منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - *«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-11-29, 22:44   رقم المشاركة : 134
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات في الأدب العباسي

الأغراض الشعرية في العصر العباسي :
أوّلا : المديح
نظم العباسيون في المديح الذي هو من الموضوعات القديمة التي نظم فيها
الجاهليون والإسلاميون , وبذلك أبقوا للشعر العربي شخصيته الموروثة ودعموها
بما لاءموا بينها وبين حياتهم العقلية الحصينة وأذواقهم المتحضرة المرهفة ,
فإذا المديح يتجدد من جميع أطرافه تجددا لا يقوم على التفاصل بين صورته
القديمة وصورته الجديدة , بل يقوم على التواصل الوثيق .
تعريف المديح :
المديح ثناء حسن يرفعه الشاعر إلى إنسان حيّ أو جماعة أحياء , عرفانا
بالجميل أو طلب للنوال , أو رغبة في الصفح والمغفرة , أو تمجيدا لقيم
إنسانية تتجسد في سلوك قائد أو أمير , أو شخصية تاريخية فذة مثل محمد - صلى
الله عليه وسلم - الذي مدحه الشعراء من حسان بن ثابت إلى أحمد شوقي إلى
غيرهما من الشعراء في الوقت الحاضر .
ويندرج في مجال المدح هاشميات الكميت , والمدح السياسي الذي قاله الشعراء
في الأحزاب السياسية التي شهدتها مرحلة الصراع على الخلافة في أوائل العهد
الأموي وبدايات العهد العباسي .
تطور المديح في العصر العباسي :
نستهل الحديث عن المدح بقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في وصفه لزهير بن
أبي سلمى والذي استحسنه قدامة بن جعفر وفيه يقول " إنه لم يكن يمدح الرجل
إلا بما يكون للرجال " وعقب قدامة على ذلك " فإنه في هذا القول إذا فهم
وعمل به منفعة عامة , وهي العلم بأنه إذا كان الواجب أن لا يمدح الرجال إلا
بما يكون لهم وفيهم , فكذا يجب ألا يمدح شيء غيره " ثم ينتقل قدامة إلى
ذكر فضائل مدحهم , فيحددها في أربعة أنواع هي : العقل والشجاعة والعدل
والعفة , مبينا أن المادح للرجال بهذه الخصال تعد مدائحه صائبة , بخلاف
المادح بغيرها فهو مخطئ , ثم وضح بأن الفضائل الأربعة قد لا تجتمع مرة
واحدة للشاعر المادح , ولهذا يجوز له أن يقصد بعضها دون بعضها الآخر .
ونتيجة للتطور الذي طرأ على الحياة العباسية من جهة , ونظرة الناس إلى ما
يجب أن تكون عليه الحياة الفنية التي هي وليدة الحياة العامة , فإن نظرة
المادح والممدوح وموقفهما من تلك المقاييس أصبحت هي أيضا متطورة ومتغيرة ,
وبذلك لم يعد الشعراء في العصر العباسي الأول يتقيدون بتلك المقاييس التي
تحدث عنها قدامة بن جعفر إلا أن هذا لا يعني أنهم تخلوا عنها تماما , لأن
شعر المديح في هذا العصر قد شهد تطورات استدعت تغيرات في شكل القصيدة
ومضمونها .
وفيما يلي أهم التطورات الحادثة على قصيدة المديح في العصر العباسي :
1- كان المديح في العصر العباسي ذا طابع تكسبي , فقد إستطاع أغلب الشعراء
أن يرسموا لشخصية الممدوح صورة رائعة تتسم بجميع الصفات الحسنة والقيم
النبيلة , وذلك كان يرضى غرور الممدوحين لأنه بمثابة الإعلام المسيّس
والموجه , الذي يخدم الممدوح خاصة إذا كان من الطبقات السياسية العليا ,
ولا يثير غضب الناس عليه ولا على سياسته , ومن هذا المنطلق كان الممدوحون
يغدقون الأموال على الشعراء , وينادمونهم ويقربونهم ، تذكر المصادر أن
مروان بن أبي حفصة مدح المهدي فاستهل مدحته برقيق الغزل فقال :
طرقتك زائرة فحيّ خيالها *** بيضاء تخلط بالجمال دلالها
قادت فؤادك فاستقاد ومثلها *** قاد القلوب إلى الصبا فأمالها
ثم يصل مروان بن أبي حفصة إلى لب القصيدة وفكرتها :
هل تطمسون من السماء نجومها *** بأكفكم أو تسترون هلالها .
