منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - حق الزوجة في النفقة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-21, 11:46   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الثاني

الفصل الثاني: أحكام النفقة الزوجية
إذا كنا قد تناولنا في الفصل الأول ماهية النفقة الزوجية و حكمها فإننا سنتناول في هذا الفصل من خلال ثلاث نقاط أساسية ابتداء من شروط الوجوب و ما يترتب عن عدم توفرها في مبحث أول و تقدير النفقة الزوجية و تاريخ استحقاقها في مبحث ثان و أخيرا دين النفقة أي بمعنى متى تعتبر النفقة دين في ذمة الزوج.

المبحث الأول: شروط وجوب النفقة الزوجية و ما يترتب على عدم توفرها
إن الزوجة محبوسة لحق الزوج و مفرغة نفسها له فستوجب الكفاية عليه في ماله كالعامل على الصدقات لما فرغ نفسه لعمله استوجب كفاية في مالهم و الشيء نفسه يقال بالنسبة للقاضي( ) إذن يفهم من هذا أن النفقة ليست تكرما و تبرعا من الزوج لزوجته و إلا لما وجبت للزوجة الغنية على زوجها الفقير بل هي واجب على الزوج في مقابل حق الاحتباس الثابت له شرعا و لهذا تجب من حيث العقد لأنه من هذا الحين تثبت له عليها حقوق فيجب أن تثبت لها عليه حقوق أيضا و منها النفقة, لكن في مقابل هذا أحاط الشارع الحكيم و حذى حذوه في ذلك المشرع الجزائري, ثبوت هذا الحق بعدة شروط يترتب على عدم توافرها سقوطه و عليه نتناول فيما يلي شروط الوجوب و ما يترتب على عدم توافرها.


المطلب الأول: شروط الوجوب
لقد أجمع أغلبية الفقهاء على شروط ثلاثة لوجوب النفقة الزوجية و هي تكاد تكون متعلقة أساسا بالزوجة خلافا للشرط الأول – العقد الصحيح- الذي يعتبر أساسا للرابطة الزوجية أصلا التي تعتبر النفقة أثرا شرعيا لها, و هو الشيء نفسه الذي سار عليه المشرع الجزائري إذ اعتبر النفقة الزوجية واجبة على الزوج لزوجته متى توافرت الشروط المدلول عليها في المادة 74 من قانون الأسرة التي تنص على
" أن النفقة تجب للزوجة على زوجها بالدخول بها أو دعوتها إليه بناء على بينة مع مراعاة أحكام المواد 78, 79, 80 من هذا القانون" و عليه نستخلص الشروط التالية:
1- العقد الصحيح. 2- الدخول بالزوجة. 3- صلاحية المرأة للمتعة (حسب الفقهاء).
الفرع الأول: العقد الصحيح
العقد الصحيح هو أحد الأسباب التي توجب نفقة الزوج على زوجته, و هذا لا ينطبق على العقد الفاسد أو الباطل, فالعقد الباطل هو عقد معدوم في نظر القانون و يترتب عليه آثار بوصفه واقعة مادية حصلت لا بد من تنظيم( ) ذلك القول بالدخول و الاحتباس و الاستعداد له, و هذا لا يعني في أي حال من الأحوال إغفال شرط حلية هذا الدخول أو الاحتباس و هو العقد الصحيح.
فالأصل بين المرأة و الرجل هو حرمة اللقاء الجنسي و الاستثناء هو حلية هذا اللقاء بوجود هذا الشرط و هو العقد الصحيح. إذن فإن لم يستوف العقد أركانه وفقا للمادة 09 من قانون الأسرة( ) كان العقد فاسدا أو باطلا بحسب المادة 32 من قانون الأسرة, و بالتالي لا معنى و لا حلية لدخول أو حبس المراة أو استعدادها لذلك.
إذن يجب أن تكون المحبوسة أو المدخول بها معقودا عليها بعقد صحيح أي يكون زواجا صحيحا شرعا, فالزوجة بعقد فاسد لا نفقة لها لأن النفقة لقاء الاحتباس و لا احتباس للزوج على زوجته في العقد الفاسد, و هذا ما أقرته أحكام القضاء( ).
الفرع الثاني: الدخول بالزوجة
الدخول الذي يترتب عليه حق الزوجة على زوجها في النفقة هو الخلوة الصحيحة سواء باشرها أم لا, متى كان العجز على المباشرة يعود لضعف في الزوج, ذلك أن عدم حصول المخالطة الجنسية برفض الزوجة للزوج و مقاومتها له يعتبر نشوزا منها و بالتالي يسقط حقها في النفقة وهو ما نص عليه المشرع في المادة 37 من قانون الأسرة.
غير أن الدخول بها يرتب نفس الأثر الذي ترتبه الدعوة الموجهة من الزوج لزوجته متى كانت مستعدة لتسليم نفسها له.
فاستعداد الزوجة للدخول يكون بمثابة الواقع الفعلي و بالتالي فهو موجب للنفقة و نفس الحكم إذا كان الامتناع بسبب الزوج أو امتناعها لسبب شرعي كعدم تسلمها معجل المهر و ما عبر عنه المشرع في المادة 74 م قانون الأسرة " دعوتاه إليه ببينه".
إذن المقصود بالدخول هنا هو المعنى الذي يتحقق به الاحتباس لأن الاحتباس هو سبب وجوب النفقة أو الاستعداد له و هو ما عبر عنه البعض بتسليم الزوجة نفسها. و يفصد منه أن تخلي بينها و بين نفسها برفع المانع من وطئها و الاستمتاع بها( )
الفرع الثالث: صلاحية المرأة للمتعة بها
و المقصود هو أن يكون احتباس الزوج لزوجته موصلا للغرض الأول المقصود من الزواج هو المتعة بالمباشرة الجنسية و دواعيها بحيث لا يفوت على الزوج حقه من هذا الاحتباس بسبب ليس من قبله فإن كانت الزوجة لا تشتهي المباشرة و لا لدعواتها في احتباسها كعدمه, و على هذا فقد وردت آراء فقهية في هذه المسألة.
