منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - شروط قبول الدعوى الادارية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-01-02, 00:57   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
sahar18
عضو جديد
 
الصورة الرمزية sahar18
 

 

 
إحصائية العضو










B18 الصلح في المواد الإدارية


تمر المنازعة الإدارية قبل البث فيها بعدة إجراءات قانونية أوجب المشرع على القاضي ضرورة احترامها نظرا لتعلق النزاع الإداري بالشيء العام، ومن بين هذه الإجراءات ما يسمى بمحاولة الصلح الذي جاء التنصيص عليه في المادة 169 ثالثا من قانون الإجراءات المدنية المعدل والمتمم [1]:

ولدراسة هذا الإجراء كان لزام علينا التطرق إلى نقطتين أساسيتين:

- مفهوم الصلــح (مبحث أول)

- النظام القانوني للصلح في المادة الإدارية (مبحث ثاني)

المبحث الأول : مفهوم الصلــح :

قبل أن نتكلم عن الصلح كإجراء قانوني لا بد من الإشارة بشكل مختصر إلى تعريف الدعوى الإدارية مبرزين شروط قبولها (مطلب أول) ثم نبين أهم الصور الشبيهة للصلح وما يميزه عنها (مطلب ثاني).



المطلب الأول : تعريف الدعوى الإدارية وشروط قبولها:

الفرع الأول : تعريف الدعوى الإدارية: هناك عدة صعوبات في تعريف الدعوى الإدارية راجع البعض منها إلى حداثتها لأنها لم تظهر إلا في نهاية القرن التاسع عشر ولم تكتمل وراجع البعض الآخر إلى عدم تقنين القانون الإداري لخصوصيته المعروفة ، و قد أوجد بعض فقهاء القانون الإداري تعريفا للدعوى الإدارية بقولهم: "هي حق الشخص ووسيلته القانونية في تحريك واستعمال سلطة القضاء المختص ".

وقد ربط البعض الآخر الدعوى الإدارية في مفهومها بمفهوم النزاع الإداري ، وبالنسبة لهذا الأخير فإن أغلب الفقهاء عالجوه من خلال دراستهم لمعيار تحديد اختصاص الجهات القضائية الفاصلة في المواد الإدارية، وهنا عرفه الأستاذ "أحمد محيو" في معرض حديثه عن المبدأ العام الوارد في المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية بأن ''النزاع الإداري يتجسد في كل قضية يكون شخص عام طرفا فيها ..."، ويرى أن المعيار العضوي هو المعيار الوحيد المعتمد وعلى ذلك يمكن القول أن النزاع الإداري يتمثل في كل نزاع يكون طرفه أحد الأشخاص المعنوية العامة المحددة على سبيل الحصر في المادة 07 من ق.إ.م أو الذي أضفى عليه المشرع الطابع الإداري بنص خاص.



الفرع الثاني : شروط قبول الدعوى الإدارية: لا يتسع المقام للحديث بشكل مفصل عن شروط قبول الدعوى الإدارية لذلك سنكتفي فقط بإبراز هذه الشروط وما يترتب عن تخلفها:

أولا : الشروط العامة:

تتحد الدعوى الإدارية في الشروط العامة لقبولها والتي تتمثل في:

1- الصفة: la qualité :

ونعني بها أن يكون رافع الدعوى هو نفسه صاحب الحق الذي اعتدي عليه وأن يكون المدعي علية هو من اعترف على هذا الحق طبقا للقاعدة العامة التي تقول أن الدعوى ترفع من"ذي صفة على ذي صفة".

وبالنسبة للشخص المعنوي يكون دائما ممثلا في شخص طبيعي مثلا البلدية ممثلها القانوني رئيس البلدية – الولاية نجد الوالي-...إلخ. [2]

ويرتب المشرع على تخلف الصفة في الدعوى سواء في المدعي أو المدعي عليه عدم القبول.

2- المصلحة: l’intérêt

نظرا لكون ال مرفق القضائي وجد لحل نزاعات واقعة بين المتقاضين فإن المشرع اشترط أن تكون كل دعوى مرفوعة أمام القضاء تتضمن مصلحة يطالب بحمايتها وأن تكون هذه المصلحة مشروعة بحيث لا تقبل الدعوى المسندة إلى مصلحة منافية للنظام العام، ففي دعوى التعويض يتمسك القضاء الإداري بالمفهوم الضيق للمصلحة المعروف في الدعوى المدنية أي المصلحة التي ترقى إلى مرتبة الحق وذلك بسبب تشابه الدعاوى المدنية ودعوى القضاء في كون كل منهما تقوم على المطالبة بحق شخصي [3] على العكس من ذلك فيما يتعلق بدعوى الإلغاء التي لم يشترط فيها القضاء الإداري أن ترفق المصلحة إلى درجة الحق بل يكفي مجرد توافر فائدة اقتصادية للمدعي.