أو تجحدون مقالة عن ربكم *** جبريل بلغها النبيّ فقالها .
شهدت من الأنفال آخر آية *** بتراثهم فأردتهم إبطالها
فيزحف المهدي من صدر مصلاه حيث كان جالسا حتى صار على البساط إعجابا بما
سمع , ثم يقول لمروان : كم هي ؟ فيقول مائة بيت , فيأمر له بمائة ألف درهم
فكانت أول مائة ألف أعطيها شاعرا في أيام العباسيين .
2- التزموا بنظام القصيدة القديمة في أكثر الأحيان , ولكنهم غيروا من رمزية
هذه الأركان , فاستبقوا على الأطلال والرحلة في الصحراء غير أنهم اتخذوها
رمزا، أما الأطلال فلحبهم الداثر وأما رحلة الصحراء فرحلة الإنسان في
الحياة .
ومثاله قول مسلم بن الوليد :
هلا بكيت ظعائنا وحمولا *** ترك الفؤاد فراقهم مخبولا
فإذا زجرت القلب زاد وجيبه *** وإذا حبست الدمع زاد همولا
وإذا كتمت جوى الأسى بعث الهوى *** نفسا يكون على الضمير دليلا
واها لأيام الصبا وزمانه *** لو كان أمتع بالمقام قليلا
3- النداء بالتخلي عن المقدمات التقليدية بل بدلت بالفعل مقدمة البكاء على
الأطلال أو مقدمة النسيب التقليدي أو سواها بمقدمات وصف الخمرة ومجالس للهو
والعبث والتغزل المتهتك , ولم يتوقف تطور قصيدة المدح عند هذا الحد , بل
تعداه إلى عنصر الرحلة حيث استعاض الشعراء عن وصف الناقة والصحراء وحيوان
الوحش بالحديث عن الرحلة البحرية ووصف السفينة وأهوال البحر , وأحيانا
يقدمون مدحتهم بوصف الرياض في الربيع .
•فمثال المقدمة الخمرية والنداء بالتخلي عن المقدمة الطللية قول أبي نواس :
قل لمن يبكي على رسم درس *** واقفا ما ضر لو كان جلس
تصف الربع ومن كان به *** مثل سلمى ولبينى وخنس
•ومثال وصف الرحلة البحرية ووصف السفينة قول مسلم بن الوليد :
كأن مدب الموج في جنباتها **** مدب الصبابين الوعاث من العفر
كشفت أهاويل الدجى عن مهولة *** بجارية محمولة حامل بكر
لطمت بخديها الحباب فأصبحت *** موقفة الديات مرتومة النجر
إذا أقبلت راعيت بقنة قرهب *** وإن أدبرت راقت بقادمتي نسر
ومثال وصف الرياض في الربيع قول أبي تمام :
رقت حواشي الدهر فهي تمرمر *** وغدا الثرى في حليه يتكسر
نزلت مقدمة المصيف حميدة *** ويد الشتاء جديدة لا تكفر
لولا الذي غرس الشتاء بكفه *** لاقى المصيف هشائما لا تثمر
4- كان المديح موجها للطبقات العليا من الخلفاء والوزراء والولاة والقادة ،ولم يكن يهتم بالطبقات العامة إلا نادرا .
