منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - المعاهدات الدولية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-11-25, 17:00   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 المعاهدات الدولية

السلام عليكم،اقدم لكم اليوم هذه المذكرة لصاحبها صـــالح شرفــي وهي عبارة عن مذكرة ماجستير تحمل عنوان الرقـابة على دستورية المعاهدات الدوليـة فــي الجــزائرنوقشت في السنة الجامعية 2005/2006 كما هو مبين في الواجهة

بحـث مقـدم لنيـل شهـادة الماجستير فـي القانـون العـام فرع المؤسسـات الدستـورية والإدارية




إعـداد الطـالب : الأستاذ المشرف/ الدكتـور:
صـــالح شرفــي عمــار رزيـــــــــــق



لجنة المناقشة :
الأستاذ الدكتور: عمـــار بوضيـــاف رئيســـــــــا
الدكتور: عمـــار رزيــــــق مشـــرفا ومــــــقررا
الأستاذ الدكتور: جمال عبد الناصـر مـانع عضوا
الأستــاذ الدكتور: مسـعـــود منتــــري عضـــــوا



السنـة الجامعيـة : 2005/2006






مقدمة
أولا: أهمية الموضوع:
إن المواثيق و الدساتير و القوانين المؤسسات لا تعتبر سوى وسائل أو أطر يستعملها الإنسان لتحقيق أعراض معينة، وأن فاعليتها مرتبطة بمدى إيمان واضعيها والشعب بها والضمانات المقررة لتطبيقها لأن ذلك الإيمان والتقيد بها هو الذي يكفل إستمرار بقائها وإستقرارها.
وعليه فإن صيانة ووضع المواثيق والنصوص، رغم أنها تعبر عن إرادة الشعب كله أو أغلبيته فتكون لها قيمة قانونية وتاريخية الا إذا تم تطبيقها وإحترامها من قبل ممارسي السلطة إذا أريد لها أن تحترم من قبل الشعب ومن أهم الأسس التي تقوم عليها الدولة القانونية مبدأ سمو الدستور على جميع القواعد القانونية في الدولية. وإذا كان مبدأ الشرعية يقتضي ضرورة أن تكون جميع التصرفات للسلطة العامة من الدولة متفقة مع أحكام الدستور، وأن تسود القاعدة القانونية فوق إرادة كافة الأشخاص القانونية، فإن مبدأ علو الدستور يعد أهم النتائج الحتمية والملازمة لمبدأ المشروعية.هذا السمو الذي تتمتع به القواعد الدستورية يستند إلى طبيعة هذه القواعد وموضوعها من جهة، ذلك أن الدستور يعتبر مصدر كل النشاطات القانونية في الدولة، فهو يحتوي على قواعد قانونية أساسية تستمد منها القوانين العادية مصدرها وتتقيد بمضمونها وإلا عدت غير شرعية وإن هذا التمييز الشكلي والموضوعي للدستور كان ولا يزال يهيمن على الحياة القانونية لكل دولة، وقد زادت أهميته مع زيادة المشاكل الإقتصادية والإجتماعية وتضخمها، حيث احتاج الأمر إلى من التدخل، ومع زيادة هذا التدخل زادت التشريعات لحل هذه المشاكل. ومن هذا المنطلق تكمن أهمية موضوع الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية، وذلك نظرا لمبدأ سمو الدستور، مما أوجب توفير الحماية الكافية لهذا المبدأ
- هذا من جهة-.
من جهة أخرى تبرز أهمية موضوع الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية في الجزائر في أن المعاهدة الدولية تعد أهم مصدر للقانون الدولي العام،ويعتبر هذا الأخير نواة إشكالية الموضوع،من حيث مدى سمو القانون الدولي على القانون الداخلي ،و من ثمة مدى سمو المعاهدات الدولية على الدستور . وإذا ما سلمنا بنظرية التحديد الذاتي وعقيدة السيادة وفكرة الاعتراف بسمو القانون الداخلي على القانون الدولي ،يصبح هذا الأخير في مهب الربح نتيجة للتعديلات الدستورية التي تقدم عليها الدول ،أو
نتيجة إلغاء الدولة للمعاهدات والانسحاب منها أو خرقها.وبالمقابل فان نظرية التحديد الذاتي التي مفادها أن الدولة تلزم نفسها بنفسها ، وبالتالي لا يمكنها أن تكون تابعة لآية سلطة عليا غير إرادتها التي يجوز لها أن تعدل عن أي التزام متى شاءت،سواء كان التزام خارجي،ووفقا لهذه النظرية يستند مبدأ القوة الملزمة للمعاهدة على الدستور الذي يتولى تحديد صحتها و مكانتها (أي مبدأ سمو الدستور على المعاهدات الدولية ). وهذا ما سنحاول توضيحه من خلال دراستنا لهذا الموضوع الهام،بتبيان اجرءات إدراج المعاهدات الدولية و مكانتها في النظام القانوني الجزائري،و ذلك بتحليل موضوع الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية للوقوف على مدى أخذ المؤسس الدستوري الجزائري بالرقابة السابقة أو اللاحقة أو الرقابيتين معا للمعاهدات الدولية ومدى خضوعها للدستور .
1- الأهمية العلمية لدراسة هذا الموضوع :
تمكن الأهمية العلمية لدراسة هذا الموضوع على التعرف و بشكل خاص على هذا النوع من الرقابة و تحديد إجراءات و مكانة المعاهدات الدولية في النظام القانوني الجزائري ، وكذا معرفة وفك إشكالية الرقابة السابقة و الرقابة اللاحقة على دستورية المعاهدات الدولية ،على اعتبار أن هذه الرقابة تعتبر وسيلة لحماية الشرعية وكفالة مبدأ السمو الشكلي والموضوعي للدستور على جميع القواعد القانونية في الدولة احتراما للتدرج الهرمي و التسلسل القانوني الذي تقرره جميع الدول بغض النظر عن توجهها السياسي و القانوني و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و الدولي هذا من جهة ،و من جهة أخرى نجد أن أهمية
2- هذا المبدأ قد زادت مع زيادة المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية في الداخل و الدولية في الخارج وتضخمها ، حيث احتاج الأمر إلى إنتاج تشريعي كبير لمعالجة هذه المشاكل ،فتوالت التشريعات العادية و الفرعية في سرعة وتطور وانتشار على نحو لم يسبق له مثيل ،وفي ظل هذه الغمرة من التشريعات تعرضت المبادئ الدستورية و الضمانات الفردية و الفواصل بين السلطة التأسيسية و باقي السلطات للاعتداءات صارخة ، فكان لابد من البحث عن وسيلة نستطيع أن نتحقق بهاعما إذا كانت هذه السلطة المشرعة و السلطة المنفذة قد راعتا حدودهما الدستورية المرسومة لهما أم لا.
2- الأهمية العامة لدراسة هذا الموضوع :
بما أن المكتبة القانونية بالجزائر تفتقر إلى الدراسات و المؤلفات العلمية المختصصة في مجال القانون الدستوري ،ورغم الأهمية البالغة لذلك ،سواء بالنسبة لطلبة الحقوق خاصة ،أو المشتغلين بحقل القانون عامة من: قضاة و محامين ومحضرين و موثقين و إطارات إدارية و غيرهم ،ونأمل بذلك رفع مستو التكوين العلمي المتخصص، وتكريس ثقافة قانونية متداولة لدى جميع الدارسين لمقياس القانون الدستوري ،وترقية الوعي القانوني بما يتوافق و المعطيات و الأسس التي يقوم عليها المجتمع الجزائري في مختلف مؤسساته ومنظوماته و الله من وراء القصد و هو ولي التوفيق.
ثانيا:إشكاليات الموضوع:
1- تحديد الإشكالية:
بناء على ما سبق ستصب دراستنا على الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية في الجزائر،وتركز على إجراءات إبرام المعاهدات الدولية و مكانتها ضمن النظام القانوني الجزائري هذا من جهة ،ومن جهة ثانية سنوضح في هذه الدراسة الرقابة اللاحقة على دستورية المعاهدات كصورتين من صور الرقابة باعتبار أنها ستكون محل الإشكالية الأساسية التي سنعالجها في بحثنا هذا.
2-صياغة الإشكالية :
وانطلاقا من هذا التحليل فان هذا الموضوع يطرح جملة من التساؤلات الجديرة بالبحث
عنها والإجابة عليها و المتمثلة في الأتي:
ما هي إجراءات إبرام المعاهدات الدولية في النظام القانوني الجزائري حتى تدخل حيز النفاذ إما داخليا أو خارجيا؟ ومتى تدرج المعاهدات الدولية ضمن القانون الوضعي الداخلي ؟ هل من تاريخ التصديق عليها أم من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية ؟ وما هي اثأر ظهور مرسوم النشر بالجريدة الرسمية فقط ،دون المعاهدة الدولية ؟
كيف عالج المؤسس الدستوري الجزائري مسألة الرقابة على دستورية المعاهدات ؟ وذلك من خلال مدى أخذه بالرقابة السابقة فقط على دستورية المعاهدات الدولية دون الرقابة اللاحقة أو أخذه بالرقابة اللاحقة ،على دستورية المعاهدات الدولية دون اللاحقة ،أو أخذه بالرقابيتين معا السابقة و اللاحقة على دستورية المعاهدات الدولية؟
ثالثا:الدراسات السابقة للموضوع
على الصعيد العلمي لم يأخذ موضوع الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية القسط الكافي من الدراسة و التحليل، و لم تتحصل على أي دراسة شاملة لهذا الموضوع ومن هنا فان موضوع الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية في الجزائر موضوع حديث جدا لم يتطرق إليه الباحثين الجزائريين في مجال القانون الدستوري سواء كان ذلك في الماجستير أو في رسائل الدكتوراه ،و بالتالي فان هذا الموضوع جفت فيه الأقلام خاصة منها الأقلام الجرئرية،حيث انه عندما نفتح أي مرجع يخص القانون الدستوري ولا سيما منه الرقابة على دستورية القوانين نجد أن الكتاب يركزون على الرقابة على دستورية القوانين بصفة عامة ولا نجد أي تحليل للرقابة على دستورية المعاهدات الدولية وما تحمله من إشكاليات كبيرة جدا , وحتى وان وجدنا هناك إشارة إلى هذا الموضوع , فإن هذه الإشارة لا تتعدى الصفحة أو الصفحتان على الأكثر مثل الدكتور بو الشعير في كتابة النظام السياسي الجزائري ,وكتابة القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة , كذلك الدكتور بوبكرإدريس في لاكتابة :الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات ـ هذا على سبيل المثال إلا انه هناك مقالتين فقط بين أيدينا أشارتا إلى موضوع الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية ولو بصفة وجيزة جدا ,المقالة الأولى للأستاذ قشي الخير ـ أستاذ القانون الدولي جامعة سطيف بعنوان: . la Constitution Alge'rienne et La droit international R,G,D,I,P,1990
كما أن الدكتور عمار زريق أستاذ القانون الدولي بجامعة باتنة , أشار إلى هذا الموضوع في أطروحة دكتوراه دولة بعنوان دور الجزائر في إعداد وتنفيذ القانون الدولي الاتفاقي لحقوق الإنسان .
ومنه وانطلاقا من الدراسات العميقة لموضوع الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية ,سنحاول دراسة هذا الموضوع مركزين على الجوانب العملية له ,وذلك من اجل السعي إلى إرساء لبنة جديدة في هذا المجال لنكون نواة لدراسات لاحقة مقترحين إضافات من شأنها أن تدعم وتحسن وتنور مسعى المؤسس الدستوري الجزائري في موضوع الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية.
رابعا :أسباب ودوافع اختيار الموضوع :
بالنسبة للأسباب التي دفعتها لخوض غمار هذا الموضوع ـ الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية في الجزائر ـ تتمثل أساسا ذاتية وأخرى موضوعية .
فلعل الأسباب الذاتية تتمثل في رغبتي الخاصة في محاولة البحث في هذا الموضوع على اعتبار أن موضوع ثري يثير النقاش والجدل والكثير من التساؤلات ,وإحساسي بالقدرة على إمكانية النبش في مثل هذه الموضوعات ومحاولة إثراءها , على اعتبارها تنطوي تحت فرعين مهمين من فروع القانون العام ألا وهما القانون الدولي العام والقانون الدستوري وهو موضوع تخصصنا
أما الأسباب الموضوعية التي جعلتنا نتناول هذا الموضوع بالدراسة هي انه يتعلق بمبدأ متعارف عليه متأصل الجذور تاريخيا تتبناه معظم الدول في دساتيرها وتعمل على حمايته قانونيا وتكريسه واقعيا ,ألا وهو مبدأ سمو الدستور وتدرج القواعد القانونية.
خامسا: أهداف دراسة الموضوع
إن دراسة موضوع الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية في الجزائر يجرنا للوصول إلى الأهداف التالية:
- مدى إحترام السلطة التنفيذية بقيادة رئيس الجمهورية حامي الدستور، والسلطة التشريعية للإجراءات المتطلبة قانونا لإبرام المعاهدات الدولية، ومدى كفالة هذه الإجراءات لحماية الدستور.
- توضيح مكانة المعاهدات الدولية في النظام القانوني الجزائري ومنه إزالة اللبس القائم حول مدى سمو المعاهدات الدولية على القوانين العادية من جهة، ومن جهة أخرى إزالة اللبس القائم حول مبدأ سمو الدستور على المعاهدات الدولية.
- إعادة النظر في تشكيل الهيئة المنوط بها مهمة الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية( المجلس الدستوري) حتى نستطيع ممارسة مهامها بإستقلالية بعيدا عن ضغوطات الجهاز التنفيذي خاصة إذا علمنا أن رئيس الجمهورية هو الذي يبرم المعاهدات الدولية، وهو في نفس الوقت القائم على تعيين أعضاء هذه الهيئة.
- توسيع مجال الهيئة المنوط بها مهمة الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية وذلك بموجب الرقابة الآلية التي تقوم بها الهيئة مباشرة ومن تلقاء نفسها على دستورية المعاهدات الدولية دون الحاجة إلى أي أختار,لان مجال الأخطار قاصر فقط على بعض المؤسسات الدستورية في الدولة كرئيس الجمهورية ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة .
- وعلى المستوى العملي فإننا نهدف للوصول إلى إيجاد حل في ما يخص صور الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية لا سيما منها الرقابة السابقة والرقابة اللاحقة وتوضيح وإزالة اللبس القائم في هذا المجال.
- كذلك الإشارة إلى أهم التعديلات التي نأمل أن يأخذ بها المؤسس الدستوري الجزائري عند تعديل الدستور ( دستور 1996) وذلك بالنسبة لبعض المواد التي تخص موضوع الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية ,وكذلك وضع حل عند اعتراف أحكام المعاهدة أو جزء منها والدستور.
سادسا: المنهج العلمي المتبع في دراسة هذا الموضوع
سنعتمد في دراستنا على المنهج المركب الوصفي التحليلي ,مبرزين مختلف جوانب الموضوع وتشريحها بغية الوصول إلى رؤية موضوعية لموضوعنا.


خطة الموضــوع:
مقدمـــــة
الفصل التمهيدي : إجراءات إدماج المعاهدات الدولية ومكانتها في النظام القانوني الجزائري.
المبحث الأول : إجراءات إدماج المعاهدات الدولية في النظام القانوني الجزائري.
المطلب الأول: التصديق على المعاهدات الدولية.
المطلب الثاني: نشر المعاهدات الدولية.
المبحث الثاني: مكانة المعاهدات الدولية في النظام القانوني الجزائري.
المطلب الأول: القيمة القانونية للمعاهدات الدولية في الدساتير الجزائرية.
المطلب الثاني: علاقة المعاهدات الدولية بالقوانين الداخلية الجزائرية.
الفصل الأول: المجلس الدستوري تنظيم وإختصاص.
المبحث الأول: تنظيم المجلس الدستوري.
المطلب الأول: تسمية المجلس الدستوري.
المطلب الثاني : تشكيلة المجلس الدستوري.
المطلب الثالث: طبيعة المجلس الدستوري الجزائري.
المبحث الثاني:إخطار المجلس الدستوري وإختصاصاته.
المطلب الأول: تحريك المجلس الدستوري الجزائري (إخطاره).
المطلب الثاني: اختصاصات المجلس الدستوري الجزائري.
المطلب الثالث: مدى حجية قرارات وآراء المجلس الدستوري وطبيعتها القانونية.
الفصل الثاني: كيفية رقابة المجلس الدستوري للمعاهدات الدولية.
المبحث الأول: الرقابة السابقة لدستورية المعاهدات الدولية.
المطلب الأول: تعريف الرقابة السابقة للمعاهدات الدولية.
المطلب الثاني: دور المجلس الدستوري فيما يخص الحالة المنصوص عليها في المادة 97
المطلب الثالث: عدم دستورية المعاهدة قبل دخولها حيز النفاذ.
المبحث الثاني: الرقابة اللاحقة لدستورية المعاهدات الدولية.
المطلب الأول: تعريف الرقابة اللاحقة لدستورية المعاهدات الدولية.
المطلب الثاني: عدم دستورية المعاهدة بعد لتصديق عليها ونشرها.

