منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - *«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-12-23, 20:31   رقم المشاركة : 147
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


المحاضرة السادسة: بنية النص الشعري الجزائري في مرحلة الثورة والنص الشعري الجزائري الحر:
لم تُنتج الثورة نصا مختلفا بالكامل إنما هي مرحلة أثّرت في الشعرية الجزائرية بمختلف أطيافها وطبعتها بطابعها على المستوى اللغوي والموضوعاتي بالخصوص، لهذا لا يمكن اعتبار نص مرحلة الثورة –العمودي منه- نصا جديدا كلية، فمرحلة الثورة ليست اتجاها جديدا إنما مؤثرات خارجية أثرت في الشعر، وعليه سنتتبع خصائص النص الثوري انطلاقا من نماذج عنه تعد امتدادا لما قبل الثورة، فشعراء الثورة أنفسهم من كتبوا في ما قبلها، ويضاف لهم شعراء آخرون أول ما كتبوا في الثورة لكن على نهج من سبقهم، وتجدر الإشارة في هذا الموضع إلى أن الرغبة في الثورة لم تكن مع 1954 بل قبل ذلك فالشعب الجزائري عرف حقيقة الثورة و دورها في تخليصه من المحتل خصوصا بعد أحداث الثامن ماي 1945 الدامية التي تأكد فيها للشعب الجزائري ضرورة القتال المسلح لنيل الحرية، بهذا فقد عملت أحداث العقدين الرابع والخامس من القرن العشرين دورا مهما في شحذ الجزائريين وتعبئتهم لقضيتهم والتفافهم حول الثورة[1]، التي مهّدت إليها نصوص مبكّرة أطلقت رصاص اللغة وانتفضت، ومن هذه النصوص تُطالعنا رائعة محمد العيد آل خليفة وهي النشيد الذي ظهر سنة 1946، ليكون أول صرخة غضب شعبي:

من جبالنا طلع صوت الأحرار* ينادينا للاستقلال
ينادينا للاستقلال* لاستقلال وطننا
تضحيـــتنا للوطن *خــــير من الحياة[2]
من خلال هذا النص يظهر رغبة الجزائريين في التخلص من نير المحتل، بكل السبل فالتضحية في سبيل الوطن خير من الحياة. ومن هذا تظهر بوادر النزعة التحررية في الشعر الجزائري قبل الثورة، حيث مهّدت لها عدت عوامل، من أحداث ماي إلى ظهور الحركات السياسية الداعية للتحرر والحركة الإصلاحية وغيرها من الأسباب[3]، حيث اجتمعت لتقدّم نصا فتح الباب أما النص الثوري الذي تميّز على المستوى اللغوي والموضوعاتي، وفيما يلي نتتبّع أهم خصائصه من خلال نصوص أعلامه:
3-1- المستوى اللغوي: وفيه أخذت الألفاظ أبعادا جديدة في التوظيف فقد صارت محملة بشحنات الثورة وقاموسها ومن أمثلة هذا التوظيف نذكر ما قاله مفدي زكريا* واصفا الشهيد أحمد زبانة وهو متجه للشهادة بالمقصلة ليلة 18 جويلية 1955 حيث يقول:
قام يــختال كالمسيح وئيدا * يتهادى نشوان، يتلو النشيدا
باسم الثغر كالملاك أو كالكطـ*ـفل، يستقبل الصباح الجديدا
شــامــخا أنفه جلالا وتيها* رافعا رأسها يناجي الخلودا[4]
من خلال هذه الأبيات تظهر قوة القاموس المستخدم ورنين كلماته فمنها؛ يختال، المسيح، يتهادى، رافعا ، شامخا، جلالا، الخلود وكلها كلمات قوية النغمة مؤثرة في المتلقي، وهذا يُمدّ النص بقوة إيقاعية كبيرة، تجعله يثور أثناء تلقيه فيُعبّر أحسن تعبير عن الثورة، التي لم يكتف الشاعر بقوّة اللفظ ونغمه الرنّان بل وظّف معه العديد من الأسماء والمناطق الجغرافية الجزائرية ليزيد من شحن الجزائري للالتفاف حول الثورة وقضية الحرية، ومن نماذج توظيف أسماء المناطق نجد توظيف أسماء الجبال التي احتضنت الثورة بصرْحها الكبير يقول مفدي زكريا:
هذي الجبال الشاهقات شواهد* سخرت بمن مسخ الحقائق وادعى
سل (جرجرا) تُنبّئك عن غضباتها* واستفت (شليا) لحظة و(شلعلعا)
واخشع بـ(وارشنيس) إن ترابها* ما انفك للجند المعطّر مصرعا[5]
نلاحظ من خلال الأبيات توظيف الشاعر لعدد من أسماء الجبال التي اتخذها الثوار حصونا لضرب العدو، ومنها جرجرة وشليا وشلعلع وغيرها مما دارت فيه معارك طاحنة كبّد فيها الثوار المحتل الفرنسي خسائر باهظة.
لكن رغم حداثة النص الثوري إلا أنه لم يخرج في بنيته عن الشعر التقليدي مقلّدا أو محاكيا نصوصه ومن ذلك قول مفدي زكريا معارضا أبي تمام في فتح عمورية:
السيف أصدق لهجة من أحرف * كتبت، فكان بيانها الإبهام
والنار أصدق حجة، فاكتب بها* ما شئت تصعق عندها الأحلام
إن الصحائف للصفائح أمرها * والحبر حرب، والكلام كلام[6]
ومنه فالنص الثوري العمودي القالب لم يخرج عن خط التقليد سواء على مستوى اللغة أو الإيقاع، إلا أن هذا لم يدم طويلا فبظهور النص الحر الوافد الجديد من المشرق، حتى انطلقت أقلام شعرائه في اقتحام عباب الثورة مجرّبين الشكل الجديد، ومما نسجّله من النصوص الحرة التي قيلت في هذه المرحلة خصوصا بعد 1957 قول أبي القاسم سعد الله، رائد الاتجاه الشعري الحر في الجزائر:
وهيهات. يا ألف قفل حديد
ااه اه ااه اه ااه ا ااه اه
فعولن فعولن فعول فعولن
ويا ألف سوط شديد
ويا ألف زنزانة مظلمة
ستنهار جدرانك الشامخة
وأقفالك المحكمة[7]
نلاحظ الشكل الحر في بناء النص، بداية بشكله الهندسي الشجري وانتهاء باللغة البسيطة المتداولة والإيقاع الذي اتخذ من تفعيلة "فعولن" البسيطة أساس لبنائه، حيث اجتمعت كلها لتحتضن موضوعا ثوريا، دلت عليه ألفاظ مثل: قفل حديد، سوط، زنزانة وغيرها من متعلّقات الثورة والمحتل.
3-2- المستوى الموضوعاتي: لم تخرج موضوعات النص الثوري على مجال الثورة والحرب وحق الشعب في الاستقلال وفضح جرائم المحتل ومن نماذج ذلك ما نقرؤه في رسالة مفدي زكريا لأحمد زبانة في طريقه للسماء، ومنها يقول:
يا (زبانة) أبلغ رفاقك عنا*في السماوات، قد حفظنا العهودا
واَرْوِ عن ثورة الجزائر، للأفـ*ـلاك والكائنات ذكرا مجيدا[8]

يقول مفدي زكريا مصورا الشقاق في الثورة ومنددا به:
أنا حطّمت مزهري. لا تسلني* وسلوت ابتسامتي لا تلمني
...
مذ رأيت السفين يجرفها اليم * لسوء المصير، أغرقت سفني[9]
وقبل ختام تتبعنا للمشهد الشعري في عهد الثورة نعرّج على جديد تلك المرحلة نصيا وهو الشعر الحر، الذي عرف طريقه للجزائر عبر الطلبة الجزائريين الذين درسوا في المشرق.


