منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - القضاء الدولي الجنائي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-10-19, 22:36   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










Mh01 القضاء الدولي الجنائي

المقـــدمـــة
تعود فكرة تأسيس المحكمة الجنائية الدولية إلى حوالي قرن من الزمن تقريبا، وذلك عندما طرحت فكرتها لأول مرة في أعقاب الحرب العالمية الأولى .
على أن فكرة القضاء الدولي الجنائي ليست جديدة تماما في مجال العلاقات الدولية، حيث عرفها العالم منذ زمن بعيد(1) ، إلا أن الدعوات الصريحة بضرورة وجود قضاء دولي منظم والجهود المبذولة من أجل تأسيس محكمة جنائية دولية تدعمت وتكرست بفعل التطورات التي عرفتها الحياة الدولية مع نهاية القرن التاسع عشر(2) ، عندما بدأت معالم القانون الدولي الجنائي بالظهور ,وبداية القرن العشرين خصوصا عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وعلى الرغم من قدم فكرة القضاء الدولي الجنائي ، وأن فكرة إنشاء محكمة جنائية دولية قد طرحت منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى ، وعلى الرغم من صدق الجهود المبذولة قبل تأسيس الأمم المتحدة وفي إطارها ، وكذلك في أعمال الجمعيات والمنظمات غير الحكومية ... بهدف إنشاء المحكمة وأنها كانت قد استوفت أهم جوانبها من البحث ، فقد ظلت العوامل السياسية والإيديولوجية وتباين مواقف الدول من إنشاء المحكمة إبان مرحلة الحرب الباردة علاوة على الجوانب القانونية خصوصاً مبدأ السيادة وعدم تمتع الفرد بالشخصية القانونية الدولية ، تشكل أهم العراقيل التي حالت دون إنشائها .
وعلى الرغم من التغيرات الجذرية التي مست مبدأ السيادة ، وبالرغم من أن حلقات المسؤولية الجنائية الشخصية قد بدأت منذ الحرب العالمية الأولى ، إلا أن غياب محكمة جنائية دولية يمتد اختصاصها إلى الأفراد وتمثل آلية قمع ضد تجاوزاتهم ، قد جعل من مخالفة أحكام القانون الدولي الإنساني وارتكاب المجازر ، وانتهاك القيم واستمرار التجاوزات السافرة لحقوق الإنسان ، تبقى غالباً دون عقاب .
وإذا كانت الحرب العالمية الأولى قد بلورت فكرة إنشاء قضاء دولي جنائي لمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية، فإن الحرب العالمية الثانية كانت نقطة البداية الحقيقية في إنشاء القضاء الدولي الجنائي وبداية التطبيق العملي للمحاكمات الجنائية الدولية.
وفي ظل أهمية ما أفرزته نتائج تلك المحاكمات وعلى ضوء الانتقادات التي وجهت لها بذلت عدة مجهودات في إطار الأمم المتحدة وخارجها تدعمت بصورة أكثر فاعلية عقب انتهاء الحرب البادرة بانتهاء القطبية الثنائية وزوال الصراع الإيديولوجي والذي تزامن مع تنامي النزعات القومية والاستقلالية في العديد من البلدان والتي غالبا ما كانت مصحوبة باندلاع صراعات عنيفة وتصفيات عرفية ومجازر وحشية وفرت من جديد الظروف الملائمة للحديث بقوة عن إمكانية إنشاء قضاء دولي جنائي وتأسيس محكمة جنائية دولية ، وهو ما تجسد بالفعل بالتوقيع على مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بروما في 17 يوليو 1998م .
وانطلاقاً مما يقوله نظامها الأساسي يمكن تعريف المحكمة الجنائية الدولية بأنها : هيئة قضائية جنائية دولية دائمة مستقلة ومكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية أنشئت باتفاقية دولية لتمارس سلطتها القضائية على الأشخاص الطبيعيين المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الدولية الأشد خطورة والمدرجة في نظامها الأساسي .
ويمكن أن نستخلص من خلال هذا التعريف مجموعة من العناصر الأساسية للمحكمة وذلك على الشكل التالي :
1- أن المحكمة مؤسسة جنائية دولية دائمة ، وهو ما يميزها عن عدة محاكم جنائية دولية أخرى أنشئت لزمان ومكان محددين ، كما هو الحال في محاكمات الحرب العالمية الثانية - محاكمات نورمبرج وطوكيو - أو كما هو شأن المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة ، وكذلك المحكمة الجنائية الخاصة برواندا .
2- أن المحكمة أنشئت بموجب اتفاقية دولية - بحيث وقع على نظامها الأساسي جل دول العالم - لمتابعة المجرمين الدوليين أينما كانوا ، وهي بذلك تختلف عن محكمتي نورمبرج وطوكيو اللتان أنشئتا باتفاق بين دول الحلفاء بغرض محاكمة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الدولية من الألمان واليابانيين ، كما تختلف عن محكمتي يوغسلافيا ورواندا اللتان أنشئتا بموجب قرارات اتخذها مجلس الأمن الدولي للنظر في الجرائم المرتكبة فوق إقليمــي الدولتــين .