المطلب الثالث: الآراء المؤيدة والمعارضة للرقابة اللاحقة لدستورية المعاهدات الدولية.
الخاتــــمة.
الفصل التمهيدي : إجراءات إدراج المعاهدات الدولية ومكانتها في النظام القانوني الجزائري
من الثابت، أن القواعد القانونية في النظام القانوني للدولة ليست في مرتبة واحدة من حيث قوتها وقيمتها القانونية، فهذه القواعد تتدرج بحيث تكون بعضها أسمى وأعلى مرتبة من البعض الآخر، ففي قمة النظام القانوني الجزائري توجد القواعد الدستورية ثم تليها في المرتبة القواعد التشريعية، ثم تليها بعد ذلك القواعد الصادرة عن السلطة التنفيذية وهي اللوائح. ويترتب على تدرج هذه القواعد القانونية، أنه لايجوز لقاعدة أدنى أن تتعارض أو تخالف قاعدة قانونية أعلى منها، وعلى هذا فلا يجوز مثلا لقاعدة قانونية عادية أن تخالف قاعدة قانونية دستورية. إن الدساتير التي عرفتها الجمهورية الجزائرية، تقرر أن المعاهدات أو الاتفاقات الدولية المصادق عليها طبقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور تندرج في القانون الوطني الجزائري وتصبح ملزمة داخل الجزائر، وواجبة الاحترام والتطبيق من جانب كافة سلطات الدولة، ونافذة كذلك في حق الأفراد.
والسؤال المطروح في هذا الصدد:
ماهي إجراءات إدراج المعاهدات الدولية ومكانتها في النظام القانوني الجزائري؟
ومنه ارتأينا تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين:
المبحث الأول: إجراءات إدراج المعاهدات الدولية في النظام القانوني الجزائري
المبحث الثاني: مكانة المعاهدات الدولية في النظام القانوني الجزائري










المبحث الأول : إجراءات إدراج المعاهدات الدولية في النظام القانوني الجزائري
إن الدساتير التي عرفتها الجمهورية الجزائرية، تقرر أن المعاهدات أو الاتفاقات الدولية المصادق عليها طبقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور تندرج في القانون الوطني الجزائري وتصبح ملزمة داخل الجزائر، وواجبة الاحترام والتطبيق من جانب كافة سلطات الدولة، ونافذة كذلك في حق الأفراد.
فالدساتير الجزائرية، وعلى غرار الغالبية العظمى من الدساتير المقارنة، تمنح السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية اختصاص التصديق على المعاهدات الدولية، وهذا يتبين من المادة 42 من دستور 1963 (1)، والمادة 159 من الدستور 1976 حيث نصت علـــــى : " المعاهدات الدولية التي صادق عليها رئيس الجمهورية طبقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور، تكسب قوة القانون"، وكذلك المادة 123 من دستور1989 التي تقضي بأن: "المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية، حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور، تسمو على القانون"، وهي نفس صياغة المادة 132 من دستور1996.
ومنه فرئيس الجمهورية الجزائرية هو صاحب الاختصاص في التصديق على المعاهدات الدولية حسب الدساتير الجزائرية السابقة والدستور المعمول به حاليا، وهذا بعد موافقة البرلمان بغرفتيه(المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) على هذه المعاهدات. فإن هذا لا يعني أن صلاحيته في ذلك انفرادية، وإنما يمكن أن تشاركه هيئات وسلطات أخرى في المصادقة على بعض الاتفاقات أو المعاهدات.
إذا فإن شرطا التصديق وموافقة البرلمان إجباريان لكي تندرج المعاهدات الدولية في القانون الداخلي الجزائري، وتصبح إحدى مصادره المباشرة، وهذا بغض النظرعن الإجراءات الخارجية لإبرام المعاهدات2 .


المطلب الأول: التصديق على المعاهدات الدولية
يقصد بالتصديق على المعاهدات الدولية، ذلك الإجراء الذي توافق وتقبل به الدولة أو منظمة دولية للالتزام بصورة نهائية بأحكام معاهدة وفقا للإجراءات القانونية المحددة، وهو ما نصت عنه اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة1969، إذ عرفت التصديق في مادتها الرابعة عشر بأنه التعبير عن رضا الدولة للارتباط بالمعاهدة، وكذلك اتفاقية فيينا لسنة 1986 في مادتها الحادية عشر الفقرة الثانية وذلك بعبارة أخرى وهي "التأكد الرسمي" بدلا من كلمة التصديق.
والجزائر اعتمدت هذا الإجراء أي التصديق لإدراج القانون الدولي الاتفاقي في قانونها الوطني، وهو ما يتضح جليا بالرجوع إلى ما جاء في دساتيرها المختلفة والمتعاقبة، فالمادة 159 من دستور الجزائر لعام 1976 تنص على أن المعاهدات الدولية التي صادق عليها رئيس الجمهورية طبقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور تكتسب قوة القانون.
وكذلك المادة 123 من دستور الجمهورية الجزائرية لسنة 1989، حيث نصت في هذا المجال على أن: "المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون".
كما نصت المادة 132 من دستور 1996 على ان: "المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون".
وهذا ما يثبته التعامل الجزائري في هذا الميدان، ويكفي لإثبات ذلك أن نشير إلى المرسوم الرئاسي رقم 24/29 المؤرخ في 15 جانفي 1994 المتضمن المصادقة على الاتفاق الخاص بإنشاء اللجنة المشتركة الكبرى الجزائرية المغربية، الموقع بالرباط في 30مارس 1989، وكذلك المرسوم الرئاسي المؤرخ في 2 جانفي المتضمن المصادقة على الاتفاق المبرم بين الجزائر وفرنسا بشأن التشجيع والحماية المتبادلين بخصوص الاستثمار وتبادل الرسائل المتعلق بهما، الموقعين بمدينة الجزائر في 13 فيفري 1993، والانضمام للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في 10/12/1966 الساري المفعول بالجزائر في 23/08/1976.


فالمؤسس الدستوري الجزائري لم يشترط من إجراءات، لإدراج الاتفاقات الدولية في المجال الداخلي الجزائري، سوى المصادقة على هذه الاتفاقات الدولية، ومن هنا يمكن القول أن القاضي الجزائري يجوز له رفض تطبيق المعاهدات التي لم يصادق عليها رئيس الجمهورية الجزائرية.
الفرع الأول: النظام القانوني للتصديق وشروط صحته
إذا كان التصديق، هو ذلك الإجراء الذي تقبل به الدول أو المنظمة الدولية للالتزام بصورة نهائية بأحكام المعاهدة وفقا للإجراءات الدستورية في كل دولة أو منظمة.
وإذا كان بواسطة التصديق تندرج المعاهدات الدولية في القانون الداخلي وتدخل حيز النفاذ وتصبح لها قوة قانونية ملزمة، فهل هذا يعني أنه إجراءا إلزاميا؟ وما هي شروط صحته؟
الفقرة الفرعية الأولى: النظام القانوني للتصديق
عن أهمية اللجوء إلى التصديق لنفاذ المعاهدات الدولية داخليا، لا تجعل اتفاقية فيينا من تنفيذه إجراء إلزاميا للدول إلا في بعض الحالات، وهو ما يستفاد من قراءة المادة الرابعة عشر من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969، واتفاقية فيينا لعام 1986 حيث نصتا على أنه :
*أ ـ ضمن اتفاقية فيينا لسنة 1969 :
1 ـ تعبر الدولة عن ارتضائها و الالتزام بالمعاهدة، بالتصديق عليها في الحالات الآتية:
أ ـ إذا نصت المعاهدة على أن يكون التصديق هو وسيلة التعبير عن الإرتضاء.
ب ـ إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة والمنظمات كانت قد اتفقت على اشتراط التصديق.
ج ـ إذا بدت نية الدولة المعنية في أن يكون التوقيع بشرط التصديق اللاحق في وثيقة مثلها أو عبرت عن ذلك أثناء المفاوضة.
2 ـ تعبر الدولة عن ارتضائها بمعاهدة عن طريق القبول والموافقة في حالات مماثلة للحالات الخاصة بالتصديق.
*ب ـ ضمن اتفاقية فيينا لسنة 1986 :
1 ـ تعبر المنظمة الدولية عن ارتضائها الالتزام بالمعاهدة، بالتأكد الرسمي، وذلك في الأحوال التالية:
أ ـ إذا نصت المعاهدة على التعبير عن الارتضاء،بان يكون بواسطة القيام بالتأكيد الرسمي.
ب ـ إذا ثبت بطريقة أو بأخرى، أن الدولة المتفاوضة، والمنظمات، أو حسب الأحوال المنظمات المتفاوضة فيما بينها، قد اتفقت على اشتراط القيام بالتأكيد الرسمي.
ج ـ إذا كان ممثل المنطقة قد وقع المعاهدة مع التحفظ بشرط القيام بالتأكيد الرسمي.
د ـ إذا بدت نية المنظمة في أن يكون التوقيع خاضعا للقيام بالتأكيد الرسمي، من أوراق التفويض الصادرة لممثليها أو عبرت عن ذلك أثناء المفاوضة.
2 ـ تعبر الدولة أو المنظمة الدولية عن ارتضائها الالتزام بالمعاهدة، عن طريق القبول أو الموافقة تحت شروط مشابهة لتلك المطلوبة في التصديق أو حسب الأحوال "التأكيد الرسمي".
ومن هنا، هناك سؤال يمكن أن يطرح نفسه وهو: إذا جاءت المعاهدة خالية مما يفيد اشتراط ضرورة التصديق فهل يكفي التوقيع على المعاهدة لنفاذها على المستوى الداخلي؟
وللإجابة على السؤال المذكور أعلاه، نعود إلى رأي الفقه:
- في هذا الشأن، يرى فريق من الفقهاء عدم ضرورة التصديق في حالة سكوت المعاهدة على النص عليه(النص على التصديق) مؤكدا على أنـه:
"إذا لم يتضح من الإرادة الصريحة أو الضمنية لأطراف المعاهدة ضرورة التصديق على المعاهدة فإن ذلك يعني استقرار العقيدة على تطبيق القاعدة العامة في القانون الدولي، التي مؤداها دخول المعاهدة حيز النفاذ بمجرد التوقيع عليها(1).
ـ أما الفريق الآخر، فيرى أن التصديق شرط أساسي لنفاذ المعاهدة حتى ولو لم تنص على ذلك، وهذا لاعتبارات عديدة منها:
1 ـ يؤدي التصديق إلى تجنب ما قد يؤثر من خلافات حول حقيقة إبعاد التفويض الممنوح للمفوضين عن الدولة في التفاوض وتوقيع المعاهدة.
2 ـ بواسطة التصديق تطمئن الدولة أو المنظمة من أن المفوض قد التزم بحدود الصلاحيات التي منحت له من طرفها.
3 ـ قد يكون موضوع المعاهدة ذو طبيعية ماسة بالمصالح العليا للدولة، الأمر الذي يقتضي موافقة السلطة المختصة في الدولة على هذه المعاهدة بواسطة التصديق (2).
وعليه فإن كان التصديق يعد إجراء لازما لدخول المعاهدة حيز النفاذ داخليا، إلا أنه لا يوجد ما يجبر الدولة على إتمامه بصورة آلية بعد توقيع ممثلها المفوض منها، ومنه فالتصديق يعد سلطة تقديرية للدولة، حيث يظهر ذلك على سبيل المثال عندما وقعت فرنسا على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لسنة 1950 ولم تصادق عليها إلا في سنة 1973.
كما تستطيع الدول رفض التصديق على المعاهدات الدولية دون أن تترتب عليها مسؤوليتها الدولية، فتاريخ العلاقات الدولية حافل بسوابق الامتناع عن التصديق، من ذلك امتناع الولايات المتحدة الأمريكية – المشهور- عن التصديق على معاهدة فرنسا لعام 1919 من ميثاق عصبة الأمم نتيجة رفض الكونغرس لذلك.
كما أنه ليس هناك ما يمنع الدول من أن تعلق تصديقها على تحقيق شرط معين، ومثال ذلك اشتراط فرنسا تصديقها على معاهدة حسن الجوار المبرمة مع ليبيا عام 1956 باتفاق على تعيين الحدود الجزائرية الليبية، وقد تحقق هذا الشرط بتاريخ 26/07/1956 (1).
الفقرة الفرعية الثانية: شروط صحة التصديق
إذا كانت الدولة والمنظمات الدولية حرة غير مجبرة على التصديق بعد توقيع ممثلها على المعاهدة، فإنها في حالة إجرائه يجب :
1 ـ أن تصادق على المعاهدة دون قيد ولا شرط، ودود تعديل في أي نص من نصوصها، فإذا علق التصديق على شرط أو اقتران بإدخال تعديلات على نصوص المعاهدة كان باطلا، وأعتبر كأنه عرض لمعاهدة جديدة، وللطرف الآخر أن يقبلها أو يرفضها.
2 ـ أن يشمل التصديق المعاهدة جميعها بصيغتها الأصلية، فلا يجوز أن يقتصر على جزء منها دون الجزء الآخر، وإلا اعتبر ذلك بمثابة عرض لمعاهدة جديدة يجب التفاوض في شأنها من جديد.
3 ـ يجوز للدولة التي أبدت تحفظات على بعض النصوص وقبلت التحفظات أن تقتصر المصادقة على النصوص التي لم تبد بشأنها تحفظ(2).
والجدير بالملاحظة هو أن هناك قاعدة رئيسية هامة تسيطر على النظام القانوني للتصديق في القانون الدولي وهي:
أن السلطة المختصة بالتصديق متروك أمر تحديدها للقانون العام الداخلي لكل دولة، وهو ما تنص عنه صراحة الفقرة الأولى من المادة 110 من ميثاق الأمم المتحدة بقولها "تصادق على هذا الميثاق الدول الموقعة عليه كل منها حسب أوضاعها الدستورية" (1). وكذلك المادة 46 - المتعلقة بالقواعد الوطنية الخاصة بالتصديق- من اتفاقية فيينا لسنة 1969 المتعلقة بتقنين القواعد التي تحكم إبرام المعاهدات الدولية وما يترتب عليها من آثار.
وكون الأوضاع الدستورية ليست موحدة وبالتالي، فإن الجهة المختصة بذلك تختلف من بلد إلى آخر، فما هي الجهات التي تقوم بعملية التصديق في الجزائر؟ وهو ما سنتطرق إليه في الفرع الثاني .
الفرع الثاني: الجهة التي تقوم بالتصديق
إذا كانت السلطة المختصة بالتصديق متروك تحديدها للقانون العام الداخلي لكل دولة أي للدستور على العموم، فإن الغالبية العظمى من دساتير دول العالم تمنح السلطة التنفيذية-ممثلة في رئيس الجمهورية- اختصاص المصادقة على المعاهدات الدولية، وهذا ما اتبعه المؤسس الدستوري الجزائري.
غير أنه إذا كان رئيس الجمهورية الجزائرية هو الذي يقوم بالتصديق على المعاهدات، فإن صلاحيته هذه لا تكون إلا بعد موافقة البرلمان بغرفتيه على تلك المعاهدات الدولية.
وهناك من الدول ما يمنح دساتيرها السلطة التشريعية صلاحية المشاركة في عملية التصديق على كافة المعاهدات، وذلك باشتراط موافقتها قبل التصديق من طرف رئيس الدولة، وهذه هي حالة دستور الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا، ومن الدساتير التي تمنح السلطة التشريعية المشاركة في عملية التصديق على بعض المعاهدات فقط قبل التصديق عليها من قبل رئيس الجمهورية الدستور الفرنسي الحالي.





