منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - بحوث اولى حقوق
الموضوع: بحوث اولى حقوق
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-11-22, 23:11   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
sarasrour
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

المصادر الرسمية و المصادر الاحتياطية للقانون

- مـــــقدمة
المبحث الأول : المصادر الرسمية للقاعدة القانونية.
المطلب الأول : التـــشريع الأساسي أو الدستور.
• الفرع الأول : الدستـــور الجـــــــزائري
• الفرع الثاني : طــــرق وضع الدســــــاتير
• الفرع الثالث : طــــرق تعديل الدســــــاتير
• الفرع الرابع: طــــريقة تعديل الدستور الجزائري .
المطلب الثاني : القانـــــــــون .
•الفرع الأول : المقصـــــــــود بالقانـــــون أو القوانين العاديــــة .
•الفرع الثاني : مـــــراحل إعداد التشريع العادي
المطلب الثالث : التشــــريعات الاســتثنائية .
المطلب الرابع :التشريعــــات التفـويضية .
المطلب الخامس: التشريعـــات الفــرعية .
• الفرع الأول : اللـــوائح التنظـيميــة.
• الفرع الثاني : لـــــوائح الأمــن والشــرطة
• الفرع الثالث : اللــــــوائح التنفيذيـــــة.
المبحث الثاني : المصادر الاحتياطية للقانون .
* المطلب الأوّل : الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون .
• الفرع الأوّل: مـــفــــهــــوم الــــشــــريــعـــة الإسـلامـية لـغــة، و اصــطـلاحـا.
• الفرع الثاني: التفرقة بين الفقه الإسلامي، و مبادئ الشريعة الإسلامية.
• الفرع الثالث: مــصــادر الأحــكــام الــشــرعــيــة الــمــتّــفــق عـــلـــيـــهــــا.
• الفرع الرابع: مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر الـــقانون
الـجـزائـري .
*المطلب الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.
• الفرع الأوّل: مـــــفــهــوم الـــعـــرف، و أقـــســـامــه.
• الفرع الثاني: مــــزايــا الـــعــــرف، و عــيـوبـــه. الفرع الثالث: أركــــــــــان الـعــرف.
• الفرع الرابع: دور العرف، و أساس القوّة الملزمة له.
*المطلب الثالث: مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
• الفرع الأوّل: الـمـقــصــود بمــبادئ الــقانون الــطّـــبيعـي، و قـواعـد الــعــدالـة.
• الفرع الثاني: المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة.
• الفرع الثالث: مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانون الطّبيعي، و قــواعد العدالة.
- الخــــاتمــة.


مقدمة :
بسم الله عليه نستعين، و سلام على نبيّيه، و الصلاة على حبيبه الصادق الأمين أمّا بعد..

في تعريف القانون تبين لنا أنه يتكون من مجموعة قواعد قانونية التي هي تكون، بدورها ، النظام القانوني للدولة ويعني بذلك القانون الوضعي أي مجموعة القواعد القانونية السارية المفعول في الدولة ، أي القواعد التي تقرها الدولة. فهذه الفكرة الأخيرة تطرح سؤال : من هو مصدر القاعدة القانونية ؟.
فالمصدر، لغة ، يقصد به " الأصل " ، أما مصدر القانون كلمة لها عدة استعمالات حسب الهيئة التي تصدر عنها القاعدة القانونية : حيث أنه تصدر القاعدة القانونية عن سلطات متعددة ، فهذه السلطات البعض منها يعد القواعد القانونية مباشرة ويفرض احترامها، والبعض الآخر يكتف بتطبيق هذه القواعد وبتفسيرها.
إذ يوجد نوعان أساسيان لمصدر القاعدة القانونية:
مصادر أصلية ومصادر احتياطية أو تفسيرية.
فيا ترى فيما تتمثل المصادر الرسمية و المصادر احتياطية للقانون ؟
المبحث الأول : المصادر الرسمية للقاعدة القانونية.

يقصد بالمصادر الأصلية للقاعدة القانونية تلك المصادر الرسمية التي يلتزم بها كل شخص سواء كان عمومي أو خاص . وبصفة أدق فهذا التشريع هو القانون المكتوب الصادر عن السلطة المختصة بإصداره في الدولة.
والتشريع بهذا المفهوم يقصد به أنواعا ثلاثة على درجات متفاوتة من الأهمية وتفسير ذلك أنه يقصد بالتشريع كلا من الدستور وهو التشريع الأساسي للدولة ، ثم التشريع العادي وهو القانون الذي يصدر من السلطة التشريعية ( م.و.ش+ م.أ. ) ، ثم التشريع الفرعي أي المراسيم والقرارات واللوائح التي تصدر عن السلطة التنفيذية بناء على قوانين تحولها حق إصدارها.
المطلب الأول : التشريع الأساسي أو الدستور.

الدستور هو التشريع الأساسي أو التأسيسي للدولة ، فهو قمة التشريعات فيها ويتميز بخاصيتي الثبات والسمو ويتضمن القواعد الأساسية والمبادئ العامة التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها ، ويحدد الهيئات والمؤسسات العامة واختصاصاتها وعلاقاتها ببعضهما ، وينص على حريات الأفراد وحقوقهم في خطوط رئيسية عريضة ، ومنه تأخذ كافة القوانين الأخرى ، مستوحية مبادئه وأحكامه التي لا يجوز لأي قانون أن يخالفها.
وأما الثبات يعني أن الدستور لا يتغير ولا يتعدل إلا في مناسبات قومية كبرى ولا يحدث ذلك إلا في فترات زمنية متباعدة ، في حالات التغييرات الجوهرية في شكل الدولة أو هيكلة مؤسساتها العامة أو تبديل نظام الحكم أو النظام الاقتصادي فيها(1).
أما السمو يعني أنه يعلو على باقي قوانين الدولة ولا يجوز لأي قانون آخر أن يتضمن نصوصا تخالف المبادئ والقواعد الأساسية التي ينص عليها الدستور عادة ، وإلا اعتبر ذلك القانون المخالف له باطلا أي غير دستوري.
الفرع الأول : الدستور الجزائري :

صدر أول دستور جزائري الذي عمل به فعلا ، بالأمر رقم 76-97 في 22 نوفمبر 1976 بناء على موافقة الشعب الجزائري على مشروع الدستور المقترح من طرف جبهة التحرير الوطني ، بعد الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية للاستفتاء في 19 نوفمبر 1976 . ثم عدل هذا الدستور في سنة 1989 ، ومرة ثانية في نوفمبر .1996
ويتكون الدستور الحالي من 182 مادة موزعة على أربعة أبواب وكل منهما مقسم إلى عدة فصول.
الباب الأول : يتضمن النصوص المتعلقة بالمبادئ الأساسية لتنظيم المجتمع الجزائري ويشمل خمسة فصول، وهي:
الفصل الأول : في الجزائر.
الفصل الثاني : في الشعب.
الفصل الثالث : في الدولة.
الفصل الرابع : في الحقوق والحريات.
الفصل الخامس : في الواجبات.
الباب الثاني : في تنظيم السلطات.
الفصل الأول : في السلطة التنفيذية .
الفصل الثاني : في السلطة التشريعية.
الفصل الثالث : في السلطة القضائية.
الباب الثالث : في المراقبة والهيئات الاستشارية.
الفصل الأول : في المراقبة.
الفصل الثاني : في الهيئات الاستشارية.
الباب الرابع : في التعديل الدستوري.
الفرع الثاني : طرق وضع الدساتير(1).