3- أنها محكمة مكملة للإجراءات القضائية الجنائية الوطنية ، أي أنه متى ما كانت الدولة مستعدة وقادرة على مباشرة إجراءات الدعوى الجنائية لديها ، فإنه يفضل هذا الإجراء على إجراءات المحكمة الدولية .
4- أن المحكمة ذات اختصاص مستقبلي وستختص فقط بمتابعة الأشخاص الطبيعيين .
5- أن المحكمة ستنظر في أشد الجرائم خطورة والتي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره ، بحيث يكون من المستحيل أن ترفض أي دولة اختصاص المحكمة بأية جريمة وتصبح مع ذلك طرفاً في نظامها الأساسي .
وتأتي دراستنا للمحكمة انطلاقاً من أن تأسيسها هو في حد ذاته تعبير عن المراحل التي قطعها النظام القانوني الدولي في تطوره ، وانعكاس لتزايد الوعي العام بأهمية إنشاء محكمة جنائية دولية استناداً إلى أن مختلف التجارب الدولية السابقة في المجال الجنائي(1) . والتساؤلات التي أثارتها تجارب المحاكم الخاصة ، تؤكد أن أهمية إنشاء محكمة جنائية دولية تنبع من أن مختلف المشاكل الدولية تحتاج - ليس فحسب - إلى التزامات سياسية وأخلاقية ، وإنما كذلك إلى إجابات قانونية .
فماهي أهم مراحل تأسيس المحكمة الجنائية الدولية ؟ وماهي أهم مضامين نظامها الأساسي ؟
للإجابة على مختلف التساؤلات المتصلة بمراحل تحديد البنية القانونية للمحكمة الجنائية الدولية ارتأيت أن أتناول أولا إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ( فصل أول) قبل دراسة الإطار القانوني للمحكمة الجنائية الدولية في (فصل ثاني).
تعتبر عملية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة السلسلة الأكثر أهمية في نظام القانون الدولي العام ذاته.
ففي غياب محكمة تمتد اختصاصاتها إلى الأفراد وتمثل آلية قمع ضد تجاوزاتهم، بجانب محكمة العدل الدولية التي يقتصر اختصاصها على الدول، فإن ارتكاب المجازر واستمرار التجاوزات السافرة لحقوق الإنسان والتعدي على أهم قيم ومبادئ النظام القانوني الدولي ظلت دائما بدون عقاب.
ومع أن مؤسسي الأمم المتحدة قد " اعتبروا أن إنشاء محكمة جنائية دولية يشكل عنصرا أساسيا من أجل السلام واحترام حقوق الإنسان(1)، إلا أن عملية إنشاء هذه المحكمة ظلت تصطدم بالعديد من الصعوبات وتجابه بالكثير من الاعتراضات(2) .
ولأن اختصاص المحكمة سيمتد لمحاكمة الأشخاص الطبيعيين الذين قد يمثلون أثناء ارتكابهم لمخالفات تستوجب محاكمتهم قيادات مرموقة في بلدانهم، ولاستمرار التمترس خلف مبدأ السيادة والحصانة، ولكثير من المعوقات السياسية والقانونية، لا غرو أن تستغرق فكرة القضاء الدولي الجنائي كل هذا الوقت وأن تبذل في سبيل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية كل تلك المجهودات.
والواقع أن ترسخ فكرة القضاء الدولي الجنائي وبداية التطبيقات العملية لفكرة المحاكمات الجنائية الدولية ثم الشروع في إعداد نظام أساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة هي أهم الأحداث التي يمكن على إثرها التأريخ لميلاد المحكمة الجنائية الدولية. فكيف ترسخت فكرة القضاء الدولي الجنائــــي ؟، وما هي أهم التطبيقات العملية للمحاكمات الجنائية الدولية؟، وكيف تم التوصل في النهاية إلى صياغة النظام الأساسي للمحكمة؟
المبحث الأول :ترسيخ فكرة القضاء الدولي الجنائي
حفل مطلع القرن العشرين بأحداث كبيرة ومهمة أثرت تأثيرا بالغا في تطور القانون الدولي الجنائي وتوضيح الكثير من مبادئه وأحكامه خاصة ما يتعلق منها بفكرة القضاء الدولي الجنائي وتأسيس المحكمة الجنائية الدولية، ولعل من أبرز تلك الأحداث اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وإذا كانت أحداث الحرب العالمية الأولى قد أعقبها عقد عدة معاهدات تطرقت في أجزاء أساسية منها إلى فكرة القضاء الدولي الجنائي، كما تعالت الدعوات الصريحة إلى ضرورة مثل هذا القضاء وبذلت في سبيل ذلك عدة مجهودات، فإن أهم ما تمخض عن أحداث الحرب العالمية الثانية فيما يتصل بهذا الخصوص قيام أول تطبيق عملي لفكرة القضاء الدولي الجنائي في العصر الحديث.
