[العابدالكنتي]

هل يمكن أن يسترجع اضراب ما كرامة الإنسان؟
أن الكرامة تعني في اللغة العربية الشرف والعزة , فيقال أن فلان أهدر كرامة فلان أي أسقطها ،وأذلَّه ونقول " أبى المجاهدون الجزائريون أن تُهدرَ كرامة الأمَّة من طرف المستعمر الفرنسي البغيض "
وفي الفلسفة والتصوُّف تعتبر الكرامة مبدأ أخلاقيّ يُقرِّر أنّ الإنسان ينبغي أن يعامل على أنّه غاية في ذاته لا وسيلة ، وكرامته من حيث هو إنسان فوق كلِّ اعتبار .
إن المتابع هذه الأيام لكثرة استخدام كلمة " كرامة " من طرف النقابات وبعض المنتسبين لها , يظن أننا نعيش بلا كرامة ولا عزة وكبرياء !! وهو أمر مجافي للحقيقة.
فكثيرا ما نسمع " إضراب الكرامة " أو "من أجل استرجاع كرامة المربي " أو "وقفة الكرامة"..........الخ من العبارات الرنانة التي تشنف أذاننا. وكنت شخصيا استخدم أحيانا هذا المصطلح , قبل أن ابحث وافهم مدلولاته وقد نبهتني أحد الأخوات مشكورة لخطأ استعماله وعدم صحته.
والسؤال هنا: هل أصبحنا بدون كرامة و لا شرف ولا عزة إلى هاته الدرجة بحيث نبحث عن وقفة أو إضراب أو احتجاج كي يعيد لنا كرامتنا والتي يُظن أنها مفقودة أو يسترجعها لنا؟
والجواب بكل تأكيد لا .. فنحن استعدنا كرامتنا منذ 50 سنة بفضل نضال رجال ونساء جاهدوا في الله حق جهاده فمنهم من استشهد ومنهم من ينتظر, ونحن لسنا بحاجة إلى وقفة أو إضراب ليعيد لنا كرامتنا.. نعم هناك حقوق مهضومة ومطالب مشروعة نسعى لافتكاكها وتحقيقها لكنها لا تمس كرامتنا المحفوظة والمصونة , هناك ظلم لحق البعض منا نناضل لرفعه وإعادة الحق لأصحابه , هناك اختلالات نسعى لإصلاحها لكن كرامتنا ليست مهدورة, فارجوا أن يكف البعض عن استخدام مصطلحات جوفاء ليست في محلها.
نقابة unpef ومعركة الجنوب ... انتصار ام انتحار؟
جاء في التصريح الصحفي رقم : 2013/11 لنقابة unpef "ختاما: إن الاتحاد يدعو وزارة التربية عقد جلسة عمل يشرف عليها السيد وزير التربية الوطنية شخصيا لاتخاذ إجراءات عملية ملموسة تقنع المحتجين قبل استكمال دورة المجلس الوطني المفتوحة مراعاة لمصلحة أبنائنا التلاميذ خاصة وهم مقبلون على مختلف الامتحانات الرسمية .."
ولنفهم جديا هذا البيان دعونا نرى تصريح الناطق الإعلامي لنقابة unpef لجريدة الخبر ليوم 22 افريل 2013 والذي جاء في مقالها:" رفض الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين دعوة وزارة التربية إلى تجميد الاحتجاجات في منطقة الجنوب مقابل مباشرة المفاوضات حول الانشغالات المطروحة، واشترط الاتحاد مناقشة هذا الملف مع الوزير شخصيا أو الحصول على وثيقة رسمية تؤكد التكفل الفعلي بالمطالب محل احتجاج. ووصف المكلف بالاتصال في ''الإينباف'' مسعود عمراوي اللقاء الذي جمع أول أمس قيادة الاتحاد برئيس الديوان في وزارة التربية بـ ''الفارغ''.
إذا الأمر صار جليا لا يقبل الشك فنقابة unpef تريد فقط وثيقة أو محضر موقع من طرف وزارة التربية تتعهد بموجبه الوزارة بالتكفل بهاته الانشغالات , حتى تجمد أو توقف الإضراب؟ unpef تريد وثيقة موقعة من طرفكم يا سيادة الوزير فقط لا أكثر؟
حينما أرى مثل هاته التصريحات والبيانات الصحفية أشعر أن العمل النقابي وصل إلى مرحلة الحضيض وتراجع إلى مستوى خطير.
