منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مجلس الأمن و المحكمة الجنائية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-12-31, 14:42   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة

النقائص في الالتزام بالتعاون حسب النظام الأساسي

لا تحتكم المحكمة الجنائية الدولية إلى قوة أمنية أو عسكرية خاصة بها، بل تعتمد على التعاون المقدم من الدول بشأن تفعيل عملها، حيث تشير هي إلى المسألة ضمن أحكام نظامها الأساسي، والقصور في التعاون من طرف الدول يشكل صعوبات جوهرية ظهرت أثناء عمل المحاكم الجنائية الخاصة مثلما أشار إلى ذلك رئيس محكمة يوغسلافيا من خلال تقاريره السنوية الموجهة للجمعية العامة إذ صرح في التقرير الرابع السنوي المقدم في 07 أوت1997 [56]. من أن هناك صعوبات في تعاون الدول مع المحكمة، وبالتالي يتعين أن تأخذ المحكمة الجنائية الدولية بعين الاعتبار مثل تلك الصعوبات التي واجهت المحاكم الجنائية الخاصة، وتستفيد منها في ممارسة اختصاصها لأن هذا التعاون يساعد المحكمة على الاضطلاع بمهامها بشكل فعال [57] ص 18.

وبالنظر إلى الخصائص العامة للالتزام بالتعاون يمكن أن نستنتج أنّ إخطار المجلس للمحكمة يفعل مسألة التعاون طبقا للمواد 86 إلى 102 من النظام الأساسي المخصصة للتعاون الدولي والمساعدة القضائية، فالمادة 86 منه تضع التزاما عاما بالتعاون بالنسبة لكل دولة طرف، كما تشير في هذا الصدد إلى الدول الغير التي قبلت اختصاص المحكمة فإنه يسري عليها ما يسري على الدول الأطراف من التزامات، خاصة وأن المادة 87/5 منه أوجدت آلية لإلزام الدول غير الأطراف بالتعاون مع المحكمة، فإذا كانت الإحالة صادرة من المجلس ولم تتعاون الدول مع المحكمة فللمحكمة أن تخطر المجلس بذلك [54] ص 82. أما فيما يخص فحوى الالتزام بالتعاون فإنه مفصل في المواد 89 حتى 93 التي تتضمن إمكانية أن تطلب المحكمة من الدول الأطراف ما من شأنه المساعدة في إحالة المتهمين إليها، أو إلقاء القبض عليهم لمحاكمتهم.

يبقى النظام الأساسي في صالح الدول فيما يخص التضييق في مسألة التعاون، ويمنح أسبابا تسمح بتوجيه عملها، فالالتزام بالتعاون في المادة 93 من النظام الأساسي بدرجة أكبر يسمح للدولة برفض طلب مساعدة المحكمة إذا كان أمنها العام في خطر، وهو ما ارتكزت عليه فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا من شأنه أن يعرقل بشكل ملحوظ عمل المحكمة. كما أن المادة 72 فقرة 07 لا تسمح للمحكمة بسلطة التصريح والإعلان بوثائق الدولة محل إجراء القضية، وقد جاء ذلك تحت عنوان (حماية المعلومات المتصلة بالأمن الوطني) [58] ص 212.

والنتيجة الوحيدة أن النظام الأساسي يسمح لها باستخلاص رفض من ذلك القبيل وإعمال نص المادة 87 من النظام الأساسي المتعلق بالمعاقبة على عدم التعاون تطبيقا لما استقر عليه العرف الدولي من أن مخالفة إحدى الدول لالتزاماتها الموجودة في اتفاقية انضمت إليها يسمح للدول بتجميد عضويتها، وهو ما يسمح لنا بالقول أنه يمكن لجمعية الدول اتخاذ بعض التدابير تجاه هذه الدولة، غير أنه فيما يتعلق بصعوبة اعتماد مثل تلك العقوبات لعدم النص عليها في النظام الأساسي، فإنه يكون من الصعب أن تجبر دولة بالإعلان عن وثائقها عندما تكون مهددة في أمنها الوطني. ومهما يكن من أمر فإن الدولة المعنية يمكن لها أن تطلب رفض التعاون عندما يكون المجلس مصدر الإخطار، خاصة إذا كانت إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وكان الأمر يتعلق بأمنها الوطني [30] ص 272- 273. ويمكن أن نتصور ذلك من الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد أحداث 11/09/2001.

وعليه فإن النظام الأساسي يعطي بذلك للدول مبررا يسمح لها بعدم الاستجابة لطلبات التعاون مع المحكمة دون أن يبدو ذلك كرفض مبدئي من طرفها لهذا الإجراء، ونجد المواد 94 و95 من النظام الأساسي تؤكد على إمكانية تأخير تنفيذ طلب التعاون بناء على طلب الدول الأطراف ما دام النظام الأساسي يسمح بذلك، ولا يبدو أنه من الممكن أن يقوم المجلس بالالتفاف على تلك الإجراءات، وبالتالي فإن هذا الحكم يفهم في سياق سيادة كل دولة، بحيث يمكن لها وحدها أن تحدد ما إذا كان أمنها الوطني في خطر، ودليل ذلك نص المادة72/1 التي تنص (تنطبق هذه المادة في أي حالة يؤدي فيها الكشف عن معلومات أو وثائق تابعة لدولة ما إلى المساس بمصالح الأمن الوطني لتلك الدولة حسب رأيها...)، كما أنه يجوز للدولة أن تتحلل من التزاماتها الدولية في الظروف الاستثنائية خاصة إذا علمنا أن ذلك مسموح به في مجال حماية حقوق الإنسان، فكيف بنا في مجال التعاون مع المحكمة [04] ص 176، لكن الخطر الأكبر في التعسف في استعمال هذه الأحكام والذي يبدو كعائق على عمل هذه المحكمة، لأن الدولة تتمتع بالفعل بالسيادة ولكن لا تستطيع أن تفعل ما تشاء، وسيادتها ليست مطلقة، بل هي مقيدة داخليا بالدستور وخارجيا بالمعاهدات والالتزامات الدولية الأخرى [8] ص 325.

والاقتراح البريطاني المتمثل في أن المحكمة يمكن لها أن تقدر مدى تأسيس وشرعية ذلك الرفض بناء على فكرة الأمن الوطني، وما إذا كان يسمح بإيجاد توازن بين مطالبات الدول إعمالا لمبدأ السيادة، وبين ممارسة المحكمة لاختصاصاتها، غير أنه لم يتم العمل به نتيجة المعارضة الشديدة للأمريكيين [59] .

وفي الأخير هناك تقييد للالتزام بالتعاون حسب المادة 89 من النظام الأساسي، يبين أن طلبات التوقيف أو التقديم تبقى مرتبطة بالإجراءات المعمول بها في التشريعات الوطنية، فقد جاء في المادة 89 /1ما يدل على ذلك، (يجوز للمحكمة أن تقدم طلبا مشفوعا بالمواد المؤيدة للطلب المبينة في المادة 91، للقبض على شخص وتقديمه إلى أي دولة قد يكون ذلك الشخص موجودا في إقليمها، وعليها أن تطلب تعاون تلك الدولة في القبض على ذلك الشخص وتقديمه،وعلى الدول الأطراف أن تمتثل لطلبات إلقاء القبض والتقديم وفقا لأحكام هذا الباب وللإجراءات المنصوص عليها في قوانينها الداخلية)، فهذه المادة من شأنها أن تؤثر سلبا على عمل المحكمة فيما يتعلق بطلبات التوقيف أو التقديم [21] ص 475. ويبدو من هذا الشرح البسيط أن نظام التعاون المعمول به في النظام الأساسي يحتوي على بعض المزالق التي يمكن أن تستعملها الدول للتنصل من واجب التعاون معها [30] ص 274. وبالنسبة لمجمل الحالات فإن تصرف الدول لا يمكن تكييفه على أنه إخلال لواجب التعاون، فهي قد تستغل تلك الثغرات الموجودة في النظام الأساسي، وهو ما كان يجب تجنبه أثناء مؤتمر روما.

1.3.2.2. تفعيل واجب التعاون في إحالة المجلس للمحكمة

يتم التعاون من خلال الأجهزة القانونية الوطنية التي تنفذ أوامر وأحكام المحكمة الجنائية الدولية، ويتم توجيه صور التنفيذ والتعاون بين الدول من خلال الأجهزة القانونية الوطنية للدولة الطرف، أو حتى للدول المتعاونة غير الطرف.

أولا: إمكانية تجاوز العقبات المنصوص عليها في النظام الأساسي: سبق وأن ذكرنا أن مجلس الأمن يسمح بالتأكيد للمحكمة بتخطي العقبات المدرجة في النظام الأساسي، ومثلما رأينا فإن التزام التعاون مع المحكمة مثلما هو منصوص عليه في النظام الأساسي يحتوي على عدد من الثغرات، ولن نكون مبالغين إذا قلنا بأن الدول الأطراف تسعى إلى تحريك وتجاوز تلك العقبات، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى الاختلافات في التقدير بحيث تكون في النهاية محل تحكيم من طرف مجلس الأمن حسب ما نص عليه النظام الأساسي ومقتضيات الفصل السابع من الميثاق [21] ص 451.

وعليه فإن دور مجلس الأمن مثلما أشرنا إليه في الأمثلة السابقة ينحصر في إلزام الدول على التعاون مع المحكمة، ويمكن أن يذهب إلى أبعد من ذلك بحيث يعمل على التخفيف من ارتباط المحكمة بالدول، ويكون ذلك عندما يقوم مجلس الأمن بإصدار أمر بالقبض على المتهمين بواسطة قوة حفظ السلم المشكلة من طرفه مثلما حدث ذلك في قضية يوغسلافيا، وعندما يتم إلزام الدول غير الأطراف في النظام الأساسي بالتعاون مع المحكمة، فإن المواد الأخرى ذات الصلة تطبق كتلك المتعلقة بتسليم الأشخاص المطلوبين وإلقاء القبض عليهم [60] [54] ص 85.
ثانيا: الآثار المترتبة على رفض التعاون مع المحكمة : تحتاج المحكمة الجنائية الدولية الدائمة على غرار المحاكم الجنائية الخاصة، إلى مساعدة الدول، لكي تقوم بمهام البحث والتحري والتحقيق على أحسن وجه، وذلك لعدم توافرها على جهاز شرطة خاص ومستقل عن باقي الأجهزة الدولية الأخرى الموجودة في القوانين الوطنية، لذلك نجد في النظام الأساسي الفصل التاسع مخصصا للتعاون الدول مع المحكمة، إذ تنص المادة 86المعنونة بالالتزامات العامة للتعاون، على أن الدول الأعضاء تتعاون مع المحكمة بصورة كاملة في التحقيقات والمتابعات التي تقوم بها بشأن الجرائم التي تدخل في اختصاصها، لكن قد يحدث أن بعض الدول ترفض التعاون مع المحكمة تحت أي تسبيب، فما هي الآثار المترتبة على رفض التعاون مع المحكمة؟ [7] ص 126.

و مسألة رفض التعاون مع القضاء الدولي قد عرفته محكمة يوغسلافيا السابقة مع الدول التابعة ليوغسلافيا سابقا في توقيف أو تسليم الأشخاص المشتبه في ارتكابهم لجرائم المقيمين على أراضيها، فكرواسيا مثلا كيفت تشريعها الوطني من أجل التعاون مع هذه المحكمة، وقامت بتسليم بعض الأشخاص، عكس صربيا التي رفضت تقديم المساعدة أو التعاون مع المحكمة بأي شكل كان.

إلا أن نص المادة 87 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نص على حالات عدم التعاون، إذ يلاحظ أن هذه المادة لا تمنح المجلس سلطة واسعة في حالات عدم التعاون، بخلاف ما كان عليه الحال في المحكمتين الجنائيتين ليوغسلافيا سابقا ورواندا، ولم تنص على الإجراءات الواجب إتباعها من طرف جمعية الدول الأطراف لإلزام الدول بالتعاون مع المحكمة [38] ص 159.