إذ أنه طبقا للمذهب الحنفي لا تجب نفقة الصغيرة لأن الاحتباس الذي تستوفي به أحكام النكاح غير موجود فيها و لما كان هو سبب وجود النفقة فإن عدمه يترتب عليه عدم المسبب و هو النفقة.
و إن كانت تصلح للخدمة أو للاستئناس فعند أبي حنيفة و محمد لا تجب لها النفقة لأن الاحتباس لا يؤدي المقصود.
أما أبو يوسف فقد ذهب إلى القول أن النفقة تجب لها إن أمسكها في بيته( ) إن لم يفعل فلا نفقة لها فهو مخير في ذلك, هذا إذا كانت غير مشتهاة, أما إذا كانت مشتهاة و هي التي يمكن الدخول بها فإن النفقة تجب لها على زوجها لأن الاحتباس هنا يؤدي إلى المقصود من الزواج فحكمها حكم وجود النفقة و هو حكم الكبيرة( ).
غير أن الصغيرة لا تثير إشكالا في القانون الجزائري لأنه منع تزويج الصغيرة و هذا في معظم القوانين, حيث حدد المشرع سن التزويج بالنسبة للمرأة 18 سنة و 21 سنة بالنسبة للرجل بهذا يكون المشرع قد حل الإشكال من أساسه حيث في سن 18 سنة تتأهل المرأة جسما و علما للحد الذي يسمح بوضوح رؤيتها لأن تكون زوجة و يبعد جميع الشبهات, و عليه يصدق القول حين رأى الدكتور بدران أبو العنين أن النفقة تجب للزوجة بناء على العقد الصحيح, و متى توافر هذا الشرط (العقد الصحيح) فهو كافي لأن تجب النفقة, و هذا يبقى مجرد رأي لكنه جدير بالذكر.
أما بالنسبة للزوجة المريضة يحول دون الاتصال الجنسي فهل تستحق النفقة؟ إذ لو مرضت الزوجة قبل أن تزف إلى زوجها و لم يمكن بسبب المرض أن تنتقل إلى بيت الزوج فإنه لا نفقة لها لعدم وجود الاحتباس لا حقيقة و لا تقديرا, و إن لم يمنع المرض نقلها لبيت الزوجية و لم تمنع هي نفسها أو كان المرض بعد النقلة لمنزل الزوجية فإن النفقة واجبة لها و إن منع المرض من المباشرة الجنسية و ذلك لأن الاحتباس في هذه الأحوال متحقق, و كونه لا يؤدي إلى مقصود الزواج مؤقتا فليس بمانع لأنه عارض كالنفاس و الحيض. و هذا هو في الغالب ما ذهب إليه أبو حنيفة و محمد أما ابن يوسف يرى بأنه لا نفقة لها قبل أن تنتقل لمنزل زوجها, و إذا نقلت و هي مريضة فله أن يردها, و إن لم يفعل تجب عليه النفقة لرضائه بالاحتباس الناقص( )
أما الشافعي ذهب إلى القول أن النفقة تجب للزوجة على زوجها سواء كانت صغيرة أو مريضة ما لم تكن ناشزا و ذلك بمجرد العقد. إذن ما يمكن الوصول إليه هو أن النفقة تجب بمجرد العقد الصحيح و ليس الاستمتاع الزوجي هو ثمرة العقد و لأجله وجبت النفقة الزوجة حتى يجعل النفقة لقاء الاستمتاع فقط.
إنما النفقة لقاء الزواج الصحيح و الذي فيه تحبس الزوجة نفسها عن الزواج بالغير.
إذن إذا توافرت الشروط السابقة تجب النفقة للزوجة سواء كانت مسلمة أو كافرة, غنية أو فقيرة.

المطلب الثاني: ما يترتب على عدم توافر شروط الوجوب
النفقة حق للزوجة على زوجها متى توافرت الشروط السابقة من عقد صحيح و احتباس و صلاحية للمعاشرة هذا بلا خلاف بين الفقهاء غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما يترتب عن تخلف هذه الشروط؟ هناك شيئان اثنان:
1- سقوط النفقة أو بالأحرى نتناول حالات هذا السقوط.
2- الرد و بمعنى استرداد الزوج للنفقة.
الفرع الأول: حالات السقوط
إن مسألة حق النفقة لم يتعرض له قانون الأسرة الجزائري بشكل محدد و هذا ما يجب علينا إذا أردنا أن نتحدث عن حالات سقوط النفقة الزوجية المقررة شرعا و قانونا أن نبحث عنها في المفهوم المخالف لما ورد النص عليها في المواد 37, 74, 75 و ما بعدها ق أ.
و لما ورد في القواعد العامة للفقه الإسلامي و عليه يمكن حصر هذه الحالات في:
 الناشزة:
الناشزة هي التي لا تطيع زوجها بالأمور التي أوجبها الشارع عليها طاعته فيها كما لو امتنعت عن الانتقال إلى منزله بعد العقد الصحيح( ).
فالناشزة في مدة نشوزها لا تستحق النفقة إلا إذا رجعت إلى طاعة زوجها استحقت النفقة من حن عودتها.
و النشوز لا يثبت إلا بوجود مسكن شرعي و امتناع الزوجة عن الانتقال إليه دون مسوغ شرعي. و هذه هي الحالة الوحيدة التي ذكرها المشرع الجزائري لأنها الحالة التي تكثر في الحياة اليومية للناس, و تعتمد على درجة كبيرة من الأهمية على مستقبل الحياة الزوجية و تناولها المشرع في المادة 37 فقرة 01. فالمشرع اعتبر نشوز الزوجة مسقطا لحقها في النفقة متى ثبت ذلك. و عبر عنه بأنه العصيان بكل شكل من أشكاله سواء بالخروج من بيت الزوجية رغم معارضة الزوج أو عصيان والديه أو رفض تسليم نفسها له أو خدمة بيتها في حدود ما أوجب عليها عقد الزواج.
