتعلق بالعلاقات بين الدول التي يضمها الإتحاد الشخصي فإن رعايا كل دولة يعتبرون أجانب بالنسبة للدولة الأخرى. و إذا قامت الحرب بين دولة عضو في الإتحاد و دولة أجنبية فإن الدول الأخرى الأعضاء في الإتحاد تبقى على حياد، و إن كانت حرب بين دولتين في الإتحاد فإنها تعتبر دولية لا أهلية.


3/- تحتفظ كل دولة بنظامها السياسي في الداخل، و لا يتأثر نظام الحكم فيها بقيام الإتحاد الشخصي، و لهذا لا يشترط وجود تماثل بين أنظمة السياسية في الدول الداخلة، بل كثيرا ما يختلف نظام كل دولة اختلافا بينيا عن نظام الدول الأخرى الأعضاء، فقد يقوم الإتحاد الشخصي بين دولة تأخذ بالنظام الملكي البرلماني و أخرى تخضع للملكية المطلقة، كما حدث في الإتحاد الشخصي بين بلجيكا و الكونغو الذي استمر قائما في الفترة من سنة 1885 إلى سنة 1908 في شخص الملك ليوبولد الثاني.
فالإتحاد الشخصي أضعف الإتحادات و أوهنها، ولا يعتمد في قيامه على أسس قوية، و لهذا فسرعان ما ينقسم و يحل، و يزول بزوال الأسباب التي أدت إلى قيامه.
الفرع الثاني: كيفية حدوثا الإتحاد الشخصي و أمثلته
يحدث الإتحاد الشخصي بوسيلتين:
الوسيلة الأولى: وهي الأكثر حدوثا، وهذا عن طريق اجتماع دولتين تحت عرش واحد نتيجة اجتماع حق الوراثة في الدولتين في أسرة واحدة. و لا يتصور وقوعها إلا بين دول تخضع للنظام الوراثي في الحكم. و من أمثلته ذلك الإتحاد الشخصي الذي حدث بين إنجلترا و هانوفر سنة 1714، عندما تولى أمير هانوفر عرش إنجلترا عن طريق الوراثة، و انتهى في سنة 1837 نتيجة اعتلاء الملكة فكتوريا عرش إنجلترا، لأن قانون توارث العرش في هانوفر لم يسمح بتولي الإناث العرش إلا عند انعدام الذكور. و كظلك الإتحاد الذي حدث بين هولندة و للوكسمبورغ سنة 1815، بتولي ملك هولندة الحكم في للوكسمبورغ، و انتهى سنة1890 لذات السبب الذي انتهى به اتحاد إنجلترا و هانوفر، عندما تولت الملكة ولهلمينا عرش هولندة و لم يكن قانون للوكسمبورغ يسمح بتولي الإناث العرش في ذلك الوقت.
الوسيلة الثانية: عن طريق الاتفاق بين دولتين أو أكثر على قيام الإتحاد الشخصي فيما بينهما و يكون بين دول ملكية أو بين دول ذات نظام جمهوري و يسمى الإتحاد في هذه الحالةUnion Monarchique . وقد حدث بين دولتين ملكيتين هما بولندة و ليتوانيا سنة 1316 عندما تزوج دوق ليتوانيا من ملكة بولندة، ثم تحول هذا الإتحاد إلى إتحاد حقيقي بتوقيع معاهدة لوبان سنة 1569. وتم الإتحاد الشخصي بين عدة جمهوريات عندما انتخب سيمون بوليفار رئيسا لجمهورية البيرو عام 1813 و كولومبيا 1814 و فنزويلا 1816.
و حدث اتحاد شخصي بين إيطاليا و ألبانيا سنة 1939 نتيجة احتلال الأولى للثانية تحت ضغط من إيطاليا في شخص ملكها فكتور إيمانويل. و استمر هذا الإتحاد أربع سنوات و نصف إلى غاية انهزام إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، فألغي هذا الإتحاد في أكتوبر 1943.
الفرع الثالث: تعريف الإتحاد الاستقلالي و خصائصه
هو عبارة عن اتحاد تعاهدي بين عدد من الدول يتمثل بوجود هيئة دبلوماسية أو حكومية تدير شؤون الإتحاد. و من أمثلته التاريخية، اتحاد المدن اليونانية و كنفدرالية المدن اللاتينية في عهد الإمبراطورية الرومانية. ويتم هذا الإتحاد مع احتفاظ كل دولة باستقلالها الخارجي و بقاء نظمها الداخلية دون تغيير، حيث يقوم الإتحاد التعاهدي نتيجة اتفاق بين دولتين أو أكثر، يتضمن شروطا تحد أهدافه و تنظم إنشاءه و تعين هيئاته. و المعاهدة الدولية هي الرابط القانوني بين الدول المتحالفة كنفدراليا، و لذلك فأن العلاقة بين هذه الدول هي علاقة تعاقدية.
ويتميز الإتحاد الكنفدرالي بثلاثة خصائص:
الصفة الدبلوماسية: فالهيئة التي تدير الإتحاد تمثل الدول المتحالفة و ليس الشعوب، و الصلاحيات التي تمارسها هذه الهيئة هي صلاحيات محدودة و مرتبطة بتوفر قاعدة الإجماع.
فقدان صلاحية التنفيذ المباشر: فالقرارات التي تتخذها الهيئة التي تدير الإتحاد الكنفدرالي لا تطبق على شعوب الدول المتحالفة إلا بعد موافقة الحكومات المعنية.


احتفاظ الدول المتحالفة بكامل سيادتها: فالدول المتحالفة تبقى سيدة تستطيع الانسحاب من الإتحاد التعاهدي متى تشاء ذلك، كما أنها تحتفظ بكامل مؤسساتها من حكومة و جيش و إدارة و علاقات دبلوماسية و خارجية.
الفرع الرابع: كيفية تنظيم الإتحاد التعاهدي و تطبيقاته
تولى التنسيق بين دول الإتحاد هيئة سياسية مشتركة، قد تكون مؤتمرا Congres أو جمعية Diète أو مجلسا Conseil. تتكون من مندوبين يمثلون دول الإتحاد، وتقوم هذه الهيئة بمهمة استشارية وذلك لتحديد السياسة المشتركة للدول الأعضاء عن طريق التوصيات التي تصدرها، و التي لابد من موافقة الدول الأعضاء عليها قبل تنفيذها. و لهذا لا تعتبر هذه الهيئة دولة مركزية للدول الأعضاء أو حكومة فوق حكوماتها أو شخصا دوليا قائما بذاته، وليس لها أي سلطان على رعايا الدول المكونة للإتحاد. و تتكون هذه الهيئة على أساس المساواة التامة و التوازن الدقيق بين الدول الأعضاء، حيث يمثل كل دولة عدد متساو من الممثلين. إذ تقف جميع الدول الأعضاء على قدم المساواة في هذا التمثيل بصرف النظر الاختلاف من حيث القوة أو المساحة أو عدد السكان. وهذا يعتبر نوعا من الديمقراطية بين الدول الأعضاء في الإتحاد التعاهدي. ولكل دولة من دول الإتحاد حق الانفصال Droit de Sécession عن الإتحاد إذا ما رأت أن مصلحتها تقتضي ذلك، و هو حق ثابت لكل دولة من دول الإتحاد التعاهدي ولو لم ينص عليه في المعاهدة، إذن فالدول الداخلة في الإتحاد التعاهدي تحتفظ بكامل استقلالها و سيادتها دون نقصان، وينتج عن ذلك ما يلي:
1/- لكل دولة الحق في تصريف شؤونها الخارجية استقلالا عن بقية الأعضاء، و أن الحرب التي تقع بين إحدى الدول في الإتحاد و دولة أجنبية لا تعتبر حربا بين دول الإتحاد جميعا وهذه الدولة، كما أن الحرب التي تنشب بين هذه الدول تعتبر حربا دولية لا أهلية.
2/- تحتفظ كل دولة بنظامها السياسي الداخلي و برئيسها الخاص، و ليس لها الحق في الضغط على بقية دول الإتحاد لكي تأخذ بنظامها السياسي الداخلي لأن هذا يتنافى مع طبيعة الإتحاد التعاهدي.
3/- يظل رعايا كل دولة من دول الإتحاد محتفظين بجنسيتهم الخاصة، لأن العلاقة بين الدول المتعاهدة تكون بين حكوماتها فقط، إذ أنه لا يوجد إقليم مشترك يجمع سكان الدول الأعضاء، حيث تظل كل دولة محتفظة بحدودها الدولية المعترف بها من قبل، كما أنه لا يوجد أي تنظيم تشريعي أو قضائي له اختصاص على مجموع سكان الدول الأعضاء.
ومن أمثلة الإتحاد التعاهدي الناجحة:
الإتحاد السويسري la Confédération Helvétique:
الذي وقع في القرن 13م بين ثلاث مقاطعات شكلت الإتحاد السويسري ليشمل بعد ذلك 13 مقاطعة في القرن 17م بمقتضى معاهدة وستفاليا سنة 1648. و أثناء الثورة الفرنسية فرضت الحكومة الجمهورية على سويسرا تكوين دولة بسيطة بمقتضى دستور 1798، ثم أعاد نابليون سويسرا إلى ما كانت عليه سابقا و زاد عدد المقاطعات إلى 19 مقاطعة ثم 22 مقاطعة في اتفاقية سنة 1815، إلى غاية اندلاع حرب قصيرة الأمد بين المقاطعات الشمالية والجنوبية في سنة 1848، حيث حاولت هذه الأخيرة الانفصال غير أن هزيمتها قادت إلى تحول هذا الإتحاد إلى اتحاد مركزي، و دعم الإتحاد المركزي فيما بعد بإجراءات دستورية عززت سلطة الحكومة المركزية و هذا في عام 1957.
الإتحاد الأمريكي la Confédération Américaine:
حيث نشأ بين 13 مستعمرة إنجليزية في أمريكا الشمالية سنة 1776 لمواجهة إنجلترا قصد استقلال هذه المستعمرات، وتم توحيد الجهود السياسية و العسكرية بعد 13 مؤتمرا مشتركا وتم تنسيق علاقاتها مع الدول الأجنبية، مع احتفاظ كل ولاية باستقلالها و سيادتها و نظامها الداخلي و كافة حقوقها في مواجهة الولايات الأخرى. و بعد انتهاء الحرب التحريرية غلب الاتجاه الاتحادي في مؤتمر فيلادلفيا في ماي 1787، فصدر الدستور الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر من نفس السنة.

الإتحاد الجرماني la Confédération Germanique:
حيث أنشأت معاهدة فيينا سنة 1815 هذا الإتحاد و أصبحت الجمعية مختصة في إبرام المعاهدات الدولية و اتخاذ القرارات المتعلقة بالحرب و السلم. و تفكك هذا الاتحاد في معاهدة براغ سنة 1866 بعد نشوب الحرب بين النمسا و بروسيا و انتصار هذه الأخيرة، فحل مكان هذا الاتحاد اتحاد دول ألمانيا الشمالية سنة 1868، ثم تحول إلى اتحاد مركزي بزعامة بروسيا في أعقاب الحرب السبعينية التي انتصرت فيها بروسيا على فرنسا.
و من أمثلته الفاشلة:
-اتحاد جمهوريات أمريكا الوسطى الذي قام سنة 1866، وانحل نتيجة لانفصال الهندوراس و نيكاراغوا و السلفادور.
-اتحاد الولايات العربية المتحدة عام 1958 بين الجمهورية العربية المتحدة ( سوريا و مصر) و المملكة اليمنية و باقي الأقاليم العربية الراغبة في الانضمام إلى هذا الاتحاد.
-الاتحاد العربي الإفريقي بين الجماهيرية الليبية و المغرب في 13 أوت 1984.
-اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر، ليبيا، سوريا في 17 أفريل 1971 بمقتضى إعلان بنغازي.
-اتحاد المغرب العربي بين الجزائر، المغرب، تونس، ليبيا، موريتانيا سنة 1989.
-اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي بين الكويت، السعودية، البحرين، قطر، الإمارات، عمان سنة 1981
الخاتمة:
إن الصيغة الفدرالية قد أثبتت نجاحها، فقد لجأت إليها العديد من الدول، و من المؤسف أننا نحن العرب لم نتجه نحوها، أو نجربها بعملية لنطورها وفق ظروفنا، فنحن أمة واحدة خالية من التنوعات العرقية و الدينية والثقافية و الحضارية الكبيرة، مما توجب علينا أن نوحد دولتنا البسيطة، لكن ذلك قد لا تسمح به الظروف السياسية العربية و الدولية، و قد تعيقه برأي البعض المساحة الشاسعة و التعداد الكبير، و قد تقف ضده الإرادة السياسية الفطرية الضعيفة.

Read more: الطبيعة القانونية لقواعد القانون الدستوري - منتديات الحقوق و العلوم القانونية https://www.droit-dz.com/forum/showth...#ixzz1eBsLanBE

الطبيعة القانونية لقواعد القانون الدستوري


<h2 align="center">

مـــــقـــدمـــة:


يعتبر الجزاء الوسيلة الفعالة لضمان احترام القانون، بحيث انه لولا وجود الجزاء في القاعدة القانونية لكانت هذه الأخيرة ضربا من النصائح والإرشادات، ولجاز للأفراد إتباعها إذا أحبوا ومخالفتها إذا شاءوا ، فالجزاء إذن هو وسيلة للضغط على إرادة الأفراد من أجل احترام مضامين القاعدة القانونية وذالك بقهر الإرادات العاصية بالقوة المادية.
وبذالك يتضمن الجزاء معنى واسعا فهو كل إجراء يسري بواسطته القانون في فرض إرادته كاملا أو حل أخير على المعتدي الذي يرفض الامتثال لأمر قانوني أو قضائي.
وفي مجال للقانون الدستوري الذي تعتبر قواعده حجر الأساس في البنيان القانوني للدولة، والتي تأتي في قمة التدرج الهرمي للنظام القانوني وعلى أساسها تحدد فكرة الشرعية بالنسبة لباقي القواعد الأخرى، تثار بشدة إشكالية الجزاء في القانون الدستوري ومدى إلزامية القواعد الدستورية.
ومحاولة منا التطرق إلى بعض جوانب الموضوع ارتأينا تقسيم هذه الدراسة إلى قسمين، حيث سنتناول الحديث عن ماهية القانون الدستوري قبل أن نعرج للحديث عن الطبيعة القانونية لقواعد القانون الدستوري وذالك على الشكل التالي:
المبحث الأول: ماهية القانون الدستوري.
المبحث الثاني: الطبيعة القانونية لقواعد القانون الدستوري.
المبحث الأول:ماهية القانون الدستوري

في هذا المبحث سنتطرق إلى مفهوم القانون الدستور ومواضيعه وذالك من خلال تقسيمه إلى مطلبين على الشكل التالي:
المطلب الأول: سنتحدث عن مفهوم القانون الدستوري.
المطلب الثاني: سنخصصه لذكر جانب من مواضيع القانون الدستوري.

