منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التقويــــم التربـــــوي وفــــق المقــــاربــــة بالكفـــــاءة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-08-05, 00:20   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
khaled dallas
محظور
 
إحصائية العضو










B12 التقويــــم التربـــــوي وفــــق المقــــاربــــة بالكفـــــاءة


التقويــــم التربـــــوي وفــــق المقــــاربــــة بالكفـــــاءة

الملخص:
يعتبر التقويم وفق "المقاربة بالكفاءات" عملية تربوية ترمي إلى تعديل المفاهيم العلمية من خلال تصليح الاعوجاج الخاص بالكفاءات المعرفية والتقنية للمتعلم، مما يجعل من التقويم في نفس الوقت أداة قياس وتقدير لمدى تطوير الكفاءات وعامل تكوين المتعلم. لهذا،أصبح التقويم التربوي حسب التعليمات التربوية الخاصة "ببيداغوجيا الكفاءات" يستلزم من المكون تحديد أهداف ومعايير نجاح خاصة بالكفاءات المقصودة، حيث يسمح ذلك للمكون بالاطلاع على نقاط الضعف ونقاط القوة الخاصة بتعلم المتعلم،إلا أن واقع مجال التقويم يبين أن المعلم الجزائري يعاني من صعوبات في تطبيق هذه التعليمات. ولتوضيح ذلك سنتعرض في هذا المقال إلى ما يلي: - أشكال التقويم المتداولة في المدرسة الجزائرية- خصائص التقويم التكويني وفق بيداغوجيا الكفاءات- استراتيجيات التقويم التكويني.


الكلمات المفتاحية: التقويم، التقييم، التقويم التكويني، التقويم التحليلي، التقويم التحصيلي استراتيجيات التقويم.

تهدف " المقاربة بالكفاءات" إلى تنمية قدرات المتعلم المعرفية والوجدانية والنفس حركيةقصد الوصول به إلى مستوى الكفاءة التي ستسمح له بحل المشاكل اليومية. وللتأكد من مدى تحقيق هذه الأهداف على مستوى المتعلم، على المكون أن يجعل من التقويم أداة قياس وتقدير لمدى تطوير الكفاءات العلمية، وعامل تعلم المتعلم ذلك حتى " يتبين بواسطة عملية التقويم التي تعتبر نشاطا ضروريا لازم لخدمة العملية التعليمة " (أحمد خيري كاظم 1973، ص377) مستوى الكفاءات العلمية و التقنية الضرورية لحل المشكل.
ولما كانت " بيداغوجيا الكفاءات" التي تبنتها المدرسة الجزائرية تهتم بتعليم المتعلم كيف يتعلم، نجد هذه العملية تستلزم من المكون تطبيق التقويم التكويني الذي يتطلب تحديد أهداف التقويم ووضع معايير النجاح وذلك حتى يتمكن المكون من ملاحظات تساعده على تبين نقاط الضعف ونقاط القوة الخاصة بتعليمه من جهة وبتعلم المتعلم من جهة أخرى لكن أن أشكال التقويم المتداولة في الجزائرية، لا توحي بأن التقويم التكويني معمول به.