تختلف الدول في طريقة إصدار دساتيرها ، وذلك بحسب ظروف كل دولة وبحسب الطرق التي أتبعت في إصدارها من الناحية الشكلية ، وطرق إصدار الدساتير هي خمسة:
أ / المنحة : يصدر الدستور في شكل منحة عندما يرى الملك أو السلطان وهو صاحب السيادة المطلقة في دولة معينة ، أن يتنازل عن بعض سلطاته لأفراد شعبه أو لبعض الهيئات الشعبية،فيصدر قانونا أساسيا يحد من بعض سلطاته ويمنحها لرعاياه. الدستور المصري في سنة 1923 . ملك فؤاد.
ب / التعاقد : يجتمع السلطان مع بعض الأفراد الذين يمثلون الشعب ويتفقون فيما بينهم على أن يتنازل الملك أو السلطان عن بعض سلطاته لصالح الشعب.
ج / الجمعية التأسيسية : ينتخب الشعب عددا من أفراده فيجتمعون في شكل لجنة أو جمعية أو هيئة ويراد بهم وضع دستور للدولة ، وما تقرره هذه الجمعية يصبح دستورا واجب النفاذ.
د / الاستفتاء : تقوم هيئة أو لجنة سواء إن كانت تشريعية أم تنفيذية أم سياسية تعينها الحكومة القائمة لتقوم بوضع النصوص الدستورية في شكل مشروع للدستور ويعرض المشروع على الشعب ليبدي رأيه فيه عن طريق الاستفتاء.
هـ / الطريقة الخاصة : تجمع هذه الطريقة بين مزايا الطريقتين السابقتين ، بمعنى أن الجمعية التأسيسية التي يختارها الشعب تضع مشروع الدستور ولكنه لا يصبح دستورا نافدا إلا بعد موافقة الشعب عليه في استفتاء عام.
الفرع الثالث : طرق تعديل
تنقسم الدساتير من حيث تعديلها إلى نوعين : مرنة وجامدة
أ ـ الدساتير المرنة : وهي التي يمكن تعديل نصوصها بالإجراءات التي تعدل بها القوانين العادية.
ب ـ الدساتير الجامدة : وهي التي يشترط لتعديلها اتحاد إجراءات خاصة ، ومنها اشتراط أغلبية كبيرة لاقتراح التعديل ، أو لإقرار ذلك التعديل.
الفرع الرابع: طريقة تعديل الدستور الجزائري :

نص الدستور على طرق تعديله في المواد 174 إلى 178لرئيس الجمهورية اقتراح تعديل الدستور.
لثلاثة أرباع الغرفتين للبرلمان الحق في اقتراح تعديل الدستور.
لرئيس الجمهورية الحق في التعديل المباشر للدستور دون وضع مشروع التعديل إلى استفتاء شعبي كما هو الحال في النقطتين السابقتين ، ولكن هذا بعد موافقة ثلاثة ارباع من الغرفتي البرلمان .
وأخيرا نص الدستور على أن رئيس الجمهورية يصدر القوانين المتعلقة بتعديل الدستور .
المطلب الثاني : القانون(1).

الفرع الأول : المقصود بالقانون أو القوانين العادية .

يقصد بالقانون أو القوانين العادية ) كل التشريعات التي يطلق عليها لفظ المدونة ، أو لفظ التقنين ، أو القانون ، والذي تقوم عادة بوضعه السلطة التشريعية ( البرلمان في الدولة وهذا في شكل نصوص تنظم العلاقات بين الأفراد أو بينهم وبين الدولة في جميع المجالات الاجتماعية المختلفة مثل : القانون المدني ، قانون الأسرة ، قانون العمل، قانون العقوبات ،القانون التجاري ، قانون الانتخابات ، قانون الخدمة الوطنية...
ويطلق عليها القوانين العادية ، أو التشريعات العادية ، أو التقنيات الرئيسية لتمييزها عن القانون الأساسي والقرارات التنفيذية واللوائح التي ( décret ) والمراسيم ، ( ordonnance ) أي الدستور من ناحية، وعن الأوامر تضعها السلطة التنفيذية والتي يعبر عنها بالتشريعات الفرعية أو الثانوية من ناحية أخرى . لما كان وضع القوانين العادية كقاعدة عامة من اختصاص السلطة التشريعية في الدولة فمن البديهي أن يختص به البرلمان ( المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة ) وذلك بحسب المادة 98 من الدستور الذي يتضمن أن يمارس السلطة التشريعية البرلمان الذي هو يُعدُ القانون ويصوت عليه.
الفرع الثاني : مراحل إعداد التشريع العادي .

فالتشريع العادي يمر عادة بعدة مراحل إجرائية وهي:
أـ مرحلة الاقتراح : يقصد بها أن يتقدم المجلس الشعبي الوطني أو الحكومة بعرض فكرة عن مشكلة تهم الأشخاص أو الدولة وتحتاج إلى تنظيم قانوني ، حيث تنص المادة 119 من الدستور على أن " لكل من رئيس الحكومة وأعضاء المجلس الشعبي الوطني حق المبادرة بالقوانين. "
وعادة يطلق على اقتراح النواب ( 20 نائب على الأقل) إسم " اقتراح قانون " ، ويطلق على اقتراح
الحكومة إسم " مشروع قانون " . والفارق الوحيد بينها هو أن الاقتراح بقانون يحال إلى لجنة الاقتراحات بالمجلس لكي تصوغه في شكل قانوني لأن أغلب أعضاء المجلس لا تتوافر لديهم خبرة المصايغة القانونية أما المشروع بقانون المقدم من طرف السلطة التنفيذية فيحال مباشرة إلى المجلس ولكن بعد فتوى مجلس الدولة.
ب ـ مرحلة التصويت : عند إحالة الاقتراح إلى المجلس فإنه يعرض على لجنة متخصصة من لجان المجلس لتقوم بدراسته وكتابة تقرير عن محتواه وغايته وتوصي بعرضه على المجلس لمناقشته.__
ثم يعرض الاقتراح على المجلس الشعبي الوطني لمناقشته مادة بمادة حيث يجوز إدخال بعض التعديلات عليه . وبعد المناقشة والتعديل يعرض على المجلس الشعبي الوطني للتصويت عليه ، وعند الإقرار يحال الاقتراح 4 أعضائه ( م. 120 دستور.). / على مجلس الأمة للتصويت عليه بأغلبية 3
ج ـ مرحلة الإصدار : بعد موافقة البرلمان على نص الاقتراح ، يحال ذلك النص إلى رئيس الجمهورية ذلك النص إلى رئيس الجمهورية ليصادق عليه ومع ذلك لا يكون لهذا القانون نافذ المفعول إلا بإصداره . ويقصد بالإصدار أن يقوم رئيس الجمهورية بإصدار أمر إلى رجال السلطة التنفيذية التي يرأسها ويوجب عليهم فيه تنفيذ ذلك القانون على الواقع حيث أن السلطة التنفيذية مستقلة عن السلطة التشريعية التي لا تملك حق إصدار أوامر إلى رجال السلطة التنفيذية.
د ـ مرحلة النشر : بعد كل هذه المراحل التي مر بها القانون ، يلزم لسريانه أن يمر بمرحلة النشر.
فالنشر إجراء لازم لكي يصبح القانون ساري المفعول في مواجهة كافة الأشخاص ، ولن يكون كذلك إلا بإعلانه للعامة ، وذلك عن طريق نشره بالجريدة الرسمية ، وبمجرد نشره يعتبر العلم به مفروضا ، حتى بالنسبة لمن لم يطلع عليه أولم يعلم به .
وحسم المشرع هذا الأمر بقاعدة عامة أوردها في المادة الرابعة ( 04 ) من القانون المدني بقولها :
"تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية".
" تكون نافذة المفعول بالجزائر العاصمة بعد مضي يوم كامل من تاريخ نشرها وفي النواحي الأخرى في نطاق كل دائرة بعد مضي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة الموضوع على الجريدة" .
ملاحظة : تترتب من جراء هذه المادة الرابعة ( 04 ) قاعدة عامة وهي : " الجهل بالقانون ليس عذرا " ومعنى ذلك أنه لايجوزلأي شخص أن يعتذر عن مخالفته للقانون بعدم علمه بصدورها.
أما بخصوص إنهاء العمل بقانون ،يتم هذا عن طريق الإلغاء ، أي إزالة نص قانوني للمستقبل وذلك باستبداله بنص قانوني جديد يتعارض معه صراحة أو ضمنا
المطلب الثالث : التشريعات الاستثنائية.