والتعاون المطلوب من الدول ما هو إلا التزام صوري لعدم وجود عقوبات حقيقية على على عدم التعاون باستثناء ما يصدره المجلس من قرارات لتذكير الدول بالتزاماتها بمقتضى النظام الأساسي للمحكمة أو اتخاذ بعض التدابير غير الملزمة أو الملزمة وفق الفصلين السادس والسابع من الميثاق [54]، ص81. وبالتالي تكون الدولة وفقا لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات قد أخلت بالتزاماتها الدولية المترتبة عن معاهدة، وتكون بذلك عرضة لتحمل المسؤولية الدولية.

1.3.2.3. اللجوء إلى المجلس لتوقيع الجزاء على عدم التعاون

سنقوم بفحص نتائج عدم تعاون دولة مع المحكمة، بحيث أن الإخطار ينبع من دولة طرف أو من طرف المدعي العام من جهة و مجلس الأمن من جهة ثانية، فإذا كان الإخطار من المجلس ولم تتعاون الدول معه، فإن المحكمة تبلغ المجلس بعدم تعاون الدول الأطراف، وهنا يتدخل المجلس طبقا للفصل السابع من الميثاق [21] ص 475. أما إذا كانت دولة الطرف هي التي أحالت أوأن المدعي باشر التحقيق بنفسه فكيف يتم الأمر؟
أولا: توقيع الجزاء غير مؤكد في حالات الإحالة الأخرى: انطلاقا من المعنى الذي يفيد بأن المحكمة تتجه إلى التدخل في محاكمة الشخص المتهم في حالة ما إذا كان هناك تقصير في إرادة الدولة أوعجز بالنسبة للجهات القضائية الوطنية في محاكمة ذلك الشخص، و يبدو هنا أن الدولة الطرف قد تتمسك بمبدأ التكامل في مواجهة المحكمة لكي تبقى هي المختصة بالنظر في تلك الجريمة، حيث يكون الأمر متناقضا أن ننتظر من الدولة محل الاتهام أن تتعاون فعليا مع المحكمة، والخطر بالنسبة للمحكمة يكمن في أن تجد نفسها في مواجهة رفض تعاون حقيقي وليس التحجج بمبدأ التكامل، وسنجد كذلك إن العقوبات التي يمكن توقيعها تبقى إلى يومنا هذا غامضة، مقارنة مع العقوبات التي يصدرها المجلس وفق الفصل السابع من الميثاق، وقد لا يكون لها في ذلك الوقت أثر إيجابي وفعال، وفي غياب آلية فعالة للعقاب فإن المحكمة سوف تكون مجبرة على أن نقوم بعدم معاقبة الدول الأطراف التي ترفض التعاون معها، وهوما يجعلناغيرمتفائلين بالنسبة لقدرتها على إتمام الإجراءات بشكل جيد[49].

لكنه عند النظر إلى أحكام النظام الأساسي المتعلقة بالعقاب على رفض التعاون فإن المادة 87/7منه [21] ص 451 تنص على أنه " في حالة عدم امتثال دولة طرف لطلب التعاون المقدم من المحكمة بما ينافي أحكام النظام الأساسي، ويحول دون ممارسة المحكمة لوظائفها واختصاصاتها بموجب هذا النظام، يجوز للمحكمة أن تتخذ قرارا بهذا المعنى وتحيل المسألة إلى جمعية الدول الأطراف أو مجلس الأمن إذا كان مجلس الأمن قد أحال المسألة ".

والمادة 112/2(و) المتعلقة بجمعية الدول الأطراف تنص على (تقوم الجمعية بما يلي: والنظر عملا بالفقرتين5 و7 من المادة 87 في مسألة عدم التعاون) [21] ص 496.

وإذا اعتبرنا أنه بالنسبة للدولة الطرف فإن عدم تعاونها يجعلنا نرى أن المحكمة تفعل المادة 87/7 فيما يخص رفضها التعاون، وبالنسبة للدولة غير الطرف تفعل المادة87/5 منه، وتظهر تلك الدولة بهذا الشكل في نظر المجموعة الدولية بأنها تخرق القانون الدولي، ولا تفي بالالتزامات التي صادقت عليها هي في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وإذا رفضت الانصياع لمثل ذلك فهنا لا يكفى حثها على احترام التزاماتها بموجب الميثاق ولكن يكون من الملائم اتخاذ تدابير عقوبات فعالة ضدها، غير أن المادة 112/ 2لم تحدد التدابير التي يمكن أن تعتمدها جمعية الدول الأطراف، كما لم تقدم القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات للمحكمة الجنائية الدولية قدمت أي توضيح حول هذه النقطة ويكون من الجدير أن تنتظر التوضيحات من المحكمة عندما تبدأ هذه الاخيرةعملها، خاصة أن التفسيرات المعطاة للمادة 112/2 المقترحة من طرف الفقه هي الأخرى متنوعة ومتناقضة في كثير من الحالات[61].

بالنسبة لبعض الفقهاء لا يبدو بأن جمعية الدول الأطراف بإمكانها اعتماد تدابير قسرية إذا كانت سلطة العقاب مرغوب فيها في تطبيق فكرة الضغط الأدبي أو تجميد العضوية فقط. غير أن البعض الآخر يستعملون هذه النتيجة حسب نصوص النظام الأساسي ويعتبرون أنه يبدو مغايرا أن هذا الجهاز يمكن أن يقرر عقوبات ضد الدولة الرافضة للتعاون، ويمكن على وجه الخصوص الترخيص للدول الأطراف اللجوء إلى إجراءات مضادة، والأكيد أن حدود هذا النظام يظهر أن الدول الأطراف فقط في النظام الأساسي تكون في وضع لاعتماد تدابير مضادة، و المحكمة لا يمكن لها أن تضع التزامات على عاتق الدول غير المنضمة إلى النظام الأساسي وفق المادة 34 لاتفاقيات فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 [51] .

فيما يتعلق بالتدابير التي قد تتخذها هذه الدول الأطراف مباشرة في مواجهة الدول الرافضة للتعاون ليس تعليق حق التصويت فقط، لأن العلاج في هذه الحالة قد يكون له نتائج وخيمة من الأضرار المسببة من طرف الدولة الرافضة للتعاون، ومهما يكن من أمر لا يوجد أي ضمان يجعل من جمعية الدول الأطراف تتخذ قرارا مهما كان نوعه في مواجهة الدول التي ترفض التعاون بما في ذلك حجم هذه المحكمة و مدى قدرتها على عقد مثل تلك الاجتماعات " مرة في السنة مع احتمال عقد دورات طارئة، أضف إلى ذلك متطلبات المادة 112/6 وكيفية التصويت داخل الجمعية وفق المادة 112/7، ومنه فلا يوجد ما يجعلنا نأمل بأن المحكمة ستعمل بطريقة جيدة و فعالة حول هذه المسألة [21] ص 495.

وبالنظر إلى هذه العناصر فإن واجب التعاون مثلما هو منصوص عليه في النظام الأساسي أنه عندما تخطر المحكمة من طرف دولة طرف أو المدعى العام من شأنه أن يكون في مستوى الإجراءات شكلية فقط لا غير، لكن المهم في هذه الدراسة هو معرفة الدور الذي من الممكن أن يلعبه المجلس في مواجهة رفض تعاون الدول مع المحكمة.

ثانيا: اللجوء إلى المجلس لإمكانية توقيع الجزاء على عدم التعاون: يمكن أن نلاحظ أن الهيبة التي يمكن أن يقدمها اللجوء إلى مجلس الأمن حيال رفض دولة التعاون والذي أصبح أمرا مستحسنا من طرف الدول التي كانت معارضة لسلطة المجلس في الإحالة ومن بينها الجزائر [39] ص 15.

والتي كانت ترغب بأن يكون المجلس بمثابة دعامة للمحكمة يزيد من قوتها و استقلاليتها [44] ص 212. فالسبب الرئيس للانصياع للقانون يعود إلى الخوف من لجوء السلطة العليا إلى استعمال القوة لأن الجزاء هو الذي يحمي القاعدة القانونية، إلا أنه ليس شرطا لوجودها [62] ص 39- 40. والنتيجة التي من الممكن أن تتمخض من مقارنة المادة 94 من الميثاق والمادة 87/5 من النظام الأساسي بشأن إمكانية اللجوء إلى المجلس لإلزام الدول على التعاون مع المحكمة تتمثل في ثلاث فروض:
* الفرض الأول وهي أن تكون الدولة عضوا في الأمم المتحدة قد أبرمت اتفاقا مع المحكمة.
* الفرض الثاني وهي أن تكون عضوا في الأمم المتحدة و لم تبرم اتفاقا مع المحكمة.
* الفرض الثالث وهي ألا تكون عضوا في الأمم المتحدة و لم تبرم اتفاقا مع المحكمة.

وبالتالي فعندما يتم إلزام هذه الدول الغير بالتعاون مع المحكمة فإن نصوص النظام الأساسي المتعلقة بالتعاون تصبح قابلة للتطبيق، ويبقى التساؤل عن كيفيات اللجوء إلى المجلس و ماهي التدابير التي يمكن له أن يتخذها [39] ص 16.

- كيفية لجوء المحكمة إلى مجلس الأمن:لا يمنح النظام الأساسي في هذا الإطار دور كبير للمجلس في هذه المسألة، ولا يقصر اللجوء إلى هذا الأخير إلا عندما يكون هو مصدر الإحالة حسب المادة 87/7 من النظام الأساسي.

إن الإخطار من طرف مجلس الأمن باعتباره ناتجا عن الفصل السابع من الميثاق يؤدي إلى فرض التزام بالنسبة للدول الأطراف في الأمم المتحدة بالتعاون مع المحكمة وفق المادة 25 من الميثاق، وخرق هذا الالتزام هو الذي يجعل المحكمة تلجأ إلى مجلس الأمن على الأقل فيما يتعلق بالدول الأطراف في النظام وفق المادة 87/7من النظام الأساسي، وحتى بالنسبة للدول غير الأطراف وفق المادة 87/5 منه، وبالتالي فإن المحكمة لا تقوم بالحث على العقوبات ولا تقدم له نموذجا لهذه العقوبات التي من الواجب توقيعها على الدول التي ترفض التعاون معها، رغم أن هذا التصرف من جانبها قد يدعم قرار المجلس من حيث الشرعية الدولية، والأكثر بالنسبة للسلم والأمن الدولي طبقا المادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة، ولا يكون ذلك إلا إذا افترضنا حالة عدم احترام التزام التعاون بأنه أصبح يشكل تهديدا للسلم والأمن وفق مفهوم المادة 39 من الميثاق، والتي يمكن بهذا التحديد تقرير التدابير الملائمة وفق المادة 41 من الميثاق والتي من بينها قطع العلاقات الاقتصادية، أو وفق المادة 42 منه المتعلقة باستعمال القوة وتدابير القمع وكل هذا تحت راية ميثاق الأمم المتحدة [02] ص 42.
ويمكن إبداء ملاحظة في هذا الصدد فيما يخص عدم التعاون من طرف الدول غير الأطراف في النظام الأساسي والتي تكون خاضعة للالتزام بالتعاون مع المحكمة بحيث أنه عندما يكون الإخطار بموجب قرار من مجلس الأمن وفق الفصل السابع تجعلها ملزمة بالتعاون، لأنه لا يوجد أي حكم في النظام الأساسي أو الميثاق يؤكد على استبعاد إمكانية قيام المحكمة بإعلام مجلس الأمن بالإخلال بواجب التعاون بالنسبة لدولة غير طرف، والتي لم تنضم للمحكمة بموجب اتفاق خاص أو أي اتفاق آخر طبقا للمادة 87/7 ويكون من الصعب أن نتوقع من أن المحكمة يمكن لها أن تعالج المسألة بالصورة التي يمكن للمجلس أن يعالج بها المسألة، لما تكون دولة غير طرف محل إحالة من طرفه [54] ص 81.