الفقرة الفرعية الأولى: المصادقة الرئاسية لإدراج المعاهدات الدولية في القانون الداخلي
إن الذي يقوم بالتصديق على المعاهدات الدولية في الجمهورية الجزائرية هو رئيس الجمهورية، وهو ما يفهم من نص المادة 77 الفقرة 9 من دستور 28 نوفمبر 1996، والتي تنص على : "يضطلع رئيس الجمهورية بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور بالسلطات والصلاحيات التالية :
ـ ويبرم المعاهدات الدولية ويصادق عليها".
وكذلك المادة 87 الفقرة الثالثة تؤكد عدم السماح لرئيس الجمهورية الجزائرية تفويض سلطته المتمثلة في التصديق على الاتفاقات الدولية بقولها :
"لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يفوض رئيس الجمهورية سلطته في ... وتطبيق الأحكام المنصوص عليها في المادة 77 ..." .
والشيء الجدير بالذكر، أن هذا المبدأ كان مكرسا كذلك في دستور 1963 في نص المادة 42 (1)، وفي دستوري 1976 و1989 مع اختلاف طفيف، والمتمثل في أن دستور 1976 لم ينص عن السماح أو عدم السماح لرئيس الجمهورية تفويض سلطته في التصديق على المعاهدات الدولية، بخلاف دستور 1989 الذي أكد منع رئيس الدولة من تفويض سلطته في ذلك كما فعل دستور 1996. بهذا يمكن القول أن المصادقة على المعاهدات الدولية من اختصاص رئيس الجمهورية وحده.
غير أن رئيس الجمهورية يقوم بذلك بعد حصوله على موافقة السلطة التشريعية ممثلة في المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وما تصديق رئيس الجمهورية على أغلب المعاهدات إلا دليل على ذلك.
وهكذا يكون المؤسس الدستوري الجزائري قد أخذ بما أخذت به معظم الدساتير المقارنة مثل فرنسا في المادة 55 من دستور سنة 1958، وكذلك الجمهورية التونسية في المادة 48 من دستور سنة 1959.
ولعلى الأسباب التي دفعت بالمؤسس الدستوري الجزائري - الذي جعل عملية التصديق على الاتفاقات الدولية في يد رئيس الجمـهورية - هو ظهور جهاز حـكومي جديد و المتمثل في رئيس الحكـومة، الشـيء الذي يفـرض وضــع حــــــدود واضــــــحة
بينه وبين اختصاصات رئيس الجمهورية في المجال الاتفاقي الدولي، كما يرى ذلك الدكتور "محمد لعرابة" (1).
وحسب رأينا، أن منح رئيس الجمهورية الجزائرية هذا الاختصاص، ما هو إلا تكريس لمبدأ دستوري، الذي يخص رئيس الدولة بالمكانة المميزة (2)، وذلك بتمثيل الدولة داخل البلاد وخارجها، كما يقرر السياسة الخارجية للأمة ويوجهها، وهو ما نستنتجه من قراءة المواد التالية : المادة 111 من دستور 1976، والمادة 74 من دستور 1989، والمادة 77 من الدستور الحالي (د 1996) .
الفقرة الفرعية الثانية: مساهمة البرلمان في إجراءات إدراج المعاهدات في القانون الداخلي (موافقة البرلمان بغرفتيه)
كما سبق وأن ذكرنا، فإن رئيس الدولة هو الذي يقوم بالدور الأساسي في التصديق على المعاهدات، إلا أن صلاحيته هذه ليست دوما انفرادية، بل يمكن- حسب كل دستور- أن تشاركه فيها سلطات أخرى بشكل أو بآخر، وهي حالة رئيس الجمهورية الجزائرية، و حسب الدستور الجزائري، يجب على الرئيس أن يطلب موافقة المجلس الوطني الشعبي ومجلس الأمة عندما يريد التصديق على بعض المعاهدات واستطلاع رأي المجلس الدستوري .
إن المادة 158 من دستور 1976، و المادة 122 من دستور 1989، والمادة 131 من دستور 1996 هي التي حددت المعاهدات الدولية التي تتطلب قبل المصادقة عليها من طرف رئيس الجمهورية موافقة السلطة التشريعية، حيث نصت المادة 158 من دستور1976على : "تتم مصادقة رئيس الجمهورية على المعاهدات السياسية والمعاهدات التي تعدل محتوى القانون بعد الموافقة الصريحة عليها من المجلس الوطني الشعبي"، كما نصت المادة 122 من دستور1989 على:" تتم مصادقة رئيس الجمهورية على اتفاقيات الهدنة والمعاهدات السلم والتحالف والاتحاد والمعاهدات المتعلقة بحدود الدولة والمعاهدات المتعلقة بقانون الأشخاص بعد أن يوافق عليها المجلس الشعبي الوطني صراحة"، وهي نفس الصيغة التي جاءت بها المادة 131 من دستور 1996، والخلاف الوحيد هي الجملة الأخيرة من نص المادة131 من دستور1996 المتمثلة في: "... بعد أن توافق عليها كل غرفة من البرلمان صراحة...".
إن شرط موافقة البرلمان بغرفتيه على المعاهدات الدولية شرط أساسي كي يستطيع رئيس الجمهورية المصادقة عليها.
والشيء الجدير بالملاحظة، أن هناك فرق بين دستور 1976 ودستوري 1989 و1996 وذلك فيما يخص نوع المعاهدات التي تشترط الموافقة الصريحة من طرف الهيئة التشريعية قبل التصديق عليها من طرف رئيس الجمهورية، لذا فإنه من الأهمية بما كان، أن نتطرق إلى كل دستور على حدا .
أولا: موافقة المجلس الشعبي الوطني
أ- في ظل دستور 1976
بالرجوع إلى نص المادة 158 من دستور 1976 التي تنص على أن:" المعاهدات السياسية والتي تعدل محتوى القانون لا يتم المصادقة عليها إلا بعد الموافقة الصريحة من المجلس الشعبي الوطني"، نجد هذا النص غامضا، إذ أنه بالرغم من الأهمية البالغة لهذا النوع من المعاهدات، إلا أنه لم يوضح معنى المعاهدات السياسية، وما وهو المعيار الذي يفرق بين اتفاقيات السياسية وغير السياسية، وكذلك أن قضية المعاهدات التي تعدل محتوى القانون تتطلب نوع من التوضيح.
فأمام عمومية وعدم دقة عبارة المعاهدات السياسية يجدر بنا الأمر إلى اللجوء إلى التحليل والاستنتاج، فهناك حتما من المعاهدات تدخل ضمن فئة المعاهدات السياسية مثل الاتفاقات الهدنة ومعاهدات السلم الواردة في نص المادة 124 من دستور الجزائر لعام 1976 التي تنص صراحة على عرضها على المجلس الشعبي الوطني طبقا لأحكام المادة 108 من الدستور نفسه (1)، لكن هذا النص غير كافي لأنه لا يشمل نوع آخر من المعاهدات التي لا يختلف عليها اثنان بأنها سياسية كمعاهدات عدم الاعتداء، وحسن الجوار، والصداقة، والتحالف والتعاون (2) ... وهذا ما يجعل عبارة المعاهدات السياسية يمكن أن تفسر تفسيرا واسعا فتشمل كافة المعاهدات تقريبا.
ومن هنا، هناك سؤال يمكن أن يطرح نفسه وهو: هل هناك هيئة مختصة للتمييز بين المعاهدات السياسية وغير السياسية ؟، وللإجابة عن السؤال المطروح أعلاه نعود إلى رأي الفقه والتعامل الجزائري.
وفي هذا الشأن ترى الأستاذة "زيراوي مبروكة"، أن الجهاز التنفيذي هو الوحيد المؤهل للتصديق على المعاهدات، لأنه يكفي أن يقرر بأن معاهدة ما ليست سياسية حتى تبعد من موافقة المجلس الشعبي الوطني، وهو ما يؤكد التعامل الجزائري إذ أنه حتى عام 1983 بالرغم من المصادقة على العديد من المعاهدات ذات الصيغة السياسية من طرف الجزائر إلا أنها لم تعرض على المجلس الشعبي الوطني للموافقة عليها ومن بين هذه المعاهدات نجد معاهدة الدول العربية المصدرة للبترول المؤرخة في 9 جانفي 1968 بيروت، لبنان (1).
ب - في ظل دستور 1989 ودستور1996
فالمقارنة مع الأحكام الواردة في دستور 1976 نجد دستور 1989 و1996 يتضمنان فئات متعددة من المعاهدات التي تخضع لموافقة برلمانية، وبصورة أكثر دقة وهي ما نصت عليه المادة 122 من دستور 1989، والتي كررتها بنفس الصيغة تقريبا المادة 131 من دستور الجزائر الجديد لعام 1996 وهذه الاتفاقات هي :
اتفاقيات الهدنة ومعاهدات السلم والتحالف والاتحاد والمعاهدات المتعلقة بحدود الدولة والمعاهدات المتعلقة بقانون الأشخاص والمعاهدات التي تترتب عليها نفقات غير واردة في ميزانية الدولة، وبهذا يكون المؤسس الدستوري الجزائري قد ساير دساتير بعض الدول الأجنبية، ومنها الدستور الفرنسي لعام 1958 في مادته 53، وكذا الدستور البلجيكي.
ولكن الشيء الملاحظ أنه إذا كان الأمر كذلك نظريا فإن الواقع والتعامل الجزائري غير ذلك، حيث أن معظم المعاهدات التي صادقت عليها الجزائر لم يسبق أن عرفت موافقة المجلس الوطني الشعبي حتى تلك التي تعود محتواها من اختصاصه الخاص وفقا للدستور، ومن ذلك المعــاهدات العامــة للضمــان الاجتمـــاعي بيـــن الجـــزائر والمــغرب

الموقع عليها في الجزائر العاصمة بتاريخ 21 فيفري 1991 (1) على غرار تلك التي انعقدت بين تونس والجزائر بتاريخ 1973 التي وقع عليها في 4 مارس 1991 (2) وكذا معاهدات بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية الموقعة في واشنطن بتاريخ 22 جوان 1990 المستهدفة تشجيع الاستثمارات الاقتصادية (3) وهذا النوع من التعامل يدعي بالتصديق الناقص.
ثانيا: موافقة مجلس الأمة
لقد تقررت مساهمة مجلس الأمة الجزائري في المصادقة على معاهدات الدولية بموجب الدستور الصادر في 28/11/1996 الذي يتميز على سابقته أي دستوري 1976 و1989 بإرساء مبدأ البرلمانية الثنائية أي وجود غرفتين يتشكل منها البرلمان وهما المجلس الوطني الشعبي ومجلس الأمة (4)، إذ نصت المادة 131 منه على أن يصادق رئيس الجمهورية على اتفاقيات الهدنة ومعاهدات السلم والتحالف والمعاهدات التي تترتب عليها نفقات غير واردة في ميزانية الدولة بعد أن توافقت عليها كل غرفة من البرلمان صراحة.
ومن أمثلة مساهمة مجلس الأمة الجزائري في الموافقة على المصادقة على اتفاقيات الاتحاد.
الموافقة على نص القانون المتضمن بالموافقة على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي المواقع في لومي بتاريخ 11 يوليو سنة 2000 نصت المادة الأولى من محضر الجلسة العلنية الرابعة المنعقدة في 05 ماي عام 2001 لمجلس الأمة على، يوافق على القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي الموقع في 11 يوليو 2000 (5).
الفرع الثالث: آثار التصديق
الفقرة الفرعية الأولى: دخول المعاهدة حيز التطبيق أو النفاذ
أي تصبح لها قوة قانونية ملزمة، وهي ما نصت عليه المادة 159 من دستور الجزائر لسنة 1976 والمادة 123 من دستورها لعام 1989 وكذلك المادة 132 من دستورها المعدل لعام 1996، وبالتالي يصبح من واجب المحاكم الوطنية الجزائرية الأخذ بها وتطبيق أحكامها كما هو
الحال بالنسبة للأحكام الدستورية، والقانون ومختلف الأنظمة والتصرفات التعاقدية والانفرادية الملزمة، وهكذا يمكن لأي متقاض استظهار المعاهدات المصادق عليها من طرف الدولة الجزائرية أمام الجهات القضائية الجزائرية التي يجب على القاضي احترامها وتطبيقها كونه ملزما بتطبيق القانون.
وإن تاريخ دخول المعاهدة الدولية حيز التنفيذ هو التاريخ الذي تنتج فيه المعاهدة الدولية آثارها القانونية وأن هذا التاريخ لا ينظمه أي إجراء خاص بل يبقى للدول المتعاقدة حرية تحديده، وبالتالي يمكن لها ذكره في المعاهدة كما هو شأن اتفاق الجزائر غنيا لسنة 1972 الذي تقرر دخوله حيز التنفيذ المؤقت ابتداء من أول جانفي 1973 (1)، وكذلك الاتفاق الاقتصادي بين الجزائر وبنقلاديش المؤرخ في 14 أكتوبر 1976 الذي نص دخوله حيز التنفيذ مؤقتا منذ التوقيع عليه وبصفة نهائية بعد المصادقة عليه (2)، وعند سكوت المعاهدة عن ذكر تاريخ سريانها، فإن تاريخ المفترض لدخولها حيز التنفيذ هو يوم التصديق عليها، وهو ما أكده القضاء الدولي (3).
الفقرة الفرعية الثانية : عدم رجعية أثر التصديق
إن دخول المعاهدة حيز النفاذ، لا يرجع إلى الماضي بحيث الوقائع والتصرفات الخاصة بالأطراف قبل القيام بعملية التصديق ومثاله إذا وقعت المعاهدة 1990 وتم التصديق عليها في سنة 1995 فإن جميع التصرفات يأتيها أحد الأطراف في الفترة الزمنية الممتدة بين 1990 و1995 لا يخضع لنصوص المعاهدة حتى ولو كانت آثاره من تاريخ وقوعه(4) وخلاصة أن التصديق على معاهدة إجراء يجعلها واجبة النفاذ في المجال الداخلي الجزائري.
مما سبق يمكن القول أن القانون والتعامل الجزائريين يأخذان من عملية التصديق الوسيلة الرئيسية لإدخال القواعد الدولية في القانون الوطني الجزائري ولعلى ما يؤكد ذلك أن معظم المعاهدات الدولية التي أبرمتها الجزائر كانت محل التصديق (5) كالاتفاقيات المتعلقة بحقــوق الإنسان التي انضمت إليها الجزائر بموجب مرسوم رئاسي رقم 89-67 المؤرخ في 16 ماي 1989 بتحفظ، وخاصة تلك المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية في بندها المتعلق بحرية الزواج عند المرأة، كما سجلت نفس التحفظ حول الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، أما فيما يتعلق بالاتفاقيات الدولية كاملة التصديق فهي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية.
ـ البروتوكول الاختباري الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
ـ اتفاقية مناهضة التعذيب الدولية للقضاء، على جميع أشكال التمييز العنصري الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري المعاقب عليها، اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقب عليها، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أما على المستوى الجهوي فقد صادقت الجزائر على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب كما تعتبر الجزائر عضوا في اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ...، وبهذا تكون الدساتير الجزائرية المتعاقبة وأخيرها دستور 1996 قد خالف دساتير بعض دول العالم كالدستور الفرنسي لعام 1958 الذي يشترط لاندماج المعاهدات الدولية في القانون الوطني الفرنسي إضافة إلى التصديق شرطي النشر والمعاملة بالمثل وهو ما نصت عليه المادة 55 منه (1).
وخلاصة القول أنه يتبن مما سبق أن الدستور الجزائري ينص على اعتبار المعاهدات التي تبرمها الدولة الجزائرية وتصادق عليها جزء من التشريع الداخلي الجزائري وذلك تأسيسا من نص المادة 159 من دستور الجزائر 1976، ونص المادة 123 من دستور 1989 وكذلك المادة 132 من دستور 1996.
ومنه تصبح تلك المعاهدات الدولية قانون، وبالتالي فهي واجبة الاحترام والتطبيق من جانب كافة سلطات في الدولة، ونافذة في حق الأفراد.
وهكذا يكون المؤسس الدستوري الجزائري قد حذا حذو المؤسس الدستوري الفرنسي(2) .