في حالة الضرورة الملحة يقرر رئيس الجمهورية حالة الطوارئ أو الحصار ويتخذ كل التدابير اللازمة لاستثبات الوضع ( م. 91 دستور.)
وإذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم ... يقرر رئيس الجمهورية الحالة الاستثنائية في اجتماع للهيئات العليا للدولة ، أي بعد استشارة رئيس البرلمان ( المجلس الشعبي الوطني + مجلس الأمة ) والمجلس الدستوري وبعد الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن ومجلس الوزراء . وتحول الحالة الاستثنائية لرئيس الجمهورية أن ُتَتخذ الإجراءات الاستثنائية التي تستوجبها المحافظة على استقلال الأمة والمؤسسات الجمهورية ( م. 93 دستور(1)..)
وفي حالة الحرب يوقف الدستور ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات( م. 96 دستور.)
ومفاد هذه النصوص أن رئيس الجمهورية يباشر بنفسه السلطة التشريعية في كل هذه الحالات وتكون له بالتالي سلطة وضع القوانين وإقرارها وإصدارها.
المطلب الرابع :التشريعات التفويضية.

كما نشير إلى أنه في حالة شعور البرلمان أو فيما بين دورة وأخرى من دورات البرلمان يجوز لرئيس الجمهورية أن يشرع بإصدار أوامر تعرض على البرلمان في أول دورة مقبلة م. 124 دستور.. ومفاد ذلك أن الدستور يفوض رئيس الجمهورية في إصدار أوامر تكون لها قوة القانون وهذا في فترات غياب السلطة التشريعية عن العمل ، ويجب أن تقدم هذه الأوامر ساقة وباطلة الاستعمال. وتعتبر هذه الأوامر الأخيرة لرئيس الجمهورية من التشريعات التفويضية.
المطلب الخامس: التشريعات الفرعية

يطلق على التشريع الذي يصدر من السلطة التنفيذية في الظروف العادية ، الذي يصدر من السلطة التشريعية كمبدأ عام ،أو من رئيس الجمهورية كتشريع تفويضي.
وتكون هذه التشريعات الفرعية في شكل لوائح تنفيذية لا تفترق عن القانون الصادر من السلطة التشريعية لأنها قواعد اجتماعية عامة ومجردة وملزمة لجميع الأشخاص المخاطبين بها الذين تنطبق عليهم الشروط الموضوعية التي تنص عليها اللائحة بناء على قانون.
ويختلف القرار اللائحي عن القرار الفردي الذي يتعلق هو بشخص معين بذاته ( كتوظيفه في عمل) كما يختلف القرار اللائحي عن القرارات التنظيمية التي تتعلق بأفراد معينين أو أشخاص معينين (كفتح محلات تجارية) أو بتنظيم حالة معينة وموقف (تنظيم المرور في الشارع ) وتعتبر هي كلها إدارية.
أما اللوائح التنفيذية وما في حكمها فيمكن حصرها في ثلاثة أنواع ،هي اللوائح التنظيمية ، واللوائح التنفيذية، ولوائح الأمن والشرطة.
الفرع الأول : اللوائح التنظيمية.

يقصد بها اللوائح والقرارات والأوامر التي تصدرها السلطة التنفيذية باعتبارها صاحبة الاختصاص في وضع القواعد العامة لتنظيم المرافق العامة التي تديرها أو تشرف عليها الدولة.
وتستند السلطة التنفيذية في إصدارها إلى نص دستوري يجيز لها ذلك ومثلها ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 125 من الدستور بقولها : " يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون".
وهذه المسائل المخصصة للقانون ( أي البرلمان) تنص عليها المادة 122 و 123 من الدستور.
ويقوم رئيس الجمهورية بعمله التشريعي عن طريق المراسيم الرئاسية ( م. 77 ف. 6 وم. 77 78 دستور.) ومن المعلوم أن رئيس الجمهورية لا يباشرها بنفسه بل يضطلع بها رئس الحكومة ، ( م. 87 دستور : كتعيين أعضاء الحكومة ،ورؤساء الهيئات الدستورية ،الصلاحيات المنصوص عليها في المواد : 77 78 9193 إلى 95 97 124 126 127 و 128 )، وبدوره قد يضطلع بها رئس الحكومة كل وزير حسب اختصاصه قرار وزاري أو قرار مشترك.
الفرع الثاني : لوائح الأمن والشرطة
يطلق عليها لوائح الضبط أو لوائح البوليس ، ويقصد بها تلك القواعد التي تضعها السلطة التنفيذية بغرض صيانة الأمن والسكينة والصحة وتمثلها لوائح تنظيم المرور ولوائح المحلات العامة ، ولوائح مراقبة الأغذية ، ولوائح المحافظة على الصحة العامة....
وتصدر هذه اللوائح من رئيس السلطة التنفيذية أو من رئيس الحكومة أو من الوزراء ، أو مديري إدارات الأمن والصحة .... كل في دائرة اختصاصه طبقا لنصوص دستورية.
الفرع الثالث : اللوائح التنفيذية.

لا يمكن للسلطة التنفيذية إصدار هذه اللوائح تلقائيا وإنما تقوم بإصدارها في حالة صدور قانون عادي وضعته السلطة التشريعية ونصت في ذلك القانون على تحويل الوزير المختص بإصدار اللائحة التنفيذية لذلك القانون ، لأنه أقدر على تفصيل القواعد العامة التي تضمنها القانون بحسب الواقع العملي الذي يدخل في اختصاصه.(1)
المبحث الثاني : المصادر الاحتياطية للقانون .
* المطلب الأوّل: الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون.

تعدّ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الأوّل حسب ما جاء في ترتيب المادّة الأولى من القانون المدني الجزائري،فهي تعتبر مصدرا مادّيا،و رسميا في نفس الوقت،أضف إلى ذلك هي نظام شامل لجميع مجالات الحياة - الرّوحية، و الأخلاقية، و العملية – دون أن نفصّل بين أجزائها، و جوانبها المختلفة.
- الفرع الأوّل: مفهوم الشريعة الإسلامية لغة، و اصطلاحا

تستعمل كلمة الشريعة في ثمّ لغة العرب في معنيين:أحدهما الطّريقة المستقيمة؛ و من هذا المعنى قوله تعالى: " الجاثية جعلناك على شريعة من الأمر فاتبّعها، و لا تتبّع أهواء الذين لا يعلمون "
و الثاني هو مورد الماء الجاري الذي يُقصد للشُرب، و منه قول العرب:'' شرعت الإبل إذا وردت شريعة الماء لتشرب ''، شبهتها هنا بمورد الماء لأنّ بها حياة النّفوس، و العقول، كما أنّ في مورد الماء حياة للأجسام.
و أمّا في الاصطلاح الفقهي: فتطلق على الأحكام التّي شرّعها اللّه لعباده على لسان رسول مــن الرّسل، فسميّت هذه الأحكام بالشريعة لأنّها مستقيمة لا انحراف فيها عن الطّريق المستقيم؛ محـــكمة الوضع لا ينحرف نظامها، و لا يلتوي عن مقاصدها.أمّا الإسلامية:فهذه نسبة إلى الدّين الإسلامي الذي يستعمل في الاصطلاح الشّرعي؛ بمعنى الانقياد لأوامر الله، و التّسليم بقضائه، و أحكامه، و إلى العقائد الأهلية، و الأسس، و المبادئ للعقيدة الإسلامية، فالدّين، و الشّريعة، و الملّة بمعنى واحد.
- و من الشّريعة الإسلاميّة بمعناها الفقهي؛ اشتّق الشّرع، و التّشريع؛ بمعنى سنّ القواعد القانونية سواء عن طريق الأديان،و يسمّى تشريعا سماويا،أم كانت من وضع البشر،و صنعهم؛فتسمّى تشــريعا وضعيًّا.
.الفرع الثانـي: التفرقة بين الفقه الإسلامي،و مبادئ الشريعة الإسلامية .