وقد أسهم كثير من الشعراء في الدفاع عن العباسيين وخلافتهم من خلال مدائحهم
, من بين هؤلاء مروان بن أبي حفصة , السيد الحميري , أبو دلامة , سلم
الخاسر وأبو نخيلة الذي يقول في السفاح :
حتى إذا ما الأوصياء عسكروا *** وقام من تبر النبىّ الجوهر
أقبل بالناس الهوى المشهر *** وصاح في الليل نهار أنور
يقول أشجع السلمي مادحا هارون الرشيد :
إلى ملك يستغرق المال جوده *** مكارمه نثر ومعروفه سكب
ومازال هارون الرضا بن محمد *** له من مياه النصر مشربها العذب
متى تبلغ العيس المراسيل بابه *** بنا فهناك الرحب والمنزل الرحب
يقول الأصفهاني < كان هارون الرشيد يحتمل أن يمدح بما تمدح به الأنبياء فلا ينكر ذلك ولا يرده >
5-المدح بالمثالية الخلقية ومثالية الحكم : مضى الشعراء في مديح الخلفاء
والولاة يضيفون إلى المثالية الخلقية من سماحة وكرم وحلم وحزم ومروءة وعفة
وشرف نفسه وعلو همة والشجاعة والبأس , مثالية الحكم وما ينبغي أن يقوم عليه
من الأخذ بدستور الشريعة وتقوى الله والعدالة التي لا تصلح حياة الأمة
بدونها , وبذلك كانوا صوتا قويا لها , صوتا ما يني يهتف في آذان الحكام بما
ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم .
يقول منصور النمري في هارون الرشيد :
بورك هارون من إمام *** بطاعة الله ذي اعتصام
له إلى ذي الجلال قربى *** ليست لعدل ولا لإمام
ويقول أبو العتاهية فيه أيضا :
وراع يراعي الله في حفظ أمة *** يدافع عنها الشر غير رقود
تجافى عن الدنيا وأيقن أنها *** مفارقة ليست بدار خلود
ويقول أبو نواس مادحا هارون الرشيد كنموذج الحاكم العادل :
إلى أبي الأمناء هارون الذي *** يحيا بصوب سمائه الحيوان
في كل عام غزوة ووفادة *** تنبت بين نواهما الأقران
هارون ألفنا إئتلاف مودة *** ماتت لها الأحقاد والأضغان
متبرج المعروف عريض الندا*** حصر بلا منه فم ولسان
6- كانت قصيدة المديح أحيانا بمثابة رسائل توجيهية للحاكم ليصلح من حال
رعيته , ومثاله مدح أبي العتاهية لهارون الرشيد وتبليغه في مدحته مأساة
اجتماعية فيقول :
من مبلغ عني الإما *** م نصائحا متواليه
إني أرى الأسعار أسـ *** عار الرعية غالية
وأرى المكاسب نزرة *** وأرى الضرورة غاشية
وأرى اليتامي والأرا *** مل في البيوت الخالية
من بين راج لم ينزل *** يسمو إليك وراجية
يا ابن الخلائف لا فقد *** ت ولا عدمت العافية
إن الأصول الطيبا *** ت لها فروع زاكية
ألقيت أخيارا إليـ **** ك من الرعية شافية
ونصيحتي لك محضة **** ومودتي لك صافية


7 - صورت قصيدة المديح في العصر العباسي الإنتصارات الباهرة التي حققها
قادة الأمة الإسلامية وأبطالها في حروبهم ضد أعدائها , ومن تلك المعارك
التي وصفها الشعراء في مدائحهم وصفا رائعا إهتزت لها الجماهير وكأنها هي
الممدوحة بها , معارك هارون الرشيد ضد نقفور إمبراطور بيزنطة
يقول عبد الله بن يوسف مادحا الرشيد :
نقض الذي أعطيته نقفور *** وعليه دائرة البوار تدور