(*) جامعة مولود معمري تيزي وزو


- أشكال التقويم المتداولة في المدرسة الجزائرية:
تعتبر"المعرفة العلمية (savoir) فعلا في حــد ذاتـــه ولــيس جوهـرا" (SCHLANGER 1978) أي فعل يرمي إلى إكساب المتعلم مفاهيم علمية وتقنيات ثقافية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال القيام بعملية التقويم التكويني الذي يستلزم أسس بيداغوجية تتمثل في تحديد الأهداف التربوية ومعايير نجاح الأداء الملاحظ، حيث تقوم هذه الأسس بتوجيه المتعلم والمعلم والتأكيد على نقاط الضعف والقوة الخاصة بالعملية التعليمية.وبالرجوع إلى الواقع التربوي للمدرسة الجزائرية في مجال التقويم، نجد أغلب المعلمين الجزائريين لا زالوا يمارسون التعليم المتمحور حول المعلم ومعظمهم يجد صعوبات في تطبيق " بيداغوجيا بالكفاءات"وبالتالي التقويم التكويني، وهذا ما التمسنه عند أجرائنا الدراسة الاستطلاعية الخاصة بالموضوع في المستويات التعليمية الثلاثة: الابتدائي والمتوسط والثانوي، أين معظمهم المعلمين يؤكدون على الأسئلة التي يكون جوابها منتظرا من طرف المعلم وفي أغلب الأحيان يكون معروفا مسبقا من طرف المتعلم خاصة في المستوى التعليمي الابتدائي، أما فيما يخص طبيعة الأسئلة المطروحة فهي لا تقيس في معظم الحالات إلا قدرة الاسترجاع والتذكر كما كان عليه في التقويم التقليدي، إضافة إلى هذا، عدم اهتمام المعلمين ببعد التقويم التشخيصي الذي من شأنه أن يبين النقائص المتعلقة بالمفهوم المدروس قبل توسعيه حسب مستويات الصياغة. أما فيما يخص التقويم التحصيلي الخاص بنتائج التعلم، نجد أغلب المعلمين يقيمون هذه الأخيرة بإعطاء قيمة كمية (نقاط) أو قيمة كيفية دون مرافقتها بعبارات توجيهية للمتعلم تخص نقاط ضعف تعلمه أو نقاط قوته المتعلقة بالمفهوم المقصود، وذلك بالرغم من أن التعليمات التربوية الواردة في المناهج التعليمة تؤكد على استعمال التقويم التكويني (évaluation formative) الذي يسعى وراء تكوين الفرد من خلال ممارسة التقويم الذاتي.
أما فيما يخص أشكال التقويم التي استقيناها من الميدان والمتداولة لدى أغلب المعلمين الجزائريين لمختلف المواد التعليمية فهي كالتالي: في معظم الأحيان، يتراوح التقييم الكمي (évaluation valeur ) بين 0 و10/ 10 أو بين 0 و20 / 20 بدون أي ملاحظة أو توجيه يخص مستوى كفاءات التعلم وتطويرها، أما فيما يخص التقييم الكيفي الذي يرافق في بعض الأحيان التقييم الكمي، أي لما يطلب من المعلم كتابة ملاحظات حول نتائج التعلم فهي كالتالي: جيد جدا، جيد، لا بأس، دون الوسط، دون المتوسط، ضعيف، ضعيف جدا، دون المستوى، واصل على هذا المنوال، عليك أن تعمل أحسن...
طبعا هذا النوع من التقويم إذا اعتبرناه كذلك،لا يمكنه أن يخدم المتعلم من الناحية التربوية مهما كان مجال تكوين الشخصية الذي نتطرق إليه،لا من ناحية مستوى التعلم والتقدم في المفاهيم العلمية أو مستوى الكفاءات بالنسبة للمتعلم، ولا من ناحية اطلاعه على النقائص أو الصعوبات التي يعاني منها فيما يخص التعلم، مما يجعل عملية التقويم التكويني تفتقد مصداقيتها بالنسبة للمتعلم، وذلك لكون المعلم يفتقد للمرجعية التي يمكنه من خلالها أن يبرر مدى صلاحية وفعالية القيمة الكمية أو الكيفية التي قدمت للمتعلم، فهذا النوع من التقويم المتداول في مدارسنا وللأسف، لا يمكنه أن يخدم تكوين الأجيال لصالح المجتمع، ما دام لا يزال يتبع التقويم التقليدي.
وعليه، حتى يدرك القارئ الفرق بين التقويم التقليدي والتقويم التكويني، نقترح المثال التالي: بعد تصحيح ورقة الاختبار الخاصة بمادة " العلوم الطبيعية" قيم المعلم عمل المتعلم بعلمه قدرها 13 /20.أما فيما يخص التوجيه، أي تبين نقاط القوة ونقاط الضعف الخاصة بعملية التعلم التي بنيت على أسس بيداغوجية تكوينية، كتبت الملاحظات التالية:
- الخط واضح والصفحة منظمة، مما يسهل القراءة
- استعمال المعلومات العلمية حديثة في محلها
- صعوبة في تسلسل الأفكار حسب المنهج العلمي
- الرسومات جيدة تشمل العنوان والبيانات
- تفسير نتائج التجربة غير مقنع
وما نلاحظه في هذا المثال، هو أن المعلم قد أجمع بين التقييم (évaluation valeur) من خلال تقديره لعمل المتعلم بقيمة تساوي13/20 وبين التقويــم (évaluation corrigée) من خلال تقديمه ملاحظات تبين نقاط الضعف الخاصة بعملية التعلم وذلك من خلال العبارتين: صعوبة في تسلسل الأفكار حسب المنهج العلمي و تفسير نتائج التجربة غير مقنع، مما يبين أن المتعلم لم يتحكم بعد في كفاءة سيرورة المنهج العلمي وكفاءة تفسير النتائج كما يجب، حيث يمثل مستوى هذه الكفاءات نقاط ضعف تعلم المتعلم، في حين نجد نفس المتعلم متحكما في كل من كفاءة الخط واستعمال المعلومات العلمية الحديثة وكذا الرسومات بجميع معطياتها وتمثل هذه الكفاءات، نقاط قوة تعلم المتعلم، مما يسمح لهذا الأخير بادراك نقاط ضعفه والعمل على تصليح الاعوجاج وتحسين النقائص وسد ثغرات تعلمه من جهة ومن جهة أخرى، تعبر هذه الملاحظات على تحكم المعلم في تطبيق التقويم التكويني (évaluation formative) الذي يؤكد على تحديد الأهداف التربوية وتحديد معايير النجاح والتقويم (critère d’évaluation / critère de réussite ) ووسائل التقويم، مما سهل عليه توجيه المتعلم.
- التقويم التكويني وفق بيداغوجيا الكفاءات:
تشيــر تاجليــونـت كـريستــين (TAGLIANTE Christine, 1991, P11)إلى أن" لا يوجد معنى لعملية التقويم بدون أهداف التعلم المقصودة، وبالمقابل لا وجود للهدف إن لم يدمج في وصفه طريقة تقويمه " بمعنى،أن التقويم لا يمكنه أن يتم بصورة علمية إن لم تحدد له مسبقا أهداف تربوية يسعى المعلم إلى تحقيقها على مستوى المتعلم، ولا يمكن للهدف التربوي بدوره أن يتحقق إن لم تكون هناك طريقة تساعد في تقدير مدى تحقيق الأهداف التربوية، مما يؤكد على أن التقويم عملية تكوينية مشتركة تخص كل من المعلم والمتعلم في نفس الوقت. ولما كان السلوك القابل للملاحظة والقياس (الهدف الإجرائي في بيداغوجيا الأهداف) يمثل الجزء الظاهري للكفاءة ونتاج التعلم، نجد القراءات البيداغوجية المختلفة في مجال التقويم تؤكد على أن عملية تقويم الأهداف الإجرائية التي تصف السلوك المنتظر من المتعلم القيام بها ليست غاية في حد ذاتها، وإنما الأهم يكمن في نتائج التعلم وذلك لأن هذه النتائج "ستساعد كل من المعلم والمتعلم على التحكم في دوره" (TAGLIANTE Christine, 1991, P12)أي من خلال التقويم التكويني، يقوم المعلم بتشخيص نقاط الضعف ونقاط القوة الخاصة بعمليتي تعليمه وتعلم المتعلم، مما يسمح لهذا الأخير بادراك مستواه المعرفي وطبيعة المجهودات التي سيبدلها ليصل إلى مستوى الكفاءة. بهذا يصبح التقويم التكويني أداة بناء التعلم وجزءا لا يتجزأ من العملية التعليمية- التعلمية التي تستلزم تقويما بيداغوجيا يرتكز على:
- تحديد الأهداف التربوية (عامة، خاصة وإجرائية) والنتائج المنتظر تعلمها.
- المساعي التعليمية والمقصود هنا " المقاربة بالكفاءات" مع تحديد الكفاءة المقصودة
- التفكير في سيرورة التعلم الملائمة للمتعلم.
- تحليل نتائج التعلم لاستخلاص نقاط الضعف والقوة لدى المتعلم والعمل على توجيهه بملاحظات واقعية وموضوعية.
ولما كانت "بيداغوجيا الكفاءات" تتطلب من المكون التحكم في مراحل التقويم التكويني سنتطرق في ما يلي إلى لهذه الأخيرة.
- مراحل التقويم التكويني:
تبين القراءات أن التقويم التكويني الذي تتطلبه "بيداغوجيا الكفاءات" يختلف كل الاختلاف عن التقويم التحصيلي، وذلك من حيث " الغاية و زمن التطبيق لكل منهما فيما يخص مراحل التعلم وليس من حيث الطريقة "(Antheaume Pierre et all. 1995, P60). لهذا، نجد المختصون في التقويم يتفقون على أن التقويم التكويني يتم في ثلاثة مراحل مستمرة ومتكررة. ونظرا لأهميتها نلخصها في ما يلي:
*المرحلة التنبوئية (étape prédictive): يتم في هذه المرحلة تحديد مستوى الكفاءات التي يمكن للمتعلم أن يكتسبها، ذلك حسب الأهداف التربوية المراد تحقيقها، مما يتطلب من المعلم الإعلان عن الموقف حتى يكون المتعلم على علم بما يجب تعلمه أو النشاط الذي يقوم به. فهذه المرحلة إذا تسمح للمتعلم بادراك المعرفة العلمية المراد تعلمها. أما فيما يخص المعلم، فتسمح له هذه المرحلة بإدراك الإمكانات التشخيصية ( outils diagnostiques)، أي تلك التي تسمحبتشخيص مستوى الكفاءات المكونة لشخصية المتعلم: المعرفية والنفس حركية والوجدانية، حيث يساعده ذلك على الكشف عن الاستعدادات الفردية وضبط المساعي البيداغوجية، وكذا تنظيم مادة التعليم.
* المرحلة التشخيصية (étape diagnostique): تجرى العملية التشخيصية طيلة الفترة التعليمة من البداية إلى النهاية ويكتشف المعلم من خلالها مستوى كفاءات المتعلم الخاصة بالمجالات الثلاثة: المعرفية والنفس- حركية والوجدانية، مما يساعده على اختيار وسائل التقويم وضبط عملية التعليم،حيث يتم ذلك بالرجوع إلى الوراء والتفكير في التخطيط الملائم للموقف. أما بالنسبة للمتعلم، تسمح له هذه المرحلة بادراك النقائص والصعوبات الخاصة بتعلمه، مما يجعل المرحلة التشخيصية عملة ذات وجهين تخص في نفس الوقت المعلم والمتعلم. وعلى هذا الأسـاس، نجـد تاجليـونـت ( TAGLIANTE Christine, 1991, P16) تشير إلى أن " هذا الزوج من المفعول الرجعي (double rétroaction) ينتسب إلى جوهر التقويم التكويني " وذلك لكونه يساعد المتعلم على التعلم ويساعد المعلم في تحسين طرائقه البيداغوجية.
*مرحلة الجرد (étapeinventaire): تتم عملية الجرد في نهاية الفترة التعليمية القصيرة المدى (الدرس، الموضوع ) يقوم فيها المعلم بإحصاء الكفاءات المعرفية (المعلومات ) والكفاءات – الفعلية والوجدانية التي اكتسبها المتعلم، حيث تساعد نتائج الجرد كل من المعلم والمتعلم على إدراك مستوى الكفاءات ومستوى صياغة المفاهيم الجديدة وتقدير مدى تحقيق الأهداف التربوية التي حددت في المرحلة التنبوئية.
- خصائص التقويم التكويني:
تسعى التعليمية (la didactique) التي تتمحور حول سيـرورة التعليـم والتعلـم (processus enseignement/ apprentissage ) في نفس الوقت إلى تحقيق الأهداف التربوية من خلال عملية تعليم المتعلم "كيف يتعلم " لتعديل مفاهيمه العلمية التي من شأنها أن تساعده على حل المشاكل ذات الطبيعة العلمية، ومما لاشك فيه، أن تعديل المفاهيم العلمية يتم " بإدماج المعلومات الجديدة إلى المفاهيم السابقــة" (GIORDAN André,2001,P4) لبناء المفاهيم الجديدة. ويتفق جل المختصون في مجال التقويم على أن التقويم بصفة عامة يستعمل " لغرض تعديل وضعية أو وثيرة التدرج من أجل إدخال التحسين أو التصحيح المناسب عند الحاجة " (محمد نقادي وآخرون، 1998، ص61)، وذلك بغرض تكوين المتعلم في مختلفة مجالات التعلم. لهذا، نجد التقويم التكويني الناجح الذي تتطلبه بيداغوجيا الكفاءات يستلزم شروطا مقننة تساعد كل من المعلم والمتعلم في ضبط عملهما التربوي.
أما فيما يخص الشروط التي يتميز خصائص التقويم التكويني فهي كالتالي:
* التقويم التكويني عملية شاملة: بمعنى أن يكون التقويم شاملا لجميع الأهداف التربوية تلك الخاصة بالمعرفــة (savoir) والمعرفة- الفعلية (savoir -faire) والمعرفة الوجدانية (savoir-etre) والمتعلقة بالأهداف المعرفية والنفس- حركية والوجدانية.وللتوضيح،نذكر على سبيل مثال: حتى تحقق مادة العلوم الطبيعية أهدافها التربوية، يجب على المعلم تحديد أهداف مفاهيمية (مفاهيم علمية ) وأهداف تقنية (الاستدلال العلمي والتحكم في المعرفة والتحكم في التقنيات والاتصال / التبليغ ) وعلى المتعلم القيام بالأداء حتى يبرهن على تحقيق الأهداف.
* يبنى التقويم التكويني على معايير: بمعنى أن تحدد المعايير التي تقيس مدى تحقيق الأهداف التربوية على مستوى المتعلم، و تبين مستوى اكتساب الكفاءات والتحكم فيها وبناءا عليها، يمكن للمعلم أن يصدر الحكم بالفشل أو النجاح، لدا سميت معايير التقويم بمعايير النجاح (critère d’évaluation /critère de réussite).
* التقويم التكويني عملية مستمرة: بمعنى أن يكون التقويم مستمرا ومتكررا طوال الفترة التعليمة/ التعلمية، وذلك حتى يصبح بمثابة مصدر التدعيم المعرفي الذي من شأنه أن يثير رغبة التعلم لدى المتعلم عن طريق التعديل والتصحيح. وليس المقصود هنا رتبة المتعلم حسب نتائج الاختبار أو الامتحان، وإنما الأهم هو أن يقوم المتعلم باختبار أدائه من خلال سيرورة اكتساب المعلومات. لهذا، يجب على المتعلم أن يكون على علم بمعايير النجاح التي حددها المعلم حتى يعمل على تحقيقها أو تجاوزها.
* التقويم التكويــني تقويــم تحليلـي (évaluation analytique): بمعنى أن التقويم التكويني يعتمد عملية تحليل نتاج نشاط المتعلم سوى كان كتابي أو شفوي أو حركي، وذلك لأن النشاطات التي يقوم بها المتعلم لا تمثل إلا الجزء الظاهري للكفاءة، أما فيما يخص مصدرها، فيمثله الجزء الباطني الذي لا يمكن ملاحظته، ولكن يمكن التعبير عنه عن طريق الأداء. فتحليل هذه النشاطات حسب أسس علمية، يسمح لنا بادراك مؤشرات النجاح أو الفشل من جهة ومن جهة أخرى، يسمح لنا بالاطلاع على مستوى كفاءات المتعلم المتعلقة بالمعرفة والمعرفة الفعلية والوجدانية.
وبناءا على ما سبق، يمكننا القول أن التقويم التكويني عبارة عن عملية مستمرة تتم في ثلاثة مراحل، يسعى فيها كل من المعلم و المتعلم إلى التحقق من مستوى الكفاءات المراد اكتسابها و تقدير مدى تحقيق الأهداف التربوية الخاصة بمادة التعليم والتعلم،حيث يجرى ذلك باستخدام مقاربات بيداغوجية تتمحور حول القدرات المراد تنميتها و الكفاءات المراد اكتسابها انطلاقا من أهداف إجرائية تحدد نشاط التعلم و معايير نجاح تمثل أداة قياس لمدى نجاح الأداء ومؤشر تعلم المتعلم. ويمكن الكشف عن ذلك، من خلال تحليل نتائج التعلم المحصل عليها والمعبرة عن النجاح أو الفشل. والغرض من هذه العملية، هو توجيه المتعلم وتطوير مناهج التعليم ووسائله التعليمة.
- التقويم التكويني والتقويم التحصيلي:
بينت القراءات السابقة أن التقويم التكويني يختلف عن التقويم التحصيلي من حيث الغاية و الوظيفة البيداغوجية لكنهما لا يختلفان من حيث الطريقة،أي كلاهما يستعمل نفس أدوات التقويم، ألا وهي الأسئلة التي تتضمن في معظم الأحيان " صياغة الموضوع المراد معالجته والتعليمة أو القاعدة التي يجب إتباعها قصد حل مشكل السؤال، وذلك حســـب المعاييــر المكتسبــــة" (BAGHDAD Lakhdar,2000,P12).
وعليه، إذا كان للتقويم التكويني دورا مهما في عملية التعلم الذاتي للمتعلم، نجد أن التقويم التحصيلي يسمح بجرد مكتسبات المتعلم أو مجموعة من المتعلمين في نهاية الفترة التعليمة سوى كانت هذه طويلة، متوسطة أو قصيرة المدى، ويشارك أيضا التقويم التحصيلي في تقويم تطبيقات بيداغوجية تخص نشاط المعلم. ولما كانت قدرة التمييز بين التقويم التكويني والتقويم التحصيلي فيما يخص ببيداغوجيا الكفاءات تلعب دورا مهما في تضليل الصعاب بالنسبة لكل من المعلم والمتعلم فيما يخص العملية التعليمية التعلمية، سنقدم فيما يلي جدول مقارنة بين التقويم التحصيلي والتقويم التكويني.