فـالفقه هو الاجتهاد للتّوصّل إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدّلة التّفصـيلية،و هو الجانب العملي من الشّريعة،و قد نشأ تدريجيا منذ عصر الصّحابة نظرا إلى حاجة النّاس لمعرفة أحكام الوقائع الجديدة (1)، وظهرت عدّة مذاهب فقهية إلى أن انتهى الأمر إلى اســتقرار الأربعة مذاهب الرئيسية؛و هي:المذهب المالكي، و الحنفي، و الشافعي، و المذهب الحنبلي.و تتميّز هـذه المذاهب باختلافها في بعض الأحكام التّفصيلية.
أمّا بالنسبة لـمبادئ الشّريعة؛فهي الأصول الكليّة التّي تتفرّع عنها الأحكام التّفصيلية،فهي المبادئ العامّة التّي لا تختلف في جوهرها من مذهب لآخر،و هذا يعني أنّ النّظام القانوني في الشّريعة الإسلامية قائم على قواعد، و أحكام أساسيّة في كلّ الميادين، و أنّ نصوص الشّريعة الإسلامية أتـــت في القرآن،و السنّة بمبادئ أساسية،و تركت التفصيلات للاجتهاد في التّطبيق بحسب المصالح الزمنية، إلاّ القليل من الأحكام التّي تناولتها بالتفصيل كأحكام الميراث، و بعض العقوبات،و من ضمن المبادئ الأساسية في قسم الحقوق الخاصّة:
أ. اعتبرت الشّريعة الإسلامية كلّ فعل ضارّ بالغير موجبا مسؤولية الفاعل،أو المتسّبب، و إلزامه بالتعويض عن الضرر، و هذا المبدأ تضمنّه الحديث الشّريف:" لا ضرر، و لا ضرار ".
ب. مبدأ حسن النيّة في المعاملات،تضمنّه الحديث الشّريف:" إنّما الأعمال بالنيّات ".. مبدأ أنّ العقد ملزم لعاقديه،فقد تضمنّته الآية القرآنية: سورة المائدة يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " المتعاقدون أحرار في وضع شروطهم إلاّ ما يخالف النّظام العام،و الآداب العامّة،و هذا ما تضمنّه الحديث الشّريف: " المؤمنون عند شروطهم إلاّ شرطا أحلّ حراما، أو حرّم حلالا ".
- الفرع الثالث: مصادر الأحكام الشرعية المتّفق عليها.

لقد اتّفق جمهور المسلمين على الاستناد على أربعة مصادر؛وهي القرآن،السنّة،الإجماع، و القياس، و الدّليل على ذلك حديث معاذ بن جبل(رضي الله عنه)"الذي بعثه رسول الله(صلّى الله عليه،و سلم) قاضيا بالإسلام إلى اليمن، -فقال له الرّسول:كيف تقضي يا معاذ إذا عُرِضَ لك قضاء ؟-قال: أقضي بكتاب الله.-قال:فإن لم تجد في كتاب الله ؟-قال:فبسنّة رسول الله.-قال:فإن لم تجد في سنّة رسول الله.-قال:أجتهد برأيي،ولا آلو.أي لا اُقصّر في الاجتهاد.فضرب رسول الله(صلّى الله عليه،وسلّم) على صدره، و قال:الحمد لله الذي وفّق رسول الله لما يرضى الله، و رسوله".
و نتناول هذه المصادر بالتّرتيب، و بالتّفصيل الآتي:
أوّلا: القرآن الكريم
هو كتاب الله، نزل القرآن على النبيّ صلّى الله عليه،و سلّم، منّجمًا على مدى ثلاث، و عشرين سنة؛ فبعض الآيات صرّحت بالأحكام مباشرة، و حدّدتها تحديدا قاطعا، كآيات العبادات،و المواريث،و آيات تحريم الزنا،و القذف،و القتل بغير حقّ،و بعض الآيات لم يُعَيَّن المراد منـها على وجه التّحديد؛ فكانت محلّ الاجتهاد إذ لم يفصّل فيها، و جاءت بصيغة الإرشاد، والتّوجيه، كالآيات المتعلّقة بالمعاملات الماليّة،و حتّى التّي فصّل فيها اكتفت بالإرشاد، و التّوجيه، كآيات المداينة مثلا.
و قيل في تبرير هذا أنّ هذه الآيات خاصّة بمعاملات تتغيّر بتغيّر الظروف،و تطوّر الزّمن، لذلك اكتفى القرآن فيها بالقواعد الكليّة حتّى يكون النّاس في سعة من أمرهم.
و الذي يتصدّى لاستنباط الأحكام الشّرعية من القرآن الكريم لابدّ أن يعرفه كلّه،و هو أكثر من ستّة آلاف آية منها ما نسخ،و منها ما عدّلت أحكامها،و لم يختلف الفقهاء في نسخ القرآن،و لكنّهم اختلفوا في نسخ القرآن بالسنّة.فقد أجاز فقهاء المذهب الحنفي ذلك،و رأوا أنّ آية المواريث التّي جاء
كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين، وفيها : ا ، قد نسخت بحديث رسول الله (صلّى الله عليه،وسلّم): لأقربين بالمعروف حقّا على المتّقين. "لا وصيّة لوارث "، لكن جمهور الفقهاء لا يتقّبلون نسخ الكتاب ما ننسخ من آية،أو نسنّها نأت بخير بالسنّة،و لو كانت متواترة (1) لـقوله تعالى: . "منها، أو مثلها ألم تعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير " .
ثانيا: السنّة
السنّة هي ما صدر عن قول عن رسول الله(صلّى الله عليه، و سلّم) فتسمّى سنّة قولية،و قد تكون فعلية؛و هي ما تستخلص من أفعال الرّسول (صلّى الله عليه،و سلّم)،و لا بدّ من تحليل القول، و الفعل،و دراسة المصدر هل هو مقبول، أو لا. و قد تكون السنّة تقريرية، و هي أن يسكت الرّسول عن عمل،أو قول، و هو حاضر، أو غائب بعد علمه به.و قد يبدي الرّسول موافقته، أو يظهر استحسانه له(2) ، و هناك من يزيد عن سبعة آلاف حديث تتطّلب من المجتهد قدرا من النّباهة، و قد اختلفت المذاهـب في الأخذ بالأحاديث وفقا للثقة في الرّاوي،و الصّفات التّي يجب أن تتوافر فيه.
ثالثا: الإجماع
إنّ الحاجة المّاسة إلى الحكم في القضايا الجديدة في عصر الصّحابة بعد وفاة النّبي(صلّى الله عليه،و سلّم) أدّت إلى نشأة فكرة الإجماع عن طريق الاجتهاد الجماعي.ّ
و الإجماع عند جمهور الفقهاء؛هو اتفّاق المجتهدين من اُمّة محمد(صلّى الله عليه،و سلّم)بعد وفاته في عصر مـن العـصور على حكم شرعي (1)، و هنـاك من يرى ضرورة اتـفّاق جميع المجتهدين لـقول الرّسول(صلّى الله عليه، و سلّم): " لا تجتمع أمّتي على ضلالة "، و يذهب بعض الفقهاء إلى أنّه يكفي إجماع أكثر المجتهدين، و يستدّلون بقول الرّسول(صلّى الله عليه و سلّم):" أصحابي كالنّجوم بأيّهم اقتديتم،اهتديتم ".و الإجماع عند جمهور الفقهاء هو اتفّاق جميع المجتهدين.
و يرى الأستاذ أبو زهرة أنّه بعد إجماع الصّحابة الذي كان متواترا،
فهذا نصّ عن الخمر،و الحكم هو تحريمه،و العلّة من تحريمه هي الإسكار،و كذلك هو الضرر الغالب إذ يقول سبحانه،و تعالى : . يسئلونك عن الخمر،و الميسر قل فيهما إثم كبير،و منافع للنّاس" فيمكن بهذا إلحاق النّبيذ بالخمر، و يعتبر النّبيذ فرعا، و يمكن الإلحاق به كلّ ما فيه ضرر غالب فيكون حراما. و القيّاس الصّحيح هو الذي لا يتعارض مع الكتاب، و السنّة بل يعدّ تطبيقا لهما.
الفرع الرابع: مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر القانون الجزائري.

