منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - لكل من يبحث عن مرجع سأساعده
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-10-24, 20:23   رقم المشاركة : 115
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دموعي تهون مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
من فضلك أختي ممكن تساعديني في موضوع بحث يتضمن وصف للخليفة العباسي أبو جعفر المنصور في نظر إبن خلدون.أو تزوديني بمعلومات حول هذا الموضوع.انتظر ردك على أحر من الجمر فلا تبخليني.
شكرا والسلام عليكم

تمثال أبو جعفر المنصور نسف بالقنابل

أبو جعفر المنصور : سيرة تاريخية

*القصة الموجزة لاندحار العرب بموالي الفرس، من آخر الامويين مروان بن محمد إلى أول العباسيين أبي جعفر المنصور.



ميدل ايست اونلاين

بقلم: محمد لافي ‘الجبريني’



يلتف الكثير من المشاهدين العرب حول شاشة رمضان ليشاهدوا مسلسل “ابوجعفر المنصور” الذي يعد بحق مؤسس الدولة العباسية. وبعيدا عن الدراما، نستعرض قصة حياة هذا الرجل الصارم الذي تأسست على يده سلالة استمرت بحكم المسلمين لقرون طويلة، فعليا او اسميا، وكان مشيدا لاهم حواضر العرب والمسلمين: بغداد.

الصراع الاموي الداخلي النار تأكل ذاتها



قال العلامة عبد الرحمن بن خلدون فيما قاله عن نشوء الأمم وزوالها أن بلوغ أمة ما ذروتها هو بمعنى آخر التأرجح قبل الأخير وبدء انتظار أفولها وانحدارها لتأخذ أمة أخرى او حضارة جديدة مكان الريادة والسيطرة على انقاضها.

وهذا ما كانت قد وصلت اليه الدولة الاموية عمليا منذ أزل حين وصلت الى الامر في عهد سليمان بن عبد الملك وبدء الإيذان برحيلها منذ أخذ الترف يغزو حضارتها الاجتماعية في عهد عمر بن عبد العزيز إلى أن وصلت الى ذروة انحدارها ومرحلة قرع جرس الزوال في عصر مروان بن محمد في الصراع الذي عصف بين أبناء العمومة في بني امية ما أدى بصورة او بأخرى الى ثورة الولايات فثارت اليمانية في العراق وانحاز لثورتهم الشيعة وانفصل جنوب بحر قزوين واستشاط الموالي فيما وراء النهر، وارتد حكام الهند عن الملة تبعهم القبط في مصر. ولم يكن الخوارج بأقل حظا في هذه الثورات الى الحد الذي مكنهم من السيطرة على بلاد المغرب العربي وتأسيس دولتهم هناك وانقسمت الاندلس. اضف اليه الصراعات الداخلية في بني امية التي كان بندها الاساسي التنافس على الملك فهشام عبد الملك أراد عزل ابن أخيه الوليد لكنه مات قبل ذلك فما كان من الوليد بعد توليه الخلافة الا ان انتقم ممن أزروا هشام في ما كان يريده فقتل وحبس وعذب فواجهه ابن عمه يزيد بن الوليد بن عبد الملك واغتاله ليحصل على البيعة الى نفسه ليموت بعد اشهر ويتولى الخلافة بعده اخوه هشام الذي ما عتم ان ثار عليه أبن عمه الاخر مروان بن محمد آخر الخلفاء الامويين والذي كانت نهايته على يد ابو عباس السفاح ليدشن موته عصرا جديدا لدولة جديدة شيدت على الانقاض.



الثورة الشيعية.. يا علي.. يا عباس!





استشاط الخصوم الداخليون أملا بالفريسة المتهاوية، وإن كان أعظمهم نفوذا شيعة علي بن ابي طالب الا أنهم لم يكونوا الاخطر بعد موت إمامهم محمد بن الحنفية، على دولة بني العباس بعد تشرذمهم فرقا وهم الطائفة التي تؤمن بولاية الامام المعصوم فانتقلت الولاية الى محمد بن علي ابن العباس عراب الدعوة العباسية التي كان لها الامر فيما بعد الخلافة:

أرى بين الرماد وميض نار .. يوشك أن يكون لها ضرام

فإن النار بين العودين تذكى .. وان الحرب أولها كلام

فقلت من التعجب ليت شعري .. أأيقاظ أمية أم نيام؟

انها ساعة غروب الشمس الاخيرة على إمبراطورية العرب الأولى بعد أن ناهشتها الأحداث، وعصفت بها الأنواء، وتوسعت الخلايا الهدامة من داخلها ليطمع بها خارجها، فعلى ما يبدو ان نظام الملك الوراثي الذي أسس له معاوية بن ابي سفيان ليحفظ تماسك دولته من إشكالات الخلافة التي كادت تهدم ما بنته الدعوة الإسلامية بعد احداث عثمان وعلي لم تعد حلا يمكنه أن يحفظ الدولة بين أحفاده، الذين تكالبوا هم أنفسهم على بعضهم البعض للفوز بقيادة أعظم امبراطورية في ذلك الزمان.

فبلغ الامد بين خصوم الدولة حدا أصبحت معه آمال الكثيرين منهم أكثر قربا لينزعوا قيادة الأمة من بيت بني أمية، خاصة مع اتساع رقعة الشقاق بين عمادي الدولة الأموية وقبائل العرب - القيسية واليمانية - خاصة وأن الأمويين لم يكونوا يعدلون مع الاخيرة، ما شجع غلاتهم على التحالف مع أعداء بني أمية في مناسبات كثيرة دعمت صفوف المنشقين من خوارج وشيعة وموالي وبربر وغيرهم على الاثخان أكثر في اركان الدولة المترامية الاطراف، الى الحد الذي جعل الاعداء الخارجيين يلتقطون اشارات الضعف تلك ليثبوا بدورهم كل من زاويته، فارتدت قبائل من بلاد الهند والسند وفارس وافريقية وعادت تطالب بالثورة والقضاء على المسلمين، وانتفض الموالي حين بزغت دعوات جملة من العرب يطالبون بالعدل بين المسلمين جميعا والمساواة بينهم دون تفضيل عربي على عجمي الا بالتقوى، خصوصا في بلاد فارس التي كانت ترى في نفسها حضارة قومية كبت بسبب عنجهية العرب، وبدأت تداعب نفوسهم أحلام السيطرة يغذيها خؤولتهم للآل البيت الذي كان منها زين العابدين بن الحسين ابن شاه زنان ابنة إمبراطور فارس وزوجة الحسين.



هذه الاضطرابات الخطيرة في دولة بني امية لم تغب عن اعين منافسيهم من بني هاشم الذين كانوا يتربصون بهم الدوائر، فنشطوا للاستفادة منها هذه المرة بزعامة فرع آخر من آل هاشم هو بنو العباس من نسل العباس عم النبي، بعد أن تثبت الامر لهم كآخر أفخاذ بني هاشم قوة بعد اندثار الدعوة الحسينية وضياع القيادة من أي عنصر مهم في نسل علي وتجد صدى بين الموالي من الفرس الذين وجدوا في التشيع حركة سياسية تؤطرهم بدعاوي دينية تستند الى مظلومية الحسين والندم على مقتله.

ولعل هذا ما يفسر تأخر آل العباس في المطالبة للخلافة مع علو مركزهم في آل هاشم خاصة وقريش عموما، وقد كان كل همهم مساندة دعوة علي وأبنائه من بعده، فالعباس رأس هذا البيت دعم بإصرار علي في تولي الخلافة بعد النبي قبل أن تذهب الى ابي بكر ثم عمر من بعده.

لم يختلف الامر كثيرا مع ابنه عبدالله بن العباس الذي لم تكن به هو الاخر رغبة في المنافسة على الخلافة الا بدعمه لابن عمه علي، رغم اعتزاله السياسة بعد فتنة كربلاء، ليسير على دربه ابنه علي بن عبدالله بن العباس الذي ولد في ليلة مقتل علي بن ابي طالب والذي حجر عليه بنو امية في الحميمة لعلمهم بسمو مركزه وجلال قدره في بني هاشم الى الحد الذي وصف به بالباقر لبقره العلم، الذي اشتغل بجمعه وتعلمه الى ان وافته المنية دون اي احداث سياسية يشارك بها حتى مات في الحميمة حيث قضى معظم سني حياته.

