منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الأدب العربي في صدر الإسلام والعصر الأموي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-12, 13:17   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
kasa28dz
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية kasa28dz
 

 

 
إحصائية العضو










Mh51 تابع

الفنون الأدبية في العصر الأموي
بلغت الفنون الأدبية التي سبق الحديث عنها في صدر الإسلام مستوى رفيعاً من النضج والنماء في العصر الأموي وهي: الشعر والخطابة والكتابة، وذلك لتضافر الكثير من العوامل.
الشعر
اتجاهات الشعر في العصر الأموي: بظهور الأحزاب السياسية في العصر الأموي ظهر لون جديد من الشعر لا عهد للعرب به من قبل هو الشعر السياسي، فكانت الأحزاب المصطرعة على الحكم تستعين بشعرائها لتأييد دعوتهم ومبادئها ومنافحة خصومها، فكان لكل من الأمويين والخوارج والشيعة والزبيرية ومعارضي الحكم الأموي عامة شعراؤهم الناطقون بلسانهم، الذائدون عنهم. وقد بلغ الشعر السياسي من جراء هذا الصراع غايته من الارتقاء والانتشار حتى كاد الطابع السياسي يغلب على جل الشعر المقول عصرئذ، وكان الشعر أمضى الأسلحة في مناهضة الأعداء والذود عن مبادئ الجماعة السياسية في ذلك العصر، ومن هنا كان بنو أمية حراصاً على اصطناع الشعراء المجيدين وإغداق الأموال عليهم.
وكان شعراء الحزب الأموي أكثر شعراء العصر الأموي احتفالاً بتنقيح شعرهم وتهذيبه والعناية بالبناء الفني لقصائدهم ليأتي شعرهم في الصورة المكتملة فنياً إرضاء لممدوحيهم، ولكن شعرهم كان في جله يخلو من الصدق لأن الدافع إلى قوله كان الرغبة في العطاء، ولهذا لا يدهش الباحث أن يرى بعض شعرائهم ينقلبون على ممدوحيهم إذا قلب لهم الدهر ظهر المجن أو أصابهم غضب السلطان، صنيع الفرزدق مثلاً بالحجاج بعد موته وهجا قتيبة بن مسلم بعد مصرعه إرضاء لسليمان بن عبد الملك، وكان قد مدحهما قبل ذلك.
وكان شعراء هذا الحزب يستعينون بطائفة من الحجج لدعم سلطان بني أمية، فهم الذين اختارهم الله لتولي أمور المسلمين ولا راد لمشيئته، وهم أفضل من يتولى الخلافة لما اتصفوا به من عدل وسماحة وحزم وتقوى، وهم ورثة عثمان وأولياؤه، إلى غير ذلك من الحجج.
أما شعراء الخوارج فكان شعرهم يمثل الالتزام العقدي خير تمثيل، فهم إنما وقفوا إلى جانب هذا الحزب بدافع إيمانهم بمبادئه وتشربهم عقائده، لا رغبة في عطاء أو مغنم، ومن هنا اتسم شعرهم بالصدق وتوقد العاطفة. وكانوا يقولون شعرهم عفو البديهة، ولا يجنحون إلى تكلف أو تهذيب، لأنهم ما كانوا يتوخون إرضاء ممدوح أو اجتلاب مغنم، وقد جعلوا شعرهم مجتلى مشاعرهم ومعرضاً لمبادئهم، وعلى أن النثر أقدر على بيان المعتقدات والاحتجاج لها من الشعر نجد أنهم استطاعوا عرض طائفة من معتقداتهم في شعرهم كقولهم بالتساوي بين المسلمين جميعاً في حق تولي الخلافة، لا فضل لقبيلة على أخرى، وكذهابهم إلى إنكار التحكيم بين علي ومعاوية وتكفير علي لقبوله إياه، وغير ذلك من معتقداتهم.
وقد نحا الشيعة نحو شعراء الخوارج في التزامهم بيان معتقداتهم والاحتجاج لها في أشعارهم وعزوفهم عن التكسب بشعرهم - إلا قلة منهم - وكان أقوى حججهم قولهم بأن قريشاً أولى بتولي الخلافة من جميع القبائل وأن آل البيت هم أولى أسر قريش بهذا الأمر لقرابتهم من رسول الله e، وكانوا يأخذون على بني أمية اغتصابهم حق بني هاشم وعدم أخذهم بالكتاب والسنة في سياستهم أمور المسلمين.
