منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التخريب الاقتصادي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-04-16, 17:21   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 التخريب الاقتصادي

الفصل الأول: ماهية التخريب الإقتصادي:

مما لا شك فيه أن الأمم والدول تكون قوية لقوة اقتصادها وجيشها، فالاقتصاد هو الركيزة الذي تطمح من خلالها الدول لإثبات سيادتها وديمومتها، ولهذا فعليها الحفاظ وتطوير هذا الجانب بتدعيم من يدعمه ومعاقبة من يخربه، أو يحاول تعطيل مساره وهدمه. ولمعرفة معنى التخريب الاقتصادي ومحاولة إعطائه تعريفا، نتطرق في هذا الفصل إلى تعريف الجريمة الإقتصادية، التي هي الأساس المؤدي للتخريب، ثم نحاول إعطاء مفهوم عام للتخريب الاقتصادي.

المبحث الأول: تعريف الجريمة الإقتصادية.

المطلب الأول: تعريف الجريمة.

لا تشير القوانين عادة إلى تعريف الجريمة تاركة ذلك للفقه، وقد تعددت محاولات الفقهاء لتعريف الجريمة، والتي يمكن حصرها في اتجاهين: إتجاه شكلي و إتجاه موضوعي.

 الإتجاه الشكلي ويربط تعريف الجريمة بالعلاقة الشكلية بين الواقعة المرتكبة والقاعدة القانونية، فتعرف الجريمة على أساس بأنها فعل يجرم بنص القانون أو هي نشاط أو امتناع يجرمه القانون و يعاقب عليه.
 الإتجاه الموضوعي: يحاول هذا الإتجاه إبراز جوهر الجريمة باعتبارها اعتداءا على مصلحة إجتماعية، وعلى هذا الأساس يمكن تعريف الجريمة على أنها الواقعة الضارة بكيان المجتمع وأمنه.

ومنه يمكن أن نعرف الجريمة أنها سلوك يمكن إسناده على فاعله يضر أو يهدد بالخطر مصلحة إجتماعية محمية بجزاء جنائي، ويتضح من هذا التعريف أن الجريمة سلوك لا يكون فعلا ينهي عليه القانون أو امتناعا عن فعل يأمر به القانون على أن يكون هذا الفعل (سلوك) مما يمكن إسناده إلى فاعله أو أن يكون هذا الفعل فعلا صادرا عن إنسان يمكن الاعتذار بإرادته قانونيا أي أن تكون تلك الإرادة سليمة وغير مكرهة، مع وجود صلة ما بين هذه الإرادة والواقعة المرتكبة وأخيرا فإن التعريف يؤكد أن يكون من شأن السلوك المكون للواقعة الإجرامية صفة الإضرار بمصلحة محمية جزائيا، فالإضرار بمصلحة غير محمية جزائيا لا يترتب عليه جريمة، وإن كان من الممكن أن يشكل فعلا غير مشروع في نطاق فرع آخر من فروع القانون، فعدم وفاء المدين بالتزامه المدني أو إتلافه غير المتعمد لمال الغير، يشكل عملا غير مشروع وفقا لأحكام القانون ولكنه لا يكون جريمة (1).

والمعيار الصالح للتمييز بين المصالح الإجتماعية التي يعد الاعتداء عليها جريمة وبين المصالح الإجتماعية التي لا يعد الاعتداء عليها جريمة هو الأثر الذي يرتبه القانون على فعل الاعتداء، ففي حالة أن يرتب القانون على الواقعة جزاءا جنائيا تكون المصلحة المعتدى عليها من المصالح الإجتماعية المحمية بجزاء جنائي، وتكون واقعة الإعتداء عليها جريمة (2) .

ويمكن تقسيم الجريمة إلى ثلاثة أنواع: جنايات وجنح ومخالفات، وهو تقسيم تقليدي متبع في معظم القوانين، ومنها القانون الجزائري ويلاحظ أن معيار التمييز الذي اتبعه القانون هو جسامة الجريمة.

وعلى الرغم من النقد الذي يتعرض له هذا التقسيم وما قيل فيه أنه تقسيم غير منطقي فإن أهميته تبقى كبيرة بالنظر إلى أن المشرع يجعله أساسا في الأحكام العامة لقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية، فبالنسبة لقانون العقوبات فإن المشرع يقصر بعض القواعد على الجنايات أو الجنح دون المخالفات، نجد ذلك في الأحكام الخاصة بالاستثناء الوارد على مبدأ إقليمية القانون وفي أحكام الشروع ، والاتفاق الجنائي، والعهود، وفق التنفيذ، والظروف المخففة... أما بالنسبة لقانون الإجراءات الجزائية فقد قدر المشرع أن خطورة الجريمة وجسامتها تقتضي حتما التمييز بينها فيما يخص المحاكم بها، وإجراءات التحقيق التي تسبق النطق بالجزاء والضمانات الخاصة بحقوق الدفاع وانقضاء الدعوة العمومية .
وللجريمة أركان تتمثل فيما يلي:

1- الأركان العامة: وهي الأركان الواجب توفرها في كل جريمة أيا كان نوعها أو طبيعتها حتى إذا انتقى أحدها خلا جريمة على الإطلاق.
2- الأركان الخاصة: وهي الأركان التي ينص عليها المشرع بصدد كل جريمة على حدا وتظهر اختلاف كل جريمة على أخرى. وتضاف هذه الأركان إلى الأركان العامة لتحدد نوع الجريمة.

المطلب الثاني: - معنى الجريمة الإقتصادية :

إذا رجعنا عبر تاريخ الفكر الإقتصادي الذي يقودنا إلى الأنظمة الإقتصادية البدائية من نظام قبلي إلى نظام عبودي ثم إلى نظام إقطاعي لم تكن هناك جرائم تمس هذه الأنظمة لأنها لم يكن أساسها الدولة. ولم يكن لها جهاز قضائي يحمي الإقتصاد القومي لكن مع تطور الفكر الإقتصادي من رأسمالية واشتراكية كأنظمة إقتصادية طلائعية تعتمد على المؤسسات الصناعية الضخمة وتدخل الثورة الصناعية في الشؤون الزراعية، والإعتماد على الموارد الطبيعية في تنمية الإقتصاديات وتدخل العملة والنقود في المبادلات الإقتصادية، وظهور ما عرف بمفهوم الدولة الحديث والذي كان يصبوا إلى التقدم والتحسين في كل الميادين الإقتصادية.

بالمقابل مع تطور الأنظمة الإقتصادية كان هناك تطور آخر هو الإجرام الخطير، ومن فروعه الجريمة الإقتصادية الماسة بالإقتصاد الوطني، حيث تعتبر هذه الأخيرة عموما حديثة النشأة والوجود، حيث تطورت مع تطور المجتمعات والأنظمة السياسية و الإقتصادية.

ولذلك وجب إعطاء مفهوم للجريمة الإقتصادية، حيث عمل المشرع على ذلك، إذ عرفها بأنها: كل عمل أو امتناع يقع بالمخالفة للتشريع الإقتصادي إذا نص على تجريمه سواء في قانون العقوبات أو في القوانين الخاصة بخطط التنمية الإقتصادية الصادرة عن السلطة المختصة لمصلحة الشعب ولا يجوز أن يكون الجزاء غير ما نص القانون على حضره .

إننا نجد فيما يتعلق بمفهوم الجريمة الإقتصادية آراء متباينة ووجهات نظر مختلفة ويرى معظم فقهاء القانون أن المخالفات الجنائية التي ترتكب ضد الإقتصاد الوطني ترتبط إرتباطا مباشرا بالقانون الإقتصادي الذي يكفل تنفيذ لوائحه أي تطبيق العقوبات الجنائية ضمانا لتنفيذ هذه اللوائح (1).

وهناك رأي آخر يقول بأن الجريمة الإقتصادية عبارة عن أفعال مناهضة للمجتمع وتقع في دائرة الجرائم العادية الواردة في قانون العقوبات أو الجرائم الإقتصادية التي تنص عليها القوانين الخاصة.

وأيضا هناك مؤلفات قانونية عن قانون العقوبات وعلم الإجرام تتعلق بمفاهيم متباينة لم تتوحد رغم أن هناك إتجاه متزايد للأخذ بوجهة النظر القائلة بأن الجريمة الإقتصادية هي إعتداء على الإقتصاد باعتباره القاعدة التي يرتكز عليها المجتمع، ومن ثم فإن الجرائم الاقتصادية تخلوا بنظام العمل في هذا المجتمع مما يوضح خطورة الجانب الاجتماعي في هذا النوع من الجرائم (2).

وفي وسعنا أن نقول باختصار بأن الجرائم الاقتصادية عامة تنشأ من الإزدياد في تحول العلاقات الرأسمالية التقليدية إلى علاقات إقتصادية جديدة تزداد الغلبة والسيطرة فيها للدولة أو للمجتمع نفسه على أساس تنظيمي جديد، تصبح فيه هذه العلاقات الجديدة أي ملكية الدولة وملكية المجتمع شرطا لا غنى عنه لقيام وتطور المجتمعات المعاصرة مستقبلا في إتجاه التقدم.

المبحث الثاني: مفهوم التخريب الإقتصادي.
المطلب الأول: مفهوم التخريب

جاء في الفصل الأول الباب الأول من الكتاب الثالث من الأمر 66/156 المؤرخ في 08 يونيو 1966 والمتضمن قانون العقوبات المعدل والمتمم قسم رابع مكرر بعنوان " الجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية " يتضمن ما يلي:

يعتبر فعلا إرهابيا أو تخريبيا في مفهوم هذا الأمر كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي عن طريق أي عمل غرضه ما يأتي:
- بث الرعب في أوساط السكان وخلق جو منعدم الأمن من خلال الإعتداء المعنوي أو الجسدي على الأشخاص أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمتهم للخطر أو لمس ممتلكاتهم .
- عرقلة حركة المرور أو حرية التنقل في الطرق أو الإعتصام في الساحات العمومية .
- الإعتداء على رموز الأمة والجمهورية.
- الإعتداء على وسائل المواصلات والنقل والملكيات العمومية والخاصة أو احتلالها دون مصوغ قانوني.
- الإعتداء على المحيط أو إدخال أو تسريب أي مادة في الجو أو في باطن الأرض أو في المياه الإقليمية من شأنها جعل صحة الفرد أو الكائن الحي أو البيئة الطبيعية في خطر.
- عرقلة سير عمل السلطات العمومية أو حرية ممارسات العبادة والحريات العامة وسير المؤسسات المساعدة للمرفق العام.
- عرقلة سير المؤسسات العمومية أو الإعتداء على حياة أعوانها وممتلكاتهم أو عرقلة تطبيق القوانين والتنظيمات.

وعليه فالتخريب ظاهرة إجرامية خطيرة يجب تضافر الجهود لمحاربتها. حيث يعتبر ضربا لإستقرار المؤسسات وسيرها العادي، وتهديدا لإقتصاد الدولة ووحدتها الوطنية وسلامتها الترابية، وخلق نوع من الإخلال في التسيير.