المطلب الأول: مفهوم القانون الدستوري.
منذ القديم جرى الفقه على تقسيم القانون إلى قواعد قانون عام وقواعد قانون خاص، ويعد معيار الدولة بصفتها صاحبة السيادة والسلطان المعيار الأمثل للتمييز بين هذين الفرعين، فالدولة في القانون العام تتمتع بامتيازات السلطة العامة، خلافا لما هو الأمر عليه فغي قواعد القانون الخاص حيث تكون وباقي الخواص أمام القانون سواء.
والقانون العام يمكن أن يكون عبارة عن قواعد تحكم علاقات الدولة الخارجية ( القانون العام الخارجي أو القانون الدولي)، وقد يكون عبارة عن قواعد تحكم علاقات الدولة بالأشخاص الخاضعين لسلطتها الداخلية ( القانون العام الداخلي). ويضم القانون الدستوري مجموعة من القواعد والفروع منها ما يهم نظام الحكم داخل الدولة وشكلها وعلاقات السلطات الثلاث فيما بينها وكذا علاقات هذه السلطات بأفراد المجتمع، وهذه القواعد تعرف بقواعد "القانون الدستوري" التي تضع تصورا عاما للتنظيم الحكومي الذي يتولى تحليل جوانبه الفرع الثاني الذي هو "القانون الإداري" الذي يلحق به كل من "القانون المالي"ي الذي يهم الإدارة المالية للدولة، و "القانون الجنائي" الذي يهم الجرائم وعقوباتها والإجراءات الجنائية.
وهكذا فان القانون الدستوري هو ذالك الفرع من فروع القانون العام الداخلي الذي يوضح شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم فيها ويحدد سلطاتها وكيفية ممارسة هذه السلطة ، كما يوضح القانون الدستوري الحريات الأساسية للمواطنين والحقوق المكتسبة وكذا الواجبات الملقاة على عاتقهم اتجاه الدولة

المطلب الثاني: مواضيع القانون الدستوري .
تهدف قواعد القانون الدستوري الى تنظيم الحياة السياسية للجماعة حيث أن قواعده توضح مدى صلاحية النظام السياسي لشعبي معين، حيث تتأثر هذه القواعد بعوامل تقنية قانونية الى جانب العوامل السياسية والاعتبارات السائدة لدى شعب معين في زمن معين.
ولذالك يكون لزاما على واضعي الدستور اعتبار جميع المقومات حتى تتلاءم قواعده مع حاجات وتطور المجتمع، ومن هذا المنطلق فان الوثيقة الدستورية يتأثر محتواها بفعل العوامل السابقة الذكر فيختلف من بلد لآخر. فنجدها تحتوي الى جانب القواعد التي تشكل تنظيم الدولة على أحكام التنظيم الاقتصادي والاجتماعي والتصريحات وإعلانات الحقوق بالإضافة إلى أحكام مختلفة تعكس خصوصية كل دولة ومميزاتها لباقي الدول

وخلاصة القول فان قواعد القانون الدستوري تعتبر مرآة لتطلعات المجتمع من حيث النظام العام الذي يسعى إليه، وبالتالي فان قواعد القانون الدستوري تمثل الإرادة العليا للمجتمع مما يترتب عن خرقها اختلال التوازن داخله الشيء الذي يكسبها صفة القواعد الآمرة التي لا تترك للفرد أو الجماعة خيار مخالفتها. فعندما ينص الدستور المغربي مثلا على أن "الإسلام دين الدولة ..." فإننا نكون بصدد قاعدة دستورية آمرة تحرم انتهاك حرمة الدين الإسلامي باعتباره الخيار المقدس للمجتمع المغربي. ومن المسلم أن القاعدة الآمرة يصاحبها جزاء مادي محسوس توقع السلطة العامة على المخالفين، وهو ما لم تتطرق إليه القاعدة الدستورية في شتى جوانبها مما أثار جدلا بشان إلزامية قاعد القانون الدستوري وطبيعتها القانونية .وهو ما يف النقطة الموالية من هذه الدراسة.
المبحث الثاني: الطبيعة القانونية لقواعد القانون الدستوري.
من المسلم به أن كل قاعدة قانونية تتعلق بالنظام العام فهي قاعدة آمرة يترتب عن مخالفتها جزاء مادي توقعه السلطة العامة على المخالف، وعلى ذالك فان القواعد الدستورية ما دامت تمثل إرادة المجتمع العليا وتوجهاته في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فان تجاوز هذه القواعد يصنف في خانة المحرمات.
ولأنه لا وجود لسلطة عامة توقع الجزاء لقهر الإرادات العاصية للقواعد الدستورية حسب بعضهم فان هذه الأخيرة لا تتصف بالخاصية الإلزامية (المطلب الأول). ولكن الجزاء المعنوي حسب بعضهم يمكن الاعتداد به مما يكسب القواعد الدستورية صفة القواعد القانونية الكاملة ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: نظرية انتفاء الصفة القانونية لقواعد القانون الدستوري (المدرسة الانجليزية).
تعتمد هذه المدرسة في تحديد مدى طبيعة القواعد القانونية والزاميتها على مدى تفر عنصر الجزاء المتبدي في الاكره المادي contrainte matérielle الذي تضمن السلطة العامة توقيعه بما لها من وسائل ومن هنا يقل زعيم هذه النظرية الفقيه Austin أن قواعد القانون الدستوري لا تعدو أن تكون مجرد قواعد آداب تحميها جزاءات أدبية بحتة، ذالك أن الحاكم لدى مخالفته لقاعدة دستورية يوصف عمله بأنه غير دستوري لكنه لا يكون مخالفا للقانون بالمعنى الصحيح، مما عدم صفه بأنه غير قانوني، وهذا ما دفع Austin أن يطلق على قواعد القانون الدستوري بأنها " قواعد الأخلاق الوضعية".
المطلب الثاني: نظرية اكتساب القاعد الدستورية للصفة القانونية.(المدرسة الفرنسية).
ترى هذه المدرسة بأنه ينبغي الاعتداد بالجزاء المعنوي، لان كل قاعدة تحتوي على جزاء يتمثل في رد الفعل الاجتماعي Contrecoup social على حد قول زعيم المدرسة Duguit .
وبهذا فان كل قاعدة لها جزاءها وان كان الاختلاف بين القواعد القانونية يبدو واضحا من حيث ذالك الجزاء الذي يبدأ من المعنوي المتمثل في رد الفعل الاجتماعي إلى العقاب الجسماني الذي توقعه السلطة العامة في الدولة، وعليه فان أصحاب وأنصار هذه المدرسة يقرون بأن قواعد القانون الدستوري هي قواعد قانونية بالمعنى الصحيح

الـــــخـــاتـــمـــة:

وخلاصة القول إن الفقه اختلف في تناول إشكالية الجزاء في القانون الدستوري، حيث ذهب جانب منه إلى القول بانتفاء الصفة القانونية لقاعد القانون الدستوري نظرا لانتفاء عنصر الجزاء عنها مما لا يجعل منها أكثر من قواعد آداب وأخلاق وضعية.
فيما يذهب الجانب الأخر إلى أن الجزاء المعني كاف لإثبات الصفة القانونية لقواعد القانون الدستوري.
وبين هذا وذاك يمكن القول أن قواعد القانت الدستوري هي قواعد قانونية كاملة تحتل قمة الهرم القانوني للدولة، وتبقى القواعد القانونية الأخرى مرتبطة بها ارتباطا وثيقا بل وبعضها جاء لينظم بعض مقتضيات القانون الدستوري، وبالتالي فان مخالفة أي من القواعد القانونية الأخرى يعتبر مخالفة لقواعد القانون الدستوري وان أي تشريع مخالف للدستور يلحقه جزاء مقرر في هذه القاعدة أو تلك.

المراجع
· الدكتور محمد يحيا: الوجيز في القانون الدستوري للملكة المغربية- الطبعة الخامسة 2008
· الأستاذ سعيد بوالشعير: القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة. /الجزء الأول، الطبعة السابعة ديوان مطبوعات الجامعية، الجزائر 2005
· الدكتور إبراهيم أبو النجا : محاضرات في فلسفة القانون. الطبعة 3/1992
· الدكتور فاضلي إدريس: الوجيز في فلسفة القانون.
بحث خصائص الدولة
مقدمة
تشكل الدولة ابرز ظاهرة في الحياة الاجتماعية ، فهي عبارة عن مؤسسة سياسية ذات سلطة ملزمة في إقليم معية على الشعب المكون لها ، فما قمنا بصدد ذكره يمثل أركان الدولة فلا تقوم أي دولة إلا بها ، إضافة إلى ذلك فلكل دولة خصائص تميزها عن باقي الدول الأخرى، و لقد كتب في ذلك أو في هذا الموضوع الكثير نظرا لأهميته ، و من خلال قراءتنا للمراجع المتحصل عليها قمنا بتسطير خطة سنقوم من خلالها البحث ما هي هذه الخصائص ؟
خطة البحث
مقدمة
المبحث الأول : الشخصية المعنوية للدولة
المطلب الأول : المقصود بالشخصية المعنوية للدولة
الفرع الأول : إنكار الشخصية المعنوية للدولة
الفرع الثاني : تأيد الشخصية المعنوية للدولة
المطلب الثاني : نتائج الشخصية المعنوية للدولة
الفرع الأول : وحدة الدولة و استمرارها
الفرع الثاني : الذمة المالية للدولة
الفرع الثالث : المساواة بين الدول
المبحث الأول : السيادة
المطلب الأول : مفهوم السيادة للدولة
الفرع الأول : المقصود بسيادة الدولة
الفرع الثاني : خصائص سيادة الدولة
الفرع الثالث: مظاهر السيادة
المطلب الثاني : نظريات سيادة في الدولة
الفرع الأول : نظرية سيادة الحاكم
الفرع الثاني : نظرية سيادة الأمة
الفرع الثالث : نظرية سيادة الشعب
المبحث الثالث : خضوع الدولة للقانون
المطلب الأول : التطور التاريخي لخضوع الدولة للقانون
المطلب الثاني : النظريات الفلسفية لدولة القانون
المطلب الثالث : المبادئ الوضعية التي تقوم عليها دولة القانون
المبحث الأول : الشخصية المعنوية la personne morale
تتمتع الدولة بالشخصية المعنوية أو القانونية
المطلب الأول : المقصود بالشخصية المعنوية للدولة
الشخص المعنوي هو شخص قانوني متمتز على الآدميين بأنه قادر على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات .
و يقصد بالشخصية المعنوية للدولة، أهلية الدولة لاكتساب الحقوق و التحمل بالالتزامات التي يفرضها القانون، بمعنى أهلية الوجوب و أهلية الأداء. 1
و هذا يعني أن شخصيتها منفصلة عن شخصيات الأفراد المكونين للدولة سواء الذين يمارسون السلطة و الحكم فيها أو المحكومين و هذا ما دفع بعض الفقهاء إلى تعريف الدولة بأنها تشخيص القانوني للأمة . 2
و لقد ذهب بعض الفقهاء إلى إنكار الشخصية للدولة و البض الآخر إلى إثباتها
الفرع الأول : إنكار الشخصية المعنوية للدولة
يذهب أصحاب هذا الفريق إلى إنكار الشخصية المعنوية للدولة لأنهم يعتبرون الدولة على أنها ظاهرة اجتماعية موجودة بانقسام فئتين حاكمة و محكومة و فالفئة الأولى هي التي تضع القوانين و الثانية تخضع لتلك القوانين و لسلطتها 3
أنظر : د. عمر سعد الله، د. أحمد بن ناصر ، قانون المجتمع الدولي المعاصر، الطبعة الثالثة 2005، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر ص 95
2 أنظر : د. سعيد بوالشعير ، القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة الجزء الأول ، الطبعة السابعة 2005، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر ص 94
3 أنظر : المرجع نفس، ص 95
و منهم من ذهب إلى القول (جيز G Jeze) أنه لم يتناول طعامه مع شخص معنوي je n’ai jamais déjeuné avec une personne morale و أما G.Scello فإنه يرى أن الدولة مجرد جهاز المرافق يعمل في خدمة الجماعة ، و كذلك النمساوي كلسن الذي يرى أن الدولة مجموعة من القواعد القانونية الآمرة، و بالتالي يرفض كل من هؤلاء الفقهاء فكرة الشخصية المعنوية للدولة 1
و منهم أيضا من يرى و على رئسهم (روزنبرج) أن الشعب محور النظام السياسي و ، ذلك أنه هو الذي ينشئ الدولة ويفرض القانون و يمنح السلطة الفوهرر Fûhrer رمز الحدة العرقية الذي يقود المجتمع إلى مثله الأعلى المتمثل في السواد الجنس الآري 2،و أما الماركسية يرون أن الدولة هي جهاز يخدم الطبقة المستغلة و إجبار الطبقة الكادحة على قبول المر الواقع و هذا كله ما هو إلى حيلة 3 و بالتالي هذا الفريق أيضا يرفض الفقهاء فكرة الشخصية المعنوية للدولة بحجة أن الطبقية و الاستبداد الطبقة الحاكم على المحكومة و لكن العيب في الأشخاص و ليس في الفكرة .
الفرع الثاني : تأيد الشخصية المعنوية للدولة
يعترف الكثير من الفقهاء بالشخصية المعنوية للدولة مثلها مثل المنضمات و الجمعيات و المؤسسات ... و منه فتمتع الدولة للشخصية المعنوية يمنحها القدرة على التمتع بالحقوق و التحمل بالالتزامات بموجب القانون الوضعي 4
أنظر : د. فوزي أوصديق، الوسيط في النظم السياسية القانون الدستوري القسم الأول النظرية العامة للدولة، طبعة 2000، دار الكتاب الحديث، الجزائر ص 147
2 أنظر : د. سعيد بوالشعير المرجع السابق، ص 96
3 أنظر : د. فوزي أوصديق، ، المرجع السابق ،ص 148
4 أنظر : د. سعيد بوالشعير ، المرجع السابق، ص 97
و بالتالي فكرة الشخصية المعنوية يترتب عنها نتائج و هي :
المطلب الثاني : نتائج الشخصية المعنوية للدولة
الفرع الأول : وحدة الدولة و استمرارها
حيث تعتبر الدولة و حدة قانونية مستقلة و متميزة عن الأفراد المكونين لها و يترتب على ذلك الدوام والاستمرار أي أن زوال الأفراد لا يؤثر في بقائها بمعنى أن الدولة لا تزل بزوال الأشخاص ،و كذلك فالمعاهدات والاتفاقيات التي أبرمتها الدولة ، تبقى نافذة مهما تغير شكل الدولة أو نظام الحكم فيها ،و تبقى التشريعات سارية في حالة تغيير شكل الدولة أو نظام الحكم فيها أو القائمين عليها ما لم تعدل هذه التشريعات أو تلغ 1
الفرع الثاني : الذمة المالية للدولة
تتمتع الدولة بذمة مالية حيث عليها التزامات و حقوق مالية منفصلة عن ذمة الأعضاء المكونين و المسيرين لها و الأشخاص الحاكمين فهم يتصرف باسمها و لحسابها فقط 2
الفرع الثالث : المساواة بين الدول
بما أن كل دولة لها شخصيها المعنوية فإن الدول متساوية فيما بينها إلا أن هناك بعض العوامل الأخرى تحول دون تحقيق هذه المساواة 3.
أنظر : د. سعيد بوالشعير ، المرجع السابق، ص 98
2 أنظر : المرجع نفسه، و الصفحة نفسها
3 أنظر : المرجع نفسه، و الصفحة نفسها
المبحث الثاني : السيادة La Souveraineté
إضافتا إلى الشخصية المعنوية للدولة هناك خاصية السيادة
المطلب الأول : مفهوم السيادة للدولة
الفرع الأول : المقصود بسيادة الدولة
معنى كلمت السيادة اللغوي " الأعلى" 1 .
لقد اتخذت السيادة في البداية مفهوما سياسيا ثم قانوننا، و لقد عرفها الفقيه جون بودان (1530-1596) بالاستقلال المطلق و عدم التبعية سواء في الداخل أو الخارج ، و كان الهدف آنذاك و خاصة في فرنسا هو تحقيق الاستقلالية من الكنيسة و الإمبراطورية من جهة كذالك ، أما المفهوم القانوني للسيادة فيعني ملك السلطات الحكومية و ممارستها من قبل الدولة 2 ، تعرق كذلك بأنها المباشرة الداخلية و الخارجية لاختصاصات السلطة الحاكمة 3.
الفرع الثاني : خصائص سيادة الدولة
للسيادة خصائص هي
أولا: سلطة شاملة و قائمة على أساس القانون لأنها تسمح للقائمين على الحكم بسن قواعد قانونية ملزمة 4 و تطبق على جميع الموطنين
ثانيا: سلطة أصلية ذاتية و لا تخضع لأي سلطة أخرى مهما كانت5 ولا يمكن التنازل عنها و لا يمكن تجزئتها
أنظر : د. فوزي أوصديق، المرجع السابق، ص 148
2 أنظر : أ. حسين بوديار، الوجيز في القانون الدستوري، طبعة 2003، دار العلوم للنشر و التوزيع، عنابة الجزائر، ص 51
3 أنظر : د. عمر سعد الله، د. أحمد بن ناصر ، المرجع السابق ، ص 81
4 أنظر : أ. حسين بوديار، المرجع السابق، ص 52
5 أنظر : المرجع نفسه، و الصفحة نفسها
ثالثا: سلطة عليا و مطلقة و لا توجد سلطة أخرى مساوية أو اعلي منها 1
الفرع الثالث: مظاهر السيادة
أولا: السيادة القانون و السيادة السياسية 2
1. السيادة القانونية معناها سلطة الدولة في إصدار القوانين و تنفيذها
2. السيادة السياسية فالشعب هو صاحب السيادة السياسية و هو الذي يتولى اختيار المسيرين للدولة و ممارسة السيادة القانونية
ثانيا: السلطة الداخلية و السلطة الخارجية 3
1. السلطة الداخلية وهو أن تبسط السلطة السياسية سلطاتها على إقليم الدولة. بحيث تكون هي السلطة الآمرة التي تتمتع بالقرار النهائي.
2. السلطة الخارجية يعني استقلالية الدولة وعدم خضوعها لدولة أخرى
1 أنظر : أ. حسين بوديار، المرجع السابق، ص 52
2 أنظر : د. فوزي أوصديق، ، المرجع السابق ،ص 156
3 أنظر : المرجع نفسه، ص 157
المطلب الثاني : نظريات سيادة في الدولة
أي من هو صاحب السيادة في الواقع ؟ وللإجابة على هذا الإشكال ظهرة عدة اتجاهات
الفرع الأول : نظرية سيادة الحاكم
حتى أواخر القرن 18 م كان يعتقد بأن السيادة تعود للحاكم (الملك)و هي سيادة مطلقة و ساد الخلط آنذاك بين السلطة السياسية و شخص الملك و بعد ظهور المبادئ الديمقراطية في العصر الحديث انقسم الفقهاء إلى اتجاهين ،اتجاه يحدد صاحب السيادة في الأمة و اتجاه يحدد صاحب السيادة في الشعب1
الفرع الثاني : نظرية سيادة الأمة
هذه النظرية تعتبر أن السيادة ليست للحاكم و إنما للأمة 2 تنتسب نظرية سيادة الأمة إلى جون جاك روسو في كتابه الشهير "العقد الاجتماعي" على مبدأ سيادة الإرادة العامة التي نشأت بالعقد الاجتماعي و هذه الإرادة العامة ليست حاصل جمع الإرادات الجزئية للأفراد و لكن إرادة الكائن الجماعي قيل بأن السيادة وحدة واحدة لا تتجزأ أو غير قابلة للتصرف فيها أو التنازل عنها فهي ملك الأمة وحدها ، وقد اعتنقت الثورة الفرنسية هذه الفكرة و حولتها إلى مبدأ دستوري إذ نص إعلان حقوق الإنسان و المواطن سنة 1789 على أن الأمة مصدر كل سيادة3 ، و يترتب على هذه النظرية نتائج منها