غير أنه ما يجب ذكره هو أن امتناع الزوجة التنقل إلى بيت الزوجية كان لمبرر, كعدم استيفاء حقها في المهر فهو لا يعتبر نشوزا منها و لا يسقط حقها في النفقة. و الشيء نفسه يقال إذا لم يعد لها مسكن و رفضت دخوله عليها في بيتها مع طلبها إياه نقلها إلى بيت آخر أما إذا قبل طلبها إلى تنقل البيت الآخر فهو يعتبر نشوزا منها و بالتالي يسقط حقها في النفقة من زوجها( ).
 المرتدة:
الردة هي شيئا في فسخ الزواج. و عليه فإن ردة الزوجة و خروجها عن الإسلام هو سبب كاف في فسخ الزواج و عليه تجبر الزوجة على الرجوع إلى الإسلام بالحبس إلى أن تسلم أو تموت محبوسة و عليه يسقط حقها في النفقة بلا خلاف. و هذا على خلاف الذمية إذا كانت زوجة لمسلم تجب عليها النفقة.
 المريضة:
المريضة و هي التي أصابها مرض عضال فأعجزها عن القيام بوظائفها المنزلية و صارت غير صالحة للزواج( ) و يأخذ صورتين: و هما إما أن يكون هذا المرض قبل الزفاف أو بعده.
أ‌- إذا مرضت الزوجة قبل أن تزف إلى زوجها و لم يمكن بسبب المرض أن تنتقل إلى بيت الزوجية فإنه لا نفقة لها لعدم وجود الاحتباس لا حقيقة و لا حكما.
أما إذا لم يكن هذا المرض مانعا لها من الانتقال إلى بيت الزوجية و كانت مستعدة له, فلها النفقة لأنها تكون مستعدة للاحتباس و تسليم نفسها لزوجها. و في هذا يقول أبو يوسف و هو رأي الأحناف أنها تأخذ حكم الصغيرة إن أمسكها في بيته , فلها النفقة الزوجية.
ب‌- أما الحالة الثانية و هي إذا مرضت بعد الزفاف فلها الحق في النفقة سواء كانت مريضة مع البقاء في بيت زوجها أو كانت مريضة و انتقلت إلى بيت أهلها أو إلى مستشفى وهذا هو المعمول به حاليا( ) التبرير في ذلك هو أن هذا النقص الحاصل في أداء الزوجة لوظيفتها الزوجية يعود أثره للقوة القاهرة لخلاف المرض الذي يصيبها قبل الزفاف ذلك لأنها لا تصلح أساسا للخدمة أو المتعة فيكون محل العقد فاسدا إذا ما يفهم عموما من خلال ما تقدم أنه يسقط حق النفقة على الزوجة المريضة قبل الزفاف و لم يدخل بها( ) .
 الصغيرة:
هي تلك التي يلجأ أهلها لتزويجها قبل سن الزواج و قبل السن التي تجعلها صالحة للمتعة و الخدمة غير أن مسألة تزويج الصغيرة لا تثير أي إشكال في الجانب القانوني و ذلك لأن معظم التشريعات القانونية منعت تزويج الصغيرة و لاسيما المشرع الجزائري الذي حدد سن الزواج بالنسبة للمرأة بـ 18 سنة و للرجل 21 سنة( ).
كما أن عقد الزواج يجب شهره و بالتالي وجب التحق من هذا السن و إن لم تبلغ 18 سنة كاملة لا يمكن أن تتزوج إلا برخصة من القاضي الذي يقدر مدى ضرورة إصدار هذه الرخصة غير أن تأثير صغر السن في الزوجة على حقها ف النفق يكون عند الفقهاء فيقولون أن صغرها يؤثر على قدرتها في أداء واجباتها الزوجية و تحمل الوطء و لذلك لا نفقة لها.
لكن هناك من يفرق بين عدة حالات. فهناك الصغيرة غير مشتهاة و غير الصالحة للخدمة أو الاستئناس به فهي لا تجب النفقة لها طبقا للمذهب الحنفي لأن الاحتباس الذي يستوفي فيه أحكام النكاح غير موجود فيها و لما كان هو سبب وجوب النفقة فإن عدمه يترتب عليه عدم المسبب و هو النفقة( ) و قد تكون صالحة للخدمة أو الاستئناس و لكنها غير مشتهاة فعند أبي حنيفة و محمد لا تجب لها النفقة أيضا لأن الاحتباس لا يؤدي إلى المقصود من الزواج أما أبو يوسف فقد قال أن النفقة تجب لها إن أمسكها في بيته و إن لم يفعل فلا نفقة لها فهو مخير في ذلك.
أما إذا كانت الصغيرة مشتهاة و هي التي يمكن الدخول بها فإن النفقة تجب لها على زوجها لأن الاحتباس هنا يؤدي إلى مقصود الزواج فحكمها في وجوب النفقة هو حكم الكبيرة.
 الزوجة المحبوسة:
إذا كانت الزوجة بأحد الأفعال أو العمال المجرمة فسرقت أو قتلت و قد صدر حكم عليها بالحبس أو السجن لعدد من الشهور أو السنوات و دخلت السجن لقضا مدة العقوبة المحكوم بها عليها فإن حقها في النفقة من مال زوجها يسقط حتى و لو كان حبسها ظلما. ذلك أن المعتبر في سقوط النفقة الزوجية فوات لاحتباس و القيام بواجباتها الزوجية( ) غير أن الفقه الإسلامي و منه المذهب الحنفي يرى أنها لا تستحق النفقة مدة الحبس حتى و لو كان حبسها ظلما سواء كان قبل الدخول بها أو بعده. غير أنه إذا حبست في دين لا تستطيع أداءه و كان الزوج هو المسبب في حبسها بصفة الدائن فإن نفقتها لا تسقط لأنه رضى هو فوات حقه في الاحتباس بسبب من جهته. الذي يعتبر أساس أو سبب وجوب النفقة.