إنّ الشّريعة الإسلامية تعدّ مصدرا رسميّا للقانون الجزائري إذ تنّص المادة الأولى من القانون المــــدني على ذلك، فعلى القاضي إذا لم يجد حكما في التّشريع الرّجوع إلى مبادئ الشّريعة الإسلامية، و يقوم باستخلاصها من الكتاب، و السنّة، و الإجماع، و القيّاس، و ذلك باعتبار الشّريعة الإسلامية المصدر
الرّسمي الثاني بعد التّشريع.
و تعدّ الشريعة الإسلامية أيضا مصدرا مادّيا للقانون الجزائري، و المقصود بذلك أنّ المصدر المـــادّي، أو جوهر بعض نصوص القانون استمدّها المشرّع من مبادئ الشريعة الإسلامية، فيعدّ قانون الأسرة مستمّدا من الشريعة الإسلامية فيما يتعلّق بالزّواج، و الطّلاق، و الولاية، و الميراث، و الوصيّة، و الوقف،وتعدّ الشريعة الإسلامية أيضا مصدرا مادّيا لبعض نصوص القانون المدني منها حوالة الدّين،و كذلك استّمد القانون المدني الأحكام الخاصّة بتصرّفات المريض مرض الموت من الشريعة الإسلامية كما تعـدّ أحكام خيار الرؤية المعروفة في الشريعة الإسلاميّة مصدرا مادّيا للمادّة 352 مدني.و نظرية الظروف الطّارئة التّي نصّ عليها القانون الوضعي مأخوذة من نظرية العذر في الشريـعة الإسلامية، و إن كان يتـرّتب عليها فسخ العقد بالنّسبة لمبادئ الشريعة الإسلاميّة بينما يترّتب عليها تعديل الالتزامات مع بقاء العقد قائما بالنّسبة للقانون الوضعي.
و قد جعل المشرّع الجزائري القرض بفائدة بين الأشخاص باطلا وفقا للمادّة 454 من القانون المدني، و المصدر المادّي لهذا النّص هو الشريعة الإسلامية.
و يلاحظ أنّه إذا كانت الشريعة الإسلامية مصدرا مادّيا لبعض النّصوص التّشريعية، فذلك يعني أنّ القاضي ملزم بالنّـص التّشريعي،و لا يرجع إلى مــبادئ الشريعة الإسلامية إلاّ لمــساعدته على تفسير النّصوص المستمدّة منها.
*المطلب الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.

العرف هو ما ألّفه النّاس،و ساروا عليه في تصّرفاتهم،سواء كان فعلا،أو قولا،دون أن يصادم نصّا.
و هو يعتبر من أقدم مصادر التّشريع الإنساني، إذ أنّ البشرية بدأت بعادات، و أعراف جـعلت منها شريعة تحتكم إليها.و لا يزال العرف إلى يومنا هذا من أهمّ المصادر للقوانين (المادّة 1/2 من القــانـون المدني الجزائري ).و الشريعة الإسلامية حينما جاءت وجدت كثيرا من الأعراف في المجتمع العـربي،فأقرّت الصالح منها، و ألغت الفاسد من تلك العادات،و الأعراف.
و العرف الصحيح، كالمصالح المرسلة، يعتبر مصدرا خصبا في الفتوى، و القضاء، و الاجتهاد،فينبغي أن يراعي في كلّ من تشريع الأحكام، أو تفسير النّصوص.
و سنتعرّض لموضوع العرف في ما يلي :
- الفرع الأوّل: مفهوم العرف،و أقسامه.

العرف هو ما استقرّ في النّفوس، و تلّقته الطّباع السّليمة بالقبول، فعلا، أو قولا، دون معارضة لنصّ، أو إجماع سابق.
يفهم من هذا التّعريف أنّ تحقّق العرف يعتمد على عدد كبير من النّاس، اعتادوا قولا، أو فعلا تكرّر مرّة بعد أخرى حتّى تمكّن أثره من نفوسهم، و صارت تتلّقاه عقولهم بالقبول، و الاستئناس.و من ثمّ فإذا لم يكن الأمر المتعارف عليه شائعا بين أكثر النّاس لا يتكون به عرفا معتبرا، بل يكون من قبيل العادّة الفردية، و السلوك الشخصي.و العرف أصل أخذ به الحنفية، و المالكية في غير موضع النصّ،
و هو عندهم ما اعتاده النّاس من معاملات، و استقامت عليه أمورهم.و قال ابن العربي المالكي أنّ العرف دليل أصولي بنى الله عليه الأحكام، و ربط به الحلال، و الحرام.و قد اتّخذ من قوله عليه السّلام: « ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن ».و الذي مفاده أنّ الأمر الذي يجري عليه عرف المسلمين على اعتباره من الأمور الحسنة، يكون عند الله أمرا حسنا،و أنّ مخالفة العرف الذي يعدّه النّاس حسنا بشروطه المعتبرة شرعا، يكون فيه حرج، و ضيق، بقوله: « ما جعل عليكم في الدّين من حرج ». و من هنا، قال علماء المذهب الحنفي، و المالكي بأنّ الثابت بالعرف الصّحيح كالثابت بالنصّ الشّرعي-(1) ينقسم العرف إلى أربعة أقسام رئيسية :
*1 العرف اللّفظي(أو القولي) :
- هو اتّفاق النّاس على استعمال لفظ معيّن يخالف معناه اللّغوي لأنّه شاع بينهم استعماله، بحيث أطلق هذا اللّفظ فهم معناه العرفي دون معناه اللّغوي.كتعارف النّاس على إطلاق كلمة الولد على الذكر،دون الأنثى، مع أنّ الأصل اللّغوي يفيد شموله لهما ، و عدم إطلاق لفظ اللّحم على السمك، مع أنّ اللّغة لا تمنع ذلك(1) و إطلاق لفظ الدّراهم على النّقود الرّائجة في بلد ما،مع أنّ الأصل الـلّغوي يفيد النّقود الفضيّة المسكوكة بوزن معيّن.
*2 العرف العملي(أو الفعلي) :
- و هو اعتياد النّاس على الأفعال العادّية، أو المعاملات المدنية، أو التّجارية، و هو إمّا أن يكون معروفا لدى الجميع فيسمّى عامّا ( حيث تمّ التّعامل به لدى كافّة النّاس مثلا )، و إمّا أن يكون خاصّا ببلد معيّن، أو بحرفة معيّنة.كتعارف النّاس على تعجيل الأجرة قبل استيفاء المنفعة، أو تعارفهم على البيع بالتعاطي من غير صّيغة لفظية، أو تعارفهم على دفع مبلغ معيّن من المهر في الزّواج قبل الدّخول و غيرها من الأعراف العملية.
*3 العرف العامّ:
- و هو الذي ألّفه النّاس، و اعتادوه في كلّ البلاد في وقت من الأوقات، من حاجات، و لـــــوازم أصبحت جارية في أغلب الحاجات، كتعارف النّاس في الصّناعات، و الحرف التّجارية، و الجلوس في المقاهي دون تحديد المدّة،و دخول الحمّام دون شروط،و إقامة وليمة الزّفاف عند الزّوج،و غيرها.
*4 العرف الخاصّ:
- و هو الذي يتعارف عليه أهل بلد دون بلد، أو إقليم دون آخر، أو طّائفة من النّاس دون أخرى كتعارف التجّار على أنّ العيب ينقص الثمن في البيع، و تعارفهم على استعمال خيار الرؤية في البيع عن رؤية نموذج من البضاعة كلّها، و تعارف أهل بعض البلاد على تقسيم المهر إلى جزئين معجـّل،
و مؤجّل، و غيرها.
. الفرع الثاني: مزايا العرف، و عيوبه.