فما هي أهم الجهود الدولية في سبيل إنشاء القضاء الدولي الجنائي؟ وماهي أهم التطبيقات العملية لفكرة المحاكمات الجنائية الدولية؟ .
المطلب الأول : الجهود الدولية المبذولة لإيجاد قضاء دولي جنائي
يمكن تصنيف الجهود الدولية من أجل إنشاء قضاء دولي جنائي إلى:
أ- دور المؤسسات الدولية غير الحكومية .
ب- الجهود السياسية الرسمية في ظل عصبة الأمم.
أولاً : دور المؤسسات الدولية غير الحكومية : (1)
1- جهود جمعية القانون الدولي (2):
عقدت جمعية القانون الدولي في « ببيونسس آيرس » بالأرجنتين سنة 1922 مؤتمرا علميا تقدم على إثرها مقررها الخاص بتقرير تضمن الدعوة إلى إنشاء محكمة جنائية دولية. وقد وافق المؤتمر على هذا المقترح، كما عهد إلى صاحب التقرير مهمة إعداد مشروع المحكمة المزمع إنشاؤها.
وبالفعل فقد تقدم السيد ( بلوت) بهذا المشروع في المؤتمر الذي انعقد بفينيا سنة 1926، ووافق عليه غالبية المجتمعين. وتتكون المحكمة وفقا لهذا التصور من خمسة عشر قاضيا أصليين وخمسة احتياطيين، على أن تكون المحكمة دائرة من دوائر محكمة العدل الدولية الدائمة، وأن تختص بالنظر في الجرائم الدولية المسندة إلى الدول أو الأفراد، وأن يتم تكوينها بناء على اتفاق دولي، وقد تم إيداع هذا المشروع لدى عصبة الأمم.
2- الاتحاد البرلماني الدولي :
ساهم الاتحاد البرلماني الدولي في إنشاء وتطوير الكثير من قواعد القانون الدولي، كما كان له الفضل في الدفاع عن فكرة القضاء الدولي الجنائي. وفي المؤتمر الثالث والعشرين للاتحاد البرلماني الدولي المنعقد في واشنطن في الفترة من 1-17 أكتوبر سنة 1925، تقدم الفقيه الروماني (بيللا) بدراسة تشتمل إمكانية إقامة محكمة جنائية دولية ونيابة عامة خاصة وغرفة اتهام تختص بالاتهامات الموجهة إلى الأشخاص الطبيعيين بجانب محكمة العدل الدولية المختصة بنظر الاتهامات الموجهة إلى الدول وكجزء منها، وقد أقر المؤتمر البرلماني هذا المشروع.
وفي سنة 1948 صدر تقرير عن المؤتمر السابع والثلاثين للاتحاد الدولي والمنعقد في روما، اشتمل على ثمانية عشر بندا جاء في البند العاشر منها النص على حث المجتمع الدولي بضرورة الإسراع بوضع قانون عقوبات دولي، وإقامت محكمة جنائية لمعاقبة الجرائم ضد السلام وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وخاصة جريمة إبادة الأجناس،...
3- الجمعية الدولية للقانون الجنائي:
عقدت الجمعية أول اجتماع لها في بروكسيل سنة 1926، أقرت فيه فكرة إنشاء قضاء دولي جنائي عن طريق إسناد اختصاص جنائي إلى محكمة العدل الدولية الدائمة، وشكلت لجنة لوضع مشروع لائحة للمحكمة الجنائية كلفت اللجنة الفقيه ( بيللا ) بوضع المشروع ، وقد جاء مشروع الفقيه ( بيللا) مركزا بالأساس على إنشاء محكمة جنائية دولية كجزء من محكمة العدل الدولية التي سوف يمتد اختصاصها إلى المسائل الجنائية.
وتتكون هذه المحكمة الجنائية المقترحة من خمسة عشر قاضيا أصليين وثمانية قضاة احتياطيين على أن يتم اختيارهم من المتخصصين في القانون، وتقوم المحكمة بكامل هيئاتها بالنظر في الاتهامات الموجهة للدول أو الهيئات العامة أو الأشخاص الطبيعيين، بحيث يمتد اختصاص المحكمة لعدة مسائل أساسية : (1)
1- أحوال التنازع في الاختصاصات القضائية أو التشريعية التي تثور بين الدول المختلفة، وكذا التنازع الذي يثور بخصوص تناقض الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه والصادر بسبب جريمة واحدة من محاكم عدة دول.