3- الأهلية : La capacité

يجب أن يكون كل شخص سواء طبيعي أو معنوي أهلا لدفع الدعاوى أمام القضاء، والأهلية لدى بعض الفقهاء ليست شرطا لقبول الدعوى وإنما هي شرط لصحة إجراءاتها فإذا باشر عديم أو ناقص الأهلية دعواه كانت هذه الأخيرة مقبولة لكن إجراءات الخصومة تكون باطلة. ويوقف النظر في الدعوى إلى غاية تصحيح الإجراءات. [4]

إلا ّ أنه بالرجوع إلى نص المادة 459 من القانون المدني التي تعد القاعدة العامة في جميع المواد نجد أن المشرع قد جعل الأهلية شرط لقبول الدعوى وأن تخلفها يرتب عدم القبول.

ثانيا : الشروط الخاصة :

تتمثل الشروط الخاصة المتعلقة بدعوى تجاوز السلطة وكذا دعوى القضاء الكامل فيما يلي:

1- القرار السابق : [5] إن من خصائص دعوى الإلغاء أنها تنص على إلغاء القرارات الإدارية غير المشروعة وعليه لا بد أن تكون هذه القرارات لها سمات القرار الإداري لما اتفق عليه فقهاء القانون الإداري والتي منها.

1) عمل قانوني: بمعنى أن يكون القرار الإداري عملا قانونيا يتضمن إنشاء مراكز قانونية أو إلغائها أو تعديلها ولذلك تستثنى أعمال السيادة.

2) يمس المراكز القانونية بصفة سلبية: وتكون هذه الخاصية بالنسبة لدعاوى الإلغاء بحث يشترط أن يلحق القرار الإداري الأذى بذاته أي يتضمن في فحواه إلغاء المراكز القانونية أو تعديلها. مثل القرار الإداري الذي يتضمن طرد الموظف من منصب عمله. ونجد شرط القرار السابق منصوص عليه في المادة 275 من قانون الإجراءات المدنية.

2- انتفاء الدعوى الموازية: [6] يشترط القضاء الإداري لقبول الدعوى الإدارية ألا يكون للمدعي طريق آخر غير طريق القضاء الإداري، بحيث أن دعوى الإلغاء لا تقبل إذا كان المدعي يملك دعوى قضائية أخرى مساوية لها. وقد وضع مجلس الدولة الفرنسي عد ّ ة شروط للقول بوجود الدعوى الموازية.

1) أن تكون دعوى قضائية هجومية بمعنى نستبعد الدفوع القضائية من ذلك كالدفع بعدم شرعية القرارات الإدارية.

2) أن تحقق الدعوى الموازية نفس المزايا والنتائج التي تحققها دعوى الإلغاء.

3) ألا تكون جهة الاختصاص القضائي بالدعو ى الموازية هي نفسها المختصة بدعوى الإلغاء.



3- التظلم الإداري المسبق : يعد ال تظ لم الإداري المسبق أو كما يسمى الطعن الإداري التدرجي أحد أهم شروط قبول دعوى الإلغاء. وهو يعد وسيلة من وسائل تحريك وإقامة عملية الرقابة الإدارية الذاتية على أعمال الإدارة العامة. [7]

ويرفع التظلم الإداري إما إلى الجهة الإدارية التي تعلو مصدرة القرار الإداري وهنا يكون التظلم رئاسيا، أو إلى مصدرة القرار نفسها في حالة عدم وجود الجهة التي تعلوها وهنا يكون التظلم ولائيا.

ويترتب كذلك على عدم احترام هذا الشرط عدم قبول الدعوى .

وتجدر الإشارة إلى أن شرط التظلم الإداري تم حذفه بالنسبة لدعاوى الإلغاء المرفوعة أمام الغرف الإدارية –المحاكم الإدارية – بالمجالس القضائية منذ تعديل قانون الإجراءات المدنية سنة 1990 وبقي يشترط في الدعاوى المرفوعة أمام مجلس الدولة والمتعلقة بالقرارات الإدارية المركزية وفي بعض القوانين الخاصة مثل منازعات الضرائب – الصفقات العمومية- ...إلخ.