و يثور الانتقاد فيما يخص إرادة النظام الأساسي في تحديد اللجوء لمجلس الأمن عندما يكون هذا الأخير مصدر الإخطار للمحكمة، وهذا التقييد الذي أتى به النظام الأساسي يبدو أنه لا يوجد ما يتعارض معه في كون أن مجلس الأمن يحدد رفض التعاون، والذي قد يكون مهددا للسلم والأمن وفق المادة 39من الميثاق، ويقرر بالمناسبة التدابير اللازمة لوقفها، وإلتزامات الدول الأطراف تتأرجح بما ينتج بالنسبة لهما من النظام الأساسي ومن مواد الميثاق، والمجلس يمكن أن يقوم بالعقاب على كل خرق للالتزام بالتعاون مع المحكمة إذا كان حفظ السلم والأمن يقتضي ذلك، وهذا بالاستقلال على مصدر الإخطار [55]. سواء كان هو مصدر الإخطار أو الدولة الطرف أو أن المدعي العام باشر التحقيق بنفسه، وهذا التدخل للمجلس قد يكون في صالح المحكمة ويساعدها على أداء دورها بشكل فعال.
- التدابير التي يمكن للمجلس اتخاذها : للمجلس سلطة الاختيار بالنسبة للتدابير الواجب اعتمادها فيما تخص عدم تعاون دولة ما مع المحكمة، حيث أن الميثاق لم يستعمل لفظ عقوبة أو جزاء. فليس من الصعب على الباحث أن يستنتج ذلك من مواد الميثاق الحالات التي تشكل عقوبات ضد الدول، فهناك الطرد أو الفصل من المنظمة في حال انتهاك دولة مباديء الميثاق وقرار الطرد يصدر بأغلبية الثلثين من الجمعية العامة وتوصية من المجلس، إضافة إلى الحرمان من حقوق العضوية، وذلك في الحالة التي يكون المجلس قد اتخذ ضدها عملا من أعمال المنع أو القمع، وأن تصدر التوصية بالوقف من المجلس، وكذلك العقوبات القسرية الأخرى الواردة في الفصل السابع من الميثاق [3] ص 230- 231.
وقد أشارت الغرفة الاستئنافية لمحكمة يوغسلافيا سابقا في قضية "blastic" إلى أن تحديد شكل التدابير ليس من اختصاص المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا، وليس عليها إجبار المجلس على ذلك، إذ لا يجب أن يتضمن أي توصية أو اقتراح يرتبط بالتدابير التي يجب أن يأخذها مجلس الأمن إثر رفض التعاون، ومثلما عرض أعلاه بأن المحكمة الجنائية الدولية لا يمكن أن تدوس على السلطات القانونية المخولة بموجب فصول الميثاق لمجلس الأمن بأي شكل كان وتحت أي تسبيب [63].

ولا يبدو أن هناك أي سبب يجعل المحكمة الجنائية الدولية تقدم على مثل هذا الإجراء، أو أن تفرضه هي على المجلس، فالمجلس قد يتفطن للامتناع على عدم تعاون دولة ليس من المحكمة وحدها بل و بأي شكل آخر، إذ قد تعلمه الدولة مثلا بطريقة غير مباشرة.

إذا نظرنا إلى هذه الأحكام الواردة في النظام الأساسي فإن إمكانية فرض تدابير قسرية يكون في حالة الإخطار من طرف المجلس يسمح للمحكمة بالعمل بطريقة أكثر فعالية من الناحية النظرية على العكس من افتراض أنها تكون مخطرة من طرف الدولة أو المدعي العام، وعمليا فإن النتائج التي تحققت من عمل المحاكم الخاصة لم تكن مطمئنة بالنظر إلى افتراض اتفاق بين الدول الدائمة العضوية في المجلس حول اعتماد تدابير قسرية ردا على إخلال دولة بالتزامها في التعاون مع هذه المحاكم الخاصة.

ونذكر على وجه الخصوص التوصية 1019 الصادرة سنة 1995 والتي من خلالها أجاب تقرير لمحكمة يوغسلافيا الدولية سابقا بالتطرق لرفض واجب التعاون بالنسبة لسلطات (صرب البوسنة) في عدم التعاون، فالمجلس اكتفى بالتصريح باهتمامه العميق بذلك التصرف في عدم التعاون [51].

وقد استنتج قضاة الاستئناف في قضية tadic أن التدابير الواردة في المادة 41 من الميثاق هي مجرد مثال توصيفي، ولا تمنع من اتخاذ تدابير أخرى [22] ص 32 - 33. وعليه تظهر حدود ما يعرف بالشراكة البناءة بين مجلس المحكمة الجنائية الدولية، وفيما تخص ترقية العدالة الجنائية الدولية وحفظ السلم والأمن الدوليين مع أنها محل تطور مستمر في محاولة لقمع الجرائم الدولية، ففي نظر أعضاء مجلس الأمن الدولي فان عدم تعاون دولة مع المحكمة تشكل بالنسبة للمجلس خطوة إضافية، كي يتجه المجلس إلى الإشارة إلى تلك الدولة بالذات أنها التي لم تتعاون [25].

في الأخير وانطلاقا من حالة اعتماد جمعية الدول الأطراف لتدابير قسرية يبدو هو الأمل الوحيد في قدرة المحكمة على متابعة الإجراءات المرتبطة بالدعم الذي يمكن أن يقدمه المجلس كما رأينا سلفا في هذا المجال، فللمجلس طبقا لمواد الميثاق ومواد النظام الأساسي أن يتخذ ما يلزم من تدابير قسرية لإلزام الدول على التعاون مع المحكمة في الإحالة الصادرة منه، لكننا أصبحنا نخشى من أن ينحرف المجلس عن هذا الإطار ويتدخل ويشرعن لاحتلال دولة ما مقارنة مع الإخلال الذي يمكن أن تقوم به تلك الدولة، على أن الدور الذي منح للمجلس في إجراءات المحكمة لم يتوقف عند هذا بل وصل الأمر إلى حد منح المجلس سلطة إيقاف التحقيقات والمتابعات أمام المحكمة، إضافة إلى الدور الذي يلعبه في تحديد جريمة العدوان وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في الفصل الثاني إن شاء الله.
وخلاصة لهذا الفصل فإن الأساس القانوني الذي يحكم هذه العلاقة ظهر أنه لازم للمجلس كي لا يحيد عن حدود ما رسم له في الميثاق و النظام الأساسي، وذلك حتى لا يتزعزع ميزان العدالة الدولية،
على أن موضوع الإحالة كان لابد منه لتفعيل اختصاص المحكمة نتيجة للدور الذي يمارسه المجلس على الساحة الدولية، ونحن نرى انه كان من المفروض أن يتم إدراج دور للجمعية العامة للأمم المتحدة موازاة مع ما منح للمجلس، كل ذلك خدمة للعدالة الدولية، خاصة مع احتمال شلل المجلس في مواجهة بعض القضايا التي تعرض عليه.
أما فكرة التعاون مع المحكمة فقد أصاب واضعو النظام الأساسي من إدراج دور للمجلس في عمل المحكمة، وذلك لتحقيق التوازن بين متطلبات العدالة الدولية، ومقتضيات ما يحدث على الساحة الدولية.
















الفصل 2
إجراءات مجلس الأمن تجاه المحكمة الجنائية الدولية


سنحاول من خلال هذا الفصل الثاني أن نتطرق للإجراءات المتبعة من طرف مجلس الأمن تجاه المحكمة الجنائية الدولية، وهذا استجابة لتحقيق هدفي كل من المجلس والمحكمة، وكل هدف متعلق بجهاز معين وهما حفظ السلم والأمن الدوليين بالنسبة للمجلس وترقية العدالة الجنائية الدولية بالنسبة للمحكمة، هذه الأخيرة تطرح إشكالية في مواجهة أحكام الميثاق خاصة المواد المحددة لاختصاصات المجلس، ولهذا لم يكن متوقعا أن يتم عزل المحكمة عن هذا الوسط القانوني الدولي، وحتى إمكانية عدم ربطها بجهاز سياسي كمجلس الأمن والذي جعل الكثير يحتمل إمكانية أن يدفع بها إلى تكريس مصداقيتها أكثر.

وعليه فقد أصبح للمجلس دور في الإجراءات تجاه المحكمة، فالأمر يتعلق من جهة بشكل عام بمسؤولياته الأساسية فيما يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين وبالآلية التي وضعها النظام الأساسي لتحديد اختصاص كل من المجلس والمحكمة، ومن جهة أخرى باختصاصه في تعليق التحقيق والمتابعة، إضافة إلى الدور الممنوح له في الإجراءات أمام المحكمة بخصوص جريمة العدوان.

2.1. تحديد إجراءات المجلس مع المحكمة

المقصود من هذه الإجراءات هو تبيان نوعية الإجراءات التي تخص عمل المجلس، ثم الإجراءات التي تخص عمل المحكمة، فبالنسبة للإجراءات التي تخص عمل المجلس فهي مجموع الشروط الشكلية والإجرائية التي يتعين على المجلس مراعاتها عند إصداره لقراراته وإلا كانت باطلة وغير شرعية، وكل ذلك من ناحيتين:

- الأولى تتعلق بمجمل القواعد التي يجب على المجلس مراعاتها في إصدار القرار، والتي تشكل أساسا متينا للقول بشرعية أو عدم شرعية هذه القرارات، بحيث يتعين القضاء بعدم شرعيتها إذا جاءت مخالفة لتلك الإجراءات، مثال ذلك كيفية صدور هذا القرار وكيفية التصويت عليه من قبل أعضاء مجلس الأمن، ووجوب التفرقة بين المسائل الموضوعية والإجرائية، أو أنه مثلا على الدولة الطرف في النزاع المعروض على المجلس الامتناع عن التصويت.
- والثانية متعلقة بوجوب خضوع عملية تنفيذ القرار الصادر من المجلس لرقابته وإشرافه لأن تخلي المجلس عن هذه المهمة يفتح الباب للانحراف عن الشرعية الدولية.

أما ما يتعلق بالإجراءات الخاصة بالمحكمة فهي مجموع الإجراءات المتعلقة بسير الدعوى أمامها، بدءا من المجال المحدد لاختصاص المحكمة والجرائم الداخلة في ذلك، وصولا إلى إجراءات التحقيق في الدعوى الجزائية أمامها، إضافة إلى مجموع الضمانات المكرسة لمصلحة المتهم أثناء التحقيق، وصولا في النهاية إلى إجراءات المحاكمة والقرارات الصادرة عنها وكذا شروط وإجراءات التنفيذ، وغيرها من المسائل التفصيلية الأخرى، على أن دراستنا هنا ستنصب على دور المجلس في بعض إجراءات المحكمة.

2.1.1. إجراءات المجلس في الإحالة

للمجلس عدة اختصاصات في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية، يستند في ممارسته لها غلى ميثاق الأمم المتحدة باعتباره أحد الأجهزة الرئيسية فيها، ومن نصوص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي حدد على سبيل الحصر الجرائم الدولية الداخلة في اختصاصها بما في ذلك الاختصاص النوعي والمكاني والزماني لها، وكل قرار يصدره المجلس لابد له من آثار ينتجها في مواجهة المخاطبين بالقرار، فقد يحيل المجلس حالة إلى المحكمة أحد أطرافها دولة طرف في النظام الأساسي أو دولة غير طرف ومنه سنعالج أثر قراره على كلتا الحالتين.

2.1.1.1. إجراءات المجلس بإحالة قضية أمام المحكمة

وهنا يكون علينا أن نتطرق لقضية أحالها المجلس إلى المحكمة، فهل ينعقد للمحكمة الاختصاص بنظر تلك القضية،إذا كانت دولة أو أكثر من الدول التالية طرفا في النظام الأساسي للمحكمة، أي الدولة التي وقع على إقليمها الجرم أو دولة جنسية المتهم، فإذا كان المجلس يستطيع إحالة حالة إلى المحكمة أحد أطرافها دولة طرف في النظام الأساسي في مواجهة جرائم محددة حصرا في النظام الأساسي، فما هي الآلية التي اعتمدها النظام الأساسي لغرض إحالة المجلس لحالة لا تكون الدولة الداخلة في القضية طرفا في النظام الأساسي للمحكمة؟ [21] ص 35.