(* الجدول من وضع الباحثة ).

التقويم التكويني
التقويم التحصيلي

الغاية
تعديل المفاهيم العلمية، تصليح اعوجاج السلوك وإدماج المعرفة الجديدة
التأكد من مستوى المعرفة في المجالات الثلاثة، التحقق من مستوى الكفاءات معرفة مدى تحقيق الأهداف التربوية


الغرض
- إدراك مشاكل التعليم /التعلم
- إدراك المتعلم نقاط الضعف ونقاط القوة الخاصة بتعلمه،الوصول إلى التعلم والتقويم الذاتي
- إدراك المعلم النقائص والهفوات التي تخص البيداغوجيا المتبعة في التعليم
- جرد المكتسبات العلمية(المعرفية)
- جرد مستوى كفاءات المتعلم أو ومجموعة من المتعلمين.
- جرد نقائص تطبيقات بيداغوجية تخص نشاط المعلم
القرار الموجب اتخذه
تكيف نشاطات التعليم والتعلم حسب نتائج التقويم ويكون القرار إما:
- ضبط مباشر وفعال
- ضبط مؤجل
- مفعول رجعي (تغذية رجعية)
- proactive
- إعطاء درجات في حالة الاختبار قصد الترتيب حسب قيمة الكفاءات المكتسبة داخل المجموعة
- إثباتا خطي بشهادة رسمية لمستوى الكفاءات والمهارات التي وصل لها المتعلم في الامتحان
زمن الإدماجفيالعملية التعليمية
في كل مراحل الفترة التعليمة من البداية إلى النهاية
في نهاية الفترة التعليمية: الدرس، الثلاثي، السداسي أو نهاية السنة

الأهداف المراد تقويمها
الأهداف الخاصة بشخصية المتعلم: معرفية، نفس حركية ووجدانية حسب أهمية الموضوع، أي معرفة مفاهيمية، معرفة معلية ومعرفة وجدانية
الأهداف الواردة في المنهاج التعليمية، أهداف الدرس، أهداف الموضوع، نموذج تمثيلي، فترة تعليمية...


الخصائص
- يشمل كل الأهداف
- يكون مستمر ومتكرر
- يبنى على معايير النجاح
- يتم بتحليل نشاط أو نتاج المتعلم
- يقيس مستوى الكفاءات
- يشمل جزء أو مجموعة من الأهداف
- يتم بتقدير المعرفة العلمية كميا / كيفيا
- يتحقق من مدى تحقيق جزء من الأهداف التربوية
- متكرر وغير مستمر
مظهر التعلم المراد تقويمه
نتائج التعلم المستمر: الأداءات الخاصة بالكفاءات المراد اكتسابها، والمعرفة السابقة والمعرفة الجديدة
نتائج التعلم النهائي: الأداءت الخاصة بالأهداف المراد التحقق منها
أساليب تقدير مستوى الكفاءات
- تحليل أداءات ونشاطات المتعلم حسب معايير النجاح: الرسومات، البيانات، النص الكتابي، التصورات والنص الشفوي ...
- اختبارات مختلفة تقيس مدى اكتساب المتعلم للكفاءات: تحريرية، ملاحظة أو شفوية...
- الجدول يمثل المقارنة بين التقويم التكويني والتقويم التحصيلي