 الزوجة المغصوبة:
المغصوبة هي التي غصبها جل و حال بينها و بين زوجها و أخذها كرها عنها فإن نفقتها على زوجها تسقط لفوات الاحتباس بسبب ليس من الزوج هذا على العموم.
لكن يمكن أن يحصل الأمر رغما عليها و هنا تستحق النفقة لقوة قاهرة أما فقها فقد روي عن أبي يوسف أن للزوجة المغصوبة و ذهب بها كرها تجب لها النفقة لأن فوات الاحتباس لم يكن من قبلها باختيارها و يجب التقييد هنا بكون الغصب كرها لأنه لو ذهب بها برضاها فلا خلاف في هذه الحالة إذا لا شك في كونها ناشزا.
 الزوجة المسافرة:
و هي المرأة التي تغادر بيت زوجها سواء كان معها محرم من أهلها أم كانت وحدها و سواء كان سفرها قبل الزفاف أو بعده. لأن سفرها هذا بمثابة عصيان لزوجها و وسيلة لتفويت فرصة الاحتباس بإرادتها فلا نفقة عليها( ) هذا إذا سافرت وحدها أو مع غير زوجها.
غير أنه يبقى حقها في النفقة متى كان سفرها لأداء فريضة الحج و اشترطوا في هذا ما يلي:
1- أن يكون فرضا و ليس نافلة أي الحج لأول مرة.
2- أن يصاحبها ذو محرم من أهلها كالأب أو الأخ.
3- أن تسافر إلى أداء فريضتها بعد الانتقال إلى بيت الزوجية.
ذلك أن الحج فريضة و هو الركن الخامس من أركان الإسلام مصداقا لقوله – صلى الله عليه وسلم- :" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
غير أن هناك من فرق بين نفقة السفر و نفقة الإقامة فذهب رأي إلى القول أنه إذا سافرت الزوجة للحج لأداء الفريضة و كانت معه و هو الذي أخرجها فتلزمه نفقتها. على أنها نفقة سفر لا إقامة أما إذا خرج معها و لم يكن هو الذي أخرجها فتلزمه للحضر( ). و على ذلك لا تلزمه نفقة السفر و لا أجرة لأنه خرج لأجلها و إنما لزمته النفقة هنا لوجود الاحتباس أما إذا كان سفرها إلى الحج من غير مصاحبة و لكن مع ذي رحم محرم (الأخ) فلا نفقة لها لأن هذا السفر يفوت الاحتباس غير أن أبا يوسف يقول لو أنها سافرت لأداء فريضة الحج مع محرم لها فلها نفقة الإقامة لا نفقة السفر لأن السفر لأداء فريضة الحج عذرتها و كذلك لا عصيان في سفرها لكونها مع ذي محرم منها.
أما إذا كان سفرها من غير ذي محرم حتى و لو لأداء فريضة الحج فلا خلاف في أن هذا السفر مسقط لنفقتها. لأنه مفوت للاحتباس فضلا عن كون الزوجة عاصية لسفرها وحدها. ذلك أن الحج لا يكون مع عدم الاستطاعة و من أحوال عدم الاستطاعة عدم وجود زوج أو قريب محرم للزوجة بدون إذن زوجها معصية فلا تلزمه مصاريف سفرها هذا( ).
 الزوجة المحترفة:
و هي التي تباشر عملا خارج البيت و تستغرق مدة لن تقل عن أربع ساعات في اليوم مهما كانت وظيفتها أو عملها هذا الذي تباشره. و بالتالي فإن الزوج حق منهما من مباشرة هذه الوظيفة فإن لم تطعه في ذلك تكون في حكم الناشزة و بالتالي لا نفقة لها.
أما إذا قبل عملها هذا و لم يمنعها الزوج و قبل مباشرتها وظيفتها أو عملها فإن نفقتها عليه لا تسقط لرضائه بالاحتباس الناقص و لأنها لا تعتب ناشزا لأنها لم تخالف أمرا له.
هذا ما ذهب إليه المشرع الجزائري في مادته 337 ف1 و كذلك 53ف1 ذلك أنه يعتبر خروج الزوجة من غير إذن زوجها تكون ناشزا حتى و لو كان ذلك بغرض العمل. فحتى و لو كان يعاني نقص في النفقة لأن حقها يكفله لها القانون في المواد السابقة الذكر.
أما إذا كان عالما بعملها و اكن هذا شرطا موافقتها للعقد فهنا نجد حالتين: إذا كان بعد الزواج لم يطالبها بتوقف عن العمل فتجب لها النفقة لأنه قبل بالاحتباس الناقص أما إذا أمرها بالتوقف عن العمل و ف هذه الحالة وجب عليها أن تتوقف عن العمل طاعة لزوجها( ) فإن لم تفعل تعتبر ناشزا و صح طلاقها حسب المادة 55 ق أ ج و امتنع عن أداء النفقة لها وفقا للمادة 37ف1.
الفرع الثاني: الرد أو الاسترداد
من أهم الشروط التي تجب بها النفقة للزوجة هو أن يكون العقد عليها صحيحا شرعا. ذلك أن النفقة تجب لقاء الاحتباس و بالتالي لا احتباس لزوج على زوجته في العقد الفاسد. لكن يمكن أن يكون هناك احتباس لزوجة بناء على عقد فاسد. فما مصير النفقة التي دفعت للزوجة بناء على هذا العقد قبل اكتشاف فساده؟
إذا كان العقد باطلا أو فاسدا لكون العاقد عقد على أخته رضاعا مثلا و قد فرق القاضي بينهما. أما النفقة التي تكون قد تسلمتها منه بوصفها زوجة له تأخذ صورتين:
1- أن يقدم طواعية و هنا قيل أنه لا يسترد منها شيئا لأنها تعتبر تبرعا منه خصوصا مع وجود علاقة القرابة.