عمد واضعو النظام الأساسي للمحكمة إلى الاستفادة قدر الإمكان من آلية عمل المجلس المحددة في ميثاق الأمم المتحدة لأداء مهامه في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين سواء من حيث الأساس القانوني للممارسة أو القواعد الإجرائية والشكلية في كل ذلك [2] ص 52. وهذا لتفعيل اختصاص المحكمة، على الرغم من الخطر والمحاذير التي أثبتتها الممارسة العملية للمجلس في معالجة القضايا التي يواجهها، وعلى كل حال فإن إحالة المجلس حالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، يجب أن يكون تحت طائلة الفصل السابع من الميثاق، والذي جاء تحت عنوان (الإجراءات التي تتخذ في حالات تهديد السلم والإخلال به أو وقوع العدوان)، وخاصة المواد 39، 40و41 و42 من الميثاق. بحيث أنه إذا أصدر المجلس قرارا وفق هذه المواد فإن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، تكون ملزمة بتنفيذ مثل تلك القرارات خاصة إذا ما تم إدراج المادة 25 منه في هذا القرار، ومنه فإن النظام الأساسي للمحكمة لم يتطرق إلى مثل هذه الإجراءات الموجودة في مواد الميثاق، ولم يتعرض كذلك إلى كيفية إحالة مجلس الأمن لمثل هذه القرارات بعد اتخاذها إلى المحكمة [54] ص 18- 19.

لم يكن تبني هذه الآلية في النظام الأساسي بالأمر الهين أثناء مفاوضات روما، حول سلطة المجلس لإحالة نوع معين من الجرائم إلى المحكمة، فقد تم التوصل إلى حل وسط وهو أن تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة 05 من النظام الأساسي للمحكمة، في الأحوال التالية: "... 2- إذا أحال مجلس الأمن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت..." [49].

وتطبيقا لنص المادة 13 من النظام الأساسي، فلا تثور مسألة اختصاص المحكمة في نظر تلك القضية التي أحد أطرافها دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة، والمحالة إليها من قبل المجلس إذ تخضع مثل هذه القضايا إلى المواد 11و12 / 2 من النظام الأساسي، كقاعدة عامة أما ما يثير التساؤل هو تلك القضية التي لا يكون أحد أطرافها دولة طرف في النظام الأساسي، وحتى وإن كانت هذه الدولة عضوا في الأمم المتحدة، إذا أحال المجلس هذه الحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، ففي مثل هذه الحالة فإن اختصاص المحكمة تحدده المادة 12/2 من النظام الأساسي للمحكمة [49]. أي الشروط المسبقة لممارسة الاختصاص ومن ضمن هذه الشروط ما تضمنته المادة 13/(ب) من النظام الأساسي المتعلقة بالإحالة الصادرة من المجلس [21] ص 45.

وهذه المادة تختص بإحالة المجلس لحالة أحد أطرافها دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة وتكون قد قبلت اختصاص المحكمة [16] ص 326. فوفق المادة 13/(ب) يستطيع المجلس إحالة قضية إلى المحكمة وهو ما يطلق عليه الاختصاص الشخصي للمحكمة [16] ص 327، بغض النظر عن الاختصاص المكاني لها، وذلك كله حتى لا يفلت المجرمون من العقاب عن طريق امتناع دولهم على التصديق على النظام الأساسي للمحكمة، فهذا النص قد أثار مخاوف الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية على النحو السابق الذكر، رغم هيمنة الدول الكبرى على المجلس، إذ أنه لا يمكن لأي قرار أن يصدر عن المجلس بإحالة قضية إلا بموافقة هذه الدول [54] ص 23. والتخوف إذن من أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالتعسف في استخدام هذه الآلية لتعطيل العدالة الدولية، فهل لهذه المحكمة سلطة مراجعة قرار المجلس بالإحالة، وهل المحكمة ملزمة بقرار المجلس بشأن تحديد اختصاصها وموضوع قبول الدعوى؟.
أولا: إجراءات المحكمة في مراجعة قرار المجلس بالإحالة: المراجعة القضائية أو القانونية لأعمال الأجهزة السياسية قاعدة معروفة في القانون الداخلي والدولي، ففي القانون الداخلي فالمحاكم الإدارية والمجالس الدستورية لها سلطة مراجعة كل ما يصدر عن الحكومة [64]. والتأكد من مدى شرعيتها ودستوريتها، ذلك أن القانون الدستوري و الإداري يجعل الدولة تخضع للقضاء الوطني، ويجب أن تسأل عن أعمال موظفيها أمام القضاء الإداري و العادي [65] ص 157. والحال كذلك في القانون الدولي رغم أنه ليس لمحكمة العدل الدولية سلطة مراجعة قرار المجلس، وإن كانت بعض الآراء ترى عكس ذلك، حيث ظهر هذا الموقف في قضية (لوكا ربي). فإذا كانت الممارسة الدولية تتجه إلى منح المحكمة أي محكمة العدل الدولية سلطة مراجعة قرارات المجلس دونما نص، فإنه لا يمكن القول بحرمان المحكمة الجنائية الدولية من مثل تلك السلطة [5] ص 191. وحتى وان كانت محدودة، وذلك لخطورة موضوع اختصاص المحكمة أي الجرائم الدولية، حتى مع سكوت النظام الأساسي على ذلك، ومنه فإذا كان النظام الأساسي معاهدة شارعة فإنه وفقا لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات إذ أن تفسير المعاهدة هو تحديد المعنى للنصوص التي أتت بها ونطاق تطبيقها وتفسيرها ولا يتسم الأمر دائما باليسر. إضافة إلى ذلك فهناك جهات خاصة بالتفسير، ومنه فإنه وحتى مع سكوت النظام الأساسي للمحكمة، عن ذلك فإنه يمكن منح المحكمة هذا الحق خلافا للممارسة الدولية في قضية لوكا ربي السابقة الذكر، حيث أن الممارسة اتجهت إلى منح محكمة العدل الدولية سلطة مراجعة قرارات المجلس، وعليه يمكن منح المحكمة الجنائية الدولية مثل هذا الحق في مواجهة قرارات المجلس [8] ص 567.

والمادة 13/ ب من النظام الأساسي للمحكمة، تجعل اختصاص المحكمة لا ينعقد إلا عندما يحيل المجلس القضية إلى المحكمة وهذا مقارنة بين المادة 13/ب والمادة 12 من النظام الأساسي [49]. رغم أنها سكتت عن الإجراءات الواجب إتباعها من المجلس عند الإحالة إلى المحكمة، ومنه يثور التساؤل عن أسس مراجعة المحكمة لقرار المجلس، رغم أنها جهاز قضائي وهو جهاز سياسي [54] ص 25 - 26.
ثانيا: الأسس القانونية لمراجعة المحكمة لقرار المجلس:يمكننا من خلال المادة 13 من النظام الأساسي و غيرها من مواد النظام الأساسي أن نستنتج الأسس التي تمنح المحكمة سلطة لمراجعة قرار المجلس بالإحالة، لأنه لابد أن توجد هناك أسس يمكن الإستاد عليها في مراجعة أي تصرف أو اختصاص أوقرا ر صادر من المجلس، ومن هذه الأسس ما يلي:
- إجراءات التصويت في المجلس:على المحكمة أن تتأكد من أن قرار المجلس بالإحالة قد استكمل إجراءات صدوره وفق ميثاق الأمم المتحدة، إذ أن القرارات في المسائل الإجرائية تصدر بموافقة 09 من 15 عضوا في المجلس، في حين تصدر في المسائل الموضوعية بموافقة 09 من 15 عضوا يكون من بينها لزاما أصوات الدول الدائمة العضوية [2] ص13.غير أن الميثاق لم يضع معيارا واضحا للتمييز بينها [3] ص 262. وباعتبار أن قرار الإحالة من المسائل الموضوعية، فإن تغيب دولة دائمة العضوية عن التصويت أو امتناعها قد يؤثر في تكوين القناعة لدى المحكمة بإمكانية ممارسة اختصاصها وفق المادة 13/ب من النظام الأساسي، على أساس أن اشتراك العضو الدائم في التصويت توجبه من جهة مسؤوليته في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين ومن جهة أخرى يمنح القرار شرعية ومصداقية [54] ص 26.
- التصرف وفق الفصل السابع من الميثاق:لا يكفي أن تكون إجراءات التصويت صحيحة في قرار المجلس لممارسة المحكمة لاختصاصها بل لابد أن يشير المجلس في قرار الإحالة إلى الفصل السابع من الميثاق [3] ص 263 وهنا ينبغي الفصل بين ما هو سياسي وبين ماهو قانوني، وبين اختصاصات المجلس واختصاصات المحكمة، وهنا يطرح التساؤل عن إمكانية انتهاك المجلس لحدود الاختصاص الممنوحة له، ومنه فما هي الآلية التي ابتدعها النظام الأساسي لمنع انتهاك المجلس لاختصاص هذه المحكمة، والحقيقة أن النظام الأساسي لم يدرج مادة تمنع تكرار ما حدث في قضية لوكا ربي من وجود فكرة تنازع الاختصاص بين المجلس والمحكمة حيث أن ليبيا و المؤيدين لها يرون أن الأمر يتعلق بمسألة قانونية وهي نزاع قانوني يتعلق بتسليم المجرمين [5] ص 191. ويحل هذا النزاع أمام القضاء الدولي، في حين ترى الدول الغربية أن النزاع سياسي خاص بالإرهاب الدولي وأن المجلس هو صاحب الاختصاص الأصيل به [2] ص 252. فالفصل بين عمل المحكمة والمجلس إذا افترضنا وجوده فان عمل المجلس يبدؤه باتخاذ قرار وفق المادة 39 من الميثاق في حالة تهديد السلم لإحالتها على المحكمة وعليه يكون للمحكمة أساس يسمح بمراجعة هذا القرار.
- محدودية نطاق المراجعة:نرى أن الأساسين السابقين، وإن كانا يستفيدان من التفسير المرن للمادة 13/ب من النظام الأساسي، فعن محدودية نطاق المراجعة كأساس ثالث من أسس المراجعة، فإنه يخرج عن مجال التفسير الواسع، للمادة 13/ب من النظام الأساسي إلى ما يجري عليه العمل الدولي من مدى سلطة المحاكم الدولية في مراجعة قرار المجلس، ففي النظام القانوني الدولي وخصوصا النظام الذي يحكم العلاقة بين المجلس والمحكمة، فإن مبدأ العدالة يقتضي وجود نوع من الرقابة الدستورية المنظمة بين المجلس والقضاء الدولي بصفة عامة سواء فيما تعلق بالقضاء الذي يحمي مصالح وحقوق الدول أو القضاء الذي يحكم حقوق ومصالح الأفراد [54] ص 28.

وعليه فإن النظام الدولي مازال يعتريه القصور في مجال المراجعة القضائية لقرارات هذا المجلس، وخصوصا القرار الصادر وفق الفصل السابع من الميثاق في حالة تدخل ضمن اختصاص المحكمة، وحتى يتم إبرام الاتفاق بين المحكمة وهيئة الأمم المتحدة، وذلك من خلال اتفاقية تعتمدها جمعية الدول الأطراف، وسوف تقوم اللجنة المكلفة بإعداد مشروع هذه الاتفاقية، وتكون العلاقة هي نفس العلاقة بالهيئات الأخرى المنشأة بموجب اتفاقية تكون أهدافها متقاربة مع أهداف هيئة الأمم المتحدة [21] ص 70. ومن خلال هذه الاتفاقية يمكن تحديد كيفية إرسال المجلس لقراراته وكيفية مراجعتها وأسس ذلك، فإذا لم يحل المجلس قضية تدخل ضمن اختصاص المحكمة على الرغم من قراره بأن هذه القضية تهدد السلم والأمن الدوليين، فان هذه القضية قد تصل إلى علم المحكمة بواسطة الدولة الطرف أو المدعي العام، وعليه فللمدعي العام أو الغرفة التمهيدية الحق في مناقشة قرار المجلس، وعلى الأسس السابقة نفسها نظرا للسلطة الممنوحة لهما [54] ص 29.