وقد شهد العصر الأموي ازدهار فن آخر من فنون الشعر هو الشعر الغزلي الذي تفتحت براعمه في صدر الإسلام، وقد توافرت جملة من الدواعي لازدهار هذا الفن بأنواعه الثلاثة: الحضري والبدوي والنسيب. ازدهر الغزل في حواضر الحجاز، مكة والمدينة والطائف، وكان شعراء الغزل الحجازيون منصرفين في كثرتهم إلى اللهو وسماع الغناء والتعرض للنساء، وقد وجدوا بين أيدهم وفرة من المال أفاءته الفتوح على قومهم فلم يحتاجوا إلى الكد في سبيل كسبه، كما وجدوا أنفسهم بعيدين عن مواطن الصراع السياسي في الشام والعراق وخراسان، فانصرفوا إلى الشعر الغزلي وافتنوا فيه افتناناً ارتقى به إلى مرتبة رفيعة لم يبلغها الشعر العربي في أي عصر من عصوره. وكان رائد هذا اللون من الغزل الشاعر القرشي عمر بن أبي ربيعة [ر].
والضرب الثاني هو الشعر الغزلي البدوي الذي ازدهر في بوادي نجد والحجاز خاصة، وقد عرف هؤلاء بصدق عاطفتهم وعفتهم، ومنهم من قاده عشقه إلى الهلاك، وزعيم هذه الطائفة جميل بن معمر [ر] الذي اشتهر بحبه لبثينة.
وقد وقف هؤلاء وأولئك جل شعرهم على الغزل ونهضوا بهذا الفن وأخصبوه بمعان جديدة وصور مبتكرة لم يعرفها الشعراء قبلهم.
والضرب الثالث من الغزل هو النسيب الذي كان الشعراء يأتون به في مطالع قصائدهم، وقصائد المديح خاصة. وقد ارتقى النسيب كذلك والتزمه الشعراء في مطالع جل قصائدهم، وأطاله بعضهم إطالة تلفت النظر كجرير بن عطية.
وقد أدى احتدام العصبيات القبلية عصرئذ إلى وفرة الشعر المقول بدافع العصبية وهو الشعر القبلي. وإلى ظهور ضرب من الشعراء متصل بهذه العصبية وهو المناقضات. وكان الجاهليون قد عرفوا طرفاً من هذه المناقضات ولكن لم يتح لها أن تذيع وتكثر في ذلك العصر. فلما كان العصر الأموي أقبل الشعراء على المناقضات وأكثروا منها إكثاراً يلفت النظر، وكان النصيب الأوفى منها لشعراء الثالوث الفحول: جرير والفرزدق والأخطل، حتى لقد اجتمع لهم منها دواوين ضخمة.
ولهذا الضرب من الشعر أصول التزمها الشعراء المتناقضون، ومنها اتفاق القصيدتين في الوزن والقافية، ونقض كل شاعر معاني خصمه. وقد نهض هذا الفن على أيدي شعراء العصر الأموي وبلغ غاية لم يبلغها في العصور الأدبية الأخرى. على أن مما يشين النقائض ما احتوته من بذاءة لفظية وفحش وهتك للعورات.
وكانت المناقضات تدور في إطارين: إطار العصبية الواسعة بين الجذمين: العدناني والقحطاني، أو بين فرعي عدنان: مضر وربيعة.
والإطار الثاني هو إطار العصبية الضيقة بين قبائل تمت كلها إلى أصل واحد، كالمناقضات بين بني يربوع وبين دارم، وكلاهما من تميم، وشعراء هذه المناقضات هم جرير والفرزدق والبعيث، وكالمناقضات بين ابن ميادة المري والحكم الخضري، وكلاهما من قيس عيلان.
وثمة لون آخر من الشعر عرفه العصر الأموي هو الشعر الزهدي، وهو شعر أوجدته حركة الزهد التي شهدها العصر الأموي وإن لم تبلغ فيه غايتها.
وقد شهد العصر الأموي كذلك ازدهار فن الرجز وظهرت فيه طبقة من الرجاز نهضوا بهذا الفن ونحوا به نحو القصيدة وأطالوه إطالة مسرفة.









رد مع اقتباس