الفرع الرابع: حالات أخرى لإدراج المعاهدات الدولية في النظام القانوني الجزائري
انه باستقرار المادة 77 الفقرة الثامنة من الدستور الجزائري 1996 والتي تنص "يضطلع رئيس الجمهورية بالإضافة إلى السلطات التي تخولها أيا لصراحة أحكام أخرى في الدستور بالسلطات والصلاحيات الآتية".
"... يمكنه أن يستشير الشعب في كل قضية ذات أهمية وطنية عن طريق الاستفتاء".
وهي حالة عرض التصديق على الاتفاقات ذات أهمية وطنية كبيرة على الاستفتاء الشعبي، وهي حالة نادرة الوقوع.
الفرع الخامس: القيمة القانونية للمعاهدات الدولية الناقصة التصديق
تشترط اغلب دساتير الدول ضرورة عرض المعاهدة على البرلمان للموافقة عليها قبل التصديق عليها من قبل رئيس الجمهورية، كالدستور المصري لسنة 1971 في نص مادته151 التي نصت على:"... على أن معاهدات الصلح والتحالف، والتجارة، والملاحة، وجميع المعاهدات التي يترتب عليها، تعديل في أراضي الدولة أو التي تتعلق بحقوق السيادة أو التي تحمل خزينة الدولة شيئا من النفقات الغير واردة في الموازنة، يجب موافقة مجلس الشعب عليها". أو ما نصت عليه المادة 131 من الدستور الجزائري لسنة 1996 التي اشترطت الموافقة البرلمانية المسبقة قبل تصديق رئيس الجمهورية على اتفاقيات الهدنة، ومعاهدات السلم، والتحالف، والاتحاد والمعاهدات المتعلقة بحدود الدولة والمعاهدات المتعلقة بقانون الأشخاص، والمعاهدات التي تترتب عليها نفقات غير واردة في ميزانية الدولة. أو ما نصت عليه المادة 53 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 على أن:" معاهدات السلم والاتفاقيات التجارية والمعاهدات الخاصة بالمنظمة الدولية والتي تحمل مالية الدولة والتي تعدل الأحكام ذات الطبيعة التشريعية، والتي تتعلق بحالة الأشخاص لا يصادق عليها، أو اعتمادها إلا بمقتضى قانون، وليس لها أثر إلا بعد التصديق عليها أو اعتمادها ...".
فما هو الحكم إذا تجاوز رئيس الجمهورية سلطته، فصادق على المعاهدة دون حصول موافقة البرلمان عليها خلافا لما يقتضي به الدستور؟ وما هي القيمة القانونية لمثل هذا التصديق الذي اصطلح الفقه الدولي على تسميته بالتصديق الناقص ؟
اختلف الفقهاء في الإجابة عن ذلك، وانقسموا إلى ثلاث مذاهب (1) أو اتجاهات هي كالآتي:
الفقرة الفرعية الأولى: التصديق الناقص لا يؤثر على المعاهدة
يرى أنصار هذا المذهب، ومنهم لاباند (LABAND) وبتنر (BITTNER) من ألمانيا، وفيتزمريس (FITZMAURICE) من إنجلترا، وكاري دي ماربيرج (Carre de Marberj) فيلا (VELLAS) من فرنسا، بأن التصديق، ولو تم مخالفا للدستور، لا يفقد المعاهدة أثرها القانوني على المستوى الدولي، ويترتب عن ذلك تنفيذ المعاهدة المصادق عليها ويستند أصحاب هذا الاتجاه إلى التمييز بين تكوين إرادة الدولة والإعراب عن هذه الإرادة، فتكوين إرادة الدولة يتطلب إكمال الشروط التي تنص عليها الدولة، وهي مسألة خاصة بالقانون الداخلي، أما الإعراب عن إرادة الدولة فمن اختصاص رئيس الدولة بوصفه الأداة الرئيسية في الإعلان عن إرادتها، ومتى تم ذلك تصبح هذه المسألة في إطار القانون الدولي، سواء كانت هذه الإرادة المعلن عنها تكونت تكوينا صحيحا، أم وقع تكوينها باطلا، ويتميز هذا المذهب بمزايا على الصعيد الدولي والداخلي، فعلى الصعيد الدولي يتماشى مع وجوب احترام قواعد القانون الدولي العام، واستقرار العلاقات الدولية، وعلى الصعيد الداخلي يجنب الدولة تدخل الدول الأخرى للاستقصاء عن الأحكام المتبعة في دستورها في شأن إبرام المعاهدات، هذا بالإضافة إلى أنه من غير المقبول أن تدعي الدولة بأن تصديقها ناقصا غير مستوف للشروط الدستورية في حين كان لها الوقت الكافي قبل التصديق على المعاهدة لاتخاذ احتياطها.
الفقرة الفرعية الثانية: التصديق الناقص يبطل المعاهدة
خلافا للرأي الأول يرى أنصار هذا المذهب، ومنهم شارل روسو الفرنسي، وموريس بوركان البلجيكي، وكارل ستراب الألماني، أن التصديق الناقص يبطل المعاهدة ولا يترتب الأثر القانوني للتصديق، ويستندون في ذلك على أحكام الدستور إذا كانت تقضي بوجوب إشراك البرلمان مع رئيس الدولة في التصديق على المعاهدة، فإذا تجاوز رئيس الدولة اختصاصه، لا يترتب على ذلك نفاذ المعاهدة في الدائرة الدولية فضلا عن التطور الدستوري الحديث الذي يقضي بمشاركة البرلمان مع رئيس الدولة في التصديق على المعاهدات، لأن العبء في النهاية يتحمله مواطنو الدولة، فيجب أن تتم موافقتهم عن طريق ممثليهم، ولكن الإشكال يكمن في أن الأخذ بهذا الرأي قد يؤدي إلى عدم إشراك البرلمان في عدد من المعاهدات التي تتطلب موافقته عليها إذا أرادت السلطة التنفيذية التصديق على المعاهدة وتخوفت من رفض البرلمان، ومن جهة أخرى مادام حسب هذا المذهب التصديق الناقص يبطل نفاذ المعاهدة على المستوى الدولي، يجعل الدولة تلعب هذه الورقة بدون أن تسأل.
الفقرة الفرعية الثالثة: التصديق الناقص عبء تتحمله الدولة استنادا إلى المسؤولية الدولية
من أنصار هذا الرأي، فقهاء المدرسة الإيطالية أنزريلوتي، وكافليرى، وسالفيولي، يرون أن الدولة تتحمل عبء المسؤولية الدولية عن التصرف الصادر عن رئيسها، لأن التصديق الناقص عمل غير مشروع، وبالتالي فالدولة لا تستطيع الإدعاء ببطلان المعاهدة بحجة أن التصديق الذي أجراه رئيسها غير مشروع، وخير تعويض يمكن أن يترتب عن مسؤولية الدولة عن أعمال رئيسها (1) هو إبقاء المعاهدة نافذة ومنتجة لأثرها. ويبدو أن أنصار هذا الاتجاه أرادوا من جهة، أن تلتزم الدولة بالمعاهدة الناقصة التصديق، ومن جهة أخرى اعتبروا التصديق الناقص فعل غير مشروع قام به رئيس الدولة لمخالفته شروط صحة التصديق فهي مسألة داخلية، وما يمكن قوله أن التصديق له وجهان، وجه دولي وهو إعلان الدولة أنها تلتزم أمام الدول الأخرى الأطراف معها في الاتفاقية، فتعمل وفقا لالتزامها بتطبيق وتنفيذ المعاهدة، ووجه داخلي، يؤدي إلى إدماج المعاهدة في القانون الوطني، والسؤال المطروح من يثير مسألة التصديق الناقص، والمادة 132 من الدستور الجزائري تخاطب من ؟
فيما يخص القانون الدولي، فاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969، تمنع الدول استظهار التعبير عن موافقتها عن الالتزام بالمعاهدة أنه قد تم عن خرق لحكم من أحكام قانونها الداخلي المتعلق بالاختصاص بعقد المعاهدات لإبطال موافقتها في المادة 46 منها.
ونفس الشيء نصت عليه كذلك، اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات بين الدول والمنظمات الدولية، أو بين المنظمات الدولية لسنة 1986 في المادة 46 منها كذلك، حيث منعت كل من الدول والمنظمات الدولية في العلاقات الاتفاقية بينها استظهار ذلك.
ماعدا الاستثناء الوارد في الاتفاقيتين المذكورتين في كون خرق الحكم الدستوري بينا يؤدي بأية دولة التصرف في هذا الشأن وفق السلوك العادي وبحسن نية، وينطبق ذلك في العلاقات بين الدول أو بن هذه لأخيرة والمنظمات الدولية (1)، ويتضح أن التصديق الناقص لا يجوز الاستناد إليه لطلب المعاهدة إلا إذا كان العيب الدستوري الذي شاب التصديق عيبا جليا لا يتصور ألا تدركه الدولة التي وجه إليها التصديق، أما إذا كان التصديق ناقصا، ولم تكن المخالفة الدستورية التي عابته من الأمور الواضحة، ففي هذه الحالة يعتبر التصديق الناقص صحيحا، ومنتجا لكافة أثاره في مجال العلاقات الدولية، ومن ثمة، لا يجوز الاستناد إلى كونه ناقصا لطلب إبطال المعاهدة (2)، وما يلاحظ، أن القضاء الدولي استقر على الأخذ بالرأي الأول الذي يغلب المعاهدة سواء كان التصديق عليها ناقصا أو حتى مخالفا للدستور.
أما من الناحية الداخلية، تطرح هذه المسألة إمكانية رقابة القاضي صحة أو مشروعية التصديق، ففي فرنسا ذهب القضاء في أول لأمر إلى جواز بسط رقابته على صحة التصديق أنه قد صدر عن رئيس الجمهورية المختص وفقا للدستور في إبرام المعاهدات، وأن التصديق قد تم بعد الحصول على موافقة البرلمان بالنسبة للمعاهدات التي يتطلب الدستور بالنسبة لها تلك الموافقة، فإذا تبين للقاضي، أن هذا التصديق لم يصدر عن رئيس الجمهورية، أو صدر عنه بدون الحصول على موافقة البرلمان حيث تجب تلك الموافقة، وجب عليه الامتناع عن تطبيق تلك المعاهدة ولكن أحكام النقص الفرنسية الحديثة، وترفض حق المحاكم في الرقابة على صحة أو مشروعية التصديق على المعاهدات.
ويفسر الفقه هذا الموقف على أساس أن البحث في مشروعية التصديق، تدخل من السلطة القضائية في اختصاصات الحكومة فيما يتعلق بإدارة العلاقات الخارجية، وهذا خرق لمبدأ الفصل بين السلطات (3).
أما فيما يخص الجزائر، فغياب الأحكام القضائية في هذه المسألة يصعب من معرفة هل القاضي الجزائري ينظر في تخلف شرط موافقة البرلمان على التصديق.




المطلب الثاني: نشر المعاهدات الدولية
النشر هو إجراء وجوبي بالنسبة للتشريعات الداخلية، فلا يجبر أحد على احترام تشريع لم ينشر بعد، فهو الوسيلة الوحيدة التي يتم من خلالها علم الأفراد بالتشريع (1)، والمبدأ المعروف" لا يعذر أحدا بجهله للقانون"، منصوص عليه في الدستور الجزائري لسنة 1996 في المادة 60 منه، ونصت المادة الرابعة من القانون المدني الجزائري على تطبيق القوانين من يوم نشرها في الجريدة الرسمية، أما الإصدار فما هو إلا إعلان لشهادة ميلاد التشريع، ولا يصبح ملزما للمخاطبين به، إلا بعد نشره في الجريدة الرسمية(2).
وإذا كان الفرد لا يعذر بجهله للقانون، ففي المقابل النشر، هو الذي يحمله مسؤولية من خلال العلم بحقوقه وواجباته المنصوص عليها في قانونه الوطني، وأحكام المعاهدات الدولية التي صادقت عليها دولته، والقاضي لا يطبق إلا النصوص المنشورة، حيث أن الدستور الجزائري لم يتطرق إلى مسألة نشر المعاهدات، ونلاحظ كذلك، أنه ليس هناك ما يجبر الدول من ناحية القانون الدولي نشر المعاهدات الدولية.
الفرع الأول: غياب شرط النشر في الدستور الجزائري
لم يشترط دستور1996 في المادة 132 منه نشر المعاهدات، كما هو منصوص عليه في الدستور المصري في المادة 151 منه، التي نصت على أن المعاهدة لها قوة القانون بعد إبرامها، والتصديق عليها، ونشرها، أو كما جاء في المادة 55 من الدستور الفرنسي، التي اشترطت في سمو المعاهدة على القانون التصديق عليها من طرف رئيس الجمهورية، وبشرط كذلك نشرها إضافة إلى تطبيقها من الطرف الآخر المتعاقد، فهناك إذن شرطين إضافيين، النشر والمعاملة بالمثل مقارنة بما هو منصوص عليه في الدستور الجزائري، في حين أن نص المادة 126 من هذا الأخير تتكلم عن إصدار القوانين من طرف رئيس الجمهورية، وتستعمل كذلك في إصدار القوانين المتضمنة الموافقة البرلمانية على المعاهدة (3)، ولكن لا يؤدي ذلك إلى إدراج المعاهدة، ويبقى النشر بعد التصديق عليها هو الذي يدرج المعاهدة في القانون الداخلي الجزائري، وحسب ما أشار إليه المجلس الدستوري الجزائري في قراره الأول بتاريخ 20 أوت

سنة 1989، عندما أضاف شرط النشر في مسألة سمو المعاهدة على القانون، وكذلك في إدراجها في القانون الداخلي، ومن جهة أخرى، طرح المجلس الدستوري في قراره هذا مسألة التطبيق المباشر للمعاهدة، عندما أشار أنها تخول كل مواطن جزائري أن يتذرع بها أمام الجهات القضائية، ولا تنتج أثرها إلا بعد نشرها، وبالتالي فالتصديق والنشر شرطان أساسيان لإدراج المعاهدة، رغم أن الدستور نص على التصديق فقط. ويبدو أن المجلس الدستوري في قراره هذا، أراد أن يبادر إلى تعديل المادة 132 من الدستور(1)، ولا يمكن نشر كل المعاهدات لأن، الدول من الناحية التطبيقية، لا تنشر بعض المعاهدات، لأسباب سياسية، أو مالية، أو أمنية ولكن المشكل يطرح عند عدم نشر معاهدات تتعلق بقانون الأشخاص، أو تدخل في مجال تشريع البرلمان بصفة عامة، وفي هذا الإطار، صدر المرسوم الفرنسي بتاريخ 14 مارس 1953 المعدل و المتمم في 11 أفريل 1986 يجبر نشر التحفظات، والتصريحات التفسيرية والانسحاب منها، إن انسحبت الدولة من ذلك، مع وجوب نشر النصوص التي تمس بحقوق الأفراد وواجباتهم، وكذلك نشر نقض المعاهدات، ويمنع المحاكم عن تطبيق المعاهدة غير المنشورة وليس هناك مسؤولية الدولة فيما يخص عدم نشر المعاهدة (2).
بالنسبة للجزائر، لأول مرة صادقت بتصريحات تفسيرية على اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، فاستبعدت تطبيق بعض من أحكامها المتعلقة بحرية الطفل في الفكر والدين، الخارجة عن تربية دين أبيه وفقا لقانون الأسرة الجزائري، وأحكام أخرى كذلك من هذه الاتفاقية(3) وتجدر الملاحظة، أن المعاهدة المتحفظ عليها بدون ذكر المواد المتحفظ عليها، خاصة إذا كانت تمس بحقوق الأفراد وواجباتهم لا تسمح للفرد المعرفة الكاملة بحقوقه وواجباته، وحتى القاضي لا يعلم بها إلا عند طلب التفسير (وهو إجباري) من وزارة الخارجية بالنسبة للجزائر.
وليس هناك من الناحية الداخلية، ما يجبر السلطة التنفيذية على نشر المعاهدة، وصلاحية وزير الشؤون الخارجية في نشر المعاهدات الدولية حسب المرسوم الرئاسي لسنة 1990 في المادة السادسة منه، هي مجرد "سعي"، ويبدو أن رئيس الجمهورية هو الذي يعطي إشارة نشر المعاهدة بعد سعي وزير الخارجية.
وفيما يخص المعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان، بالرغم من أن نشرها يبقى ضروري للعلم بها، واستظهارها، وتطبيقها من طرف القاضي، فالاجتهاد القضائي يتجه نحو الأخذ بالمعاهدة المصادق عليها ولو لم تنشر في الجريدة الرسمية، وهذا ما جاء في تقرير تونس إلى لجنة حقوق الإنسان (1)، حيث ذكر التقرير، أنه في حالة علم الفرد بوجود اتفاقية في مجال حقوق الإنسان صادقت عليها تونس.
وتبين من خلال الوثائق الرسمية للأمم المتحدة، أو من خلال إحدى المنظمات الدولية المنضمة إليها تونس، أو أية وسيلة أخرى، عدم نشر تلك الاتفاقية، فالفرد في هذه الحالة يمكنه أن يطالب بتطبيق هذه الاتفاقية أمام القضاء التونسي لضمان حقوقه، وفي هذه الحالة أيضا يعود الأمر لوزير الخارجية ليثبت عكس ذلك، ولا يمكن للإدارة الاعتراض عن ذلك إلا إذا اقتنع القاضي بالطابع السري لأحكام الاتفاقية.
وتجدر الإشارة أنه ليس هناك ما يجبر الدول على نشر المعاهدات من ناحية القانون الدولي.
الفرع الثاني: غياب شرط دولي لنشر المعاهدات على المستوى الداخلي
لم يجبر القانون الدولي على الدول نشر المعاهدات بعد التصديق عليها، وأما ما نصت عليه المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، هو الطلب من الدول تسجيل الاتفاقيات لدى أمانتها لنشرها وفي حالة مخالفة ذلك، لا يمكن لأية دولة إظهار هذه الاتفاقية أمام أحد فروع الأمم المتحدة كمحكمة العدل الدولية، وهذا ما أكدته اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 في المادة 1/80 منها بقولها "تحال المعاهدات بعد نفاذها إلى الأمم المتحدة لتسجيلها، أو حفظها، أو إثباتها في القائمة، تبعا للحالة، أو نشرها ...".
ونفس الشيء كذلك، نصت عليه اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات بين الدول والمنظمات الدولية أو بين المنظمات الدولية لسنة 1986 في المادة 81 منها، والهدف من هذا هو تجنب الدبلوماسية السرية ، واطلاع أمانة الأمم المتحدة على المعاهدات المعقودة بين الـــــدول



