منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - القضاء الدولي الجنائي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-10-19, 22:41   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي تابع

خامسا: إجراءات المحاكمة وإصدار الأحكام :
بعد قيام الإدعاء بفحص وجمع وتقديم الأدلة واستجواب الشهود، ثم التصديق على وثيقة الاتهام وإحالتها إلى المحكمة، تبدأ المحاكمة بتلاوة قرار الاتهام، ثم بسؤال المتهم إذا كان مذنباً أو غير مذنب، ويعقب ذلك عرض تحليلي للاتهام من جانب الإدعاء وسماع وجهة نظر الدفاع وأقوال الشهود(1) .
وبعد استكمال تلك الإجراءات تتداول المحكمة بشأن إصدار الحكم وتصدر بناء على ما سبق حكمها بالإدانة أو البراءة، وتعاقب المحكمة ما بين الإعدام والسجن المؤبد أو المحدد، فضلاً عن إمكانية مصادرة كل الأموال المتعلقة بالجريمة وتسليمها إلى مجلس الرقابة في ألمانيا الذي شكله الحلفاء عقب إعلان هزيمة ألمانيا 5 نونبر 1945 وهو المجلس الذي يعهد إليه مهمة تنفيذ العقوبة، وله كذلك سلطة تخفيفها في أي وقت دون تشديدها، كما له أن يرفع إلى لجنة الإدعاء تقريره بما عسى أن يكتشف من جرائم جديدة يكون أحد المحكوم عليهم قد ارتكبها حتى تستطيع أن تتخذ في شأنه ما تراه من جزاءات عادلة.
ومن ضمن الاعتمادات المخصصة لمجلس الرقابة في ألمانيا نصت المادة 30 من اللائحة على أن تتكفل الدول الأربع الموقعة على اتفاقية لندن وهي الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا والحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية بكافة نفقات المحكمة والمحاكمة.
وبالنسبة للتطبيق العملي لمحاكمات الحرب العالمية الثانية (2) فقد حوكم أمام محكمة نورمبرج 24 متهما من كبار مجرمي الحرب بصفتهم
الكثير من الانتقادات، ولأهمية هذه المسألة نخصص النقطة التالية لتناولها بشيء من التفصيل.
ثانياً : أهم المشاكل القانونية التي واجهت محكمة نورمبرج :
هناك ثلاث مشاكل قانونية واجهت محكمة نورمبرج باعتبارها أول محكمة جنائية دولية وهذه المشاكل هي: (1)
1- مشكلة القانون الواجب التطبيق :
وهي من أكبر المشاكل التي واجهتها المحكمة فاعتماد القانون الألماني في محاكمة كبار مجرمي الحرب من الألمان والذي شكلت المحكمة أساساً للقيام بها أمر مستحيل وذلك حتى لا تتكرر مهزلة ( ليبرج)، كما أنه لا يمكن تطبيقه كذلك لتعدد المناطق الجغرافية والبلدان التي ارتكبت فيها الجرائم، وحتى وإن تم تحديد أماكن ارتكابها وبالتالي الأخذ بقاعدة الاختصاص الإقليمي فقد بد أن الأمر غير ممكن وذلك لسببين هما:
- أن الجرائم المنسوبة إلى المتهمين هي أفعال غير منصوص عليها في القوانين الوطنية لتلك الدول التي ارتكبت فيها، كما أن الاشتراك فيها لا يمكن تقريره بموجب القانون الداخلي.
- أن المحاكمة لا تتم من قبل الدول المنتصرة وإنما نيابة عن ضمير العالم المتمدن وبالتالي يجب أن تكون ذات صفة دولية.
- ولأن ميثاق ( نور مبرج) التزم الصمت حيال القانون الواجب التطبيق كان على المحكمة أن تختار أحد أسلوبين:
ü إما أن تمارس سلطتها بطريقة تحكميه في اختيار القانون الواجب التطبيق.
ü وإما أن تلجأ إلى القياس وتعمل على تطبيق نص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وتلجأ بالتالي إلى تطبيق الاتفاقيات الدولية والعرف أو مبادئ القانون المعترف بها بين الأمم المتمدنة، وكذا أحكام القضاء ومذاهب كبار الفقهاء كمصدرين احتياطيين.
وقد اضطرت المحكمة في كثير من الأحيان إلى تطبيق هذا الأسلوب الأخير خاصة في نطاق تعريف الجرائم الدولية.
