منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - *«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-11-29, 22:45   رقم المشاركة : 135
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

ثانيا: الهجاء في العصر العباسي
أ- تعريفه : يعد الهجاء فنا من فنون الأدب العربي الرفيعة وهو يعد انتقادا
صريحا للواقع المشوه , ورفضا للقيّم التي تعيق سعادة الإنسان , فالإنسان
النموذج هو الذي يسلم من الصفات السيئة، والهجاء يعين على تصور الحياة عند
الأفراد وفي المجتمع , وقد يساعد على تأريخ الحياة العربية حين يصدق
الشاعر.
والهجاء كسائر الأغراض الشعرية الأخرى بالخصوص المديح منها، يتأثر بما يطرأ
على الحياة والمجتمع من تغير وتطور، فالمديح يتناولها من الناحية
الايجابية والهجاء من الناحية السلبية .
ومعالم التطور في الهجاء أعمق وأوسع منها في المديح لأنه يتصل بحياة العامة اتصالا لعلّه أدق من اتصال المديح .
ب-أسبابه : موضوع الهجاء كانت تدفع إلى القول فيه دوافع مختلفة منها
السياسية والاجتماعية والخلقية والدينية وسوى ذلك . ويعد الصراع العقلي
والديني والفلسفي في العصر العباسي الأول الباعث الأول والدافع القوي
للهجاء , نقف عنده في قصائد بعض الشعراء العباسيين الذين مالوا إلى
الجهربالكفر والإلحاد والمجون , وسواه من الانحرافات التي أدت إلى بروز نوع
غير مباشر من الهجاء الاجتماعي , الذي لم يقف عند حدود الجبن والبخل وكشف
عورات الشرف بل تعداها في أكثر الأحيان إلى الدين والعادات والأخلاق .

ج-تطور غرض الهجاء في العصر العباسي
1-النزوع إلى الشعبية : وهو يعني أنّ الهجاء يميل إلى الشعبية في
أسلوبه،وقد أشار مصطفى هدارة إلى ذلك , ومن هنا كان انتشار الهجاء وسرعة
رواجه , ولعل في هجاء الشمقمق بشارا ما يدل على هذا النزوع الشعبي في أسلوب
الهجاء ومن ذلك قوله :
هلّلينة هلّلينة *** طعن قثاة لتينّة
إنّ بشار بن برد *** تيس أعمى في سيفنة