4- شرط الميعاد : تنص المادة 169 مكرر فقرة 02 من قانون الإجراءات المدنية على ما يلي: " ويجب أن يرفع الطعن المشار إليه آنفا خلال الأربعة أشهر التابعة لتبليغ القرار المطعون فيه أو نشره".

ويعد ّ شرط الميعاد من النظام العام بحيث أن تخلفه يرتب بطلان الإجراءات.

وعليه يكون للمدعي في دعوى الإلغاء مهلة 04 أشهر ليرفع دعواه أمام الغرفة الإدارية بالمجلس ويبدأ حسابها من يوم تبليغ أو نشر القرار الإداري محل الطعن .

وتستثنى كل من الدعوى المنصبة على تفسير وفحص مشروعية القرار الإداري وكذا الدعوى المتضمنة الطعن لصالح القانون التي يقيمها النائب العام لدى المحكمة العليا حسب الصلاحية المخولة له طبقا للمادة 297 من قانون الإجراءات المدنية.

وحسب اجتهاد القضاء الإداري تعفى كل من حالة الاعتداء المادي للإدارة وكذا حالة القرارات الإدارية المنعدمة من شرط الميعاد. [8]

أما بالنسبة لدعوى التعويض فهي لا تخضع لميعاد محدد إلا ذلك المعروف طبقا للقواعد العامة والمتعلق بميعاد تقادم الحق.

هذه هي باختصار شديد أهم شروط قبول الدعوى الإدارية أمام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي ناهيك عن شروط أخرى تتعلق بالعريضة المقدمة وشكلياتها لا يتسع المقام للحديث عنها ، باعتبار أن جوهر دراستنا هو إجراء الصلح والذي قبل الخوض في الحديث عنه لا بد من تعريف ه وتميزه عما يشابهه من الأنظمة، ذلك ما سنتطرق إليه من خلال المطلب الموالي.



المطلب الثاني: الصلح والصور المشابهة له:

عرفت المادة 459 من القانون المدني الصلح على أنه (( عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا، ودلك بأن يتنازل كل منهما على وجه التباد ل عن حقه )).

بما أن غاية الصلح هو فض النزاع بصفة ودية وعدم إطالة أم ده، فإن هناك بعض الأنظمة الشبيهة له ، لها نفس الغاية، منها التظلم والتحكيم.

الفرع الأول : الصلح والتظلم الإداري:

1- أوجه الشبه بينهما:

هناك عدة نقاط يتشابه فيها الصلح مع التظلم الإداري منها:

‌أ- من حيث الجهة المدعى عليها:

تكون الإدارة في غالب الأحيان في مركز المدعى عليه بسبب القرارات والأعمال التي تقوم بها وهي بصدد ممارسة صلاحياتها المستمدة من امتيازات السلطة العامة ، ولهذا يكون التظلم الإداري سواء الرئاسي أو الولائي موجه من طرف الأشخاص إلى الإدارة سواء كانت المتخذة للتصرف المتظلم من أجله أو التي تعلوها ونفس الشيء نجده فيما يخص إجراء الصلح بحيث أن الإدارة في جلسة الصلح تكون مدعى عليها في أغلب الحالات. [9]

‌ب- من حيث المواعيد:

ي خضع كل من التظلم والصلح لمواعيد حددها القانون، فالصلح بثلاثة أشهر طبقا للمادة 169/05 ق.إ.م والتظلم الإداري ضد القرارات الإدارية المركزية محدد طبقا للمادة 278 ق.إ.م بشهرين من تاريخ تبليغ القرار المطعون فيه أو نشره، وهو في القرارات الإدارية اللامركزية التي لازال يشترط فيها يختلف من مادة لأخرى ، فمثلا في المادة الضريبية هناك نوعين من الآجال. [10]

v الآجال العامة : بحيث أن التظلم (الشكاية) يقبل إلى غاية 31 ديسمبر من السنة التي تلي السنة التي أدرج فيها الجدول للتحصيل، مثلا الجدول الذي أدرج للتحصيل في شهر فيفري 2005 يسري الأجل المحدد لرفع الشكوى إلى غاية 31/12/2006.

v الآجال الاستثنائية : حالة الخطأ أو الازدواج في فرض الضريبة: هنا الأجل ينتهي إلى غاية 31 ديسمبر من السنة الموالية ل لسنة التي علم فيها المكلف فعلا بوجود الخطأ أو الازدواج في فرض الضريبة وهذا ما نصت عليه المادة 72-1 من قانون الإجراءات الجبائية.

