منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - *«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-12-23, 20:30   رقم المشاركة : 146
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

ونجد لهذا الموضوع حضورا كبيرا في قصائد الشعراء الوجدانيين لما كان يمثل لهم الأهل والأحبة، ولحساسيتهم اتجاه الفراق، الذي تسبب فيه الاحتلال بما أفرزته سياساته من معاناة للشعب فدُفع الكثير لمغادرة الوطن وترك أحبائهم. كما لم يتوقّف التغزّل وذكر الأحبة على البعاد والفراق، بل جاء بشكل أكثر مباشرة، في غزل الحرية وما عُرف بالتغزّل السياسي، ومن ذلك تغزل رمضان حمود في الحرية سنة 1928 يقول:

لا تلمني في حبها وهواها * لست أختار ما حييت سواها
هي عيني ومهجتي وضميري * إن قلبي وما إليه فداها[1]
إلا أن الطابع الغزلي بمختلف أنماطه وأهدافه لم يحض بمساحة كبيرة بين الموضوعات بسبب الثقافية التقليدية من جهة، وعدم تقبّل المجتمع الموضوعات الغزلية من جهة أخرى لهذا ظل الغزل محصورا ومحدودا في نماذج بسيطة مقارنة بالموضوعات الأخرى.
3- موضوع رفض الواقع والثورة ضد الاضطهاد: يعد هذا الموضوع من أبرز الموضوعات حضورا نتيجة للواقع المرير الذي عايشه الشعراء مما دفعهم للزهد في الحياة وتمني الموت على ظهور الجياد من العيش أذلة تحت سلطة المحتل، كما دعوا للعلم مقترنا بالجهاد، ونمثّل لذلك بقصيدة "الموت مجد فوق متن جهاد" عبد الرحمن بنالعقون* التي يقول فيها:
رُحماكَ ربِّ تفطّرتْ أكبادي
وقد انمحى بين الضلوع فؤادي
هجمتْ عليَّ الحادثاتُ تنوشني
ولبثتُ في البلوى وحيدَ «الوادي»
فبلوتَني ودهيتَني متقطّعَ الْـ
أوصالِ والأحباب والأولاد
……….
........
والموتُ في كَنَف المذلّةِ سُبّةٌ
والموتُ مجدٌ فوق متنِ جهاد[2]


من خلال هذه الأبيات يظهر رفض الشاعر لواقعه المزري ويحبذ الموت شرفا على حياة المهانة، في واقع أبى أن يتغيّر، بسبب تضييق المحتل وممارساته المجحفة في حق الجزائريين.
4- موضوع البؤس والشقاء، وذكر مآسي الفقراء والمساكين الذين سدوا الطرقات في عهد المحتل، يقول في ذلك مصطفى بن رحمون*:

المسكين (( مع شبح البؤس))
لا تعذِلُوهُ فإن الفقر أضواهُ
والحظُّ عاكسه والدهرُ عاداهُ
لا تنهروه إن استجدى أَكُفَّكمُ
فالجوعُ آلمه والصبرُ أعياه
ما كان يبسط للتسآل راحتَهُ
إلا وَوِجْدانُه عن ذاك ينهاه
تأمّلوا - إنْ أردتمُ - ما يكابدهُ
تدلّكم عن أليم الوخز عيناه[3]

نلاحظ من خلال الأبيات دقّة الوصف وكأنّ الشاعر يرى ويُعايش هذا المسكين، مما يؤكّد ارتباط الشاعر الوجداني بهموم واقعه ودقة تصويره لهذا الواقع المرير، الذي أعلن عليه العديد من الشعراء حرب الكلمة ورفضوه بشدّة، لعلاقته بالمحتل الغاشم، وقد تجسد ذلك أكثر بعد أحداث الثامن ماي 1945م وما جرّته من قتلى وجرحى ومشردين، فعبّر الشعراء الوجدانيون من خلالها بقوة، لأنها حرّكت نفوسهم وألهمت قرائحهم من ذلك نأخذ قصيدة "عجباً لوجهك كيف عاد لحاله" للربيع بوشامة* يصف فيها هول أحداث الثامن ماي، ويلعن فيها الشهر والمستعمر:

قُبِّحْتَ من شهر مدى الأعوامِ
يا (مايُ) كم فَجَّعْتَ من أقوامِ
شابتْ لهولك في الجزائر صِبيةٌ
وانماع صخرٌ من أذاك الطامي
وتفطّرتْ أكبادُ كل رحيمةٍ
في الكون حتى مهجةُ الأيام
تاريخُكَ المشؤوم سُطِّر من دَمٍ
ومدامعٍ في صفحة الآلام[4]
من خلال الأبيات نلاحظ مدى الحرقة التي تعتصر الشاعر، إلى درجة أنه قبّح زمن شهر ماي على مر الأعوام، كما تظهر اللغة الرنانة التي تحرّك الدواخل، ومنها : قبّحت، هولك، انماع صخر، أذاك، مدامع، وغيرها مما يشحذ النفس ويوجّهها إلى تلقي فجيعة وهول هذا اليوم.
5- موضوع الانتماء للعروبة، والإسلام: نجده حاضرا بقوة في شعرهم ومثاله عند مبارك جلواح* في قصيدته" أنا عربي" التي يقول فيها:
أنا عربي
أنا عربيْ لا جنسَ أمجدُ من جنسي
أنا عربيْ أفدي العروبةَ بالنفسِ
أنا مسلمُ المبدا جزائريُ الحِمى
أنا بلبلُ الفصحى المقدّسة الجَرْس
شدوتُ بما شادتْ صوارمُ «خالدٍ»
وأسيافُ «عمرو» الفتحِ بل «عُمَرِ» البأس[5]



يعلن الشاعر منذ الانطلاق عن انتمائه للعروبة التي يعتز بها، لدرجة أنه يفديها بنفسه، ويعلن بعد ذلك عن مرجعيّته الثانية وهي الإسلام الذي لم يفرّق الجزائري بينه وبين العروبة وهذا واضح في هذه الأبيات، حيث يعزّز الشاعر انتمائه لهذه المرجعية بتوظيفه لأسماء إسلامية (خالد، عمرو) ليجعل منها منطلقا في انتمائه وتأسيسا لمنهجه في الحياة والشعر، ليكون بلبلَ الفصحى.
6- موضوع المدينة والحنين إليها: عبّر الشعراء الوجدانيون عن ولههم وارتباطهم القوي بالمدينة، لهذا تغنوا بها وبمحاسنها، فقد فتنتهم مبانيها وشوارعها، ومن ذلك نذكر قصيدة " المدينة المنيعة: قسنطينة" لمحمد الصالح خبشاش** يقول فيها:
المدينة المنيعة أو ) قسنطينة(
تلك المدينةُ هل في الأرض مبناها؟
وهل حوتْ كُتبُ التاريخ معناها؟
مدينةٌ أحكمَ الباني لها أُسساً
مُثْلى وأتقن بعد الوضع أعْلاها
خُطَّتْ على ذروة ما بين أهويةٍ
النجمُ يحرسها والشمسُ ترعاها
قامتْ على جبل أَعظِمْ به جبلاً
بين الجبال يحوز الفخرَ والجاها[6]



نلاحظ مدى دقة تصوير الشاعر لهذه المدينة حيث رسمها بالكلمات من خلال وصفه لمكانها وفخره بشموخها، ليؤكّد على ارتباطه بها وحبّه لعظمتها بين المدن.
كما نسجّل في الأخير خاصة تعد من أهم ما يميّز الاتجاه الوجداني على مستوى مختلف مستوياته وهي الغوص في الذاتية، حيث عبّر الشاعر الوجداني عما يدور في خاطره بصدق وشفافية، فهو المركز الذي تنطلق منه القصيدة، ومثال ذلك نجده عند رمضان حمود، في قصيدته السالفة الذكر"يا قلبي"، كما نجد ذلك حاضرا عند الشاعر جلواح الذي يعد رائد الذاتية الوجدانية في هذا الاتجاه، من خلال أحزانه التي بثها في شعره ومن ذلك قوله في قصيدة مصرع الأمل:
هنا بين الدوح والزهــرات * غسلتك قبل الدفن العبرات
هنا راعني فيك القضاء بضربة * فقدت فؤادي بعدها وحصاتي[7]
يظهر من خلال البيتين البعد الذاتي للشاعر والعاطفة غير المحدودة التي ينبع منها نصه، ليبرز لنا توجه الشاعر نحو ذاته وهمومها، وانصرافه إلى مشاكله واعتبارها مركز الهموم، لكونه مركز العالم. كما يمكننا من خلال البيتين ملاحظة الطابع التجديدي خصوصا على مستوى اللغة فالقاموس ينبض بمتعلقات العاطفة؛ من العَبَرات إلى الفؤاد، وهذا يقدّم دليلا على انطلاقة النص الوجداني نحو التجديد في مختلف مستوياته.
مما تقدّم نلاحظ أن الاتجاه الوجداني ظل يسير جنبا إلى جنب مع الاتجاه الإصلاحي رغم الاختلاف في البنية بينهما، وقد ظل ذلك حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وأحداث ماي الأليمة، حيث بدأ الجزائريون يفكرون في العمل المسلّح والثورة، التي ما كادت تنقضي سنة 1954 حتى انطلقت أولى رصاصاتها، فآذنت برفع القيد، وظهور نص أخذ من مختلف ما كان قبله من بنيات نصية، ليتميّز بلغة وموضوعات جديدة تخدم القضية الوطنية، إنه النص الثوري، الذي أطلق معه نصا آخرا جديدا رافقه في انتفاضته، وهو النص الحر الذي دخل معترك الساحة الشعرية الجزائرية وافدا من المشرق العربي، حوالي السنة بعد اندلاع الثورة ليستفيد من التحوّلات التي رسّختها، فكان نص أبي القاسم سعد الله "طريقي" فاتحة الطريق نحو النص الشعري الحر، الذي أخذ مختلف مقوّماته وخصائصه من الشعر الحر في المشرق. ورغم حال البلاد من تأزم وبعد عن التواصل الأدبي عموما إلا أن هذا النمط الشعري عرف ازدهارا نسبيا على يد عدد من الشعراء، ليرسم لنفسه طريقا مع الاتجاهين السابقين.



