2-الهجاء المقذع : قد أسرف الشعراء في الهجاء المقذع كالهجاء بالنتانة وعدم
النظافة , وهي مظاهر غير محببة اجتماعيا وأخلاقيا ومثال ذلك :
*هجاء حماد عجرد لبشار في قوله :
والله ما الخنزير في نتنه *** بربعه في النتن أو خمسه
بل ريحه أطيب من ريحه *** ومسّه ألين من مسّه
ووجهه أحسن من وجهه *** ونفسه أنبل من نفسه
وعوده أكرم من عوده *** وجنسه أكرم من جنسه
*ومثاله أيضا هجاء دعبل الخزاعي ( 148هـ/ 246هـ) لبني بسام بسبب اهمال نصر
بن منصور بن بسام قضاء طلب للشاعر، فقال دعبل عامدا إلى التورية والطباق
يا آل* بسام* في المخازي *** وعابسي الوجه في السؤال
حواجب كالجبال سود **** إلى عثانين كالمخالي
وأوجه جهمة غلاظ ***** عطل من الحسن والجمال
3- الهجاء في الأعراض : مثال ذلك هجاء بشار لسبويه بقوله :
أ سيبويه يا ابن الفارسية ما الذي *** تحدثت عن شتمي وما كنت تنبذ
أظلت تغنّى سادرا بمساءتي **** وأمك .........................
وكان سيبويه قد أخذ عليه بعض المآخذ اللغوية في شعره فغاظ ذلك بشار واعتبره
إهانة له , ويلاحظ من السياق أن بشارلم يحاول تبرير أخطائه ولكن طعن في
عرض سيبويه وشرف أمه، ونستخلص من هذه الصورة الشعرية قيمة اجتماعية
وأخلاقية فحواها أن المجتمع العباسي كان يمكنه أن يسوغ خطأ لغويا , ولكنه
لا يسوغ سقطة أخلاقية فمفهوم العرض والشرف كانت له قداسة اجتماعية.
4-الطعن في رجولة المهجو ووصمه بالتخنث والشذوذ وعدم المروءة :
وهي قيمة جديدة مستقبحة استحدثت في العصر العباسي ومثال ذلك
*قوله دعبل الخزاعي في الأمين :
ولست بقائل قذعا ولكن *** لأمر ما تعبّدك العبيد
5- فن الهجاء في العصر العباسي كان في أغلبه من صنع الشعراء المجان الذين
حاولوا من خلاله تحطيم جميع الموانع والقيود التي فرضها الدين الإسلامي
الحنيف على الشعراء الهجائين وشعرهم الهجائي الذي كان مجالا للطعن في أعراض
الناس وقذف المحصنات . وكتاب الأغاني أحد الكتب التي تحوي آلافا من
الجنايات الهجائية التي أقترفت في حق الناس خاصهم وعامهم .
6- استفحال الهجاء السياسي في هذا العصر : وهو هجاء النظام السياسي أو هجاء الخلفاء والأمراء والولاة ومثال ذلك :
*دعبل الخزاعي الذي يعد علويا متعصبا لآل البيت فهجا الخليفة العباسي
المعتصم منتقدا سياسته لأنه ترك الأتراك يحكمون أمور الدولة ويسيرون أمور
الرعية حسب أهوائهم فقال :
ملوك بني العباس في الكتب سبعة *** ولم تأتنا عن ثامن لهم كتب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة*** خيار إذا عدوا وثامنهم كلب
وإني لأعلي كلبهم عنك رتبة *** لأنك ذو ذنب وليس له ذنب
لقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهم *** وصيف وأشناس وقد عظم الخطب
*هجاء المتنبي لكافور الإخشيدي
عيد بأيّ حال عدت يا عيد *** بما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم **** فليت دونك بيد دونها بيد
7-الهجاء بالخلقة وعيوبها، وجعله نوعا من الهجاء الساخر الذي يعتمد أصحابه
على رسم المفارقات الجسدية والشكلية لشخصية المهجو ومثاله:
*هجاء حماد عجرد لبشار بن برد :
وأعمى يشبه القرد *** إذا ما عمي القرد
دنيء لم يرح يوما *** إلى مجد ولم يغد
ولم يحضر مع الحضا *** ر في خير ولم يبد
ولم يخش له ذم *** ولم يرج له حمد
*ومثاله أيضا قول دعبل الخزاعي واصفا هاجيا جارية له اسمها غزال
رأيت غزالا وقد أقبلت *** فأبدت لعيني عن مبصقة
قصيرة الخلق دحداحة *** تدحرج في المشي كالبندقة
وأنف على وجهها ملصق *** قصير المناخر كالفستقة