الطموح العباسي كان له ان يظهر بعد أن شجعته الصدفة لتوقظ أحلام ريادة آل البيت على الامة كان ذلك بعد أفول نجم القيادة العلوية على آل البيت حين جاء ابو هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية بن علي ابن ابي طالب وريث الدعوة الشيعية التي تسمت بإسمه بالهاشمية حين سرى في جسده سم الاغتيال وأحس بدنو أجله وغياب اي وريث يصلح لقيادة الحركة الشيعية فيوصي بها الى محمد بن علي العباسي وينقل اليه علم التأويل118.

حتى ذلك الوقت كانت الدعوة الشيعية تسير على قدم وساق بتشكيل الخلايا السرية والدعوة الى الثأر لقتلة الحسين وهدم عرش بني سفيان ورايتها تنتقل من يد الى يد الى ان وصلت الى محمد بن علي العباسي الذي بدأت على يده تلك الدعوة تأخذ شكلا أكثر ايجابية وعملية، فلخص أهدافها بالقضاء على دولة امية وإعلان الخلافة في بني هاشم، وذلك بالدعوة الغامضة الإيحائية التي سماها بـ”الرضا من آل محمد” دون أي اشارة قد تخلق انشقاقات محتملة عن ماهية آل محمد، ان كانوا من بني العباس او علي، ليتجاوزها محمد بدهاء السياسي ويركز دعايته بالتخلص من ظلم بني امية، وفضل آل البيت، والدعوة الى مساواة العرب بالموالي والاستفادة من الاحاديث التي تشير الى مثل هذه الدعوى واشاعتها بين الناس، ومستفيدا من الزخم الديني الى الحد الذي جعله يتخذ اثني عشر نقيبا في اشارة ضمنية أكثر وضوحا الى حواريي بني اسرائيل والى الاثني عشر رجلا من الاوس والخزرج الذين بايعوا الرسول في العقبة.

وتصبح الدعوة العباسية أكثر تنظيما ومنهجية فيرسل الدعاة الى كل الاقطار متنكرين بأزياء التجار ليجمعوا الكوادر والاموال ويكون موعد اللقاء ومكانه في كل عام بموسم الحج بعيدا عن عيون امية.



الرضا لآل محمد



بدأ محمد بن علي بتركيز دعوته الى بلاد فارس التي شاعت فيها رغبة الثورة اكثر من غيرها وحرضهم على الانضمام الى ثورة آل البيت وجود عرق فارسي فيها يتمثل في انهم يعتبرون انفسهم اصهار النبي وأخوال نسله عبر الحسين الذي تزوج ابنة يزدجرد الثالث آخر ملوك الساسانيين، الامر الذي جعل التشيع يأخذ صدا اكثر في بلاد فارس، هو ما تنبه له محمد بن علي فركز دعوته في خرسان أقوى المدائن في فارس الى الحد الذي جعله يوصي دعاته بالتركيز على خراسان بقوله “إن هناك العدد الكثير، والجلد الظاهر” وهذا الامر الذي كان يخشاه بنو امية حتى سرت بينهم مقولة “أن بنو امية يقدرون أن يرتقوا اي فتق الا في خراسان”.

لم يعش محمد بن علي ولا ابنه ابراهيم من بعده ليشهدوا ذلك اليوم الذي ستصل دعوتهم فيه الى مبتغاها، فهدت أركان الدولة الاموية المتداعية، وأسست دولة بني العباس على يد عبدالله العباس وأخيه ابي جعفر المنصور، إلا أنه ولا ريب فلولا إصرارهما لما كان لهذه الدعوة ان ترى النور، ولولا حنكة إبراهيم الذي خلف والده ما كان لهذه الدعوة أن تستفيد من خبرات أحد أهم الرجالات الداعمة لتلك الثورة.

انه الرجل الذي اكتشفه إبراهيم بن محمد العباسي والذي سيكون فيما بعد رديفا لإسم الخليفة المنصور وذكريات نشوء الملك العباسي يتردد أينما ذكر ايهما، ويحفر الى التاريخ في أدبيات شعب فارس، إنه “إبراهيم أبو اسحق عبد الرحمن بن مسلم الخراساني” العبد الإيراني لأحد دعاة الكوفة قبل أن يشتريه محمد بن علي ويجعله لإبنه ابراهيم، الذي وجد فيه الطينة الصالحه لحرب الامويين فلا هو قيسي ولا هو يماني ينحاز قلبه لعصبية قبلية، بل هو إبن مسبية وجارية يشتعل قلبه بأحلام الثأر من العرب، فيجعله دهاء ابراهيم عاملا على خراسان وهو ابن تسعة عشر عاما ليصبح من يومها إسم ابو مسلم الخراساني الذي لم تلمح على وجهه ابتسامة طوال حياته كفيلا بأن يدب الرعب في نفوس حلفاء العباسيين قبل أعداءهم قبل ان ينقلب بثورته المضادة بعد ذلك.