1 أنظر : أ. حسين بوديار، المرجع السابق، ص 53
2 أنظر : د. سعيد بوالشعير المرجع السابق، ص 106
3 أنظر : د. فوزي أوصديق، ، المرجع السابق ،ص 158 إلى غاية 16
. تنج النظام النيابي التقليدي و هذا عند الأحد بعدم التجزئة السيادة.
2. الانتخاب وظيفة وليس حقا و الأخذ بالاقتراع المقيد .
3. النائب ممثل للأمة و التنكر لمفهوم الوكالة الإلزامية . 1
و لقد تم نقد هذه النظرية و منها :
إن اعتبار الأمة وحدة واحدة مستقلة عن أفرادها المكونين لها يؤدي لاعتراف لها بالشخصية المعنوية وبالتالي إلى قيام شخصين معنويين يتشاركان على إقليم واحد وهما الدولة والأمة .
الأخذ بنظرية سيادة الأمة يؤدي إلى الاستبداد لأن السيادة مطلقة
إن مبدأ سيادة الأمة استنفذ أغراضه لا توجد حاجة في الوقت الحاضر للأخذ بهذه النظرية 2
الفرع الثالث : نظرية سيادة الشعب
تعترف هذه النضرية بالسيادة للشعب باعتباره مكون من أفراد ولدوا أحرار و متساوين بحيث تنقسم بينهم السيادة و يشكل متساوي و يقصد هنا الشعب السياسي و ليس الاجتماعي . 3
و من النتائج المترتبة علي سيادة الشعب
الانتخاب حق و ليس وضيفة لأن المواطن له جزء من السيادة و هو حق عام لكل الشعب السياسي
أنظر : د. فوزي أوصديق، ، المرجع السابق ،ص 162 ، 163
2 أنظر : أ. حسين بوديار، المرجع السابق، ص 54
3 أنظر : المرجع نفسه، و الصفحة نفسها
تتناسب هذه النظرية مع الديمقراطية المباشرة على عكس نظرية سيادة الأمة التي تتناسب مع الديمقراطية النيابية
و أنها لا تتماشى إلى مع النظام الجمهوري
القانون وفقا لنظرية سيادة الشعب يعد تعبير عن إرادة الأغلبية و على القلية الإذعان له. 3
و تنقد هذه النظرية على النحو التالي
أن الناخبون ليسوا دائما على صواب و الأفراد لهم بحق عزل النائب في حالة التعارض مع مصالحهم
تجزئة السيادة لا تمنع من تعسف السلطات الحاكمة
لقد أصبحا الاقتراع في أغلب الدول حقا و ليس وضيفتا و عاما وليس مقيدا و منه التعارض أصبح نظريا فقط 4
أنظر : د. فوزي أوصديق، ، المرجع السابق ،ص 162 ، 163
2 أنظر : أ. حسين بوديار، المرجع السابق، ص 54
3 أنظر : المرجع نفسه، و الصفحة نفسها
4 أنظر : المرجع نفسه، ص55

المبحث الثالث : خضوع الدولة للقانونla Soumission de l’Etat à la loi
لقد أصبح خضوع الدولة للقانون خاصية تميز الدول الحديثة مبدأ من المبادئ الدستورية.
المطلب الأول: التطور التاريخي لخضوع الدولة للقانون
مرت على الدولة مراحل زمنية، كان الخضوع للقانون فيها مختلف عن الآخر حيث كانت تخضع لسلطت الحكم و كانت سلطته مطلقة لكن بعد ظهور المسيحية (النصرانية) كانت البداية و لقد أعطت هذه الأخيرة و سمحت ببعض الحريات كحرية العقيدة ، و قلصت مهام الملك أو السلطان خاصة في ما يخص الأمور الدينية ، لكن رغم هذا في هذه الفترة لم تكن الدولة تخضع للقانون خضوعا عادل و منصف بل كانت تخضع لهوى الحاكم و رغبته ، أثناء هذه الفترة وقبل النهضة الأوربية ظهر الإسلام ، كانت الدول الإسلامية كانت تخضع للقانون ، فالفرد كانت له حقوق عليه واجبات و كان الحكم (الخليفة) يخضع للقانون مثله مثل أي فرد و كان يعمل على تطيق الشريعة الإسلامية حيث كان القضاء في تلك الفترة منفصل عن سلطته فكان مبدأ الفصل بين السلطات قائما بذاته1 ، و بعد ذلك و خاصة في القرن (16) السادس عشر و بالتحديد بعد ظهور المذهب البروتستانتي في أوربا - الذي كان يعيش في جهل و تخلف - التي سمح بظهور أفكار تقوم على مطالبة بحقوق الأفراد و حرياتهم و تخلصوا من فكرة أن السيادة أنها فكرة دينية ، و بعدها و القرن السابع عشر وخاصة بعد ظهور فكرة أن الشعب صاحب السيادة في الدولة ، و وقوع عددت ثورات و خاصة الثورة الفرنسية مما سمح ب انتشار الأنظمة الديمقراطية و إقرار مبدأ الفصل بين السلطات و استقلال القضاء و خضوع الحاكم و كل الأفراد الدولة لذلك 1.
أنظر : د. فوزي أوصديق، المرجع السابق ،ص 178
المطلب الثاني : النظريات الفلسفية لدولة القانون
الفرع الأول : نظرية القانون الطبيعي
هناك قانون طبيعي يسمو على الجميع التي يجب أن تحكم السلوك البشري ، لأنها منبثقة عن طبيعة الإنسان باعتباره كائن عاقل و هذا القانون يعد سابق على دولة فهو قيد الحاكم الذين عليم الالتزام به و بعد أن يستخلصه العقل البشري و يصوغ القوانين الوضعية على ضوئها ، و لقد سادت هذه النظرية عند الإغريق و الرمان ثم ازدهرت في القرن 17م إلى القرن 19م و تنقد هذه النظرية بسبب غموضها و غير محددة وكما أن القانون متغير و متطور حسب المجتمعات في حين أن القوانين الطبيعية ثابتة 1
الفرع الثاني : نظرية الحقوق الفردية
مفادها أن للفرد حقوقه الطبيعية التي تولد معه و لذا فهي سابقة على الدولة و على الجماعة نفسها و أن الفرد لا يتنازل عنها بانضمامه على الدولة بل أن الدولة تنشئ من أجل حمايته و دعم تلك الحقوق و من ثم فهي ثم فهي مقيدة بتلك الحقوق التي لا تستطيع المساس بها لأنها تشكل علة وجودها2
هذه النظرية مرتبطة بنظرية القانون الاجتماعي و نظرية التضامن الاجتماعي ومنه فالانتقادات الموجهة لهذه النظرية هي نفس الانتقادات نظرية القانون الطبيعي.
أنظر : د. فوزي أوصديق، المرجع السابق ،ص 181 ، 182
2 أنظر : المرجع نفسه، ص55
الفرع الثالث : نظرية التحديد الذاتي
مفادها بما أن الدول هي من تسن القوانين فخضوعها لا يكون خضوعا مطلقا،غير أن الدولة مضطرة من اجل البقاء و من اجل أداء مهامها و تحقيق العدالة و الأمن و من اجل ضمان طاعة المحكومين لها و بالتالي أن الدولة لا تخضع لقيد من القيود إلا إذا كانت نابعة من إرادتها الذاتية و لكن خضوع الشخص لإرادته لا تعتبر خضوعا و لا يعقل أن تتقيد الدولة بالقانون بمحض إرادتها طالما كان في وسعها أن تخالفه بمعنى انه يمكن أن تعدل و تلغي أي قانون بإرادتها 1
الفرع الثالث : نظرية التضامن الاجتماعي
يرى أصحب هذه النظرية و على رأسهم ليون دوجي أن الإنسان دائما يبحث إشباع حاجياته ولا يكون ذالك على بالتعاون المشترك وهذا حسب فكرة التضامن بالتشابه ، وهناك فكرة أخرى وهي تضامن بتقسيم العمل أي أن الأفراد ليمكن إشباع الحجات إلا عطريق تبادل الخدمات و بالتالي يولد جزاء اجتماعي إذا ما قامت الدولة بالانحراف عن ذلك و لكن انتقدت هذه النظرية بالتنافس و التنازع و التناحر في المصالح بين الأفراد . 2
المطلب الثاني : المبادئ الوضعية التي تقوم عليها دولة القانون
نقصد بالمبادئ التي تقوم عليا دولة القانون بالعناصر التي تميز دولة القانون أو ما هي الضمانات لذلك أي التي تضمن خضوع جميع نشطات الدولة للقانون و هي كالأتي :
الفرع الأول : ضرورة وجود الدستور
ضرورة وجود الدستور و هو من أهم الضمانات، ففيه تحدد اختصاص كل