‌ج- من حيث الطبيعة القانونية : يعد كل من الصلح في المادة الإدارية والتظلم الإداري من النظام العام يثار في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ، وأن تخلفهما يرتب جزاء خاص ب كل واحد؛ فبالنسبة للتظل م عدم قبول الدعوى [11] وبالنسبة للصلح إلغاء القرارالقضائي [12] .

2- - أوجه الاختلاف بين التظلم والصلح:

‌أ- من حيث الجهة المكلفة بالنظر فيه:

إن التظلم الإداري كما سبق وأن قلنا يتم أمام الإدارة سواء مصدرة القرار المتظلم منه أو التي تعلوها إذا كان رئاسي وهذا طبقا للمادة 275 من قانون الإجراءات المدنية وفي هذا تن شأ نوع من علاقة إذعان بين الإدارة والفرد.

أما بالنسبة للصلح فهو يتم أمام القضاء ؛ أي أن ّ القاضي الإداري هو الذي يلعب دور المصالح وفي هذا أكثر إنصاف للطرف الضعيف المخاطب بالقرار الإداري المطعون فيه (دعوى الإلغاء) ، أو المتضرر من العمل الإداري (دعوى التعويض).

‌ب- من حيث الملزّم به:

إن التظلم الإداري المسبق سواء المنصوص عليه في القانونين الخاصة- الضرائب- الصفقات العمومية...إلخ أو المنصوص عليه في المادة 275 من ق.إ.م يكل ّ ف القيام به الشخص المتضرر من التصرف الإداري بينما إجراء الصلح هو ملزم للقاضي وإذا أغفل القيام به تعرض قراره للإلغاء ولا دخل للخصوم في إ قتراحه أو إبدائه.

وفي الأخير نقول أنه بالرغم من وجود بعض التشابه أو التداخل بين التظلم الإداري والصلح إلا ّ أن ّ كل واحد منهما نظام قانوني قائم بذاته.

الفرع الثاني : الصلح والتحكيم:

نظم المشرع الجزائري التحكيم الداخلي [13] بنصوص المواد 442 إلى 458 من قان ـ ون الإجراءات المدنية، سواء تعلق بالأشخاص الطبيعية أو المعنوية الخاصة مثل الشركات الوطنية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الاقتصادي والتجاري ( E.P.E-E.P.I.C ) أما ّ الأشخاص المعنوية العامة فهي بموجب المادة 442 من ق.إ.م لا تخضع للتحكيم الداخلي كما لا يجوز للأشخاص الطبيعية طلب التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام ، أو حالة الأشخاص وأهليتهم طبعا للمادة 442 ق. إ.م الفقرة 02.

وقد يشتبه التحكيم بالصلح القضائي في كون شخص ثالث يتدخل لوضع حد للنزاع القائم أو توقي نزاع محتمل، ففي التحكيم يتمثل في المحك ّ م وفي الصلح يتمثل في القاضي ، ولكن رغم ذلك هناك عدة فروق بنهما ن برزها فيما يلي:

1- المحك ّ م يستمد ولايته من إرادة الأطراف أن فسهم بينما القاضي المصالح يستمد ولايته من القانون وحده.

2- إن المحك ّ م أثناء مباشرة التحكيم لا يرجع بالضرورة إلى القوانين التكميلية والتفسيرية طالما أن ّ القانون قد أوجب حصر النزاع موضوع التحكيم في المشاركة. [14]

في حين أن ّ القاضي الإداري أثناء مباشرته ل لعملية الصلحية يتقيد بطبيعة المنازعة ولا ي خرج عن سلطته الأصلية.

3- الصلح يقوم على مبادئ العدالة لذلك نجد ه أكثر مرونة من عقد التحكيم الذي بمجرد الاتفاق عليه يسود مبدأ العقد شريعة المتعاقدين.

والآن ننتقل إلى دراسة الصلح في المجال الضريبي، باعتبار المادة الضريبية نوعا من المواد الإدارية التي يختص القضاء الإداري بالنظر فيها.