2 - مشكلة شرعية الجرائم والعقوبات :
استندت هيئة الدفاع على هذا المبدأ معتبرة أن المحكمة ستعاقب على جرائم لم تكن قائمة قبل إبرام ميثاق " نور مبرج" مما يعني تخلف الركن الشرعي سواء في التجريم أو في تحديد العقوبة الواجب تطبيقها.
وعندما تصدت المحكمة لهذا الدفع لم تنكره وإنما استندت إليه لتؤكد أن الركن الشرعي لهذه الجرائم مستقر في القانون الدولي الذي أقرته مختلف المواثيق والاتفاقيات الدولية السابقة على إنشاء المحكمة، علاوة على الأعراف المستقرة في العلاقات بين الأمم والتي أضفت صفة التحريم على إتيان أي جريمة من الجرائم التي باشرت المحكمة المعاقبة عليها، وبالتالي فإن محاكمات "نور مبرج" كشفت فقط عن هذه الطبيعة الإجرامية لتلك الأفعال دون أن تكون منشئة لها، " وبوصفها محكمة دولية فإن لها الحق القانوني بتطبيق قواعد القانون الدولي الراسخة على المجرمين باعتبارهم أعداء للإنسانية جمعاء"(1) .
3- مشكلة حجية الحكم الصادر عن المحكمة وطريقة تنفيذه :
بالإضافة إلى ما أثير حول مسألة شرعية الجرائم والعقوبات، وبما أن لائحة المحكمة قد نصت على جواز الحكم بعقوبة الإعدام أو أي عقوبة أخرى إلا أنه ترك تقدير باقي العقوبات للسلطة التقديرية للمحكمة، مما يعني جواز خلق العقوبات بصورة تحكمية، بدون ضابط أو معيار .
ومن ناحية ثانية هناك مسألة كيفية تنفيذ العقوبات التي يصدر بها حكم المحكمة وهي مسألة لا تقل أهمية عن مسألة الشرعية العقابية.
على أي فقد تمكنت المحكمة من تلافي هذا النقص وذلك باختيار عقوبة السجن في الحالات التي قدرتها كما أنيط بمجلس الرقابة في ألمانيا تنفيذ كل العقوبات المقضي بها.ً
4- إن المحكمة حاكمت أشخاصا لا يعتبرون من أشخاص القانون الدولي العام : (2)
ومهما يكن فإن مختلف المشاكل التي واجهت هذه المحاكمات هي مشاكل كانت قائمة بالفعل بل وبالاستناد إليها وجهت لمحاكمات " نور مبرج" جملة من الانتقادات، ذهب البعض منها إلى أن المحكمة " ليست لها من صفة الدولية إلا اسمها"(1) .
فغلبة الطابع السياسي على تلك المحاكمات، وعدم توفر الحيدة القضائية اللازمة، وإهدار الكثير من المبادئ القانونية كانت أهم الانتقادات التي وجهت إلى محاكمات الحرب العالمية الثانية(2) .
وأيا كانت الانتقادات التي وجهت إلى محاكمات الحرب العالمية الثانية باعتبارها أول تطبيق عملي ناجح لفكرة القضاء الدولي الجنائي، فإن المبادئ التي جاءت بها تعد بحق " مرحلة فاصلة في تطور القانون الدولي الجنائي"(3) .
ونعتقد بالاستناد إلى ما سبق أن محكمة " نور مبرج" محكمة جنائية دولية مؤقتة بكل معنى الكلمة، فهي محكمة أنشئت باتفاق دولي، كما اعتمد نظامها الأساسي باتفاقية دولية واستندت إلى قواعد ومبادئ القانون الدولي العام في أحكامها وحاكمت مجرمين، ليس لجرائمهم مكان جغرافي محدد والأكثر من ذلك أنها كانت نقطة انطلاق لترسيخ وتطوير القضاء الدولي الجنائي. وكما أشار القاضي الأمريكي " جاكسون إلى أهميتها بالقول يومئذ" إن الوقت لم يحن بعد لإدراك مدى أهمية تأثير أحكام " نور مبرج" على مستقبل القانون الدولي، ولكن هذه الوثيقة تعد وثيقة مهمة، سواء باعتبارها سابقة هامة أو باعتبارها نقطة انطلاق جدية"(1) .