المطلب الثاني: معنى التخريب الإقتصادي

لا يوجد تعريف واضح للتخريب الإقتصادي بحيث لم يتناوله المشرع كجريمة من الجرائم وإنما جمع فيها جميع الجرائم الإقتصادية الماسة بالاقتصاد الوطني حيث تدخل ضمن الأعمال التخريبية الماسة بالإقتصاد. حيث يصعب كذلك في بعض الأحيان تمييزها عن حالة الإهمال في التسيير والشيء الوحيد الذي يمكن البحث عنه لإثبات تورط الفاعل كشف الفعل الإرادي، وإذ تعذر علينا ذلك، فسيكون من غير السهل إثبات جريمة التخريب والتصرف الإرادي هو الذي يؤكد نية التخريب والمساس بمصالح الإقتصاد الوطني.

وعلى كل فإن التحقيقات التي تجرى في مثل هذه القضايا، والتي يكون فيها المسير محل الإجراءات تنصب في ذكر العلاقة بين التصرف المخالف للقانون و النتيجة التي ترجمت في الواقع بالاعتداء على الاقتصاد الوطني بانصراف إرادة الفاعل إلى تخريب الأجهزة الأساسية للاقتصاد الوطني.



و تعتبر الجريمة الاقتصادية أساس كل تخريب اقتصادي حيث يرى أنها كل فعل أو امتناع من شأنه المساس بسلامة البنيان الاقتصادي ، كما تعبر عنه القواعد الآمرة للنظام الاقتصادي المشمولة بالجزاء الجنائي، فانتهاك اقتصاد الدولة أو الشركات والمؤسسات الكبرى يؤدي إلى كوارث مالية واجتماعية تهدد حياة العاملين فيها وضياع لمدخراتهم ومصادر دخلهم، ومن جانب آخر فإن الممارسات غير المشروعة التي تقوم بها الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات وسيطرتها على الإقتصاد الوطني والدولي زاد من خطورة الجرائم الإقتصادية مما حذا بكثير من الدول والمنظمات إلى التنبيه والعمل على التصدي ومكافحة هذه الجرائم بمختلف الوسائل والأساليب.

ومظاهر التخريب الإقتصادي أشد خطرا على برامج التنمية والتقدم الحضاري لأي مجتمع، حيث أنها تقوض من تقدمه نحو النمو الإقتصادي وتضر من مصالحة ولا سيما في الوقت المعاصر حيث الإنفتاح الإقتصادي والتقدم السريع لمجالات الحياة والثورة التكنولوجية التي بدورها زادت من انتشار التجارة الإلكترونية وعولمة الإقتصاد وبالتالي عولمة النشاط الإجرامي.

كما أن مظاهر التخريب الإقتصادي تشمل كذلك تخريب الأراضي الزراعية و تبويرها و دفن نفايات نووية في باطن الأرض، و كذلك إنتاج وزراعة المخدرات على حساب الأراضي الزراعية أو تصنيع المخدرات و المؤشرات بطرق كيميائية، كذلك التنافس غير المشروع كإغراق السوق و تقليد و تزوير المنتجات الإستهلاكية و تزوير العلامات التجارية و احتكار السلع بالإضافة إلى الجرائم المتعلقة بالحاسوب، من برمجة عمليات و وهمية أو تزوير معلوماتها و كذلك الإختراق أو التجسس للحصول على معلومات بهدف التخريب أو تحقيق أرباح مالية.

مما سبق ذكره فإن التخريب الإقتصادي هو جملة الجرائم الإقتصادية الماسة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالإقتصاد الوطني و بمقوماته ( صناعة، تجارة، زراعة) تحدث فيه شرخا، يسفر نتائج سلبية تهز كيان الدولة و المجتمع.

الفصل الثاني:
الجرائم المؤدية إلى التخريب الإقتصادي:

لا شك أن هناك جرائم عادية لها آثار إقتصادية كالسرقة و الإختلاس و التزوير و الرشوة و النصب و الإحتيال و الغش و التدليس و التهريب الضريبي و المماطلة في سداد الديون و غيرها من صور الجرائم المالية، حيث يتأثر بها الجني عليه كسلب أمواله فلا يحقق تقدما و نموا إقتصاديا يستفيد منها، أو يستفيد إقتصاد بلاده، إلا أن الجرائم الإقتصادية هي في المقام الأول موجهة للسياسة الإقتصادية، و تضر بمصالحها الملية.

و هناك العديد من أنواع الجرائم الإقتصادية التي تختلف من مجتمع لآخر، بإختلاف نضمه الإقتصادية و تطوره الحضاري، إلا أنه مع التطور السريع الذي يمر به العالم، فإن ذلك يؤدي لإستحداث أنشطة جديدة، و عولمة لأنشطتها الإجرامية و ظهور أنواع جديدة للجرائم الإقتصادية من هنا مكمن الخطر لأشد هذه الجرائم و تهديدها للنمو الإقتصادي. الأمر الذي يصعب حصرتنا مجها و تحديدها لأنها تشمل كل ما يلحق الضرر بعمليات توزيع الثروات و التجارة و التصنيع أو التداول و إستهلاك السلع و الخدمات.

و تخليصا لهذه الجرائم سنطرق في هذا الفصل إلى أهم الجرائم الإقتصادية التي تمس بإقتصادنا، مع مراعاة نظامنا الإقتصادي و المجتمع و نذكر منها:

 تبيض الأموال.
 الإختلاس.
 التزوير و التزييف و التقليد.
 الرشوة و إستغلال النفوذ.
 تهريب المخدرات و القطع الثرية.

المبحث الأول: تبيض الأموال.

تعد ظاهرة تبيض الأموال من الظواهر الحديثة نسبيا و إلى وقت قريب لم يكن هذا المصطلح معروفا، بل على العكس كان يبدو غريبا بالنسبة للكثيرين من الناس، سواء كانوا أفرادا عاديين أو متخصصين في المجال القانوني. و تطبيقا لذلك فإن إختلاف الزاوية أو المنظور الذي يمكن من خلاله النظر إلى هذه الظاهرة المستحدثة يفضي بطبيعة الحال إلى نتيجة مؤداها عدم إمكان التوصل إلى إتفاق عام حول تعريف هذه الظاهرة.

المطلب الأول: تعريف جريمة تبييض الأموال:

يمكن إعطاء عدة تعاريف لجريمة تبييض الأموال، حيث عرفها التشريع الكويتي لعام 2002 على أنها عملية أو مجموعة من عمليات مالية أو غير مالية تهدف إلى إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو عائدات أي جريمة و إظهارها في صورة أموال أو عائدات متحصلة من مصدر مشروع و يعتبر من قبيل هذه العمليات كل فعل يساهم في عملية توظيف أو تحويل أموال أو عائدات ناتجة بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن جريمة أو إخفاء مصدرها الأول.(1)

و قد ذهب البعض في سبيل تعريف غسل الأموال بأنه:" إضفاء الصفة الشرعية بطريقة ما على الأموال النقدية المستمدة من العائدات غير المشروعة"، فيما يرى البعض أنها:"كل العمليات و الإجراءات التي تتخذ بقصد تغيير صفة الأموال التي تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة لتظهر في النهاية كما لو كانت مكتسبة من مصادر مشروعة و قد يتم ذلك عن طريق إنشاء مشروعات وهمية أو شراء أصول أو تمويل الشركات الخاسرة و شرائها أو فتح الحسابات و إيداع الأموال في بنوك الدول التي تتساهل في معرفة مصدر هذه الأموال".(2)




(1) العريان محمد علي- غسيل الأموال و آليات مكافحتها –ص 36
(2) نفس المرجع السابق – ص 38-39


و عبر الإقتراح الآخر للتعريف بأنه كل فعل أو إمتناع ينطوي على تعاملات مالية تقتضي إضفاء المشروعية على أموال أو عائدات على مصدر جنائي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بحيث تصبح و الحال كذلك أموال ذات أصل قانوني و مشروع.(1)

كما أن الفقه الإسلامي عني بإهتمام كبير بهذه الجريمة حيث عرفها الدكتور عباس أحمد الباز" بأنها عملية من شأنها إخفاء المصدر غير المشروع الذي منه المال، فإذا أدخل بعمل بقوة القانون، يتحول من مال قذر حرام إلى مال نظيف، كالثوب المتسخ، يحمل القذارة فإذا وضع في الماء النظيف زال عنه القذر". (2)

أما في التشريع الجزائري فقد تطرق المشرع إلى جريمة تبييض الأموال في المادة 389 مكرر في القسم السادس مكرر، حيث تقول" يعتبر تبييضا للأموال:
أ‌- تحويل الممتلكات أو نقلها مع علم الفاعل بأنها عائدات إجرامية، بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات، أو مساعد أي شخص متورط في إرتكاب الجريمة الأصلية التي تتأت منها هذه الممتلكات، على الإفلات من الآثار القانونية لفعلته.
ب‌- إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها، مع علم الفاعل أنها عائدات إجرامية.
ت‌- إكتساب الممتلكات أو حيازته أو إستخدامها مع علم الشخص القائم بذلك وقت تلقيها، أنها تشكل عائدات إجرامية.
ث‌- المشاركة في إرتكاب أي من الجرائم المقررة وفقا لهذه المادة ، أو التواطؤ أو التآمر على إرتكابها و محاولة إرتكابها و المساعدة و التحريض على ذلك و تسهيله و إسراء المشورة بشأنه.(3)


(1) العريان محمد علي-غسيل الأموال و آليات مكافحتها-ص 36
(2) و (3) بلحسن سهام، بلحاج غنيمة، مذكرة التخرج لنيل شهادة الليسانس(جريمة تبييض الأموال)، سنة 2005-جامعة حسيبة بن بوعلي-الشلف-ص 10 و 12

و قد إعتبر المشرع الجزائري جريمة تبييض الأموال جناية، حيث أقر لها عقوبة الحبس من 05سنوات إلى 10سنوات ، و بغرامة مالية من مليون إلى ثلاث ملايين


دينار جزائري( المادة389 مكرر -1-) و شدد العقوبة في حالة الإعتياد أو بإستعمال التسهيلات التي يمنحها نشاط مهني أو في إطار جماعة إجرامية بالحبس من 10سنوات إلى 20سنة و بغرامة من 4 ملايين دج إلى 08 ملايين دج( المادة 389 مكرر -2-). (1)

المطلب الثاني: مراحل تبييض الأموال
إن نشاط غسيل الأموال يمر بثلاث مراحل أساسية و مترابطة و هي(2): مرحلة الإيداع أو التوظيف و مرحلة التمويه أو الترقية و أخيرا مرحلة الإندماج أو الدمج أو التكامل.

و تجدر الإشارة إلى أن هذه المراحل قد تتشابك و تتداخل في أحيان كثيرة، مما يفضي إلى صعوبات جمة، عندها محاولة الفصل بينها و أيما كانت الأحوال فهذه المراحل جميعها تهدف في تقديرنا الخاص إلى إخفاء أو تمويه المصدر الجرمي للعائدات غير المشروعة عبر إدماجها في النظام الإقتصادي المشروع و ظل آلياته القانونية.











(1) قانون العقوبات الجزائري –ص- 128- 129.
(2) غسيل الأموال و آليات مكافحتها-مرجع سابق –ص 41.