فبالله عليكم كيف نفسر موقف أكبر نقابة في قطاع التربية تستجدي وتستعطف وزير التربية أن يقابل قيادتها ويجتمع بها أو يوقع معها محضرا فقط من أجل وقف إضراب؟
هل وصل التخبط وسوء التقدير والخوف من عواقب إضراب الجنوب إلى هذا الحد بقيادة unpef؟
بصراحة لما اطلعت على التصريح الصحفي رقم 11 للنقابة أصابتني الدهشة والقلق من مستقبل العمل النقابي في الجزائر وآفاقه؟
هل يعقل أن تصل نقابة unpef إلى هذا المستوى من التعاطي والسذاجة مع مطالب وانشغالات العمال؟
هل فعلا نقابة unpef يمكن أن تكون أمينة ووصية على مطالب العمال؟
إضراب الجنوب يدخل أسبوعها الثالث ولا أفاق تلوح في المدى القريب , وهل صمت وزارة التربية ورفض الوزير التوقيع على محضر اتفاق ثنائي , كما كان الأمر عليه في عهد الوزير بن بوزيد أحرج نقابة unpef وجعلها في موقف لا تحسد عليه؟
هل ستغرق نقابة unpef في مستنقع اسمه " إضراب الجنوب " أما تحاول أن تبحث لنفسها عن مخرج مشرف تحفظ به ماء وجهها وما بقي لها من قواعد وأنصار؟
أما أن الحكومة ستمعن في إذلال هاته النقابة والدوس عليها من خلال سلسلة إجراءات وقرارات تؤدي في النهاية إلى تسوية منحة الجنوب من طرف واحد , فيستفيد العمال , وتغرق النقابة؟
وهل ستنتصر نقابة unpef بعد إضراب الجنوب أم تنتحر؟
إضراب عبثي!!!
إن الوضعية الحالية معقدة جدا ومتشابكة , فنقابة unpef رمت بكل ثقلها في معركة الجنوب لتحقيق انتصار ما, مهما كان هذا الانتصار بسيطا أو متواضعا أو حتى رمزيا, لأننا وجدنا أنه في لحظة من الزمن نست أو تناست هاته النقابة المطالب الأساسية لفئة الأيلين للزوال والمدراء والمفتشين و المساعدين التربويين والمخبريين وأسلاك الاقتصاد وغيرهم , وأصبح تركيزها مقتصرا ومحصورا على إضراب الجنوب وضرورة الاستمرار فيه حتى النهاية مهما كلف الأمر من خسائر وتنازلات وتضحيات.
فببساطة نقابة unpef جعلت تلاميذ الجنوب دون الشمال رهينة لتحقيق مآربها ورفع أسهمها في سوق التمثيل النقابي , لان هذا النمط من الإضراب ليس من تقاليد هاته النقابة البتة وهي طريق في الاحتجاج تجربها لأول مرة .
وأين تطبقها؟ ... في جنوبنا الغالي الحبيب , إن إقرار " إضراب ثلاثة أيام متجدد أسبوعيا" خاصة في قطاع التربية بالخطورة بما كان , لأنه ليس إضراب مفتوح ولا إضراب محدود , بل هو مزيج بينهما هدفه الأساسي والجوهري تحطيم ملكات التعلم والتعليم و الرغبة فيهما لدى التلاميذ والأستاذ معا , فالأستاذ طبقا لهذا النوع من الإضراب يعمل اليوم الأول في الأسبوع (الأحد) , بعدها يتوقف عن العمل ويدخل في إضراب ومعه يتعطل التلاميذ عن تلقى الدروس ويدخلون في إجازة محدودة ويبتعدون عن أجواء التمدرس , وبعد ثلاثة أيام من الإضراب والتعطيل يعود الأستاذ والتلاميذ في آخر أيام الأسبوع (الخميس) من جديد لأجواء الدراسة, فبأي نفسية يدرس الأستاذ تلاميذه وبأي نفسية يتلقى التلاميذ التعلمات والمعارف؟
انه فعلا إضراب عبثي غير مفهومة دوافعه , وقد يكون منطلقه مادي مصلحي بحت , فمن قرر هذا الإضراب وضع في حسبانه أن الأستاذ أو المعلم في الجنوب مادي وجبان جشع يخشى الاقتطاع من راتبه , لذلك ارتأت النقابة في حالة اقتطاع أيام الإضراب من راتب الموظف , فأنه سيتم اقتطاع ثلاثة (03) أيام فقط من راتبه كل أسبوع , وحتى لا يتم اقتطاع عطلة نهاية الأسبوع (يومي الجمعة والسبت) من راتبه رأت النقابة (ورأيها خطأ يحتمل الصواب) بأن يستأنف الأساتذة والمعلمون عملهم نهاية الأسبوع ويواصلون العمل مع بداية الأسبوع حتى يستفيدون من أربعة (04) أيام عمل متواصلة (الخميس , الجمعة, السبت , الأحد).