2- مسؤولية الدولة جنائيا في حالات العدوان غير المشروع أو انتهاك أحكام القانون الدولي، وتوقيع الجزاءات الجنائية والتدابير الوقائية ضد الدولة المعتدية أو المخلة.
3- المسؤولية الجنائية الفردية المترتبة على أفعال العدوان أو الجرائم المقترنة بها كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
4- القيام بتفسير القواعد الجنائية الموحدة في الدول المختلفة.
ثانياً : الجهود السياسية
1- تقرير لجنة المسؤوليات :
شكل المؤتمر التمهيدي للسلام الذي انعقد في باريس سنة 1919 لجنة مكونة من خمسة عشر عضوا، أطلق عليها لجنة المسؤوليات، أنيط بها بحث كافة الجوانب القانونية المترتبة على الحرب العدوانية، وقد تقدمت اللجنة بتقرير تضمن عدة مسائل أساسية من أهمها، وجوب إنشاء محكمة دولية تتولى المحاكمة عن كافة صور الإخلال بقواعد وقيم القانون الدولي، وتوقيع الجزاء المناسب عليه .(2)
أما عن المحكمة المزمع إنشاؤها فكان تصور اللجنة أن تشكل من 22 قاضيا، وأن تطبق في القضايا المعروضة عليها مبادئ قانون الشعوب الناتجة عن العادات الثابتة والمرعية بين الدول المتمدنة، وقوانين الإنسانية ومقتضيات الضمير العام، كما تضع المحكمة نظامها الداخلي والإجراءات المتبعة أمامها وكذا الجزاءات التي يمكن أن توقعها بالنسبة للجرائم التي تقوم بالنظر فيها(1).
2- التوقيع على معاهدة فرساي :
أسفر مؤتمر السلام الذي انبثقت عنه لجنة المسؤوليات السابقة عن التوقيع على معاهدة فرساي في 28 يونيو 1919 التي جاء في المادة 227 منها الإشارة إلى إمكانية إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الإمبراطور الألماني" غليوم الثاني" لارتكابه انتهاكات صارخة ضد مبادئ الأخلاق الدولية وقدسية المعاهدات...
وكان مقترحا أن تنشأ هذه المحكمة الخاصة من خمسة قضاة من جنسيات مختلفة يمثلون دول الحلفاء، على أن تقوم المحكمة بتحديد العقوبة التي ترى تطبيقها على جرائم الإمبراطور وأن تجري المحاكمة وفقا للقيم المستلهمة من المبادئ السياسية السامية بين الدول، واحترام الوجبات والتعهدات الرسمية والتأكيد على الأخلاق الدولية، ومنح الإمبراطور كافة الضمانات الجوهرية لممارسة حق الدفاع عن نفسه(2) .
وبالإضافة إلى ذلك تطرقت المادة 229 إلى ضرورة محاكمة مرتكبي جرائم الحرب الموجهة ضد رعايا عدة دول متحالفة أمام محكمة عسكرية مشكلة من قضاة ينتمون إلى الدول صاحبة الشأن، ويحق للمتهم في جميع الأحوال الضمانات الأساسية للدفاع عن نفسه.
3- أحكام ميثاق عصبة الأمم : (1)
عهد عصبة الأمم هو أحد أهم الإنجازات القانونية المترتبة على أحداث الحرب العالمية الأولى، وكان من أهم ما جاء به فيما يتعلق بالقضاء الدولي الجنائي ما نصت عليه المادة (14) على أن "يعد مجلس العصبة مشروعات بشأن إنشاء محكمة دائـمة للدول"
وبناء على هــــذه المــــادة شكـــل مجلس العصبة لجنـــة برئاســــة البارون ( ديسكا- مب) عضو مجلس الشيوخ البلجيكي حينئذ لوضع مشروع نظام المحكمة، وقد انتهت اللجنة في تقريرها الذي عرضته في 13 يوليو 1920 إلى إنشاء محكمة جنائية دولية وذلك بعد ما وقفت على الفضائع التي ارتكبت أثناء العمليات العسكرية (2) .
واعتبر أن هذه المحكمة تكون مختصة بالنظر في جرائم النظام العام الدولي وجرائم قانون الشعوب على أن يكون لها سلطة تكييف الجرائم وتحديد العقوبات وطرق تنفيذها مستهدية بمبادئ قانون الشعوب، باعتبارها مبادئ مستقرة في العرف الدولي وقوانين الإنسانية ومستلزمات الضمير العام...
4- اتفاقية جنيف المتعلقة بإنشاء محكمة جنائية دولية : (1)
جاءت هذه الاتفاقية المؤرخة في 17 نوفمبر 1937، عقب اغتيال ملك يوغسلافيا ووزير خارجية فرنسا في مرسيليا 1924، الأمر الذي أثار اهتمام عصبة الأمم وجعلها تعقد مؤتمرا دوليا في جنيف، عقب الفكرة التي تقدمت بها فرنسا إلى العصبة طالبة من خلالها النظر في إنشاء محكمة جنائية دولية لمكافحة جرائم الإرهاب.