المرحلة الأولى: التوظيف

تعد هذه المرحلة ليس فقط من أصعب المراحل التي تواجه القائمين على نشاط تبييض الأموال، بل أيضا و أخطرها، فهنا نجد أن الأموال النقدية في صورتها السائلة متوافرة بكميات كبيرة جدا، و بالتالي في سبيل إبعاد الشبهات عن مصدر هذه الأموال، فإنه يتعين على هؤلاء الأشخاص أن يتخلوا ماديا عن هذه المتحصلات النقدية، و يعني التوظيف إستثمار أموال ناتجة عن أنشطة غير مشروعة في صورة أنشطة مشروعة، هذا و تتعدد صور هذا الإستثمار فمن ناحية أولى يمكن توظيف هذه الأموال في صورة إيداعات بالمصارف سواء داخل البلاد أو خارجها.و سواءا تم ذلك من خلال مساعدة بعض موظفي المصارف أو تزوير المستندات المتعلقة بها أو إخفاء بعضها و يمكن أيضا إستثمارها و توظيفها في المؤسسات المالية غير المصرفية مثل مكاتب الصرافة و شركات الأوراق المالية ... إلخ. و من ناحية ثانية يمكن شراء مؤسسة مالية أو تجارية لها نشاطها المشروع، أو تحويل النقود إلى صورة أخرى(كشراء العقارات أو محلات المجوهرات أو الذهب أو الأحجار الكريمة)، و من ناحية ثالثة يمكن لهؤلاء الأشخاص إستبدال هذه الأموال المشبوهة بعملات أجنبية في مرحلة أولى ثم تهريبها إلى الخارج في مرحلة ثانية لكي يتم إيداعها في أحد المصارف الأجنبية في مرحلة أخيرة.

و من جماع ما تقدم يتضح مدى الأهمية المحورية لهذه المرحلة بمختلف صورها و التي تتميز بإخفاء المصدر الأصلي لهذه الأموال المشبوهة و سهولة إيداع هذه الأخيرة في المؤسسات ذات الطابع المالي، و عندئذ نستطيع القول أن هذه الأموال قد إندمجت في عدة عمليات مالية متشابكة و معقدة دون أن تثير نظر أي شخص.





المرحلة الثانية : التمويه
إن المرحلة السابقة قد مهدت بلا شك للدخول إلى المرحلة الحالية أي التمويه و التشطير، و هذه الأخيرة تعني فصل حصيلة الأموال غير المشروعة عن مصدرها الأصلي من خلال مجموعة من العمليات المالية، بعبارة أخرى يتم التمويه على طبيعة هذه الأموال عن طريق إجراء العديد من التحويلات الداخلية أو الخارجية(مثل إستخدام عمليات التحويل البرقي للنقود أو تحويل النقود إلى أدوات وفاء... إلخ). و ذلك بهدف إيجاد العديد من الطبقات التي من خلالها يصعب الوصول إلى منشئها الأصلي غير المشروع.

رغم ما تمثله هذه المرحلة من مراحل تبييض الأموال كمرحلة صعبة و معقدة فهي كذلك تثير صعوبات جمة بالنسبة للقائمين على تنفيذ القانون خاصة في ظل إنتشار التقنيات الحديثة في المحلات المالية و المصرفية و يما كان الأمر فإن هدف غاسل الأموال المشبوهة هنا هو فصل هذه الأخيرة عن مصدرها غير المشروع عبر القيام بالعديد من العمليات المعقدة و المتشابكة لإخفاء أو تمويه مصدرها الأصلي.

المرحلة الثالثة: الدمج:
يبلغ نشاط الأموال المشبوهة مداه، ببلوغ هذه المرحلة الأخيرة أي الدمج و ذلك بفضل إستفادة غاسلي هذه الأموال من المراحل السابقة، و بمعنى آخر فإن مرحلة التوظيف و التمويه هي مراحل خادمة للمرحلة التالية إذ تتجلى في هذه الأخيرة تطهير هذه الأموال عن طريق دمجها في عملية مشروعة أو أنشطة إقتصادية مشروعة في ذاتها، و بعبارة أخرى يعاد ضخ الأموال التي تم غسلها في الإقتصاد مرة أخرى، كأموال عادية سليمة، و تكتسب تبعا لذلك مظهرا قانونيا و ذلك بان تشترك الأموال الناشئة من الفعل غير المشروع في مشروع تجاري آخر، يعرف عنه مشروعيته و مشروعية مصدر رأسماله، بحيث يصعب الفصل بين المال المتحصل من مصدر غير مشروع و المال المتحصل عن مصدر شرعي، و بالتالي يعاد ظهور الأموال غير المشروعة المغسولة مختلطة و مندمجة في أدوات النظام الشرعي و تبدو و الحال كذلك متولدة عن أعمال مشروعة.


و من أساليب هذه المرحلة إكتساب ملكية العقارات و التي يمكن إستخدامها لإعادة ضخ الأموال المغسولة في المجالات الإقتصادية المشروعة أو من خلال الشركات الواجهة أو الستار أو حتى عبر تكوين شركات وهمية أو عن طريق مباشرة عمليات الإستيراد و التصدير.

المطلب الثالث: أساليب تبييض الأموال:
يمكن القول أن أساليب غسل الأموال قد تطورت في السنوات الأخيرة نتيجة التزايد الطابع التقني المستخدم في هذه المجالات، حيث أنها كانت تتم فيما مضى عبر وسائل بدائية ثم مع مرور الوقت أصبحت هذه الأساليب متطورة و متنوعة لاسيما مع إتساع نقل و تحويل الأموال عبر الحدود الوطنية و يقصد بأساليب غسل الأموال تلك الطرق التي يستخدمها المتورطون في النشطة الإجرامية عند التمويه عن مصدرها و طبيعتها الإجرامية من خلال تحويلها إلى أصول و ممتلكات تبدو بصورة مشروعة بذاتها.

أولا: التهريب: كان التهريب أبرز الأساليب التي يتم بها تبييض الأموال إذ يقوم المتولون في العمليات الإجرامية لتهريب المتحصلات النقدية من جرائمهم بأنفسهم أو عن طريق آخرين خارج البلاد. و كان ذلك يتم بأساليب بسيطة مثل إخفاء النقود الورقية في الجيوب السرية للحقائب. أو وضعها في علب حفاضات الأطفال و غيرها من الطرق التي تؤدي إلى نقل الأموال خارج البلاد . إما برا أو بحرا أو جوا. و على الرغم من أن التهريب هو أقدم و أبسط الطرق التي إبتكرها غاسلوا الأموال. إلا أنه مازال مستخدما على نحو واسع حتى في أكثر البلاد تقدما من الناحيتين التكنولوجية و الأمنية.(1)

ثانيا:التصرفات العينية: لقد لجأ غاسلوا الأموال إلى وسيلة أخرى للتمويه و ذلك بشراء الأشياء العينية كالذهب و المجوهرات و العقارات و اللوحات النادرة، ثم يقومون بعد مدة


(1) مذكرة تخرج ليسانس"جريمة تبييض الأموال"- مرجع سابق ص24


ببيعها مقابل الحصول على شيكات مصرفية بقيمة الأشياء المباعة فتستخدم هذه الشيكات المصرفية كحسابات لغاسلي الأموال في البنوك المختلفة و بعدئذ يقوم أصحاب هذا الحساب بإجراء العديد من تحويلات مصرفية عن طريق تلك البنوك المسحوب عليها الشيكات بقصد التقييم على العمليات المشبوهة.
ثالثا:نقل الأموال عن طريق المؤسسات المالية غير المصرفية:و يقصد بها تلك المؤسسات التي تشترك أو تساهم في عمليات تبادل نقود مثل القيام بالتحويلات البرقية للنقود أو صرف التشيكات أو بيع أوامر الدفع و تعتبر تلك المؤسسات منفذا خطيرا لغاسيلي الأموال بالنظر إلى كونها غير خاضعة لنفس الرقابة التي تخضع لها البنوك.

رابعا:شركات الواجهة: قد يعمد غاسلوا الأموال إلى إنشاء شركات أجنبية صورية يطلق عليها شركات الواجهة، و هذه الأخيرة تقوم بالوساطة في عمليات غسيل الأموال غير النظيفة. و يحصل غسيل الأموال عن طريق الشركات الواجهة من خلال أساليب عديدة، فقد يقوم المتورطون في عمليات غسيل الأموال عن طريق شركات الواجهة بشراء الشركات الخاسرة أو التي على شفى الإفلاس أو في مرحلة التصفية (الشركات الصرافة،سلسلة مطاعم،سلسلة فنادق...) ثم يقومون بدعمها ماليا بغرض إقالتها من عثرتها ليكون ذلك ستارا على أموالهم غير النظيفة، كما أن تل الشركات عادة ما تقوم بسداد كافة إلتزاماتها في ظل القانون الوطني الذي تنشأ عليه و بصفة خاصة ما يتعلق بسداد الضرائب. كما يتم غسيل الأموال من خلال توظيف الأموال غير النظيفة في شركات التأمين، و يكون ذلك مثلا بشراء وثيقة تأمين ذات قسط سنوي و لصالح شخص بإسم مزيف، أو بإسم شركات ما، و على أن يقوم من صدرت الوثيقة لصالحه بإلقائها بعد فترة وجيزة، فتقوم شركة تأمين برد مبلغ قسط التأمين بأكمله على المؤمن له بشيك مثلا، و بذلك تنفي الشبهة حول عدم مشروعية هذا المال.




خامسا:التقنيات الحديثة لغسل المال (1):رغم أن التقنيات الحديثة في أي مجال من مجالات الحديثة تبرز عن صورها الإيجابية لأي مجتمع من المجتمعات، سواءا كانت هذه الأخيرة متقدمة أو نامية، إلا أن تحول جل الصور الإيجابية لهذه التقنيات على النواحي السلبية قد أمكن تحقيقه من خلال إستغلال غسيلي الأموال المشبوهة بالفعل لكافة التقنيات الحديثة في مختلف مجالات الحياة من أجل إرتكاب المزيد من الجرائم و بمعنى آخر فإن هؤلاء المجرمين يتواءمون مع إمكانيات هذا العصر سواء كانت هذه الأخيرة شبكات الأنترنيت أو النقود البلاستيكية.

1- الأنترنيت: تلعب شبكات الكمبيوتر دورا بارزا خلال السنوات الأخيرة في تسهيل عمليات غسل الأموال و ذلك من خلال الأنترنيت الذي يعتبر أحدث الطرق لغسل الأموال خاصة أنه أسهل إستخداما و أيسر تعاملا مع البنوك فيمكن من خلال ضغطة زر أن تفتح لك آفاقا واسعة نحو الدخول إلى حسابات و أنشطة مالية مصرفية مع أي جهة أو مؤسسة من المؤسسات، ضف إلى ذلك إمكانية إستعمال الشبكات المختلفة في الدخول إلى مواقع التجارة الإلكترونية و التسوق عبر هذه الشبكة و دفع قيمة المشتريات بالبطاقات الممغنطة، و دون أي قيود في هذا المجال و عندئذ يمكن لغاسلي الأموال توظيف هذه الأخيرة و التعامل مع البنوك عبر الأنترنيت مما يحقق إخفاء المنشأ غير المشروع لهذه الأموال.