فهي سابقة كونها أول تطبيق جدي ناجح لفكرة القضاء الدولي الجنائي في التاريخ، وهي نقطة انطلاق مهدت لسلسلة من الجهود الدولية المبذولة سواء في إطار منظمة الأمم المتحدة أو خارجها في سبيل إنشاء المحكمة الجنائية الدائمة، بل يمكن على إثرها التاريخ لميلاد المحكمة وذلك منذ أن تلقت الجمعية العامة للأمم المتحدة المبادئ التي جاءت بها أحكام (نور مبرج) وعملت على تقنينها بموجب توصيتها رقم 177 في 21 نوفمبر 1947و انتهاء بالتوقيع على نظامها الأساسي في روما 17 يوليو 1998 .
المبحث الثاني : صياغة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
قبل التوقيع على معاهدة روما حول وضع النظام الأساسي، يمكن أن نميز بين مرحلتين أساسيتين من مراحل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وصياغة نظامها الأساسي :
المرحلة الأولى:
وتبدأ عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وإجراء محاكماتها الشهيرة، بتلقي الجمعية العامة للأمم المتحدة المبادئ التي تمخضت عن محاكمات نور مبرح وطلبت من لجنة القانون الدولي(1)، بتوصيتها رقم 177 /1 في 21 نوفمبر 1947 تقنين تلك المبادئ وإعداد مشروع خاص بالجرائم ضد السلام وأمن البشرية...

المرحلة الثانية :
وتبدأ عقب التحولات السريعة التي شهدتها نهاية الثمانينيات والانقلاب الكبير الذي عرفته العلاقات الدولية، والذي دفع بالأمم المتحدة من جديد خصوصاً عقب الطلب المقدم من (ترينادا وتوباغو) في ديسمبر 1989 إلى الطلب من لجنة القانون الدولي بإعادة العمل ومتابعة الجهود لتأسيس المحكمة الجنائية الدولية وذلك بتوصيتها 44/36 في 4 ديسمبر1989 .
وعليه وحتى نتمكن من دراسة الكيفية والظروف التي مهدت لصياغة واعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية باتفاقية دولية رعتها الأمم المتحدة، لابد من تناول جهود لجنة القانون الدولي، الذي كان دورها أساسياً في كل مرحلة من مراحل صياغة واعتماد النظام الأساسي.
المطلب الأول : جهود لجنة القانون الدولي
أولاً : المرحلة الأولى من جهود لجنة القانون الدولي :
بعد توصية الجمعية العامة 177/1 سنة1947 تمكنت لجنة القانون الدولي من دراسة المبادئ المنبثقة عن محاكمات نور مبرج واستخلصت سبعة مبادئ أساسية صاغتها على النحو التالي: (1)
ü تقنين مبادئ نورمبرج وبداية السعي نحو إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة .
1- الاعتراف بمسؤولية الفرد جنائيا على الصعيد الدولي.
2- مبدأ مسؤولية الرؤساء والقادة العسكريين عن الجرائم الدولية.
3- سيادة القانون الدولي العام على القانون الداخلي.
4- المحاكمة العادلة والنزيهة.
5- سيادة الضمير على مقتضيات النظام.
6- تقنين وتحديد الجرائم الدولية وحصرها في الثلاث الجرائم الأساسية المعروفة.
7- مبدأ تأثيم الاشتراك والتخطيط لارتكاب تلك الجرائم.
وعلاوة على موافقة الجمعية العامة بتوصيتها رقم95/1-1948 بالإجماع على هذه المبادئ، والذي أضفى عليها صفة الإلزام والشرعية القانونية الدولية (1)، فأن الأمم المتحدة قد واصلت جهودها الحثيثة في سبيل إنشاء قضاء دولي جنائي مستقل ودائم، وكانت البداية في 9ديسمبر1948 بمناسبة موافقة جمعيتها العامة على مشروع اتفاقية قمع جريمة إبادة الجنس والمعاقبة عليها.
لقد ارتبط الحديث عن هذه الاتفاقية بالحديث عن ضرورة وجود قضاء دولي جنائي خاصة ، عندما أشارت المادة السادسة من ذات الاتفاقية إلى وجوب عدم إفلات مرتكبي تلك الأعمال من العقاب، بل ينبغي محاكمتهم إما أمام المحاكم المختصة للدولة وفي ذات البلد الذي ارتكبت فيه أو أمام محكمة جنائية دولية سوف تكون مخولة بذلك.
وعلى الرغم من أهمية هذا النص فيؤخذ عليه أنه ترك عملية إنشاء المحكمة اختيارياً،كما أن الاتفاقية نفسها قد خلت من النصوص التي تنظم مثل هذه المحكمة.