وقد انبثق عن هذا المؤتمر اتفاقية جنيف التي ورد في ديباجتها أن الغرض من هذه المحكمة النظر في عدد محدد من الجنايات والجنح التي يرتكبها أشخاص طبيعيين...، وأن هذه المحكمة مقرها لاهاي ويمكن أن تنعقد في أي مكان آخر تبعا للظروف. وتتكون من خمسة قضاة من جنسيات مختلفة تختارهم محكمة التحكيم الدولية من بين الفقهاء المشهود لهم بالكفاءة في القانون الجنائي ومن خمسة قضاة مساعدين من جنسيات أخرى مختلفة، على أن يكون اللجوء إلى المحكمة اختياريا وبحيث أن الدولة التي يقع في يدها المتهم، عليها أن تحاكمه أو تسلمه إلى هذه المحكمة.
وأعطى لقضاة المحكمة بموجب هذه الاتفاقية كذلك كافة الحصانات والامتيازات الممنوحة للدبلوماسيين، وينتخبون لمدة عشر سنوات، وتكون جلسات المحكمة علنية وأن يصدر الحكم مسببا، ويعهد بتنفيذه إلى الدولة التي قدمت المتهم إلى المحكمة أو الدولة التي تحددها المحكمة بعد أخذ موافقتها، ويمكن الطعن في أحكام الإدانة الصادرة عنها بواسطة التماس إعادة النظر فقط، فيما عدا ذلك تبقى أحكام المحكمة نهائية.
على أنه لم يتم التوقيع على هذه الاتفاقية إلا من قبل 13 دولة، كما أن قيام الحرب العالمية الثانية قد حال دون انضمام الدول إليها ولم تدخل مرحلة النفاذ.
ويمكن القول أن هذه الاتفاقية كمعاهدة فرساي وما تضمنته أحكام ميثاق العصبة وتقرير لجنة المسؤوليات، كانت سباقة بالإشارة إلى ضرورة الاتفاق حول إنشاء محكمة جنائية دولية، وخطوة مهمة نحو ترسيخ الفكرة بهدف إصباغ حماية فعلية على قيم ومصالح المجتمع الدولي.
وفي الواقع لقد ساهمت أحداث الحرب العالمية الثانية بشكل أكبر في تقدم ونضوج الأفكار المتعلقة بمشروع القضاء الدولي الجنائي سواء فيما يتعلق بتطوير القانون الدولي الجنائي أو فيما يتعلق بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
5- التوقيع على اتفاقية لندن 1945:
كان من أهم ما تمخض عن الحرب العالمية الثانية من نتائج فيما يتعلق ببداية السعي الحقيقي نحو إنشاء القضاء الدولي الجنائي، بداية صدور العديد من التصريحات وانتهاء بالتوقيع على اتفاقية لندن سنة 8 أغسطس 1945 المتعلقة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية بنورمبرج، وقد جاءت هذه الاتفاقية بناء على التقرير المقدم من القاضي الأمريكي " جاكسون" في 6 يونيو 1945 والذي وضح فيه الخطوط العريضة والأساسية للجرائم التي ارتكبها زعماء النازية والطريقة التي ستنشأ بها المحكمة واختصاصاتها وكيفية المحاكمة.
وبالتوقيع على هذه الاتفاقية يمكن القول أن العالم قد دخل مرحلة جديدة من مراحل تطوير فكرة القضاء الدولي الجنائي حيث سيعرف لأول مرة بداية التطبيق العملي لفكرة العقوبة الجنائية الدولية.
المطلب الثاني :بداية التطبيق العملي لفكرة القضاء الدولي الجنائي(1) .
أولاً: تبلور فكرة المحاكمات الدولية العسكرية :
1- محاكمات الحرب العالمية الأولى :
"كانت محاكمات الحرب العالمية الأولى شبه النظرية أول تطبيق لفكرة القضاء الدولي الجنائي في العصر الحديث ...، كما كانت خطوة نحو إقرار هذا النوع من القضاء، وكان الفشل الذي منيت به مثـــــارا للكثير من الجهــــــود ..." (2)
وفي الواقع فقد أثيرت مشاكل قانونية عديدة كانت محل بحث الساسة والفقهاء وهم يتصدون للسعي نحو إنشاء أول محكمة جنائية دولية من أهمها مشكلة تحديد الاختصاص التشريعي والقضائي، وتحديد المسؤولية الناشئة عن الجرائم الجماعية، وأخيرا اختلاف النظم القانونية لدول الحلفاء ...