أبشر أمير المؤمنين فإنه **** غنم أتاك به الإله كبير
فلقد تباشرت الرعبة أن أتى ***** بالنقض عنه وافد وبشير
أعطاك جزيته وطأطأ خده **** حذر الصوارم والردى محذور
8- كانت مدائح انتصارات الخلفاء والقادة والأبطال على أعداء الأمة تاريخا
كتب شعراء , إذ أشادت هذه المدائح بكل معركة خاضوها وكل حصن اقتحموه , حتى
كادت لا تترك موقعه ولا بطلا دون تصوير يضرم في النفس العربية الاستبسال
،وجلاد الأعداء جلادا عنيفا، فإذا الشباب العربي يترامى وراء قائده على
منازل الأعداء ترامي الفراش على النار , ولم يكتف الشعراء بهذا التصوير فقط
بل عنوا بتسجيل كل ما يستطيعون من تفاصيل عن تلك المعارك العربية , ومن
أمثلة ذلك :
مديح على بن جبلة للبطل أبي دلف العجلي قائد المأمون المشهور في إحدى وقائعه :
المنايا في مقانبه *** والعطايا في ذرا حجره
وزحوف في صواهله *** كصياح الحشر في أمره
صاغك الله أبا دلف *** صيغة في الخلق في خيره
كل من في الأرض من عرب*** بين باديه إلى حضره
مستعير منك مكرمه **** يكتسيها يوم مفتخره
وكذلك مدحة مسلم بن الوليد ليزيد بن مزيد الشيباني قائد هارون الرشيد الذي فتك بخوارج الموصل :
لولا يزيد لأضحى الملك مطرحا *** أو مائل السمك أو مسترخي الطول
يغشى الوغى وشهاب الموت في يده *** يرمي الفوارس والأبطال بالشعل
موف على مهج في يوم ذي رهج *** كأنه أجل يسعى إلى أمل
لا يرحل الناس إلا نحو حجرته *** كالبيت يفضي إليه ملتقى السبل
تراه في الأمن في درع مضاعفة *** لا يأمن - الدهر – أن يدعى على عجل
لا يعبق الطيب خدّيه ومفرقه *** ولا يمسّح عينه من الكحل

9- مدح الخلفاء بالدين والدنيا : فقد عرف شعر المدح في هذا العصر معاني
إسلامية رددها أكثر من شاعر , ومن هنا فإن رغبة الخلفاء والأمراء أصبحت
تتطلع إلى شعر مديحي يكون مشفوعا بمعان إسلامية , وأن ينعت الممدوحون فيه
بصفات تستمد من منابعه كالذي نجده في شعر عمر بن سلمة المعروف بابن أ بي
السعلاء الذي رضخ لشرط الرشيد بألا يدخل عليه إلا من يمدحه بالدين والدنيا
في ألفاظ قليلة , فقال ابن أبي السعلاء :
أغيثا تحمل الناقـ *** ـة أم تحمل هارونا
أم الشمس أم البدر *** أم الدنيا أم الدنيا
ألا لا بل أرى كل الـ *** ذي عددت مقرونا
على مفرق هارون *** فداه الآدميونا
10- المبالغة والتهويل في المدح : وهي عادة فارسية إلتزمها الشعراء الفرس
في مدح ملوكهم بما يخرجهم عن طبيعتهم الإنسانية إلى ما يشبه الآلهة عندهم .
ومثاله مدح أبي نواس لهارون الرشيد في عدة قصائد نختار منها هذه الأبيات
وأخفت أهل الشرك حتى إنه *** لتخافك النطف التي لم تخلق
فيصف أبو نواس هارون الرشيد بالمهابة والقوة والعظمة , ويبالغ في ذلك لحد
أن النطف في الأرحام تخافه وتهابه , ويهدف الشاعر إلى تجاوز المحسوس أو
الموجود إلى مالا وجود له , وهنا يلمح الشاعر إلى دوام ملك الرشيد واستمرار
نفوذه السلطوي , وقوة خلافته التي تبدوا من خلال بثه الرعب في نفوس
المشركين وسلالاتهم .
