منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - كتاب عن قبائل حميان
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-04-06, 00:12   رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
Md Lahmyani
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

يشير صاحب الوثيقة في فاتحة عمله إلى نوع من التنقل البعيد للماشية (la transhumance). كان يقوم احميان حسب ما ورد في مقاله بالتنقل إلى رارة (منطقة توات) شمال ادرار وإلى نواحي تلمسان. الأمر لا يتعلق بكل تأكيد بالترحال في إطار الرعي أو تربية المواشي المعهودة لأن المنطقة المشار إليها (شمال ادرار) توجد على مسافة حوالي 500 كم ( حسب خط مستقيم) من المشرية ولا يمكن لهذا السبب للماشية أن تقطع مثل هذه المسافة. كذلك، هذه الجهة القاحلة من الوطن بكل ما تحتويه كلمة القحولة من معنى، لا تتوفر (وما توفرت) على الظروف المناخية ولا البيئية التي تسمح بظهور غطاء نباتي لاستعماله كمرعى في تربية المواشي. الأمر غير ذلك ويتعلق بكل تأكيد بالسفر السنوي الذي كان يقوم به كل دوار (مجموعة من الخيام، من نفس الأسرة على الأرجح) في إطار التموين بالمواد الغذائية الضرورية لمعيشة العنصر البشري.

لقد كان في أواخر شهر جويلية من كل سنة وتزامنا مع انتهاء حملة الحصاد، يهيئ كل دوار قافلة من الإبل ويسافر نحو التل طبعا لشراء الكميات المطلوبة للمعيشة من القمح والشعير ونقلها من شمال الوطن إلى منطقة إقامته (للإشارة، فإن حمولة البعير هي قنطاران على الأقل). تتجه هذه القافلة من الإبل صوب تلمسان أو سيدي بلعباس لشراء الحبوب المطلوبة. بعد العودة تخزّن كل أسرة كمية كبيرة من هذه الحبوب في المطمورة الخاصة بها في مكان سري لتأمينها من السرقة ولا يحتفظ بداخل الخيمة إلا بالقليل تسهيلا لعمليات التنقل التي يفرضها هذا النوع من النظام الاجتماعي، أي البداوة. عكس المزارع الذي يطمئن بما تحت أرضه (من بذور)، فإن مربي الماشية لا يؤامن شر الجوع إلا إذا كانت بالمطمورة مؤونة، كما يقولون؛ وكلما قرب مخزون الخيمة من النفاذ يتوجه البدوي إلى مطمورته للتزود بالمؤونة إلى أن يحين الصيف المقبل وهكذا.

كمية أخرى من هذه الحبوب التي اشتريت من شمال الوطن وبعض منتوجات البدو، منها على الأخص الكليلة[1] واللحم المجفف (القدّيد) والشحم اليابس(الخليع) وغيرها تسوق في فصل الخريف إلى منطقة قرارة شمال ادرار، مصادفة بذلك موسم جني التمور حيث تتم مقايضتها بنوع من التمر المحلي يسمى "الحميرة". َإنه تمر أهبر وجاف وهو بذلك قابل للاحتفاظ لمدة طويلة حيث يكوّن مع الحبوب العنصر الأساسي للطعام البسيط للبدو. إلا أنه ورغم بساطته، فإن هذا الطعام أكثر غنى وتوازن لأنه متكون من أغذية كاملة كالخبز والحليب والتمر وكذا مشتقات الحليب من لبن وجبن ولبإ وكليلة وزبدة وسمن إضافة إلى مختلف المنتجات الطبيعية مما تنبت الأرض من كمإ (الترفاس) وفطريات ونبتات برية استهلاكية.
أما تقرير الجنرال شانزي الذي عين على رأس القيادة لمقاطعة تلمسان (مجمع المشرية كان تابعا إقليميا لها) في سنة 1870 ثم حاكما للجزائر سنة 1873 فقد أعطى وصفا مختصرا عن الفرد الحمياني وهو الرجل الذي ينتمي إلى قبيلة احميان التي كانت تقيم وحدها في هذا الفضاء السهبي آنذاك والذي ننقله كما جاء، على ذمة الإفادة.