2- النقود البلاستيكية: هذه النقود يطلق عليها أيضا بطاقات الإئتمان و هي أموال يتم صرفها من البنوك بواسطة ماكينات الصرف الآلية الخاصة بها و المنتشرة على مستوى العالم، حيث أن معظم البنوك تصدر حاليا مثل هذه البطاقات تعد من الوسائل النقدية الحديثة في العمل المصرفي، في هذه الحالة يقوم غاسلي الأموال المشبوهة بصرف المال من أي ماكنة دون أن تثير الشبهات أو الشكوك حول أصلها أو مصدرها.




(1) العريان محمد علي، غسيل الأموال و آليات مكافحتها. مرجع سبق ذكره-ص 51


المطلب الرابع: آثار تبييض الأموال على الإقتصاد الوطني
إن لتبييض الأموال عدة آثار على المستوى الإجتماعي، إذ تحدث فجوة بين الأغنياء و الفقراء و إختلال البينة الإجتماعية للدولة، و آثار سياسية إذ أن بعض هذه الأموال توجه إلى تمويل التنظيمات الإرهابية للقيام بجرائمهم التخريبية و زعزعة الأمن و الإستقرار، و آثار شخصية تتمثل أساسا في خلق طبقة إجرامية مستحدثة في الطبقة المثقفة و الذكية.

أما في المجال الإقتصادي، و الذي يتمحور فيه موضوعنا فإن الآثار السلبية التي تترتب على عمليات غسل الأموال المشبوهة، تتعدد بشكل يؤثر على الإقتصاد الوطني. فمن جهة تؤدي هذه العمليات إلى منافسة غير متكافئة مع المستثمرين الجادين في المجتمع سواء كانوا محليين أو أجانب.و كذلك تؤثر على أسعار العائد و سعر الصرف. ضف إلى ذلك فإن هذه العمليات تؤدي إلى إنتقال رؤوس الأموال من الدولة ذات السياسات الإقتصادية الجيدة و ذات معدلات عائد مرتفعة إلى الدول ذات السياسات الإقتصادية الفقيرة المتعارف عليها، و التي يمكن الإستناد إليها من قبل صانعي السياسة فيها. و من جهة أخرى تؤثر هذه العمليات على إستقرار الأسواق المالية الدولية، و تهدد بإنهيار الأسواق الوطنية و بالتالي تهدد كيان الدولة بأسره.

و من جهة ثالثة تؤدي هذه العمليات إلى تخفيض قيمة العملة الوطنية،رفع الأسعار حيث تقوم هذه العمليات بتحويل العملة المحلية الناتجة عن أموال غير مشروعة إلى ذهب و مجوهرات،و غيرها من الأصول ذات القيمة، و التي يمكن بيعها في الخارج مقابل العملات الأجنبية القوية و مما سبق يفضي إلى صعوبة مهمة الدولة في وضع خطط أو برامج فعالة للتنمية الإقتصادية و الإجتماعية ، و من جهة رابعة يترتب على عمليات غسل الأموال المشبوهة زيادة السيولة المحلية بشكل لا يتناسب مع الزيادة في إنتاج السلع و الخدمات، و هو الأمر الذي يؤدي إلى المساهمة في حدوث ضغوط تضخمية في إقتصاد الدولة مما يترتب عليه تدهور القدرة الشرائية للنقود.


في الأخير، تعد جريمة تبييض الأموال من أخطر الجرائم في الإقتصاد الوطني، حيث أنها تؤثر سلبا على الإقتصاد و تساهم على تخريبه، لذلك حرمها كل المشرعون عالميا، و سلطت على مقترفيها أقصى العقوبات.

فالمشرع الجزائري قرر عقوبة على كل من قام بتبييض الأموال بالحبس من خمس إلى عشر سنوات و غرامة من مليون دينار(1). و في حالة الإعتياد أو بإستعمال التسهيلات التي يمنحها نشاط مهني أو في إطار جماعة إجرامية، فقد شدد العقوبة من عشر سنوات إلى 20 سنة سجنا و غرامة من أربع ملايين إلى ثماني ملايين دينار.(2)

















(1) و (2) المادتين 389 مكرر 2 قانون العقوبات الجزائري

المبحث الثاني:
جريمة الإختلاس جريمة من الجرائم التي تمس السلامة العمومية و الضارة بالإقتصاد الوطني، و يمكن إدماجها من الأفعال أو الجرائم التي تؤثر و تخرب الإقتصاد نظرا للفجوة التي تتركها فيه، و عدم معرفة مصدر هذه الفجوة.
حيث أنه بإجتماع عدة جرائم من هذا النوع تؤثر بصفة مباشرة على سلامة،الإقتصاد و نظرا لخطورتها صنفها المشرع الجزائري ضمن جرائم الفساد.

المطلب الأول: تعريف الجريمة
إن الإختلاس هو نوع من أنواع السرقة و إتفق الفقهاء على تعريفه بأنه ذلك النشاط الذي يقوم به القاضي أو الموظف العمومي ليختلس أو يبدد أو يحتجز بغير وجه حق أو يسرق أموالا عمومية الخاصة أو الأوراق التي تقوم مقامها أو سندات أو عقود التي كانت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها.

و يقوم الإختلاس على عنصرين، عنصر مادي و هو الإستيلاء على الحيازة و عنصر معنوي و هو عدم رضا مالك الشيء أو حائزه عن الفعل.
- أولا: الإستيلاء على الشيء: حيث يتحقق الإختلاس على الشيء أي بنقل الشيء أو نزعه من حيازة المجني عليه و إدخاله في حيازة الجاني، سواءا كان الفعل عن طريق النزع أو السلب أو الخطف أو النقل أو أي طريقة أخرى.
- ثانيا: عدم رضا المالك أو الحائز على الإختلاس: لا يكفي لتوافر ركن الإختلاس أن تخرج حيازة الشيء عن حائزه أو مالكه إلى الغير، و إنما يشترط أن يتم ذلك بدون رضا المجني عليه.(1)




(1) الوجيز في القانون الجنائي الخاص-الجزء الأول.د/ حسن بوصقيعة-دار هومة طبعة 2004 ص 248-255

و قد عرفها المشرع الجزائري في المادة 29 من القانون رقم 06/01 بتاريخ 20فيفري 2006 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته(1) على أنه إختلاس أو إتلاف أو إحتجاز عمدي و بدون وجه حق أو إستعمال على نحو غير شرعي،لصالح المختلس أو لشخص أو كيان آخر، أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم وظائف أو بسببها".

و نظرا لنتائج الجريمة الوخيمة على المجتمع و الإقتصاد الوطني وقع المشرع عقوبات قصوى على المختلس الذي إشترط أن يكون قاضيا أو موظفا عموميا نظرا لحساسية الموقع.فقد وقع عقوبة الحبس من سنتين إلى عشر سنوات بغرامة مالية من 200000 دج إلى 100000دج.















(1) القانون رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.

و عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و غرامة مالية من 50000 دج إلى 200000 دج لكل قاض أو موظف أو ضابط عمومي أو كل شخص ممن أشادت إليهم المادة 29 من قانون الفساد بسبب الإهمال الواضح الذي ينتج عنه فعل الإختلاس(1).
المطلب الثاني: أركان جريمة الإختلاس.

أولا: الركن المادي:
من قراءتنا للمادة 29 من قانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته يظهر لنا أنه تمت صياغتها وفقا لمعطيات و ظروف محددة، بحيث كان من اللازم صياغة قانون زجري ،قمعي،و الغاية من كل ذلك هو حماية المال العام من الإختلاس.

و قد حذى المشرع الجزائري حذو الفقه الفرنسي بحيث إشترط أن تكون قيمة المال مادية أو قابلة للتقويم، و كذلك وقوع إختلاس على أشياء تقوم مقام الأموال العمومية و يمكن أن يقع الإختلاس في قيمة الشيك الصادر من مؤسسات تابعة للدولة و لحساب الأفراد و في مثل هذه العمليات تكون عادة البنوك هي الضحية. أما بالنسبة للوثائق و السندات أو العقود أو الأموال المنقولة، فالإختلاسات التي تقع على هذه الأشياء فقد خصصت لها مطلب خاص للتوسع في الشرح.

و في نفس السياق و لتحديد الشيء المختلس يمكننا أن نضيف حالة يكون فيها المال قد أختلس من طرف موظف عمومي بسبب وظيفته و هو مال خاص(2).

ثانيا : الركن المعنوي
عن القصد الجنائي في هذه الجريمة أن تتجه نية الجاني إلى إضافة الشيء المختلس لذمته مع علمه أنه مملوك للغير، و أنه قد سلم إليه بسبب وظيفته.

(1) قانون العقوبات، المادة 119 مكرر
فالقصد العام هو علم المتهم أن المال في حيازته الناقصة و أن ذلك كان بسبب الوظيفة التي يشغلها ، و علمه بأن القانون لا يرخص له الإستحواذ على ذلك المال و إستغلاله و كما يتطلب إتجاه إراداته إلى فعل الإختلاس، فإذا جعل المال في حيازته ناقصة كان يعتقد بأن ذلك المال هو جزء من مرتبه، وضعه مع النقود المؤتمنة عليها في خزانة واحدة أو ظن أن صاحب المال قد أعطاه له كوديعة خاصة، في مثل هذه الحالات لا يتوفر القصد.
أما القصد الخاص هو نية تملك المال المختلس و أن يمارس عليه جميع سلطات المالك و لا ينفي هذا القصد نية الجاني أن يرد المال فيما بعد، و يمكننا القول بأن القصد و الإختلاس مثلا زمان، فإذا كان القصد بمعنى السلوك إزاء المال مسلك المالك، فإن ذلك يفترض بالضرورة إتجاه نيته إلى هذا المسلك و هو القصد الخاص في هذه الجريمة.
ثالثا: الركن الشرعي:
لقد قرر المشرع الجزائري و نظرا لخطورة الجريمة-الإختلاس- عقوبات لها حيث وضع لها في المادة 29 من القانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته عقوبة الحبس من سنتين إلى 10 سنوات و بغرامة من 200 ألف دينار إلى مليون دينار جزائري.

و في المادة 119 مكرر من قانون العقوبات قرر عقوبة الحبس من 06 أشهر إلى 03 سنوات و بغرامة مالية من 50 ألف دينار إلى 200 ألف دينار لكل من أهمل إهمالا واضحا نتج عند فعل الإختلاس.

المطلب الثالث: إختلاس السندات و الوراق الرسمية
أولا: الوثائق
تتمثل هذه الوثائق كل الملفات التي تحمل معلومات أو تصريحات أو سندات متعلقة و خاصة تسيير أملاك الدولة و كذا لمجموعة من المراسلات، و كما يمكن أن يتعلق




بملفات خاصة بمناقصات أو مزايدات و كما يظهر خطر إختلاس لمثل هذه الوثائق لما ينتج على المؤسسة المعنية من خسائر و أضرار و خاصة إذا قامت هذه الأخيرة بتوجيه إعلان لمنافسة وطنية أو دولية لإبرام صفقة تخص المؤسسة و تتعلق بها، كما يمكن أن تكون هذه السندات أو السجلات و الدفاتر متعلقة بأعمال الحكومة أو أوراق مرافعة قضائية فإذا أرتكب إختلاس بشأن هذه الأوراق من أحد العاملين بالجهات المشار إليها من أحد موظفي الدولة، كانت الواقعة جنائية.