ونشرها (1)، ويرجع تسجيل المعاهدات ونشرها، إلى عهد عصبة الأمم، ومنذ عهد الأمم المتحدة تم تسجيل أكثر من 35 ألف اتفاقية، نشر منها أكثر من 30 ألف (2)، ويبقى نشر المعاهدات داخليا الوسيلة الوحيدة للعمل بها وتطبيقها، وفي ظل غياب إلزام دولي للنشر على الصعيد الداخلي، حان الوقت لفتح مناقشة إشكالية النشر على المستوى الدولي (3)، لإجبار الدول على ذلك، أو اشتراط ذلك في نص المعاهدة، خاصة منها، التي تمس بحقوق الأفراد وواجباتهم، أو التي تدخل في القانون الدولي الجنائي، حيث صادقت عليها الدولة ولم تنشرها، في حين أصبحت نافذة على المستوى الدولي، علما أنه لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص.
وتوجد كذلك مسألة التحفظات، والتصريحات التفسيرية، التي أثارتها اللجان المكلفة بمراقبة تنفيذ المعاهدات في مجال حقوق الإنسان، وما يطرح من مشاكل حول مطابقتها وموضوع المعاهدة من جهة، ومن جهة أخرى، قد تعمل من طرف الدول لتجنب تعديل قوانينها الداخلية(4).
الفرع الثالث: نشر المعاهدات في الممارسة الجزائرية
حسب قرار المجلس الدستوري الأول لسنة 1989، فان التصديق وحده لا تدرج بموجبه المعاهدة، ومنه فلابد من نشرها بالجريدة الرسمية، ولكن النشر الناقص يطرح كذلك مشاكل.
ومسألة إدراج المعاهدة في النظام القانوني الداخلي الجزائري يكشف عنها العمل التطبيقي الجزائري من خلال الجريدة الرسمية ولا نتوقف هنا عند الفارق الزمني بين التوقيع على المعاهدة وتاريخ التصديق عليها، وإن كان التعطيل في التصديق عليها يعرقل المعاهدة في دخولها حيز النفاذ على المستوى الدولي لما تتطلبه من عدد معين من التصديقات من جهة ومن جهة أخرى يعطل الإدراج على المستوى الداخلي، وبغض النظر عن بدء نفاذ المعاهدة من تاريخ دخولها حيز التنفيذ على المستوى الدولي، أو من تاريخ تصديق الدولة عليها، ولكن نتطرق إلى مسألة النشر باعتباره يدرج المعاهدة بعد التصديق عليها حسب قرار المجلس الدستوري المذكور.
وتجــدر الإشــارة، فــي مجــال الاتفــاقيات الثنــائية الجــزائرية مــع الـدول، نجـد منـذ 1963 إلــى 1998 صــادقت الجزائـــر علــى 537
اتفاقية، منها ما نشرت نصوصها، وأخرى لم تنشر نصوصها (1)، ولا نتطرق هنا إلى المعاهدات التي ليس لها تأثير على مجال تشريع البرلمان، كاتفاقيات التعاون المالي، أو القروض، أو المعاهدات الخاصة بالمنظمات الدولية، وإنما نركز على المعاهدات المتعددة الأطراف التي صادقت عليها الجزائر، ولم تنشر نصوصها وتدخل في مجال تشريع البرلمان.
ومن خلال الاطلاع على الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف التي صادقت عليها الجزائر، سواء قبل دستور 1989 أو بعده، نجد معاهدات دولية تمت المصادقة عليها ونشرت مع نصوصها، بمعنى وجود مرسوم التصديق والنشر ونص الاتفاقية، ومعاهدات أخرى تمت المصادقة عليها ونشرت نصوصها بعد عدة سنوات من تاريخ ظهور مرسوم التصديق في الجريدة الرسمية، ومعاهدات أخرى تمت المصادقة عليها ولم تنشر نصوصها إلى غاية تحرير هذا البحث. ويهمنا هنا، المعاهدات المصادق عليها ولم تنشر نصوصها إلا بعد مدة زمنية وكذلك المعاهدات المصادق عليها ولم تنشر نصوصها إلى حد الآن، هذه المسألة تطرح مشكلة إدراج المعاهدة (2)، وخاصة أن القاضي لا يطبق إلا النصوص المنشورة، ويبدو أن في الأمر اختيار ما ينشر من معاهدات، وتأجيل أخرى لعدة سنوات، مع السكوت عن نشر أخرى، وهذا العمل التطبيقي يطرح مشاكل أمام القاضي الوطني، فأي تاريخ يعتد به في تطبيق المعاهدة بالنسبة للفرد هل من تاريخ تصديق دولته على المعاهدة، أو من تاريخ نشرها عند تعطيل نشر نصوصها؟
وسنتطرق إلى بعض الأمثلة لتوضيح الرؤية عن كيفية إدراج المعاهدات حسب العمل التطبيقي الجزائري، ومن أمثلة ذلك انضمام الجزائر سنة 1989 (3) إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ظروف المعاملة، أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، المصادق عليها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1984، فنص هذه الاتفاقية لم ينشـر إلا سنة 1997 (4)، وما يلاحظ أن هذه الاتفاقية تمت المصادقة عليها بعد تفتح الجزائر على القانون الدولي بعد دستور1989 ، وفي حين نشر نصوصها تأخر لمدة ثمانية سنوات بعد التصديق عليها، علما أنها تدخل في مجال الحماية الدولية لحقوق الإنسان، والتي تقلص من سيادة الدول في هذا المجال منذ دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ سنة 1987، وتراقب لجنة مناهضة التعذيب الدول في تنفيذ هذه الاتفاقية، ومراقبة التقدم في ذلك، والنظر في التقارير المقدمة من طرف الدول الأطراف بشأن التدابير التي اتخذتها تنفيذا لتعهداتها بمقتضى هذه الاتفاقية، ويجوز للجنة أيضا، أن تفحص معلومات موثوقا بها يبدو لها أن تتضمن أدلة تشير أن تعذيبا ما يمارس على نحو منتظم في أراضي دولة طرف، ولها أن تعين إذا قررت أن هناك ما يبرر ذلك من طرف عضوا أو أكثر من أعضائها لإجراء تحقيق سري، وتقديم تقرير بهذا الشأن إلى اللجنة بصورة مستعجلة (1).
وان انضمام الجزائر سنة 1989 (2) إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الاختياري المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية ، فالنصوص لم تنشر إلا سنة 1997 (3)، وصحيح أن الجزائر دسترت حقا هاما من العهدين الدوليين منذ 1989 يتعلق بحق الإضراب، وحقوقا أخرى من أمثلتها حرية الرأي، وإنشاء الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى حرية التجارة والصناعة، والحق النقابي وغيرها (4).
إلا أن مسألة عدم نشر نصوص العهدين المذكورين والبروتوكول الاختياري المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية لمدة ثمانية سنوات، يؤدي خلال هذه المدة إلى حق المواطن في المطالبة بحقوقه استنادا إلى العهدين وذلك أمام القاضي الوطني، وكذلك الأمر بالنسبة لشكاوي الأفراد الذين يدعون أمام لجنة حقوق الإنسان، أن حقوقهم المعددة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، قد انتهكت بعد استنفاذ كافة الحلول المحلية، وعلى الدولة المعنية فيما بعد، أن تقدم تفسيرات أو بيانات كتابية توضح الأمر والحلول التي قامت بإتباعـها (5).
ومن الأمثلة كذلك، انضمام الجزائر سنة 1992 إلى اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون وكذلك الانضمام في نفس السنة إلى بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفذة في طبقة الأوزون المبرم عام 1978 وإلى تعديلاته بلندن سنة 1990 (1)، حيث أن نصوص هذه الاتفاقية، وهذا البروتوكول، لم تنشر إلا سنة 2000 (2)، في حين التعديل الأخير لهذا البروتوكول بكوبانهجن سنة 1992 الذي صادقت عليه الجزائر سنة 1999 (3)، تم نشره بعد سنة من تاريخ التصديق عليه، وفي الوقت نفسه، مع نشر نصوص الاتفاقية والبروتوكول المذكورين اللذين شهدا تأخرا في النشر مدة ثمانية سنوات، مع العلم أن العدد اللاحق للجريدة الرسمية التي تضمنت هذا النشر، نشر فيه المرسوم التنفيذي المنظم لإفراز الدخان والغاز والغبار والروائح والجسيمات الصلبة في الجو سنة 2000 (4) طبقا لهذه اتفاقية وبروتوكولها، مع الإشارة أن هذا المرسوم التنفيذي جاء متمما لمرسوم سنة 1993 المتضمن تطبيق هذه الاتفاقية وبرتوكولها بعد المصادقة عليهما سنة 1992، بمعنى انه تم نشر المرسوم التنفيذي سنة 1993 المطبق لهذه الاتفاقية وبروتوكولها دون نشر نصوص هذه الاتفاقية وبرتوكولها، وصحيح أن هذه الاتفاقية تنص في المادة الثانية الفقرة الثانية (ب) منها على اتخاذ التدابير التشريعية، أو الإدارية لمراقبة، أو تحديد، أو خفض، أو منع الأنشطة البشرية التي لها آثار ضارة على حدوث تعديل في طبقة الأوزون،
كما نص المرسوم التنفيذي لسنة 2000 على منع استيراد وتصدير المواد المستنفذة لطبقة الأوزون (5)، ولكن نشر نصوص هذه الاتفاقية ضروري لإمكانية التذرع بها أمام القضاء الوطني بعد المصادقة عليها.
فنشر نصوص المعاهدات تمنح الفرصة لإخطار المجلس الدستوري من طرف رئيس المجلس الشعبي الوطني، أو رئيس مجلس الأمة، لاحتمال مخالفة تلك المعاهدات للدستور.
كذلك فان البرلمان لا يشرع قوانين مخالفة لاتفاقية حماية البيئة مثلا، فهي إذا حق من حقوق المواطن أو الإنسان غير القابلة للتصرف، نظرا للطبيعة العالمية للبيئة، فالماء والهواء والفضاء عناصر تعتمد عليها الحياة الإنسانية (1)، بالإضافة إلى أن هذا الحق هو حق الأجيال اللاحقة.
وان مصادقة الجزائر سنة 1976 (2) على الاتفاقية الدولية الخاصة بتبسيط وتنسيق الأنظمة الجمركية وكذلك ملحقاتها بكيوتو سنة 1973 لم تنشر نصوصها، في حين تصديق الجزائر بتحفظ سنة 2000 على بروتوكــول تعديل هذه الاتفاقية المحررة سنة 1999 تم نشره (3).
هذا فيما يخص المعاهدات أو أغلبها المتعددة الأطرف المصادق عليها، وشهدت تأخر في نشر نصوصها.
أما المعاهدات الدولية المصادق عليها والتي لم تنشر نصوصها إلى اليوم نجد اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر سنة 1948 التي انضمت إليها الجزائر سنة 1963، وكذلك انضمام الجزائر في نفس السنة إلى الاتفاقية الخاصة بالرق الموقعة بجنيف سنة 1926 المعدلة بموجب بروتوكولات نيويورك سنة 1953، والاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق الموقعة بجنيف سنة 1956، وكذلك انضمام الجزائر بتحفظ إلى الاتفاقيات الدولية لخطر التجارة بالنساء والأطفال الموقعة بجنيف سنة 1921، والاتفاقية الخاصة بخطر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير الموقعة بنيويورك سنة 1950(4)، وكذلك انضمام الجزائر سنة 1985 إلى الاتفاقية الدولية حول حماية النباتات الموقعة بروما سنة 1951 والمراجعة بقرار رقم 14 سنة 1979 الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة (5)، وكذلك مصادقة الجزائر سنة 1996 (6) علــى اتفــاقية الأمــم المتحــدة لمكــافحة التصحــر فــي البـــلدان الـــتي تـــعاني الجـــفاف الشــديد و التصــحر فـي أفريقيـــا
وعلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 (1)، ومنه فإجراء نشر المعاهدات مهم جدا، خاصة أن هذه الاتفاقية الأخيرة الخاصة بقانون البحار القاضي الوطني يحتاج إلى نصوصها، لما قد يطرح أمامه من نزاعات في استغلال الموارد الحية في المنطقة الاقتصادية مثلا، سيما أنها (الاتفاقية) أقرت حقوقا سيادية وولاية للدولة الساحلية على المنطقة الاقتصادية، لغرض كشف واستغلال مواردها الحية وغير الحية، وكذا الأنشطة الأخرى كإقامة الجزر الاصطناعية وغيرها من المنشآت، وحق الدول غير الشاطئية أو المتضررة جغرافيا في المشاركة، لا يرد إلا على الموارد الحية فقط، إن كان هناك فائض (2)، علما أن اتفاقية قانون البحار لسنة 1982 أسست محكمة دولية لقانون البحار في أكتوبر سنة 1996، مقرها هامبورغ تختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بأعماق البحار.
وكذلك نجد انضمام الجزائر سنة 1989 إلى البروتوكولين الإضافيين إلى اتفاقيات جنيف المعقودة سنة ،1949 والمتعلقين بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة (البروتوكول 01)، والنزاعات المسلحة غير الدولية (البروتوكول 02) لسنة 1977 (3) فالنصوص لم تنشر إلى حد الآن، وتدخل اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين في القانون الدولي الإنساني، فهي من القواعد الآمرة التي لا يجوز مخالفتها، فنصت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 في المادة 60 الفقرة الخامسة أن الأحكــام المتعلقة بحماية الشخص الإنساني والواردة في المعاهدات ذات الطابع الإنساني- وخاصة الأحكام التي تحضر أي شكل من الأشكال الانتقامية من الأشخاص المحميين بمثل هذه المعاهدات- لا يجوز خرقها أو إنهائها، أو تعليق تنفيذها، وتجدر الإشارة أن اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 تنص على اتخاذ إجراء تشريعي لفرض عقوبات جزائية على الأشخاص اللذين يقترفون، أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقيات، وتقديمهم إلى المحاكمة أيا كانت جنسيتهم، وما دام أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، فنشر هذه الاتفاقية ضروري، خصوصا أن قواعد القانون الدولي الإنساني مشمولة بمراقبة ثلاث هيئات دولية هي الدولة الحامية، واللجنة الدولية الإنسانية لتقصي الحقائق، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتقع كذلك على عاتق الدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، وحتى الأشخاص الذين يتحملون مسؤولية أي انتهاك لحقوق الإنسان، في ظل هذا النظام (1)، خصوصا أن الفرد في الوقت الحاضر يشغل قدرا من أحكام القانون الدولي العام، التي ترمي إلى حمايته من تعسف المجتمع البشري الذي هو عضو فيه، وإما إلى حماية هذا المجتمع من بعض تصرفات الفرد التي قد تضر بمصالح الجماعة، فللفرد حقوق وعليه واجبات، تستمد مباشرة من القانون الدولي العام، هذه الحقوق تلزم الدول باحترامها في مواجهة الفرد وواجبات يلتزم الفرد بمراعاتها في مواجهة الدول، وعلى هذا النحو دعا الكثير من الفقهاء إلى اعتبار الفرد شخصا من أشخاص القانون الدولي، بصرف النظر عن جنسيته، وتخاطب قواعد القانون الدولي الأفراد مباشرة في هذا الإطار سواء حكاما للدولة أو محكومين، وأصبح من المقرر جواز خضوع الأفراد لاختصاص قضاء جنائي دولي في حالة ارتكاب جرائم دولية ومساءلته عنها دوليا (2).
وإن كان العمل التطبيقي الجزائري في مجال إدراج المعاهدات، يتميز أحيانا بنشر نصوص المعاهدات مع التصديق عليها، وهنا ليس هناك أي مشكل يطرح، أما عند تخلف نشر نصوص المعاهدات المصادق عليها لعدة سنوات تطرح مشكلة إدراجها خلال الفترة الزمنية التي لم تنشر فيها نصوصها، وكذلك الأمر بالنسبة للمعاهدات التي لم تنشر نصوصها إلى اليوم بالإضافة إلى مشكلة المطالبة بتطبيقها أمام القضاء، لأن القاضي لا يطبق إلا النصوص المنشورة.
وتجدر الإشارة، أنه ابتداء من سنة 1997 لم نعثر على أية اتفاقية دولية في مجال المعاهدات المتعددة الأطراف لم ينشر نصها بعد المصادقة عليها، سواء منها ما يدخل في مجال تشريع البرلمان أو غيرها، ولا يمكن القول أننا دخلنا مرحلة نشر نصوص المعاهدات المصادق عليها، لأن هناك معاهدات تمت المصادقة عليها منذ 1963 وأخرى في سنوات لاحقة ولم تنشر نصوصها إلى اليوم.



المبحث الثاني: مكانة المعاهدات الدولية في النظام القانوني الجزائري
يقصد بمكانة المعاهدات في القانون الداخلي قيمتها ضمن الهرم القانوني الداخلي بعد عملية الإدراج التي غالبا ما ينتج عنها مشكلة تنازع الاتفاقات الدولية مع القانون الوطني، علما بان هاتان المسألتان كثيرا ما عالجتها دساتير الدول ومنها دستور الجمهورية الجزائرية.
وللعلم أن الدولة الجزائرية، ونظرا لتغيير ظروفها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية قد عرفت عدة تعديلات دستورية اختلفت فيها نظرة الجزائر نحو القانون الدولي، وبالأخص للمعاهدات الدولية، إذ عرفت دستور 1963، ودستور 1976، ودستور 1989 وأخيرا دستور 1996، وبالتالي إنه لمن الأهمية بمكان التطرق إلى ما تضمنته الدساتير الجزائرية في هذا المجال.
حيث والحال، فإنه في دراستنا لمكانة المعاهدات الدولية في ظل النظام القانوني الجزائري، سنتعرض أولا إلى القيمة القانونية للمعاهدات الدولية في الدساتير الجزائرية الأربعة ثم علاقة المعاهدات الدولية بالقوانين الداخلية الجزائرية لاسيما منها الدستور والقوانين العادية.
المطلب الأول: القيمة القانونية للمعاهدات الدولية في الدساتير الجزائرية
الفرع الأول: في دستور 1963
سبق وان قلنا أعلاه، أن الجزائر، ونظرا لتغيير ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، عرفت عدة دساتير اختلفت فيها نظرة الدولة الجزائرية نحو المعاهدات الدولية من دستور إلى آخر، حيث أنه في ظل دستور 1963، وإن كان المؤسس الدستوري الجزائري قد نظم عملية إدماج المعاهدات الدولية بموجب التصديق عليها من قبل الهيئات المختصة قانونا بذلك، وهذا ما نصت عليه المادة 42 من دستور 1963، وأسس جهاز أسند له مهمة السهر على دستورية القوانين حسب المادة 64 منه، كذلك فإن ذات الدستور، تجاهل تماما الإشارة إلى الحلول في حالة وجود تعارض بين المعاهدات الدولية والقانون الداخلي الجزائري (1) كما سنوضحه في المطلب الثاني أدناه، ولكن في ظل الدساتير اللاحقة له أي دستور 1976 و1989 و1996، نلاحظ اهتمام المؤسس الدستوري الجزائري بهذه المسالة، إذ بالإضافة إلى معالجته لقضية إدراج المعاهدات الدولية في القانون الوطني الجزائري، نراه قد أوجد الحلول لحالات التنازع، الذي قد يحدث بين الاتفاقات الدولية والقانون الداخلي الجزائري.
الفرع الثاني: في دستور 22 نوفمبر 1976
نصت المادة 159 منه على أن : " المعاهدات التي صادق عليها رئيس الجمهورية طبقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور تكتسب قوة القانون"، فطبقا لهذه المادة المذكورة أعلاه نستنتج أن المؤسس الدستوري الجزائري قد أعطى للمعاهدات الدولية قوة إلزامية تساوي قوة القانون، ولكن الشئ الجدير بالذكر في هذا الصدد، أن المتمعن في نص المادة 159-المشار إليها آنفا- يتبين له أن المعاهدات الدولية لها قوة القانون- التي جاء بها دستور 1976- غامضة وهذا ما جعل الفقه الجزائري يحاول شرح تلك الفكرة.
فيذهب الأستاذ " بجاوي " إلى اعتبار أن عبارة: " المعاهدات تكتسي قوة القانون " يعني أن الاتفاقات المصادق عليها وفقا للدستور تعتبر من يوم تصديقها فصاعدا جزءا من القانون الداخلي (1).
ويرى الأستاذ " بخشي "، أنه في الفترة الممتدة بين 1962 و1976 لم تتجاوز المعاهدة مكانة القانون في أقصى وضع لها(2).
ويرى الأستاذ " بوغزالة "، أن عبارة "المعاهدات تكتسي قوة القانون" تعني أن الدولة الجزائريـة تظل تطبق المعاهدة طيلة الفترة التي تبقى فيها سارية المفعول داخليا (3).
وفي رأينا يقصد بعبارة: " المعاهدة لها قوة القانون"، أنه بعد المصادقة عليها وفقا للإجراءات والشروط المطلوبة دستوريا، تصبح المعاهدة قانونا واجب التطبيق داخليا مثلها مثل القانون العادي، دون حاجة لصدوق تشريع خاص، وبالتالي تصبح واجبة الاحترام من جانب كافة سلطات الدولة بما فيها السلطات القضائية، ونافذة كذلك في حق الأفراد.