المحاضرة السابعة: النص الشعري الجزائري الحر:
يلفتنا خلال فترة الثورة ظهور نمط شعري جديد وهو الشعر الحر، الذي أراد من خلاله الشعراء مواكبة التطور الشعري العربي المعاصر، فالانطلاقة فيه كانت عربية خالصة، فلا نرصد أي طابع غربي فيها، رغم أن الدعوة لتحديث الشعر الجزائري كانت قبل ذلك حيث نجدها مع رمضان حمود الذي دعا مبكّرا لتحديث الشعر ومواكبة التطور الشعري الغربي إلا أن القطيعة معه ظلت قائمة[10]، فلم يطوّر الشعر الجزائري لغته وإيقاعه إلا في منتصف الخمسينات من القرن العشرين متأثرا بالشعر العربي المعاصر، وقد دشّن ذلك الشاعر الجزائري أبو القاسم سعد الله بقصيدة طريقي سنة 1955[11] ومنها يقول:
سوف تدري راهبات وادي عبقر
اه ااه اه اه ااه ا اه اه اه اه اه
فاعلاتن فاعلات فالاتن
كيف عانقت شعاع المجد أحمرْ
اه ااه اه اااه اه اه ااه اه
فاعلاتن فعلاتن فاعلاتن
وسكبت الخمر بين العالمين
اااه اه اه ااه اه اه ااه اه
خمر وحب وانطلاق ويقين
اه اه ااه اه اه ااه اه اااه اه
ومسحت أعين الفجر الوضية
اااه اه اه ااه اه اه ااه اه
وشدوت لنسور الوطنية
إن هذا هو ديني
فاتبعوني أو دعوني
في مروقي
فقد اخترت طريقي
يا رفيقي.[12]
يظهر من خلال نص سعد الله الطابع الحر في البناء وذلك على مختلف مستويات القصيدة، اللغوية منها والإيقاعية، فلغتها من قاموس متداول وأكثر بعدا عن التقليد، ومن ألفاظه؛ المجد، نسور الوطنية، رفيقي... كلها ألفاظ قريبة من المتلقي المشبّع بقيم الثورة، أما تراكيبها فمختلفة عن التراكيب التقليدية وتظهر فيها بذور التحديث ومن ذلك قوله : خمر وحب وانطلاق ويقين، حيث يظهر التركيب المبني على روابط إسنادية مختلفة عن الشكل التقليدي، مما يجعلنا أمام نص جديد يتشكّل ليؤسس ثورة في بناء القصيدة الجزائرية المعاصرة. كما نرصد توظيفه للصورة بشكل تجاوز فيه التشبيه والاستعارة فقد أدخل الأسطورة في قوله (وادي عبقر) ليُحمّلها بشحنات شعرية تستمد طاقتها من ماضي الأسطورة والقدرة العجيبة الذي يمدها هذا الوادي بمخلوقاته للشاعر ليقول ما لا يستطيع غيره قوله. إضافة للأسطورة نجده يستخدم الرمز بكثافة ومن ذلك قوله (المجد الأحمر) رمزا للتضحية في سبيل الوطن.
ولكن رغم حداثة التشكيل اللغوي للنص الحر وطموح الشعراء التجديدي إلا أنهم احتفظوا بسمة الوضوح[13] في نصهم الذي لم يتوقّف بعد الاستقلال إلا لينطلق معليا تمرّده في النص السبعيني.
أما على المستوى الإيقاعي فنلاحظ بعد التقطيع أن النص مبني على تفعيلة فاعلاتن وهي تفعيلة بحر الرمل وقد توزّعت بشكل متباين عبر الأسطر مما ولّد الشكل الشجري الذي قدّم تشكيلا هندسيا مختلفا عن النص التقليدي التناظري.
وقد توالت النصوص بعد سعد الله مجرّبة الشكل الجديد فكتب صالح باوية وأبو القاسم خمار وغيرهما الكثير من القصائد أخذت في معظمها طابع الثورة وموضوعها بسبب السياق الذي وُجدت فيه ومن نماذج هذه النصوص نذكر ما كتبه باوية:
إن تزرنا أيها النجم المغامر
نُطلق الأقمار من غضبة ثائر
نُطلق الأسرار من صمت الحناجر
....
ساعة الصفر انطلاقات مشاعر
يقظة الإنسان ميلاد الجزائر[14]
يظهر جليا من خلال هذا النص البعد الثوري الذي أسر أغلب شعراء تلك الفترة، ولكن هذا ليس مطّردا حيث تطالعنا نصوص حرة كتبت في موضوعات مختلفة كالحب والغربة والوحدة، ومن ذلك ما نسجّله في قول أبو القاسم خمار في قصيدته الرسالة الأولى سنة 1958 التي ضمّنها ديوانه "ربيعي الجريح" حيث يقول:
إليك يا حبيبتي
إليك يا حقيقة
كشعرك الجميل
....
كأنك أشعة الأصيل[15]
من خلال هذه الأسطر يظهر الموضوع بشكل جلي ولو أن الشاعر حاول تعتيمه، إلا أن سطحية الصورة خصوصا في التشبيه(كشعرك الجميل) فضحمشاعر الشاعر وخطابه للحبيبة ذات الشعر الجميل، والتي احتلت بؤرة القصيدة وكانت المحرّك لأسطرها، وهذا موضوع خارج عن مسار الثورة كما هو واضح. ومن خلال تتبع العديد من القصائد لذات الشاعر نجدها تدور في ذات الموضوع ومنها نذكر:
لا تسأليني سنة 1958
لا تسأليني .. ما الولوع..؟
ما الحب..؟ ما وهج الضلوع..؟
سيري.. تبارك الحياة
سيري.. فعمرك في طلوع[16]
إلى يولا
يولا..
إليك حكايتي
سأعيدها...
ولكم أعدت نسجها مليون مرة
حتى تشابك خيطها بأناملي[17]
يظهر في هذه النماذج إشارات مباشرة لموضوع الحب والغزل الذي أسر الشاعر ووجّه القصيدة، رغم أنه يحاول التستر خلف موضوعات أخرى تبدو الجزائر أهمها.
ونسجّل في الأخير أن الشعر الحر في بداياته وحتى بعد الاستقلال لقي معارضة شديدة من طرف العديد من الشعراء حتى من كتبوا به، فلم يقتنع بعض شعراء الثورة بهذا الشعر الذي خرج على نظام الشطرين، وانكسر عموده، وممن عارضه مفدي زكريا وأحمد الغوالمي[18]، لكن رغم ذلك ظل هذا الشكل الشعري الجديد قائما بل تطوّر بشكل كبير بعد الاستقلال باحتضانه النص الشعري الجزائري المعاصر، في حلّته الحرة.
كما تجدر الإشارة إلى أن الاتجاهات الشعر