1 أنظر : د. فوزي أوصديق، المرجع السابق ،ص 185
2 أنظر : أ. حسين بوديار، المرجع السابق، ص 74
سلطة من السلطات الثلاث و يقيدها و هو المنشأ لها و عليه الالتزام بنصوصه و احترام مبادئه 1
الفرع الثاني : الأخذ بمبدأ تدرج القواعد القانونية
الدستور هو في قمة الهرم ثم يليها القانون الوضعي ثم اللوائح و القرارات التنظيمية و أخيرا القرارات الإدارية الفردية، و يجب اعتماد مبدأ القانون الأدنى لا يتعارض مع القانون الأعلى سواء من حيث الموضوع أو الشكل2.
الفرع الثلث : الفصل بين السلطات
يعود هذا المبدأ إلى الفقيه منتسكيو و هذا حيث يرى هذا الأخير أنه على كل سلطه أن تقون بمهامها و لا يكون تداخل في ذلك ولا يكون تجاوز في الاختصاص و المهام الموكلة لها ، أي على السلطة التشريعية سن القوانين و السلطة التنفيذية بتنفيذ تلك القوانين و الكشف عنها, وأما السلطة القضائية تقوم بتطبيق القوانين على نزاع يعرض امامها3.
الفرع الرابع : سيادة القانون
و بفرض على الشعب المكون للدولة التقيد بالنظام القانوني القائم و وضع ضمانات للمحكومين 4.
الفرع الرابع : الرقابة القضائية على الأعمال الإدارية
العمل على أن يق القضاء ضد أي تعسف من الإدارة لأن الرقابة القضائية اكثر فعالية من أي رقابة أخى 5

1 أنظر : د. فوزي أوصديق، المرجع السابق ،ص 187
2 أنظر : أ. حسين بوديار، المرجع السابق، ص 76
3 أنظر : د. فوزي أوصديق، المرجع السابق ،ص 187
4 أنظر : أ. حسين بوديار، المرجع السابق، و الصفحة نفسها
5 أنظر : المرجع السابق، ص 77

الخاتمة
فكل دولة تتميز عن غيرها و ذلك بخاصية الشخصية المعنوية لها ، و هي أساس مباشر ة الدولة لنشاطها كوحدة قانونية لها ذمة مالية مستقلة عن الأفراد المكونين لها سواء كانوا حكام أو محكومين ، ز كذلك تتميز الدولة بخاصية السيادة التي تمكنها من فرض إرادتها في الداخل و الخارج ، زد على دلك خضوع الدولة للقانون و لسيادته و لا لإرادة الحاكم كما كان عيه الشعوب القديمة ، فكل من هذه الخصائص لبديل عنها لقيام دولة القانون
المراجع1. د. سعد الله عمر ، د. بن ناصر أحمد ، قانون المجتمع الدولي المعاصر، الطبعة الثالثة 2005، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر
. د. بوالشعير سعيد ، القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة الجزء الأول ، الطبعة السابعة 2005، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر
3. د. أوصديق فوزي ، الوسيط في النظم السياسية القانون الدستوري القسم الأول النظرية العامة للدولة، طبعة 2000، دار الكتاب الحديث، الجزائر
4. أ. بوديار حسين ، الوجيز في القانون الدستوري، طبعة 2003، دار العلوم للنشر و التوزيع، عنابة الجزائر

أشكال الدول
خطة البحث
مقدمة
المبحث الأول الدولة البسيطة(الموحدة)
المطلب الاول تعريفها و تنظيمها
المطلب الثاني المركزية و اللامركزية
المبحث الثاني الدولة المركبة
المطلب الاول تعريفها
المطلب الثاني تركيبها و امثلة عليها
خاتمة
مقدمة

من الناحية الشكلية تقسم الدول إلى دول بسيطة و دول مركبة، و يعتمد هذا التقسيم على تركيب و وصف السلطة فيها، فإذا كنا بصدد دولة موحدة أما إذا كنا بصدد سلطة مركبة فنحن بصدد دولة مركبة.
المبحث الاول الدولة البسيطة : الموحدة
تكون فيها السيادة موحدة لها صاحب واحد هو الدولة و تتركز السلطة في يد حكومة واحدة، يكون لها دستور واحد و يخضع الأفراد فيها لسلطة واحدة و لقوانين واحدة.
المطلب الاول تنظيمها

أ‌- من حيث تنظيم السلطة السياسية :
ب‌- سلطة واحدة لمختلف أجهزتها.
ب- من حيث الجماعة :
جماعة واحدة متجانسة تخضع لنظام واحد رغم ما قد يكون من بعض الفوارق.
ج- من حيث الإقليم :
إقليم واحد تخضع جميع أجزائه لسلطة واحدة أو حكومة واحدة.
المطلب الثاني المركزية و اللامركزية :
إن بساطة التركيب الدستوري للدولة لا يستلزم بساطة التنظيم الإداري فيها فقد تأخذ الدولة بنظام المركزية الإدارية (و هو ما يعني تجميع كل الوظائف الإدارية بيد السلطة المركزية القائمة في عاصمة الدولة)، و معنى ذلك خضوع كل الهيئات الإدارية المنتشرة عبر إقليم الدولة إلى السلطة المركزية في شكل هرمي.
أما اللامركزية الإدارية أو المرفقية فتعني توزيع ممارسة الوظيفة الإدارية و المرفقية بين السلطة المركزية في العاصمة و بين هيئات مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية كالولاية و البلدية في الجزائر أو كالأشخاص العامة (الصحة، البريد، التعليم ...) حيث تباشر هذه إختصاصات محدودة بطريقة إستقلالية عن السلطة المركزية لكن تحت رقابتها و هو ما يسمى بالوصاية الإدارية.

المبحث الثاني الدولة المركبة

تتألف من دولتين فأكثر و تتخذ أشكالا متعددة من حيث قوة أو ضعف الإتحاد فيما بينها و يمكن حصر أهم الدول المركبة فيما يلي :

المطلب الاول أهم الدول المركبة

أ‌- الإتحاد الشخصي
إتحاد عدة دول من حيث رئيس الدولة فقط، كمملكة هانوفر، العراق و الأردن 1958.

ب‌- الإتحاد الحقيقي أو الفعلي
إتحاد بين دولتين فأكثر بحيث تفنى الشخصية القانونية لكل دولة، أما الشؤون الداخلية فتستقل بها كل دولة على حدى.

ت‌- الإتحاد الإستقلالي أو التعاهدي أو الكونفدرالي
يتم بإنضمام دولتين أو أكثر كاملتي السيادة بناء على معاهدة تبرم بينها و تحدد الأهداف المشتركة التي تلتزم بها دول الإتحاد (الدفاع المشترك مثلا)، كجامعة الدول العربية.

ث‌- الإتحاد المركزي أو الفدرالي
عبارة عن دولة مركبة من عدد من الدويلات إتحدت فيما بينها.

* مظاهر الوحدة في الإتحاد المركزي :

1* في المجال الخارجي :
تفقد جميع الدويلات (الولايات) الداخلة في هذا الإتحاد إستقلالها و سيادتها الخارجية، لا يصبح لها شخصية قانونية دولية، و يظهر شخص معنوي يتمتع بالشخصية هي الدولة المركزية التي تتولى كل الشؤون الخارجية (إبرام المعاهدات، إعلان الحرب، تعيين السفراء...).
هناك إستثناء في الإتحاد السوفياتي سابقا بعد الحرب العالمية الثانية عندما سمح لجمهورية أوكرانيا و روسيا بالتمثيل الخارجي لدى الأمم المتحدة.

- ماذا يترتب على قيام الإتحاد الفدرالي ؟
1. الإتحاد يضم جنسية مشتركة لجميع الدويلات الأعضاء هي جنسية دولة الإتحاد، لكن يبقى لمواطني كل دويلة يتمتعون برعوية تلك الدولة.
2. إقليم دولة الإتحاد يعتبر وحدة واحدة يشمل جميع أقاليم الدويلات الداخلة في الإتحاد كما قد سبق يشمل أجزاء تتبع مباشرة إلى دولة الإتحاد مثل جزر هاواي.

2* في المجال الداخلي :
تتولى وثيقة الإتحاد (دستور أو معاهدة) توزيع مظاهر السيادة الداخلة بين الحكومة المركزية من ناحية و حكومات الولايات الأعضاء من ناحية أخرى و معنى ذلك أنه في الإتحاد المركزي تكون هناك حكومة مركزية (فدرالية) تكون لها بعض السلطة على حكومات الولايات أو الدويلات الأعضاء و على رعاياها، و يبقى لكل دويلة في الإتحاد المركزي دستورها الخاص و حكومتها الخاصة المتكونة من السلطات الثلاث.
أمثلة : المكسيك، البرازيل، الإتحاد السوفياتي سابقا، أستراليا، فنزويلا...

* نشأة الإتحاد الفدرالي و نهايته :
ينشأ الإتحاد الفدرالي بطريقتين :
1* تفكك دولة موحدة إلى عدد من الدويلات مثل الإتحاد السوفياتي سابقا، المكسيك، الأرجنتين...
2* إنضمام عدة دول مستقلة إلى بعضها البعض في شكل إتحاد مركزي، سويسرا، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، أستراليا
* الدوافع لإيجاد الإتحاد المركزي :
الوحدة القومية، وحدة اللغة، وحدة التقاليد، الخطر الخارجي، المصالح المشتركة...
لكن رغم وجود عوامل الوحدة تبقى النزعة الإستقلالية لدى تلك الدويلات و من هنا ينشأ الإتحاد المركزي بهدف تحقيق المصالحة بين نزعتي الوحدة و الإستقلال.
ينتهي الإتحاد بإحدى الطريقتين :
1* تحوّل الدولة الإتحادية إلى دولة بسيطة بحيث تصبح فيها الدويلات مجرد وحدات إدارية فقط بعدما كانت وحدات سياسية.
2* إنفصال الولايات عن بعضها البعض و تحولها إلى دول بسيطة مستقلة و متميّزة عن بعضها. يوغوسلافيا، الإتحاد السوفياتي ساب

* المطلب الثاني كيفية توزيع الإختصاص بين دولة الإتحاد المركزي و الولايات
هناك ثلاث طرق لتحديد ذلك: :
1- أن يحدد الدستور الإتحادي إختصاصات كل من الحكومة المركزية و الدويلات على سبيل الحصر.
نقد : من الصعب أن يتنبأ الدستور لكل الإختصاصات.
2- أن يحدد الدستور الإتحادي إختصاصات حكومات الولايات على سبيل الحصر، ماعدا ذلك يكون من إختصاص حكومة الإتحاد (إختصاصها شامل)، كندا، فنزويلا، الهند …
3- الدستور الإتحادي ينص على إختصاص الحكومة الإتحادية على سبيل الحصر و ماعدا ذلك يبقى من إختصاص الولايات الداخلة في الإتحاد، ألمانيا، سويسرا، الولايات المتحدة الأمريكية.

*المطلب الثالث تحديد السلطات و الأجهزة الإتحادية : إزدواج السلطات العامة
بالإضافة إلى وجود دستور الدولة الإتحادية و معنى ذلك وجود سلطة فدرالية تتكوّن من ثلاث سلطات التي تباشر بعض مظاهر السيادة الداخلية على الدويلات الداخلة في الإتحاد و التي هي كذلك كل دويلة فيها يكون لها دستور خاص بها و سلطات ثلاث.
يتكفل الدستور الإتحادي بتحديد السلطات و الأجهزة الإتحادية في مجال التشريع و التنفيذ و القضاء كما يلي :
1* السلطة التشريعية الإتحادية : البرلمان الإتحادي
تتولى السلطة التشريعية إصدار قوانين واجبة التطبيق داخل كل إقليم الإتحاد و في مواجهة كل مواطنيه و هي عادة ما تتعلق بالأمور الهامة مثل أمور النقد، تنظيم البنوك، الجنسية، التعليم…
و عادة ما تتكون السلطة التشريعية الإتحادية من مجلسين (نظام الغرفتين) بحيث أن المجلس الأول يمثل مجموع مواطني الدولة الإتحادية (مجموع رعايا الدويلات الداخلة في الإتحاد) بحيث ينتخب هذا المجلس من قبل المواطنين حسب الكثافة و يكون التمثيل في هذا المجلس حسب الكثافة السكانية لكل دويلة.

المجلس الثاني يكون على أساس الولايات بإعتبارها وحدات سياسية متميزة و يكون لكل دويلة نفس عدد الممثلين للدويلات أو الولايات الأخرى أي أن التمثيل يكون على أساس المساواة بين الدويلات.

2* السلطة التنفيذية الإتحادية :
تتكون هذه السلطة من رئيس الإتحاد و من معاونيه من الوزراء و الأجهزة التنفيذية الإدارية التي تشرف على التطبيق (تنفيذ القوانين و القرارات الإتحادية) و تمتد بسلطاتها داخل أقاليم جميع الدويلات الداخلة في الإتحاد.

كيف تتولى هذه السلطة تنفيذ القرارات ؟
يميّز الفقه الدستوري بين ثلاث طرق في أداء السلطة التنفيذية الإتحادية مهامها كالآتي :
1- طريقة الإدارة المباشرة :
السلطة التنفيذية لها موظفون منتشرون على مختلف أقاليم الدويلات الداخلة في الإتحاد.
موظفون إتحاديون قد تخلق حساسية بين الموظفين الإتحادين و المحليين.
2- طريقة الإدارة غير المباشرة :
الحكومة الإتحادية تترك مهمة تنفيذ القوانين و القرارات الإتحادية للأجهزة الإدارية التابعة لدويلات.
نقد : قد يحدث تهاون من قبل الجهاز الإداري المحلي في تنفيذ هذه القرارات.
3- طريقة الإدارة المختلطة :
توزيع تنفيذ القوانين و القرارات داخل الإتحاد بين موظفي الإتحاد الذين يشرفون على تنفيذ القوانين ذات الأهمية الخاصة و بين موظفي الدويلات الداخل
ة في الإتحاد الذين يشرفون على تنفيذ باقي القوانين الأخرى.

