منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الى الاستاذ غربي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-11-18, 20:29   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
غربي.17
أستــاذ
 
إحصائية العضو










افتراضي

ظلَّ العباسيون يَنْظِمون في الأغراض القديمة التي كان ينظم فيها الجاهليون و الإِسلاميون ، و مع التقدم العقلي الخصب ، و الذوق المتحضِّر المُرْهَف ، سار التجديد في الشعر العباسي .
و أبرز الأغراض التي جدّد فيها العباسيون :
1 - المدح :
كان الشاعر الجاهلي و الإِسلامي يرسم في ممدوحه المثالية الخُلُقية الرفيعة التي تقدِّرها الجماعة ، و قد مضى الشعراء العباسيون في مديح الخلفاء و الولاة على هذا الرسم ، مضيفين إِلى هذه المثالية مثالية الحكم ، و ما ينبغي أن يقوم عليه من الأخذ بدستور الشريعة و تقوى الله و العدالة . يقول أبو العتاهية في الخليفة هارون الرشيد :

وَرَاعٍ يُرَاعِي اللَّهَ فِي حِفْظِ أُمَّةٍ
يُدَافِعُ عَنْهَا الشَّرَّ غَيْرَ رَقُودِ
تَجَافَى عَنِ الدُّنْيَا وَ أَيْقَنَ أَنَّهَا
مُفارِقَةً لَيْسَتْ بِدَارِ خُلُودِ


و ربما غلا الشاعر المادح ذلك الغُلُوَّ غير المقبول ، الذي لا تجده في القديم و بالصورة التي يقول فيها أبو نواس :
وأَخْفَتْ أهْلَ الشِّرْكِ حَتَّى إنَّهُ
لَتَخَافُكَ النُّطَفُ التِي لَمْ تُخلَقِ


و لم يقتصر المديح على تلك المعاني و الصور الجديدة ، فإذا كان القدماء قد اختاروا الأوزان الطويلة ، و الموسيقى ذات الإيقاعات القوية و اللغة المختارة ، فإن الشعراء المجدِّدين قد قلبوا الوضع و أتوا بعكس ما هو مألوف من رقَّةٍ في الأسلوب ، و خفّةٍ في اللحن ، و بساطة في التصوير ، كقول سَلْم الخاسر في مدح الخليفة الهادي :

مُوسَى المَطَر غَيْثٌ بَكَرْ
ثُمَّ انْهَمَرْ أَلْوَى المرَرْ
كَمِ اعْتَسَرْ وكَم قَدَرْ
ثُمَّ غَفَرْ عَدْلُ السَّيَرْ

و لم يقتصر المديح على الرجال، بل عداه إِلى مدح المدن المحبَّبة إِلى قلوب ساكنيها ، و هو فنّ يزدهر في الأندلس أيضًا . يقول عمارة بن عقيل في مدح بغداد :
أعَايَنْتَ فِي طُولٍ مِنَ الأرْضِ والعَرْضِ
كَبَغْدَادَ دَارَاً إِنَّهَا جَنَّةُ الأرْضِ
صَفَاالعَيْشُ فِي بَغْدَادَوَاخْضَرَّ عُودُهُ
وَ عَيْشُ سِوَاهَا غَيْرُ صَافٍ ولا غضِّ

2 - الهجاء :
لقد حاول الشعراء العباسيون أن يجدِّدوا في غرض تقليدي آخر ، و هو الهجاء ، و يمكن تمييز لونين منه : هجاء سياسي و هجاء شخصي . و قد امتاز اللونان معًا بالسخرية الشديدة و الإيذاء المؤلم . كما امتاز الهجاء بأنه أصبح شعر مقطوعات قصيرة ، و ليست قصائد مطولة كالتي يتطلبها المديح أو كما كان الهجاء في العصور القديمة . و لم يعد الهجاء القَبَلي كما رأينا في شعر النقائض في العصر الأموي أساسًا لموضوع الهجاء ، بل مال إلى الشعبية و الهزل . و قد شاع الهجاء السياسي في الخلاف الذي وقع بين الخليفتين الأمين و المأمون و انتهى بقتل أولهما . يقول أحد الشعراء من أبيات له في هجاء الأمين :
لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ مَا حَدُّ الرِّضَا
لاَ وَلاَ تَعْرِفُ مَا حَدُّ الغَضَبْ
لَمْ تَكُنْ تَصْلُحُ لِلْمُلْكِ وَ لَمْ
تُعْطِكَ الطَّاعَةَ بِالمُلْكِ العَرَبْ

ومن الهجاء الساخر يقول أبو تمام في وصف بخيل:
قدْ كَانَ يُعْجِبُنِي لَوْ أنَّغَيْرَتَهُ
عَلَى جَراذِقِهِ كَانَتْ عَلَى حُرَمِهْ
إِنْ رُمْتَ قَتَلْتَهُ فَافْتِكْ بِخُبْزَتِهِ
فَإِنَّ مَوْقِعَهَا من لَحْمهِ وَدَمِهْ
و قد ظهر من هذا الهجاء الساخر لون يعتمد على توليد المعاني و استقصائها ، مثال ذلك قول بشار في رجل ثقيل يُسمَّى أبا سفيان :

ربما يَثْقُلُ الجَلِيسُ و إنْ كَا

نَ خَفِيفًا فِي كِفَّة المِيزَانِ
كَيْفَ لا تَحْمِلُ الأمَانَةَ أرْضٌ
حَمَلَتْ فَوْقَهَا أَبَا سُفْيانِ





و كما مدح الشعراء المدن هجوها أيضاً . و ذلك حسب انطباع و خبرة كل واحد منهم بها . فهذا ابن أبي الزوائد أحد شعراء المدينة ، كان قد زار بغداد زمن الخليفة المهدي ، فقال فيها هاجياً :

يَا بنَ يَحْيَى مَاذَا بَدَا لَكَ مَاذَا

أَمُقَامٌ أَمْ قد عَزَمْتَ الحِيَاذَا؟
فَالبَرَاغِيثُ قَدْ تَثُورُ مِنْهَا
سَامِرٌ مَا نَلُوذُ مِنْهُ مَلاَذَا
فَنَحُكٌّ الجُلُودَ طَوْرَاً فَتَدْمَى
وَ نَحُكُّ الصُّدُورَ والأَفْخَاذَا
فَسَقَى اللَّهُ طِيبَةَ الوَبْلَ سَحًّا
وَ سَقَى الكَرْخَ وَالصَّرَاةَ الرَّذَاذَا










رد مع اقتباس