8-التكرار :
لقد بلغ تأثر الشعر بالغناء والإيقاع والموسيقى في هذا العصر مبلغه حتى
أصبحنا نجد ظاهرة التكرار على مستوى الألفاظ أو الجمل أو الأشطر كما في قول
بشار بن برد في هجاء أحد الأشخاص :
ذر خلّتنا ذر خلّتنا يا ابن خليق قد أتى
فبشار يوظف التكرار صوتيا ولذلك دلالة جمالية ونفسية كبيرة.
9-أصبح الهجاء يقتصر على مقطوعات قصيرة , يقول مصطفى هدارة " ولعل أول ما
نلحظه في شعر الهجاء في القرن الثاني اقتصاره على المقطوعات الصغيرة " وهذا
يعود إلى تطور الحياة ومتطلبات العصر التي فرضت على الشعراء الإيجاز لا في
الهجاء فقط بل في مختلف الأغراض والموضوعات .
10- التصوير الكاريكاتوري :
يعتبر الهجاء الساخر التطور الفني الذي لحق الهجاء الذي يستهدف إضحاك الناس
على المهجو وسخريتهم منه، فهو يرسم شخصية المهجو المعنوية والحسية رسما
كاريكاتوريا يبعث على الضحك , ويستعين الشاعر في هذا النوع الأصيل من
الهجاء بكل معارف عصره , وبجميع عناصر الفكاهة والهزل الشائعة بين الناس ,
وهذه الصور الشعرية الساخرة تشكل الأساس الرئيسي لمدرسة الصورة الشعرية
الساخرة التي ازدهرت عند ابن الرومي بحيث عرفت به ونسبت إليه والواقع أن
فضلا كبيرا في أصلها يرجع إلى دعبل لخزاعي الشاعر الرسام الساخر الهجاء
الفنان .
*ومثال ذلك قول منصور الأصفهاني في من اسمه مغيرة :
وجه المغيرة كله أنف *** موف عليه كأنه سقف
من حيث ما تأتيه تبصره *** من أجل ذلك أمامه خلف

*ومثاله أيضا هجاء دعبل جاره الذي سرق ديكه وأكله هو وعياله ثم أنكر ذلك ,
فشهّر به دعبل في المسجد بهذه الأبيات الساخرة المضحكة المتحركة:
أسر المؤذن صالح وضيوفه *** أسر الكميّ هفا خلال الماقط
بعثوا عليه بنيهم وبناتهم *** من بين ناتفة وآخر سامط
يتنازعون كأنهم قد أوثقوا *** خاقان أو هزموا كتائب ناعط
نهشوه فانتزعت له أسنانهم *** وتهشمت أقفاؤهم بالحائط

فالهجاء الساخر يعتبر طريقة تعبيرية متطورة لنقد الأوضاع الاقتصادية
والسياسية والاجتماعية والفردية , وهو بذلك محاولة إلى تجاوزها إلى ما هو
أفضل وذلك بالإصلاح والتغيير وكشف الزيف ومواجه التشوه .
المراجع المعتمدة :
1-د.مصطفى ببطام مظاهر المجتمع وملامح التجديد من خلال الشعر في العصر العباسي الأول (132-232) .
2-د.نور الدين السد – الشعرية العربية – دراسة في التطور الفني للقصيدة العربية حتى العصر العباسي .







ثالثا الرثاء :
ظل شعر الرثائي منذ الجاهلية كباقي الأغراض الأخرى مواكبا لركب الحياة
يتطور ويتجدد تبعا لتطورها وتجددها , فلما دانت الرقاب لبني العباس اقتفى
شعراؤهم نهج أسلافهم من شعراء أمية في مراثيهم التي كانوا يجمعون في أكثرها
بين التهنئة والتعزية
1-ومن الشعراء العباسيين الذين تحقق لهم الجمع بين التهنئة والتعزية أبو نواس الذي يعزي الفضل بن ربيع عن الرشيد ويهنئه بالأمين :
تعز أبا العباس عن خير هالك *** بأكرم حيّ كان أو هو كائن
حوادث أيام تدور صروفها *** لهن مساو مرة ومحاسن
وفي الحي بالميت الذي غيّب الثرى *** فلا الملك مغبون ولا الموت غابن
2-ومن بين المواضع التي أكثر فيها الشعراء العباسيون من نظم الشعر الرثائي
موضوع رثاء الخلفاء والوزراء والقادة حيث أبنوهم بمرثيات تعد من روائع
الشعر العربي , أتوا فيها على ذكر أعمالهم الحميدة وبطولاتهم الفذة ومحنة
الأمة في فقدانهم , كما يعد بكاء الرفقاء والأصدقاء والأبناء والآباء
والأمهات والأزواج من المواضيع التي شغلت حيزا كبيرا في أشعارهم .
*يرثى أبو الشيص هارون الرشيد بمرثية عجيبة يقول فيها
غربت في المشرق الشمـ *** ـس فقل للعين تدمع
ما رأينا قط شمسا *** غربت من حيث تطلع
* ومن أمثلة المراثي التي قيلت في القادة مرثية أبي تمام التي رثى فيها محمد بن حميد الطوسي قائد جيش المأمون يقول فيها :
أصم بك الناعي وإن كان أسمعا *** وأصبح معنى الجود بعدك بلقعا
فتى كلما ارتاد الشجاع من الرّدى *** مفرا غداة المأزق إرتاد مصرعا
فإن ترم عن عمر تدانى به المدى *** فخانك حتى لم يجد فيه منزعا
فما كنت إلا السيف لاقى ضريبة *** فقطعها ثم انثنى فتقطعا