الفرع الثالث: في دستور 1989 ودستور 1996
من خلال نص المادة 132 من دستور 1996- التي وردت بصورة حرفية لنص المادة 123 من دستور 1989- والتي نصت على: " المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون ".
ومن خلال نص هذه المادة، نجد أن دستور 1996 أوضح سمو المعاهدات على القوانين العادية، أي أنها تحتل المرتبة الأسمى من هذه الأخيرة في الهرم القانوني للدولة الجزائرية ويتولد عن هذا النص نتائج أساسية هي كالتالي:
1 ـ أن المعاهدات الدولية تعتبر نافذة مباشرة داخل الجزائر بمجرد التصديق عليها من طرف رئيس الجمهورية، وبإمكان أي متقاضي استظهارها أمام الجهات القضائية الجزائرية.
2 ـ أن المعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون العادي، في حين كانت المعاهدات المصادق عليها من طرف رئيس الجمهورية في ظل دستور 1976 تكتسب قوة القانون العادي فقط، أي تعامل والقانون الوطني العادي على قدم المساواة من حيث قوتها القانونية، وهذا ما يستفاد من نص المادة 59 منه والتي تنص على أن : " المعاهدات التي صادق عليها رئيس الجمهورية طبقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور تكتسب قوة القانون ".
والجدير بالذكر، أن دستور 1996 قد تجنب التناقض والصعوبات التي كان يعرفها دستور 1976، إذ أن نص المادة 159 منه تسوي بين القانون الداخلي والمعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل رئيس الجمهورية. في حين يلاحظ أن كل من القانون المدني في مادته 21 التي تنص على:" لا تسري أحكام المواد السابقة إلا حيث لا يوجد نص على خلاف ذلك في قانون خاص أو معاهدة دولية نافذة في الجزائر"، وقانون الجنسية في مادته الأولى والتي تنص على: " تحدد الشروط الضرورية للتمتع بالجنسية الجزائرية بموجب القانون وعند الاقتضاء بواسطة المعاهدات ولاتفاقات الدولية التي يصادق عليها ويتم نشرها "، يقضيان بسمو أحكام المعاهدات الدولية على القانون الداخلي، هذا من جهة، و من جهة أخرى، فان الإقرار بسمو المعاهدات الدولية يقضي على حالة تناقض القانون الداخلي اللاحق للمعاهدات التي يتعارض معها، والتي قد يتولد عنها صعوبات ذات طابع دولي يؤثر على العلاقات الدولية، إذ أن أمر تعطيل تطبيق أحكام المعاهدات المخالفة لنص القانون الداخلي اللاحق، قد يعرض الدولة الجزائرية التي صادقة عليها، إلى المسؤولية الدولية، ولعل ما يؤكد قناعة المؤسس الدستوري الجزائري بصفة جد واضحة لمبدأ سمو المعاهدات الدولية المصادق عليها على القانون العادي الوطني، هو إلغاؤه للاستثناء الذي أتت به المادة 17 من دستور 1976 في فقرتها الأخيرة، التي نصت على أن: " لا يجوز معارضة إجراء نزع الملكية للصالح العام بحجة أي اتفاقية دولية " ويفهم من هذه الفقرة أن أية اتفاقية كانت، تصبح غير قابلة للتطبيق إذا تعارضت مع القانون الداخلي الجزائري إذا كان يتضمن نزع الملكية للصالح العام، سواء كانت تلك المعاهدة سابقة أو لاحقة لهذا القانون.
فبالرغم من أن هذا الاستثناء كان ممكن الاحتفاظ به تحت غطاء تكريس مبدأ قانوني دولي أساسي ألا وهو: " مبدأ السيادة الدائمة على الموارد والثروات الطبيعية للدول "، والذي كرسه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1803 المؤرخ في 17 ديسمبر 1962، إلا أن المؤسس الدستوري الجزائري نراه قد أغفل هذا الاستثناء في دستور 1996، حيث تغاض عنه واكتفى بتقرير تعويض قبلي عادل ومنصف في حالة نزع الملكية للصالح العام، وهو ما يفهم من نص المادة 20 منه، والتي جاءت ثانية بصورة حرفية للمادة 20 من دستور 1989، حيث نصت على: " لا يتم نزع الملكية إلا في إطار القانون ويترتب عليه تعويض قبلي عادل ومنصف "، وربما هذا كان نتيجة اعتقاد المؤسس الدستوري الجزائري بأن ذات النص يعتبر خرقا لأحكام القانون الدولي وعدم انسجام القانون الداخلي مع ما يطلبه القانون الدولي، كما أن وجوده قد يؤدي إلى تخوف الدول المتعاقدة مع الجزائر من لجوء هذه الأخيرة لتطبيق النص.
المطلب الثاني: علاقة المعاهدات الدولية بالقوانين الداخلية الجزائرية
الفرع الأول: علاقة المعاهدة بالدستور
سنعالج هذا الفرع من خلال ما تضمنته الدساتير الأربعة الجزائرية، لاسيما منها دستور 1963 و1976 و1989 وأخيرا دستور 1996.
الفقرة الفرعية الأولى: دستور 1963
لا نجد في هذا الدستور نصوص بشكل واضح تخص معالجته للمعاهدات الدولية المتعارضة معه، أو حتى موقف الدستور من المعاهدات غير الدستورية، وهذا راجع للفترة القصيرة التي أعد فيها هذا الدستور، حيث تم تحضيره من طرف المكتب السياسي للحزب بعيدا عن المجلس الوطني التأسيسي الذي كلف بإعداده.
ففي ضوء هذا الصراع بين الحزب والحكومة، صدر الدستور بصفة استعجاليه مكرسا هيمنة الحزب وقيادة الأركان للجيش الذي يعتبر ثمرة صراع سياسي صرف، وهو ما تعكسه الفقرة 13، 14من ديباجة دستور 1963.
ونتيجة لهذه الخاصية التي جعلت الحزب يسيطر على الحياة السياسية في البلاد ويراقب الحكومة والسلطة التشريعية (1)، فإن الدستور لم ينظم علاقة المعاهدة به، ولا مشاركة الشعب في مجال المعاهدات، واقتصرت المعالجة على كيفية تعديل الدستور في المواد بين 71 ـ 74.
وبالرجوع إلى نص المادة 63 من دستور 1963 نجدها قد نصت على دستورية القوانين والسؤال المطروح هنا هو: هل يقصد المؤسس الدستوري أن تشمل رقابة دستورية المعاهدات ؟ أم أنه اكتفى بالمعنى اللفظي الوارد في المادة وهو دستورية القوانين والأوامر فقط ؟
والحقيقة، أن اعتماد التفسير الموسع-حسب رأي الأستاذ محيو- يمكننا من الوصول إلى اعتبار كلمة "دستورية القوانين" يجوز أن تمتد إلى المعاهدات الدولية، ولكن يعاب على هذا التفسير أنه لو اكتفى المؤسس الدستوري بهذا التأكيد لأمكن القول بأنها تشمل دستورية المعاهدات والأوامر وكل ما خص المجال التنظيمي، لكن استخدام المؤسس الدستوري "الأوامر التشريعية" يبين لنا بوضوح بأنه قد اقتصر على رقابة دستورية القوانين والأوامر فقـط ولم تـمتد إلى دسـتورية المعاهدات (2)، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على سمو المعاهدات الدولية على الدستور- حسب رأي الأستاذ محيو-.
الفقرة الفرعية الثانية: في دستور 1976
نصت المادة 160 من دستور 1976 على أنه: " إذا حصل تناقض بين أحكام المعاهدة أو جزء منها والدستور لا يؤذن بالمصادقة عليها إلا بتعديل الدستور "، والسؤال الذي يطرح هنا هو : لمن يوجه خطاب "لا يؤذن بالمصادقة عليها" ؟ فهل نحن هنا أمام المجلس الوطني أو أمام رئيس الجمهورية ؟
الراجح أننا أمام رئيس الجمهورية لارتباط هذا الإشكال بالتصديق، ولذلك ولتلافي هذا الإشكال، كان من المفروض أن المادة تكون أكثر دقة في صياغتها فتؤكد على العبارة التالية أو ما يحل محلها: "لا يصادق عليها رئيس الجمهورية" ،وبذلك يتضح مضمون المادة.
وإذا تبين تعارض المعاهدة مع الدستور، فالمؤسس الدستوري احتاط لما يمكن أن يصادفه مستقبلا من معاهدات غير دستورية، فنكون بذلك أمام أحد الحلين، إما المصادقة على المعاهدة وتعديل الدستور، أو عدم المصادقة عليها.
وإذا فضل رئيس الجمهورية الالتزام بالمعاهدة، فلابد من تعديل الدستور ويبدو أن هذا الحل مقبولا، لأن المؤسس الدستوري أراد تلافي إمكانية التعارض المحتمل بين المعاهدة والدستور، ولكن الحل السلبي بعدم تبني المعاهدة - وإن كان يتعارض مع مبدأ سمو أحكام القانون الدولي في المجال الداخلي حسب مدرسة الوحدة مع سمو القانون الدولي- يمكن اعتبار المادة 160 كحاجز لعدم إدخال المعاهدات المتعارضة مع الدستور و شل كل أثارها في القانون الداخلي، وهذا الحل تبناه المؤسس الدستوري الفرنسي لسنة 1946، والذي تبناه كذلك المؤسس الدستوري الجزائري نقلا عنه في دستور 1976 (1).
وبربط المادة 160 من دستور 1976 بالمادة 159 من دستور 1976، تبين لنا انعدام وجود انسجام بين المادتين، فالملاحظ أن الصياغة التي جاءت بها المادة 159 غير دقيقة لأنها ربطت بين فعلين مختلفين من حيث الخطاب زمنيا، فهذه المادة تتكلم على المعاهدات التي صادق عليها رئيس الجمهورية، وكأن المعنى ينصرف إلى معاهدات سابقة وفي فترة سابقة توحي بوجود فاصل زمني بين العملين، بحكم أن المادة حاولت أن تبين أن المعاهدات التي صادق عليها رئيس الجمهورية في الماضي القريب أو البعيد لها قوة القانون، وكأن الاعتراف قد جاء مقرا لها بمكانة القانون ولم ينصرف القصد إلى الربط بين المصادقة والمكانة، ذلك أن مكانة المعاهدة مرتبطة بالتصديق عليها، و الذي تم في الماضي، أو المعاهدات التي سيصادق عليا الرئيس في المستقبل.
وإذا كانت المادة 159 تجعل المعاهدات الدولية لها مكانة القانون، فالمعاهدة المتعارضة مع الدستور لا تتمتع بأية مكانة نتيجة لعدم دستوريتها، اللهم إلا إذا لم يكشف عن العيب الذي يعتريها، ومن هنا يبدو لنا أن هناك اختلافا بينا مفاده طالما تتمتع المعاهدات بمكانة القانون فلا يمكنها أن تتعارض مع الدستور بحكم سمو هذا الأخير عليها2، وهذا الحل واجب الإتباع في كل الأحوال حسب ما تقتضيه نصوص القانون الداخلي في كل الدول تقريبا ماعدا هولندا.
وطالما الوضع كذلك، فصياغة المادة ما كان يمكن أن تتم بهذا الشكل، لأن الفرضية التي تطرحها تمس جانبا جزئيا، وهو أن المعاهدة المتعارضة مع الدستور لا يجري إدخالها في المجال الداخلي، وهذا النص يتعارض مع اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 خاصة في مادتيها 27، 46.
وخلاصة ذلك، أن الحل الذي جاءت به المادة 27 من اتفاقية فيينا، يأتي بعد إبرام الدولة للمعاهدة ثم يتضح أن إبرامها كان مخالفا للدستور، وهذا النص لا وجود لمثله في القانون الداخلي الجزائري لاسيما في دستور 1976، كونه اقتصر على معالجة التعارض قبل إبرام المعاهدة، ولم يتعرض إلى التعارض اللاحق الذي قد يؤدي إلى تعديل الدستور، وتبقى المعاهدة سارية المفعول إذا لم يتم الكشف عن التعارض وقت إبرامها، وهذا التنظيم يختلف تماما مع ما جاءت به اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، التي عالجت التعارض بين القانون الداخلي والمعاهدة أثناء فترة إبرامها، وكذلك في الفترة اللاحقة على ذلك.
ويرى "الأستاذ بجاوي" أن الحل الوارد في المادة 160 من دستور 1976 منطقي فالمشرع إذا أراد تبني المعاهدة لابد له من تصرف مزدوج، وذلك بالمبادرة بتعديل الدستور، ثم موافقة البرلمان على المعاهدة (1).
والمفروض أن نص المادة 160 لا يخص كل المعاهدات، فهو يتعلق بمعاهدات معينة ذات أهمية بالنسبة للبلاد، ولكن هذا البعد لم توضحه المادة، لان النص- حسب صياغته- ينطبق على كل معاهدة أرادت الجزائر تبنيها مهما كانت نوعيتها، فلا يعقل أن يقوم المشرع بتعديل الدستور بغية تبني معاهدة غير ذات أهمية، لذا تبدو عدم منطقية هذا النص:
1 ـ من ناحية بعده الذي لم يحدده الدستور.
2 ـ إذا كثر اللجوء إلى تعديل الدستور في كل مرة يتعارض فيها مع معاهدة دولية، يصبح الدستور في مهب الريح.
وهذا الأسلوب يوقف على الاتجاه الذي تعتمده السلطة التنفيذية، لكن من الواضح أن هذه المسألة نظرية أكثر منها عملية، لأنه لم يحدث طيلة فترة تطبيق دستور 1976 أن تم اللجوء إلى تعديل أحكامه تحت طائلة تبني معاهدة دولية، رغم التعديلات الثلاثة التي عرفها من خلال سنوات (1979، 1980، 1988).
والسؤال الذي يمكن طرحه في هذا المجال هو: كيف يمكن حل التعارض بين المعاهدة والدستور في ظل غياب جهاز مختص بالرقابة الدستورية ؟
وأمام هذا الإشكال اقترح "الأستاذ بجاوي" الحلين التاليين:
1 ـ إما الطعن أمام المجس الأعلى في مرسوم التصديق، لان الدستور يؤهله للقيام بالطعون ضد الأعمال التنظيمية استنادا لنص المادة 178 من دستور 1976.
2 ـ أو الطعن أمام الجهات العليا للحزب المكلفة بالرقابة السياسية على الأجهزة التشريعية والتنفيذية التي يمكنها معرفة دستورية التصديق من عدمه (1).
وبحسب "الأستاذ بوغزالة" أن هذا الطرح لا يسمح بإيجاد حل للمسألة المعروضة، حيث يمكن توضيح ذلك بشكل جلي على النحو التالي:
ـ الحل الذي نادى به "الأستاذ بجاوي" لا يمكن التسليم به بحكم انه لا يوجد جهاز بذاته يسند إليه دستوريا مهمة حل النزاع القائم في ظل غياب نص دستوري يحدد الجهاز الذي يمكنه القيام بالرقابة على الدستورية، مع تحديد القواعد القانونية التي تنظم دور هذا الجهاز، ثم أن القاضي لم يقم أبدا بهذا الدور، وهذا دليل كاف لعدم قبول وجهة نظر بجاوي.
وحتى في ظل إسناد المهمة للقاضي لتقدير شرعية المراسيم العادية الصادر عن رئيس الجمهورية، فإن لم يتجرأ على القيام بها، والدليل على ذلك لم يصدر أي حكم عن المجلس الأعلى حول شرعية المراسيم.وإذا كان الأمر على هذا النحو بالنسبة للمراسيم، فما بالك بالنسبة للمعاهدات الدولية ذاتها، ويضيف "الأستاذ بوغزالة" أنه حتى ولو فرضنا بأن المجلس الأعلى دعي للفصل في مرسوم تصديق معاهدة وليس المعاهدة ذاتها بشكل غير دستوري، فإن هذا الطعن يكون غير مقبول استنادا لنظرية أعمال السيادة.
ـ أما عن الحل الثاني الخاص بالأجهزة العليا للحزب فهو ذو طبيعة سياسية لا يمكن اللجوء إليه في معالجة قانونية للموضوع، لأنه لا يمكن اعتبار الحل الصادر عن هذه الجهات أنه يتماشى مع روح الدستور، وهذا النوع من الرقابة السياسية يمكن أن يكون قبل التصديق على المعاهدة المتعارضة مع الدستور.


الفقرة الفرعية الثالثة: في دستور 1989 ودستور 1996
يبدو أن المؤسس الدستوري الجزائري تنبه للنقص الذي اعترى الدساتير السابقة وخاصة دستور 1963، لكونه تدخل موضحا العلاقة بين المعاهدة والدستور والقانون، وفضلا عن ذلك إحداث قاضي دستوري مقدر لتلك العلاقة، حيث عالجته المادة 153 من دستور 1989 والتي تقابلها المادة 163 من دستور 1996، وقد نصت هذه الأخيرة على : " يؤسس مجلس دستوري يكلف بالسهر على احترام الدستور.
كما يسهر المجلس الدستوري على صحة عمليات الاستفتاء، وانتخاب رئيس الجمهورية والانتخابات التشريعية ويعلن نتائج هذه العمليات ".
وحسب "الأستاذ أحمد محيو" فإن: كل من دستور 1989 ودستور 1996 قد هجرا الحل الذي اعتمده دستور 1976 المتعلق بعدم المصادقة على المعاهدة المتعارضة مع الدستور إلا بعد تعديل هذا الأخير (1).
وبحسب تقديرنا، فإن هذا الحل نظري، فما الذي يمنع المؤسس الدستوري من اللجوء إلى نفس الحل إذا ما أراد تبني معاهدة متعارضة مع الدستور.
لكن الإشكالية التي تبقى مثارة متمثلة في طبيعة الحل القانوني إذا ما وجد تعارض بين أحكام المعاهدة أو جزء منها مع الدستور؟
ويرى بعض الفقهاء كالأستاذ الدكتور "عبد المجيد جبار" أن مثل هذه الحالة لا تقع للأسباب التالية:
ـ كون رئيس الجمهورية هو حامي الدستور من جهة، وحجر الزاوية في عملية إدماج المعاهدة الدولية في المجال الوطني لدولته من جهة أخرى، الشيء الذي يجعله يعمل كل ما في وسعه من أجل تجنب ذات المشكلة (2)، لكن مهما يكن من الأمر، فإنه - وبحسب اعتقادنا- أن مثل هذا التعارض قد يحدث، ومنه كيف سيعالجه المؤسس الدستوري الجزائري خاصة وأن الجزائر عرفت عدة دساتير متباينة النظرة تجاه القانون الدولي ؟
- إذا تحتل المعاهدات الدولية مكان وسطي بين الدستور والقانون، فهي دون الدستور وفوق القانون، ويبدو أن هذا الشيء طبيعي وناتج عن مبدأ أن الدستور يعتبر القانون الأساسي للجمهورية الجزائرية، ويتمتع بمنزلة أعلى من منزلة المعاهدات الدولية والقوانين العادية ولا يسري عليه ما يسري عليهما، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ناتج عن مبدأ سمو الدستور وتدرج القواعد القانونية، وبالتالي لا يجوز للمجلس الدستوري أن يوافق على تصديق معاهدات تتعارض والدستور، وهذا مرتبط بأن المؤسس الدستوري الجزائري يريد أن يلفت النظر إلى أن لكل شيء حدودا، واستقبال المعاهدة في نظامنا القانوني الداخلي لا يجب أن تنهار أمامه كل الحواجز على وجه الإطلاق، وبهذا الموقف، يكون المؤسس الدستوري الجزائري، قد حذا حذو كافة المؤسسين الدستوريين لأغلب دول العالم مثل : فرنسا، ومصر...، وغيرها من البلدان، وتجدر الإشارة إلى أنه لا توجد سوى دولة واحدة في العالم تقرر صراحة في دستورها مبدأ سمو المعاهدة على الدستور وهي هولندا (1).
الفرع الثاني: علاقة المعاهدة بالقوانين العادية
إن رقابة المجلس الدستوري لا تكمن فقط في دستورية أو عدم دستورية معاهدة ما، بل تتعدى ذلك، لأن الغرض من تأسيس مجلس دستوري هو البحث عن الاستقرار في النظام القانوني لأية دولة، لأن تعارض وتصادم القوانين قد يؤثر سلبا على سيادة الدولة، لهذا الغرض وجد المجلس الدستوري، وإن مبدأ تدرج القوانين، وباعتبار أن المعاهدة تتوسط بين الدستور والقانون، ذلك، يستلزم عند صياغة قانون ما، أن يراعى عدم مخالفته للدستور، ونفس الشيء بالنسبة إلى للمعاهدات التي صادق عليها رئيس الجمهورية.
إن المجلس الدستوري أسس من أجل السهر على احترام الدستور طبقا لنص المادة 163 من دستور 1996 (2) باعتبار الدستور القانون الأساسي، فالمواضيع الأولى المتعلقة باختصاصات المجلس الدستوري، قد تم تناولها بنوع من التفصيل أعلاه، وقد تكون النصوص التنظيمية والتشريعية مخالفة لأحكام الدستور، ومن المحتمل جدا أن تكون مخالفة لأحكام معاهدة دولية قد تم التصديق عليها حيث تعتبر امتداد للنظام القانوني لهذه الدولة، خاصة إذا كانت المعاهدة تنظم نفس الموضوع، و قسم منه قد تناوله النص التشريعي أو التنظيمي، وعليه، فتأسيس عمل المجلس الدستوري، يؤسس في هذه الحالة، على اعتبار أن النص التشريعي والتنظيمي غير مطابق للدستور وبذلك يتعارض مع نصوص المعاهدة الدولية المصادق عليها من قبل السلطات