وبناء على ما ورد في الجدول، نجد أن التقويم تكوني والتقويم التحصلي عمليتان متكاملتان يسعيان وراء تطوير عملية تعلم المتعلم. لهذا، لا يمكن للفرد المكون الذي يسعى وراء تحقيق الأهداف التربوية أن يتصور التقويم التكويني بدون التفكير في التقويم التحصيلي مما يجعل ضرورة التفكير فيمها عند وضع وحدة تعليمية متعلقة بتقويم التعلم (évaluation/ apprentissage) أي أن يكون لدى المكون تصورا بيداغوجيا يتضمن: النشاطات الإجرائية المرغوب فيها، مختلف أنماط الأسئلة المراد طرحها، زمن إدماجها في رزنامة تعلم المتعلم. أو بمعنى آخر، يسأل المكون عن ما هي النشاطات التي يجب أن يقوم بها هو والمتعلم في الموقف التقويمي؟ للإجابة على هذا السؤال، وبناءا على ما توصلنا إليه من معلومات تخص الموضوع، سنقترح في ما يلي إستراتيجية تقويم تكويني يخص تعلم المتعلم وتعليم المعلم.
- استراتيجيات التقويم التكويني:
تعتبر عملية حل المشكل في تعليمية العلوم الطبيعية، كفاءة قاعدية يستلزم اكتسابها توفير تحت كفاءات تتمثل في مفاهيم علمية وكفاءات منهجية (تقنية) يسعى النظام التربوي الجزائري إلى إكسابها للمتعلم عن طريق تعليمية المادة العلمية، مما يتطلب من المعلم التفكير في إستراتيجية تقويم تشمل كل متطلبات التكوين باعتبار هذا الأخير أساس التعلم. ولما كان التقويم التكويني يتضمن ثلاثة مراحل مختلفة: التنبؤ، التشخيص والجرد حيث تمتاز كل مرحلة من مراحل التكوين بخصائص تجعلها تختلف عن الأخرى من حيث الهدف والوظيفة والزمن، سنحاول فيما يلي عرض إستراتيجية تقويم تكويني (تحليلي) في مرحلتين مستعينين في كل مرة بأمثلة حتى يتضح للقارئ الأمر:
- المرحلة الأولى: تحديد المفاهيم والكفاءات المنهجية (المرحلة التنبوئية)
يتنبأ المعلم في هذه المرحلة بعد اختياره المفاهيم العلمية والكفاءات التقنية الواردة أصلا في المناهج التعليمية بالأهداف التربوية المراد تحقيقها على مستوى المتعلم، أي المفاهيم العلمية المراد إكسابها للمتعلم والكفاءات المنهجية التي يجب على هذا الأخير أن يمارسها في عملية التعلم، وعلى المعلم أن يقومها خلال الفترة التعليمية حيث تعتبر عملية تحديد هاذين الهدفين عملية ضرورية قبل الشروع في أي عمل بيداغوجي، وذلك لأن لا يمكننا تحقيق جميع الأهداف التربوية ولا القيام بجميع التقنيات في آن واحد.
* الخطوة الأولى: يتم فيها تحديد الأهداف المعرفية والمنهجية الخاصة بموضوع الدرس والمراد تعليمها للمتعلم. ولتحقيق ذلك، يرجع المعلم إلى المناهج التعليمية التي تتضمن التعليمات التربوية والأهداف التربوية المراد تحقيقها وكذا المفاهيم العلمية (كفاءات معرفية) وتقنيات اكتسابها (كفاءات منهجية) وبعد تحديد ذلك، يقوم المعلم ب:
- تعين المكتسبات السابقة الخاصة بالمفهوم العلمي المراد تعديله والتي يفترض أن تكون ضمن خبرة المتعلم (المعرفة السابقة).
- تعين (repérer) الكلمات المفتاحيـة (mots-clés) التي من شأنها أن تخدم المفهوم العلمي الجدي. وتبين المستجدات الخاصة بالمفهوم.
- تحديد الكفاءات المنهجية ( التقنياتالثقافية ) التي يجب على المتعلم ممارستها والتحكم فيها لاكتساب المفهوم الجديد. ونذكر على سبيل المثال:
- أن يكون المتعلم قادرا على معرفة ظاهرة التنفس (كفاءة معرفية)
- أن يكون المتعلم قادرا على توظيف المعرفة السابقة في صياغة المشكلة بأسلوب علمي
- أن يكون المتعلم قادرا على ترجمة النص العلمي إلى رسومات تخطيطية... (الهدفين يمثلان كفاءات تقنية )
* الخطوة الثانية: حتى يكون تحديد الكفاءات المعرفية والمنهجية المراد تقويمها وضحا وغير قابل للتأويل، على المعلم أن يطرح عدة أسئلة على نفسه: ماذا أريد أن أقوم على مستوى المتعلم ؟ طبعا هذا السؤال يكون مصدرا لأسئلة أخرى من النوع: هل أقوم مدى اكتساب المتعلم للمفهوم العلمي ؟ بمعنى قياس قدرة التذكر والاسترجاع، أم أقوم مدى تحكم المتعلم في الكفاءات المنهجية ؟ أي التحقق من مدى اكتساب التعلم لكفاءات العلوم التقنية وهل التقويم الذي أسعى من ورائه: تكويني أم تقويم تحصيلي ؟ وما هي الأدوات المراد استعمالها لتحقيق ذلك ؟
- في حالة ما إذا كان التقويم المقصود في إطار التكوين: على المعلم أن يطلب من المتعلم القيام بنشاطات معرفية (cognitif) عقلية لهـا علاقــة بالمسعـى العلمــي (démarche scientifique)خاصة تلك التي تسعى إلى التحقق من الفرضية. في هذه الحالة يصبح التقويم التكويني أداة التعلم المعرفي وأداة تشخيص المعرفة السابقة.
- في حالة ما إذا كان التقويم في إطار تحصيلي: يطلب من المتعلم القيام بقراءات مختلفة أو برسومات أو ترجمات تخص الموضوع...، وذلك قصد الكشف عن مستوى الكفاءات الموجدة لديه والخاصة بالمفهوم الذي درس أو في طريق دراسته وذلك قبل الشروع في التعلم الجديد. في هذه الحالة، يصبح التقويم التحصيلي يمثل أداه تعلم الأفكار (notions) وأداة تقييم الكفاءات.
ومما لاشك فيه، أن الكفاءات المعرفية العقلية المراد تقويمها بصفة مستمرة على مستوى المتعلم ترتبط ارتباطا وثيقا بصنافة بلوم (BLOOM)،حيث نجد الزوج دو لندشير فيما يخص تعليمية العلوم (DE LANDSHEER VetG ) يشيران إلى أن " هناك ثلاثة أهداف تربوية تخص عملية التعلم يمكن تقويمهاعلى المدى القصير والمدى المتوسط والمدى البعيد وهي: التحكم والنقل والتعبير" (TAGLIANTE Christine.1991. PP21-22). وللتوضيح، نلخص تقويم هذه الأهداف في ما يلي:
*تقويم هدف التحكم (maîtrise):
يشير ابن خلدون إلى أن " حتى نتمكن من المعرفة الجيدة لكل مظاهر العلوم ونتحكم فيها، يجب أن تكون لدينا ملكة فهم القواعد بعد دراسة المشاكل التي تسمح لنا بالانتقال من المبادئ إلى التطبيق. فمن دون هذا التدريب للملكات العقلية، لا يصح بنا أن نتكلم عن التحكم " (IBNKHALDUN, vol 2, 1968, P 888) ويبين هذا، أن تقويم التحكم في الأصل هو تقويم القدرات العقلية التي تسمح للمتعلم باكتساب المعرفة العلمية.
أما من الناحية البيداغوجية، نجد هدف التحكم يرجع إلى مستوى المعرفة والفهم من صنافة بلوم ويمكن تقويمه في المدى القصير، أما فيما يخص وسائل التقويم المستعملة في هذه الحالة، تكون عبارة عن أسئلة مقننة تشمل عدة أجوبة، يطلب من المتعلم اختيار الإجابة التي يوافق عليها.
* تقويـم هــدف النقــل/ تحويـل (transfert): يعتبر التحويل عملية معرفية يقوم بها الفرد ليعبر عن مدى اكتسابه للكفاءات العلمية أما من الناحية البيداغوجية نجد هدف التحويل بالنسبة لصنافة بلوم المعرفية ينحصر بين مستوى التحليل ومستوى التركيب، ويقصد بالتحويل في العملية التعليمة، قدرة المتعلم على تحويل المعرفة العلمية المتحكم فيها أي المكتسبة إلى مجال آخر للتطبيق والتوظيف قصد حل المشكل. ويشير لويس دهينو (D’HAINAUT Louis,1988,PP285-286 ) إلى أن قدرة تحويل الكفاءات " تتضمن ثلاثة مستويات: التحويل الأكاديمي، يمثل قدرة المتعلم على تطبيق الكفاءة المكتسبة في قرينة تسبه تلك التي تعلمها من قبل - التحويل الإجرائي، يجعل المتعلم يوظف الكفاءات المكتسبة خارج المدرسة – التحويل الكلي، يمثل القدرة على الانجاز التقائي لنشاط المتعلم في كل المواقف الملائمة ". أما تقويم هذا الهدف، يتطلب من المعلم تحديد نشاط المتعلم في صورة أداء قابل للملاحظة، ووضع معايير النجاح كأداة للقياس.