[1]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 218.

[2]ينظر، المرجع نفسه، ص 217.

[3]ينظر، عبد الحميد هيمة، مقال بعنوان "النزعة التحررية في الشعر الجزائري الحديث قبل الثورة التحريرية"، مجلة الأثر، دورية أكاديمية محكّمةـ تصدر عن كلية الآداب واللغاتـ جامعة ورقلة – الجزائر، العدد الثالث، ماي 2004م، ص 276، ص 277.

*مفدي زكريا بن سليمان الشيخ صالح ولد في بني يزقن عام 1908تابع دراسته في جامع الزيتونة وفي المدرسة الخلدونية بتونسعمل في الصحافة والتعليمصدر له من الدواوين الشعرية اللهب المقدس 1961تحت ظلال الزيتون 1965 من وحي الأطلس1976. توفى عام 1977

[4]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 235.

[5]ينظر، المرجع نفسه، ص 240.

[6]ينظر، المرجع السابق، ص 225.

[7]ينظر، المرجع نفسه، ص 243.

[8]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 239.

[9]ينظر، المرجع نفسه، ص 275.

[10]ينظر، المرجع نفسه، ص 352.

[11]ينظر، المرجع نفسه، ص 354.

[12]أحمد يوسف، يتم النص، الجينيالوجيا الضائعة، منشورات الاختلاف، ط1، 2002، ص59.

[13]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 356.

[14]ينظر، المرجع نفسه، ص 244.

[15]محمد أبو القاسم خمار، ربيعي الجريح، شعر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1983م، دط، ص 21.

[16]المصدر نفسه، ص 27.

[17]المصدر نفسه، ص 33.

[18]ينظر، أحمد يوسف، يتم النص، الجينيالوجيا الضائعة، ص73.









رد مع اقتباس