وبدون الخوض في تفاصيل هذه المشاكل يمكن القول أن لجنة المسؤوليات المشار إليها سابقا كانت قد أوصت في 15 مارس 1919 بأن مجرمي الحرب يقسمون إلى طائفتين :
- الطائفة الأولى : من مجرمي الحرب وتخضع للسلطات القضائية للدولة التي سبب ارتكاب تلك الجرائم حدوث إضراراً بها .
- الطائفة الثانية : فتضم مجرمي الحرب الذين اقترفوا جرائم مضرة بعدة دول أو إضرارا برعايا عدة دول ...، وهذه الطائفة لا تخضع للاختصاص القضائي الوطني، بل يجب إنشاء محكمة دولية من أجل محاكمة هذه الطائفة، وكان الاقتراح أن تشكل هذه المحكمة من 22 قاضيا منهم 15 قاضيا أساسيين يمثلون كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، وقاض واحد لكل من بلجيكا واليونان وبولندا والبرتغال ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا قضاة مساعدين، باعتبار أن هذه الدول الأخيرة كانت مصالحها أقل من مصالح الدول التي تمثلت بقضاة أساسيين، على أن اعتراض المندوب الأمريكي في اللجنة بحجة أنه :
أولا : لا يوجد تشريع مكتوب ولا عقوبات منصوص عليها وفقا للقانون القضائي حتى يتسنى للمحكمة الحكم في جرائم الحرب .
ثانيا: أنه لا يوجد تبرير معقول لعقاب الأشخاص الذين يعطون الأوامر لمرؤ وسيهم لارتكاب جرائم الحرب على أساس أنهم فاعلين غير مباشرين، بالإضافة إلى أسباب أخرى كانت السبب وراء هدم فكرة إنشاء محكمة جنائية دولية (1)، ومع ذلك فقد تضمنت معاهدة فرساي الإشارة إلى أهمية قيام محكمة جنائية دولية لمحاكمة مرتكبي الأفعال المجرمة وشكلت المواد 227 إلى 229 أساسا لإنشائها .
على أن أحكام المواد السابقة لم يتم تنفيذها تماما، كما أنه لم يحاكم سوى بعض الضباط الألمان الذين وقعوا فعلا بالأسر بواسطة محاكم عسكرية فرنسية وبريطانية .
أما الحكومة الألمانية والتي كانت ملزمة بموجب المعاهدة المذكورة بتسليم المتهمين بارتكاب جرائم دولية لمحاكمتهم أمام المحكمة المنشأة لهذا الغرض، مع تزويد قوات الحلفاء بكل الوثائق والمعلومات التي من شأنها تسهيل ضبط الجناة وتقديمهم للمحكمة، فلم تسلم سوى ستة ضباط أثناء 1919، إذ سارعت بإصدار قانون بإنشاء محكمة الإمبراطورية في ليبزج للنظر في تلك الجرائم(2).
ومع أن المحكمة قد قاضت بعض المتهمين(3) فإنها لم تصدر أحكاما إلا على ستة فقط حكمت عليهم بعقوبات هزيلة لا تتناسب وحجم الجرائم المنسوبة إليهم كما افتقر قضاتها إلى الخبرة اللازمة لدرجة أنها كانت تتلمس في أحيان كثيرة بعض المعاذير للمتهمين من صنف " أن ما اقترفوه لا يعدو إلا أن يكون من قبيل الحماس العسكري الزائد" (1)
وفوق ذلك فالإمبراطور الألماني غليوم الثاني والذي شكلت المحكمة لمحاكمته بصفة خاصة قد فر إلى هولندا التي رفضت تسليمه إلى دول الحلفاء لمحاكمته متذرعة بعدة أسباب من أهمها أن الاتهام الموجه إليه ذو طابع سياسي وليس قانوني، كما أن محاكمته أمام أعدائه سيجعل من إمكانية تحقيق العدالة أمرا مشكوكا فيه علاوة على أنه لم يرتكب أي فعل معاقب عليه طبقا للقانون الهولندي.
ويمكن القول أن هذه الأحداث كانت بمثابة نقطة البداية في تطبيقات القضاء الدولي الجنائي على الرغم أنها لم تشكل فعلا تطبيقاً واضحاً له، وضاعت على المجتمع الدولي فرصة نجاح أول تطبيق قضائي دولي جنائي في العصر الحديث (2) .
والأكثر من ذلك أن الجمعية العامة لعصبة الأمم حينها قد رفضت منح اختصاص جنائي للمحكمة الجنائية المشكلة في اقتراح البارون « دسكامب » بناء على قرار مجلس العصبة استنادا إلى المادة 14 من العهد، وذلك بحجة أن هذه الفكرة تعد سابقة لأوانها.
ومع ذلك كانت تلك المحاكمات شبه النظرية التي أعقبت أحداث الحرب العالمية الأولى معبرة عن مرحلة متقدمة يتجاوز بموجبها الفكر القانوني مرحلة البحث والايصاء إلى مرحلة التطبيق بغض النظر عن تحقيق تلك التجربة لكل النجاح المنتظر، كما أنها هيأت لتوفير المناخ الفكري والشعبي لإنجاح أية تجربة مقبلة إذا توفرت لها الإرادة والظروف(1) .