3* السلطة القضائية الإتحادية :
بالإضافة إلى وجود قضاء محلي يتبع كل دويلة محلية يوجد جهاز قضائي يتبع للدولة الفدرالية و معنى ذلك وجود محاكم إتحادية أو فدرالية يكون على رأسها محكمة إتحادية.
مهام القضاء الإتحادي :
تختص في الفصل بين الدويلات و الإتحاد في حالة وجود نزاع بينهما و كذلك الفصل في النزاعات التي قد تنشأ بين الدويلات ذاتها.
كما قد يختص في المسائل المتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين و كذلك بعض القضايا الإدارية التي لها طابع فدرالي أو إتحادي.
سلطة رئيس الدولة
في تعطيل الدستور وفقاً للاتجاهات الدستورية المعاصرة

المقدمة :

ـ موضوع البحث :
يتضمن النظام السياسي Political system الذي يقرره الدستور ، إلى جانب تنظيم السلطة ، تنظيماً للحرية ، يتقرر من خلاله مجموعة الحقوق والحريات العامة للأفراد ، تمثل الحد الأدنى المعترف به منها ، في النظم الديمقراطية .
والواقع إن الدستور ، وأن تضمن تنظيماً لقضيتي السلطة والحرية ‘إلاّ أن قيمته العملية ، تتوقف على سلوك السلطات العامة في الدولة ، والتي تتولى تطبيق نصوصه . حيث يقع عليها واجب تطبيق النصوص الدستورية ، تطبيقاً سليماً ، عندما تباشر اختصاصاتها ، بأن يتم ذلك على النحو المبين في الدستور .
ويؤكد المشرع الدستوري على مبدأ سيادة الدستور ، و ينيط برئيس الدولة Head of State وظيفة ضمان تطبيق القواعد الدستورية(1).
ومع ذلك فقد توجد حالات تستدعي التصريح لرئيس الدولة، بمزاولة سلطة تعطيل أو إيقاف تطبيق بعض النصوص الواردة في الوثيقة الدستورية ، وذلك لمواجهة ظرف غير عادي ، يهدد كلتي المصلحتين العامة والخاصة ، ويؤدي إلى تقويض النظام الدستوري نفسه .
فالمشرِّع الدستوري ، قد يُضَمِّن نصوص الدستور ، السند الذي يخوِّل رئيس الدولة –صراحةً أو ضمناً – صلاحية تعطيل بعض نصوص الدستور الأخرى .
بيد إن امتلاك رئيس الدولة لسلطة التعطيل ، قد لا يجد سنده في أحكام الدستور ، وإنما يبرز كظاهرة في الواقع السياسي .

ـ مشكلة البحث :
تعد إشكالية تعطيل الدستور من قبل رئيس الدولة ، أحدى المظاهر المشتركة بين عدد من الأنظمة الدستوريةsystems constitutional والتي عملت على تقوية مركز رئيس الدولة في مواجهة السلطات العامة الأخرى ، بما يؤثر على التوازن المفترض بين السلطات .
ويشير واقع الأنظمة الدستورية ، إلى إن نصوص الدستور ، تتعرض إلى تعطيل أحكامها ، في حالتين : الأولى ؛ تجد سندها في التنظيم الدستوري ذاته ، والثانية ؛ تجد سندها في الواقع السياسي والمتمثل في عدم تطبيق أحكام الدستور ، أو تطبيقها بشكل مغاير لمحتواها .

ـ خطة البحث :
تقتضي طبيعة البحث في سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور وفقاً للاتجاهات الدستورية المعاصرة ، معالجته على النحو الأتي :
-مقدمة
-الفصل الأول : مضمون سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-الفصل الثاني : موقف الدساتير من سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-الفصل الثالث : القيود التي ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-خاتمة : تتضمن أبرز النتائج والتوصيات .
الفصل الأول :
مضمون سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يثير البحث في مضمون تعطيل الدستور ، جدلاً فقهياً على جانب من الأهمية ، بشأن تحديد معنى ومحتوى التعطيل ، وتبيان مسوغاته .
وعلى ذلك ، نتناول بالدراسة هذه الموضوعات ، وذلك في مبحثين :
المبحث الأول : معنى تعطيل الدستور.
المبحث الثاني : مسوغات تعطيل الدستور.
المبحث الأول :
معنى تعطيل الدستور
تميزت آراء الفقه بالانقسام إلى اتجاهين بشأن تحديد معنى ( التعطيل ) . فذهب البعض إلى وجوب الرجوع إلى المعيار اللغوي ، بينما ذهب البعض الآخر إلى وجوب الرجوع إلى المعيار الموضوعي .
ولتبيان ذلك ، سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين نحدد في أولهما المقصود بالتعطيل تبعاً للمعيار اللغوي ، ونحدد في الآخر المقصود بالتعطيل تبعاً للمعيار الموضوعي .
المطلب الأول :
تعطيل الدستور وفقاً للمعيار اللغوي
إن تحديد معنى تعطيل الدستور ، من الناحية اللغوية ، يستلزم بداية ً تبيان المعنى اللغوي لكلمة (التعطيل).
وتشير معاجم اللغة العربية إلى أن ( التعطيل )، هو المصدر من ( عَطَلَ ) و( عَطَّلَ ) الشيء ، أي تركه ضياعاً .
وقد يستعمل ( العَطَلُ ) في الخلو من الشيء ، وإن كان أصله في الحَلي ؛ يقال: ( عطَلَت ) المرأة و( تَعَطَّلَت ) إذا لم يكن عليها حلي ، ولم تلبس الزينة وخلا جيدها من القلائد(2).
ويقال أيضاً : ( تَعَطَّلَ ) الرجل ، إذا بقي لا عمل له .
و رجل ( عُطُلٌ ) : لا سلاح له ، وجمعه أعطالٌ . وكذلك الرعية ، إذا لم يكن لها والٍ يسوسها ، فهم مُعَطلَّون . وقد عُطِّلوا ، أي أُهمِلوا .
و(المعُطَّل ) : المَواتُ من الأرض ، وإذا ترك الثغر بلا حامٍ يحميه ، فقد عُطِّل .
والغلاة والمزارع ، إذا لم تُعمر ولم تُحرَث ، فقد عُطِّلت . و ( التَّعطِيلُ ) : التفريغ(3).
فيقال : ( عَطَّلَ ) الدار : أي أخلاها . وكل ما تُرِكَ ضياعاً ، معُطَّلٌ و مُعطَل .
و ( تعطيل الحدود ) : أن لا تقام على من وَجَبَت عليه .

ـ أصل كلمة ( التعطيل ) في القرآن الكريم :
وردت كلمة ( عُطِّلت ) في القرآن الكريم، في سورة التكوير،الآية (4) ،قال تعالى : ’’ وإذا العِشارُ عُطِّلَت ‘‘ .و العشار: جمع عشراء، وهي الناقة التي أتت عليها عشرة أشهر . وتعطيل العشار ، يعني : تركها مهملة ، لا راعي لها ، ولا حافظ يحفظها(4).
كما وردت كلمة ( مٌعَطَلة ) في سورة الحج ، الآية (44) ، قال تعالى : ’’ ... وبئر معُطَّلة و قصر مشيد ‘‘ . ويراد بالبئر المعُطَّلة : البئر التي تركها واردوها ، فلا يستقى منها ، و لا ينتفع بمائها .
وقيل : بئر معُطَّلة ، لبيود أو هلاك أهلها(5).

ـ كلمة ( التعطيل ) في مجال القانون العام :
وردت كلمة ( التعطيل ) في مجال القانون العام ، وبخاصة في مجال الشؤون الدستورية ، بمعنى محدد ، مفاده : وقف العمل بنصوص الدستور .
ويتحقق تعطيل الدستور في صورتين :
-يترك الدستور ولا يأخذ مجاله في التطبيق ، أي يهمل ويتجاوز عنه .
-تطبيق النصوص الدستورية بشكل مغاير ومختلف عما ورد في الوثيقة الدستورية .

ـ المصطلحات الواردة في الدساتير الأجنبية والعربية :
استخدمت بعض النصوص الدستورية مصطلحات مختلفة للدلالة على معنى التعطيل الدستوري .
ومن خلال الإطلاع على العديد من هذه النصوص ، نجد أن هنالك ثلاثة أنماط دستورية :
النمط الأول : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( تعليق الدستور Suspension ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور التركي لعام 1982 ، والدستور السوداني لعام 1998 .
ألنمط الثاني : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( وقف أو إيقاف العمل بالدستور ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور اليوغسلافي لعام 1963 ، والدستور الجزائري لعام 1989 ، ومشروع الدستور العراقي لعام 1990 .
ألنمط الثالث : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( تعطيل الدستور ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور البلجيكي لعام 1831 ، والدستور الألماني لعام 1919 ، والدستور المصري لعام 1923 ، والدستور الهندي لعام 1949 ، والدستور الكويتي لعام 1962 ، والدستور الأفغاني لعام 1964 ، والدستور القطري لعام 1972 ، والدستور الإماراتي لعام 1973 ، والدستور البحريني لعام 1973 ، والدستور العماني لعام 1996 .
وجدير بالذكر ، أن تعدد المصطلحات ، لا يعني وجود اختلاف وتباين في المعنى ، بل إن تلك المصطلحات حملت معنى واحد ، يفيد :إيقاف تطبيق الأحكام الدستورية .
المطلب الثاني :
تعطيل الدستور وفقاً للمعيار الموضوعي
يأخذ غالبية الفقه الدستوري ، في تبيان معنى تعطيل الدستور بمعيار موضوعي ، فيحددون مفهومه بالنظر إلى مضمونه أو موضوعه .
ومن خلال استقراء الاتجاهات الفقهية ، نلاحظ أن أغلب تلك الاتجاهات ، قد اقتصرت على تحديد مفهوم التعطيل في حالة الظروف غير العادية التي تمر بها الدولة .
وتتفق آراء الفقهاء ، على أن مفهوم تعطيل الدستور يتحدد في : ’’ إيقاف العمل ببعض النصوص الدستورية ولمدة مؤقتة ‘‘(6).
ويرى البعض إن تعطيل الدستور يراد به ’’ صلاحية رئيس الدولة في إيقاف العمل ببعض مواد الدستور من أجل مواجهة الأزمة الطارئة‘‘(7).
كما ذهب البعض إلى أن تعطيل الدستور ، يقصد به : ’’ إمكانية تدخل رئيس الدولة في المجال الدستوري أثناء تطبيق المواد المنظمة لحالة الضرورة ، والتي تبيح له أن يوقف العمل بعض أحكام الدستور خلال فترة الأزمة التي تتعرض لها الدولة ‘‘(8).
إلاّ إن هنالك اتجاهاً فقهياً أخذ منحى آخر في تحديد مفهوم فكرة تعطيل الدستور ، حيث اقتصر على تبيان أشكال التعطيل ونطاقه ، دون تحديد مفهوم التعطيل بشكل مباشر .
وتبعاً لذلك ، يرى جانب من الفقه أن التعطيل يتحقق في جميع الحالات التي يكون فيها ، الدستور عقبة قانونية سياسية أمام تحقيق الأغراض التي يقصد إليها الحكام . وإذا كان هذا التعطيل ( رسمياً ) فثمة تعطيل ( واقعي ) أي تعطيل لا يستند إلى الدستور نفسه ، وإنما إلى إرادة المسئولين عن تطبيقه(9) .
ويؤكد ذات المعنى جانب آخر من الفقه ، إذ يرون ، أن تعطيل الدستور ، كلاً أو جزءاً يستند على قرار صادر عن السلطة ، لسبب أو لآخر ، وفي هذه الحالة ، نكون أمام تعطيل رسمي للدستور . وقد لا يصدر القابضون على السلطة أي قرار بتعطيل كل أو بعض أحكام الدستور ، ولكنهم لا يقومون بتنفيذ أحكامه ، لفترة قد تطول وقد تقصر ، وفي هذه الحالة ، نكون أمام تعطيل فعلي لأحكام الدستور(10).
و يتضح مما تقدم ، إن أشكال تعطيل الدستور ، تتمثل في التعطيل الرسمي ، و التعطيل غير الرسمي ( التعطيل الفعلي) .
ويتحقق التعطيل الرسمي للدستور ، عندما يعلن القابضون على السلطة عن وقف العمل بنصوص الدستور كلاً أو جزءاً ، لمعالجة أزمة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، أو في حالة الحرب أو عصيان مسلح، أو وجود خطر يهدد استقلال الدولة وسلامة أراضيها ومؤسساتها الدستورية(11).
أما التعطيل غير الرسمي ( التعطيل الفعلي ) ، فالملاحظ أن القابضون على السلطة لا يعلنون بشكل رسمي ، عن وقف العمل بنصوص الدستور ، وإنما تتجه إرادتهم نحو إهمال تطبيق نصوص الدستور بشكل جزئي أو كلي ، أو تطبيق نصوص الدستور بشكل يتعارض مع محتواها(12).
ويمكن ملاحظة التعطيل غير الرسمي ، من خلال دراسة الواقع الدستوري للدولة ومقارنته بالواقع السياسي(13). فإن تبين أن هنالك تمايز أو اختلاف بين مضمون النصوص الدستورية ، و واقع ممارسة السلطة في مجال معين ، حينئذٍ ، يتحقق التعطيل الفعلي للدستور .
وفي ضوء ما تقدم ، فإننا نرى ضرورة إعادة النظر في ما طرح من هذه التعريفات ، ومحاولة وضع تعريف علمي ومنهجي دقيق يوضح معنى تعطيل الدستور .
ومن خلال تحليل فكرة تعطيل الدستور ، نعرف التعطيل بأنه :
إيقاف تطبيق النصوص الدستورية الواردة في وثيقة الدستور ، أو الانحراف في تطبيقها ، بشكل كلي أو جزئي ، و لمدة زمنية معينة ، أياً كانت الظروف التي تحياها الدولة ، عادية ، أم غير عادية .
وانطلاقاً من هذا التعريف ، وفي ضوئه ، نرى أن معنى تعطيل الدستور يتكون من العناصر التالية :
أ‌- تعليق تطبيق الأحكام المدونة في الوثيقة الدستورية النافذة في الدولة ، ويشمل التعليق بعض أو جميع الأحكام الدستورية .
ب‌- إهمال تطبيق المبادئ الواردة في النصوص الدستورية .
فالملاحظ أن بعض النصوص الدستورية التي تعالج حقوق الإنسان لا تجد مجالاً في التطبيق العملي .
ج-الانحراف في تطبيق القواعد الدستورية المدونة ، بأن يتم تطبيقها بشكل يتعارض مع مضمونها الصحيح ، ويخل بالمبادئ الأساسية التي احتوتها ، أو يخالف روح الدستور . فالهيئة التي أنشأها الدستور والمنوط بها حماية القواعد الدستورية ، تستخدم سلطتها وتسعى إلى هدم المبادئ الدستورية الأساسية ، التي قصدتها السلطة التأسيسية الأصلية .
فرئيس الدولة ، مثلاً ، قد يستخدم صلاحياته ويضغط باتجاه خلق واقع سياسي ، يغير مبادئ الدستور تغييراً جذرياً ، إذ يقوم بمخالفة روح الدستور، كأن يعطل النصوص الدستورية القائمة على أساس احترام مبدأ الفصل بين السلطات ، ويخلق من الممارسة الواقعية ، قواعد دستورية لها سمة دكتاتورية ، تستند إلى تركيز السلطة في يده. ويترتب على ذلك ، ظهور قواعد دستورية جديدة غير مدونة ، ناتجة عن الممارسة العملية لشؤون الحكم .
ومن هنا ، فإن الانحراف الدستوري سينشئ واقعاً سياسياً يتعارض مع الواقع الدستوري . وبعبارة أدق، سوف تبرز نوعين من القواعد الدستورية ( قواعد مدونة و قواعد غير مدونة ) تعالجان مسألة معينة متعلقة بالنظام الدستوري في الدولة . غير إن هذه المعالجة ، متعارضة متناقضة . أي أن هنالك تباين واختلاف في محتوى ومضمون القاعدة المدونة عن القاعدة غير المدونة .