المطلب الثالث: لجنة المصالحة في المجال الضريبي:

تعد الضريبة أهم مصادر إيرادات الدولة، وقد منح المشرع للمكل ّ ف بالضريبة وسيلة أو طريقة يلجأ إليها من أجل إعادة تقييم مبلغ الضريبة المفروضة على أملاكه أو على الحقوق التي يتمتع بها، ويتمثل هذا الطريق في اللجوء إلى لجنة المصالح ة المتواجدة على مستوى كل مديرية ولائية للضرائب ، ويعد هدا الإجراء المنصوص عليه بالمادة 140/04 من قانون التسجيل إجراءا جوهريا،هدا ماقضى به مجلس الدولة في إحدى قراراته ( وحيث أنّ خرق إدارة الضرائب لهدا الإجراء الجوهري المنصوص عليه في المادة 140/04 من قانون التسجيل وليس المادتين 190و التي إستند عليهما المستأنف خطأ في تطبيق القانون يستوجب معه إبطال الإندار رقم 31/98 موضوع النزاع وبالنتيجة إلغاء الضريبة المفروضة و المقدرة بـ: 633.036,08 دج ). [15]

و تلعب هده اللجنة دور أساسي في التوفيق بين مصالح الخزينة العامة من جهة ومصالح المكل ّ ف من جهة أخرى في مجال حقوق التسجيل. [16]

تعد المصالحة في مسألة حقوق التسجيل نوع من الصلح الإداري.

والحديث عن هذه اللجنة يستدعي منا التطرق إلى كل من :

- تشكيلة اللجنة واختصاصها (فرع أول)

- أعمال اللجنة وكيفية اللجوء إليها (فرع ثاني)



الفرع الأول : تشكيلة اللجنة واختصاصها:

أولا : تشكيلة اللجنة :تتشكل لجنة المصالحة المستحدثة على مستوى كل مديرية ولائية للضرائب من:

- المدير الولائي للضرائب –رئيس ا -

- مفتش التسجيل

- مفتش من مديرية شؤون أملاك الدولة.

- موثق يعينه رئيس الغرفة الجهوية للموثقين المعنية

- مثل عن إدارة الولاية

ويتولى مهام كتابة اللجنة مفتش من المديرية الفرعية للرقابة الجبائية بالولاية المكلف بإعادة التقويمات في ميدان التسجيل والذي يحضر اللجنة بصفة استشارية.

ثانيا : اختصاص هذه اللجنة: تختص اللجنة الولائية للمصالحة بنظر كل التقديرات الضريبية في مجال التسجيل، المتعلقة أساسا بجميع العقود أو التصريحات التي تثبت نقل أو بيا ن الملكية أو حق الانتفاع أو التمتع بالأموال العقارية والمحلات التجارية وكذا حق الإيجار لكامل العقار أو جزء منه.



الفرع الثاني : أعمال لجنة المصالحة والنتائج المترتبة عنها :

أولا : أعمال اللجنة: عندما تحصي الإدارة نقص في الثمن المصرح به ، أو التقديرات المقدمة من الأ طر ا ف فقبل أن تعيد تقييم الثمن فإنها تحاول وبطريقة ودية أن تحصل على الاعتراف بهذا النقص من طرف المكلفين وذلك بإبرام اتفاق بينها وبين المكلف المعني، بحيث تقوم باستدعاء الطرفين – البائع والمشتري- لتعرض عليهما المبلغ المعلن نقصه، فإذا قبلا بذلك فإنهما يقومان بإمضاء تعهد يلتزمان بموجبه على دفع الرسوم المستحقة على فارق المبلغ الناقص.

وفي حالة عدم الاتفاق الودي ترفع الإدارة الأمر إلى لجنة المصالحة وجوبا وإلا تم إلغاء الضريبة المفروضة على المكلف ، ويتم إ ستدعاء الأطراف وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 104 من قانون التسجيل في تاريخ 20 يوم على الأقل قبل تاريخ إ جتماع اللجنة، بحث يتم إعلامهم على إمكانية الإدلاء بأقوالهم شفاهة أو كتابة ، كما يمكن الاستعانة بمستشار أو وكيل عنهم مختار من قبلهم.

تنعقد اللجنة بدعوى من رئيسها ولا تكون مداولاتها صحيحة إلا إذا حضرها على الأقل 05 أعضاء بما فيهم الرئيس.