المختصة.
و بالرجوع إلى عمل المجلس الدستوري (1) نجد أن هذا الأخير رغم حداثته كمؤسسة من المؤسسات التي أوكلت إليها مهمة الرقابة والسهر على احترام الدستور،ويتجسد ذلك من خلال قراره الصادر بشأن عدم مطابقة المادتين 86، والمادة 108 (2)، من لقانون الانتخابات لسنة 1989 اللتان تشترطان الجنسية الأصلية لزوج رئيس الجمهورية وزوج نائب بالمجلس الشعبي الوطني، وعند تناوله لهذا الموضوع، رأى المجلس الدستوري أن المادتين مخالفتين لنص المادة 28 من دستور1989، ومخالفة لنصوص مواد من اتفاقية دولية تمت المصادقة عليها من قبل السلطات المختصة، حيث أن التصديق يجعل هذه المعاهدة ملزمة للدولة التي صـادقت عـليها والعكس غير صحيح (3)، وباعتبار أن المعاهدة بعد التصديق عليها تدخل ضمن النظام القانون لتلك الدولة.
ويتضح لنا من قرار المجلس الدستوري أنه أضاف إلى شرط التصديق شرطا آخر لا يقل أهمية عن الشرط الأول هو النشر، فتصدر المعاهدة بعد التصديق عليها في الجريدة الرسمية للدولة الجزائرية، وبالتالي يستطيع أي مواطن جزائري أن يتمسك بالمعاهدة أمام القاضي الوطني، وعليه فإن مجرد التصديق على المعاهدة ونشرها في الجريدة الرسمية تكتسب المعاهدة القوة الإلزامية التي تكتسبها القوانين الداخلية، وما على القاضي الوطني إلا تطبيق المعاهدة متى تمسك بها أطراف الدعوى.
وبالرجوع إلى قرار المجلس الدستوري والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر المتعلقة بحقوق الإنسان، نجده قد ذكر في القرار، أن هذه المواد من قانون الانتخابات السالفة الذكر مخالفة لنص المادة 28 من دستور1989، ومخالفة للمعاهدة دولية المبرمة(معاهدة حقوق الإنسان)، دون تحديد ما هي المواد من المعاهدة التي خالفتها هذه النصوص، ويمكن تفسير ذلك بأن المجلس الدستوري ينظر إلى المعاهدة ككتلة واحدة.
وبالرجوع إلى أحكام المعاهدة، و الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (1)، نجد أن المادتين- السالفتي الذكر- قد خالفتا المادة الثالثة من هاته المعاهدة التي تنص على:
" الناس سواسية أمام القانون.
لكل فرد الحق في حماية متساوية أمام القانون."
ويتضح لنا من خلال قراءتنا للمادة الثالثة مـن الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (2)،والتي ذكرت أن جميع المواطنين متساوين أمام القانون، سواء كانوا من جنسية أصلية أو مكتسبة.
وما أقره المجلس الدستوري يعد سابقة أولى في الجزائر، عند إقراره أن نص المادتين 86 و 108 من قانون الانتخابات مخالفتين لأحكام المعاهدة الدولية، ، ولقد أعطى بقراره هذا تطبيقا لنص المادة 123 من دستور 1989، بحيث أن المعاهدة التي يصادق عليها رئيس الجمهورية تسمو على القانون، ذلك أن التشريع إذا كان مخالفا لأحكام المعاهدة الدولية إذا كانا ينظمان نفس الموضوع، وإذا كانت هذه المعاهدة قد تم التصديق عليها و نشرها في الجريدة الرسمية، قد دخلت حيز النفاذ بعد استكمال شرط التصديق على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وهذا ما جعل المجلس الدستوري يفصل بعدم مطابقة نص المادتين 86/108 من قانون الانتخابات للمادة 28 من الدستور، وكذلك عدم مطابقة المادتين للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (3)، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، ذلك أن المجلس الدستوري في قراره لسنة 1989 قد أثبت وعلل عدم مطابقة المادتين السابقتين للدستور والمعاهدة الدولية، حيث جاء في الفقرة الثانية عشر من القرار : "... ونصل لكون أي اتفاقية بعد المصادقة عليها ونشرها تندرج ضمن القانون الوطني وتكتسب بموجب المادة 123 من الدستور سلطة السمو على القوانين" (4).
ومن خلال قراءتنا لرأي المجلس الدستوري وطبقا لنص المادة 159 من دستور 1989 والتي تعطي الحجية المطلقة لقرارات و آراء المجلس الدستوري بعد نشرها في الجريدة الرسمية
وذلك ما لم يتعرض الدستور للتعديل، فإن مثل هذا القرار هو تأكيد من المشرع الجزائري للأهمية التي يوليها للمعاهدات الدولية، فاليوم هي تسمو على القوانين وقد تصبح في المستقبل تسمو على الدستور وذلك بعد التطور الذي عرفته الجماعة الدولية.
من خلال استقراءنا لقرار المجلس الدستوري السالف الذكر، بشأن مطابقة القانون المتعلق بالانتخابات للدستور وللمعاهدات الدولية، وباعتبار أن قرارات وآراء المجلس الدستوري حسب نص المادة 159 من دستور 1989 التي تنص على : "إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري يفقد هذا النص أثره ابتداء من يوم قرار المجلس"، و بالنظر إلى تمتع قرارات وآراء المجلس الدستوري للحجية، سوف يتم إلغاء تلك المادتين من قانون الانتخابات،المخالفتان لنص المعاهدة السالفة الذكر.
الفقرة الفرعية الأولى: رقابة المجلس الدستوري لمطابقة القانون للمعاهدة
ليس عبثا في بادئ الأمر التذكير بأن المجلس الدستوري مكلف "بالسهر على احترام الدستور" (المادة 153)، وكنتيجة لهذا، فإنه يتولى الفصل في دستورية المعاهدات (المادة 155) لذا يتجلى بوضوح أن نصه المرجعي هو الدستور وليس القانون الدولي أو المعاهدات، وبناءا على هذا كله وفي حالة تعارض معاهدة مع الدستور، فسيكون مجبرا بالنطق بعدم دستورية الأولى وليس بعدم مشروعية الثاني، وما على رئيس الدولة الذي "يقرر السياسة الخارجية" و"يبرم المعاهدات الدولية ويصادق عليها" (المادة 47) إلا أن يبادر في هذه الحالة بإجراء تعديل دستوري قصد التوفيق بين الدستور والمعاهدة (المادتان 163 و164).
وبالإضافة إلى اختصاص المجلس الدستوري النوعي المذكور أعلاه والمتعلق بمراقبة مطابقة المعاهدات بالنظر إلى الدستور، فإن المجلس - وكما سبقت الإشارة إلى ذلك- منح نفسه أيضا حق مراقبة القوانين المخالفة للمعاهدات، ومع العلم دائما أن الدستور لم يقض قط بذلك أي أنه لم يخول هذا الاختصاص بصريح العبارة.
تأسيسا على هذا، يمكن بسهولة اعتبار هذا الحل بالمفاجئ، بل وأكثر من هذا، فإن المفاجأة تنقلت إلى دهشة وإذهال حينما نعلم أنه جاء متناقضا وخلافا للحل الذي اعتمده المجلس الدستوري الفرنسي في قراره المؤرخ في 15 جانفي 1975، والذي من خلاله رفض بصفة قطيعة مراقبة مطابقة القوانين بالنظر إلى المعاهدات، بالإضافة إلى هذا، فإن هذا الحل كذلك، و لأول مرة يعكس جرأة وجسارة لا نجدهما عند القضاة العاديون، وفضلا عن كل هذا، يمكن أيضا تكييف هذا الحل بالقطيعة مع الاختيارات والحلول الفرنسية التي اعتدنا وجودها مكرسة من قبل كل هيئاتنا الوطنية (المؤسس الدستوري، المجل الشعبي الوطني، الإدارة والمحاكم).
لذا وحتى يتسنى لنا القياس و بالتدقيق جرأة وجسارة المجلس الدستوري الجزائري، وفي ذات الوقت قوة هذا الحل وصلابته، معتمدين في ذلك، ليس على أسا نوع من الإرادة أو الارتجال اللذين كثيرا ما نلبسها ونلصقها بالعقول المغامرة والمجازفة، ولكن تأسيسا على أسانيد قانونية وتطبيقية، سنقوم في البداية وبصفة مقتضبة دراسة الحل الذي أتبعه القاضي الدستوري الفرنسي، وبعد سنحلل موقف المجلس الدستوري .
• اختصاص المجلس الدستوري الجزائري برقابة مطابقة القوانين للمعاهدات الدولية
لابد من الإشارة في البداية أن المجلس الدستوري الجزائري عندما أخطر من طرف رئيس الدولة، لم يكن مطالبا للنطق بدستورية قانون الانتخابات بالاعتماد على المعاهدات الموافق والمصادق عليها من طرف الجزائر، بمعنى أنه لم يطالب بالفصل في دستورية هذا القانون سوى بالنظر إلى الدستور بوصفه النص المرجعي الوحيد، وبهذا المفهوم يتجلى بأن المجلس لم يتعرض لهذه المسألة إلا بصفة عارضة، فضلا عن هذا، لم يكن تماما منتظرا أن يبت في قضية ساخنة مثل هذه كانت سبب جدال كبير في فرنسا.
أولا: تحليل موقف المجلس الدستوري
يجب الملاحظة في البداية أن المجلس عندما أخطر على أساس المادة 155، التي تمنحه صلاحية الفصل في دستورية المعاهدات والقوانين واللوائح، لم يقم في أول الأمر سوى بممارسة اختصا نوعي أعطاه إياه المؤسس الدستوري.
إلا أنه عند تعرضه للبحث في دستورية المادة 86 من قانون الانتخابات المتعلقة بالشـــروط الواجب توافرها في المنتخبين للعضوية في المجلس الشعبي الوطني، ذهـب إلى إقامة مواجهة بين هذه المادة وبعض المعاهدات التي أبرمتها الجزائر (1).
وتبعا لهذا يستنتج في البداية أن المجلس لم يقم بهذه المواجهة إلا "كتبرير إضافي" استخدمه لتأكيد تبريره الأول المتمثل في النطق بعدم دستورية المادة المذكورة بالاعتماد على المادتين 27 و47 من الدستور من جهة، وقانون الجنسية من جهة أخرى (1)، وبفعله هذا، يكون في الحقيقة قد بت في أمر اختصاصه المرتبط بصلاحيته في النطق بدستورية القوانين، بالنظر إلى المعاهدات، هذا وللوصول إلى هذه النتيجة، قدم المجلس تحليلا بسيطا ولكنه مقنع استطاع من خلاله الحفاظ على مبدأ سمو المعاهدات الدولية على القوانين العادية.
حيث انه في بادئ الأمر، قام بتحديد الإجراءات اللازم إتباعها (المصادقة والنشر) لإدراج معاهدة ضمن القانون الوضعي (2)، بعدها وبالاستناد إلى المادة 123التي تكرس مبدأ سمو المعاهدات على القوانين، استخلص نتيجته الأولى المتمثلة في أن "كل مواطن جزائري (يستطيع) أن يتذرع (بأية اتفاقية) أمام الجهات القضائية"، وينتهي في الأخير بالتصريح على أن مواثيق الأمم المتحدة والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان، "تمنع منعا صريحا كل تمييز مهما كان نوعه"، وتأسيسا على كل هذا، نطق بعدم دستورية المادة 86 من قانون الانتخابات.
من خلال هذا المسار، يمكن تحديد المحطات القوية لهذا التحليل، ولعل أول ما يجب الإشارة إليه هو تأكيده على مبدأ سمو المعاهدات على القوانين، وقد يبدو لأول وهلة أن هذا التأكيد تمثيل لكلام حشو وكلام إضافي مادام أن المؤسس الدستوري قد نص على ذلك بصريح العبارة، وفي الحقيقة، أن المراد من وراء ذلك ليس تكرار ما ورد في الدستور، وإنما كان الهدف منه الدفع بما جاء به المجلس الدستوري الفرنسي، الذي صرح بأن: " إذا كان هناك قانونا مخالفا لمعاهدة لا يمكن اعتباره مخالفا الدستور".
ومنه نتساءل هنا عن الأسباب التي سمحت للمجلس الدستوري الجزائري الوصول إلى هذه النتيجة، من خلال إتباعه لمنطق سهل وبسيط، والذي - على خلاف ذلك - مثل حجر عثرة بالنسبة للمجلس الدستوري الفرنسي، الذي لم يوكل لنفسه هذا الاختصاص.
و يجب معرفة أن موقف هذا الأخير لم يكن مفاجئا تماما بالرغم مما يمكن قوله، ويرجع ذلك إلى التقاليد القانونية الفرنسية التي كانت تجعل من "القانون تعبيرا عن الإدارة العامة" (3).
وهذا يعني أن المجلس الدستوري الفرنسي- وإن كان يعتبر (Censeur) البرلمان- فإنه لم يقوم على إعادة النظر في حل عمره كمراقب، لأكثر من مائة سنة، ولقد ظهر له ذلك من قبيل الأمور غير المطاقة وغير المحتملة، وأن القضية التي طرحت عليه لا تتعلق سوى بتنازع قائم بين القانون وقواعد ذات طابع خارجي أثارها "نسبية ومحتملة".
ومنه فان المجلس الدستوري الجزائري لم يكن له الاستعداد الكافي لتكريس هذا الحل وإتباع هذا الموقف، ذلك أنه لا يملك نفس الإدراك الحسي ولا الميول للقانون، أكثر من هذا وفي ظل النظام القانوني الجزائري، فإن القانون ، لم يمثل في يوم من الأيام تلك القاعدة ذات الطابع الاحتفالي التي يلزم احترامها في كل الأحوال ومهما كانت عليه الأمور، فالحكومات المتعاقبة والمتتالية التي حكمت الجزائر كانت تفضل دائما استخدام "الأمر والمرسوم" كنوع من "التدابير الملكية"، وما هذا في الأساس سوى نتيجة منطقية لنظام اشتهر بالسيطرة الكاملة والتامة لرئيس الجمهورية على كل دواليب الحكم، والذي اعتمد في تسييره لأمور الدولة استخدام تدابير مختلفة لبناء دولة القانون.
على كل، يتجلى إذن، أن المجلس الدستوري الجزائري قد استند إلى المادة 123 للنطق في مسألة مطابقة القانون للمعاهدة، وبهذا المفهوم وإتباعا لتحليله، فإن المعاهدة التي أصبحت تمثل نصا مرجعيا بالنسبة له،و يكون أيضا وفي آن واحد استطاعت المعاهدة الدخول واقتحام ما أسماه الفقه بالكتلة الدستورية، وعليه، فإن هذه الأخيرة أصبحت تتكون في نظر المجلس الدستوري، من الدستور طبعا.و تأسيسا على هذا، وكنتيجة لعملية إدخال المعاهدة ضمن الكتلة الدستورية، لا يبقى سوى التعرف على الإفرازات المترتبة على ذلك مع تحديد المشاكل التي يمكن أن تبرز وتظهر إلى الوجود.
ثانيا: النتائج المترتبة عن موقف المجلس الدستوري
سنكتفي في هذا الصدد، بالإشارة فقط إلى ثلاث نتائج:
ـ في البداية لقد عبرت الجزائر، بوصفها دولة في طريق النمو، وفي أكثر من مرة عن ارتيابها واستهجانها لبعض قواعد القانون الدولي التي وضعت من قبل بعض الدول فقط وفي آونة لازالت موجودة فيها تحت نيران الاستعمار، لذا وبالاعتماد خاصة على مبدأي السيادة واستقلال الإرادة، فلقد رفضت منذ استقلالها قبول كل قواعد القانون الدولي ولم تعترف سوى بتلك المجموعة من القواعد التي وافقت عليها بمحض إرادتها المنفردة (1)، ومن هذا نفهم مثلا سبب نضالها الطويل من أجل إقامة نظام دولي جديد ـ دفن حاليا ـ يأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول المتخلفة ويسمح لها بالمشاركة في وضع قواعد القانون الدولي خاصة.
تأسيسا على هذا وبصفة غير متوقعة ومنتظرة، فقد تجد الجزائر نفسها بفعل وموقف مجلسها الدستوري، الذي قام بمراقبة قانون على ضوء معاهدات ملزمة بإتباع طريق لم تعهده واتخاذ موقف لم يتنبأ به مسبقا، وهذا ما يؤكده ويكرسه بالفعل دستور 1989 الذي جاء متمتعا بطابع دولي حسب مفهوم منطقي وعملي يأخذ بعين الاعتبار واقـع وتناقضات المـجتمع الدولي (2).
لكن وبالرغم من هذا، فإن التساؤل يظل قائما، لماذا إذن قام المؤسس الدستوري الجزائري بهذا الانفتاح الكبير خاصة وأن المادة 123 لم تشترط مبدأ المعاملة بالمثل كما يظهر ذلك من خلال المادة 55 من الدستور الفرنسي ؟
للإجابة على هذا التساؤل، لابد من الإشارة في بادئ الأمر، أن هذا الحل من وضع مجلس تولى تفسير المادة 123 تفسيرا حرفيا، ولم تضعه سلطات سياسية كثيرا ما تتميز مواقفها بالشك والحذر.
إلا انه بالرغم من هذا فلا يجب إطلاقا أن ننخدع بمثل هذا التساؤل، ذلك أن الأمر لا يتعلق هنا سوى بمعاهدات أدرجت ضمن القانون الوضعي بصفة قانونية، وليس بكل قواعد القانون الدولي، وهذا فان خطر تسرب قواعد دولية ضمن القانون الداخلي بفعل موقف المجلس الدستوري، وهو خطر أكثره وهمي، ذلك أن المؤسس الدستوري، "والمشرع التنظيمي" (3) قد اجتمعا واشتركا في وضع حواجز يصعب اجتيازها ما لم تتوافر شروط معينة في القاعدة الدولية، نذكر منها خاصة التعبير الإرادي الحر والصريح، وكل الإجراءات الداخلية المتطلبة.
ومن نتائج إقحام المعاهدة ضمن الكتلة الدستورية، سيجد المجلس الدستوري نفسه ملزما بمراقـبة مطابقـة القانـون "لكــل" المعـاهدات الـتي أبرمتــها الجــزائر، وتعــتبر