وعلى ما كان يأخذه البعض على الدولة الاموية في تلك الفترة فإن الدعوة العباسية مارست ما هو أشد منها في الاتجاه المعاكس، فأستغل ابراهيم ما في قلب ابي مسلم من حقد على العرب وأججه تاركا لمخيلته ابداع ما يمكن بعد أن أوصاه بنصرة آل بيت رسول الله، بالتفريق بين العرب وأن يجعل هدفه ابادة كل ناطق بالعربية في خراسان وهو ما نجح به ابو مسلم ايما نجاح حين ابتدأ ذلك بموقعة الخندقين الشهيرة بين نصر والكراماني فأجج الخلافات بينهما حتى قتل احدهما الاخر وعاد هو والتفت الى المنتصر المنهك فقضى عليه.

لما اشتد عود الدعوة، وأمست أوسع وأكثر شيوعا من ان تبقى سرية، أذن الامام الى ابي مسلم وباقي دعاته، بإشهار الدعوة في رمضان 129 هجرية 747 ميلادية، لتظهر الدعوة العباسية صراحتها من الوالي الذي تؤخذ له البيعة بأن تكون لآل عباس، فعقدت راية الظل وراية السحاب في اشارة رمزية أخرى مما برع به العباسيون في الايحاءات واتخاذ الرموز المبهمة، بأنهم ظل الله على الارض الى آخر الدهر، متخذين السواد شعارا حزنا على شهداء آل البيت ونعيا على المقتلة التي يتوعدون بني امية بها، فأوقدوا الجبال نارا وشيدوا المعسكرات إذانا بانطلاق مرحلة التعبئة الكبرى لكل مظلوم كما روجوا ليتأسس سواد جيوشهم في تلك الاثناء من الموالي الشعوبيين من غير العرب.



شروق السواد



لم ينجح أبو مسلم الخراساني من دخول مرو الا بعد نجاح دسائسه في موقعة الخندقين فما لبث بعد قتل حلفائه على نصر ان شن حملة تطهير كبرى في مرو لم يسلم منها كل ناطق بالعربية كما اوصاه ابراهيم، ومنهم عبدالله بن معاوية اهم رموز الدعوة الشيعية التي كانت تنافس العباسية وهو من سبط الحسين الباقي، ثم التفت الى معسكرات الخوارج فأبادها، حتى دخل خراسان فاتحا على مدينة لم يبق للعرب فيها اي ضاد ويغدو ابو مسلم واليا فعليا عليها يسك العملات ويعين العمال.

ما لبثت ان سقطت الكوفة في يد جيش العباسيين الذي قاده وريثهم عبدالله ابو العباس الذي ورثها عن أخيه ابراهيم بن محمد حين تمكن منه الخليفة الاموي مروان في الحميمة فخنقه وقطع رأسه، مفسحا الدرب من حيث لا يدري أمام اشد دعاة العباسية قسوة ومؤسس دولتهم عبدالله ابو العباس بن محمد بن علي، الذي رفع الراية بعد الحداد على اخيه ابراهيم بأربعين ليلة، ويعلن نفسه خليفة واميرا للمؤمنين بيد أخيه باني الدولة العباسية الحقيقي ومشيد بغداد أبو جعفر المنصور.