1 / مزايا العرف:
يرجع الفضل في إبراز أهميّة العرف، ومزاياه للمدرسة التّاريخية التّي تعطي الأولوية للعرف على التّشريع؛ إذ تبيّن أنّ العرف:
1 ـ يلائم،أو يوافق حاجات الجماعة،لأنّه ينشأ باعتياد النّاس عليه،فيأتي على قدر متـطلّـــبـات المجتمع باعتباره ينبثق من هذه المتطّلبات،فبظهور متطّلبات جديدة تنشأ أعراف جديدة تزول بزوال
هذه المتطلبّات.
2 ـ كما أنّه يوافق إرادة الجماعة أيضا باعتباره يصدر عنها،و ينشأ في ضمير الجماعة،فهو قانون أكثر شعبية من التّشريع لأنّ مصدره الشّعب، بينما التّشريع يصدر من السّلطة فيوافق إرادتها فقط،و قد سبق القول بأنّ القوانين إذا صدرت بهذا الشّكل لن تستمرّ طويلا.
3 ـ إنّ العرف قابل للتطّور وفقا لتطّور الظروف الاجتماعية، و الاقتصادية، فهو يـتـطّور بـتــطّــور
المجتمع،و يزول إذا زالت الحاجة التّي أدّت إلى ظهوره.
*2/ عيوب العرف (1):
*2/ عيوب العرف (1):
يمكن إبراز عيوب العرف في المسائل التّالية :
1 ـ العرف بطيء التّكوين، و كان يعتمد عليه في مرحلة كان فيها التطّور الاقتصادي،و الاجتماعي بطيئين، و لكن الآن مع سرعة تطّور المجتمع في جــميع المجالات لا يمــكن الاعتماد عـليه لتطــّور المجتمع في الحالات التّي تتطّلب السرعة.
2 ـ العرف متعدّد بل قد يكون محلّيا خاصّا بمنطقة معيّنة،ممّا يؤدّي إلى تعدّد القواعد القانــونية، بينما التّشريع موّحد يطّبق على الكّافة.لهذا يظلّ التّشريع أوّل مصدر للقـانون، و أهمّه، لأنّه يحقّـق وحدة القانون، و الأمن، و الاستقرار، إلى جانب كونه قابلا للتطّور بسرعة كلّما تطّلبت الأوضاع ذلك،فيتّم إلغاء التّشريع القديم، أو تعديله، و صدور تشريع جديد.
3 ـ إنّ القواعد العرفية مرنة، و عدم كتابتها يجعلها صعبة بحيث يكون من العسير ضبطها،بينما التّشريع يسهل ضبطه لكونه مكتوبا.
و لا تعني هذه العيوب أنّ العرف قليل الأهميّة، و لكنّه يعدّ أقلّ فائدة من التّشريع، و تـــظلّ له مكانته بحيث يعدّ المخرج العملي في حالة عدم وجود نصّ تشريعي إذ يرجع القاضي على العــرف الجاري،كما أنّ المشرّع يستعين بالعـرف في مسائل معيّنة لا عنه بصددها،إذ هناك مسائل تقـتـضي
طبيعتها أن تكون لها حلول متـنّوعة قابلة للتـغيير، و بفـضل عـدم تجميدها، أو تقـييدها بنصوص تشريعية تحول دون تطّورها المستمّر.
الفرع الثالث: أركان العرف.

للعرف ركنان:ركن مادّي،و ركن معنوي يميّزه عن العادّة الاتـّفاقية.
الركن المادّي:
و يتمثّل في اطّراد،أو تكرار سلوك النّاس في مسألة معيّنة بما يكفي لإنشاء عادة Usage تتوفرّ فيها شروط أساسيّة، و هي:
- أن تكون عامّة(Usage général) و يكفي أن تكون كذلك،و لو كان العرف محلّيا،أو مهنيا.
- أن تكون قديمة) (Usage ancien أي مضت على ظهورها مدّة كافية لتأكيد استقرارها. و تختلف هذه المدّة باختلاف البيئة،و هكذا تتحقّق الأقدمية للعادة التي تنشأ في البيئات التجارية لكثرة تكرارها في وقت أقصر مقارنة بالعادة التي تنشأ في بيئة زراعية.
- أن تكون العادة ثابتة (Usage constant) أي اتبعت بنفس الصورة منذ ظهورها بغير انقطاع.
الركن المعنوي:
هو اعتقاد الناس بإلزامية العادة، أي شعور الناس كافّة بأنّهم ملزمون باتّباع هذه العادّة لأنّــــــــها أصبحت قاعدة قانونية،و يتعرّضون لجزاء في حالة مخالفتهم لها،و لا يوجد ضابط يمكن الاستناد إليه لتحديد الوقت الذي يتمّ فيه توافر الشــعور بإلزام العرف. و لكن ينشأ هذا الشعور تـدريجيّا، و متـّى استقرّ أصبحت العادّة عرفا.و الركن المعنوي هو الذي يفرّق بين العرف، و العادّة إذ لو افتقدت العادّة الركن المعنوي، ظلّت عادة فقط،و ليست عرفا، فتكون غير واجبة التّطبيق كما أنّ التقاليد الاجتـماعية كالعادات المتعلّقة بآداب الزيارات،و التهنئة،و تقديم الهدايا في المناسبات حتّى لو كانت عادات عامّة ثابتة،و قديمة،فإنّها ليست عرفا،لعدم شعور النّاس بإلزاميتها فمخالفتها لا يترّتب عنها جزاء.
العرف و العادة الاتّفاقية(1) .
يشترط العرف توفرّ الركنين المادّي، و المعنوي في نفس الوقت، و من ثمّ يتميّز عن مجرّد العــــادة التـّـي يعمل بها دون أن يسود الاعتقاد بإلزامها، و لا يتحقّق فيها هذا العنصر إلاّ باختـيار الأفـراد حينما يعبّرون عن إرادتـهم إزاءها بالاتـّـفاق على الأخذ بها،و لذلك يطلق عليها العادة الاتــّفاقية
( L’usage conventionnel).
و بما أنّ العادة يكون إلزامها بالاتـّفاق عليها فهي تخـتلف عن القاعدة المكملّة تشـريعية كـــــانت، أو عرفية التـّي لا يلزم تطبيقها إلاّ إذا لم يوجد الاتـّفاق على خلافها.
و جدير بالذكر أنّ العادة غالبا ما تنتهي إلى أن تصير عرفا، و ذلك حينما تتوفرّ على عنـصر الإلـزام المبني على عقيدة عامّة في وجوب احترام السنّة التّي تجري بها العادّة، و وجوب كفالة هذا الاحترام بقوّة القهر المادّي التّي تمارسها السّلطة العامّة، و يترّتب على التفرقة بيــن العرف، و العادة الاتفاقية نتائج هامّة نذكر من بينها ما يلي: العرف كأيّ قاعدة قانونية يطبّق فــي شأنه مبدأ لا عــــذر بجهل القانون،أمّا العادة،و هي واقعة مادّية أساس إلزامها إتـّفاق الأفراد فلا يصّح افتراض العلم بها.
العرف كأيّ قاعدة قانونية يلزم القاضي حتّى، و لو لم يطلب الخصوم تطبيقه على خلاف العادّة التّي لا تطبّق إلاّ عند التمسّك بها من طرف المتقاضين، و من ثمّ يقع عليهم إثبات وجودها المادّي في حين يلزم القاضي بمعرفة العرف كما يلتزم بمعرفة القانون بوجه عامّ، و إن كان له أن يتوسّل بكلّ
الطرق للوقوف على العرف بما فيها الاعتماد على الإثبات المقدّم من الخصوم، و خاصّة حينما يتعلّق العرف المراد إثباته بمهنة معينّة حيث تكون الكلمة الحاسمة لذوي الاختصاص، و الكلمة الأخـيرة للقاضي بمقتضى سلطته التّقديرية،و إن كان يخضع في هذه السلطة لرقابة المحكمة العليا باعتبــار
العرف قانونا أحال عليه التّشريع صراحة،و لا يخضع القاضي طبعا لهذه الرّقابة حينما يتعلّق الأمر بمجرّد العادة إلاّ في حدود إثبات المتقاضين وجود اتـّفاق بينهما بشأن هذه العادّة فيطّبق آنذاك المبدأ القانوني:العقد شريعة المتعاقدين ممّا يخوّل المحكمة العليا سلطتها في الرّقابة على تطبيق هذا المبدأ.
- الفرع الرابع: دور العرف،و أساس القوّة الملزمة له.