المبحث الثاني :
مسوِّغات تعطيل الدستور
تستند سلطة رئيس الدولة في تعطيل أحكام القواعد الدستورية ، إلى مسوغات عديدة ، يمكن ردها إلى قسمين : مسوغات سياسية و مسوغات عملية . وسنخصص لكل منها مطلباً مستقلاً لبحثها .
المطلب الأول :
المسوغات السياسية
لئن كانت الأوضاع التي تحيط القابضين على السلطة في المجتمع ، تختلف على الدوام ، فإن هذا الاختلاف لا يعني تعذر تحديد مظاهر عامة لممارسة السلطة ، ففي خضم ذلك التباين توجد دائماً حقيقة مشتركة ثابتة ، تتجسد في أن ثمة نتيجة أساسية تترتب على ممارسة السلطة ، وتتمثل في ولادة قواعد دستورية تعبر عن إرادة ومصالح القابضين على السلطة ، وتحدد الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يؤمنون بها .
وهذه القواعد الدستورية تمثل شكل من أشكال التمييز بين الحكام والمحكومين ، وبالتالي ، تكرس لأحدى صور القبض على السلطة(14).
على أننا يجب أن نلاحظ أن العوامل التي تفسر لنا لجوء الحكام إلى إيقاف العمل بالقواعد الدستورية ، يمكن استخلاصها من واقعة : أن الحكام هم الذين يمارسون السلطة وفق قواعد من وضعهم ( وتتمثل في القواعد الدستورية المكتوبة ) ، أو قواعد ناتجة من طريقة ممارستهم للسلطة ( وتتمثل في القواعد الدستورية العرفية ) ، أي إن ممارسة الحكام للسلطة تحددها القواعد الدستورية المكتوبة أو العرفية .
وعلى ذلك ، فإن الأساس الأول ، في استمرارية تطبيق القواعد الدستورية ، يتمثل في تجسيد هذه القواعد لمصالح القابضين على السلطة ، وتعبيرها عن هيمنتهم على دست السلطة .
ولكن في أية حالة من الحالات ، لو أن القواعد الدستورية لا تعبر عن المصالح الخاصة التي يمثلها متقلدي السلطة ، فإن إرادتهم ستتجه نحو وقف تطبيق قواعد الدستور وتعطيلها ، وتكريس واقع سياسي يكفل حماية هذه المصالح .
وهكذا فإن القبض على السلطة وهي في حالة التركيز ، يعكس خطوطه العريضة في طبيعة المصالح التي يغلبها الواقع السياسي على الواقع الدستوري (15).
وفي ضوء ما تقدم ، فإن المبرر لتعطيل القواعد الدستورية و وقف العمل بأحكامها ، يجد سنده في الأوضاع الخاصة بالقابضين على السلطة ، ورغبتهم في تركيز السلطة بأيديهم ، من أجل تحقيق المصالح والأغراض التي يبغون الوصول إليها ، وقطع الطريق أمام المؤسسات الدستورية الممثلة للشعب ، لتحقيق رغبات الشعب وأمانيه وآماله من خلال الدستور والوسائل الديمقراطية التي يتضمنها .
حيث يعمل القابضون على السلطة ، على اتخاذ قرار يقضي بتعطيل نصوص الدستور بشكل كلي أو جزئي، مستندين في ذلك على أسباب ومبررات سياسية .
وهذا الشكل من التعطيل لا يجد له سنداً في الوثيقة الدستورية يبرر مشروعيته ، وإنما يجد سنده وأساسه في القوة التي يعتمد عليها من جهة ، وإمكانية استمرار القابضين على السلطة الذين اتخذوه من جهة أخرى .
وصفوة القول ، إن الأساس الذي يستند عليه هذا التعطيل يكون ذا طبيعة سياسية صرفة ، فليس هناك نص دستوري يجيزه وينظمه ويجد مشروعيته فيه ، وهو بهذه المثابة يخرج عن نطاق المشروعية ، حيث يكون في حقيقته حالة واقعية وسياسية .
المطلب الثاني :
المسوغات العملية
تكون الضرورة وحتمية استمرار الدولة وسلامتها وحماية إقليمها وشعبها ، هي المبرر لتعطيل الدستور وإيقاف العمل به لمدة تحددها الضرورة ذاتها .
إذ إن حياة الدولة لا تسير على وتيرة واحدة ، بل تتخللها بين الحين والآخر صور مختلفة من الظروف الاستثنائية تهدد كيانها و وجودها تهديداً خطيراً .
حيث تطرأ على حياة الدولة ظروف غير عادية متعددة الأشكال مختلفة المصادر ، فقد يكون سبب هذه الظروف ، الأحوال الدولية ، مثل حدوث حرب عالمية أو محلية ، كما قد يكون سبب تلك الظروف الاستثنائية ، الأحوال الداخلية ، مثل حدوث أزمة من الأزمات الاقتصادية أو انتشار وباء أو فتنة(16).
وليست هذه الظروف الاستثنائية بالوضع المعتاد في حياة الدولة ، وليست لها صفة الدوام،بل هي محتملة الوقوع ،مؤقتة البقاء.على أنه مهما اختلفت هذه الظروف من حيث مصدرها أو شكلها،فإنها تتحد في الأثر والنتيجة ،إذ تمثل خطراً على كيان الدولة وبقائها(17).
وتدعونا هذه الظروف الاستثنائية أن نقف أمام اعتبارين :
- الاعتبار الأول : يترتب على وقوع الظروف الاستثنائية ، توافر حالة الضرورة ، التي تتيح لرئيس الدولة أن يتخذ الإجراءات والتدابير الاستثنائية اللازمة لمواجهة تلك الظروف .
- الاعتبار الثاني :إن إقرار الوثائق الدستورية للضمانات اللازمة لحماية حقوق الإنسان ، تغدو غير مجدية ، إذا أجيز لرئيس الدولة ، اللجوء إلى التدابير الاستثنائية والتي من شأنها أن تؤدي إلى وقف العمل وتعطيل بعض النصوص الدستورية .
ومن ثم كان من الواجب تحقيق التوازن بين الاعتبارين السابقين وعلى النحو الآتي(18):
(أ)-لا يجوز وقف العمل بالنصوص الدستورية الخاصة بالحقوق والحريات ، إلاّ في الحدود الضرورية التي تسمح لمؤسسات الدولة بمواجهة الأخطار القائمة فعلاً(19).
أي أن يكون تعطيل الدستور بالقدر اللازم لمواجهة تلك الظروف . وبتعبير آخر ، أن يتحقق التناسب بين إجراء تعطيل الدستور ، مع طبيعة الظرف الاستثنائي .
(ب)-يجب أن تخضع ممارسة رئيس الدولة لصلاحيته الاستثنائية في وقف العمل بنصوص الدستور،لرقابة السلطتين التشريعية والقضائية،على أن يكفل لهذه الرقابة فعاليتها واستمراريتها.
الفصل الثاني :
موقف الدساتير من سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
إن معرفة الموقف التشريعي من سلطة رئيس الدولة في إيقاف العمل بأحكام الدستور، تقتضي دراسة وتحليل بعض نصوص الوثائق الدستورية العربية والأجنبية ، لمعرفة موقفها من مسألة تعطيل الدستور .
والتساؤل الذي يرد في هذا المجال ، يتمحور في مدى جواز تعطيل أحكام الدستور في الأنظمة الدستورية ؟
تعددت وتباينت الاتجاهات التي تبنتها الدساتير المقارنة ، من مسألة تعطيل الدستور ، وبرزت ثلاثة أنماط من الدساتير ، وعلى النحو التالي :
النمط الأول: ويتمثل في الدساتير التي حظرت تعطيل الدستور
النمط الثاني : ويتمثل في الدساتير التي أجازت صراحةً تعطيل الدستور
النمط الثالث : ويتمثل في الدساتير التي أجازت ضمناً تعطيل الدستور
وسنعرض لهذه الأنماط الدستورية في مباحث ثلاثة ، وفقاً لما يأتي :
المبحث الأول : حظر تعطيل الدستور
المبحث الثاني : الإجازة الصريحة لتعطيل الدستور
المبحث الثالث : الإجازة الضمنية لتعطيل الدستور
المبحث الأول :
حظر تعطيل الدستور
اتجهت بعض الدساتير ، إلى النص بشكل صريح على حظر وقف العمل بالأحكام الواردة فيها .
ونجد تطبيقاً لهذا الاتجاه في الدستور البلجيكي الصادر عام 1831 ، فقد تبنى هذا الدستور ( نظام المنع) ومقتضاه : حظر تعطيل أي نص من النصوص الدستورية لأي سبب كان ، وفي مختلف الحالات . حيث قضت المادة (130) منه ، بما يأتي : ’’ لا يمكن تعطيل الدستور كلاًّ أو جزءاً ‘‘(20).
ومن خلال استقراء محتوى هذا النص ، يتبين لنا ، الآتي :
أ-أكد المشرع الدستوري على تحريم المساس بنصوص الدستور وبشكل خاص ، حظر تعطيل الأحكام الدستورية بشكل جزئي أو بشكل كلي .
ب-إن الحظر الدستوري يتحقق في جميع الظروف التي تحياها الدولة في الظروف العادية و كذلك الظروف غير العادية .
ج-يعكس النص الدستوري ، اعتقاد واضعوا الدستور ، إن النصوص الواردة في وثيقة الدستور تمثل جوهر نظام الحكم السياسي ، وأبرزها القواعد المنظمة للمؤسسات الدستورية ، وكذلك القواعد المنظمة لعلاقة الدولة بالفرد ، لذلك أعلنوا عن عدم جواز المساس بالدستور أي منعوا تعطيله .
والتساؤل الذي يثار في هذا الشأن هو : حينما ينص الدستور على حظر إيقاف العمل بمواده بشكل كلي أو جزئي ، فهل يقيِّد هذا المنع ، السلطات العامة ، وبشكل خاص ، سلطة رئيس الدولة ؟
لاشك أن احترام السلطات العامة ( وبخاصة رئيس الدولة ) لنصوص الدستور ومراعاة الأحكام الواردة فيها ، من شأنه أن يضمن تطبيق القواعد الدستورية(21).
ومن ثم ، فإن المنع أو الحظر ( الذي يحرم المساس بأحكام الدستور و وقف العمل بها ) يفرض على السلطات العامة ، ومنها رئيس الدولة . وبالتالي يقيدها وهي تمارس نشاطها الدستوري . ويستند هذا الرأي على طبيعة سلطة التعطيل ذاتها .
فالاتجاه الدستوري الذي ينادي بمنع تعطيل مواد الدستور ، ينطلق من المسلمة التالية : وجود نوعين من السلطة المؤسسة : السلطة المؤسِسة الأصلية والسلطة المؤسَسة ( السلطة المنشأة) (21).
وإذا كان الأمر كذلك ، فمن المنطقي التسليم حينذاك بالحظر الذي يرد في الدستور ويمنع السلطة المنشأة ( والمتمثلة بسلطة رئيس الدولة ) من تعطيل أحكام الدستور .
وآية ذلك ، أن السلطة المنشأة ، هي سلطة خلقها الدستور وحدد نشاطها . ومن ثم ، لا يجوز لهذه السلطة أن تعطل إرادة السلطة المؤسِسة الأصلية ، وتوقف تطبيق الأحكام الدستورية التي تعبر عن المبادئ والأفكار التي صاغتها صياغة قانونية ، وأصدرتها في شكل نصوص دستورية .
المبحث الثاني :
الإجازة الصريحة لتعطيل الدستور
أقرت بعض الدساتير ، بشكل صريح ، إمكانية وقف أو تعليق بعض النصوص الدستورية ، في حالة الظروف الاستثنائية .
وتجسد هذا النهج في بعض الدساتير الأجنبية التي نصت على منح رئيس الدولة إجازة صريحة لوقف تطبيق بعض المواد الدستورية ،ومن أمثلة ذلك : الدستور اليوغسلافي الصادر عام 1963 ، حيث نص في المادة (117) منه ، على أنه : ’’ يجوز لرئيس الجمهورية في أحوال الحرب ، أن يوقف بصورة استثنائية نصوص الدستور الخاصة ببعض حقوق وحريات المواطنين ، ومنظمات الإدارة الذاتية ، أو تشكيل سلطات الأجهزة السياسية التنفيذية والإدارية ، كلما اقتضت مصلحة الدفاع القومي ذلك ‘‘ .
ونظم الدستور التركي الصادر عام 1982 والمعدل عام 2002 ، الاختصاصات التي يمارسها رئيس الدولة ، ومنحت المادة (104/ثانياً/ب) من الدستور ، رئيس الدولة سلطة إعلان الأحكام العرفية ، وحالة الطوارئ State of Emergency.
ويتمتع رئيس الدولة وفقاً لأحكام الدستور بصلاحية تعليق النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات ، حيث جاءت المادة (15) من الدستور تحمل عنوان ( تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية)، وقررت الفقرة الأولى من ذات المادة ، أنه:’’في أوقات الحرب أو التعبئة Mobilization ، أو الأحكام العرفية ، أو حالة الطوارئ ، يمكن تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية ، جزئياً أو كلياً ، وتتخذ الإجراءات التي تقتضيها حالة الضرورة ، والتي تنتقص من الضمانات المنصوص عليها في الدستور، شريطة عدم انتهاك الالتزامات المقررة بموجب القانون الدولي‘‘.
وكذاك أجازت بعض الدساتير العربية ، تعطيل النصوص الدستورية ، في حالة الظروف الاستثنائية . ومن أمثلة ذلك الدستور المصري لعام 1923 ، إذ نصت المادة (45) منه ، على اختصاص رئيس الدولة ( الملك) بإعلان الأحكام العرفية ، وأوجبت أن يعرض إعلان الأحكام العرفية فوراً على البرلمان ليقرر استمراريتها أو إلغائها . كما نصت المادة (46) من ذات الدستور على تمتع رئيس الدولة ( الملك) بصلاحية إعلان الحرب وعقد الصلح .
وبمقتضى نصوص الدستور ، فإن رئيس الدولة يمتلك سلطة تعطيل نصوص الدستور . حيث أوضحت المادة (155) من الدستور نفسه ، أنه : ’’ لا يجوز لأية حال ، تعطيل حكم من أحكام الدستور ، إلاّ أن يكون ذلك وقتياً وفي زمن الحرب ، أو أثناء قيام الأحكام العرفية وعلى الوجه المبين في القانون ، وعلى أية حال لا يجوز تعطيل انعقاد البرلمان متى توافرت في انعقاده الشروط المقررة في هذا الدستور‘‘(22). وجدير بالذكر أن مضمون هذا النص ، ورد في المادة (144) من الدستور المصري الصادر عام 1930.
ومن السمات المشتركة بين دساتير دول الخليج العربي ، أنها أجازت تعطيل النصوص الدستورية في حالة الأحكام العرفية .