" الرجل الحمياني هو النموذج الصحراوي: فارس ممتاز، لا يعرف العياء، مغامر، غازي، ذو دين (الإسلام) بسيط لا يعدو أن يصل إلى الغلو أو التصلب في المذهب، قابل للأوامر بسهولة، إلا أنه لا يتحمل إلا بصعوبة السلطة الأجنبية ولا يقبل كزعماء إلا رجال قومه الذين كانوا قد اشتهروا بالشجاعة أو الجرأة إلى حد المخاطرة، وهم وحدهم الذين ينالون ثقته لأنهم عند الشدة كما في الرخاء يتقاسمون فعلا حياته ومغامراته وأخطاره "[2].

قبل أن نتطرق لهذا الجزء المتعلق بنمط تربية المواشي أثناء فترة الاستعمار وما قبلها، ارتأينا أنه ذا أهمية بالغة أن نتعرف على قبيلة احميان هذه من جميع الجوانب، سواء كانت هذه الجوانب داخلية أم محيطية. المقصود من الجوانب الداخلية وصف ذاتي للقبيلة من النواحي الدينية والمعيشية والاجتماعية وشيمة الكرم والترحال... الجانب المحيطي يتعلق خصوصا بعلاقات القبيلة مع القبائل الأخرى المجاورة لها.

1-2-1 السكان
على الصعيد الاجتماعي أو الاجتماعي- الإداري، السكان الذين كانوا يقطنون البلديات الستة المذكورة سابقا (المشرية ومكمن بن عمار والقصدير والبيوض وعين بن خليل والنعامة) واللواتي كانت تكوّن "مجمع المشرية"، ينتمون تقريبا كلهم إلى قبيلة احميان المنحدرة بدورها من قبائل بني هلال بن عامر العربية الأصل حسب معظم المؤرخين، خصوصا ابن خلدون[3]. في كتابه: الجزائر الرعوية، فإن"جون ساني (Jean SAGNE) يؤكد كذلك أن احميان عرب ينحدرون من قبائل بني هلال.[4]