من وظائف العرف الأساسية دوره التّكميلي للتّشريع،و هذا عند سكوت هذا الأخير لكن للعرف وظائف أخرى فقد يلعب دورا مساعدا للتّشريع غالبا بإحالة من هذا الأخير لكن إلى أيّ مدى يصـحّ مخالفة العرف للتّشريع ؟.
العرف المكمّل للتّشريع :
إنّ الدور الأساسي للعرف باعتباره مصدرا رسميّا احتياطيا للقانون هو دوره المكملّ للتّشريع فـــــإذا وجد نقص في التّشريع فيمكن أن يلجأ إليه لحلّ نزاع قانوني مثلا،و ذلـــك تطبيقا للمادّة الأولى من القانون المدني التّي تنّص على ذلك صراحة لكن لابدّ من معاينة القاضي لهذا النّقص في التّشريع من جهة،و لعدم إمكان سدّ هذا النّقص باللجوء إلى مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الاحتياطي الأوّل من جهة ثانية.و يعلّل الفقه دور العرف المكمّل في القوانين التي لا تجعل منه مصدرا احتياطيـا صراحة بأمرين:أولّهما أنّ سكوت المشرّع عن مسألة معينّة يحتمل أن يفسّر بوجود عرف ثـابت يدّل في ذاته على صحّة السّلوك المتبّع ممّا يستبعد الحاجة إلى تدّخل المشرّع لتـــغييره،
و ثانيهما أنّه عندسلوك القانون من الأفضل الاعتراف للعرف الموجود بالقوّة الإلزامية لما في ذلك من ضمان للاسـتقرار القانوني، فالنّظام القانوني يكون آنذاك مزوّدا بقاعدة سلوك مشهورة، و شّائعة يمكن لأيّ شخص أن يرجع إليها على الأقلّ طالما لم يتدّخل التّشريع بما يتنافى معها و يلعب العرف دوره على هذا النّحو،أي كمصدر رسمي تكميلي بالنّسبة لكلّ المعاملات التّي تسري في شأنها مختلف فروع القانون.على أنّ هذه القاعدة لا تطّبق بنفس الوتيرة، و القوّة بالنسبة لكلّ فروع القانون.
فمثلا بالنّسبة لقانون العقوبات حيث يسود مبدأ لا جريمة، و لا عقوبة، و لا تدبير أمن بــــــغـير قانون ( م 1 القانون العقوبات الجزائري ) لا مكان إطلاقا للعرف بوصفه مصدرا تكميليا،و من ثمّ فعلى القاضي حين لا يجد نصّا في التّشريع يقضي بتجريم الفعل، و العقاب عليه، أن ينطق بالبراءة دون تردّد.و لكن العرف قد يلعب هنا؛ أي في القانون الجنائي كما في غيره من الفروع دورا مساعدا مثلا لتحديد مضمون النــصّ
كما سيأتي.
أمّا بالنسبة للقانون التجاري فنظرا للمكانة المتميّزة للعرف في هذا القانون فإنّ هذه القـاعدة قــــد تستبعد أصلا للسّماح لقاعدة عرفية بمخالفة قاعدة تشريعية كـما سـيأتي. كما تجدر الإشـارة إلى أنّ القواعد العرفية تتمتّع بمكانة خاصّة في مجال القانون الدّولي،و لكن يتعلّق الأمر هنا بالعرف الدّولي(1).
العرف المساعد للتّشريع :
يمكن أن يلعب العرف دورا مساعدا للتّشريع، و يلاحظ في هذا الصدد أنّ التّشريع ذاته غـــالبـا ما يحيل على العرف كما هو الشأن في القواعد المكملّة التّي غالبا ما تنتهي بالعبارة التّالية ما لم يوجد اتّفاق، أو عرف يقضي بغير ذلك كما جاء مثلا في المادّتين 387، و388 من القانون المدني )، و قـد يلعــب العرف دورا في تحديد مضمون النصّ التّشريعي، و من أمثلة ذلك القاعدة التي تقرّر أنّ العقد لا يقتصر على إلزام ا
العرف المساعد للتّشريع :
يمكن أن يلعب العرف دورا مساعدا للتّشريع، و يلاحظ في هذا الصدد أنّ التّشريع ذاته غـــالبـا ما يحيل على العرف كما هو الشأن في القواعد المكملّة التّي غالبا ما تنتهي بالعبارة التّالية ما لم يوجد اتّفاق، أو عرف يقضي بغير ذلك كما جاء مثلا في المادّتين 387، و388 من القانون المدني )، و قـد يلعــب العرف دورا في تحديد مضمون النصّ التّشريعي، و من أمثلة ذلك القاعدة التي تقرّر أنّ العقد لا يقتصر على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون،و العـرف،و العدالة بحسب طبيعة الالتزام ( م 107 من القانون المدني )،و هكذا يمكن الاستعانة هنا بالــعرف لتحديد المقصود بعبارة " مستلزمات العقد "، و نفـس الأمر بالنّسبة للعيوب التـّي يتضـمنّها المؤجـرّ،و مسؤولية البائع عن النّقص في مقدار المبيع التّي تحدّد بحسب ما يقضي بــــــه العرف (المادّة 365 فقرة1من القانون المدني ) كما يكون للعرف أيضا دور في الكشف على القصد عند المتعاقدين، و هكذا يحيل القانون على العرف للاسترشاد به من طرف القاضي للتعرّف على نيّة المتعاقدين مثلا في المادّة 111 ف2 من القانون المدني التّي تنّص على أنّه " إذا كان هـناك محلّ لتأويل العـقد فيجـب البحث عـن الـنيـّة المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المـعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التّعامل، و بما ينبغي أن يتوافر من أمانة،و ثقة بين المتعاقدين،وفقا للعرف الجاري في المعاملات ".
أساس القوّة الملزمة للعرف :
طرحت في الفقه الإسلامي مسالة الأساس الذي يستمّد منه العرف قوّته الإلزامية، و اقترحت في هذا الصدد عدّة نظريات من بين هذه النظريات تلك التّي تبني إلزام العرف على إرادة المشرّع، و لكن سبق العرف للتّشريع كاف لدحض هذه النّظرية، و هجرها،و البحث عن أساس آخر.و هكذا أوجد الفقـــه أساس الضّمير الجماعي باعتبار أنّ الــــــقانون استنادا إلى المذهب التّاريخي ينشأ،و ينمو في ضــمير الجماعة، و العـرف أفــــضل وسيلة للتّعبير عن ذلك، و الكشف عنه مباشرة.لكن إلى هذا الحدّ يكون المذهب التّاريخي قد أسهم في بيان العناصر المكونّة للعرف، و خاصّة العنصر المعنوي دون ينـــــفذ إلى جوهر أساس إلزام العرف لغموض الفكرة المبنيّة عليها أصلا النظرية التّاريخية.
اقترح كذلك أساس آخر هو الأساس القضائي، بمعنى أنّ العرف يأخـذ قوّته الإلـزامية بعـد أخذ المحاكم به، و لا شكّ أنّ هذه الفكرة لها ما يبــررّها في نظام السّوابق القضائية (النظام الإنجليزي )، و لكن يكفي الرّجوع إلى إلزامية القواعد العرفية المهنية لدحض هذه النظرية التّي لا تستقيم أيضا مــن زّاوية كون القضاء يطّبق القانون الذي يسبق إلزامه كلّ ما هنالك أنّ القضاء يمكن أن يساعد في تحديد مضمون العرف، و تدعيم قوّته الإلزامية، و هكذا ينتهي الرأي الغالب إلى أنّ للعرف قوّة إلزامية ذاتية معترف بها من السّلطة العامّة ( م 1 ق مدني .
*المطلب الثالث: مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة .

ذكر المشرّع الجزائري في-المادّة الأولى من القانون المدني- مبادئ القانون الطّبيعي، و قــــواعد العدالة كمصدر يــمكن أن يلجأ إليه القاضي عندما لا يجد قــاعدة يطّبقها لا في التّـــشريع،و لا في المصدرين الاحتياطيين المدروسين سابقا؛ أي مبادئ الشّريعة الإسلامية،و العرف.
- الفرع الأوّل: المقصود بمبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.

إنّ القانون الطّبيعي فكرة يسودها غموض كبير منذ نشأتها القديمة حيث كانت تعني نــــوعا من إسقاط التوازن المثالي للطّبيعة على الحياة الاجتماعية،ممّا يضمن سيادة مبدأ سامي للعدالة،و مـن ثمّ يقترن القانون الطّبيعي دائما بفكرة العدالة.
كما أنّ القانون الطّبيعي يقصد به تلك القواعد المثلى في المجتمع،كالقيم الإنسانية المتعلّقة بالـــخير، و الشرّ،و هناك مـن عرّفها أنّـها مجموعة المبادئ العليا التّي يسلّم العـقل الإنساني السّـليم بضرورتها في تنظيم العلاقات بـين الأفراد داخل المجتـمع الإسلامي، أمّا قواعد العدالة فهي تلك الفكرة المرنة،و التّي يختلف مفهومها من شخص إلى آخر.
و من بـين المـبادئ المستعملة من قواعـد العدالة حماية حقوق الإنسان، و حماية الملكية الأدبية، و الفنيّة، و عدم التعسّف في استعمال الحقّ.
- الفرع الثاني: المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة .

لكي نفهم المقصود بإحالة المشرّع على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة،لابدّ من التــــــّذكير بالكيفية التّي دخل فيها القانون الطّبيعي التّقنيات، و أخذ الصّبغة الرّسمية فيها.
لقد سبقت الإشارة إلى أنّ القانون الطّبيعي يعتبر المصدر المادّي الأسـاسي للـــــــقانون الوضعي، إذ يستلهمه المشرّع من مبادئه العامّة لوضع القواعد التّفصيلية لهذا الأخير، و هي التّي يطبّقها القاضي.
و لكن ما دور مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة بالنّسبة للقاضي ؟
يتبيّن من قراءة أوليّة للمادّة الأولى من القانون المدني أنّ المشرّع قد رتّب مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة في المرتبة الثالثة من بين المصادر الرّسمية الاحتياطية، و لكن سرعان ما يتبيّن مـن قراءة تحليلية، و تّاريخية لهذا المصدر الاحتياطي للقانون أنّ المشرّع ما كان يقصد بالإحالة إليــــه اعتباره حقيقة مصدرًا رسميًّا احتياطيًّا، و لكن مجرّد مصـدر مادّي يستعـين به القاضي في إيــــجاد الحلّ للنّزاع المعروض عليه حينما لا تسعفه في إيجاد هذا الحلّ، المصادر الأصلية، و الاحتيـاطية.
فمن زاوية تحليلية لفكرة القانون الطّبيعي يلاحظ أنّه على خلاف المصادر الاحتياطية الأخـــــــرى لا يتضمنّ هذا المصدر الأخير قواعد دقيقة محدّدة قابلة للتّطبيق، إذ هو من المبادئ، و القيّم المثـالية التي تقوم بها البشرية جمعاء؛ فالقاضي لا يجد إذن أمامه قواعد يطبّقها هنا، و إنّما يعتمد عل هذه
المبادئ المثالية،و يضع نفسه في مكان المشرّع،و ينشئ قاعدة من هذه المبادئ،و يطبّـــقها على النّزاع المعروض عليه،لكن هذه القاعدة ينتهي مفعولها بحلّها للنّزاع الذي وضعت من أجــل حلّه؛فالقاضي يطبّق القانون،و لا ينشئه،و ممّا يؤكدّ هذه الفكرة أنّ الفقهاء بما فيهم كبار أنصار القـــانون الطّبيعي
لم ينظروا أبدا إليه كمجرّد قانون يتضمنّ مبادئ عامّة موّجهة للحلول العادلة التي يستــخلصها من هذا القانون المشرّعون حسب الوضع الاجتماعي الذي يريدون تنظيمه، فلا يمكن إذن تصّور أن يكون القانون الطّبيعي مصدرا رسميا للقانون، بل مصدرًا احتياطيًّا له.
- الفرع الثالث: مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.

- إننّا نرى أنّ نصّ المادّة الأولى من القانون المدني على إحالة القاضي إلى مبادئ القانون الطبيعي، و قواعد العدالة ليس له ما يبرّره،ذلك أنّ هذه المادّة تعدّ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الرّسمي الأوّل بعد التشريع،و مبادئها هي الأدّق،و الأكثر انضباطا،لكن مبادئ القانون الطبيعي، و قواعد العدالة تنوب عنها، و المستخلص أنّ التشريع أصل يحيل إليها.
الخاتـــــمة :

و في ختام ما عرضناه في بحثنا هذا، يتلّخص لنا في الأخير أنّ المصادر الرّسمــية للقانون التي تمّت دراستها سابقا ليست كافية،و القاضي يجب عليه فصل النّزاع المعروض عليه، و ذلك باللّجوء إلى المصادر الاحتياطيّة للقـانون، بـدءًا بالشّريعة الإسلاميـة،ثمّ العـرف، و آخِرُها مبادئ القانون الطّبيعي و قـواعد العدالـة،نظرا للدّور الكبير الذي تلعبه في حال قصور التشريع.و قـــد حاولنا جـهدنا أن نعطي لكلّ مصــــدر من المصادر الاحتياطية حقّه في الشّرح، و التّفصيل،على ضـوء ما وجدناه في المصادر، و المراجع القانونية التي بحثنا فيها، لذا نرجو أننّا وفّقنا،و وضحنّا، و لو جزءا بسيطا من موضوع بحــثنا، و إن لم نـحقّق ذلك فحسبنا أننّا حاولنا،و تبارك ذو الكمال سبحانه جلّ و على ،عليه توّكلنّا، و استعنا،و استهللنا عرضنا،و بحمده نختمه، و سلام على إمام الهادين، و على الأنبياء، و المرسلين،و الصّحابة أجمعين.
التشريعات :
1 ـ الدستور الجزائري 1996 .
2 ـ التقنين المدني الجزائري .
مصادر فقهية :
1 ـ الأستاذة محمدي فريدة زواوي ، النظرية العامة للقانون ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، الطبعة الثانية ، 1999 .
2 ـ د / وهبة زحيلي ، اصول الفقه الإسلامي ، الجزء الأول .
الإمام محمد أبو زهرة / أصول الفقه . 3 ـ
4 ـ الأستاذ الدكتور زعلاني عبد المجيد ، المدخل لدراسة القانون – النظرية العامة للقانون ..
5 ـ الدكتور / بلحاج العربي ، المدخل لدراسة التشريع الإسلامي ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 2002 .
6 ـ الدكتور / سعيد جعفور ، المدخل للعلوم القانونية الوجيز في نظرية القانون ، الطبعة الثالثة عشر ، دار الهومة ، 2002 ، ص
7 ـ الدكتور / سعيد بوشعير ، القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة ـ الجزء الأول ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، 1992 .
8 ـ د / اسحاق ابراهيم منصور ، نظريتا القانون و الحق ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ، الطبعة لخامسة ، 1990 .