إن هذه الأسس الثلاث تمنح المحكمة سلطة لمراجعة قرار المجلس بالإحالة، لكن التساؤل حول قدرة المحكمة على مراجعة السلطة الممنوحة للمجلس بمقتضى الفصل السابع من الميثاق لتقرير وجود تهديد للسلم والأمن أن النظام الأساسي للمحكمة والممارسة الدولية القضائية لا تمنح المحكمة هذه السلطة، فلا تستطيع المحكمة مراجعة الأساس الذي استند إليه قرار المجلس وفق الفصل السابع من الميثاق بإحالة حالة للمحكمة أو الأسس التي استندت عليها الإحالة كتهديد السلم والأمن الدوليين، والقول بغير ذلك يؤدي إلى تدخل المحكمة في اختصاص المجلس المحدد في الميثاق.

ثالثا: إجراءات المحكمة في تأكيد اختصاصها :سلطة المجلس في إحالة حالة للمحكمة أو طلب تأجيل النظر فيها على أساس تهديدها للسلم والأمن وتدخل ضمن اختصاص المحكمة، وسلطة المحكمة في تقرير اختصاصها تمثل جميعها معادلة صعبة، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقرر معالم أي نظام دولي جديد كما نرى اليوم، حتى ولو خالفها العالم أجمع، كما نرى في التحديد الأمريكي لمفهوم الإرهاب، وذلك بتقديمها تعريفات متنوعة تتلاءم و تطبيقاتها ومعاييرها المزدوجة، ومن ثم الوقوف أمام أي تعريف للإرهاب يكون مقبولا دوليا [66] ص 15. وتعمل كذلك على انتهاك نصوص الميثاق وخاصة القواعد الآمرة فيه والتي تشكل ضمانات ضد التعسفات المتوقعة من الدول الكبرى، وهي تشكل ضمانا لاحترام النظام العام الدولي، خاصة إذا علمنا أن القانون الدولي الجنائي هو قانون يهدف إلى الدفاع عن النظام العام الدولي [67] ص 32، وتنتهك أمريكا كذلك مقاصد الأمم المتحدة وما يلقيه الميثاق من التزامات على عاتق الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ومن بينها احترام حقوق الإنسان وتقديم المجرمين للمحاكمة أمام المحاكم الدولية [54] ص 32.

ولما كان الميثاق معاهدة دولية شارعة فإنه لا يتصور أن يقوم بمنح الدول الدائمة العضوية في المجلس سلطة اتخاذ قرار بالإحالة أو طلب التأجيل يتعارض ومباديء القانون الدولي، مثلما نصت على ذلك المادة 53 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969 [51]. وخاصة المبادئ المتعلقة بالعدالة ومعاقبة مجرمي الحرب، فالعلاقة بين المجلس و المحكمة في مسالة الاختصاص والتي هي من أهم المسائل الإجرائية لأنها تفتح الباب للدخول إلى مجال المحكمة، وتتمثل في أن للمجلس عملا سياسي يلتزم به وأن للمحكمة عملا قانونيا ينبغي عليها الالتزام به، فقد حدد النظام الأساسي للمحكمة قواعد انعقاد اختصاص المحكمة وذلك بوضع آلية أشارت إليها المادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة ،بحيث تطرقت هذه المادة إلى الإحالة الصادرة من المجلس، وعلى الرغم من وجود هذا النص في النظام الأساسي ووجود نصوص أخرى في الميثاق تحتم على أعضاء المجتمع الدولي وأعضاء المجلس الدائمين .خصوصا احترام قواعد القانون الدولي، خوفا من أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه قرار المجلس بصورة تخدم مصالحها، وذلك إما بالتوجه إلى إصدار قرار بإحالة قضية لا تدخل ضمن اختصاص المحكمة، أو بطلب تأجيل قضية من اختصاص المحكمة [21] ص 69.

وعليه فإنه لا المجلس يملك سلطة تحديد اختصاص المحكمة ولا المحكمة ملزمة بما يقرره المجلس، هذا هو التأكيد الواضح لاستقلالية كل منهما عن الأخر في ممارسة كل منهما لاختصاصاته لتحقيق أهدافه في مجال ممارسة الاختصاص، إذ أن المادة13 من النظام الأساسي قررت أن ممارسة المجلس لاختصاصه بإحالة القضية يجب أن يكون وفق النظام الأساسي للمحكمة وذلك لتعزيز استقلالية هذه المحكمة ومنع أي محاولة للهيمنة عليها، في حالة ما إذا إحالة المجلس قضية إليها وفق الفصل السابع من الميثاق بمنح المدعي العام و الغرفة التمهيدية سلطة معينة، ومنها سلطة المدعي العام في تقويم المعلومات التي يتسلمها، ومن ضمنها ما يحيله إليه المجلس، فبالنسبة لتقرير اختصاص المحكمة في قضية أحالها إليها المجلس وفق الفصل السابع من الميثاق فان نصوص النظام الأساسي تؤكد أن للمدعي العام ليس ملزما دائما بإحالة المجلس لقضية ما متصرفا بموجب الفصل السابع من الميثاق [21] ص 75.

حيث أن المادة 53/1 من النظام الأساسي تمنح المدعي العام سلطة تقدير ما إذا كان له أن يشرع بالتحقيق أم لا، فلا تعد إحالة المجلس أساسا مقبولا لبدء التحقيق أو المتابعة، وهو ما يمنح هذه المحكمة ضمانة أكيدة ضد أي محاولة من قبل المجلس للهيمنة على المحكمة وقد أكد ذلك نص المادة 53/3 من النظام الأساسي، التي تمنح المدعي العام سلطة تقديرية إذ أنه بإمكانه أن يقرر عدم الشروع في التحقيق [30]، ص 47. في حالة أحالها المجلس. ومع ذلك يبقى للمجلس أن يطلب من الغرفة التمهيدية للمحكمة مراجعة قرار المدعي العام لكن قد يكون طلب الغرفة التمهيدية هذا إلى المدعي العام غير ملزم للمدعي العام، ومع ذلك يظل لكل من المدعي العام والغرفة التمهيدية السلطة التقديرية بعدم الشروع في التحقيق أو طلب التحقيق استنادا إلى توافر معلومات حول حالة ما تدخل ضمن اختصاص المحكمة [21] ص 75.

واستقلالية المحكمة عن أي هيمنة للمجلس على تحديد اختصاصها مستبعد وفقا للنظام الأساسي للمحكمة، الذي منح المدعي العام والغرفة التمهيدية سلطة أنهما ليسا ملزمين بالشروع في التحقيق في قضية أحيلت إلى المدعي العام بواسطة المجلس، فهما كذلك لا يكونان ملزمين بإقامة قضية ضد متهم ما عندما يكون التحقيق قد تم البدء فيه وفقا للأسس التي أشارت إليها المادة 53/2من النظام الأساسي، وهما عدم وجود أساس قانوني أو واقعي كافي أو لأن المحاكمة لا تخدم العدالة الدولية [54] ص 45.

أما فيما يتعلق بقبول القضية فإن المدعي العام لن يكون ملزما أيضا كما هو الحال في تحديد الاختصاص بأي قرارصادرعن المجلس ويشتمل على قبول الدعوى إذ أن المدعي العام عندما يقرر عدم المتابعة إما على أساس عدم قبولها وفق المادة 17 أو وفق المادة 53/3 منه فإن للمدعي العام إخطار المجلس بقراره هذا وأسبابه، وللمجلس أن يطلب من الغرفة التمهيدية مراجعة قرار المدعي العام، ومن الممكن أن يقوم المدعي العام بمراجعة قراره، ولهما السلطة التقديرية التامة في الإجابة على هذا الطلب أو رفضه [21] ص 75. ولهذه السلطة الممنوحة لهما ما يبررها وذلك لكي تكون المحكمة على قدر كبير من العدالة والاستقلال وذلك حتى تحدد بنفسها اختصاصها وقبول الدعوى دون هيمنة من المجلس.

ومثل هذه الاستقلالية التي للمحكمة في تحديد اختصاصها في قضية محالة من المجلس، فإنها تتمتع كذلك باستقلالية في اتخاذ أي قرار وفق نظامها الأساسي في مسألة قرار المجلس بالإحالة، أو إعادة النظر فيه إذا ما طلب المجلس ذلك، وأساس ذلك المواد13/ب والمادة 53/3[أ] والمادة53/3 [أ]، فمثلا المادة53/3[ب] أشارت إلى المادة 13/[ب] وهذا يعني أن قرار المجلس بالإحالة يجب أن يكون وفق الفصل السابع من الميثاق بحيث إذا قررت المحكمة عدم اختصاصها في قضية محالة من المجلس فان للمجلس أن يطلب من المحكمة مراجعة قرارها بعدم قبول القضية المحالة[68] ص 40. فإذا ما حدث ذلك فإنه من المحتمل أن تبقي المحكمة على القضية لا على أساس اختصاصها ولكن على أساس حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية، لأن الدولة تكون لها الحرية الكاملة في اختيار الوسيلة التي تراها مناسبة لتسوية منازعاتها الدولية وكل ذلك وفق المادة 33 من الميثاق.

2.1.1.2. أثر قرار المجلس بإحالة قضية غير مقبولة أمام المحكمة

يلقي النظام الأساسي للمحكمة باعتباره معاهدة جماعية على عاتق الدول الأعضاء التزامات قانونية،فالمعاهدة إتفاق دولي معقود بين أعضاء الأسرة الدولية [8] ص 479 . من ذلك نص المادة 05منه والمادة 17 التي تنص على أنه : مع مراعاة الفقرة 10 من الديباجة والمادة الأولى تقرر المحكمة أن الدعوى غير مقبولة في حالة ما.
- إذا كانت تجري التحقيق أو المقاضاة دولة لها ولاية عليها ما لم تكن الدولة حقا غير راغبة في الاظطلاع بالتحقيق أو المقاضاة أو غير قادرة على ذلك،
- إذا كانت قد أجرت التحقيق في الدعوى دولة لها ولاية عليها وقررت الدولة عدم مقاضاة الشخص المعني، ما لم يكن القرار ناتجا عن عدم رغبة الدولة أو عدم قدرتها حقا على المقاضاة.
- إذا كان الشخص المعني قد سبق أن حوكم على السلوك موضوع الشكوى ولا يكون من الجائز للمحكمة إجراء محاكمة طبقا للفقرة 03 من المادة 20...

ويؤكد هذا النص أنه إذا كانت دولة ما لها اختصاص على جريمة ما، وتقوم بجميع إجراءات سير الدعوى أمام قضائها الوطني، فإن المحكمة الجنائية لا تكون مختصة بها،هذا القيد قد أوجده النظام الأساسي للمحكمة لكن قد يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة إذا أحال المجلس القضية إلى المحكمة وفق الفصل السابع من الميثاق، وقررت المحكمة عدم اختصاصها للقضية، ولم يطلب المجلس إعادة النظر في قرار عدم اختصاصها، فهل يسمو الميثاق فعلا على النظام الأساسي للمحكمة؟.

إن الإجابة على مثل هذا التساؤل توحي بإمكانية تحقق ذلك بالنظر إلى الهيمنة الأمريكية على المجلس، فقد حاولت شل اختصاص المحكمة بتوقيع اتفاقيات ثنائية مع العديد من الدول لمنع انطباق اختصاص المحكمة على حالات معينة، أو استصدار قرار من المجلس بإحالة قضية لا تدخل ضمن اختصاص المحكمة، إذ يبدو من الممارسة الدولية سمو الالتزامات الناشئة عن الميثاق وفق المادة 103من الميثاق، فقد تعمل إحدى الدول الكبرى على استغلال هذه الآلية المدرجة في الميثاق، وذلك لسلب المحكمة اختصاصها وجعل الدول هي المختصة أو العكس [55] .