لكن للأسف فان نقابة unpef اقتصر تفكيرها على الجانب المادي للقضية فقط, ولم تعر الجانب المعرفي والنفسي أي اهتمام , كما أنها لم تفكر بذات المنطق فيما يتعلق بالتلاميذ ومدى استفادتهم من هذا الإجراء ؟
نعم هذا الإضراب عبثي بامتياز, وإلا ما تفسيرنا لموقف ذات النقابة حيال القضايا الأخرى المطروحة في الساحة التربوية , خاصة إعادة فتح القانون الأساسي ومعالجة اختلالاته , فبعد إضراب اليوم الواحد المتكرر لأسبوع واحد والوقفات الفلكلورية أمام مديريات التربية واستعراض القوة أمام ملحقة وزارة التربية بالرويسو , سكتت نقابة unpef عن الكلام المباح وكأن مطالبها تحققت والأمور سويت , فلم نسمع لها صوتا أو بيانا أو تصريحا يطالب العمال باستمرار النضال , وحتى لجانها المتعددة أصابها الصمم والشلل , بينما نجدها في قضية منحة الجنوب ترعد وتزبد وتتوعد الوزارة وتسخن البندير للتصعيد وتدعوا عمال ولايات الجنوب - وحدهم دون سواهم - باستمرار النضال وضرورة مواصلة الإضراب حتى تحقيق المطالب, وكأنها لم تعد هناك مطالب أخرى لعمال التربية في الجزائر سوى منحة الجنوب. أي عبث هذا؟ , حتى أنني توهمت بأن عمال الوظيف العمومي في الجنوب يمثلون أغلبية عمال الوظيفة العمومية بالجزائر! بيدا أنهم يمثلون أقل من 10% من مجموع عمال الوظيفة العمومية.
نعم مطالب عمال الجنوب محقة لكن ليست أهم أبدا من رفع الظلم عن الأسلاك الأخرى المظلومة في القانون الأساسي , وليست أهم من الملفات المسكوت عنها مثل ملف التقاعد و طب العمل وتحيين المراسيم القديمة المسيرة للقطاع و ملف السكن والمناصب المكيفة , واللجنة الوزارية لجرد و إحصاء أموال وممتلكات الخدمات الاجتماعية.
شيئان لا حدود لهما ... العلَم و غباء الإنسان
إن محاولة إلهاء القاعدة العمالية لقطاع التربية بمنحة الجنوب والتي يعلم الجميع بان كل المؤشرات والدلائل تؤكد بأنها في طريق التسوية مع نهاية هذا الشهر أو بداية الشهر القادم كأقصى حد وستكون بأثر رجعي من 2008, ما هي إلى سياسة الإلهاء والتشتيت التي تنتهجها بعض الجهات في النقابات والحكومة على حد سواء لإشغال الرأي العام وإبعاد ناظريه عن القضايا الأساسية والجوهرية , وإلا كيف نفسر صمت هاته النقابات والوصاية حول القضايا التي ذكرناها سلفا؟
ولماذا لم تأخرت حركة مدراء التربية التي كان من المزمع القيام بها في شهر مارس المنصرم؟
وهل للأمر علاقة بامتيازات نقابية تمنح لهذا الطرف أو ذاك لم يتم الاتفاق عليها بعد؟
إن إضراب الجنوب لا شك فيه انه نجح في أسبوعه الأول للضغط على الحكومة قصد تحريك الملف , وهو ما تجسد فعليا في المراسلات والاجتماعات التي تم عقدها في هذا المجال , أما استمرار الإضراب على هذا النحو وبهذا الشكل فلا يوجد ما يبرره إلا شيء واحد هو أنه ليس لغباء الإنسان حدود , لكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد أن ينتهي هذا الإضراب وتتحقق المطالب:
- ما هي المعركة القادمة لنقابة unpef؟
- هل ستعود لمطالبة الوزارة بفتح القانون الأساسي أم تكتفي بتعديل النظام التعويضي لإقرار منحة المسؤولية للمدراء والمفتشين؟
- هل ستطالب بإدماج ما تبقى من الأيلين للزوال في الرتب القاعدية القارة أم تكتفي بتقليص مدة التكوين عن بعد لسنة واحدة فقط؟
- هل ستظهر مطالب جديدة للنقابة أم تستمر في مطالبها القديمة بثوب جديد؟
- هل ستفاوض الوزارة بنفس المفاوضين وبنفس الأسلوب والخطوات أم ستنتهج أسلوب آخر وتختار فريق تفاوضي جديد؟
وفي الختام أستشهد بمقولة رائعة لعالم الفيزياء ألبرت اينشتاين , وهي :" الغباءهو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات مع انتظار نتائج مختلفة, " وعلى هذا الأساس استنتج اينشتاين: بأن هناك شيئين لا حدود لهما ... العلَم و غباء الإنسان.