ويقول في قصيدة أخرى مادحا دائما الرشيد :
ملك تصور في القلوب مثاله *** فكأنه لم يخل منه مكان
ما تنطوي عنه القلوب بنجوة *** إلا يكلمه بها اللحظان
حتى الذي في الرحم لم يك صورة *** لفؤاده من خوفه خفقان
11- مدح المدن والتعصب لها : يرى مصطفى هدارة أن " من الاتجاهات الجديدة
التي ذهب إليها شعر المديح في القرن الثاني مدح المدن والتعصب لها ,
والإفاضة في تعداد محاسنها ونواحي جمالها , وكان أكثر هذا النوع من المديح
يدور حول الكوفة والبصرة أو بغداد باعتبارها المراكز الرئيسية للحياة
الفكرية والاجتماعية والاقتصادية النشطة , ولا سيما بالنسبة للشعراء
المادحين "
ومن ذلك مديح عمارة بن عقيل لبغداد :
أعاينت في طول من الأرض والعرض *** كبغداد دارا إنها جنة الأرض
صفا العيش في بغداد وأخضر عوده *** وعيش سواها غير صاف ولا غض
12- مدح الذات الإلهية :
ظهر نوع جديد من المدائح يتوجه بها أصحابها إلى الذات الإلهية يمتدحونها ,
مستغنين بمديحها عن البشر وما يضطرون إليه من كذب ونفاق في مديحهم , ومن
ذلك قول أبي العتاهية :
تعالى الواحد الصمد الجليل *** وحاشى أن يكون له عديل
وقد كان عمران بن الحطان الشاعر الخارجي قد دعا إل هذا الاتجاه في المديح , من ذلك قوله :
أيها المادح العباد ليعطى *** إن لله ما بأيدي العباد
فاسأل الله ما طلبت إليهم *** وارج نفع المنزل العواد
لا تقل في الجواد ما ليس فيه *** وتسمي البخيل باسم الجواد
وقد استفحل هذا التيار حتى كاد يتداخل مع تيار الزهد الذي شكل ظاهرة في
العصر العباسي الأوّل , ولكنه تطور فيما بعد ليصبح أهم موضوعات الشعر
الصوفي , وليأخذ أبعادا فنية وجمالية متعددة .
13- مدح فئة الكتّاب :
ساهم الشعراء الكتّاب في تطوير قصيدة المديح، إذ جاء بعضهم بالقيم الفنيّة
القديمة وأضاف قيما فنيّة جديدة متمثلة لحضارة العصر وذوقه , فخاطبوا
بمديحهم فئات من الناس ما كان الشعراء ليقصدوها بمدحة أو هجائية من قبل ,
ووفروا للغتهم في هذه المدائح السهولة , ولتراكيبهم البساطة , ومعانيهم كل
ما هو جديد ومرتبط ببيئاتهم الاجتماعية والفكرية والأدبية ولإيقاع شعرهم
الأوزان الخفيفة .
مدح أحمد بن الخصيب كاتبا له فقال :
وإذا نمنمت بنانك خطا *** معربا عن إصابة وسداد
عجب الناس من بياض معان *** يجتنى من سواد ذاك المداد
14- جنوح الشعراء المداح في العصر العباسي إلى سهولة الألفاظ والتراكيب
ووضوحها وصبغوا قصائدهم بألوان من التطور في الصياغة والتشكيل ، فجاءت
قصائدهم طافحة بالفن والجمال ومجسدة لجماليات الإبداع الشعري في هذا العصر .
15- اعتناء الشاعر العباسي بمدائحه إذ دفعتهم دقتهم الذهنية إلى الملائمة
بين مدائحهم وممدوحيهم , فإذا مدحوا الخلفاء نوهوا بتقواهم وعدلهم في
الرعيّة، وإذا مدحوا الوزراء تحدثوا عن حسن سياستهم ,وإذا مدحوا القادة
الأبطال أطالوا في وصف شجاعتهم , وكذلك صنعوا بالفقهاء والقضاة والكتاب
والمغنين، فلكل أوصافه التي تخصه , وهي أوصاف طلبوا فيها وفي كل مدائحهم
الفكر الدقيق والتعبير الرشيق .
16- شاعت في العصر العباسي المقطوعات في المديح وتقهقرت المطولات نسبيا.