ثانيا: السندات:
إن السندات حسب القانون التجاري يمكن أن يتمثل في السهم أو الإلتزامات أو قيم مالية قابلة للتداول في البورصة و قابلة للمساومة في الأسواق المالية، و من جهة قانون العقوبات فإن هذه السندات التي تصل قيمة مالية من الممكن أن يقع عليها إختلاس.
فالشيك الذي يحمل جميع المواصفات القانونية، فبإمكان موظف تابع للبنك مثلا إجراء عملية بنكية بإستغلال ذلك الشيك و هذا بتحويل قيمة الشيك إلى حسابه الخاص و يدخل هذا الفعل كذلك في دائرة الإختلاس.

ثالثا: الوثائق التي تقع على العقود المختلفة:
الشرط الوحيد هو أن يكون ذلك العقد ذو قيمة مالية محددة أو قابلة للتحديد، كما أدرج المشرع الجزائري الإختلاسات التي تقع على الأموال المنقولة تملكها الشركات القابضة و التي تتمثل في الأسهم و شهادات الإستثمارات، هذه القيم المنقولة من الممكن أن تقع عليها إختلاسات و تحويل.

في الأخير، يمكن القول أن جريمة الإختلاس هي جريمة إقتصادية بالدرجة الأولى تمس الإقتصاد الوطني مباشرة، و ذلك بظهور طبقة مكتنزة للأموال التي تكسبها بطريقة غير شرعية، و إحداث فجوة لا يمكن معرفة سببها، و التي بدورها تساهم في تخريب الإقتصاد الوطني و توقيف عجلة التنمية.

المبحث الثالث: التزوير و التزييف و التقليد النقدي
إن موضوع هذه الجنايات هي العملة، سواءا كانت ورقية أو معدنية متداولة قانونا في الجزائر أو في الخارج يعتبر في حكم العملة الورقية أوراق البنوك و معنى ذلك أن المشرع إشترط في هذه الجريمة توفر شرطين هما: كونه عملة و تكون هذه العملة ذات تداول قانوني.
و العملة هي الوسيلة للتعامل ما بين الأفراد، و أخذت الدولة إحتكارا تاما في صكها و تحديد قيمتها، و هذا لأجل ضمان ثقة المواطنين في الدولة، و لذا فإن أخطر الجرائم التي تمس بصفة مباشرة إستقرار الإقتصاد الوطني هو إقدام المجرمين على تزويرها و ترويجها، و كذلك يؤدي إلى زعزعة ثقة المواطنين بالنقد الوطني.
و سنتطرق في هذا المبحث إلى دراسة النقود، و تعريفها و إلى جريمة تزوير و تزييف و تقليد النقود، و أركان هذه الجريمة.

المطلب الأول: نشأة النقود، و تعريفها
ككل شيء النقود لها تاريخها، إذ إبتكرتها حاجة الجماعات إلى توسيع التبادل فيما بينها، فنشأتها رهينة بوجود إقتصاد المبادلة الذي يفترض تقسيم العمل و الفائض الإقتصادي و الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. و يتدعم وجودها بإزدياد التخصص و تقسيم العمل مع تطور النشاط الإقتصادي للإنسان فمع هذا التطور تكتسب النقود صورا جديدة. فإذا كان من الممكن تمييز التداول النقدي مع العصور القديمة فإن صوره تختلف من مجتمع لآخر.و ذلك إلى أن نصل إلى المجتمع الرأسمالي، حيث إنتاج المبادلة النقدية يمثل الظاهرة السائدة في كل نواحي النشاط الإقتصادي. الهدف المباشر من النشاط الإقتصادي هو تحقيق الكسب النقدي ( الربح النقدي في الإنتاج) و تركيم رأس المال في صورة نقدية. النقود تمتلكها الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج. إنفاقها هو شرط قيام عملية الإنتاج عن طريق شراء قوة العمل من سوق العمل. هي لازمة كذلك لتحقيق الربح ببيع السلع المنتجة في السوق و تحويل رأس المال السلعي إلى رأس مال نقدي.(1)

(1) مبادئ الإقتصاد النقدي-د/ محمود بوبدار.د/أسامة الفولي-دار الجامعة الجديدة-مصر طبعة2003-ص 37.
و عليه لا يمكن فهم طبيعة النقود و دورها في الحياة الإقتصادية إلا بالتعرف في مرحلة أولى على نشأتها و تطورها مع إقتصاد المبادلة. و قد بدأت المجتمعات مبادلاتها الأولى كما نعرفها عن طريق المقايضة، ثم لم تلبث هذه الأخيرة أن مهدت السبيل لظهور النقود، و لم تكن النقود في أول الأمر ورقة من أحد البنوك، و لا قطعة معدنية و لكنها كانت إحدى السلع التي يتم إستهلاكها، أو التي تستخدم في الإنتاج و لقد كانت سلعة من السلع، ثم تطورت النقود من سلعية إلى معدنية ثم صارت نقودا ورقية و أخيرا نقودا مصرفية.

و يمكن تعريف النقود- أو العملة- بأنها كل ما يتمتع بقبول عام أي بقبول من كل أفراد المجتمع كوسيط في مبادلة السلع و الخدمات.فهي أداة إجتماعية لها تاريخها فهي إجتماعية لها تاريخها فهي إجتماعية تمثل جزءا لا يتجزأ من النشاط الإقتصادي الذي هو بطبيعته نشاط إجتماعي و هي لا تتمتع بصفتها هذه إلا بقبول أفراد المجتمع لها، و هو قبول لم يتحقق بين عشية و ضحاها و إنما خلال عملية تاريخية طويلة(1).

و يستند تعريف النقود من وظائفها الإقتصادية، فهي أداة وفاء، و هي كذلك مقياس للقيم و وسيلة لإختزانها، و هي صادرة عن الدولة أو بناءا على تصريحها، و هذه الوظائف هي التي أعطت النقود أهميتها في نظر المشرع الجنائي.(2)

و النقود المعدنية و الورقية هي الوسيلة الأولى التي يستعملها الناس في معاملاتهم العادية مع بعضهم البعض، و نظرا لأهمية النقود، فقد إحتضنت الدول إحتكار صكها لتطمئن على تدعيم الثقة بها و إلى تجريم تزويرها و تقليدها.




(1)مبادئ الإقتصاد النقدي- د/ محمود بوبدار.د/أسامة الفولي-دار الجامعة الجديدة-مصر طبعة2003-ص 37.


المطلب الثاني: معنى التزوير و التزييف و التقليد النقدي
إن المشرع الجزائري قد إعتبر تزوير العملة من الجنايات الخطيرة، فعاقب كل من حاول إخلال الثقة بالعملة سواءا بالتقليد أو التزييف أو التزوير في داخل البلاد و خارجها، و حتى ترويجها أو حيازتها طالما أنه يعرف حقيقتها بأنها مقلدة و مزورة، و جرائم تزوير النقود جرائم نظمتها الإتفاقات الدولية بجانب التشريعات الوطنية فقد أبرمت إتفاقية جنيف الدولية من أجل مكافحة تزييف العملة عام 1929 و إنظمت إليها معظم الدول المعاصرة لما في هذه الإتفاقية من فوائد لا تخفى و من هذه الدول الجزائر.و فيما يلي سنعرض معنى جرائم التزوير كما يلي:

أولا: التزوير
التزوير هو تغيير الحقيقة في نقود صحيحة أو أوراق مالية أو مستندات كانت الأصل موجودة و صحيحة. و من صور التزوير تغيير العلامات أو الرسومات أو الأرقام من قبل الشخص المزور في العملة أو الأوراق المالية، و التزوير لا يقع إلا على العملة الورقية و السندات و المحررات الرسمية و العرفية و التجارية.

ثانيا: التزييف
يقصد بالتزييف إنتقاص من نوع العملة المعدنية ببردها بآلة حادة أو بطلائها بطلاء شبيه بعملة أخرى أكثر منها قيمة بمادة كيميائية لمخادعة الأفراد و إظهارها على أنها من مادة أخرى ليستفيد من قيمتها الأصلية.
من هنا يتضح لنا أن التزييف لا يقع إلا على عملة معدنية قانونية أصلا و يتم التزييف بإنتقاص أو التمويه، حيث يتم الإنتقاص بأن يؤخذ جزء من المعدن بواسطة مبرد أو بواسطة إستعمال مادة كيميائية أو أية طريقة أخرى و يضاف بدلا منه معدن أقل قيمة من المعدن الأصلي.




ثالثا: التقليد
التقليد هو صنع نقود شبيهة بالنقود المتداولة قانونا أو صنع أوراق مالية أو سندات مشابهة للسندات التي تصدرها الخزانة العامة للدولة و قد يتم التقليد بإصطناع عملة ورقية أو معدنية على شكل المصكوكات الصحيحة حتى لو كان لها نفس الوزن و القيمة و العيار أو بطبع عملة قديمة زالت نقوشها بطابع النقود الجديدة، و لا يشترط في التقليد أن يكون متقنا.

المطلب الثالث: أركان الجريمة
قد نصت المادة 197 من قانون العقوبات الجزائري على صور جرائم النقود المزورة و هي التزوير و التزييف و التقليد. أما المادة 098 فقد نصت على إدخال أو إخراج أو ترويج النقود المزورة و المقلدة و كذلك حيازتها بسوء نية بقصد نية التعامل بها، أما المادة 199 فقد نصت على شروط الإعفاء من العقوبات المقررة. و المادة 200 على من يتحولون النقود القانونية في الداخل أو الخارج بغرض التضليل في نوع المعدن الذي صنعت منه هذه النقود.
و أوضحت لنا المادة 201 عقوبات جريمة حيازة النقود المزورة بحسن النية.يجهل طبيعتها و عيبها أما المادة 203 فقد نصت على عضوية من صنع أو حصل أو حاز موادا أو أدوات معدة للصنع أو التقليد أو التزوير النقود أو السندات العامة.









و للجريمة أركانا نذكرها فيما يلي:
أولا: الركن المادي
يتوافر الركن المادي في جريمة التزوير بـ:
- وقوع فعل من الأفعال الواردة في المادة 197 من تقليد ، تزييف و تزوير
- يكون محل هذا الفعل نقودا ورقية و معدنية متداولة في الخارج أو أوراق مالية أو سندات و من ذلك نستخلص أن فعل التزوير النقدي يكون فعل من أفعال السالفة الذكر و التي بيناها في المطلب السابق.
- و يكون محل هذا الفعل النقود المعدنية و الأوراق النقدية و السندات و الأسهم و قسائم الأرباح العائدة من السندات و أن تكون تلك النقود الصادرة من الحكومة أو عن أية جهة مخولة رسميا لإصدارها كالأسهم التي تصدرها الخزانة العامة و هي مؤشرة بختم و علامة الدولة.

ثانيا: الركن المعنوي:
يتحقق القصد الجنائي في جنايات التقليد و التزوير و تزييف العملة بإتجاه إرادة الجاني إلى هدف مقصود هو ترويج و توزيع العملة المقلدة و المزورة . مع علمه بذلك وقت تزويرها و تقليدها أو ترويجها، فلا يعاقب الجاني على هذه الجناية إذ لم يهدف على تحقيق أغراض علمية أو ثقافية أو صناعية أو تجارية، و يشترط أن يكون القصد سابقا أو معاصرا للركن المادي.