على أن المنظمة الأممية واصلت جهودها في هذا الاتجاه وأصدرت في نفس العام توصية تحت رقم 260 /ب35 دعت فيها لجنة القانون الدولي للبحث في ما إذا كان مرغوبا إنشاء هيئة قضائية دولية يناط بها محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم إبادة الجنس أو أي جريمة دولية أخرى(1) .
وبناء على هذه التوصية بذلت مجهودات في إطار لجنة القانون الدولي كان أهمها لجنة جنيف سنة 1951، ثم لجنة ثانية عرفت بلجنة نيويورك سنة 1953، كان الهدف منها دراسة إمكانية قيام قضاء دولي جنائي وتشكيل محكمة جنائية دولية دائمة .
لقد كان تشكيل لجنتي جنيف ونيويورك في الواقع البداية الفعلية لمجهودات الأمم المتحدة نحو إنشاء محكمة جنائية دولية، وبجانب هذه الجهود بذلت كذلك جهود أخرى من قبل بعض المنظمات واللجان المتخصصة.
ولأهمية الأفكار المقترحة، ولأنه سيتم بالفعل اقتراح ومناقشة مشروع النظام الأساسي للمحكمة المرجوة ارتأينا التوقف عند هذه الجهود مع الإشارة بإيجاز إلى أهم الأحكام التي تضمنتها المشاريع المقترحة للنظام الأساسي للمحكمة (1) .
بالنسبة للجنة القانون الدولي شكلت في 3 يونيو سنة 1949 لجنة ثنائية من كل من السيد (يكاردو الفارو) مندوب بنما والسيد ( ساند ستروم) مندوب السويد لوضع تقرير حول إمكانية إنشاء محكمة جنائية دولية انتهى كل واحد منهما إلى وضع تقرير منفصل يبين فيه وجهة نظره حول هذه المسألة.
ذهب السيد " ساند ستروم" إلى أن الوضع الحالي للمجتمع الدولي لا يسمح بقيام هذا النوع من القضاء بسبب العديد من المعوقات من أهمها مبدأ السيادة، وعدم وجود قانون للجرائم والعقوبات، وكذلك الانتقادات الموجهة لمحاكمات "نور مبرج" الأمر الذي من شأنه ّأن يعود بالضرر أكثر ما يحقق النفع، ومع ذلك فقد اقترح إمكانية إنشاء دائرة جنائية تتبع محكمة العدل الدولية للتخفيف من الضرر إذا ما تم إنشاء محكمة جنائية دولية مستقلة.
أما السيد (الفارو) فقد اتخذ موقفا مغايراً أو اكثر تقدماً في سبيل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية حيث اعتبر أن ذلك أمراً ممكناً ومفيداً، بل نادى بضرورة تحطيم العقبات التي تقف حائلاً دون قيام هذا النوع من القضاء وأهم هذه العقبات فكرة السيادة التي ما انفكت الدول تتذرع بها للتهرب من المسؤولية والجزاء،ناهيك عن كون الجرائم الدولية أكثر ما ترتكب من قبل ممثلي الحكومات وبالتالي فإن محاكمتهم أمام المحاكم الوطنية قد يبدو عديم الفائدة،ومن هنا تأتي أهمية وجود محكمة جنائية دولية متخصصة في هذا الشأن.
وعلى هذا الأساس خلص الفقيه البنمي إلى تصور قيام قضاء دولي جنائي وذلك على النحو التالي:
1- بالنسبة لطبيعة المحكمة فقد أحال إلى الأمم المتحدة مهمة إنشاء المحكمة الجنائية والتي ستكون إما مستقلة وإما الاكتفاء بإنشاء دائرة جنائية تتبع محكمة العدل الدولية، على أن يكون لها صفة الدوام وتختص بمحاكمة الدول والأفراد المتهمين بارتكاب الجرائم الدولية.
2- أما الاختصاص فتختص بالنظر في كل الجرائم الدولية سواء في الحرب أو السلام بالاستناد إلى قانون عقوبات دولي يتضمن النص على كافة هذه الجرائم نزولاً عند مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.
3- وأما تشكيل المحكمة فيقترح تشكيلها من عدد من القضاة ذوي الخبرة في المسائل الجنائية الدولية تتوفر فيهم شروط قضاة محكمة العدل الدولية، إلا الإجراءات فينبغي أن لا تتحرك إلا بمعرفة مجلس الأمن أو عن طريق دولة يفوضها المجلس لهذا الغرض، مع ضرورة تمتع المتهمين بكافة الضمانات لقيام محاكمة عادلة ونزيهة.