2- محاكمات نورمبرج وطوكيو :
لئن كانت أول تجربة لتطبيق القضاء الدولي الجنائي التي أعقبت الحرب العالمية الأولى قد باءت بالفشل في تحقيق كل ما كان منتظرا منها، إلا أنها مع ذلك مهدت الطريق أمام إنشاء أول محكمة جنائية دولية وقيام أول محاكمات جنائية دولية في التاريخ.
ولأهمية تلك المحاكمات في تطوير فكرة القضاء الدولي الجنائي خاصة، والقانون الدولي الجنائي عامة، وبالرغم من كل الانتقادات التي وجهت إلى تلك المحاكمات الشهيرة والمعروفة بمحاكمات " نورمبرج" سنحاول التطرق بإيجاز شديد إلى الكيفية التي أنشئت بها تلك المحكمة وطبيعة المحكمة المنشأة وكذا التعرف على أهم الانتقادات التي وجهت إلى تلك المحاكمات التي تمت في إطارها كونها سابقة للتطبيق الفعلي لفكرة القضاء الدولي الجنائي ستؤسس على ضوء الكيفية التي تمت بها والانتقادات التي وجهت إليها والمبادئ الهامة التي رسختها لإمكانية الحديث بجدية عن ضرورة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ومرجعية أساسية من مرجعياتها.
أولا: إنشاء المحكمة :
بدأ الإعداد لمحاكمة جرائم الحرب العالمية الثانية ( 39-45م) أثناء سير المعارك الحربية وما نتج عنها من فضاعات وانتهاك لكل القيم الإنسانية وبدأت بإصدار إعلانات وتصريحات من قبل الدول التي احتلتها ألمانيا تؤكد على التمسك بضرورة وحتمية تقديم المسؤولين عن ارتكاب تلك الفضاعات أمام عدالة منظمة من ذلك تصريح سان جيمس بالاس في 12 يناير 1942 ثم تصريح موسكو في 30 أكتوبر 1943 والذي قرر الحلفاء من خلاله أنهم سيقدمون زعماء النازية للمحاكمة عن الجرائم التي ارتكبوها(1)، ثم مؤتمر بوتسدام في أغسطس 1945 والذي أكد على حتمية تطبيق عدالة سريعة وحقيقية على المتهمين بارتكاب أي من الجرائم الدولية من الألمان.
ورغم تباين وجهات النظر حول من هي الفئات التي ستحاكم وكيف ستتم المحاكمة؟ وما هي العدالة الحقيقية تلك؟ فإن فكرة المحكمة القضائية كانت هي الفكرة الأقرب إلى المشروعية والمنطق وحظيت بالتأييد الذي جاء بصفة رسمية عند انعقاد مؤتمر يالطا سنة 1945 لتنسيق خطط الدول الحليفة وحل مشاكل ما بعد الحرب.(2)
وعند انتهاء المعارك وإعلان هزيمة ألمانيا بالتوقيع على وثيقة التسليم في 8 مايو 1945 تدارس الحلفاء في عدة جلسات جملة تقارير عن وجوب محاكمة مجرمي الحرب من الألمان وخلصوا في النهاية إلى تبني التقرير الأمريكي الذي تقدم به القاضي( روبرت جاكسون) وذلك ضمن نصوص اتفاقية لندن التي تم التوقيع عليها في 8 أغسطس 1945 . (1)
لقد استبعد (جاكسون) في تقريره النظر في جرائم الخونة والأشخاص الذين كانوا منفذين لخطة إجرامية واسعة النطاق وضعها رؤساؤهم، وكذا الأشخاص الألمانيين الذين قتلوا الطيارين الذين هبطوا بمظلاتهم إلى الأرض، وجرائم القتل الجماعي التي ارتكبت في حق المدنيين في الأقاليم المحتلة.. مقرراً أن هؤلاء سوف يحاكمون أمام محاكم عسكرية عادية طبقا لقوانين البلاد المحررة التي ارتكبت فيها.
وعليه فقد تم حصر اختصاص المحكمة في محاكمة مجرمي الحرب الكبار الذين ليس لجرائمهم مكان جغرافي معين، زيادة على إضفاء الصفة الإجرامية على عدد من المنظمات النازية التي شجعت على مثل تلك الجرائم.
ومن هنا فعند التوقيع على اتفاقية لندن في 8 أغسطس 1945 المتعلقة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية تضمنت المادة الأولى التأكيد على هذه المسألة عندما نصت على " تنشأ محكمة عسكرية دولية.. لمحاكمة مجرمي الحرب الذين ليس لجرائمهم تحديد جغرافي معين، سواء كانوا متهمين بصفة شخصية أو بصفتهم أعضاء في منظمات أو هيئات أو بكلتي الصفتين".