*ورثى عبد الله بن أيوب التيمي البطل منصور بن زياد البطل قضى على ثورة بالقيروان لعهد الرشيد فقال :
أما القبور فإنهن أوانس *** بجوار قبرك والديار قبور
والناس مأتمهم عليه واحد *** في كل دار رنّة وزفير
عجبا لأربع أذرع في خمسة *** في جوفها جبل أشم كبير
*ويقول منصور النمري فر رثاء يزيد بن مزيد الذي فتك بخوارج الموصل :
وإن تك أفنته الليالي وأوشكت ** فإن له ذكرا سيفني الليالي
وواضح ما في هذه الأشعار من دقة التفكير وبعد الخيال ولا عجب إذ كانوا يتنافسون في استنباط المعاني النادرة.
*ومن مراثي الرفقاء والأصدقاء : رثاء بشار لأحد أصدقائه من الزنادقة :
اشرب على تلف الأحبة إننا *** جزر المنية ظاعنين وخفضا
ويلي عليه وويلتي من بينه *** كان المحب وكنت حبا فانقض
قد ذقت ألفته وذقت فراقه *** فوجدت ذا عسلا وذا جمر الغضا
*ونجد الرثاء عند أبي العلاء المعري عبارة عن وقفة تأملية يشترك فيهما
العقل والعاطفة والخيال , وأروع قصائده في هذا الغرض تلك التي رثى بها أبا
حمزة، وهو الفقيه الحنفي وكان عزيزا عليه فقال في مطلعها :
غير مجد في ملتي واعتقادي *** نوح باك , ولا ترنم شاد
صاح هذي قبورنا تملأ الرحـ ** ب فأين القبور من عهد عاد
خفف الوطء ما أظن أديم الأر ** ض إلا من هذه الأجساد
ربّ لحد قد صار لحدا مرارا*** ضاحك من تزاحم الأضداد
ودفين على بقايا دفين *** في طويل الأزمان والآباد
تعب كلها الحياة فما أعجب *** إلا من راغب في ازدياد
وبعد مقدمات في ذكر الحكم والعبر , شرع في ذكر خصال الفقيد ومما قاله :
قصد الدهر من أبي حمزة الأواب *** مولى حجى وخدن اقتصاد
أنفق العمر ناسكا يطلب العلم *** بكشف عن أصله وانتقاد
ذا بنان لا تلمس الذهب الأحمر *** زهدا في العسجد المستفاد
4-وظهرت ضروب جديدة للرثاء لم تكن معروفة قبل هذا العصر كرثاء المدن فهذا
ابن الرومي( 255 هـ) يرثي مدينة البصرة عندما أغار عليها الزنج فنهبوها
وأحرقوها فقال واصفا تلك الفضائع :
ذاد عن مقتلي لذيذ المنام *** شغلها عنه بالدموع السجام
أي نوم من بعدما حل بالبصرة *** ما حل من هنات عظام
أي يوم من بعدما انتهك الزنج *** جهارا محارم الإسلام
حتى يقول :
كم أخ قد رأى أخاه صريعا **** ترب الخدين بين صرعى كرام
كم أب قد رأى عزيز بنيه **** وهو يعلى بصارم صمصام
كم فتاة مصونة قد سبوها **** بارزا وجهها من غير لثام
5-ومن ضروب الرثاء الجديدة مراثي الطير الصادح مثل القمري والحيوانات المستأنسة والأحصنة ،
فقد رثى ابن الزيات فرسا له أشهبا لم ير مثله فراهة وحسنا أخذه منه المعتصم فقال :
كيف العزاء وقد مضى لسبيله *** عنا فودعنا الأحمّ الأشهب
منع الرقاد جوى تضمنه الحشا *** وهوى أكابده وهم منصب
6-وتعتبر المعاني الحضارية التي أدخلت في الرثاء إحدى مظاهر التجديد التي
عرفها هذا الغرض كالذي نراه في رثاء المغنين وأهل اللهو حيث شاعت فيهم معان
لم يألفها الرثاء من قبل , فبينما كان يرثى قديما بصفات النجدة والمروءة
والكرم والشجاعة وما إلى ذلك من الصفات، أصبح بعض الناس في بغداد يرثي بمثل
ما رثى به ابن سيابة إبراهيم الموصلي فيقول:
تولى الموصلي فقد تولت *** بشاشات المزاهر والقيان
وأي بشاشة بقيت فتبقى *** حياة الموصلي على زمان
ستبكيه المزاهر والملاهي *** وتسعدهن عاتقة الدنان