* تقويم هدف التعبير(expression ):
تستلزم عملية التعبير من المتعلم التحكم في كل من المعرفة والمعرفة- الفعلية والمعرفة الوجدانية التي يكون قد اكتسبها. ولهدف التعبير في المجال البيداغوجي علاقة وثيقة بكل مستويات صنافة بلوم المعرفية، أي من مستوى المعرفة إلى مستوى التركيب، وذلك لكون التعبير يمثل الميكانزمات الثقافية المعقدة التي يمكن استعمالها فطريا، حيث نجد شومسكي (CHOMSKY Noam,1969,P 125)يشير إلى أن " الشخص الذي يكتسب اللغة يكون بطريقة ما قد استنبط (intériorisé) نظام القواعد الذي يحدد الشكل اللفظي(phonétique) للعبرة وكذا مضمونها الدلالي (contenu sémantique) وبهذا يكون الشخص طور ما يمكننا تسميته بالكفاءة اللغوية الخاصة " ويكون تقويم هدف التعبير طويل المدى.
أما فيما يخص الكفاءات المنهجية التي يمكن تقويمها من خلال العملية التعليمية لمادة العلوم الطبيعية يتفق المختصون في التربية العلمية على أنها تتمثل في ما يلي: القدرة على صياغة مشكل ذو طبيعة علمية وفرض الفرضيات المناسبة، القدرة على اختبار الفرضية القدرة على شرح نتائج التجربة، التنبؤ بالنتائج الخاصة بالظاهرة قبل القيام بالتجربة، القدرة على القيام بتقنيات التجربة...، فتقويم هذا النوع من الأهداف التربوية يتطلب من المتعلم استعمال النماذج العقلية للتعبير عن مكتسباته و تصوراته المختلفة، كما يحثه ذلك على النقل الديداكيكي للمعرفة العلمية، فيما يخص تعلم المفهوم الجديد.
- المرحلة الثانية / تطبيـق التعلــم (mise en place de l’apprentissage):
يشير انتيوم بيار وآخرين (Antheaume Pierre et all. 1995, P60) إلى أن " التقويم مهما كان النتاج المـراد تقويمــه، يقصــد بـه تعليـم (repérage) الفاصل بين الحالة الأخيرة للنتاج والحالة الأولى، وذلك حتى نتمكن من إصدار حكم على الفاصل بين الحالتين " أما فيما يخص تقويم نتاج التعلم، يقصد به " إصدار حكم دو قيمة على هذا النتاج، وذلك حسب سلم القيم الذي يحمل لا محال موقفين على الأقل (الجيد /السيئ) " (BARBIER J-M,1990).
مما يجعل عملية التقويم تتطلب إجرائية الأهداف التربوية قصد تحديد نشاط التعلم ومعايير نجاح تمثل أداة قياس هذا التعلم، أي مستوى الكفاءات. ولما كان تقويم نتاج التعلم يعني تعليم الفاصل بين الحالة الأولى والأخيرة قصد إصدار حكم بالنجاح أو الفشل، نجد أن مرحلة تطبيق التعلم تتم هي الأخرى في خطوتين:
* الخطوة الأولى لمرحلة التعلم (تشخيص مستوى كفاءات المتعلم):
يتم فيها تشخيص كفاءات المتعلم، أي نقاط القوة والضعف الخاصة بتعلم المتعلم، وذلك من خلال الفترة التعليمة من البداية إلى النهاية، مما يسمح للمعلم بادراك مستوى كفاءات المتعلم في المجالات التربوية الثلاثة: المعرفية والنفس- حركية والوجدانية، حيث يساعده ذلك في اختيار وسائل التقويم وضبط تعليمه، وذلك بالرجوع إلى الوراء والتفكير في التخطيط الملائم الخاص بموقف التعليم والتعلم. وحتى يكون المتعلم جزءا لا يتجزأ من العملية التعليمية - التعليمة، فمن الضروري أن يكون في هذه الخطوة على علم بالكفاءات المراد تعلمها، حيث يمكنه ذلك بادراك ما يجب التحكم فيه وما يفتقده من كفاءات، مما يؤدي به إلى التساؤل.
- طريقة ووسائل تشخيص مستوى كفاءات المتعلم: يعتبر استعمال التقويم التحليلي (évaluation analytique) في هذه المقاربة من أحسن التقنيات التي يمكن للمعلم استخدامها لتكوين المتعلم ومعرفة مستوى كفاءاته في المجالات الثلاثة (المعرفية والنفس- حركية والوجدانية) وكذا تشخيص نقاط الضعف والقوة لعملية تعلمه، بمعنى أناستخراج التصورات المعرفية للمتعلم وتحليل محتواها سيكشف لنا لا محال واقع التركيبة المعرفية التي هي بحوزة المتعلم، وذلك لكون " تصورات المتعلم لا تمثل كلمات متطيرة، وإنما لهذه التصورات معنى خاص بها يظهر المكانزم الثقافي العميق... مما يجعل منها أداة ذات أهمية بيداغوجية كبرى، لأنها تمثل نموذج توضيحي يكون المتعلم قد بناه انطلاقا مما يعرفه" (DE VECHI et autres, 1994 ;P55)، إضافة إلى أن "تصور المتعلم للواقع يكون مرتبطا بتطور النظام المعرفي النفس-وراثي (psychogénétique) أي مـرتبـطــة بدرجــة النضــج" (DEVECCHI Gérard et autre. 1994 ;P 58) التي وصل إليها هذا الأخير.
ولقد أصبح تحليل محتوى التصور يستعمل كوسيلة لمعرفة مدى إدراك الفرد لمحيطه ويلعب دورا مهما في تعديل السلوك الاجتماعي وعملية التبليغ، مما يجعل التكوين التربوي الحديث يؤكد على أخذ تصورات المتعلم بعين الاعتبار والعمل على مواجهتها بظواهر طبيعية أخرى، وذلك عن طريق التعليم الفعال الذي يعتبر المتعلم فيه محور عملية التعلم بحيث يسمح له ذلك بتحويل معرفته السابقة وإعادة تنظيمها قصد بناء معرفته الجديدة، أي أن البناء الصحيح للمعرفة العلمية يعتمد بالدرجة الأولى على التصورات التي يحملها المتعلم كأساس معرفي للتعلم، بحيث يبدأ التعلم بمفهومه الجديد عند بداية الاهتمام بالتصورات والعمل على تطويرها، وذلك لكون اكتساب المعرفة العلمية يتطلب تعلم المواقف والمعرفة الأساسية، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا اعتمد المتعلم تصوراته التمهيدية في بناء معرفته العلمية الجديدة.
أما فيما يخص كيفية يتحصل المعلم على محتوى تصور المتعلم أو يطلع على خبراته السابقة، يجب عليه أن يستعمل عدة أنماط من الأسئلة تدفع بالمتعلم إلى التعبير عن ما يعرفه من معلومات ومفاهيم علمية أو ما يكتسبه من كفاءات منهجية، إما بإنجاز رسومات أو نص كتابي أو عن طريق التعبير عن ما يفكر فيه شفويا، بحيث يصف مضمون التصور الواقع كما يراه المتعلم وليس كما يضنه المعلم. أما فيما يخص الوسائل التي يمكن للمعلم استعمالها للحصول على محتوى التصور نذكر ما يلي: الاستبيانات التي تتضمن الأسئلة المغلقة والأسئلة المفتوحة، حيث تكون هذه موجه أو نصف موجهة...، ويمكن طرح هذه الأسئلة خلال مختلف فترات المسعى التعليمي: قبل الشروع في دراسة المفهوم الجديد خلال فترة تطور التعلم أو في نهاية الفترة التعليمية (نهاية الدرس، نهاية الموضوع، نهاية المحور) كما يمكن للاستبيان أن يخص المتعلم وحده أو مجموعة من المتعلمين أو القسم كله. وهذه الخطوة، تسمح للمعلم بالكشف عن الاستعدادات الفردية وضبط المساعي البيداغوجية وتنظيم مادة التعليم في حين تسمح للمتعلم بادراك الفرق بين المعرفة العلمية (الخبرة) التي يكتسبها والمعرفة التي عليه أن يتعلمها.