ومن أمثلة ذلك دستور الكويت الصادر عام 1962 ، حيث تضمنت المادة (69) منه صلاحية رئيس الدولة ( الأمير ) إعلان الحكم العرفي بمرسوم يصدر في أحوال الضرورة التي يحددها القانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه . ويتمتع رئيس الدولة بسلطات استثنائية في حالة الأحكام العرفية ، إذ نصت المادة (181 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(23).
ونجد ذات الاتجاه ، في دستور قطر الصادر عام 1972 والمعدل عام 1998 ، عندما خوَّلت المادة (69) منه رئيس الدولة ( الأمير ) اختصاص إعلان الأحكام العرفية ، بمرسوم وذلك في الأحوال الاستثنائية التي يحددها القانون ، وله عند ذلك اتخاذ كل الإجراءات السريعة اللازمة لمواجهة أي خطر يهدد سلامة الدولة ، وتتضمن تلك الإجراءات تعطيل نصوص الدستور ، حيث قررت المادة (149 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء فترة سريان الأحكام العرفية وفي الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(24).
وتضمن دستور الإمارات العربية المتحدة الصادر عام 1973 ، المادة (146) التي خولت رئيس الإتحاد، إعلان الأحكام العرفية ، بمرسوم يصدر بناءاً على مبادرة منه ، وموافقة مجلس وزراء الإتحاد ومصادقة المجلس الأعلى ، وذلك في أحوال الضرورة التي يحددها القانون .
ولرئيس الإتحاد أن يتخذ الإجراءات التي تقتضيها حالة الأحكام العرفية ، بما في ذلك تعطيل نصوص الدستور . وقد نصت المادة (145 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز بأي حال تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون المنظم لتلك الأحكام ...‘‘(25).
وأشار دستور البحرين الصادر عام 1973 والمعدل عام 2002 ، في المادة (36) منه إلى تمتع رئيس الدولة ( الملك ) بصلاحية إعلان حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية .
ويجوز لرئيس الدولة إيقاف العمل بأحكام الدستور في حالة الأحكام العرفية . استنادا للمادة (123 ) من الدستور ، والتي قضت بأنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء إعلان الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(26).
وأناط دستور عمان الصادر عام 1996(27) في المادة (42) منه ، برئيس الدولة ( السلطان ) ، صلاحية إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة والحرب ، واتخاذ الإجراءات السريعة لمواجهة أي خطر يهدد سلامة الدولة .
ومن هذه الصياغة ، يتضح أن المشرع الدستوري ، أجاز لرئيس الدولة اتخاذ ما يراه من تدابير وإجراءات ، وتشمل إجراء إيقاف تطبيق أي نص من نصوص الدستور . حيث جاءت المادة (73) من الدستور ، لتقرر أنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا النظام ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية وفي الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(28).
ويستفاد من النصوص الدستورية سالفة الذكر ، والتي تضمنتها دساتير دول الخليج العربي ، أنها احتوت على قواعد ومبادئ مشتركة تمثلت بالآتي :
أ-تمتع رئيس الدولة بوضع خاص بين سائر المؤسسات الدستورية . وامتلاكه لصلاحيات استثنائية .
ب-إن المشرع الدستوري وضع قاعدة عامة ، تقضي بعدم جواز إيقاف العمل بأي حكم من الأحكام الواردة في وثيقة الدستور وذلك في حالة الظروف العادية التي تحياها الدولة .
ج-أورد المشرع الدستوري استثناءاً على القاعدة العامة ، حيث أجاز تعطيل أي حكم من الأحكام الواردة في الدستور في حالة الأحكام العرفية بوصفها أحد أشكال الظروف الاستثنائية .
و نلاحظ أن الاستثناء الذي نص عليه المشرع الدستوري لا ينصرف إلى جميع الأشكال التي تتجلى بها الظروف الاستثنائية . وإنما يتحدد مضمون النص الدستوري في حالة واحدة من الحالات غير العادية وهي حالة الأحكام العرفية(29).
ويحقق أسلوب هذه الدساتير المواءمة بين ما يوجبه الالتزام بضمان التطبيق السليم للنصوص الدستورية ، وبين ما تقتضيه ضرورات تحقيق الصالح العام بجوانبه المختلفة .
وعلى نفس المنوال سار الدستور الجزائري الصادر عام 1989 والمعدل عام 1996 ، حيث نص في المادة (96) منه على أن : ’’ يوقف العمل بالدستور ، مدة حالة الحرب ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات ..‘‘ (30).
و تأثر مشروع دستور العراق لعام 1990 ، بالاتجاه السائد في بعض الدساتير المعاصرة ، والذي يجيز لرئيس الدولة وقف العمل بأحكام الدستور .
وعمل مشروع دستور العراق ، على تقوية مركز رئيس الدولة وتوسعة وتدعيم وتضخيم صلاحياته ، وترجيح كفته على كفة المؤسسات الأخرى . وتطبيقاً لذلك ، فقد نصت المادة (99/الفقرة 2 ) منه على أنه : ’’ خلال فترة إعلان حالة الطوارئ ، وفي حدود المنطقة المشمولة بها ، يجوز بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية ، إيقاف العمل مؤقتاً ، بأحكام المواد : 43 ، 47 ، 52 ، 53 ، 54 ، 56 ، 57 ، 67 ، من الدستور ‘‘ .
و يتضح من هذا النص ، أن مشروع الدستور ، قد منح رئيس الجمهورية صلاحية واسعة ، تمكنه من المساس بأحكام الدستور ، من خلال إصدار قرار يعطل أحكامه ويوقف العمل بالمواد التي تتعلق بجوانب متعددة من ممارسة الحقوق والحريات العامة(30).
ولعل ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة ، متجسدة في أغلب دساتير دول العام الثالث . ونجد هذه الظاهرة متحققة أيضاً في الدستور السوداني لعام 1998 ، والذي منح رئيس الجمهورية صلاحية واسعة، ومنها تعطيل الأحكام الدستورية . حيث نصت المادة (132) منه على أن : ’’ لرئيس الجمهورية أثناء حالة الطوارئ أن يتخذ بموجب قانون أو أمر استثنائي أيّاً من التدابير الآتية : (أ) أن يعلق بعضاً أو كلاًّ من الأحكام المنصوص عليها في فصل الحريات والحرمات والحقوق الدستورية ، ولا يجوز في ذلك المساس بالحرية من الاسترقاق أو التعذيب ، أو الحق في عدم التمييز فقط بسبب العنصر أو الجنس أو الملة الدينية ، أو بحرية العقيدة ، أو بالحق في التقاضي ، أو حرمة البراءة وحق الدفاع ‘‘ .
ومن خلال استقراء هذا النص ، نلاحظ الآتي :
أ-أجاز المشرع الدستوري لرئيس الجمهورية في حالة الطوارئ أن يعطل بشكل جزئي أو كلي ، المبادئ المتعلقة بالحقوق والحريات .
ب-استثنى المشرع الدستوري من صلاحية التعطيل بعض النصوص الدستورية . وبتعبير أكثر دقة ، إن المشرع الدستوري حظر تعطيل بعض النصوص الدستورية والمتعلقة بالموضوعات التي حددها صراحةً وعلى سبيل الحصر .
المبحث الثالث :
الإجازة الضمنية لتعطيل الدستور
تواترت الوثائق الدستورية لعدد من الدول على عدم الإقرار صراحة بصلاحية تعطيل أحكام الدستور في حالة الظروف الاستثنائية .
فعلى الرغم من أن نصوص هذه الوثائق الدستورية قد منحت رئيس الدولة صلاحية اتخاذ تدابير استثنائية ، إلاّ أننا نجد تلك النصوص قد تمت صياغتها في عبارات عامة ، لا تتضمن شيئاً من مدى ونطاق سلطة الرئيس في المجال الدستوري .
وتبعاً لذلك ، فقد اجتهد الفقه الدستوري لتفسير النصوص الواردة في هذه الدساتير ، وانتهى إلى نتيجة مفادها : أن النصوص الدستورية تجيز وبشكل ضمني ، وقف العمل بالأحكام الواردة فيها .
وتجسد هذا الإتجاه في عدد من الدساتير ،و من أبرزها : الدستور الفرنسي لعام 1958 ، والدستور المصري لعام 1971 .
حيث تنص المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي لعام 1958(31)،على ما يأتي : ’’ عندما تكون مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ التزاماتها الدولية مهددة ، بخطر جسيم وحال ، ويكون العمل المنتظم للسلطات الدستورية العامة متعطلاً ، يتخذ رئيس الجمهورية الإجراءات التي تقتضيها هذه الظروف ، بعد مشاورة رسمية مع الوزير الأول و رؤساء مجلسي البرلمان والمجلس الدستوري(32). ويقوم رئيس الجمهورية بإبلاغ هذه الإجراءات إلى الشعب برسالة . ويجب أن تكون هذه الإجراءات مستوحاة من الرغبة في تمكين السلطات العامة الدستورية من أداء مهامها في أقرب وقت . ويستشار المجلس الدستوري بشأن هذه الإجراءات . وينعقد البرلمان بقوة القانون ولا يجوز حل الجمعية الوطنية أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية ‘‘(33).
وجاءت المادة ( 74 ) من الدستور المصري لعام 1971 ، لتقرر إن : ’’ لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري ، أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر ، ويوجه بياناً إلى الشعب ، ويجري الاستفتاء ، على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها ‘‘(34).
ومن خلال تحليل المواد الدستورية ( المادة 16 فرنسي –والمادة 74 مصري ) يتبين لنا أن تطبيق تلك المواد يمنح رئيس الجمهورية ’’ سواء في فرنسا أم في مصر ، صلاحية اتخاذ الإجراءات التي حددها الدستور الفرنسي بأنها ( تقتضيها هذه الظروف /أي لازمة ) ، بينما حددها الدستور المصري بأنها ( سريعة) ‘‘(35).
والصيغة في الحالتين ، بالغة الاتساع ، لأن اصطلاح " الإجراءات " لا يقف عند إصدار قرارات جمهورية يكون لها قوة القانون issue decrees having force of law، بل يشمل أي إجراء في صورة قرار فردي أو قرار تنظيمي(36). وعلى هذا فإنه يكون لرئيس الجمهورية حرية اختيار الإجراء أو التدبير الذي يراه لازماً لمعالجة الحالة الطارئة .
ورغم أن المادتين ( 16 و74 ) من دستوري فرنسا ومصر لم تقرا صراحةً سلطة وقف بعض نصوص الدستور ، إلاّ أنهما اكتفتا بمنح رئيس الجمهورية سلطات واسعة جداً في فترة الأزمات الخاصة .
والتساؤل الذي يطرح نفسه على بساط البحث : هل تتضمن سلطات الأزمات الخاصة ، صلاحية تعطيل أحكام الدستور ؟
يرى أغلب الفقه أن النظام الاستثنائي الذي تقيمه المادة (16) من الدستور الفرنسي ، و المادة ( 74 ) من الدستور المصري يعني ضمناً بأنه يخول رئيس الجمهورية ، صلاحية إيقاف و تعطيل بعض النصوص الدستورية لفترة مؤقتة(37).
ويستند الفقه في تسويغ إقراره بتمتع رئيس الجمهورية بصلاحية إيقاف العمل ببعض الأحكام الواردة في المواد الدستورية ، إلى أن المواد (16) و(74) تفترض مشروعية كل إجراء ضروري يتخذه رئيس الجمهورية للقضاء على الأزمة التي تتعرض لها الدولة ، حتى ولو اقتضى هذا الإجراء المساس بالدستور(38).
على إن وقف الدستور أو بعض أحكامه ، يجب ألاّ يتحقق تلقائياً بمجرد اللجوء إلى تلك السلطات الاستثنائية . وإنما ينبغي أن يصدر قرار صريح بوقف أحكام الدستور المحددة على سبيل الحصر . كما إن الوقف يجب أن يكون ذا صلة بموقف الأزمة وطبيعة الخطر ، وأن يهدف إلى إعادة مؤسسات الدولة إلى مهامها العادية ، كذلك فإن سلطة وقف بعض أحكام الدستور يجب أن تكون مقيدة Restriction ، وربما كان أهم قيد يتمثل بقاعدة التناسب بين ما تقتضيه الضرورة من خروج على أحكام الدستور والمدى الذي يكفي للتغلب على الأزمة .
الفصل الثالث:
القيود التي ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يقتضي منطق الدراسة القانونية المجرد أن نوضح حدود سلطة رئيس الدولة في مجال وقف العمل بالنصوص الدستورية .
والتساؤل الذي يرد في هذا الشأن ، يدور حول ما إذا كانت سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، سلطة مطلقة ، أم مقيدة ؟
وبعبارة أخرى ، هل يمتلك رئيس الدولة سلطة واسعة ومطلقة تسمح له بتعطيل نصوص الدستور ؟ أم أن هنالك قيود تحد من هذه السلطة ، بحيث تسمح لرئيس الدولة بتعطيل بعض نصوص الدستور ، وتمنعه- في ذات الوقت- من تعطيل نصوص دستورية أخرى ؟ .
وللإجابة على هذا التساؤل ، فإن الأمر يقتضينا أن نبرز –بادئ ذي بدء- موقف الدساتير حيال مدى سلطة رئيس الدولة في إيقاف تطبيق نصوص الدستور .
و يمكن القول إن الاتجاهات الدستورية قد اختلفت في أشكال القيود التي تفرضها لتحديد سلطة التعطيل . وقد تبنت الدساتير حيال هذا الأمر منهجين ، الأول : يتمثل في التقييد المباشر ، والثاني : يتمثل في التقييد غير المباشر.
ولذلك فإننا سنحاول توضيح أشكال القيود التي تفرض على سلطة التعطيل ، وذلك في مبحثين :
المبحث الأول : التقييد المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
المبحث الثاني :التقييد غير المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