و في جريمة التوزيع و الترويج يتطلب القانون أن يكون الجاني عالما بتقليد أو تزوير أو تزييف النقود وقت تسليمها ثم قام بتزويرها على هذا الأساس و لا يعاقب من تسلم و تعامل بنقود غير صحيحة طالما أنه يجهل حقيقتها وقت التعامل بها. و في جرائم
حيازة النقود أو الأوراق المالية أو السندات غير الصحيحة و إدخالها إلى الجزائر أو
إخراجها منها يجب أن يثبت في حق الفاعل العلم بأن النقود مقلدة أو مزيفة أو
مزورة و رغم ذلك إستثمر في ترويجها و إدخالها أو إخراجها على أساس أنها قانونية.


أما إذا كان الفاعل يجهل طبيعة النقود فلا يتوفر لديه القصد الجنائي و الذي يتأكد من توافر القصد الجنائي من عدمه هو قاضي الموضوع من واقع العناصر و الأدلة الموضوعة عليه.

ثالثا: الركن الشرعي
يعاقب على الجرائم المنصوص عليها في المادتين 197 و 198 من قانون العقوبات الجزائري على جناية التقليد و التزوير و التزييف للنقود و للأورا ق المالية و المستندات الصادرة من الخزينة العامة بالسجن المؤبد و نفس العقوبة تقع على من أصدر و وزع أو روج أو أدخل أو أخرج العملة المزورة و المقلدة و المزيفة داخل الجزائر أو خارجها.

و يجب الحكم بمصادرة العملة أو الأوراق أو السندات أو المواد أو الآلات محل الجريمة فالمصادرة هنا عقوبة أصلية وجوبيه تؤكدها المادة 204 من قانون العقوبات التي نصت على أنه "يجب الحكم بمصادرة الأشياء المنصوص عليها في المواد 197 و 201 و 203" و يعاقب على الشروع في الجريمة بنفس عقوبة الجريمة في حد ذاتها.

لا توقع العقوبات المقررة في المواد 0197،198،201 و 203 على مرتكب الجريمة الذي يقوم بإخبار السلطات المسؤولة عن شخصية الجناة و الكشف عنهم قبل إتمام الجناية و قبل ترويج العملة، فالإعفاء هنا يشترط أن يكون التبليغ قبل البدء في إجراءات التحقيق و الجاني قد عرف السلطات بشركائه، و يعفى من العقاب أيضا من سهل القبض على الجناة حتى بعد بدء التحقيق فهو مستفيد من العذر المعفي بالشروط المنصوص عليها في المادة 52 من قانون الغ)عقوبات. و يهدف المشرع هنا إلى التوسع في مجال إعفاء بالتقاضي عن العقاب و لو بعد حصول الترويج، و يعد بدء التحقيق رغبة منه للتوصل إلى معاقبة باقي الجناة.و الجاني يؤدي خدمة للسلطات و يسهل لهم القبض على الجناة الهاربين.




و خلاصة القول فقد صنف المشرع الجزائري جريمة التزوير النقدي كجناية و سلط على مرتكبها أقصى العقوبات نظرا لما تلعبه من دور خطير على المجتمع و كذا
المساس بالإقتصاد الوطني و فقدان الثقة في التعاملات التجارية بين كل أفراد المجتمع و كذا عدم الثقة في العملة الوطنية و تدهور قيمتها،و زيادة السيولة النقدية غيلا المرغوب فيها في حالة إنتشار هذه الجرائم و هذا ما يساهم في عدم ثقة الأفراد في السلطات و نتائج .... للإقتصاد بشكل أو بآخر.

المبحث الرابع:
جريمة الرشوة:
يمكن لنا أن نقول أن جريمة الرشوة هي الجريمة الأكثر شيوعا في الأوساط المجتمعاتية المختلفة، فهي تعتبر من أقدم الجرائم التي ظهرت مع ظهور الدولة أي أنها أصبحت جريمة دولية بعدما زادت التعاملات التجارية بين مختلف الدول لأنها تعد من أخطر الجرائم التي تمس هيبة الدولة، و أن الرشوة لدليل قاطع على تفشي الفساد و الظلم في إدارة مصالح الدولة و الأفراد معا. و هذا ما جعل المحافل الدولية تهتم بهذه الظاهرة المتمثلة في الرشوة أو لعمولة التي نتج عن إبرام الصفقات الكبرى، حتى أن رجال الفقه الجنائي إقترحوا التدابير اللازمة و الملائمة و ذلك بوسائل التعاون الجنائي الدولي و يقدر تفشي الرشوة في المجتمع بقدر ما يصعب محاربتها أو إكتشافها يكون بحجم معتبر لا يتم إلا بالتبعية لمعالجة بعض الملفات الإقتصادية الكبرى التي يفترض أن تكون جرائم إقتصادية قد أرتكبت بصددها، و آنذاك لا يمكن مواصلة البحث فيها إلا بترخيص إداري قد لا يحصل عليه أبدان عدم متابعة النيابة بإيحاء من الإدارة الوصية كما تقف أمام القضاء صعوبة الحصول على المعلومات الضرورية لإثبات الوقائع محل التحقيق.




و لذا تعتبر جريمة الرشوة هي الإتجار بأعمال الوظيفة العامة و هي تستلزم وجود شخص كان من أو عامل أو مستخدم يطلب أو يقبل مالا و عطية أو وعدا... إلخ مقابل قيامه بعمل أو إمتناعه عن عمل من أعمال وظيفته سواءا كان مشروعا أو غير
مشروع، و إن كان خارجا عن إختصاصاته الشخصية إلا أن من شأن وظيفته إذ تسهل له أهدافه أو كان من الممكن أن تسهل له.
و نظرا لخطورة الجريمة على الإقتصاد الوطني و تفشيها في المجتمع بصورة كبيرة رأينا أنه يجب الإشارة إليها كظاهرة أو جريمة مضرة تصاد و إحدى عوامل للتخريب الإقتصادي.





















المطلب الأول: صور جريمة الرشوة وعناصرها، وتعريفها في التشريعات المقارنة.

تقتضي جريمة الرشوة التامة إتحاد إرادة شخصين هما:
- الشخص صاحب المصلحة الذي يقدم عرض هدية أو عملية على موظف تتحمله على أداء عمل من أعمال وظيفته أو الإمتناع عن ذلك كما سبق و أن تطرقنا في المقدمة.
- الشخص الذي يتاجر بوظيفته وهو الموظف ومن في حكمه الذي يقبل الهدية أو العطية ويتاجر بوظيفته.

إذا فالغرض من جانب الراشي يكون الرشوة الإيجابية أو الرشوة والقبول من جانب المرتشي يشكل الرشوة السلبية أو الإرتشاء.

وبالرغم من إختلاف لدى فقهاء القانون الجنائي وكذا التشريعات الجنائية فإنها تؤخذ بأحد النظامين أو الإتجاهين:
 النظام الأول: يقول أن الرشوة تشكل جريمة واحدة تستلزم وجود شخصين متساويين جرما وعقوبة وذلك سواءا أن كلا الراشي والمرتشي يعدان فاعلين أصليين لجريمة واحدة أو أن الموظف الذي يتاجر بوظيفته يعد فاعلا أصليا بينما يعد الراشي شريكا له في التحريض أو الإتفاق وتبعا لهذا القول لا يكون هناك شروع في الجريمة إلا في حالة عدم أخذ الهدية.
 النظام الثاني: ينتمي إليه المشرع الجزائري يقول بأن الرشوة تتمثل في جريمتين مستقلتين هما جريمة الراشي وجريمة المرتشي، أي أن كل جريمة لها عقوبة خاصة بها من غير حاجة إلى إثبات وجود علاقة بين الجريمتين سواءا من حيث وصف الجريمة أو من حيث العقوبة (1).




1- مداخلة بعنوان الرشوة واستغلال النفوذ في التشريع الجزائري- إعداد الكرودار عبد القادر قاضي التحقيق بمحكمة بشار- وأستاذ بجامعة بشار ص2.

ولقد عرف المشرع الجزائري رشوة الموظفين العموميين على أنها " كل من وعد موظفا عموميا بهدية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء كان ذلك لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر لكي يقوم بأداء عمل أو الإمتناع عن أداء عمل من واجباته " ويعد راشيا و كذلك يعد مرتشيا كل موظف عمومي طلب أو قبل بشكل مباشر أو غير مباشر هدية غير مستحقة، سواء لنفسه أو لصالح شخص آخر أو كيان آخر لأداء عمل أو الإمتناع عن أداءه من واجباته (1).

ومنه نستخلص أن جريمة الرشوة ترتكب من طرف الراشي والمرتشي فكلاهما يعاقب، كما أنه جريمة الرشوة لا ترتكب في القطاع العمومي فقط بل أنه نجدها حتى في القطاع الخاص، وذلك في مجال الصفقات العمومية.

ويمكن تعريف جريمة الرشوة على أنها جريمة تختص في الإتجار بأعمال الوظيفة وهي تستلزم وجود شخصين موظف أو مستخدم يطلب أو يقبل عطية أو وعد، ويتلقى هبة أو أي منافع أخرى مقابل قيامه بعمل أو إمتناعه عنه من أعمال وظيفته سواءا كان مشروعا أو غير ذلك وإن كان خارجا عن إختصاصاته الشخصية إلا أن من شأن وظيفته أن تسهل له أداءه ويسمى هذا الموظف مرتشيا وصاحب المصلحة راشيا إذا قبل أداء ما يطلب منه الموظف أو تقدم بالعطاء فقبله منه الموظف.









(1) قانون 06/01 المتعلق بقانون الفساد ومكافحته المادة 25

المطلب الثاني: أركان جريمة الرشوة
أولا: الركن المفترض:
يشترط أن يكون المرتشي موظفا أو من يدخل في حكمه ومختص بالعمل أو الإمتناع عن العمل وإن كان خارجا عن إختصاصاته، ولكن وظيفته تسهل له القيام بالعمل.

ثانيا: الركن المادي:
يمكن أن يأخذ المتمثل في طلب أو قبول عطية أو وعد أو طلب أو تلقي هدية أو أية منافع أخرى ممن تكون له صفة المرتشي وذلك من أجل الفعل المادي، الذي تقوم عليه جريمة الرشوة ونتناوله في ثلاث زوايا: طبيعة العمل، محله وهدفه.