يقول كذالك ابن خلدون في كتابه: " تاريخ البرابرة والسلالات الحاكمة المسلمة في إفريقيا الشمالية (ترجمه إلي الفرنسية ويليام ماك قوكين؛ الناشر: بارتي): احميان هم عرب من بنيعقبة بني يزيد بني عبس بني زغبة بني هلال بن عامر.[5]
أسباب مجيء قبائل بني هلال التي انحدر منها احميان وقبائل عربية أخرى مثل بني سليم وغيرهم إلى شمال إفريقيا ثابتة تاريخيا.
لما وقع الخلاف بين الفاطميين الذين كانت عاصمتهم القاهرة بمصر والقرامطة، استنجد الفاطميون بقبائل بني هلال و بني سليم فهزموا خصومهم. مكافأة لهم إذن ومن أجل حماية الدولة الفاطمية وتحصينها دعا الفاطميون هذه القبائل إلي القدوم والإقامة بأراضي مصر ومنح كل أحد من رجالها سدادة (fourrure)وقطعة ذهبمكافأة لهم.
. لكن ثقافة بني هلال وبني سليم ونمط عيشهم البدوي ونشاطهم الرعوي لم يتلاءم مع النمط الحضري المتميز بالنشاط الزراعي للمصريين، فوقع الاصطدام بين المجتمعين مما أوقع الفاطميين في مأزق محرج. لتفادي تفاقم الأمور وأمام استحالة تعايش الفريقين أخذ الخليفة الفاطمي آنذاك بنصيحة وزيره اليازوري فوجه القبيئل العربية إلي شمال إفريقيا مانحهم الموطن ما دام هو من عين بني زيري على إمارته. لقد اتخذ الخليفة المستنصر هذا القرار لسببين في آن واحد: أولهما التخلص مما أوقعوه فيه من متاعب مع المصريين وثانيهما الانتقام من المعز بن باديس الزيري الذي كان قد تمرد عليه. فحاربوه وانتصروا عليه واحتلوا المنطقة بعد معركة حيدران سنة 1052. انتشروا بعد ذالك عبر كامل الشمال الإفريقي فاستقرت قبائل بني هلال في الغرب وقبائل بني سليم في الشرق لشمال افريقيا.
ـ بصفة مختصرة، كانت قبائل بني هلال تقيم في غزوان (جبل قرب الطائف) وقبائل بني سليم تقيم في ضواحي المدينة المنورة، بالحجاز[6]. أما الفاطميون الذين هم شيعة على الطريقة الإسماعيلية فقد ينتسبون حسب بعض الروايات إلى علي بن ابي طالب وفاطمة بنت محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم). كانوا قد أقاموا دولتهم على أنقاذ دولة الأغالبة سنة 909 في القيروان فالمهدية بتونس ثم نزحوا إلى مصر وبنوا القاهرة سنة 969 واتخذوها عاصمة جديدة لدولتهم. كان "زيري بن مناد" (وهو أمزيغي صنهاجي) من كبار رجالات الفاطميين (التحق بهم سنة 935) فقام بإنقاذ عاصمة الخلافة الفاطمية (المهدية) بعد أن حاصرها الخوارج. ولاه الفاطميون سنة 971 إمارة في الجزائر، فكان ذلك أول عهد لبني زيري بالحكم. بعد رحيل المعز لدين الله (الخليفة الفاطمي الرابع) إلى القاهرة عين بلكين بن زيري أميرا على إفريقية (حوالي 973 م). لكن بعد فترة من الوقت تمرد الأمير الرابع لدولة بني زيري المعز بن باديس سنة 1045م على الفاطميين فقام بالدعوة للخليفة العباسي في بغداد. كرد فعل، قام الفاطميون بتشجيع قبائل بني هلال العربية على غزو إفريقية
ـ تم اجتياز نهر النيل للقبيلتين أثناء سنتي 1049 و 1050، وبعد معركة حيدران واستتباب الأمور، أقام بنوا سليم في الجهة الشرقية من إفريقيا وبنوا هلال في الجهة الغربية منها.[7]
أما فيما يتعلق بالوقت الحالي، فقد قدمت بعض العائلات إلى منطقة المشرية منها على العموم مغاربة من "فڨيڨ" وزواوة من منطقة تيزي وزو شرق الجزائر العاصمة وسماغنة وشلاليل (أمازيغيون من منطقة البيّض المجاورة شرقا). التحقت هذه الأسر بأربابها الذين قدموا إلى المنطقة في وقت سابق للقيام بنشاط شبه تجاري.
قبل وضع أول حجرة لبناء مركز عسكري للمراقبة[8] من طرف المحتل الفرنسي، حيث تطور هذا المركز إلى تجمع سكني ثم إلى قرية حتى أصبح مدينة المشرية الحالية، ما كانت تقيم على هذه المنطقة الشاسعة المترامية الأطراف إلا قبيلة احميان مع مواشيها وإبلها وخيلها متعاطية نشاط الرعي بكل مواصفاته البدائية.