2- أن يكون قد دفعها بأمر من القاضي, فهنا له أن يستردها و ذلك بناء على دعوى استرداد. و لأن الاحتباس غير محقق فلا نفقة لها.
أما إذا كانت الزوجة لا علم فساد العقد فإنها تستحق النفقة بناء على العقد الفاسد.
كما يمكن أن يكون العقد فاسدا إذا أثبت الزوج بناء على بينة عادلة أنه طلق امرأته من سنة أو أقرب. و هي ثلاث حيضات في هذه السنة فلا نفقة لها على الزوج.
و إن كان قد دفع لها شيئا أخذه منها لظهور و ثبوت الفرقة منذ سنة و انقضاء العدة( ).
هذا إذا كان قد دف عما لها بناء على حكم قاضي و إن لم تكن كذلك تعتبر تبرعا منه و لا يمكنه استردادها.

المبحث الثاني: تقدر النفقة الزوجية و تاريخ استحقاقها
في هذا المبحث نتناول نقطتين:
1- تقدر النفقة الزوجية من خلال من يراعي حالة في تقدرها و مراجعتها.
2- تاريخ استحقاقها.

المطلب الأول: التقدير
بعدم تقرر شرعا أن النفقة الواجبة للزوجة هي نفقة الكفاية بلا إسراف و لا تقتير فيكون أداؤها بطريق التمكين أو التمليك فالتمكين يكون عن طريق توفير الطعام و ما يلزم من نفقة أم التمليك هو أن يعطيها المال الكافي لتصرف ة و تنفق منه على نفسها.
و يرى المذهب الحنفي أن طريق التمكين هو الأصل في الإنفاق أما إذا قصر ف يحقها منعا أو تقتيرا فإن لها أن تطلب من ذلك ما هو حق لها فإن تراضيا و اتفقا على شيء لزم الزوج أداءه و إلا كان لها أن ترفع أمرها إلى القاضي فإذا تم التقدير بواسطته وجب عليه أداء ما فرض عليه( ).
و وفقا لذلك فالقاضي في كيفية تقديره للنفقة يجب عليه أن يراعي أحوالا معينة أن يعتمد في ذلك على أساس معين حتى يتم التقدير السليم لقيمة النفقة, ولكن قد يتم تقديرها و يتغير الأساس الذي اعتمد عليه في تقديرها الأول, فيتم مراجعتها و عليه نتناول:
الفرع الأول: ما يجب مراعاته عند تقدير نفقة الزوجة
أ‌- تقدر بحال الزوجين فإن كانا موسرين تجب عليه نفقة الموسرات و إن كانا معسرين تجب نفقة المعسرات و إن كان احدهما موسرا و الآخر معسرا تجب عليه نفقة دون نفقة الموسرات و فوق نفقة المعسرات و دليل ذلك قوله -صلى الله عليه و سلم- لهند امرأة أبي سفيان:" خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك و ولدك بالمعروف" إذن فقد اعتبرا حالهما في هذا الحديث.
و قوله تعالى:" لينفق ذو سعة من سعته" يدل على اعتبار حال الزوج فوجب الجمع بينهما بان يكون حاله من جهة و حالها كذلك و هذا ما جاء في المذهب الحنفي و الشافعي هذا رأي أول.
هناك رأي آخر عمد على اعتبارها حال الزوج فقط يسارا و إعسارا و دليل قوله تعالى:" لينفق ذو سعة من سعته و من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله" فقد اعتبر حال الرجل في الحالتين (العسر و اليسر) و أمره بالإنفاق معسرة كانت الزوجة أو موسرة على قدر حاله و هذا رأي لشافعية و رأي للحنفية.
أما الرأي الثالث هو الرأي الذي ذهب على اعتبار حال الزوجة وحدها في يسرها و عسرها فلها نفقة اليسار إذا كانت موسرة و نفقة الإعسار إن كانت معسرة و نفقة الوسط إن كانت متوسطة سواء كان زوجها غنيا أو فقيرا. و دليله قوله – صلى الله عليه و سلم-:" خذي ما يكفيك و ولدك"( ) إذن من خلال الآراء الفقهية الثلاث السالفة الذكر ما يفهم فقها هو أنه على القاضي عندما يفرض للزوجة نفقتها أن يراعي الأمور التالية:
1- مراعاة ما هو الأيسر و السهل على الزوج في الدفع.
2- كفاية النفقة للزوجة مع مراعاة حال الزوج يسرا و عسرا و توسطا بينهما بغض النظر عن كون الزوجة موسرة أو غنية. فإذا كان معسرا فرض لزوجة نفقة الإعسار و لو كانت غنية و إذا كانت متوسطة الحال فرض لها نفقة الوسط بين الإعسار و اليسار. فلا ينظر عند تقدير النفقة الزوجية إلى حال الزوجة و لا إلى الزوجين و إنما تقدر بحال الزوج المالية فقط هذا هو ظاهر الرواية في المذهب الحنفي. كما هو مذهب الشافعية و قال المالكية و الحنابلة إذا اختلف الزوجان غنى أو فقرا أخذ بالحالة الوسطى بين الحالتين و هناك قولان آخران للحنفية أحدهما يعتبر حال الزوجية و ثانيهما يعتب حال الزوجة وحدها يسارا و إعسارا و هو قول ضعيف( ).
و أكثر فقهاء الإمامية قالوا بوجوبها على الزوج بقدر ما تحتاج إليه الزوجة و بعضهم اعتبر حال الزوج دون حال الزوجة. و لكن مهما يكن فلا بد أن يأخذ حال الزوج المادية بعين الاعتبار لقوله تعالى:" لينفق ذو سعة من سعته و من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله,....................................."( ).
فالزوجة بتزوجها بزوج معسر قد رضيت بالنفقة التي يقدر عليها و هي نفقة الإعسار و لو كانت موسرة.