مذبحة أمية



كان على العباس ان يقوم بما اوصى به اخيه ابراهيم خصوصا ان مروان لم يمت بعد، بل واختار ان يتحصن بدمشق وكأنه يشرع الابواب للعباسيين ليقوما بما إنتظروه عقودا، بعد حصار دام أيام دخل جيش ابو العباس دمشق ليدخلها ويرتكب واحدة من أفظع المجازر التي عرفها التاريخ العربي فكانت الجثث في شوارعها تحصى بالالاف، وحين أعجزته الشوارع الخالية من الذبح نبش قبور بني امية، بعد أن قتل له اليمانية مروان حين اعثروا عليه في مصر وقدموا له رأسه في طبق، ثم يمم نحو الرملة التي علم أن امراء أمية نزحوا إليها فاستأمن من أمن منهم، جاوزوا السبعين اميرا، وحين اجتمعوا اليه أمر جنوده من الخراسانية فقتلوهم جميعا ليأمر بالطعام فيفرش على جثثهم التي لم يكن قد مات جميع اصحابها، فيأكل وانين المحتضرين تحته حتى شبع ويقول كلمته الشهيرة “ما أعلمني أكلت أكلة قط أهنأ ولا أطيب لنفسي منها” لتلتصق بكنية ابي العباس منذ ذلك اليوم رديفتها “السفاح”.

ولم يبق امام السفاح الا بضع ثورات هنا وهناك أخمدها اخوه ابو جعفر المنصور الذي قضى على اخر الموالين لبني امية منتصرا بالاعجام بعد ان حكم العرب في بني امية لمدة اربعة عشر خليفة حكما عربيا خالصا بعد خلافة الراشدين في المدينة حتى قال المؤرخون أن بني امية أول وآخر ملوك العرب.

توفي الخليفة ابو العباس ليتول الخلافة من بعده شقيقه المنصور أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لتعقد له البيعة في الانبار عام 136 هـ وهو مرتحل الى الحج ابن احدى واربعين عاما.

العهد المنصور



يعتبر أبو جعفر المنصور المؤسس الحقيقي لدولة بني العباس وإن تولَّى الخلافة بعد أخيه أبى العباس، فقد بذل أبو جعفر المنصور جهودًا عظيمة لتدعيم الأسرة العباسية في الحكم، وإعلاء شأن الخلافة، وإضفاء روح المهابة والإجلال على الدولة الفتية على أنقاض اهيب الدول آنذاك في الداخل والخارج.

فبُويع بالخلافة بعد عودته من الحج ووفاة أخيه أبي العباس، بايعه أهل العراق وخراسان وسائر البلاد سوى الشام التي كانت أول الاخطار التي تهدد حكمه ضمن سلسلة تمكن المنصور من تجاوزها، فكانت البداية مع عمه “عبد الله بن علي” أميرًا، ورافضا مبايعة ابن اخيه اعتقادًا منه بأنه أولى بالخلافة، فما كان من أبي جعفر إلا أن أرسل إليه يد بني عباس الضاربة أبي مسلم الخراساني ومعه جماعة من أمراء بني العباس فهزموهم هزيمة منكرة، وعادت بلاد الشام لتدين بالولاء من جديد.

الا انه وما أن بدأ الجو يصفو لأبي جعفر بعد مقتل عمه عبد الله حتى التفت لمنافس طالما ارقه وجوده، منذ ارتفعت رايته، خاصة وانه أصبح بمثابة نبي ومخلص في نظر الشعوبيين من الفرس وهم سواد الدولة العباسية، وأي مطامع انقلابية من ابي مسلم ستنقلب وبالا على المنصور، خاصة وانه طالما اشتم منه روائح توحي ذلك باستخفافه بالمنصور، ورفضه المستمر للخضوع له؛ فأبو مسلم يشتد يومًا بعد يوم، وساعده يقوى، وكلمته تعلو.