ثانيا: تشكيل المحكمة (1)
أشارت المادة الثانية من اتفاقية لندن إلى أن تشكيل المحكمة العسكرية الدولية واختصاصاتها وسلطتها تنص عليها اللائحة الملحقة بالاتفاقية والتي تعتبر جزءا لا يتجزأ منها...
وبالفعل فهذه اللائحة الملحقة والتي تضمنت ثلاثين مادة كانت أول ما عنيت به هي مسألة تشكيل المحكمة والتي جاءت على الشكل التالي:

1- هيئة القضاة :
نصت المادة الثانية على أن تشكل المحكمة من أربعة قضاة أصليين وأربعة قضاة احتياطيين، بمعنى أن تقوم المحكمة على قاعدة التساوي في تمثيل الحلفاء، على غرار معاهدة فرساي لعضو أصلي ونائب يحل محله في حالة تعذر حضوره لأي سبب، ولا يعتبر حكم المحكمة صحيحا إلا بحضور أربعة أعضاء سواء الأعضاء الأصليين أو نوابهم.
أما رئيس المحكمة فيتم انتخابه من قبل جميع القضاة ويمكن استبداله بغيره بموافقة ثلاثة من القضاة.
ولم تمانع اللائحة من إمكانية إنشاء محاكم أخرى لنفس الغرض محكومة بنفس نصوص اللائحة أما المقر الدائم للمحكمة فقد كان مدينة " برلين" على أن تتم المحاكمة الأولى في "نورمبرج"
2- لجنة الإدعاء :
نصت المادة 14 من اللائحة على وجوب إنشاء هذه اللجنة والتي تتكون من ممثل لكل من الدول الأربع يعاونهم عدد من المختصين، ويقومون جميعاً بمباشرة دور الإدعاء أمام المحكمة، ويقوم كل مدع منهم بمفرده بالحصول على فحص جميع الأدلة واستجواب الشهود ثم إعداد تقرير الاتهام والقيام بدور النيابة العامة، وتقدم مختلف التقارير إلى لجنة الإدعاء مجتمعة لإقرارها ورسم خطة العمل ثم تحديد مجرمي الحرب على نحو نهائي تمهيدا لمحاكمتهم بعد التصديق على وثيقة الاتهام المقدمة من كل مدع حتى يتم إحالة أوراق الدعوى إلى المحكمة.

ثالثا: طبيعة المحكمة المنشأة
اتفق الحلفاء على أن تكون المحكمة المنشأة ذات طبيعة عسكرية، وذلك ضماناً لسرعة الفصل في القضايا التي ستعرض عليها، وتفادياً للاعتراضات الفنية والقانونية التي يمكن أن تواجهها هذا من ناحية، ومن ناحية فالمحكمة العسكرية يقوم اختصاصها أصلاً على ما يوضع لها من نظام وهو نظام عادةً ما يتسع إلى ما لا يتسع له النظام القضائي المألوف.
كما أن اختصاص المحكمة العسكرية لا يتقيد بالإقليم الذي وقعت فيه الجريمة بالإستناد إلى قوانين الحرب التي تسمح للقائد المحارب أن يعاقب بواسطة محكمة عسكرية كل من يثبت ارتكابه لعمل عدائي مخالف لقوانين الحرب وعاداتها أينما كان ارتكاب هذا العمل.
كل هذه الاعتبارات وغيرها جعلت الحلفاء يفضلون هذه الطبيعة العسكرية التي من شأنها تجاوز الإجراءات الطويلة التي عادة ما يتطلبها اللجوء إلى القضاء العادي وهو ما تحقق واقعياً عندما بدأت المحكمة تمارس اختصاصاتها في 20 نوفمبر 1945 وانتهت من عرض القضايا في 31 أغسطس 1946 وأصدرت أحكامها في أول أكتوبر 1946 (1) .
رابعا: اختصاص المحكمة :
أشارت اللائحة في مادتها السادسة إلى مسألة الاختصاص، مؤكدة أن المحكمة تختص بمحاكمة وعقاب كل الأشخاص الذين ارتكبوا بصفتهم الشخصية أو بوصفهم أعضاء في منظمة تعمل لحساب دول المحور إحدى الجرائم الدولية، وهي الجرائم التي أشرنا إليها في نقطة سابقة وتنحصر في الجرائم ضد الإنسانية، والجرائم ضد السلام، وجرائم الحرب.
وبالنسبة لتحديد شخص المجرم، فاللائحة لم تقتصر على الفاعلين الأصليين لتلك الجرائم، بل أنزلت منزلتهم كل من أدار أو أسهم أو حرض أو اشتراك سواء في تجهيز أو تنفيذ إحدى الجرائم، أكان رئيساً أو قائداً عسكرياً أو مرؤوساً أو جندياً.