ثانيا : النتائج المترتبة:

من بين النتائج المترتبة ع لى إ نعقاد اللجنة حالتين:

1- حالة التوصل إلى اتفاق:

في هذه الحالة يتم التوقيع في الحال على تعهد يصادق عليه المدير الولائي للضرائب ليصبح نافذا في مواجهة الأطراف.

2- حالة عدم التوصل إلى اتفاق:

تنص المادة 105 من قانون التسجيل على ما يلي: " إذا لم يتم الاتفاق بين الإدارة والأطراف أو إذا غابوا عن جلسة اللجنة، أو لم يرسلوا ملاحظاتهم المكتوبة فتصدر اللجنة رأيها ويبلغ المكلف بواسطة رسالة موصى عليها مع إشعار باستلام".

وعليه بعد اتخاذ اللجنة لرأيها و إ نقضاء مهلة 20 يوم الممنوحة للمكلف للقيام بالاعتراض، تصبح الزيادة المقررة من اللجنة سارية المفعول وقابلة للتحصيل.

ويعد رأي اللجنة هنا حسب ما استقر عليه قضاء مجلس الدولة بمثابة قرار إداري يخضع للرقابة القضائية . [17]



المبحث الثاني: النظام القانوني للصلح في المادة الإدارة:

بعد أن تعرفنا في المبحث السابق ع لى مفهوم الصلح وتم ي يزه عما يشابهه من الأنظمة الأخرى وقلنا أنه نظام قانوني قائم بذاته بقي لنا أن نعرف محتوى هذا النظام ، من خلال تبيان مجاله القانوني طبقا للتشريع الحالي(مطلب أول) ، ثم ننتقل بشيء من التفصيل لنبين الإجراءات التي يمر عليها الصلح وما يترتب عنه من نتائج ، مبرزين في ذلك أهم الإشكالات التي تطرح والحلول المقابلة لها (مطلب ثاني وثالث) .



المطلب الأول: مجال الصلح طبقا للمادة 169 ثالثا من قانون الإجراءات المدنية:

يجد الصلح القضائي في المادة الإدارية أساسه القانوني في المادة 169 ثالثا من ق.إ.م والتي جاء بها القانون 90/23 المؤرخ في 18 غشت(أوت) 1990 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات المدنية بحيث نصت على ما يلي: " على كاتب الضبط أن يرسل العريضة عقب قيدها إلى رئيس المجلس القضائي الذي يحيلها إلى رئيس الغرفة الإدارية ليعين مستشارا م قرر ويقوم القاضي بإجراء محاولة الصلح في مدة أقصاها ثلاثة أشهر في حالة ما إذا تم الصلح، يصدر المجلس قرارا يثبت اتفاق الأطراف ويخضع هذا القرار عند التنفيذ إلى الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون.

وفي حالة عدم الوصول إلى اتفاق يحرر محضر عدم الصلح، وتخضع القضية إلى إجراءات التحقيق المنصوص عليه في هذا القانون "

إن ّ الحديث عن مجال الصلح ي دفع بنا إلى طرح سؤالين هامين وهما:

- ماهي الجهات القضائية التي يتم فيها الصلح؟

- ماهي نوع الدعاوى التي تكون محلا للصلح، وهل يمكن الاستغناء عنه بالنسبة إلى تلك التي مازال يشترط فيها التظلم الإداري؟





الفرع الأول : الجهات القضائية التي يتم فيها الصلح:

بعد تفحصنا لموقع المادة 169 ثالثا من قانون الإجراءات المدنية نجدها تقع في القسم الثالث تحت عنوان– في تحقيق الطعون – من الباب الثاني المتعلق بالإجراءات المتبعة أمام المجلس القضائي في المواد الإدارية، وعليه يمكننا القول بأن إجراء محاولة الصلح في المنازعة الإدارية التي تعد المادة المذكورة آنفا أساسه القانوني لا يكون إلا أمام الغرف الإدارية [18] بالمجالس القضائية سواء كانت المحلية أو الجهوية وعليه يستبعد مجلس الدولة الذي يختص حسب القانون 98/01 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة بالنظر في الطعون بالنقض ضد القرارات النهائية الصادرة عن المحاكم الإدارية.

بالنظر في الطعون بالاستئناف ضد القرارات الابتدائية الصادرة عن المحاكم الإدارية .