أدرك ابو جعفر المنصور ما لأبي مسلم من نفوذ يتيح له أن يستقل بخراسان متى أراد ذلك والجيش تحت طاعته وإمرته، وقد كان رأى بأعينه ما كان لنفوذ أبي مسلم بخراسان عندما أرسله أبو العباس عقب مقتل أبي سلمة الخلال، ولولا نفوذ أبي مسلم لما قامت للدعوة قائمة في خراسان وانطلاقها منها، فكيف يتركه وقد أدرك ما له من نفوذ يتيح له أن يستقل بخراسان متى أراد ذلك والجيش تحت طاعته وإمرته؟! بذل أبو جعفر المنصور جل جهده ليثني أبا مسلم عن ذهابه إلى خراسان بعدما قضى على عبدالله بن علي، فكتب إليه انه ولاه مصر والشام وهما من درر المناطق الإسلامية، فلم يستجب أبو مسلم وخرج مشاقا يريد خراسان وكان هذا السبب الرئيسي والمباشر لمقتله، وقام اثر ذلك تبادل المراسلات بين أبي جعفر المنصور وأبي مسلم الخراساني يشوبها الترغيب والثناء تارة والترهيب والتوعد تارة أخرى ويضاف إلى هذا الرسل بين المنصور والخراساني وما كان لهم من دور في إقناع أبي مسلم أن يرجع إلى المنصور معتذرا، حيث انتهى الأمر بذهاب الخراساني إلى المنصور بعدما استخدمت الحيلة والخداع في إحضاره. وقتله المنصور وتم له ما أراد من التخلص من نفوذ أبي مسلم بعدما كان له دور بارز في إنجاح الدعوة ومحاربة خصومها. وكان أبو مسلم وهو يؤسس دعائم الدعوة يحفر قبره بيده في آن واحد.

ولابد من الذكر أنه حتى دون تلك الحادثة فإن الاحول والمشاعر بين الرجلين لم تكن علاقة حب وهو ما أوغر قلب المنصور على الخراساني فقد كان المنصور في حياة أخيه يتوقع أن يجله أبو مسلم ويقدم له الولاء والطاعة، لكن أبا مسلم كان يتجه بهذا الإجلال والولاء للإمام فقط.

وعندما تلقى أبو مسلم خبر وفاة أبي العباس واستخلاف أبا جعفر كتب أبو مسلم لأبي جعفر يعزيه بوفاة أبى العباس ولم يهنئه بالخلافة.

وقال أبو مسلم الخراساني لأبي جعفر المنصور: أن عبدالجبار بن عبدالرحمن وصالح بن هيثم يعيباني فاحبسهما، فقال أبو جعفر: عبدالجبار على شرطي وكان على شرط أبي العباس من قبلي وصالح بن هيثم أخو أمير المؤمنين بالرضاعة فلم اكن لأحبسهما لظنك بهما، قال أبو مسلم: أراهما آثر عندك مني، فغضب أبو جعفر.

هكذا كانت العلاقة بين الرجلين وهكذا كانت نهايتها، وليس نهاية الفتن والاخطار التي سيواجهها المنصور

يد من حديد



فتعاقب الثورات من ثورة “سنباد” المجوسي الى “قائده جمهور” الى صحوة الخوارج وهي ثورات لا تنتهي وفتن لا تنطفئ الى أن جاء أخطرها وهي خروج محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي، وكان من أشراف بني هاشم علما ومكانة، وكان يلقب بـ “النفس الزكية” فقد كان قبيل الدعوة العباسية أن اجتمع العلويون والعباسيون معًا وبايعوه أواخر الدولة الأموية، وكان من المبايعين “المنصور” نفسه، فلما تولى الخلافة لم يكن له هم إلا طلب محمد هذا خشية مطالبته بطاعة هؤلاء الذين بايعوه من قبل، وهنا خرج محمد النفس الزكية بالمدينة سنة 145هـ/763م، وبويع له في كثير من الأمصار. وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة، واجتمع معه كثير من الفقهاء، وغلب أتباعه على فارس وواسط والكوفة، وشارك في هذه الثورة كثير من الأتباع من كل الطوائف، حتى تمكن المنصور من القضاء عليها وقتل النفس الزكية كأكبر خطر كان يتهدده خاصة وانه ينافسه على الولاية الدينية وإمامة آل البيت.

بعث المنصور إلى محمد النفس الزكية يعرض عليه الأمن والأمان له ولأولاده وإخوته مع توفير ما يلزم له من المال، ويرد محمد بأن على المنصور نفسه أن يدخل في طاعته هو؛ ليمنحه الأمان.

وكانت المواجهة العسكرية هي الحل بعد فشل المكاتبات، واستطاعت جيوش أبى جعفر أن تهزم “النفس الزكية” بالمدينة وتقتله، وتقضى على أتباع إبراهيم في قرية قريبة من الكوفة وتقتله.

يا جوهرة الدنيا يا بغداد، مدينة السلام



وبعيدا عن الثورات والدماء فقد راح المنصور يواصل ما بدأ به.. راح يبنى ويعمر بعد أن خَلا الجو، ودانت له البلاد والعباد، لقد فكر -منذ توليه- في بناء عاصمة للدولة العباسية يضمن من خلالها السيطرة على دولته، وإرساء قواعدَ راسخة لها.