المحاضرة السادسة: بنية النص الشعري الجزائري في مرحلة الثورة والنص الشعري الجزائري الحر:
لم تُنتج الثورة نصا مختلفا بالكامل إنما هي مرحلة أثّرت في الشعرية الجزائرية بمختلف أطيافها وطبعتها بطابعها على المستوى اللغوي والموضوعاتي بالخصوص، لهذا لا يمكن اعتبار نص مرحلة الثورة –العمودي منه- نصا جديدا كلية، فمرحلة الثورة ليست اتجاها جديدا إنما مؤثرات خارجية أثرت في الشعر، وعليه سنتتبع خصائص النص الثوري انطلاقا من نماذج عنه تعد امتدادا لما قبل الثورة، فشعراء الثورة أنفسهم من كتبوا في ما قبلها، ويضاف لهم شعراء آخرون أول ما كتبوا في الثورة لكن على نهج من سبقهم، وتجدر الإشارة في هذا الموضع إلى أن الرغبة في الثورة لم تكن مع 1954 بل قبل ذلك فالشعب الجزائري عرف حقيقة الثورة و دو

[1]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 302، ص 303.

* عبد الرحمن بن العقون ولد عمل 1908 بوادي الزناتي،أتم الدراسة الابتدائي، وعملفي التعليم ، و أصبح عاملاً في صفوف جبهة التحرير الجزائرية أثناء الثورة .صدرله (( ديوان ابن العقون )) 1980 ، و له مؤلفات أخرى.


[2]من موقع مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطيين للابداع الشعري: www.albabtainprize.org/default.aspx

* مصطفى بن رحمون - ولد بلبانهنواحي بسكرة عام 1921 وتوفى عام1984 - تتلمذ على بعض المشايخ في علوم العربيةوالدين- عمل في الصحافة والتعليم .- صدر له ديوان ابن رحمون.

[3]من موقع مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطيين للابداع الشعري: www.albabtainprize.org

*- الربيع بو شامة، ولد في " فنزاة " قرب سطيف عام 1916 - درس على المشايخ في المساجد ثم نال شهادة التطويع من تونس.- اشتغل فيالتعليم - له ديوان مطبوع نشر بعد الاستقلال بعنوان " ديوان الربيع بو شامة"، وأعدمه الفرنسيون عام. 1959

[4]من موقع مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطيين للابداع الشعري: www.albabtainprize.org


* مبارك بن محمدجلواح، ولد عام 1908 في (( قلعة بني عباس )) بولاية سطيف ، و توفي بباريس عام. 1943قرأ القرآن على والده ، و انخرط في جمعية العلماء المسلمين التيأرسلته إلى فرنسا كمرشد ديني .
له ديوان شعري بعنوان (( دخان اليأس )) ، و جمعالدكتور عبد الله ركيبي أعماله الشعرية .

[5]من موقع مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطيين للابداع الشعري: www.albabtainprize.org

** محمد الصالح خبشاش، ولد بوادي يعقوب قرب قسنطينة عام 1904 ، و توفي أثناء الحربالعالمية الثانية .- حفظ القرآن الكريم و تتلمذ على الشيخ عبد الحميد بن باديس .- لم يجمع شعره بعد .

[6]من موقع مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطيين للابداع الشعري: www.albabtainprize.org

[7]عبد الله ركيبي، الشاعر جلواح، من التمرّد إلى الانتحار، ص 349.









رد مع اقتباس