والقول بأن اختصاص القضاء الوطني له الأولوية على اختصاص المحكمة، إذ أن الدولة وفق المادة17السابقة الذكر، والتي تكون دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة ودولة عضو في الأمم المتحدة، وهي تقوم بالتحقيق، فإذا تنازلت عن اختصاصها للمحكمة نزولا عند نص المادة 103 من الميثاق، فإن المحكمة ملزمة في النهاية بأحكام النظام الأساسي فقط، على أنه يمكن أن نتوقع من أن المجلس قد يمنح المحكمة اختصاصا يسمو على اختصاص القضاء الوطني، عندما يقوم بالإحالة إلى المحكمة وفق الفصل السابع ذلك أن سلطات المجلس مستمدة من الميثاق ولا تتأثر بالنظام الأساسي للمحكمة، وإذا ضاقت على المجلس من كل النواحي فانه يعمد إلى إنشاء المحاكم الخاصة إذا كان تدخله يقتضي ذلك [9] ص 451. غير أن نصوص النظام الأساسي للمحكمة تنص على أنه لا يمكن للمجلس أن يمنح المحكمةإختصاصا أوسع من ذلك الممنوح لها وفق النظام الأساسي، والمحكمة بكل استقلالية يمكن لها أن تقر اختصاصها في مواجهة إحالة المجلس [54]، ص 43. فقرار المجلس بالإحالة لا يمكنه أن يعدل نصوص النظام الأساسي للمحكمة ولا أن يسلب المحكمة اختصاصها والقول بغير ذلك يمس من جهة باستقلالية المحكمة، ويؤدي إلى فرار المتهم من العقاب إذا كانت تقف وراءه إحدى الدول الكبرى المسيطرة على قرارات المجلس أو العكس فإن كل هذا يتعارض مع النظام الأساسي للمحكمة.

2.1.2. إجراءات المجلس بتأجيل القضية

لقد حقق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية نجاحا كبيرا بدخوله حيز النفاذ، إذ أنه لا يمكن إعادة النظر فيه قبل مضي سبع سنوات من نفاذه [49]. وفي وضع آلية تنظم الاختصاص في نظر الدعوى، فعندما يحيل المجلس قضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، ويمنح المحكمة سلطة مراجعة قرار المجلس، وتحديد مدى اختصاصها بكل استقلالية، لكن ذلك ليس ممكنا دائما إذ قد تتداخل إجراءات المحكمة في نظر بعض الجرائم الدولية، مع ما يصدره المجلس من قرارات، إن كان بإمكان المحكمة النظر في قضية ما زالت أمام المجلس، فكما منح المجلس حق إحالة قضية إلى المحكمة منح أيضا حق طلب تأجيل قضية تكون من اختصاص المحكمة، فما هي الآلية التي اشتمل عليها النظام الأساسي لحل مثل هذا التداخل وتحديد مدة التأجيل؟ وللإجابة على هذا التساؤل نجد أنه إذا كان التداخل دون الحالات الأخرى يتعلق بمسائل السلم و الأمن الدوليين، فان المادة 16 من النظام الأساسي تقضي بمنح المجلس حق أن يطلب من المحكمة وقف التحقيقات والمتابعات لمدة 12 شهرا قابلة للتجديد بموجب قرار يصدر بموجب الفصل السابع [21] ص 69.ومقارنة بين هذا النص و نص المادة 13/ب من النظام الأساسي وما للمحكمة من سلطة في مراجعة قرار المجلس، فإذا كان بإمكان المحكمة مراجعة قرارا الإحالة فهل بامكانها مرا جعة قرار التأجيل [54] ص 44 .

2.1.2.1. إجراءات المحكمة في مراجعة قرار التأجيل

كما سبق وأن رأينا في إطار تحليل الشروط الواجب توافرها في قرار المجلس بالإحالة ،هذه الشروط تمثل الأسس التي تستند عليها المحكمة لتتمكن من مراجعة قرار المجلس، إذ أن مثل هذه الشروط تمثل الأسس التي يمكن الاستناد عليها من طرف المحكمة من أجل مراجعة هذا القرار وتكوين قناعتها بشأن قدرتها على ممارسة اختصاصها على القضية المحالة أو قبولها، إلا أن استقلالية المحكمة في المقابل ينبغي ألا تعيق عمل المجلس على القيام بمهامه [3] ص 272. وهو الأمر الذي لم يغب على واضعي النظام الأساسي للمحكمة، ولذلك تم إدراج نص المادة 16 من النظام الأساسي لتأكد إمكانية المجلس في أن يطلب من المحكمة تأجيل التحقيق أو النظر في القضية إذا كان مثل هذا التحقيق والمقاضاة من شأنها عرقلة قيام المجلس بمهامه في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، وحتى لا تكون استقلالية كل من الجهازين عقبة في ممارسة الجهاز الأخر لوظائفه فان المحكمة عليها التأكد من أن قرار المجلس جاء مستوفيا لكافة إجراءات التصويت وجاء وفق الفصل السابع من الميثاق، وأن هذا القرار يعبر بصورة صريحة عن طلب هذا التأجيل في القضية المعروضة على المحكمة، طبقا للمادة 16 من النظام الأساسي، فإذا ما توافرت هذه الشروط في قرار المجلس فليس للمحكمة سلطة تقديرية في عدم إيقاف التحقيق إذ أن القضية وإن كانت تدخل ضمن اختصاص المحكمة، إلا أنها تمثل على الأقل تهديدا للسلم والأمن، وتندرج وفق كل من الميثاق والنظام الأساسي للمحكمة تحت اختصاص المجلس وليس تحت اختصاص المحكمة وأي إجراء تقوم به المحكمة بعد طلب المجلس سوف يعيق عمل المجلس في تحقيق السلم والأمن الدوليين [21] ص 45.

2.1.2.2. المعنيون بإجراءات المجلس في طلب التأجيل

نجد بأنّ المادة 16 من النظام الأساسي لـــــم تحدد الجهة الموجه إليها قرار التأجيل، وإن كانت المادة34 قد حددت أجهزة المحكمة بشكل مرتب وهي:

- هيئة الرئاسة.
- شعبة الاستئناف.
- الشعبة الابتدائية.
- الشعبة التمهيدية.
-مكتب المدعي العام.
- قلم المحكمة [30] ص 58 وما بعدها.

ولكل هيئة من هيئات المحكمة غرض أنشئت من أجله، ومدة زمنية للعمل في إطارها،مع كيفية انتخاب أعضاء هذه الهيئات لأداء مهامهم.

فالمادة 13 من النظام الأساسي حددت بقولها أن قرار المجلس بإحالة حالة إلى المدعي العام، وإن قرار المجلس بطلب التأجيل وفق المادة 15 ومن النظام الأساسي والمادة 34 من اللائحة الداخلية للمحكمة [49]. فإن قرار المجلس يوجه إلى المدعي العام وإلى غرف المحكمة حسب المراحل التي تكون قد قطعتها القضية، ولما كانت المادة 53/2من النظام الأساسي [49]. تمنح المدعي سلطة واسعة في إدارة العدالة من خلال مراجعته للحالات التي تشرع بالتحقيق فيها الدول والتي قد تكون مبنية على دوافع سياسية أو غيرها، أو تلك الحالات التي يشرع في نظرها جهاز سياسي كمجلس الأمن إذ وفقا لهذه المادة فإن المدعي العام هو الذي يقرر أنه توجد أسس كافية للمقاضاة حتى ولو كانت القضية قد شرع بالتحقيق فيها بواسطة دولة أو شرع بالنظر فيها من طرف المجلس، وهذه الاستقلالية التي للمدعي العام هي لحماية العدالة وتنمية القانون لأن تدخله في وقف التحقيق في قضية محالة من دولة طرف أو المجلس [54] ص 49. لأن كليهما قد تكون مبنية على دوافع سياسية، لا تتفق ومصلحة العدالة، فالسلطة التقديرية للمدعي تم التأكيد عليها في النظام الأساسي للمحكمة تحت رقابة ومراجعة الدولة طالبة التأجيل والغرفة التمهيدية إذ أن المحكمة لا تنظر في جميع القضايا، وهذا التوازن بين الأجهزة السياسية والجهاز القضائي المكلف بإدارة العدالة كالمدعي العام ربما يستقيم عندما يتخذ المجلس قراره وفق المادة 16 من النظام الأساسي، وللمحكمة أن تطلب من المدعي العام تأجيل القضية لمدة 12 شهرا فإذا كان صدور قرار المجلس صحيحا فإن الجهاز المختص يقوم بتعليق الإجراءات .

أما إذا تخلف أحد الشروط في القرار فإن النظام الأساسي لــم يقدم حلا واضحا لمآل هذه الحالة، وفي غياب مثل هذا النص فان المادة 19/1 تمنح الغرفة التمهيدية سلطة تقرير ما إذا كان لها اختصاص، وما إذا كانت القضية مقبولة أم لا، في أثناء ذلك فإن المدعي العام هو الذي يقرر إذا ما كان يستمر في التحقيق، وكل ذلك تحت رقابة الغرفة التمهيدية، كما أنه وفق المادة 19/3 فللمدعي العام أن يطلب من المحكمة إصدار قرار بشأن مدى اختصاصها أو قبول الدعوى أمامها، كما يمكن للمتهم أن يطلب ذلك، أو دولة طرف، فإنه يمكن لهم طلب التصدي لتأجيل القضية أو التأكد من الشروط الواجب توافرها في قرار المجلس لطلب التأجيل، وهذه كله أمر يخضع لقواعد وإجراءات الإثبات وفق المادتين 51 و52 من النظام الأساسي للمحكمة[16] ص 403.

فوفقا للمادة 16 من النظام الأساسي والمادة15/2 منه فإن قرار التأجيل لــن يمنع المدعي من جمع المعلومات بشان القضية، إذ أن مرحلة الفحص والتحليل الأولي للمعلومات والتي هي من اختصاص المدعي العام وهي مرحلة تسبق مرحلة التحقيق وهي المرحلة الممنوعة على المدعي العام الدخول فيها، بمقتضى قرار التأجيل، لذلك فإنه في هذه المرحلة يكون المدعي العام سلطة الاستمرار في البحث عن المعلومات المتعلقة بالقضية المؤجلة سواء عن طريق الدول أو الأجهزة الدولية أو المصادر المعتمدة الأخرى [49]. واستغلال مرحلة ما قبل التحقيق استغلالا يخدم العدالة الدولية، وبعد إذن المحكمة وفق المادة19/7من النظام الأساسي فوفقا لذلك فإنه لحين قيام المحكمة بإصدار قرارها بشأن الاختصاص وقبول الدعوى أمامها فان للمدعي العام أن يطلب منها إذنا بمواصلة نوع معين من التحقيقات الواردة في المادة18/ 6من النظام الأساسي، واخذ أقوال أو شهادة من شاهد أو إتمام عملية فحص الأدلة التي تكون قد بدأت قبل تقديم الطعن أو التعاون مع الدول ذات الصلة للحيلولة دون فرار المتهمين الذين يكون المدعي العام قد أمر بإلقاء القبض عليهم بموجب المادة 58 من النظام الأساسي كل ذلك على الرغم من انه لن يكون هناك بدء في التحقيق أو المقاضاة أوالإستمرار فيهما بعد قرار المجلس طلب تأجيل نظر القضية [54] ص 51.

وبذلك فإذا كان اختصاص المحكمة لا ينعقد إلا إذا أحال المجلس الحالة متصرفا بموجب الفصل السابع من الميثاق، إلى المحكمة ،سواء كانت جميع الدول الأطراف في القضية أحدها أو جميعها طرفا في النظام الأساسي أم لا، فإن عدم رسم المادة 13 من النظام الأساسي لهذه المحكمة الطريق المعين الذي يلتزم به المجلس لإحالة مثل هذه القضية للمحكمة، يمنح المحكمة سلطة مراجعة قرار المجلس وفقا للأسس التي تضمنتها المادة 13 من النظام الأساسي ذاتها، لتكوين قناعة إذا كانت لديها القدرة على ممارسة اختصاصها على القضية المحالة إليها من المجلس وفق نظامها الأساسي، فلا يستطيع المجلس تقرير انعقاد اختصاص أو قبول الدعوى أمام هذه المحكمة إذا لم تكن مختصة أو إذا كانت الدعوى غير مقبولة أمامها، وليست المحكمة ملزمة بأي تقرير من هذا النوع يصدر عن المجلس .
ومع ذلك فللمجلس سلطة إصدار قرار وفق الفصل السابع من الميثاق موجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، يتضمن طلب تأجيل التحقيق أو المقاضاة في قضية مرفوعة أمام المحكمة، فيها تهديد للسلم والأمن الدوليين والذي هو من صميم اختصاص المجلس لمدة 12 شهرا قابلة للتجديد، ولهذه المحكمة سلطة مراجعة مثل هذا القرار تأكيدا على استقلالية المحكمة إقامة العدالة وفق أسس معينة اشتمل عليها النظام الأساسي ويوجه القرار الصادر عن المجلس إلى الجهة المختصة حسب درجة الإجراءات التي وصلت إليها القضية.