أ‌- طبيعة العمل: ويتمثل في طلب أو قبول بعض الأشياء المنصوص والمعاقب عليها قانونا، فقد يكون قبولا لهدية مثلا فتتم الجريمة فورا والأمر كذلك في حالة الوعد المستقبل إذ تتم أيضا بمجرد الإتفاق ومهما تكون النتائج فيما بعد فلا تأثير في التراجع فيما بعد في الوعد باختيار أو لظروف خارجة عن إرادة المتراجع بل تبقى الجريمة في جميع الحالات قائمة، فيدل هذا هنا على أن التركيز هو على الخطورة الإجرامية لسلوك المرتشي المتلاعب والمتاجر بوظيفته، يلاحظ أن الفعل المادي يتحقق بالقبول في أية صورة كان، فقد يكون بالإشارة أو الكتابة أو بالمراسلة صراحة أو ضمنا، ولكن يشترط القضاء أن يكون القبول جديا حتى ولو كان الغرض غير جدي وهنا يدخل في حساب الركن المعنوي كما يكمن الفعل الذي يفترض في إتخاذ المرتشي المبادرة وتتحقق الجريمة أيضا وحتى وأن قبل الطلب بالرفض فهنا تكون الجريمة تامة.
ب‌- محل الجريمة : إن الصيغة التي جاء بها النص تجعل المكافأة التي تقدم للمرتشي تأخذ أي شكل مما يستعمل في الحياة العادية، ولا يهم أن تكون هذه المكافأة مباشرة أو تكمن في عروض و وعود بأشياء محددة أو غير محددة أو تكون بالطبيعة أو نقدا أو تأخذ شكل عمولة أو تتم في صورة دفع دين على المرتشي أو ...إلخ.
ت‌- هدف الفعل: إن الفعل الذي تهدف الرشوة إلى تحقيقه يختلف بحسب صفة المرتشي والذي ترتبط بوظيفته وعلى هذا الأساس يمكن أن نفرق بين المستخدمين.



ثالثا: الركن المعنوي:
لقيام جريمة الرشوة وجب توافر القصد الجنائي هو علم الموظف أو المستخدم أن العمل المطلوب منه أداؤه يدخل ضمن إختصاصه، و أن ما قدم له أو عرض عليه هو مقابل السلوك المطلوب تأديته سواء بالعمل أو الإمتناع عن إتيان العمل، ويقوم هذا القصد على توافر عنصري العلم والإرادة معا وتبقى مسألة ثبوت التهمة خاضعة للسلطة التقديرية للقاضي المطروحة القضية أمامه.

رابعا: الركن الشرعي (1):
لقد اعتبر المشرع الجزائري جريمة الرشوة جناية، وذكر عقوبة مقترفها وفصلها في المادة 25 من القانون رقم 06/01 المتعلق بقانون الفساد ومكافحته وعقوبة رشوة الموظفين العموميين بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات والغرامة من 200.000 دج إلى 1000.000دج وقرر نفس العقوبة في الرشوة في مجال الإمتيازات غير المبررة للصفقات العمومية (المادة 26 من نفس القانون).

وقد شدد العقوبة في مجال الصفقات العمومية بالحبس من 10 سنوات إلى 20 سنة وغرامة من 1000.000 دج إلى 2000.000 دج وذلك لكل موظف عمومي يقبض أو يحاول أن يقبض لنفسه أو لغيره، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، أجرة أو منفعة مهما يكن نوعها بمناسبة تحضير أو إجراء مفاوضات قصد إبرام أو تنفيذ صفقة أو عقد أو...( المادة 27 من نفس القانون).






1- القانون رقم 06/01 المتعلق بقانون الفساد ومكافحته المواد 27.26
وأخيرا يمكن القول أن جريمة الرشوة تعتبر من أكثر الجرائم انتشارا في المجتمع الجزائري وكذا المجتمعات الأخرى، وإنها تساهم بصورة كبيرة – حسب رأينا- في تخريب الإقتصاد الوطني بطريقة غير مباشرة، حيث أنها لا تمس سيولة نقدية أو تخريب مادي، ولكن تساهم بقسط كبير في البيروقراطية والتوزيع غير السوي للدخل وكذلك عقد الصفقات المشبوهة التي غالبا تكون غير شرعية و بأموال غير شرعية، ضف إلى ذلك فان جريمة الرشوة لم تعد حاليا جريمة وطنية بل أصبحت جريمة دولية بعد أن زادت التعاملات التجارية بين مختلف دول العالم في الصراع و التنافس على الصفقات التجارية، و حينما بدأت المحافل الدولية تهتم بموضوع الرشوة الدولية أو بمعنى أدق رشوة المفاوضات التجارية أو أخد العملات غير الشرعية.

و تعد جريمة الرشوة من أخطر الجرائم التي تمس هبة الدولة أمام الأفراد في المجتمع الواحد، حيث أنها تمس الفساد في إدارة أجهزة الدولة و الأفراد معا، ووجود ومؤشر اختلال بين الدخل الفردي و مستوى المعيشة.

و نشير إلى أن الرشوة في الشريعة الإسلامية حرام بالإجماع و هي من الآفات التي إذا أصاب مجتمعا أهلكته و لا دولة من الدول و إلا خربتها أخلاقيا و اجتماعيا و اقتصاديا هذا ما أوجب علينا محاربتها بكل طاقة لدينا، و جعلنا نحن ضمها في بحثنا هذا من بين الجرائم الغير الظاهرة و المساهمة بقسط كبير في التخريب الاقتصادي.











خلاصة للفصل يمكن القول أن الجرائم التي ذكرناها تعد عينة فقط لجرائم كثيرة، و منها ما هو أكثر خطورة مما ذكرنا أما عن اختيارنا لهذه الجرائم فذلك راجع إلى كثرتها في مجتمعنا غير أنها ليست بالخطورة التي نراها في بلدان أخرى و كذلك لما تكونه من ثروة غير شرعية تضر بأفراد المجتمع بدرجة أولى و بثرواته.

أما عن الجرائم الأخرى فيمكن أن نذكر جرائم التهرب الضريبي، الجرائم الالكترونية و التي تعد أحدث الجرائم و أخطرها نظرا لعدم استطاعة تعيين المجرم و تحديد مكان تواجده، الجرائم البورصية و هي جرائم تحدث في دول لها تعاملات كبيرة في البورصة أين تعد أكبر سوق مالي للدولة، ضف إلى ذلك الإرهاب و الذي يعد من أكبر عوالم التخريب المباشر للدولة و اقتصادها.


الفصل الثالث: أساليب الوقاية من التخريب الاقتصادي

للتخريب الاقتصادي تأثير على الدولة و المجتمع بمختلف طبقاته حيث تظهر أثاره على مقومات الاقتصاد من زراعة و صناعة و تجارة و خاصة هذه الأخيرة التي تظهر فيها جل الجرائم الاقتصادية،فتذهب هبة الدولة و مؤسساتها و تفشي في المجتمع آفات فتاكة من بطالة و سوء معيشة و ظهور الطبقية و مظاهر الإدمان.

لذلك وجب التصدي لمظاهر و مسببات هذا التخريب بكل ما أوتي من طرق و وسائل و أساليب من وقاية و ردع و استنفار مع دراسة لكل خطوة تتخذ و ذلك باستعمال القانون و الجهات القضائية المختصة و قوة عمومية بالتعاون مع أفراد المجتمع الذين يعتبرون الضحية الأولى لهذه الظاهرة.

فارتأينا في هذا الفصل إلى عرض بعض الأساليب التي رأيناها مفيدة للوقاية من تخريب الاقتصاد الوطني و معالجة المشكل و التي تتمثل في الرقابة و القوة الرادعة.

المبحث الأول: الوقاية:

يقال أن الوقاية خير من العلاج و معنى ذلك أنه قبل حدوث أي جريمة على المسؤولين معرفة أسباب و ظروف ظهور الجريمة، لاتخاذ التدابير الوقائية لها، ووضع تنظيم قانوني سليم للعلاقات و العمليات الإقتصادية وملأ الفراغ القانوني، وسد كل الأبواب أمام المجرمين المنتهزين للفرص لتحقيق غاياتهم على حساب إقتصاد الوطن ومصلحة أفراد المجتمع.

المطلب الأول: معرفة أسباب وظروف ظهور الجريمة.

من أجل تنظيم إجراءات الوقاية تنظيما فعالا لقمع الجرائم الإقتصادية في مهدها يتعين على المسؤولين وضع إختصاصيين للدراسة وذلك لمعرفة الأسباب والظروف التي دعت إلى ظهور هذه الجرائم في مكان وزمان ما، ولا تكون هذه المعرفة إلا بنتائج عمل أبحاث علمية ودراسة معمقة لهذه الجرائم.


ومن مبدأ إذا عرف السبب بطل العجب، فإن لمعرفة أسباب ظهور الجريمة نستطيع قطع الطريق أمام مسبباتها ووضع مبطلات وحواجز وموانع تفاديا لوقوع مثل هذه الجرائم والتي تمس مساسا كبيرا بالإقتصاد الوطني إذ تهدم بنيانه وتخل بتوازنه أي أنه لابد من القيام بالتحقيقات الإقتصادية وقمع الغش وكذا مراقبة حركة رؤوس الموال من وإلى الخارج.

المطلب الثاني: التنظيم القانوني السليم للعلاقات والعمليات الإقتصادية:

في مجال مكافحة الجرائم الإقتصادية يلعب التنظيم القانوني السليم للعلاقات والعمليات الإقتصادية دورا هاما وكذلك السعي لتحقيق الشرعية بمنتهى الدقة بروح اللوائح التنظيمية الموضوعية و أن التأكيد على مراعاة القانون وغيره من اللوائح التنظيمية يستطيع أن يؤدي عملا إلى تجنب مظاهر السلوك الإجرامي وقمعها، ومن أهم الأمور كي يسير الإقتصاد سيرا سليما منتظما أن تخضع علاقاته وعملياته الأساسية قدر المستطاع لنظام قانوني محدد لا يتسع المجال فيه إلا في أضيق الحدود لمظاهر التعسف أو غيره التي كثيرا ما تؤدي إلى الفوضى و الإستغلال ولذلك وجب على رجال القانون والمشرعين تنظيم العلاقات والعمليات الإقتصادية والإعتماد على الدراسات التي ذكرناها فيما سبق من اجل وضع تشريع سليم يتلاءم والسياسة الإقتصادية المعتمدة بالدولة ومكافحة هذه الجرائم.

المطلب الثالث: الرقابة:

تعتبر الرقابة من أنجع الوسائل الوقائية في مكافحة الجرائم الإقتصادية وتكون على صورة مختلفة فيمكن أن تتم من جانب الدولة أو المجتمع و أن تكون داخلية أو خارجية مستمرة أو متقطعة ففي كل بلاد العالم من أكثر وسائل الرقابة ....من جانب الدول بواسطة أجهزة خاصة تستطيع الحكومة عن طريقها الوقوف تماما على سير العمل ففي البلدان الغربية يوجد إلى جانب رقابة الدولة رقابة داخل المؤسسات الكبرى الخاصة أو الحكومية لحماية ممتلكاتها من السرقات والإختلاسات وغير ذلك مما يرتكبه العاملين فيها ولوقاية هذه المؤسسات و أموالها مما يهددها بصفة مستمرة ويوجد نطاق هذه الرقابة الداخلية رقابة شخصية خاصة تتولاها شبكة من المراقبين داخل المؤسسة مخصصين لهذا الغرض وتلعب أجهزة الرقابة دورا فعالا جدا، لو أنها أثناء أدائها لمهمتها ساعدت المؤسسات والشركات

لتفسير أعمالها وفقا للمعايير القانونية وساعدتها على تجنب المخالفات في موقع العمل نفسه، ويمكن أن تكون الرقابة مثمرة في مجال الوقاية ليس فقط وقت إكتشاف المخالفات الإقتصادية الجنائية والإقتراحات المقدمة لفهمها، ولكن إذا تمت الرقابة بنوع خاص بالجانب التثقيفي للمشكل وهو بذاته يؤدي دورا وقائيا بحكم طبيعته ويجب أن تكون الرقابة من حيث كفاءة أجهزتها قادرة على أن تكشف بطريقة فعالة الجرائم الإقتصادية وغيرها من مظاهر الإنحراف في شؤون المؤسسات والشركات وأن تقضي بسرعة بصورة عملية على هذه الإنحرافات وأن تقدم المعونة الفنية والإرشادات الملائمة حتى تسير الأعمال سيرا سليما تنجز دائما في مواعيدها، ولتحقيق هذا الغرض يجب أن يضم جهاز الرقابة موظفين أخصائيين أكفاء ملمين بالنواحي القانونية والعلمية.