3- حال الأسعار في السوق ارتفاعا و انخفاضا عند تقدير النفقة الزوجية رعاية لجانبي الزوج و الزوجة لأن النفقة لكفاية الزوجة المعيشية و أثمان السلع تختلف باختلاف الأسواق.
ب‌- أما المشرع الجزائري و سعيا له نحو الحل الوسط لإقامة التوازن فقد عمل بما ذهب إليه المالكية و الحنابلة و رأي للحنفية في نص المادة 79 ق أسرة "... يراعي القاضي عند تقدير النفقة حال الطرفين و ظروف المعاش و لا يراجع تقديره قبل مضي سنة من الحكم" و معنى هذا أنه له السلطة التقديرية في تقدير مبلغ النفقة على أن يراعي عنصرين هامين: العنصر الأول حال الطرفين و هما الطالب للنفقة و المطلوب بها و العنصر الثاني ظروف المعاش و غلاء الأسعار, فلو تقدمت صاحبة حق النفقة إلى المحكمة و طلبت منها الحكم لها بنفقة شهرية مبلغا معينا على زوجها الذي لا يتجاوز دخله الصافي مثلا هذا المبلغ أو يقل فإن القاضي لا يستطيع الحكم بما طلبت.
أما لو طلبت المستحق لنفقة الحكم لها بمبلغ معين من زوجها الذي يكون دخله عادة أكثر من ذلك المبلغ فلا يمكن للقاضي أن يبخسها حقها حتى ولو عارض الزوج ذلك( ) و مع ذلك فإنه يأخذ بحال الزوج المادية حسب نص المادة دائما( ).
الفرع الثاني: مراجعة النفقة الزوجية
بعد أن يقدر القاضي مبلغ النفقة لمستحقتها بموجب حكم فإنه منه أن يعدل فيها أو يراجعها إلا بعد مرور سنة كاملة من تاريخ تقديرها و الحكم بها حتى لو تغيرت المعايير التي على أساسها تم التقدير تبعا لارتفاع أو انخفاض الأسعار أو إيسار أو إعسار أحد الطرفين بعد الحكم مباشرة إلا بعد مضي سنة كاملة من تاريخ صدور الحكم.

المطلب الثاني: تاريخ استحقاق النفقة الزوجية
أ- بالنسبة للمشرع الجزائري فقد نصت المادة 80 من ق أ على :" أن تستحق النفقة من تاريخ رفع الدعوة للقاضي أن يحكم باستحقاقها بناء على بينة لمدة لا تتجاوز سنة قبل رقع الدعوى". يتبين من دراسة هذه المادة أن المشرع الجزائري وضع حدا ولو أنه غير حاسم لكل المشاكسات أو التعجيزات التي تتعلق بمسألة تاريخ استحقاق النفقة المطلوبة الحكم بها.
إذا الزوجة قد تغضب أحيانا بسبب شرعي أو غير شرعي في بيت أهلها و تنتظر هناك زوجها لمراضاتها و عندما يرفع الزوج دعوى يطالب فيها زوجته بالرجوع إلى محل الزوجية ترفع في وجهه الدعوى طالبة فيها النفقة عن المدة التي مكثتها في بيت أهلها التي قد تكون من شهور أو سنوات مما يؤدي إلى تضخم مقدار النفقة هادفة من وراء ذلك الإضرار بزوجها الذي يرى نفسه عاجزا عن دفع تلك المبالغ المرتفعة دفعة واحدة و أمام هذا العجز قد يكون متابعا بجريمة الامتناع عن دفع النفقة المقررة قضاء.
و يتمثل هذا الحد في أنه على القاضي كقاعدة عامة أن لا يحكم للزوجة بكل و لا ببعض ما تستحقه و تطلبه من نفقة متراكمة عن مدة سابقة بل يجب عليه أن يحكم بها بما تستحقه من يوم رفع الدعوى أي ابتداء من تاريخ تسجيلها لدى كتابة ضبط المحكمة إلى غاية صدور الحكم.
أما الاستثناء عن هذه القاعدة أنه يمكن للقاضي أن يحكم بالنفقة المتراكمة عن المدة السابقة لرفع الدعوى من طرف الزوجة المستحقة للنفقة شرعا بناء على بينة و ذلك ف حدود السنة فقط قبل رفع الدعوى المتعلقة بطلب النفقة و ليس من أجل سبب آخر.
أما لو حكم القاضي بالنفقة لمدة تفوق السنة اعتبر هذا الحكم مخالفا للقانون و يمكن الطعن فيه و القضاء بإلغائه غير أن الحد الذي وضعه المشرع يطرح سؤالا على القاضي هل المقصود بتاريخ رفع الدعوى هو تاريخ الدعوى المرفوعة من طرف الزوج لإرجاع زوجته و تقدم الزوجة بطلب النفقة بصفتها مدعى عليها أم أن المقصود هو تاريخ الدعوى المتعلقة بطلب النفقة التي تكون فيها الزوجة مدعية.
في هذا الإطار و أمام هذا الحد غير الحاسم لمسألة حساب تاريخ استحقاق النفقة من طرف المشرع يرى الأستاذ عبد العزيز سعد( ) أنه في غياب الاجتهادات القضائية من المجلس القضائي الأعلى نعتقد أن حساب تاريخ استحقاق النفقة يبتدئ من يوم رفع الدعوى أو من يوم بداية العام قبل رفعها عندما تكون الزوجة هي المدعية بقطع النظر عن كون سبب الدعوى هو النفقة وحدها أو معها سبب آخر أما إذا كان الزوج هو المدعي و أن الزوجة لم تطلب النفقة التي تزعم أنها تستحقها إلا بعد مرور شهر أو شهرين أو اكثر على سير هذه الدعوى و بطلب عارض أو مقابل فإننا نعتقد أنه لا يحكم بها إلا ابتداء من يوم طلبها رسميا بموجب عريضة أو مذكرة تبليغ إلى الخصم الآخر و يجيب عنها كتابيا أو شفاهيا.