المبحث الأول :
التقييد المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يحدد المشرع الدستوري صراحة حدود سلطة رئيس الدولة في وقف العمل بأحكام الدستور ، من خلال ما يضعه من قواعد دستورية تحدد بذاتها مضمون هذه القيود .
وفي هذه الحالة تكون نصوص الدستور هي المصدر المباشر الذي يتولد عنه قيود تحد من سلطة التعطيل.
وسنعرض للقواعد الدستورية التي أوردت قيوداً مباشرة على سلطة التعطيل ، وذلك في مطلبين مستقلين: نحدد في أولهما للمبادئ التي تحكم تقييد سلطة تعطيل الدستور ، ونحدد في الآخر موقف بعض الدساتير العربية من المبادئ المقيدة لسلطة تعطيل الدستور .
المطلب الأول :
المبادئ التي تحكم تقييد سلطة تعطيل الدستور
تضمنت بعض الدساتير أحكاماً تحدد سلطة رئيس الدولة في تعطيل نصوص الدستور ، استناداً إلى (نظام الترخيص ) بدلاً من ( نظام المنع أو التحريم ) .
ويترتب على ذلك ، نتيجة أساسية ، مفادها : أن ذكر النصوص الدستورية التي يرخص الدستور ويجيز لرئيس الدولة تعطيلها ، يكون من أثره ، منع أو حظر تعطيل النصوص الأخرى .
فلئن كان من الجائز أن ينص الدستور على الأحكام التي يجوز تعطيلها في الظروف غير العادية ، فإن هذه الأحكام يجب أن تحدد بنص في الدستور . كما يجب أن ينص الدستور على الأحكام التي لا يجوز تعطيلها بأي حال من الأحوال(39).
وتأسس هذا الاتجاه في الدستور الألماني الصادر عام 1919 ، حيث منحت المادة ( 48/الفقرة 2 ) رئيس الدولة حق تركيز كل السلطات في حالة التهديد ضد الأمن أو النظام العام ، إذ قررت أنه:’’ .. في هذه الحالة ، للرئيس ، وبصفة مؤقتة ، أن يعطل الحقوق الأساسية المحددة بالمواد 114 -115-118-123-153، كلياً أو جزئياً ‘‘(40) .
وأخذ المشرع الدستوري في تركيا ، بذات النهج .فقد أشار الدستور التركي الصادر عام 1982 والمعدل عام 2002 في المادة (15) منه ، إلى صلاحية تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية بشكل جزئي أو كلي ، وذلك في الظروف غير العادية المتمثلة في حالات : الحرب ، أو الأحكام العرفية ، أو حالة الطوارئ .
والملاحظ ، أنه كان للمشرعين الدستوريين الدور الرئيسي الهام في إبراز المبادئ والضوابط التي تحكم سلطة رئيس الدولة في وقف العمل بالنصوص الدستورية المتعلقة بحقوق الأفراد . وكان سبيلهم إلى ذلك ، محاولتهم إرساء نوع من الموائمة والتوازن بين متطلبات الحفاظ على الصالح العام المشترك ، وضرورات حماية الحقوق وضمان ممارستها .
ومما يجدر ذكره في هذا الصدد ، إن المبادئ التي أوردتها الدساتير -سالفة الذكر-يمكن اعتبارها مبادئ عامة تتطلبها مشكلة الصراع بين السلطة والحرية ، وذلك لما تحتويه من منطق ومراعاة للحقوق والحريات من خلال الصالح المشترك .
ويمكن إجمال المبادئ التي تحكم سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور على النحو الآتي :
-المبدأ الأول :حظر تعطيل أي حكم من أحكام الدستور السياسي والدستور الاجتماعي في الظروف العادية التي تحياها الدولة .
-المبدأ الثاني :جواز إيقاف تطبيق بعض نصوص الدستور الاجتماعي ( أي النصوص المتعلقة بالحقوق والحريات ) وبصفة مؤقتة في الظروف غير العادية التي تطرأ على حياة الدولة .
-المبدأ الثالث : التناسب بين مقتضيات الصالح العام مع متطلبات الصالح الخاص .
حيث إن الصالح العام قد يقتضي تحجيم الإطار الذي يتحرك فيه الأفراد لممارسة حقوقهم ، وتحقيق مصالحهم الخاصة ، بوضع بعض الحدود عليها أو حتى إيقاف العمل بها .
و لا يحول ذلك دون تحقق التناسب بين الأمرين ، لأن النظام العام والصالح العام يعودان في النهاية بالفائدة والنفع على الجميع وعلى الأفراد ، أي على الكل والجزء ، وبهذا يتحقق التناسب .
المطلب الثاني :
موقف الدساتير العربية من المبادئ المقيدة لسلطة تعطيل الدستور
تبنت بعض الدساتير العربية ذات النهج الذي يقرر أحكاماً ومبادئ خاصة تحدد قيوداً موضوعية ترد على سلطة رئيس الدولة في إيقاف تطبيق النصوص الدستورية .
وتمثل ذلك في بعض الوثائق الدستورية، ومن أبرزها : مشروع دستور جمهورية العراق لعام 1990 ، وكذلك الدستور السوداني لعام 1998 .
ـ مشروع دستور العراق لعام 1990 :
منحت المادة (99/2) رئيس الجمهورية في حالة الطوارئ ، صلاحية إيقاف العمل - بشكل مؤقت –بأحكام بعض المواد، والتي تتضمن معالجة الحقوق والحريات(41).
والملاحظ أن مشروع الدستور قد تضمن الآتي :
أولاً- سمح بتعطيل بعض النصوص الدستورية في الظروف غير العادية والتي قصرها على حالة الطوارئ.
ثانياً- حدد النصوص الدستورية التي يجوز تعطيلها ، وهي : المواد : 43 ، 47 ، 48 ، 52 ، 53 ، 54 ، 56 ، 57 ، 67 .
ثالثاً-والناظر إلى المواد التي سمح المشرع الدستوري بتعطيلها ، يجدها تتعلق بحقوق الإنسان ،وتشمل الحقوق الشخصية ، والحقوق الفكرية والحقوق الاجتماعية ،وعلى النحو الآتي :
أ-الحقوق والحريات المتعلقة بشخصية الإنسان(42)، وتجسدت في: الحق في الأمن الفردي ، والحق في حرمة المسكن ، والحق في سرية المراسلات ، والحق في السفر والعودة .
ب- الحقوق والحريات المتعلقة بفكر الإنسان(43)، وتجسدت في:الحق في حرية الفكر والرأي والتعبير ، والحق في حرية الصحافة والطباعة والنشر ، والحق في حرية التجمع والتظاهر ، والحق في حرية تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها ، والحق في تأسيس الجمعيات والانضمام إليها .
ـ الدستور السوداني لعام 1998 :
أسس الدستور السوداني اتجاهاً دستورياً حديثاً ، حيث رسم حدود سلطة رئيس الدولة في تعليق أحكام الدستور. واتجه المشرع الدستوري في المادة (132) نحو الإقرار بتمتع رئيس الدولة بصلاحية تعليق كل أو بعض القواعد الدستورية المنظمة للحقوق والحريات ، وحظر في الوقت ذاته ، تعليق بعض القواعد الدستورية ذات الصلة بالموضوعات الآتية :
-الحرية والحق في الحياة ،والحرية والحق في المساواة ،وحرية العقيدة والعبادة ،والحق في التقاضي ،وحق افتراض البراءة،وحق الدفاع .
ويمكننا أن نبرز المبادئ أو ( الضوابط )التي رسم معالمها وحدود تطبيقها الدستور السوداني ، وعلى النحو التالي :
-المبدأ الأول : سلطة رئيس الدولة في تعليق الدستور لا تؤدي إلى الإيقاف المطلق للنصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات .
-المبدأ الثاني :التناسب العكسي بين سلطة رئيس الدولة في تعليق أحكام الدستور ، وقيمة الحق أو الحرية .
-المبدأ الثالث : التزام رئيس الدولة في عدم الدخول في المجال الدستوري للحقوق والحريات الأساسية، الذي حظرت السلطة التأسيسية الأصلية المساس به وتعليق أحكامه .
ويؤخذ على هذا الاتجاه ، أن تحديد المواد التي يجوز إيقاف العمل بها هو أمر محل نظر .ذلك ، لأن هنالك صلة وترابط وثيق بين جميع النصوص الواردة في وثيقة الدستور . ومن ثم ، فإن تعطيل نص دستوري معين ، أجاز المشرع الدستوري تعطيله ، ينعكس أثره على نصوص دستورية أخرى ، غير مسموح بتعطيلها .
ونؤسس رأينا هذا على فكرة ( وحدة البناء الفكري والفلسفي لوثيقة الدستور ) ، وبالتالي فإن إيقاف العمل ببعض نصوص الدستور ، من شأنه أن يؤثر على نصوص الدستور الأخرى .
المبحث الثاني :
التقييد غير المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يصعب البحث حول ما إذا كانت هناك قيود ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، دون أن ترد صراحة في الوثيقة الدستورية ، إلاّ أن هنالك اتجاهات فقهية حاولت أن تستخلص تلك القيود على نحو غير مباشر من النصوص الدستورية التي عالجت حقوق الإنسان والسلطات الاستثنائية ، وفي هذه الحالة تكون المبادئ الدستورية هي المصدر لهذا التحديد المستخلص من ثنايا قواعد الدستور .
على إن الفقه اتجه إبتداءاً إلى الاعتماد في تحديد القيود التي تحد من سلطة رئيس الدولة،على إرادة المشرع الدستوري،من خلال ما يضعه من قواعد في صيغة النص الدستوري. وعلى هذا المنوال ، نص الدستور السويسري لعام 1874 ، وكذلك الدستور السويسري لعام 1999 في المادة (185) منه ، على إن : ’’ يمكن للمجلس الاتحادي استناداً على هذه المادة أن يصدر أوامر ويتخذ قرارات لمواجهة قلاقل حدثت أو تحدث مهددة للنظام العام أو للأمن الداخلي أو الخارجي ، وتكون هذه الأوامر ذات صلاحية زمنية محددة ‘‘ .
والملاحظ إن الدستور السويسري قد منح المجلس التنفيذي الاتحادي والذي يترأسه رئيس الدولة الاتحادية ، صلاحية استثنائية ، تتمثل باتخاذ قرارات ، قد تؤدي إلى إيقاف العمل بنصوص الدستور . ولكن ما مدى سلطة التعطيل وفقاً للدستور السويسري ؟
لم يتضمن الدستور تحديداً مباشراً لنطاق السلطات الاستثنائية . ولذلك اتجه جانب من الفقه السويسري إلى تحديد سلطة رئيس الدولة في تعطيل نصوص الدستور ، من خلال التمييز بين نوعين من النصوص الدستورية من حيث قيمتها الموضوعية ( أي مضمونها و محتواها ) ، حيث صنفها إلى :
- نصوص دستورية جوهرية وأساسية : وهي النصوص التي توضح المبادئ الأساسية في إقامة النظام السياسي ، فهي لذلك ذات معنى ومضمون سياسي ، وفلسفي ، ويستلزم المساس بها ، حدوث تغيير كامل وشامل .
ويرى أصحاب هذا الاتجاه ، حظر تعطيل النصوص الدستورية الجوهرية والأساسية .
- نصوص دستورية غير جوهرية ( أي ثانوية ) : وهي النصوص التي يتمثل دورها في وضع النصوص الجوهرية ، موضع التنفيذ ، وذلك بإنشائها للهيئات وتبيان قواعد عملها ، وإن مسألة تغييرها والمساس بها تشكل إصلاح بسيط ، إذا كشفت الظروف عن أفضلية ذلك الإصلاح لغرض تنفيذ المبادئ الأساسية(44).
وفي ضوء ذلك ، يرى أصحاب هذا الاتجاه ، جواز تعطيل النصوص الدستورية الثانوية .
ويؤخذ على هذا الاتجاه ، أنه لم يضع معيار منضبط للتمييز بين النصوص الدستورية ، كما إن إقامة التدرج بين النصوص الدستورية في الدستور ذاته ، قد يفسح المجال للخلاف ، والذي قد يؤدي إلى تجاوز السلطة .
كما حاول جانب من الفقه الفرنسي ، تحديد سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، من خلال الرجوع إلى المبادئ العامة في نظرية الضرورة . وتطبيقاً لذلك ، نجد أن الفقيه الفرنسي ( بيردو BURDEAU ) يرى أن مجرد اللجوء إلى المادة (16) من الدستور الفرنسي لعام 1958 وتطبيقها بمثابة تعطيل مؤقت للنصوص الدستورية(45).
إلاّ أن البعض الآخر في الفقه الفرنسي ، قد انتقد هذا الاتجاه والذي يعتبر إن تطبيق المادة (16) بمثابة تعطيل النصوص الدستورية الأخرى . ويشير أنصار هذا الرأي إلى إن هنالك نصوص دستورية تخرج عن نطاق التعطيل ، وذلك لضمان عدم توقف ضمانات تطبيق المادة (16) كاجتماع البرلمان بقوة القانون ، أو إمكانية اتهام الرئيس بالخيانة العظمى بمقتضى المادة (68) من الدستور الفرنسي(46).
هذا وقد تباينت آراء الفقه المصري بشأن حدود سلطة رئيس الدولة في إيقاف العمل بنصوص الدستور تطبيقاً للمادة (74) من الدستور المصري لعام 1971 .
فقد أقر ( د. طعيمة الجرف ) بامتلاك رئيس الجمهورية سلطة تقديرية مطلقة في تحديد الخطر ونوع الإجراءات التي يتخذها ، والتي قد تصل إلى حد الترخيص له بتعطيل العمل ببعض أو بكل أحكام الدستور(47).
أما (د. محمد كامل ليلة ) فيرى أن العمل بالمادة (74) وتطبيقها ، من شأنه أن يعطل بعض نصوص الدستور الأخرى لحسابها .إذ أن الإجراءات التي تتخذ في ظلها تقع على خلاف المادة (44) من الدستور التي تقرر حرمة المساكن وعدم جواز دخولها أو تفتيشها إلاّ بأمر قضائي مسبب ، وعلى خلاف المادة (48) من الدستور والخاصة بحظر الرقابة على الصحف وإنذارها أو تعطيلها أو إلغائها بالطريق الإداري(48).
أما ( د. يحيى الجمل ) فيرى أن النظام القانوني الاستثنائي الذي تقيمه هذه النصوص ، يعني ضمناً بأنه تعطيل للنصوص الدستورية الأخرى . ولكن ذلك الإطلاق ، يتقيد بقيد يقرره الفقه الإسلامي . وهو القيد المستفاد من قاعدة ( التناسب بين ما تقتضيه الضرورة من خروج على أحكام الدستور ، والمدى الذي يكفي لمواجهة الأزمة ) وكذلك من قاعدة ( الضرورة تقدر بقدرها ) (49).

.