فشرع في بناء بغداد سنة 145هـ على الضفة الغربية لنهر دجلة عند أقرب نقطة بين دجلة والفرات، لتصبح ملتقى الطرق القادمة من الشام شمالا، ومن الصين شرقًا، ومن طوائف مصر، ومن الحجاز جنوبًا، إلى جانب موقعها العسكري الخطير، فهي بين نهري الفرات ودجلة، فلا وصول إليها إلا على جسر أو قنطرة، فإذا قطع الجسر وخربت القنطرة لم يتمكن معتدٍ من الوصول إليها، ولبغداد مزايا أخرى عديدة، أغرت المنصور بالإسراع في بنائها، فراح أبو جعفر يأمر بإحضار الفعلة والصناع من بلاد العالم؛ ليحققوا نهضة، وليقيموا حضارة، وليصنعوا المستقبل لدولة العباسيين. وكان مِنْ بين مَنْ استعان بهم المنصور في ضبط العمل ببغداد: الإمام الجليل أبو حنيفة النعمان. ووضع المنصور بنفسه أول لبنة.

وكان الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان هو القائم على بناء المدينة والمتولى لضرب اللبن. وأصبحت بغداد عاصمة لها شأنها بين عواصم العالم.

وكانت بغداد تتمتع بالطرق الواسعة النظيفة التي تمتد إليها المياه من فروع نهر دجلة في قنوات مخصوصة تمتد بالشوارع صيفًا وشتاءً، وكانت شوارعها تكنس كل يوم، ويحمل ترابها خارجها، وعيَّن المنصور على أبوابها جندًا يحفظون الأمن بها، فصانها وحفظ لها نظامها ونظافتها من الداخل، وقد فرغ من بناء بغداد وسورها وأسواقها وخندقها بعد 4 سنوات أي سنة 149هـ/ 766م.

وأمام كثرة النازحين إلى عاصمة الخلافة أجمل مدن العالم آنذاك، كان لابد أن يهتمَّ المنصور ببناء سوق يضم أصحاب الصناعات والتجار والباعة. وفعلا بنيت “الكرخ” سنة 157هـ/ 774م لتظل عاصمة الخلافة محتفظة بجمالها وسحرها وتألقها.



وكانت الكرخ سوقًا نموذجية، فلكل تجارة سوق خاصة بها، ولم يبقَ إلا أن يبنى المنصور مسجدًا جامعًا يجتمعون فيه حتى لا يدخلوا بغداد، فبنا للعامة جامعًا، وهو غير جامع المنصور الذي كان يلي القصر، وفى سنة 151هـ/ 768م يبنى المنصور مدينة أخرى لابنه المهدي على الضفة الشرقية لنهر دجلة وهى مدينة “الرصافة” ثم بنا “الرافقة” وكانت هاتان المدينتان صورة من بغداد.

أعطى المنصور اهتمامًا بالغًا بجهة الشمال؛ فراح يأمر بإقامة التحصينات والرباطات على حدود بلاد الروم الأعداء التقليديين للدولة الإسلامية.

وكانت الغزوات المتتابعة سببًا في أن ملك الروم راح يطلب الصلح، ويقدم الجزية صاغرًا سنة 155هـ. ولا ننسى للمنصور حملته التأديبية على قبرص لقيام أهلها بمساعدة الروم، ونقضهم العهد الذي أخذوه على أنفسهم يوم أن فتح المسلمون قبرص.

لقد ذهب الخليفة المنصور ليحج سنة 158هـ/ 775م، فمرض في الطريق، وكان ابنه محمد “المهدي” قد خرج ليشيعه في حجه، وكأنه كان يحس بقرب دنو أجله فأوصاه بإعطاء الجند والناس حقهم وأرزاقهم ومرتباتهم، وأن يحسن إلى الناس، ويحفظ الثغور، ويسدد دينًا كان عليه مقداره ثلاثمائة ألف درهم، كما أوصاه برعاية إخوته الصغار، وقبل أن يدخل مكة لقى ربه.

https://touniselyoum.maktoobblog.com/1315699/%C









رد مع اقتباس