منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الى اساتذة الادب
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-04-26, 21:07   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
جمال سيف
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

وفيها يقول:
أنهاك لا آلوك موعظة عن نومة بين ناب الليث والظفر

وفي هذه المرثية، يحشد ابن عبدون الكثير من أحداث التاريخ وتقلباته ويحكي ما أصاب الدول والممالك من مآسٍ ومحن متخذا من ذلك سبيلا للعظة والتأسي. وتمتاز القصيدة على طولها بحاسة شعرية قوية وعاطفة جياشة تزاوج بين مأساة بني الأفطس الذاتية والسياسية.
ومن أهم المراثي التي ربطت بين المأساة الذاتية والسياسية قصيدة أبي بكر بن عبد الصمد في رثاء مملكة إشبيليا وأميرها الشاعر المعتمد بن عباد:
ملك الملوك أسامع فأنادي أم قد عدتك عن السماع عوادي
لما خلت منك القصور ولم تكن فيها كما قد كنت في الأعــياد
قد كنت أحسب أن تبدد أدمعي نيران حزن أضرمت بفــــؤادي

وتعد أيضا دالية ابن اللبانة في رثاء بني عبَّاد ومملكتهم من تلك المراثي التي ربطت بين مأساة المعتمد وضياع ملكه ومأساة الشاعر حين هوى عن عرش الشعر ومملكته:
تبكي السماء بدمع رائح غاد على البهاليل من أبناء عـــــــبَّاد
على الجبال التي هُدّت قواعدها وكانت الأرض منهم ذات أوتاد
نسيت إلا غداة النهر كونهم في المنشآت كأموات بألحـــــاد
تفرقوا جيرة من بعد ما نشأوا أهـلا بأهـل وأولادًا بأولاد

وأما نونية أبي البقاء الرندي فهي واسطة العقد في شعر رثاء المدن وأكثر نصوصه شهرة وأشدها تعبيرا عن الواقع. فهي ترثي الأندلس في مجموعها مدنا وممالك. فتصور ما حلّ بالأندلس من خطوب جليلة لا عزاء فيها ولا تأسٍ دونها وكيف ضاعت قرطبة دار العلوم، وإشبيليا مهد الفن، وحمص مهبط الجمال، وكيف سقطت أركان الأندلس واحدة تلو الأخرى، وكيف أَقفرت الديار من الإسلام فصارت المساجد كنائس وغدا صوت الأذان صوت ناقوس؟!، ثم يهيب أبو البقاء الرندي بفرسان المسلمين عبر عدوة البحر إلى المسارعة لنجدة الأندلس والمسلمين. يقول في أول القصيدة:
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يُغَرُّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمــان
وللحوادث سلوان يسهلها وما لما حلّ بالإسلام سلوان

إلى أن يقول:
فاسأل بلنسية ما شأن مرسية وأين شاطــبة أم أيـن جيَّــان؟
وأين قرطبة دار العلوم، فكم من عالم قد سما فيها له شان
وأين حمص وما تحويه من نزه ونهرها العذبُ فياض وملآن
قواعد كن أركان البلاد فما عسى البقاء إذا لم تبق أركان
حيث المساجد قد صارت كنائس ما فيهن إلا نواقيـــس وصلبــان
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر ترثي وهي عيدان

وتختتم القصيدة بنغمة حزينة شجية تسفر عن الأسى العميق والتماس العظة والعبرة فيما حل بالأندلس:
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلام وإيمان!

وأهمية رثاء المدن أنه يكشف عن جوانب ثرية من التاريخ السياسي بين المسلمين والنصارى في الأندلس. كما يكشف جانبا من النقد الذاتي الذي واجه به الأندلسيون أنفسهم حين أَدركوا أن الانغماس في حياة اللهو والترف أدى إلى سقوط راية الجهاد، وأن ملوك الطوائف حين حرصوا على ملكهم الفردي أضاعوا ملكًا أعظم. وما أصدق سخرية الشاعر المصحفي حين قال:
مما يزهدني في أرض أندلس أسمــاء معتضــدٍ فيــها ومعتمـــد
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد










رد مع اقتباس