منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ملاحظات حول مخطوط سمي مذكرات للأمير عبد القادر:
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-12-22, 00:10   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
الأميرة بديعة الحسني
كبار الشخصيات
 
إحصائية العضو










افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وصلى الله وسلم على النبي وصحبه وسلم.
أشكر ابن عمي الأمير خلدون الذي اقترح علي الانضمام إلى منتدى الجلفة لنشر أبحاثي التاريخية أو بعضاً من مؤلفاتي، وامتناني كبير لكل من رحب بانضمامي من الأعضاء والمشرفين على هذا الموقع المحترم (منتدى الجلفة) .
أخي المناضل السيد الفاضل بو زريقة عمر ابن الجزائر البار حييت وطنياً حراً، أبكتني كلماتك سعادة وأفاضت مدامعي تأثراً وحمدت رب العالمين أن في بلادي رجال ونساء أوفياء لاقيتهم من أمثالك تسعدهم معرفة الحقيقة بحلوها ومرها، هذه الحقيقة التي مازلت أبذل الجهد بشكل علمي موثق خال من العلل والعواطف ، وهذا هو أسلوبي في جميع مؤلفاتي التي شهد كبار أساتذة التاريخ على أسلوبها العلمي، كالدكتور إسماعيل الزروخي والدكتور عبد الكريم بوصفصاف والدكتور أبو القاسم سعد الله وغيرهم حفظهم الله جميعاً، ولقد صدقت أيها المناضل ابن الجزائر البار أن الطريق طويل وموحش، والزاد قليل ولكن الزاد الإيماني والفكري كثير، ولن أتعب من السير على الأشواك بإذن الله تعالى مادام في العمر بقية.
سأبذل الجهد بإذن الله تعالى ليظل ذلك المشعل محمولاً بيدي مشتعل من نور الحقيقة أواجه به (من ينسجون ثوب الإعدام) كما ذكر الأخ الصالح عمر بوزيقة في كلماته لي وإعدام شخصية هذا المجاهد الكبير الحقيقية وإبراز شخصية لا تمت له بصلة من خلال كتب ألفوها، ومذكرات ابتكروها، وإذا قيل لهم أين خطه؟ زوروا الخط وقلدوه وإذا أثبتنا لهم أنه مزور وليس خطه قالوا أنه كان يملي على غيره وإذا سألناهم من هو هذا الغير هاتوا دليلكم إن كنتم صادقين، أداروا وجوههم نحو الجامعات يقيمون الندوات للبحث في فكر الأمير من خلال كتاب المواقف الذي نسب إليه من غير دليل ظلماً وعدواناً على معتقداته الدينية ومعلوماته اللغوية وصفاته الأخلاقية جعلوه في كتاب المواقف رجل مغرور مبتكر يدعي بأن الله يكلمه من غير واسطة (أستغفر الله) ويوحي إليه بأقوال تناقض آياته في القرآن لم يوحي بها إلى رسوله صلى الله عليه وسلم كغرق فرعون والمغفرة، جعلوه في هذه المواقف يدعي بأنه فوق الرسل والأنبياء، وهو في الحقيقة الإنسان المتواضع تواضع العلماء في جميع مراحل حياته فهو الرجل العاقل المتزن التقي الصالح، الذي عُرف عنه الاتزان بالقول والعمل.
جعلوه في هذه الكتب وتلك المذكرات التي قالوا أنهم وجدوها بين الحطب بعد قرن من الزمن أرادوا من هذا كله القول على لسانه كل ما يريدون قوله هم لإعدام شخصيته الحقيقية التي عرف بها في حياته، وهي التواضع وإخلاصه لوطنه وإيمانه بدينه ومحبته لشعبه وهو الذي قال في أبيات له أثناء سجنه مخاطباً المجاهدين أهل الوفاء الذين اختلطت دمائه بدمائهم على تراب الوطن عشرون عاماً منذ عام 1830 حتى آخر شهر من عام 1847 واعتبرهم سادات الأمة والوطن المدافعين عنها بالمهج والروح والجسد فقال:

ماذا عن ساداتنا أهل الوفا*** لو أرسلوا طيف الزيارة في الخفا


وترصدوا الرقباء حتى يغفلوا*** ويكون مانع وصلنا ليلاً قد عفا


فإذا تمكنت الزيارة خفية *** يأتي موعد وصلنا متلطفا


ويكون بين نزولهم قلبي الذي *** وحياتهم من حب غيرهم عفا


ولطالما لام العزول بحبكم *** وأطال عتبي ناصحاً ومعنفا


ويود لو أني سلوت هواكم *** فيكون هو خلاً وفياً منصفا


ولكن قلب الشجي كما علمتم أنه ** لا ينثني عن حبكم متخوفا


يبغي الوصال ولو تمزق تالفا *** ويلذ أن يلقى العذاب ويتلفا


يسري ولو أن الظلام عداته *** ويسير لو كان النهار المرهفا


قلبي الأيسر لديكم والجسم في***سجن العداة معذبا ومكتفا

هذه الأبيات كتبها في سجنه بامبواز وهي دليل على عمق مشاعره الوجدانية نحو الأوفياء للوطن من أبناء شعبه والمجاهدين الذين يتمنى زيارتهم له في سجنه خفية وهي من أحلام اليقظة لديه في تلك الظروف التي وقع فيها نتيجة اختطافه وليس نتيجة حسن ظنه بالمحتلين لأنه يعرفهم ويدرك عن خبرة مدى غدرهم ولكن ذلك الاتفاق كان الحل الأمثل أمامه وأهون الشرين لأن الشر الأول كان متابعة قتال الأخوة في تلك المعارك الدفاعية من قبله شخصياً والهجومي من قبلهم ولم يكن هنالك من وسيلة سوى هجرته شخصياً وابتعاده عن البلاد لأنه كان المقصود في اتفاقية طنجة ولا سبيل لإيقاف هجمات قوات الجوار وإنهاء الحصار إلا بالتخلص منه إما بقتله أو أسره والعدو المحتل كان على علم بأن الأمير مازال قوياً وبإمكانه الاستمرار بالمقاومة وتكبيدهم الخسائر الفادحة لذلك قبلوا خروجه من الجزائر ولم يرفضوا طلباته الثلاث ورحبوا بالاتفاق على عدم منعه من الذهاب إلى عكا في المشرق العربي ولكنهم قرؤوا أفكاره لأن في الاتفاقية لا يوجد بند يمنعه من العودة فقرروا اختطافه بعد ركوبه الباخرة وفي عرض البحر جاء الأمر بالتوجه نحو طولون.
هذه الجملة أو الكلمة (خطف) وجدت لها مكاناً في ذاكرتي مذ كنت طفلة ففي مزرعتنا في (حوش بلاس) كان أهلي يحذروننا من طائر كبير كانوا يسمونه( الشوحة) ويقولون لنا أنه يخطف الأطفال الصغار، وكنا نسمع بأن دجاجة في الأمس خطفتها الشوحة أو أرنباً كان في بيادر القمح هبطت الشوحة وخطفته ولكن لم أسمع أنها خطفت أطفالاً!
وفي دار جدنا الأمير بدمر حيث كنا نقيم كان نهر كبير يمر عبر الحديقة فكان أهلنا يحذروننا من اللعب قرب النهر ويقولون لنا :"حارس النهر بيخطفكم !" وذات مرة خطف البقرة الشقراء وهي تشرب منه ! ولكن الأمر الذي لم أكن أستطيع فهمه ولا استيعابه هو كيف خطف جدنا الكبير (الأمير عبد القادر)وجميع عائلته ؟ ومن استطاع خطفهم معاً هل حارس البحر أم الشوحة التي يخيفوننا بها؟! مستحيل !! كنا نتهامس بصوت خفيض بهذه التساؤلات كلما سمعنا جدتي مثلاً تقول:" لو لم يخطفوا أبي وأهلنا لكنا الآن عدنا إلى الجزائر"فتجيبها أختها (الأميرة رقية) :"وربما الآن كنا نعيش في عكا بفلسطين" وأحياناً يشتد النقاش لأن إحدى الأقارب قالت "ليت جدنا قبل ذلك العرض ــ بعد اختطافه وهي البقاء في فرنسا وامتلاك القصور والمزارع ـــ ليته قبل، لكنا الآن نعيش هناك". ولا أنسى تلك العاصفة من اللوم والتأنيب، التي هبت حولها من جميع من كان في الغرفة ولولا تدخل جدتي زينب قبل أن يصل الأمر إلى ذروة الانفعالات، جدتي زينب التي عرفت بالهدوء واللباقة وإذا تكلمت الكل ينصت إليها فقالت: اسمعوا ألم يكن أبي رجل دولة وقائد جيوش المقاومة؟ هل العدو الذي يحتل بلادنا الآن يريد لنا الخير برأيكم؟ لقد رفض أبي ذلك العرض بعد اختطافه والغدر به لحكمة وبعد رؤيا لأننا لو ولدنا هناك في البلد الذي تحتل جيوشه بلادنا لعشنا ونشأنا بلا هوية أو كرامة ودخلنا مدارس من لا يعترفون بديننا فنهلنا من سموم الدونية قبل العلوم وقل انتمائنا إلى تراثنا وديننا ولغتنا وأصبحنا كالغراب الذي أراد تقليد البطة فنسي مشيته ولم يحسن مشيتها وتحولنا إلى غرباء بعد أن كنا في بلادنا سادة ونحمد الله أننا الآن نعيش في بلد عربي إسلامي بين أخوة لنا في الدين نسمع الآذان وصوت الله أكبر خمس مرات في اليوم هل كان أبي يستطيع بناء مسجدٍ واحدٍ ومئذنة يذكر فيها اسم الله أكبر خمس مرات في اليوم؟ ربما بعد أجيال يحدث ذلك الأمر، وحينما رفض والدنا ذلك العرض ووجده نفي مغلف بالحرير كان على حق في ذلك الزمن .
وأذكر حين كنت طفلة في الصف الرابع ابتدائي وفي درس التاريخ ذكرت لنا المدرسة نوزت شورى بأن الأمير عبد القادر سلم نفسه إلى الفرنسيين فرفعت يدي وطلبت الكلام قائلة هذا غير صحيح الأمير اختطف وكم كنت خائفة أن تسألني من خطفه والحقيقة لم أكن أعرف جواب إما حارس البحر أو طائر الشوحة ليضحك علي زميلاتي ولكن الله ستر ولم تسألني المدرسة وإنما قالت لي اجلسي، وامتلأت نفسي غضباً وكبرت وكبر معي ذلك الاحتجاج والغضب.
واعتبرت ذلك مأساة أن يصدق الجميع ما جاء في الكتاب المدرسي الذي تمسك به المعلمة ولا تصدق جدتي وأهلي الذين عاشوا في خضم تلك الأحداث، ومع تطاول الزمن وتطاول قامتي كثرت أسئلتي وعرفت لو أن جدنا سلم نفسه أو ألقى بسلاحه لأعدائه لكانوا أحراراً بما يفعلون به ولا حاجة لاختطافه، ولا يسمى ما فعلوه غدراً أو اختطافاً أو عدم وفاء لأن الخصم سلم نفسه لخصمه واستسلم له والشروط في هذه الحالة لا معنى لها ولا وجود وهي كلام فارغ من المضمون مثلاً كصاحب دار احتلها لص فأراد الخروج منها لطلب النجدة من الجوار وترك أولاده في الدار للحفاظ عليها أراد التخلص من صاحب الدار العنيد المخيف بخروجه منها، لذا كان عليه عقد اتفاق أمان مع اللص على أن لا يمنعه من الخروج وصاحب الدار وأن لا يرفع السلاح في وجهه ولكن لو أن هذا اللص بعد أن عقد الاتفاق مع صاحب الدار وخرج الرجل بناءً على هذا الاتفاق من داره ولكن حينما وصل إلى آخر الحديقة هجم عليه رجال اللص واختطفوه وأخذوه إلى وكر من أوكارهم أليس هذا ما يسمى غدراً وعدم وفاء وهذا ما حدث مع أمير البلاد بشكل مبسط جداً.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بديعة الحسني الجزائري
حفيدة الأمير عبد القادر









آخر تعديل الأميرة بديعة الحسني 2008-12-22 في 00:16.
رد مع اقتباس