أ- على مستوى الشريعة الإسلامية : يرى جمهور الفقهاء من المالكية و الشافعية و الحنابلة أن تاريخ استحقاق النفقة يكون من يوم الامتناع عن الإنفاق أما الحنفية فيرون بأنها تكون مستحقة من يوم المطالبة بها و ليس من يوم الامتناع و يتضح من ذلك أن المشرع الجزائري أخذ برأي الحنفية في أن تاريخ استحقاق النفقة الزوجية يكون من تاريخ المطالبة بها أي من تاريخ رفع الدعوى.
غير أن المشرع الجزائري كاستثناء قرر استحقاق النفقة على المادة السابقة لتاريخ رفع الدعوى في حدود سنة كاملة و لكن يقصد هو إقامة البينة من طرف الزوجة تطبيقا لقاعدة البينة على من ادعى.

المبحث الثالث: الدين في النفقة
من المتعارف عليه في ديار المسلمين قديما و حديثا, أن النفقة واجبة للزوجة على زوجها و هذا لا خلاف فيه عموما سواء في الشرع أو القانون و تكون هذه النفقة واجبة على زوجها متى تم العقد الصحيح لها و تم الاحتباس أو على الأقل الاستعداد له.
لكن السؤال الذي يتبادر هنا متى تعتبر النفقة دين في ذمة الزوج و ما هو حكم إسلاف الزوجة النفقة؟ و عليه نتناول:
1- متى تعتبر النفقة دين في ذمة الزوج و ما هو مسقطها.
2- النفقة المعجلة و المقاصة في دين النفقة.

المطلب الأول: متى تعتبر النفقة دين في ذمة الزوج و متى يسقط هذا الدين
الفرع الأول: متى تعتبر النفقة الزوجية دين في ذمة الزوج
الأصل هو أن النفقة الزوجية واجبة على الزوج لزوجته دون الأخذ بعين الاعتبار بحال الزوج فإن كان موسرا فعليه نفقة الإيسار و إن كان معسرا فعله نفقة الإعسار بمعنى أن أخذ بتقديرها بعين الاعتبار حال الزوج بعين الإعسار و الإيسار( ) غير أنه ما جرى به قانونا أنه إذا فرض القاضي للزوجة النفقة على زوجها و امتنع عن الدفع حتى و لو كان معسرا و لم يستطع الآداء تكون دينا في ذمته هذا بصفة عامة و متفق عليه.
فالزوجة تستطيع أن تستدين لتنفق على نفسها أو تطلب من القاضي أن يأذن لها بالاستدانة على ذمة الزوج. و هنا يكون الزوج هو المستدين حكما( ) كما أنه إذا لم يكن مع الزوجة ما تنفق به على نفسها أو تستدين منه تعين على من كانت تجب على الزوج لزوجته على وجه لا يصير دينا في ذمة الزوج إلا بقضاء القاضي أو بتراضي الزوجين هذا على المستوى القانوني أما بالنسبة إلى الفقه فإن الشيء يكاد يكون نفسه إذ أن الأحناف يرون أنه حتى و إن كان الزوج معسرا و طلبت الزوجة من القاضي فرض النفقة لها, فرضها عليه إن كان حاضرا أو غائبا فإن لم يستطع دفعها لها تستدين عليه فتنفق على نفسها لأن الإعسار لا يمنع وجوب النفقة التي تعتبر فرضا و عليه و حسب هذا الرأي (الأحناف) أن النفقة تصبح دينا في ذمة الزوج من تاريخ المطالبة بها. و ليس من وقت الامتناع بالتالي فهي لا تصح كذلك إلا بأمر من القاضي بالنفقة أو تراضي بين الزوجين على تقدرها.
أما جمهور الفقهاء: المالكية و الشافعية و الحنابلة يرون أن النفقة تصبح دينا في ذمة الزوج من وقت الامتناع عن الإنفاق.
أما بالنسبة للمشرع الجزائري فقد تناول هذه المسألة بقوله:" تستحق نفقة من تاريخ رفع الدعوى و للقاضي أن يحكم باستحقاقها بناء على بينة لمدة لا تتجاوز سنة قبل رفع الدعوى"( ) و عليه يفهم من نص هذه المادة أن المشرع الجزائري وقف موقفا وسطا بين رأي الجمهور و الحنفية لأنه قال بأن يحكم باستحقاقها بناء على بينة لمدة سنة قبل رفع الدعوى ذلك أنه أراد من وراء ذلك الوضع القانوني حماية كلا الطرفين. فالبنسبة للزوجة أعطاها حقها في متجمد نفقة السنة بناء على بينة. و في نفس الوقت حمى الزوج و ذلك على أن لا تستعمل الزوجة هذا الحق تعسفا فتثقل به كاهل زوجها, و منحها سنة فقط للمطالبة بها.
ما فات أو زاد عن ذلك فهو مسقط لهذا الحق عن المدة الزائدة عن سنة من يوم رفع الدعوى هذا و إن كنا نرى أن الحكم الشرعي هو وجوب النفقة من تاريخ الامتناع ما لم يكن سكوت الزوجة عليها دليلا على إسقاط حقها فيما يسمى عند العض بمتجمد النفقة( ).
الفرع الثاني: سقوط دين النفقة
إذا كنا قد ذكرنا آنفا أن الخلاف بين الفقهاء في أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها و أن الخلاف الحاصل بينهم هو في الوقت الذي تصير فيه النفقة الزوجية دينا في ذمة الزوج. فإن هذا يجرنا إلى الحديث عن الخلاف الحاصل أيضا على كيفية سقوط الدين. فالبنسبة للحنفية لا تكون النفقة دينا في ذمة الزوج إلا إذا تم التراضي عليها بين الزوجين. أو رضها القاضي و عليه فإنه خارج هذين الشرطين فإن مرور زمن أكثر من شهر دون مطالبة الزوجة بحقها في النفقة هذا يكون مسقطا لحقها فيما استدانت به على الإنفاق على نفسها و بالتالي لا يمكنها مطالبة زوجها بما أنفقت على نفسها دون الشهر. و السبب في ذلك انه لا بد من مضي مدة تتمكن فيها الزوجة من مقاضاة زوجها طالبة نفقتها أو بتراضي فيها معه على نفقتها.