وهذا التقرير الذي لم يغفل كذلك الإشارة إلى إنشاء قسم يضطلع بالشؤون الإدارية للمحكمة،كان محيطاً بأهم الجوانب المتعلقة بإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستفيداً من الخبرات السابقة ومن الانتقادات التي وجهت إلى محاكمات نور مبرج ، بل يمكن القول أن خطوطه العامة ظلت حاضرة طوال المجهودات التالية له بل وحتى التوقيع على النظام الأساسي الحالي للمحكمة.
ومع ذلك ولأن تقريرا الأستاذين قد جاءا متناقضين تماماً فقد أتى موقف لجنة القانون الدولي وكذلك اللجنة القانونية من التقريرين منقسماً داخل كل لجنة، رغم أن الغالبية قد أيدت ورجحت تقرير السيد "الفارو" الداعي إلى إنشاء محكمة جنائية دولية مستقلة عن محكمة العدل الدولية ورأت لجنة القانون الدولي أن الوسيلة المثلى لذلك عقد اتفاقية دولية تقضي إنشائها وتضع لها لائحتها وتحدد اختصاصاتها (1) .
أما داخل اللجنة القانونية فقد انتهى النقاش إلى أن الأمر يتطلب أن يكون أمام الباحث مشروع بالنظام الأساسي لهذه المحكمة و آخر بالقانون الواجب التطبيق، على ضوء الاعتبارات العلمية، ولهذا أصدرت قراراً بتأليف لجنة من سبعة عشر دولة تجتمع بجنيف في أغسطس 1951 لإعداد مشروع أو أكثر في هذا الخصوص (2) .
ü جهود لجنة جنيف لإنشاء محكمة جنائية دولية : (1)
عند أول اجتماع للجنة عرض عليها تقريران عن إنشاء القضاء الدولي الجنائي تقدم بأحدهما السكرتير العام للأمم المتحدة بينما تقدم بالتقرير الثاني الفقيه الروماني( فسبسيان بيللا) تطرق التقريران لأهم المشاكل المتعلقة بإنشاء المحكمة سواء ما يخص عملية الإنشاء والقانون الواجب التطبيق والاختصاص أو حتى إجراءات المحاكمة.
ففيما يتعلق بكيفية إنشاء المحكمة، ذهب تقرير السكرتير العام للأمم المتحدة في مشروعه للمحكمة الجنائية إلى أن عملية إنشاء هذه الهيئة ممكنة باختيار أحد ثلاثة بدائل أساسية هي:
- إمكانية قيامها كهيئة مساعدة للأمم المتحدة عبر قرار من الجمعية العامة بالاستناد إلى المادتين 7ف2و22 من ميثاق الأمم المتحدة.
- وإما بمقتضى معاهدة دولية بين الدول الراغبة وتكون هيئة مستقلة.
- وإما بالوسيلتين معاً وذلك عبر إنشاء المحكمة بقرار من الجمعية العامة، بينما يكون تحديد التزامات الدول بمقتضى معاهدة دولية تعدها الجمعية العامة ويتاح للدول الانضمام إليها.
أما الفقيه( بيللا) فرأى أن يتم إنشاء المحكمة بقرار من الجمعية العامة للنظر فيما يرتكب من جرائم مخالفة لقانون الشعوب، وتتشكل من 15قاضيا من جنسيات مختلفة لدول أعضاء في الأمم المتحدة .
وفيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق اعتبر السكرتير العام أن القانون الذي ستطبقه المحكمة يأتي على غرار المادة 38من النظام الأساسي لمحكمة العدل أو أن تطبق المحكمة قانون العقوبات الدولية بعد إعداده وإقراره .
بينما اعتبر (بيللا) أن القانون الواجب التطبيق يختلف حسب نوع الجريمة، فإن كانت الجريمة مثلا هي جريمة إبادة الجنس انعقد الاختصاص لقانون الدولة التي وقعت الجريمة على أرضها،أما بالنسبة للجرائم ضد السلام فستطبق المحكمة القانون الوطني للمتهم أو قانون محل إقامته إن كان عديم الجنسية أو قانون مكان الفعل، أما إذا كان الفعل مؤثماً وفقاً لاتفاقية دولية تحدد أركانه والقانون الواجب التطبيق تلتزم المحكمة بتطبيق ذلك القانون .