ثالثا الرثاء :
ظل شعر الرثائي منذ الجاهلية كباقي الأغراض الأخرى مواكبا لركب الحياة
يتطور ويتجدد تبعا لتطورها وتجددها , فلما دانت الرقاب لبني العباس اقتفى
شعراؤهم نهج أسلافهم من شعراء أمية في مراثيهم التي كانوا يجمعون في أكثرها
بين التهنئة والتعزية
1-ومن الشعراء العباسيين الذين تحقق لهم الجمع بين التهنئة والتعزية أبو نواس الذي يعزي الفضل بن ربيع عن الرشيد ويهنئه بالأمين :
تعز أبا العباس عن خير هالك *** بأكرم حيّ كان أو هو كائن
حوادث أيام تدور صروفها *** لهن مساو مرة ومحاسن
وفي الحي بالميت الذي غيّب الثرى *** فلا الملك مغبون ولا الموت غابن
2-ومن بين المواضع التي أكثر فيها الشعراء العباسيون من نظم الشعر الرثائي
موضوع رثاء الخلفاء والوزراء والقادة حيث أبنوهم بمرثيات تعد من روائع
الشعر العربي , أتوا فيها على ذكر أعمالهم الحميدة وبطولاتهم الفذة ومحنة
الأمة في فقدانهم , كما يعد بكاء الرفقاء والأصدقاء والأبناء والآباء
والأمهات والأزواج من المواضيع التي شغلت حيزا كبيرا في أشعارهم .
*يرثى أبو الشيص هارون الرشيد بمرثية عجيبة يقول فيها
غربت في المشرق الشمـ *** ـس فقل للعين تدمع
ما رأينا قط شمسا *** غربت من حيث تطلع
* ومن أمثلة المراثي التي قيلت في القادة مرثية أبي تمام التي رثى فيها محمد بن حميد الطوسي قائد جيش المأمون يقول فيها :
أصم بك الناعي وإن كان أسمعا *** وأصبح معنى الجود بعدك بلقعا
فتى كلما ارتاد الشجاع من الرّدى *** مفرا غداة المأزق إرتاد مصرعا
فإن ترم عن عمر تدانى به المدى *** فخانك حتى لم يجد فيه منزعا
فما كنت إلا السيف لاقى ضريبة *** فقطعها ثم انثنى فتقطعا