هذه المهمة شاقة ومضنية وعمليا متعذرة ومستحيلة (1).
ولكن يمكن في بادئ الأمر دفع هذا الرد كما أكد ذلك بعض الفقه بصدد قرار المجلس الدستوري الفرنسي، بأن المنازعات المرتبطة بالمعاهدات الدولية تظل نادرة، إلا أن هذا سوف لن يمنع أبدا إمكانية قيام مثل هذا المشكل بمناسبة إصدار كل قانون، وبهذا يظهر بوضوح بأن حجية ندرة المنازعات المتعلقة بالمعاهدات وهمية وغير مقبولة،وذلك على حد تعبير الفقه.
ـ أما النتيجة الأخيرة فتتمثل في السماح "للمواطن الجزائري" (2) الاعتماد على التدابير التعاهدية أمام جهات القضاء العادي، قد تبدو هذه النتيجة لأول وهلة من قبيل الأمور المبتذلة التي لا تستحق إشارة أو تأكيد ما دام أن التدابير التعاهدية بعد إدراجها ضمن القانون الوضعي ستكون مثلها مثل القواعد القانونية الداخلية.
في الحقيقة أن هذه النتيجة تهم جهات القضاء العادي أكثر مما تمس المتقاضين، بمعنى أن المجلس الدستوري- ومن خلال هذا الطرح- قد قام بدعوة هذه الجهات وسمح لها هي الأخرى بالاضطلاع بصلاحية مراقبة مطابقة القوانين على ضوء المعاهدات، وهذا أمر لم يفصح عنها المجلس الدستوري الفرنسي سوى بصفة جد محتشمة كما سبق ذكر ذلك.
وتأخذ هذه النتيجة كل أهميتها، خاصة عند العمل بأن هذه الجهات غالبا ما تنقصها الجرأة الكافية ويختلجها شك كبير عندما يتعلق الأمر بإتباع طريق مخالف لقانون غير دستوري، فدعوة القاضي الدستوري، تمثل بهذه الصفة، وفي هذا المجال، حجة قوية وأساسا قانونيا صلدا يسمحان لها بممارسة هذه الصلاحية دون أن تخاف تجاوز اختصاصاتها.
وكتقييم أول لهذه النتيجة، يمكن القول بأن المجلس الدستوري وبمبادرته هاته، قد حاول بصفة أو بأخرى تشجيع القاضي العادي تجاوز شكوكه وتأرجحه وبالتالي خوفه، وهذا، ويجب الإشارة في هذا الصدد، بأن هذا الأخير الذي لم يتخذ بعد موقفا من هذا الحل عند ممارسة مراقبته مطابقة القانون للمعاهدة، لا يعني أبدا قيامه بالبت في دستورية أو عدم دستورية قانـون



ما، وبالتالي القيام بإبطاله، فالمطلوب منه يتمثل فقط في عدم الاعتداد بقانون غير دستوري وعدم الاستناد إليه حاليا البت في المنازعات المعروضة عليه.
هذا، وكتقييم ثان وأخيرا لموقف المجلس الدستوري الجزائري، يمكن القول، بأن بعد هذا الموقف ومبتغاه الأخير، يتمثلان في محاولة إقامة مطابقة بين واقع عمل الجهات القضائية والمبدأ النظري الذي يحمله تمهيد الدستور والمتمثل في تكريس "دولة القانون".
ومن خلال كل هذا، يظهر جليا أن موقف المجلس الدستوري في هذا المجال، يبدو انه لا يخلو من التعقيدات، ولا ينجو من الانتقادات، إضافة إلى هذا، فإن المجلس الدستوري قد أكد أيضا أن المعاهدات لا تبدأ في إنتاج آثارها على المستوى الوطني إلا بعد نشرها في الجريدة الرسمية، وهذا التأكيد وإن كان يثير العديد من المشاكل كون الدستور لم ينص على دلك.
وتجدر الإشارة أن المجلس الدستوري رغم مراقبته بعدم دستورية الشرط المتعلق باشتراط الجنسية الأصلية لزوج المترشح للانتخابات الرئاسية، إلا أن المشرع أعاد هذا الشرط في أمر 19 جويلية 1995 المعدل لقانون الانتخابات لسنة 1989، وبدون أن يختر، قام المجلس الدستوري بتصريح عن طريق وسيلة الإعلام بتاريخ 26 جويلية 1995 (1)، حيث قال أنه بعد اجتماع المجل الدستوري بتاريخ 25 جويلية 1995، وبعد الإطلاع على الأمر المذكور يذكر بقراره السابق بتاريخ 20 أوت 1989 الذي صرح فيه اشتراط شهادة الجنسية الأصلية الجزائرية لزوج المترشح للانتخابات الرئاسية مخالف للدستور، ويطرح هذا العمل مسألة تدخل المجلس الدستوري تلقائيا في حالة إعادة حكم أو قانون راقبه من قبل، ليؤكد على آرائه أو قراراته، وأدى ذلك برئيس الدولة إلى إخطار المجلس الدستوري بعد خمسة أيام من التصريح الذي قام به المجلس الدستوري، وتضمن الإخطار مراقبة دستورية البند السادس من المادة 108 من أمر 1995 المعدل لقانون الانتخـابات لسنة 1989، وبهذه المناسبة صرح المجلس الدستوري (2)، أن قراراته نهائية وفورية وملزمة للسلطات العمومية. وفيما يخص إعادة شرط شهادة الجنسية الجزائرية الأصلية لزوج المترشح للانتخابات الرئاسية، ذكر المجلس أن هناك تجاهل لإلزامية قرار 20 أوت 1989، ولا داعي للفصل في ذلك مرة أخرى، ومعنى ذلك أن قراره الأول في 20 أوت 1989 ـ الذي ذكرناه سابقا ـ يطبق على ذلك.
وعلى سبيل المقارنة في مسألة مراقبة مطابقة القانون للمعاهدة، نجد المجلس الدستوري الفرنسي أخطر من طرف الرئيس الفرنسي سنة 1975 (1) على أساس المادة 91 من الدستوري الفرنسي لسنة 1958، التي تمنح المجلس اختصاص مراقبة دستورية القوانين، فطرح عليه أن يفصل إن كان القانون المتعلق بالإيقاف الإرادي للحمل مطابق أم لا للمادة الثانية من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لسنة 1950، فرفض المجلس الدستوري الفصل في ذلك، وقال أن قرارات المجلس الدستوري المتخذة طبقا لنص المادة 61 من الدستور لها طابعا مطلقا ونهائيا وأن سمو المعاهدات المكرس في المادة 55 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 لها طابعا نسبيا ومحتملا، واستنتج المجلس الدستوري في قراره هذا بأنه إذا كان هناك قانونا مخالفا لمعاهدة دولية لا يعد حتما مخالفا للدستور، وذكر القرار أن مراقبة احترام المبدأ المنصوص عليه في المادة 55 من الدستور الفرنسي لا يمكن ممارسته في إطار البحث المنصوص عليه في المادة 61 من الدستور الفرنسي لسنة 1958.
وانتهى قرار المجلس الدستوري الفرنسي بالتأكيد على أنه : "لا يحق للمجلس الدستوري عندما يخطر على أساس المادة 61 ... فحص مطبقة قانون على ضوء تدابير معاهدة، أو اتفاق دولي"، إلا أن تحليل المجلس الدستوري في قراره هذا حول الطبيعة النسبية والاحتمالية لمبدأ سمو المعاهدة على القانون، لقي رفض الأستاذ ريفو، بسبب أن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لا تخضع لشرط المعاملة بالمثل، ومن جهة أخرى، مبدأ سمو المعاهدة هو المبدأ الدستوري، فالنسبية والاحتمال يعنيان تطبيق المعاهدة من حيث الزمان (2).
وفي قرار آخر للمجلس الدستوري الفرنسي في 13 أوت 1993 المتعلق بدستورية القانون المتضمن التحكم في الهجرة (3)، يبدوا أن المجلس الدستور الفرنسي تقبل أن القانون الذي يصطدم بمعاهدة، يصطدم في نفس الوقت بالمادة 55 من الدستور الفرنسي لسنـة 1958


التي تنص على سمو المعاهدة على القانون، وعليه تكون مخالفة للدستور (1)، ويظهر ذلك من خلال تحليل المجلس الدستوري الفرنسي، عندما أكد سمو المعاهدات الدولية على القوانين الداخلية، حيث استنتج أن القانون المتضمن التحكم في الهجرة لسنة 1993 قد يتجاهل المادة 55 من الدستور الفرنسي إذا تخلى هذا القانون عن حق اللجوء، وأحكام اتفاقية جنيف لـ 28 جانفي 1951، وليس الأمر كذلك إذا تضمن هذا القانون احتمال رفض قبول اللجوء، وهذا بتحفظ لأحكام المادة 33 من اتفاقية جنيف لسنة 1951 المعدلة ببروتوكول نيويورك في 31 جانفي 1967، وأضاف المجلس الدستوري الفرنسي أن هذا التحفظ، يجب أن يفهم على أنه يشمل جميع شروط أحكام هذه الاتفاقية التي يمكن تطبيقها، وإلا القانون (قانون التحكم في الهجرة) قد يتجاهل المادة 55 من الدستور.
لكن رغم هذا التحليل الذي اتبعه المجلس الدستوري الفرنسي في قراره هذا، فيما يخص علاقة القانون الخاضع للرقابة الدستورية من جهة، وعلاقة المعاهدات بالمادة 55 من الدستور الفرنسي من جهة أخرى، فإنه أكد في نفس هذا القرار على أن : " تفحص الأحكام التي يتخذها المشرع لا يمكن أن تستمد بمقارنة بين أحكام القوانين المتتالية، أو مطابقة القانون مع ما تشترطه أحكام المعاهدات الدولية، وإنما ينتج ذلك عن مواجهة هذه الأخيرة مع متطلبات الطبيعة الدستورية لها ...".
وتجدر الملاحظة، أن ما نصت عليه اتفاقية جنيف لسنة 1951 له علاقة بما نصت عليه ديباجة الدستور الفرنسي لسنة 1946 حول حق اللجوء، والتي رجعت إليها كذلك ديباجة دستور 1958، وعندما رجع المجلس الدستوري الفرنسي في تحليل قراره إلى هذه الاتفاقية- في الحقيقة- رجع إلى ديباجة دستور 1946 التي لها قوة دستورية ملزمة، حيث أصدر المجلس الدستوري الفرنسي حكما في 16 جويلية 1971 (2) بعدم دستورية قانون مخالف لديباجة دستور 1958 التي تتضمن ديباجة دستور 1946، حيث نصت ديباجة الدستور الفرنسي لسنة 1958 على ما يلي : "الشعب الفرنسي يعلن ... تمسكه بحقوق الإنسان ... كما هي معرفة في إعلان سنة 1789 المؤكدة والمتممة بديباجة دستور 1946 ..."، وعلق الأستاذ "فرانسوا لاشوم" حول هذا القرار بقوله : "أنه يمكن الاستنتاج أن فحص مطابقة القانون للمادة 55 من الدستور الفرنسي تفترض أن القانون قابل للنزاع مع المعاهدة أو الاتفاقية، ومن خلال هذا، فان المجلس الدستوري يدخل بالضرورة، وبطريقة غير مباشرة، المعاهدة كنص مرجعي للرقابة الدستورية ولكن لا تدخل هذه المعاهدة إلا بواسطة المادة 55 من الدستور الفرنسي "(1)، ونتيجة لقرار المجلس الدستوري الفرنسي هذا ـ حسب فرانسوا لاشوم ـ جاء التعديل الدستوري الفرنسي في 25 نوفمبر 1993 الذي أدخل المادة 53 /1 محتواها "مهما كانت المعاهدات التي تبرمها فرنسا مع الدول الأوروبية في مجال اللجوء لسلطات الجمهورية، الحق دائما منح اللجوء لأي أجنبي مضطهد ... أو يطلب حماية فرنسا ".
وفي قرار آخر للمجلس الدستوري الفرنسي المتعلق بدستورية القانون المعدل لقانون الجنسية (2)، حيث تم إخطار المجلس على أساس أن هذا القانون تجاهل المادة 55 من الدستور الفرنسي، وقاعدة العقد شريعة المتعاقدين المستوحاة من ديباجة الدستور الفرنسي، وكذلك أن هذا القانون قد خرق أحكام الاتفاقية الجزائرية الفرنسية لسنة 1983 والمتعلقة بالتزامات الخدمة الوطنية، ورفض المجلس الدستوري الفرنسي في قراره هذا هذه الحجج، باعتبار أن : "القاعدة المنصوص عليها في المادة 55 من الدستور الفرنسي تلزم حتى في حالة سكوت القانون ويرجع لمختلف مؤسسات الدولة السهر في إطار اختصاصاتها على تطبيق المعاهدات الدولية طالما أن هذه الأخيرة سارية المفعول، وخلافا لما يتمسك به أصحاب الإخطار لا يوجد أي خرق في القانون، وعليه لا يمكن أن ينتج من خلال الحكم المحتج عليه تجاهل للسطر الرابع عشر من ديباجة دستور 1946 ...".
ويعود الأمر إذا حسب قرار المجلس الدستوري الفرنسي إلى القضاة العاديين أو الإداريين لتطبيق سمو المعاهدات على القانون، وفي حالة النزاع بين القانون المعدل لقانون الجنسية الفرنسية والاتفاقية الجزائرية الفرنسية لسنة 1983 تطبق أحكام الاتفاقية، ويستبعد تطبيق القانون المخالف لها (3).

وما يمكن قوله حول مراقبة مطابقة القانون للمعاهدة، أن المجلس الدستوري الفرنسي بقي يرفض الفصل في ذلك منذ قراره الصادر في سنة 1975.
أما برجوعه إلى اتفاقية جنيف لسنة 1951 المتعلقة باللاجئين وعديمي الجنسية والمعدلة ببروتوكول نيويورك في 31 جانفي 1967، فإن اللجوء السياسي منصوص عليه في ديباجة دستور 1946 (1)، التي رجع إليها دستور 1958 في ديباجته ـ كما ذكرنا ذلك سابقا ـ وبالتالي إدخال المعاهدات في الكتلة الدستورية الفرنسية، يبدو أنه يقبل ذلك من طرف المجلس الدستوري الفرنسي، إذا كانت المعاهدة مدسترة، وبالتالي فالرجوع إلى المعاهدة هنا هو الرجوع في نفس الوقت إلى الدستور، لأن المعاهدة المدسترة لها نفس قيمة الدستور، أما فيما يخص الاتفاقيات الثنائية، فلا يمكن أن تدخل في الكتلة الدستورية ولو بطريقة غير مباشرة، لأنه من غير المعقول إدخال كل المعاهدات الثنائية في ذلك، إضافة إلى أنها تعالج مسائل ظرفية (2).
ومنه فالمؤسس الدستوري الجزائري، و بالرجوع إلى الدساتير الجزائرية الأربعة - من جهة -، و إلى الممارسة الجزائرية – من جهة أخرى -، نجده قد تأثر بالمعاهدات الدوليــة ومنه تأثير هذه الأخيرة على التشريع بمختلف أنواعه3، كما نادى بذلك أصحاب مبدأ سمـــو المعاهدات الدولية على القانون الداخلي4.
وبحسب رأينا، وبالنظر إلى اغلب دساتير الدول، فان الدستور هو أسمى القوانين في النظام القانوني الجزائري الداخلي بما في ذلك المعاهدات الدولية، وذلك اعتمادا على مبدأ سمو الدستور وتدرج القواعد القانونية5، وتأتي المعاهدات في المرتبة الثانية، ثم القوانين العادية في المرتبة الثالثة من الهرم القانوني للدولة الجزائرية.