بالنظر في دعاوى الإلغاء وفحص ال م شر و عية والت فس ير ضد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية. [19]

الفرع الثاني : الدعاوى القضائية محل الصلح:

تنص المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية على ما يلي: " تختص المجالس القضائية بالفصل ابتدائيا بحكم قابل للاستئناف أمام ا لمحكمة العليا في جميع القضايا أيا كانت طبيعتها التي تكون الدولة أو الولايات أو البلديات أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية طرفا فيها وذلك حسب قواعد الاختصاص التالية :

- تكون من اختصاص مجلس قضاء الجزائر ووهران وقسنطينة وبشار وورقلة التي يحدد اختصاصاها الإقليمي عن طريق التنظيم :

· الطعون بالبطلان في القرارات الصادرة عن الولايات .

· الطعون الخاصة بتفسير هذه القرارات والطعون الخاصة بمدى شرعيتها.

- تكون من اختصاص المجالس القضائية التي تحدد قائمتها وكذا اختصاصاها الإقليمي عن طريق التنظيم :

· الطعون بالبطلان في القرارات الصادرة عن رؤساء المجالس الشعبية البلدية وكذا رؤساء المؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية.

· الطعون الخاصة بتفسير هذه القرارات والطعون الخاصة بمدى شرعيتها.

· المنازعات المتعلقة بالمسؤولية المدنية للدولة والولاية والبلدية والمؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية والرامية لطلب التعويض".

وبالرجوع إلى المادة 169 ثالثا من قانون الإجراءات المدنية نجدها لم تبين طبيعة المنازعة الخاضعة لإجراء الصلح ، مما يجعلنا نتساءل : هل يطبق في دعوى الإلغاء أم دعوى القضاء الكامل أم فحص المشروعية والتفسير؟

إن دعوى القضاء الكامل دعوى ذاتية أي أنها تقوم على نزاع بين طرفين وبالتالي محاولة المصالحة بينهما أمر معقول ومقبول.

إلا أنه بالنسبة لدعوى تجاوز السلطة التي تنصب حول القرار الإداري ما إن كان مشروع أم لا وبالتالي هل يمكن إجراء الصلح على مبدأ المشروعية مع أن القاضي هو حامي القانون؟ [20]

وترى الأستاذة بن صاولة [21] أن الإجابة على مسألة جواز التصالح في دعاوى الإلغاء تقتضي منا التفرقة بين القرارات الفردية والقرارات التنظيمية :

1) فبالنسبة للقرارات الفردية : نجد إ فتراضين أساسيين:

‌أ. عندما يكون عدم مشروعية القرار الإداري أمرا واضحا :

في هذه الحالة إذا تبين للقاضي ولأول وهلة أن حل القضية أصبح مؤكدا لديه طبقا للمادة 170 من قانون الإجراءات المدنية فإنه يقرر ألا داعي للتحقيق وبالتالي لا داعي للمصالحة.

‌ب. عندما تتضمن عريضة الطعن الخاصة بطلب الحقوق طلب إلغاء :

هنا يجوز للقاضي استبعاد فقط القرار غير المشروع ويصالح على الباقي.

2) وبالنسبة للقرارات التنظيمية: نفرق بين مسألتين :

‌أ. القرارات التنظيمية من حيث موضوعها : هذا النوع من القرارات تشمل عددا غير محدد من الأشخاص وتفرغ عادة في شكل لوائح وتكون عامة ومجردة، وبالتالي من غير المنطقي أن نرفض إجراء الصلح فيها.

‌ب. القرارات التنظيمية من حيث شكلها : هذا النوع من القرارات لا يجوز التصالح فيها لأنها تخرق مبدأ ال م شر و عية.

وعلى العكس من ذلك يرى رئيس الغرفة الإدارية لمجلس قضاء سعيدة "العيد جرمان" أنه لا تصالح فيما يخالف القانون وسيان إن كان القرار فرديا أو تنظيميا غير مشروع بكامله أو جزء منه، وسواء كان العيب في الشكل أم في الموضوع ، وبالتالي لا يفلت من رقابة القضاء عن طريق إجراء الصلح، فالقرار غير السليم وإن كان فرديا لا صلح فيه ، إلا أننا نرى أنه لا مانع م ـ ن تسوية النزاع قضائيا وبطر ي قة ودية ، ف تثبت الحقوق دونما أن يكون في ذلك مساس بمب ــ دأ المشروعية ، وبالنسبة لدعاوى فحص مشروعية القرارات الإدارية فلا يطرح إشكال لأن دور القاضي هنا هو القول ما إن كان التصرف الإداري مشروع أم لا ولا يتعدى إلى إلغائه ، ونفس الشيء بالنسبة للتفسير بحيث أن القاضي الإداري ينحصر دوره في تفسير القرار الإداري المشوب بالغموض، وعليه لا يمكن تصور تصالح في هذين النوعين من الدعاوى بالإضافة إلى الدعاوى الإستعجالية التي يقتضي طابعها السرعة واتخاذ تدابير وقتية فقط .