فبعد تحليل محتويات التصورات، سيجد المعلم نفسه أمام نمطين من المتعلمين بصفة عامة:
* النمط الأول: يمثل المتعلمين الذي بين تحليل تصوراتهم أنهم غير متحكمين في الكفاءات المعرفية ولا الكفاءات المنهجية الخاصة بالمفهوم. فعلى المعلم في هذه الحالة أن يصحح المفاهيم السابقة قبل الشروع في تعليم المفهوم الجديد، وذلك بالرجوع إلى الوراء، أي الأخذ بعين الاعتبار المعرفة السابقة واستعمال التغذية الراجعة (feed - back) الخاصة بها وبتوظيف التقويم التكويني بجميع مراحله مع التأكيد على معايير النجاح .
*النمط الثاني: يمثل المتعلمين الذي بين تحليل تصوراتهم أنهم متحكمين في الكفاءات المعرفية والكفاءات المنهجية أي لديهم خبرة معرفية ومنهجية صحيحة تسمح لهم بتعلم المفهوم الجديد. فعلى المعلم في هذه الحالة أن يستغل الخبرة المعرفية والتقنية المتوفرة لدى المتعلمين، ويعمل على مساعدتهم في اكتساب المفاهيم الجديدة عن طريق التعلم الحديث أي باستعمال النمـــــوذج الألــوستيــــري (Modèleallostérique) أي النموذج التعديلي .
* الخطوة الثانية لمرحلة التعلم (تعديل المفهوم السابق لبناء المفهوم الجديد)
يعتبر النموذج الالوستيري (التعديلي) من أحسن النماذج المعاصرة التي قدمت كبديل لنماذج التعلم الأخرى، حيث تمكن هذا النموذج من الإجابة على عدد من الأسئلة المطروحة فيما يخص بناء المعرفة، وذلك من خلال ما توصل إليه من تبسيط وتفسير لآلية بناء المعرفة العلمية على المستوى الذهني، وهو نموذج " براجماتي ومشروعه لا يرمي إلى إنتاج نماذج أخرى للسيرورة المعرفية، وإنما يرمي إلى حل الرموز بالنسبة للمعارف الخاصة وتحديد الشـروط التـي تسهـل عمليـة التعلـم" ( GIORDAN André,2001.P4)
* أما فيما يخص عملية حل الرموز، تبين أدبيات" تعليمية العلوم" أنها تكمن في سيرورة التصور التي تتمثل في " عملية الاحتفاظ بالمعلومات أو في مجموعة من المعارف العلمية والتطبيقية، بحيث لا يمكن ترسيخ (Mémorisation) التصور مباشرة، إلا إذا تم عن طـريـق قولبتــه (Modélisation) بإدماجه للبنية المعرفية السابقة، فالتصور إذا ينظم المعلومات ويشكل الأثر لنشاط سابق، كما يحتفظ التصور بالمعلومات التي بنيت حديثا قصد استغلالها لاحقا في مواقف جديدة …، أما فيما يخص العمل الثاني للتصور، يظهر عند وضـع العلاقــة (relation)والتنظيــم (systématisation) بين المعطيات، حيث يقوم الفرد المتعلم من خلال هذه الأخيرة بالبحث المستمر عن العناصر المعروفة التي يتحكم فيها والتي لها علاقة بالسؤال المطروح، وذلك قصد تنظيم الواقع كما هو عليه. ومثل هذه العمليات، تجري في المواقف لتي تسمح للمتعلم بطرح المشكل واقتراح النشاطـات المختلفــة" ( GIORDANAndré,2001.p4). لهذا، لا يمكننا تفسير التصور على أنه مجرد معلومات سابقة يتم توصيلها بالمعلومات الجديدة، لبناء المعرفة العلمية أو مفهوم علمي جديد. ذلك لكون التصور الجديد يتطلب تنشيط التصور السابق من خلال عمليات ذهنية تسمح بمواجهة المعلومات الجديدة بالسابقة لتخليق ما يمكننا تسميته " بالتصادم المعرفي" بين ما هو سابق وما هو لاحق من معرفة ومعلومات علمية، حيث يساهم هذا التصادم في تنشيط الآلية الفكرية التي ستؤدي لا محال بالمتعلم إلى طرح السؤال ليستفسر عن طبيعته ومحتواه.
أما فيما يخص ما توصل إليه من معلومات جديدة، سيدمجها المتعلم للتصور السابق لبناء المفهوم حيث يساعد التحكم في هذه العملية على تذكر واسترجاع ما هو مرسخ من معلومات على مستوى الذاكرة عند الحاجة وانتقاء ما هو ملائم من معلومات للموقف الجديد. كما تساعد الآلية الفكرية والحركات الذهنية للمتعلم في تكوين" شبكة تحليلية " للواقع تسهل عليه عملية الفهم، وذلك من خلال العلاقات و التنظيم للمعلومات قصد لبناء وتنظيم الواقع بتصور الجديد.
وعلى هذا الأساس، نجد أن من الضروري في مجال التربية العلمية أن يحول السؤال من: ما هي المعرفة العلمية المراد إكسابها للمتعلم ؟ إلى ما هي الكيفية التي يتم بها تعديل المعرفة والمفاهيم العلمية على المستوى الذهني للمتعلم ؟ أو كيف يتم الانتقال من التصور التمهيدي (المعرفة السابقة) إلى التصور الجديد عن طريق التعلم ؟ وطبعا المقصود هنا عملية التقويم. أما فيما يخص شروط تعديل المفاهيم العلمية، تؤكد القراءات الخاصة بتعليمية المواد أن حتى يتحقق التعديل المعرفي وتسهل عملية التعلم على المستوى الفكري للمتعلم،لا بد من توفير المحيط التعليمــي (environnement didactique) الذي يتميز بثوابت خاصة نلخصها في ما يلي:
- " يجب وضع نظام تفاعلات مختلفة بين المتعلم والشيء موضوع الدراسة، ولا يمكن لهذا الأخير (النظام) أن يكون عفويا.
- يجب في بداية كل تعلم إدخال تنافر صوتي ( dissonance) يخلق تشويش على مستوى الشبكة المعرفية الممثلة للتصورات المتحركة، والتنافر وحده يجعل التطور ممكنا، مما يستدعي من المتعلم أن يكون معنيا بالأمر أو لديه دافع بالنسبة للموقف البيداغوجي.
- لا بد من مواجهة المتعلم بعدد من العناصر التي لها معنى: كالمراجع التجارب والمناقشة التي تؤديه بالرجوع إلى الوراء لإعادة صياغة أفكاره أو مناقشتها.
- ولا بد من أن يستعين المتعلم في مسعاه بمساعدات التفكير الضرورية: كالرموز المنحنيات، النماذج والرسومات التخطيطية …
- لا يمكن للصياغة القديمة أن تستبدل بالصياغة الجديدة على مستوى المتعلم، إلا إذا وجد هذا الأخير فائدته فيها وتعلم كيف يشغلها…، ويعتبر انتقاء المعلومات إيجابي وضروري لحركة المعرفة.
- تسمح المعرفة على المعرفة(savoir sur le savoir) بتحديد المساعي العلميـة (Démarches) وبالرجوع إلى الوراء بالنسبة إلى هذه الأخيرة، كما تسمح بتوضيح مجـالات تطبيــق المعرفــة" (.7 GIORDAN André,2001.p )
- الخلاصة:
إذا كان المكون المعرفي للشخصية يتطلب تطوير " الملكات العقلية" من خلال تنمية القدرات الفكرية كالتفكير والتذكر والتخيل والتصور والتمثل …والربط بين المفاهيم نتيجة استثارة الحسية، نجد أن التعلم الحديث لا يتحقق إلا بتدريب هذه الملكات من خلال المواد التعليمية: كالرياضيات، الفيزياء والعلوم التجريبية، حيث تعتبر هذه العلوم "انفتاح على ما يحيط بنا من ظواهر طبيعية واجتماعية وهي في نفس الوقت حالة نزاع (contestation) منهجي قائم يختلط فيها كل من الإبداع والاتصالات المختلفة مما يجعل المقاربة بالكفاءات تستلزم المقاربة العلمية التي تسمح بالتعلم الذاتي بدل التعلم بالرجوع إلى سلطة معينة "(GIORDAN André, 1978, P11) ويعني هذا، أن التعلم عبارة عن عملية تقويم وتعديل مستمر مع الزمن، يتطلب تغيرات ذهنية وحركية وانفعالية تتماشى وتغيرات العصر والظواهر الطبيعية، مما يسمح لنا بتعريف الذكاء/ كفاءة على أنه ملكات عقلية تساعد الفرد المتعلم في التكيف مع بيئته الفيزيائية والاجتماعية.