في مطلع القرن الماضي (1900) إذن، نزحت العائلات السالف ذكرها والتي كان أربابها من قبل باعة للتوابل متنقلين على الحمير والبغال إلى البدو الرحل، حيث أقاموا وكوّنوا مع بعض المستعمرين أول نواة للتجارة في المنطقة لأن احميان لم تكن لهم أية تقاليد في ميدان التجارة التي كانت مخصصة آنذاك لليهود والقبائل (بربر منطقة تيزي وزو)[9]. حسب المثل المحلي الشهير: « إذا اغتنيت استأجر راعيا وإذا افتقرت فارع غنم غيرك »، لم يكن قبل ميلاد مدينة المشرية في هذه الأرض الممتدة مدى البصر إلا نشاط واحد ومهنة واحدة وحرفة واحدة، إنها تربية الغنم في موطن الغنم. كان احميان آنذاك بدو رحل يمارسون تربية المواشي بكل ما يتطلبه النشاط من دواب أخرى كالجمال والخيل والحمير والمعز....
من الجانب الإداري، إن صح التعبير، فإن القبيلة تتكون من اثني عشر (12) عرشا، انضم إليهم عرش الرزاينة آتيا من منطقة سعيدة في مطلع القرن الماضي (1903 ؟). كما تنقسم القبيلة إلى كتلتين، واحدة من خمسة عروش وتسمى "شافع" والأخرى من سبعة عروش وتسمى "الجنبة":
ـ أما عروش شافع فهي:عرش أولاد منصورة وعرش أولاد خليف وعرش البكاكرة وعرش بني مطرف وعرش عكّرمة.
ـ وأما عروش الجنبة فهي: عرش أولاد سرور وعرش المغاولية وعرش السندان وعرش لمـان وعرش أولاد مبارك وعرش بني عقبة وعرش الغياثرة.
حسب بحث قام به الأستاذ عبد المالك إبراهيمي وهو البحث الذي يظهر منسجما وأقرب للواقع من غيره، فإن تسمية "شافع" أطلقهاأحد ملوك الزيانيين على هذه الكتلة من عروش احميان بسبب حمايتها لمملكتهم من جهتها الجنوبية وتموينهم بما تنتج الغنم من لحمها وسمنها وصوفها، خلافا لكتلة "الجنبة" بسبببعدها عن نفوذ مملكتهم. وكلمة شافع في اللغة العربية تطلق على النعجة التي يتبعها خروفها وهي في نفس الوقت حامل لخروف آخر في رحمها. للتذكير وتدعيما لهذا الطرح، فإن اتفاقية لالة مغنية، المبرمة بين مملكة فرنسا والمملكة المغربية في 18 مارس 1845 كانت قد اعتبرت في بندها الرابع أن احميان "الجنبة" واعمور الصحراء وأولاد سيدي الشيخ الغرابة قبائل عربية مغربية. أما تواجد "الجنبة" شرق "شافع"، حيث يفترض أن يتواجدوا غربا بالقرب من وطنهم وحكامهم، فسبب ذالك راجع إلى تهربهم من الأعوان المغاربة المكلفين بجمع الضرائب الكبيرة التي كانت تفرضها المملكة على رعاياها.

[1] الكليلة : الحليب يروب فيخض لاستخراج الزبد. الباقي وهو اللبن يخثر ويسخن ويعصر ويجفف فيصبح كليلة يابسة قابلة للادخار لمدة طويلة في ظروف طبيعية.

المجلة الفصلية / شركة الجغرافيا والآثار ـ وهران / الفصل الرابع لسنة 1915 / ص 280.[2]

[3] المجلة الفصلية / شركة الجغرافيا والآثار ـ وهران / الفصل الثالث لسنة 1915 / ص 138 و 142.

[4] جون ساني (Jean SAGNE) / الجزائر الرعوية / 1950 / ص. 99.

[5] ابن خلدون ـ تاريخ البرابرة والسلالات الحاكمة المسلمة في إفريقيا الشمالية / ص. 66.

[6] ابن خلدون ـ تاريخ البرابرة والسلالات الحاكمة المسلمة في إفريقيا الشمالية / ص. 21.

[7] ابن خلدون ـ تاريخ البرابرة والسلالات الحاكمة المسلمة في إفريقيا الشمالية / ص. 24 و 25.

[8] المجلة الفصلية / شركة الجغرافيا والآثار ـ وهران / الفصل الأول لسنة 1916 / ص 26.

[9] المجلة الفصلية / شركة الجغرافيا والآثار ـ وهران / الفصل الثالث لسنة 1915 / ص 152.









رد مع اقتباس