أما إذا كانت الزوجة غير مأذون لها بالاستدانة( ) أو لم تستدن بالفعل فإن دين النفقة هذا يكون ضعيفا و يسقط بإحدى الحالات التالية:
1- الإبراء.
2- الأداء.
3- النشوز.
4- الطلاق.
5- موت أحد الزوجين.
غير أنه هناك من يقول داخل نفس المذهب أن الطلاق لا يعتبر مسقطا للنفقة و إلا لكان الطلاق ذريعة التمسك بها الأزواج للتخلص من متجمد أو دين النفقة غير أن الراجح أنه يكون مسقط إذا كان الطلاق بسبب الزوجة( ).
أما إذا كان مأذونا لها بالاستدانة فهو يعتبر دينا قويا كسائر الديون و لا يسقط إلا بالأداء, أو الإبراء كسائر الديون الأخرى.
أما بالنسبة للمذهب للأئمة الثلاث (مالك, الشافعي, أحمد) يرون أن دين نفقة الزوجة على زوجها كسائر الديون, و لا يسقط إلا عن طريق الأداء أو الإبراء.
أما بالنسبة للتشريع القانوني الوضعي و لا سيما المشرع الجزائري فإنه ما يفهم من تشريعه للمادة 79 ق أسرة أن دين النفقة الزوجية هو كسائر الديون الأخرى إلا أنه لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء.
و يكون هذا قد أخذ بالمذهب المالكي الذي يعتبر أن النفقة الزوجية دنا في ذمة الزوج من وقت الامتناع عن الإنفاق و يعتبر هذا الدين من الديون الثابتة و الممتازة و عليه فهو لا يسقط إلا بأحد الأمرين الأداء أو الإبراء( ).

المطلب الثاني: النفقة المعجلة و المقاصة في الدين
الفرع الأول: النفقة المعجلة
قد راعى المشرع الجزائري حال الزوجة و حاجتها للنفقة أثناء سر دعوى المطالبة بالنفقة فقد يطول الفصل في هذه الدعوى و الزوجة بحاجة إلى من ينفق عليها لهذا أجاز القانون للقاضي و لا سيما القاضي الاستعجالي أن يأمر الزوج بإعطاء الزوجة معجل للنفقة لا يزيد عن نفقة شهر و هو ما عبر عنه البعض بالإسلاف( ).
على أنه يمكن تجديد هذه النفقة مرة بعد مرة حتى انتهاء الدعوى, لكن الإشكال الذي يصادفنا هنا هو إذا تبين عدم أحقية الزوجة بهذه النفقة فما هو حكم استرداد ما عجل لها من نفقة من طرف الزوج؟ و هل هو نفس الشيء إذا توفي أحد الزوجين.
لقد اختلف الفقهاء في تكييف بحيث أنه يقال بأن النفقة الزوجية المعجلة لا ترد بموت أحد الزوجين, كأن يعجل الزوج لزوجته نفقة شهر بعد فرض القاضي أو تراضي ثم مات أحدهما, و يشتمل ذلك ما إذا كانت النفقة قائمة ا هالكة فإذا كانت هالكة فلا يسترد منها شيئا هذا اتفاقا أما الحكم عند أبي حنيفة فهو نفس الشيء (لا ترد) سواء كانت قائمة أو مستهلكة, أما أبي يوسف فإنه يقول النفقة صلة و قد اتصل بها القبض و لا رجوع في الصلات بعد الموت لأن حكمها هو حكم الهبة لا ترد.
- أما الشافعية فترى إذا دفع الزوج إلى زوجته نفقة يوم فبانت قبل انقضائه لم يرجع بما بقي لأنه دفع ما يستحق دفعه, و إن سلفها نفقة أيام فبانت قبل انقضائه فله أن يرجع في نفقة ما بعد اليوم الذي بانت فيه لأنه غير مستحق.
- أما المالكية فترى أنه إذا دفع الزوج إلى امرأته نفقة سنة ثم مات أحدهما بعد شهر أو شهرين فيرد بقية النفقة و استحسن ذلك في الكسوة. و لا ترد إذا مات أحدهما بعد أشهر هذا على الأرجح.
- أما بالنسبة لموقف المشرع الجزائري من هذه المسألة فإنه لم يتناولها عليه بالرجوع إلى المادة 222 قانون الأسرة التي تحيلنا إلى أحكام الشريعة الإسلامية و ما يفهم من هذه الأحكام و الآراء الفقهية سابقة الذكر أنه إذا تبين أن الزوجة لا تستحق النفقة بعد انتهاء الدعوى أو كان الزوج قد دفع لها و قد أنكرت ذلك, حينئذ يتبين أن ما دفعه لها على سبيل السلفة أو معجل النفقة, كان يعتبر حقا و للزوج أن يسترد ما أسلفه لزوجته.
أما إذا مات أحد الزوجين بعد اشهر من تقديمها فهي لا ترد هذا غدا قدم لها نفقة سنة, أما إذا مات بعد شهر ترد أخذا بالمذهب المالكي( )
الفرع الثاني: المقاصة في دين النفقة
اتفق الفقهاء على أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها بمجرد العقد الصحيح و من وقت إنشائه, و حيث ذهب الفقه المالكي إلى أن النفقة تصبح دينا في ذمة الزوج من وقت الامتناع عن الإنفاق و إذا أصبحت دينا في ذمة الزوج فلا تسقط إلا بأحد الأمرين و هما الإبراء أو الأداء, غير أنه إذا كانت الزوجة دائنة لزوجها بالنفقة و كان زوجها دائنا لها بدين ما فهل يجوز إجراء المقاصة بين الدينين أي بين دين النفقة و دين الزوج أم لا تجوز؟