ومن أهم العوامل الوقائية إمساك الحسابات بصورة دقيقة ومضبوطة ومنتظمة خاضعة للإشراف والمراجعة قدر المستطاع ، فالحسابات غير منتظمة والمضطربة تعتبر أرضا خصبة لمختلف ألوان النشاط والإجرامي ولقد دلت البحوث العلمية على أن عدد كبير من الجرائم الإقتصادية تمت في شل هذه الظروف.



المبحث الثاني:

القوة الرادعة: للتصدي للجرائم المؤدية للتخريب الإقتصادي إذا ما تخطت عوامل الوقاية منها وجب إستعمال قوة لزجر وردع كل من سمحت له نفسه الإخلال والتلاعب بمقومات الإقتصاد وأسسه، والعبث بثروات المجتمع.

المطلب الأول:

ضرب معاقل الجريمة: ونقصد به ضرب الرؤوس الكبيرة المنظمة للعمليات الإجرامية والتي تعمل على ضرب الإقتصاد الوطني وتندرج هذه المراقبة والترصد لتلك العصابات بخصوص عمليات التهريب ، كتهريب المخدرات والأسلحة وبعض المواد السلعية وذلك يسد منابع نشاطهم ومتابعتهم للإطاحة بهم، خاصة على النقاط الحدودية الحساسة، لأن الجزائر أصبحت اليوم كمنطقة عبور لهذه التهريبات، حيث شهدت بعض المناطق الحدودية تهريب بعض المواد كالبنزين، المواشي، المخدرات وغيرها ، كذلك ضرب جميع عمليات تبييض الأموال وذلك بوضع سياسة نقدية تحكم العلاقات والعمليات الإقتصادية والمالية في السوق المالي وذلك من خلال سن قوانين إقتصادية ومالية خاصة بهذه العمليات من طرف خبراء ماليين واقتصاديين داخل المؤسسات وذلك حتى لا تترك أي ثغرة يتخذ منها المجرم الإقتصادي سواءا كان ناشطا داخل هذه المؤسسات المالية أو خارجا عنها، بابا أو سبيلا لترويج سيولة نقدية غير مشروعة وطرحها في السوق من أجل الإخلال بميزان العرض والطلب، و بالتالي يسعون هؤلاء لدمج أموالهم أو بالأحرى سيولتهم المالية غير الشرعية لتحقيق من ورائها أهداف تخدم مصالحهم والمتاجرة بسلع الدولة والربح على عاتقها، وكل هذا فإنه لا يخدم الإقتصاد الوطني مما يسبب فيه عدة تعثرات للسياسة الإقتصادية المنتهجة من طرف الدولة.

وعلى صعيد آخر يجب صد وتتبع لكل جريمة إقتصادية و إحباطها من طرف القوة العمومية، حيث تعتبر هذه الأخيرة آلة حادة للرؤوس المدبرة في تخريب الإقتصاد الوطني.




المطلب الثاني: تطبيق العقوبة الجنائية وتشديدها.

كعامل هام في مكافحة الجريمة عامة وضد الملكية خاصة، فليس من الشك أن فاعلية المحاكمات الجنائية والعقوبات التي توقع على الذين يستولون على أموال الدولة والمجتمع، أو يقومون بجرائم من شأنها المساس بإقتصاد و أمن الدولة تساهم مساهمة كبرى في الحماية والحد منها، لكن لا نرى كفا تاما، ونجد نفس الأشخاص رغم معاقبتهم معتادون على الإجرام، ولذلك – حسب رأينا- من المفيد توقيع أقصى العقوبات، وتشديد بعض العقوبات وتعديلها، خاصة على المعتادين وتطبيق هذه العقوبات حيث يستثنى المخربين للإقتصاد من الإعفاء أو جميع إجراءات التخفيف ضف إلى ذلك وقوع المحاكمات علانية أمام الجميع ليرى محل أي مجرم يتطاول على مقومات الدولة وملك المجتمع ويكون المجرم عبرة لمن يعتبر.

وخلاصة القول نقول أنه أحسن طريقة لتفادي تخريب اقتصادنا الوطني وتنميته يجب أن نقضي على الجريمة الإقتصادية وذلك عن طريق الوقاية وبذلك عدم كون أي خسائر كبرى حيث أنه من المستحيل أننا سوف نقضي عليها تماما. ولكن بنسبة أقل ما نقول عنها بسيطة. أما الجرائم التي استفحلت في المجتمع فيجب ضربها بقوة ومعاقبة فاعليها أشد العقوبات حيث يكون عبرة لكل من يتجرأ على إقتصادنا الوطني وبذلك بعث الخوف في نفوس المجرمين الآخرين يجعلهم يعدلون عن أفعالهم.

الخاتمة:



إن التخريب الإقتصادي موضوع واسع بإتساع الجرائم الإقتصادية المؤدية له حيث أنه نهب لثروات البلاد وتقليص لهبة الدولة، وشرح فادح للمجتمع وإضرار لمستوى معيشة وأمن الأفراد، فبقدر ما اتسع بقدر ما زادت خطورته، من شأنه المساس بسلامة البنيان الإقتصادي و الإجتماعي والأمني.

وقد تفوق مخاطر الجرائم الإقتصادية أي نوع آخر من الجرائم وذلك لأن آثارها قد تشمل أجيالا وحياة آلاف من البشر. حيث أنها تأخر من التقدم نحو النمو الإقتصادي وتضر بمصالحه خاصة في الوقت المعاصر حيث الإنفتاح الإقتصادي والتقدم السريع لمناخي الحياة والثورة التكنولوجية التي بدورها زادت من انتشار التجارة الإلكترونية وعولمة الإقتصاد وبالتالي عولمة النشاط الإجرامي.

وقد تطرقنا في بحثنا هذا إلى الجرائم الإقتصادية المؤدية للتخريب الإقتصادي دون ذكرها نظرا لكثرتها ونسبة انتشارها في بلدنا، حيث نذكرها على سبيل الذكر فقط. كجريمة العيش والتدليس، والتهرب الضريبي المنتشرة في بلدنا كثيرا ولصعوبة اثباتها. وكذلك هناك أنواع الجرائم الإقتصادية التي تختلف من مجتمع لآخر باختلاف نظمه الإقتصادية وتطوره الحضاري إلا أنه مع التطور السريع الذي يمر به العالم، فإن ذلك يؤدي إلى إستحداث أنشطة جديدة وعولمة لأنشطتها الإجرامية كما سبق و أن ذكرنا وظهور أنواع جديدة للجرائم الإقتصادية، ونذكر منها إغراق الأسواق وخمور الإنتاج المحلي وتقليد وتزوير المنتجات الإستهلاكية وتزوير العلامات التجارية واحتكار السلع، بالإضافة إلى الجرائم المتعلقة بالحاسوب من برمجة عمليات وهمية أو تزوير معلوماتها، وكذلك الإختراق أو التجسس للحصول على معلومات تهدف التخريب أو تحقيق أرباح مالية.

ومن أهم الجرائم المعاصرة نجد الجرائم الإلكترونية حيث أن التقدم الإلكتروني الذي تحقق في العقد الأخير من القرن السابق جعل العالم قرية صغيرة وتجاوز بقدراته وإمكاناته أجهزة الدول الرقابية وأضعف من قدراتها في إتخاذ قوانينها وأصبح يهدد أمنها، وتتعدد الجرائم الإلكترونية وتتخذ أشكالا مختلفة من تجسس وقرصنة معلومات و مؤامرات إجرامية

مستمرة وتخريب وإرهاب. ونقل الأموال المشبوهة بالوسائل الإلكترونية وغسيل الأموال حيث تساعد التحويلات الإلكترونية في إخفاء عائدات الجريمة ونقلها وإخفاء الأرباح المشبوهة عبر الإيداع ببطاقة الإئتمان مباشرة.


كما لا ننسى التخريب الإقتصادي المنجر من جريمة الإرهاب ، حيث أنه طال على الإقتصاد الوطني من خلال مخالفاته من حرقه لمؤسسات اقتصادية هامة ونقص الإستثمارات وتراجع المستثمرين وكذا الخسائر البشرية والمادية.

وخلاصة لبحثنا فقد تطرقنا إلى خمسة جرائم رأيناها من أهم الجرائم المؤدية إلى التخريب الإقتصادي مباشرة. فنظرنا على أن جريمة تبييض الأموال بكل صورها أهم هذه الجرائم نظرا للدور الكبير الذي تلعبه في التلاعب بالسيولة النقدية، وبعد ذلك تطرقنا لجريمة الإختلاس حيث أنها سرقة ونهب لثروة الأفراد. أما التزوير النقدي فهو سيولة غير شرعية تنقص من قيمة النقد وهبته واقتصاد الدولة أما الرشوة فهي تعطيل للمصالح وتسهيل للقيام بالصفقات المشبوهة حيث أنها ضربة للمستثمرين والإستثمار الذي يبنى عليه اقتصادنا. أما الجريمة الأخيرة فهي جرائم التهريب التي هي تحز لثروة البلاد. وكل هذه الجرائم في نظرنا مخربة للإقتصاد.

في الأخير وجب أن نذكر أنه لا يوجد تعريف ظاهر لجريمة اسمها التخريب الإقتصادي و إنما هو مجموعة من الجرائم الإقتصادية التي تؤدي نتائجها إلى اتجاه واحد وهو المساس بالإقتصاد الوطني وتخريبه.

وتشير إلى أنه نظرا لنقص المراجع وجدنا أنفسنا في هذا البحث بعدم التطرق إلى كل جوانبه نظرا لتشعبه واتساعه اتساع خطورته ( أي خطورة الجرائم على الإقتصاد).


المـراجــع:

1/ العريان محمد علي – غسيل الأموال و آليات مكافحتها.
2/ بلحسن سهام، بلحاج غنيمة: مذكرة التخرج لنيل شهادة الليسانس ( جريمة تبييض الأموال) – سنة 2005 م – جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف.
3/ قانون العقوبات الجزائري.
4/ الوجيز في القانون الجنائي الخاص – الجزء الأول – دار أحسن بوصقيعة – دار هومة – طبعة 2004.
5/ القانون رقم 06/01 – المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته.
6/ مبادئ الإقتصاد النقدي – دار محمود بوبدار – دار أسامة الغولي دار الجامعة الجديدة – مصر – طبعة 2003 م.
7/ مداخلة بعنوان الرشوة واستغلال النفوذ في التشريع الجزائري إعداد الكرودار عبد القادر – قاضي التحقيق – المحكمة بشار وأستاذ بجامعة بشار.