2.2. إجراءات المجلس في مجال التحقيق والمتابعة

يبدو الطرح المتمثل في حفظ السلم والأمن وترقية العدالة الجنائية بمثابة هدفين مختلفين، والأكيد أن ذلك يبدو صعبا تقبله من الناحية النظرية، بحيث أثارت هذه المسألة مناقشات عديدة والمتمثلة في مدى إمكانية تقبل ما يعرف بعدم العقاب الذي يستفيد منه مرتكبو الجرائم الخطيرة، والذي من شانه أن يهدد حفظ السلم والأمن للخطر، ما دام الأمر يتعلق بهذا خاصة باعتبار أن أحكام الميثاق تفرض منا توقع، ذلك لعدم وجود نصوص تعاقب على الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي من طرف الأشخاص الطبيعيين.

2.2.1. اختصاص المجلس في إيقاف التحقيق والمتابعة

المادة 16 من النظام الأساسي تفيد أنه " لا يجوز البدء أو المضي في التحقيق أو المقاضاة بموجب هذا النظام الأساسي لمدة اثني عشر شهرا بناء على طلب مجلس الأمن الدولي إلى المحكمة لهذا المعنى يتضمنه قرار يصدر عن مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويجوز للمجلس تحديد الطلب بالشروط ذاتها [35] ص 134.

أعطت هذه المادة للمجلس سلطة يستطيع بمقتضاها أن يعطل نشاط المحكمة، فله أن يمنع البدء في التحقيق أو المقاضاة إذا كان حفظ السلم والأمن يقتضي ذلك، هذا ما يجعلنا نسعى لتحليل هذين الهدفين مع التطرق لمدى المعارضة في مشروع نظام روما حول دور المجلس في إيقاف التحقيق [35] ص 135.




2.2.1.1. حفظ السلم والأمن وترقية العدالة الجنائية الدولية

هذا المبدأ هو نتاج معادلة صعبة بالنظر إلى ما تعتمده الفكرة، والأكيد أن المجلس يمكنه أن يعرقل عمل المحكمة في تحقيقه لمبدأ حفظ السلم والأمن، رغم أن المادة 16 تشترط طلبا صريحا من المجلس لتفادي مثل هذه الحالة، ذلك أن المسألة تمثل تطورا مهما بالنظر إلى الحل الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي والذي تم اعتماده من طرف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في ختام مؤتمر روما الدبلوماسي لعام 1998 [69].

و يجدر بنا أن نتساءل في أول الأمر عن الغرض من إدراج مادة تسمح بهذا التدخل للمجلس في إجراءات المحكمة، وهنا تطرح الفرضية المتمثلة في العدالة الجنائية الدولية ومسألة حفظ السلم والأمن الدوليين، والتي هي من المسؤولية الأساسية للمجلس وفق المادة 24 من الميثاق، ويمكن بالفعل أن نعتبر تدخل مجلس الأمن في عمل المحكمة يمكن أن يعرقل مجرى المناقشات الجارية داخله والمتمثلة في قيام الأعضاء الدائمين بتصرف لفائدة السلم والأمن وخاصة لما يكون نفس الموضوع محل تحقيق أو متابعات قضائية من شأنه أن يعطل مجهودات المجلس و يزيد الوضع تعقيدا.

ونلاحظ بأن تناقض المادة 16 مع الفقرة 3 من الديباجة والتي تؤكد بأن الجرائم الخطيرة التي تهدد السلم و الأمن (الرفاه) في العالم يجب ألا تبقى دون عقاب، وأن النظام الأساسي يحتفظ لنفسه بالتأكيد على قمع هذه الجرائم، معتبرا أن ذلك سيساهم في حفظ السلم والأمن المذكورة تحت مصطلح (الرفاه) على العكس مما تبرزه أحكامه، إذ قد تتصرف المحكمة بشأن تلك الجرائم معرضة السلم والأمن الدوليين بذلك للخطر، خاصة إذا كان المجلس منكبا على دراستها، والأكثر من ذلك الدور المرجو من المجلس والذي له صلاحية توقيف وتعليق التحقيقات والمتابعات قد يستعمل كورقة ضغط على عمل المحكمة [27].

وزيادة على ذلك فإن الأمر يتعلق بالنسبة للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أن يحتاطوا ضد خطر المتابعات العشوائية ( متابعة من أجل المتابعة )، حيث أشار إلى ذلك ممثل فرنسا أثناء مؤتمر روما بقوله" إن فرنسا لا ترغب أن تتحول المحكمة إلى منبر سياسي وتخطر بواسطة شكاوى تعسفية والتي قد لا يكون الهدف منها إلا أن تمس بقرارات مجلس الأمن والسياسة الخارجية لإحدى الدول التي قد تتحمل مخاطر عمليات حفظ السلم ".
وهذا الانشغال قد اقتسمته معها الولايات المتحدة الأمريكية لأنها كانت المشاركة في عمليات حفظ السلم في العالم، والتي تمت مباشرتها قبل دخول النظام الأساسي حيز النفاذ. وبالتالي فإن الأمر يتعلق بالاحتياط ضد خطر المتابعات المتعلقة بسياستها الخارجية محل الانشغال بالنسبة إليها، خاصة بعد احتلالها لأفغانستان والعراق وما أثير حول انتهاكات القانون الدولي الإنساني هناك [31] ص 09.

وقد ذهب القرار الصادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي إلى أبعد من ذلك بحيث تطرق إلى إمكانية إخطار المحكمة من طرف دولة ما ضد دولة أخرى، وهذا ما قد يشكل وضعا متأزما قد يؤدي إلى الحرب خاصة عندما يتعلق الأمر بالتطرق إلى الاحتمالات الممنوحة من طرف المادة 16 بما فيها إدراج إجراء يتعلق بعدم القيام بأي عرقلة لجهود المجلس الرامية إلى وضع حد للنزاع الذي ظهر، وذلك إعمالا للفصل السابع من الميثاق [35] ص 136.

واستعمال المادة 16 على سبيل الوقاية من كل ذلك، وذلك باستباق نزاع كبير يمكن أن يتولد من جراء إخطار المحكمة، إذ يمكن أن تمنح للمجلس سلطة التدخل في الإجراءات الجارية أمام المحكمة الجنائية الدولية وذلك تجاوزا لما توقعته أغلب الدول الأطراف في النظام الأساسي و ذلك حسب نظريتين :

- إما بإخطار المحكمة من طرف دولة بصورة عشوائية، وفي هذه الحالة فالنظام الأساسي يفترض بعض الضمانات التي قد تحتج بها الدول المطلوبة بالتحديد عن طريق فحص المحكمة لكل ما يتعلق بالاختصاص ومقبولية القضية أمامها، وتسمح لنا إذن أن نلاحظ بأن النظام الأساسي نفسه يقدم أجوبة للانشغالات المتعلقة بالمتابعات التعسفية وبالنتيجة أخطار النزاع الناتج عن مبادرة استعمال المحكمة لأغراض سياسية محضة يتم استبعادها من كل ذلك، خاصة أن العديد من الدول المنظمة إلى المحكمة ليست من الدول الكبرى إضافة إلى أن الجهة المخولة بالتسيير هي جمعية الدول الأطراف والتي تعمل بأغلبية الثلثين [31] ص 09.
ومبادرة مجلس الأمن لا تبدو هنا لازمة إلا فيما يخص التدخل الصارخ في عمل المحكمة وهو الأمر الذي يتلاءم حقيقية مع الدول الدائمة العضوية مثل فرنسا التي تتخوف من أن تكون محل متابعات أو تحقيقات أو تحركات ملحوظة ضدها .

- و كافتراض ثان أن يكون الإخطار بصورة غير عشوائية، فالمحكمة تقر صحة التصرف، وهنا فان المخاطر المتعلقة بالتحقيقات أو المتابعات لا تؤدي إلى وضع متأزم وهذا يحث المجلس على تجميد ذلك التصرف، وتقبل التفسير الواسع للمادة 16، زيادة على أن هذا التفسير قد يبدو غير مؤسس بالنظر إلى فحوى المادة 16 ذاتها والتي يمكن أن تتمخض عنها نتائج غير جيدة فيما يتعلق بالدولة أو رعاياها وإقليمها، أو قيام الأطراف بتعكير الوضع والتهديد بنزاع وذلك بغرض الحصول على تعليق للعمل القضائي بالمحكمة ويمكننا أن نستنتج مما سبق أن الأخذ بالتفسير الضيق للمادة 16من النظام الأساسي هو الأنسب[35] ص 138.

فمجلس الأمن لا يقوم بشلل عمل المحكمة إلا عندما تكون التحقيقات قد تمت مباشرتها من طرف هذه الأخيرة وأن تؤدي إلى عرقلة مجرى النزاع القائم ودور المجلس فيه، والذي يسعى إلى حفظ السلم والأمن حسب المادة 24 من الميثاق، وأن الغرض من منح المجلس هذه السلطة وتمكين المجلس من تسوية المسائل المطروحة أمامه بحيث يكون اللجوء للمحكمة الحل الأخير لأن الفصل في المسائل السياسية يختلف عن الفصل في المسائل القانونية .

2.2.1.2. معارضة إجراءات المجلس في التحقيق

ظهر في المشروع الأول للنظام الأساسي للمحكمة معارضة لدور المجلس في إجراءات التحقيق ، فأنصار منح دور لمجلس الأمن في إيقاف التحقيق كانوا مؤيدين لاقتراح مشروع النظام الأساسي للجنة القانون الدولي والمتعلق بمنع كل تصرف للمحكمة الجنائية الدولية عندما يعالج مجلس الأمن الوضع القائم، ما عدا الإذن الصريح من طرف هذا الأخير، كما هو حال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي لا تناقش أي مسألة يكون المجلس منصبا على دراستها، والمادة (23/3) من مشروع لجنة القانون الدولي تؤكد الحكم المستوحى من نص المادة 12 من ميثاق الأمم المتحدة بشان هذه الحالة، وذلك بفرض ترخيص مسبق من المجلس لكل تحقيق أو متابعة تقوم بها المحكمة [70].

وبما أنه تمت الإشارة إليه في الفقرة 03 من ديباجة النظام الأساسي المذكور سابقا، فالأوضاع التي ترتكب فيها الجرائم تؤدي إلى المساس حتما بالسلم و الأمن الدوليين، و ترفع بالتالي إلى مجال اختصاص المجلس، وهذه الأسبقية التلقائية لمجلس الأمن على عمل المحكمة قد يؤدي لخضوع جهاز قضائي إلى جهاز سياسي، والذي ظهر غير مقبول في نظر أغلبية الدول المشاركة في المفاوضات و قد سجل هذا الأمر في النقاش أثناء مؤتمر روما [35] ص 139.

وهنا تظهر هيمنة مجلس الأمن وأعضائه الدائمين على كل ما يصدر من المجلس، وعليه فلا يجب الاستهانة بالسياسة الأمريكية في مواجهة النظام الأساسي بغرض الحصول على تصويت من طرف مجلس الشيوخ الأمريكي، وعليه تعمل الإدارة الأمريكية وتحاول إشباع رغبتها بالتحكم في كل ما يتعلق بالمجلس لأن تحكمها سيؤثر على عمل المحكمة [30] ص141.
وهذا يعني تقديم ضمانة بأن لا يكون أي مواطن أمريكي محل متابعة بدون موافقة الولايات المتحدة الأمريكية، غير أنه و كما رأينا فإن هذا المسعى لم يتحقق نظرا لما يتعلق بنظام الرضا المسبق لعمل المحكمة واختصاصها وفق المادة 12/1من النظام الأساسي، واحتمال أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بإصدار فيتو ضد المتابعات عن طريق مجلس الأمن يشكل صورة أخرى لهذه الضمانة اللازمة عند تصويت الولايات المتحدة الأمريكية لصالح النظام الأساسي، وهذا الشرط لم يتم تلبيته إلا بشكل جزئي وعلى كل حال لم ترض به الولايات المتحدة الأمريكية التي بالرغم من التنازلات التي حصلت عليها من النظام الأساسي في نهاية مؤتمر روما إلا أنها صوتت ضد النظام الأساسي وعقدت عدة اتفاقيات ثنائية مع الدول لتجنب ذلك الخيار [30]، ص 147.