17- أنتقد شعر المديح في العصر العباسي بأنّه مديح بغير الواقع , فأغلبه
نفاق وكذب ومجاملة ورغبة في جنيّ الأموال، والوصول إلى المناصب العليا في
الإدارة , فجلّ القيّم والصفات التي مدح بها هؤلاء الشعراء ممدوحيهم لا
تتوافر في هؤلاء الممدوحين، وقد دافع بعض الكتاب عن ذلك قائلين إن ذلك قد
يكون صحيحا إلى حد ما , ولكن ليس هدف الشعر عامة والمدح خاصة أن يصف أو
يصور لنا الواقع كما هو , إنما الهدف الأساسي من الشعر أن يصور الواقع كما
يجب أن يكون , إذن فطموح الشعر هو تغيير الواقع المشوه إلى واقع أكثر كمالا
وجمالا , ومن هذا المنطلق نستطيع القول أن الشاعر – في أغلب الأحيان – لا
يمدح شخصية بعينها , إنما يمدح الإنسان النموذج الذي له القدرة على تمثل ما
يطمح إليه المجتمع من قيّم، وتجسيد هذه القيّم في الواقع من خلال الممارسة
الفعلية في السلوك قولا وعملا، ومن خلال هذا التفسير للغاية الأساسية من
المديح يمكن فهم جميع الأشعار التي قيلت في هذه المرحلة مع عدم إغفال
خصوصية كل شاعر في مجال الصياغة الفنيّة , والناحية التشكيلية والانتماء
السياسي أو المذهبي .
18- اشتهر عدد كبير من شعراء المدح , وعلى رأسهم أبو تمام والبحتري والمتنبي
أمّا أبو تمام فقد مدح المأمون والمعتصم والواثق والحسن بن سهل وأحمد بن
أبي دؤاد وغيرهم , وكان في مدحه عظيم التصوير , يميل إلى الصناعة البديعية
مع ابتكار الصور , مركزا على التسلسل المنطقي في بناء قصائده , وعمل على
تطوير الأسلوب المدحي فجعل الاستهلال للحكمة , وكانت معانيه موغلة في
الغموض أحيانا يصعب الوصول إلى دقائقها .
وقصيدته في وصف " فتح عمورية " يظهر فيها المدح جليّا للخليفة المعتصم منها هذه الأبيات :
السيف أصدق أنباء من الكتب *** في حده الحدّ بين الجدّ واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف *** في متونهن جلاء الشك والريب
تدبير معتصم بالله منتقم *** لله مرتقب في الله مرتهب
لم يغز قوما ولم ينهد إلى بلد *** إلا تقدمه جيش من الرعب
أما البحتري فقد نهج في شعره منهج الأقدمين , واكتفى بالمعاني العادية
ولكنّ في مدائحه جمال التصوير , وصفاء الديباجة وموسيقى الألفاظ والقوافي ،
فيقول في قصيدته التي يمدح فيها المتوكل وهو يصف موكبه في عيد الفطر
المبارك، ويثني عليه بالعبادة في شهر رمضان :
عمت فواضلك البرية فالتقى *** فيها المقل على الغنى والمكثر
بالبرّ صمت وأنت أفضل صائم *** وبسنة الله الرّضيّة تفطر
فانعم بيوم الفطر عينا إنه *** يوم أغر من الزمان مشهر
فاسلم بمغفرة الإله فلم يزل *** يهب الذنوب لمن يشاء ويغفر
الله أعطاك المحبة في الورى *** وحباك بالفضل الذي لا ينكر
ولأنت أملأ للعيون لديهم *** وأجل قدرا في الصدور وأكبر
أما أبو الطيب المتنبي فسلك في مدحه سبيل أبي تمام , وأكثر من المدح لينال وليحقق ما يهدف إليه وليكون عظيما من العظماء
ومما قاله في مدح سيف الدولة الحمداني :
لكل امرئ من دهره ما تعودا *** وعادة سيف الدولة الطعن في العدى
هو البحر غص فيه , إذا كان ساكنا **** على الدر واحذره إذا كان مزبدا
المراجع المعتمدة :
1-د.نور الدين السد , الشعرية العربية , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر 1995
2-د.مصطفى بيطام , مظاهر المجتمع وملامح التجديد من خلال الشعر في العصر العباسي الأول , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر 1995.
3-د.شوقي ضيف , تاريخ الأدب العربي , العصر العباسي الأول , دار المعارف , مصر , ط6 ,










رد مع اقتباس