أما ما يتعلق بالاختصاص فقد أجمع التقريران على أن المحكمة تحاكم الأفراد الطبيعيين سواء كانوا فاعلين أصليين أو شركاء مهما كانت مراكزهم، واعتبر أن الاختصاص ذو طبيعة اختيارية، على أن(بيللا) ذهب إلى أنه للمحكمة النظر في تنازع الاختصاص التشريعي والقضائي بين الدول وكذلك الفصل في حالات الطعن بالتماس إعادة النظر في أحكام الإدانة.
وأخيرا فيما يخص إجراءات التحقيق والمحاكمة والحكم، فقد تصور السكرتير العام للأمم المتحدة بأن يبدأ تحريك الدعوى بإحالة القضية من قبل السكرتير العام بناء على توصية من الجمعية العامة أو مجلس الأمن، كما يمكن أن تحال القضية من قبل حكومات الدول في الحالات التي ينص فيها على ذلك، وأن تجري المحاكمة بشكل علني وكذلك صدور الحكم الذي ينبغي أن يكون نهائياً إلا أن يكون هناك استثناء منصوص عليه، ويكون ذلك أمام محكمة العدل الدولية.
أما مشروع (بيللا) فقد جاء ليؤكد أن بداية تحريك الدعوى يكون من قبل الجمعية العامة بأغلبية ثلثي أعضائها الحاضرين على أن يكون من بينهم ثلاثة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أو بواسطة إحالة من مجلس الأمن. وفي حالة جريمة إبادة الجنس ينعقد الاختصاص عندما يحيل القضية أي طرف متعاقد في اتفاقية قمع جريمة إبادة الجنس بشرط الحصول على موافقة مسبقة من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما شدد"بيللا" كذلك على حرمة إكراه المتهم على الاعتراف بالإدانة، وعلى علانية الجلسات وكذلك الحكم الذي ينبغي أن يكون مسبباً ويصدر بأغلبية القضاة، وأجاز كذلك في مشروعه إمكانية المحاكمة على ذات الجريمة مرتين تأسيسا ًعلى مبدأ سيادة القانون الدولي على القانون الداخلي،كما رفض أسباب الإباحة في الجريمة الدولية وإن أجاز أن تكون هناك ظروف مخففة.
واعتبر كذلك أن الحكم الصادر عن المحكمة نهائي ولا يجوز الطعن فيه إلا عن طريق التماس إعادة النظر، كما أجاز للدول المنوط بها تنفيذ العقوبة حق منح العفو شريطة موافقة الأمم المتحدة على ذلك.
وبعد استعراض التقريرين المقدمين اتخذت لجنة السبعة عشر"لجنة جنيف" من التقرير المقدم من السكرتير العام أساساً للمناقشة، ووضعت بدورها مشروعاً للمحكمة الجنائية الدولية،يتكون من خمس وخمسين مادة موزعة على سبعة أبواب اشتمل الباب الأول على مبادئ عامة والباب الثاني تنظيم المحكمة والباب الثالث اختصاصاتها والباب الرابع يعرض للجنة التحقيق والادعاء والباب الخامس للإجراءات والباب السادس للجنة العفو والباب الأخير خصص للمحاكم الخاصة. وبالنسبة لإنشاء المحكمة بموجب هذا المشروع فهي تنشأ باتفاقية دولية بين الدول الراغبة وأن تتولى الاتفاقية المنشئة تحديد الجرائم ووضع القواعد الإجرائية التي تمارس الاختصاصات على أساسها، وأما ما يخص إحالة القضية إلى المحكمة فقد تضمن المشروع عدة مسائل: فهي إما أن تحال بمعرفة الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو عن طريق أي منظمة دولية أخرى تخولها الأمم المتحدة بذلك، وأما بواسطة إحدى الدول الموقعة على اتفاق إنشائها...(1) .
وعند عرض هذا المشروع أمام اللجنة القانونية انقسم أعضاء اللجنة إلى فريقين كما حدث تماما عند مناقشة تقريري (الفارو ) و(ساندستروم) ولذلك تمت إحالة المشروع إلى الجمعية العامة التي نظرته وأصدرت توصية في ديسمبر 1952 قضت بإنشاء لجنة جديدة من 17 دولة أخرى يختارهم رئيس الجمعية العامة بعد أخذ رأي رئيس اللجنة القانونية، سميت هذه اللجنة ب(لجنة نيويورك) حيث كان مقرراً أن تجتمع بمقر المنظمة سنة 1953 لمعاودة النظر في المشروع السابق ودراسة العقبات التي تحول دون إنشاء المحكمة والتغلب عليها، على أن تقدم تقريرها في السنة الموالية .