*ورثى عبد الله بن أيوب التيمي البطل منصور بن زياد البطل قضى على ثورة بالقيروان لعهد الرشيد فقال :
أما القبور فإنهن أوانس *** بجوار قبرك والديار قبور
والناس مأتمهم عليه واحد *** في كل دار رنّة وزفير
عجبا لأربع أذرع في خمسة *** في جوفها جبل أشم كبير
*ويقول منصور النمري فر رثاء يزيد بن مزيد الذي فتك بخوارج الموصل :
وإن تك أفنته الليالي وأوشكت ** فإن له ذكرا سيفني الليالي
وواضح ما في هذه الأشعار من دقة التفكير وبعد الخيال ولا عجب إذ كانوا يتنافسون في استنباط المعاني النادرة.
*ومن مراثي الرفقاء والأصدقاء : رثاء بشار لأحد أصدقائه من الزنادقة :
اشرب على تلف الأحبة إننا *** جزر المنية ظاعنين وخفضا
ويلي عليه وويلتي من بينه *** كان المحب وكنت حبا فانقض
قد ذقت ألفته وذقت فراقه *** فوجدت ذا عسلا وذا جمر الغضا
*ونجد الرثاء عند أبي العلاء المعري عبارة عن وقفة تأملية يشترك فيهما
العقل والعاطفة والخيال , وأروع قصائده في هذا الغرض تلك التي رثى بها أبا
حمزة، وهو الفقيه الحنفي وكان عزيزا عليه فقال في مطلعها :
غير مجد في ملتي واعتقادي *** نوح باك , ولا ترنم شاد
صاح هذي قبورنا تملأ الرحـ ** ب فأين القبور من عهد عاد
خفف الوطء ما أظن أديم الأر ** ض إلا من هذه الأجساد
ربّ لحد قد صار لحدا مرارا*** ضاحك من تزاحم الأضداد
ودفين على بقايا دفين *** في طويل الأزمان والآباد
تعب كلها الحياة فما أعجب *** إلا من راغب في ازدياد
وبعد مقدمات في ذكر الحكم والعبر , شرع في ذكر خصال الفقيد ومما قاله :
قصد الدهر من أبي حمزة الأواب *** مولى حجى وخدن اقتصاد
أنفق العمر ناسكا يطلب العلم *** بكشف عن أصله وانتقاد
ذا بنان لا تلمس الذهب الأحمر *** زهدا في العسجد المستفاد
4-وظهرت ضروب جديدة للرثاء لم تكن معروفة قبل هذا العصر كرثاء المدن فهذا
ابن الرومي( 255 هـ) يرثي مدينة البصرة عندما أغار عليها الزنج فنهبوها
وأحرقوها فقال واصفا تلك الفضائع :
ذاد عن مقتلي لذيذ المنام *** شغلها عنه بالدموع السجام
أي نوم من بعدما حل بالبصرة *** ما حل من هنات عظام
أي يوم من بعدما انتهك الزنج *** جهارا محارم الإسلام
حتى يقول :
كم أخ قد رأى أخاه صريعا **** ترب الخدين بين صرعى كرام
كم أب قد رأى عزيز بنيه **** وهو يعلى بصارم صمصام
كم فتاة مصونة قد سبوها **** بارزا وجهها من غير لثام
5-ومن ضروب الرثاء الجديدة مراثي الطير الصادح مثل القمري والحيوانات المستأنسة والأحصنة ،
فقد رثى ابن الزيات فرسا له أشهبا لم ير مثله فراهة وحسنا أخذه منه المعتصم فقال :
كيف العزاء وقد مضى لسبيله *** عنا فودعنا الأحمّ الأشهب
منع الرقاد جوى تضمنه الحشا *** وهوى أكابده وهم منصب
6-وتعتبر المعاني الحضارية التي أدخلت في الرثاء إحدى مظاهر التجديد التي
عرفها هذا الغرض كالذي نراه في رثاء المغنين وأهل اللهو حيث شاعت فيهم معان
لم يألفها الرثاء من قبل , فبينما كان يرثى قديما بصفات النجدة والمروءة
والكرم والشجاعة وما إلى ذلك من الصفات، أصبح بعض الناس في بغداد يرثي بمثل
ما رثى به ابن سيابة إبراهيم الموصلي فيقول:
تولى الموصلي فقد تولت *** بشاشات المزاهر والقيان
وأي بشاشة بقيت فتبقى *** حياة الموصلي على زمان
ستبكيه المزاهر والملاهي *** وتسعدهن عاتقة الدنان












رد مع اقتباس