المراجع:
- أحمد خيري كاظـم' سعيـد ينـس زكـي (1973)، تدريس العلوم، دار النهضة العربية، القاهرة.
- بدر الدين بن تريدي (1999)، تقييم التعلم أنواعه وأساليبه وأدواته، الجزائر
- محمد نقادي وآخرون(1998 ) قراءات في التقويم التربوي، جامعة الإصلاح الاجتماعي والتربوي، الطبعة الثانية، باتنة، الجزائر،.
- ANTHEAUME Pierre et autres, découverte du vivant et de la terre, (1995) didactique Hachette, Paris.
- BAGHDAD Lakhdar, (2000), le questionnement en pédagogie THALA édition, Algérie.
BARBIERJ.M,l’évaluationenformation,pédagogied’aujo urd’hui,PUF,1990
- DE VECCHI G et all. (1994), l’enseignement scientifique, comment faire pour que ça marche, Z’édition, Paris.
- D’HAINAUT Louis,(1988) des fins aux objectifs de l’éducation, 5èmè édition, éd Labor, Bruxelles,
-GIORDAN.A,(1978) une pédagogie pour les sciences expérimentale,Paidoguides. Paris
-GIORDAN.A et autres. )1987( l’éleve et / ou les connaissances scientifiques,Puf; Paris,
-GIORDAN. A.(2001).Les nouveaux modéles sur apprendre pour dépasserleconstructivisme
.https://www.unige.ch/faspe/SSE/teatch.../apprendre/htr.
- SCHLANGER J. (1978). Une théorie du savoir.Paris, Vrin.
- TAGLIANTE C. (1991) l’évaluation, CLE international. Par










 


رد مع اقتباس