هذا الاتجاه قد سلمت به كل الدول الدائمة بمجلس الأمن على إمكانية حماية مواطنيها أو رعايا الدول الصديقة من اختصاص المحكمة وهذا ما سجل من خلال الاعتراضات والاحتجاجات التي تمت أثناء المناقشات، واعتماد الحكم الوارد في المادة 23/3 " من مشروع النظام الأساسي للجنة القانون الدولي،من شأنها أن تسجل عدم تكافؤ بين الدول الدائمة وغير الدائمة في المجلس من جهة و بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن والدول غير الأعضاء من جهة أخرى و تشكل أولوية حق الفيتو الذي يشكل اعتراضا على مبادئ الأمم المتحدة وأهم أهدافها في بعض الحالات.

والمحك الأساسي على هذا الاعتراض كان بالدرجة الأولى فيما يتعلق باستقلال المحكمة الجهاز القضائي وفصل عملها إزاء مجلس الأمن الجهاز السياسي، والحكم الذي يخضع عمل المحكمة إلى ترخيص صريح للمجلس عندما يعالج هذا الأخير وضعا بموجب الفصل السابع من الميثاق قد يؤثر على استقلالية المحكمة،حيث تقف الخلافات السياسية في وجه الاعتراف للمحكمة بالاختصاص الجنائي الدولي [65] ص 157.

والأكثر من ذلك فإن المصطلح الذي استعمل ( يعالج )، يمكن أن يجعلنا نفهم أنه يكفي أن يكون الوضع القائم مسجلا على جدول أعمال مجلس الأمن من أجل أن يتم طلب هذا الترخيص للقيام بأي تصرف من طرف المحكمة.و ينتج هذا حتى في حالة غياب تصرف إيجابي من المجلس أي ممارسة اختصاصه في المسألة المعروضة مقارنة مع الوضع الحالي غير أنه ولأننا عندما نعلم بأن جدول أعمال مجلس الأمن يحتوي على مئات القضايا بما فيها عدد كبير مطروح منذ عدة سنوات، وهذا دون أن تكون محل تدابير واضحة كما هو الحال في قضية الصحراء الغربية [14] ص 179.
وهذا الحكم كان محل معارضة أثناء المؤتمر من قبل بعض الوفود، رغم تحصله في الأخير على دعم فرنسي و أمريكي و بعض الدول الأخرى و هذا الحكم لا يتطابق أصلا مع فكرة حياد واستقلالية المحكمة التي دافعت عنها الدول أثناء مؤتمر روما، وقد أثيرت حجج أخرى في مواجهة تدخل المجلس في عمل المحكمة وسجلت ذلك الدور مقارنة بمحكمة العدل الدولية، وهذا نظرا لعدم وجود حدود معروفة لدى محكمة العدل الدولية مقارنة بما للمحكمة الجنائية، ومحكمة العدل الدولية كانت لها فرصة التأكيد على ذلك خاصة فيما يتعلق بالنشاطات العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها فإن المحكمة تري بأن كل وضع يطرح على مجلس الأمن لا ينبغي أن يمنع المحكمة من التصدي له ( نزاعات قانونية وسياسية )، ومدى إمكانية انطباق هذا الحكم على المحكمة الجنائية الدولية وعرض النزاع على المجلس وهل له أن يعرقل عمل المحكمة [68] ص 56.

يمكن أن يتماشى الإجرائيين بالتوازي، وهكذا فإن محكمة العدل الدولية تعتبر أنه ليس لها أن تعلق الإجراءات عندما تكون القضية المطروحة على المجلس و ظهرت هذه الصورة بشكل واضح في قضية لوكا ربي، وهذا الموقف لمحكمة العدل المتعلق بالعلاقة التي تحتفظ بها مع المجلس كانت حسب تلك الدول ( كأمريكا يمكن أن تنطبق على المحكمة الجنائية الدولية).

2.2.2. الآلية المعتمدة لتقليل تدخل المجلس في عمل المحكمة

منح النظام الأساسي للمحكمة المجلس عدة صلاحيات فيما يتعلق بالإجراءات المتبعة أمام المحكمة، إلا أنه في المقابل وضع عدة اطر وشروط لهذا التدخل لتجنب أي تعسف أو انحراف من طرف المجلس ينعكس أثره على إجراءات المحكمة بصفة عامة.

2.2.2.1. ضرورة وجود طلب صريح من المجلس

دور مجلس الأمن وفق المادة 16 المتعلقة بإيقاف التحقيق والمتابعة قد تم التقليل من تأثيره مقارنة مع ما يمكن أن نلاحظه في المادة 23/ 3 من شروع لجنة القانون الدولي، هذا التقليل كان ضروريا للمصادقة على النظام الأساسي للمحكمة باعتبارها هيئة قضائية في نظر أغلب الدول المشاركة في المفاوضات، غير أنه وبالرغم من اقتراح سنغافورة الذي أخذ بعين الاعتبار المسؤولية الأساسية لمجلس الأمن فيما يخص حفظ السلم و الأمن الدوليين إلا أن هذه الضمانة ظهرت غير كافية ومتنازع عليها في نظر الأعضاء الدائمين للمجلس[71] .

أولا : استعمال حق الفيتو في مواجهة عمل المحكمة:يمكن لمجلس الأمن أن يطلب من المحكمة تعليق المتابعات والتحقيقات، و لهذا يكون طلبه إيجابيا وذلك باعتماد قرار كما هو الحال بالنسبة لموضوع الإحالة، والمادة 16 تعكس البحث عن توازن بين صلاحيات المجلس بموجب الميثاق من جهة والإرادة في تكريس محكمة مستقلة دون أن تعمل هذه الأخيرة تحت غطاء جهاز ذي طابع سياسي.

والخطر كان يتمثل في إمكانية الاعتراف في النظام الأساسي بالمسؤولية الأساسية للمجلس فيما يخص حفظ السلم والأمن، وهذا بالترخيص بتدخل واسع للمجلس في عمل المحكمة،مشجعا بهذا نفوذ الدول الدائمة باستثناء بريطانيا التي ترى نفسها متلائمة مع المحكمة لمجلس الأمن دور كبير فيها، وقد تم تجاوز الاعتراض المتمثل في إدماج عدم مساواة فيما بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن و باقي الدول الأخرى .

فالدول الأولى التي يمكن لها أن تستعمل حقها في النقض وتعرقل بذلك اعتماد قرار تسمح صراحة لمحكمة بالعمل و النقض يكون هنا جماعيا و ليس فرديا لان هذه المسالة هي مسالة موضوعية يجب موافقة الدول الخمسة الدائمة مجتمعة وفق إجراءات التصويت المنصوص عليها
في المادة 27 من الميثاق، وبالتالي أصبح حق مجلس الأمن في إرجاء التحقيق والمقاضاة مقيدا بشرطين:
ـ أن تكون الجريمة حصلت فعلا وبدأ المدعي العام تحقيقه مباشرة أو بناء على إحالة، وشرط حصول الجريمة مرتبط بالمادة 39 من الميثاق، أي أن يكون القرار في إطار الفصل السابع من الميثاق.
ـ أن يكون تأجيل التحقيق والمتابعة نتيجة تطبيق المجلس لمهامه وبوقوع إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 05 من النظام الأساسي [44] ص 67.

ثانيا : الشكوك حول كيفية طلب المجلس وقف التحقيق:تسمح المادة 16 من النظام الأساسي بتوضيح الإجراءات والشروط التي بموجبها يستطيع مجلس الأمن تعليق التحقيقات 39والمتابعات المتبعة من طرف المحكمة، ولم يكن الأمر خاليا من الالتباس والغموض حيث يشترط في الواقع أن الطلب الموجه من طرف المجلس إلى المحكمة بهدف الحصول على تعليق المتابعات والتحقيقات وأن يكون في شكل قرار معتمد بموجب الفصل السابع من الميثاق [72] ص 137.

واشتراط قرار له شكلية معينة بموجب الفصل السابع يمثل سلطة إضافية لمجلس الأمن في عرقلة عمل المحكمة، وهو ما كان محل جدل حاد أثناء المناقشات والضمان اللازم في نظر أغلبية الدول المشاركة في المفاوضات من أجل تسجيل سلطة عدم الإضرار بالمحكمة هو هذه الشكلية والتي قد تؤدي ولو بشكل بسيط إلى تحقيق الشرعية الدولية ولو بالنظر إلى الميثاق نفسه.
وعليه يمكن استخلاص قيدين من المادة 16 من النظام الأساسي للمحكمة يتعين على المجلس مراعاتهما وهما:

ـ قرار التعليق يجب أن يكون وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وليس استنادا إلى الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة أي يجب أن توجد علاقة بين تلك الجرائم وتهديد السلم والأمن الدوليين، على أن ذلك يعيدنا إلى ما ذكرناه عن السلطة الواسعة الممنوحة للمجلس في تكييف الوقائع بأنها تهدد السلم والأمن الدوليين.

- إن التعليق يجب أن يكون في صورة قرار يصدر عن المجلس أو في صورة تصريح يصدر عن رئيسه وهو ما قد يقلل الاحتمالات بشأن التعليق بدون مبرر.

- لكن بعض الأطراف أكدت أن قرار المجلس المشترط في المادة 16 يمثل لهم تساؤلات فيما يخص المعنى الحقيقي للقرار المعتمد بموجب الفصل السابع من الميثاق، وإذا نظرنا بأنه من الممكن أن يقوم المجلس بتحديد أن استمرار التحقيقات والمتابعات يشكل في حد ذاته تهديدا للسلم والأمن الدوليين وفقا للمادة 39 من الميثاق، فإنه من غير الثابت بالنسبة لهم أن اعتماد القرار يكون ضروريا في مثل هذه الحالات [31] ص 4.

وإذا كان غموض نص المادة 16 من النظام الأساسي حول المسألة وانشغال أغلبية الدول المشاركة في الاحتياط ضد تدخل قوي للمجلس مثلما تمت الإشارة إليه فإنه علينا أن نفسر هذه المادة بشكل ضيق ونستخلص ضرورة اعتماد قرار من طرف هذا الأخير لكن التوضيح الذي يمكن أن نعطيه لمعنى عبارة قرار معتمد بموجب الفصل السابع لا يمكن أن يصدر إلا من المحكمة عندما تبدأ هذه الأخيرة عملها بصورة فعلية وهنا نلاحظ أن مصطلح القرار استعمل بشكل إجمالي أثناء المناقشات التي دارت في المؤتمر حول المادة 16 دون أن ينتهي الجدل حولها. ويمكن في هذا الصدد أن تذهب المحكمة إلى إعطاء تفسير واسع لأحكام نظامها الأساسي المتعلق بالإخطار من طرف المجلس، وتعتمد بذلك بشكل جد أكيد مقارنة أكثر تضييقا للمادة 16 والتي تشكل مصدر قلق لعملها في نظر كثير من الفقهاء والقانونيين [44] ص 68.

ويمكن اعتبار أنه من اللازم لإرضاء متطلبات المادة 16 أن يعتمد المجلس قرارا وهذا ما يمثل التفسير الأكثر واقعية لهذه المادة، ونسجل أنه بالرغم مما يمكن أن يفهم من مصطلح طلب فإنه ليس للمحكمة خيار في أن تقبل أو ترفض هذا الطلب الصادر من المجلس وتكون ملزمة بتعليق التحقيقات والمتابعات دون أي سلطة للتقدير انطلاقا من أن هذا الأخير "الطلب"قد أخذ الشكل المطلوب مثال ذلك القرار الصادر عن المجلس تحت رقم 1422 (2002)الذي اتخذه المجلس في جلسته 4572 في 21/06/2002 والذي جاء فيه(يطلب المجلس اتساقا مع المادة 16 من النظام الأساسي أن تمتنع المحكمة عن إثارة أي قضية ضد مسئولين...)[