* مسألة الدعاوى التي ما زال يشترط فيها التظلم:

أبقى المشرع الجزائري على شرط التظلم الإداري وجعله كشرط لقبول الدعوى أمام القض اء وهذا في نصوص خاصة منها المنازعات الضريبية [22] والتنازل عن أملاك الدولة [23] ومادة الصفقات العمومية. [24]

يرى الأستاذ " رشيد خلوفي " أن اشتراط المشرع للتظلم الإداري المسبق في بعض النزاعات الخاصة يعفي الطرفين من المرور بإجراء محاولة الصلح لأن فشل التظلم يعبر على إ ن عدام وصول الطرفين لحل ودي. [25]

إلا أننا نرى العكس من ذلك خاصة وأننا بي ّ نا الفروق الجوهرية بين التظلم الإداري و الصلح، بح ي ث أنه في الأول تقوم ن وع من علاقة إذعان لأن ّ الإدارة هي طرف ومصالح في نفس الوقت فلا يعقل أن تتنازل عن حقوقها بسهولة ، بينما في الصلح يكون نوع من العدالة والإنصاف لأن من يتولى العملية الصلحية هو قاضي ، وعليه قد يفشل التظلم الإداري ومع ذلك يتصالح الطرفان أمام القضاء نتيجة للدور الإيجابي الذي يلعبه القاضي الإداري ، ضف إلى ذلك أن ّ نص المادة 169 ثالثا من ق. إ .م جاء عاما ولم يستثني أي دعوى إدارية ترفع أمام القضاء الإداري.

وهناك تطبيقات قضائية تؤكد وجوبية الصلح ر غ م وجود التظلم الإداري وهذا ما جاء في قرار لمجلس الدولة في القضية التي تجمع بين (ب.ع) ومدير الضرائب لولاية ميلة و ق د جاء في حيثيات القرار "إذ تبين لمجلس الدو ل ة ودونما حاجة لإثارة دفوع الأطراف ومناقشتها خرق المجلس للقواعد الأساسية الجوهرية في إجراءات الدعوى والمتعلقة بإجراء الصلح في المادة الإدارية المادة 169/3 من ق.إ.م إذ أنه ثبت من خلال أوراق ومستندات ملف الدرجة الأولى خلوه من محضر الصلح وهو إجراء وجوبي وكذا عدم الإشارة له في القرار المستأنف مما يجعل الإجراءات معيبة ويترتب عليها البطلان فيتعين بذلك إلغاء القرار المستأنف وإحالة القضية والأطراف إلى مجلس قسنطينة للفصل فيها طبقا للقانون". [26]

المطلب الثاني: اجراء محاولة الصلح:

نتناول في هذا المطلب كل من البعد الزماني والمكاني لإجراء محاولة الصلح(فرع أول) وكذا مدى رقابة القاضي للعملية الصلحية ودوره في ذلك(فرع ثاني).

الفرع الأول : البعد المكاني والزماني للصلح:

أولا : البعد المكاني: إن الصلح في المادة الإدارية هو صلح قضائي لذلك فهو يتم في ساحة القضاء لكن تختلف الصورة من مجلس لآخر، فهناك من القضاة من يجرونه في مكاتبهم والبعض الآخر في قاعة المدولات وآخرون في قاعة الجلسات إلا أنه ونظرالطبيعة العملية الصلحية التي تنصب على مصالح شخصية للأفراد والتي قد تتعلق بالأموال أو المراكز القانونية، مثلا منازعات الضرائب فإنه من الأفضل والأحسن أن تتم في جلسة سرية بعيدا عن الجمهور وهذا تفاديا للحرج الذي قد يتسبب في فشلها.

ويرى الأستاذ "خلوفي رشيد" أنه ينبغي ترك تحديد علنية أو سرية جلسة الصلح للقاضي وهذا حسب طبيعة النزاع. [27]

ثانيا : البعد الزماني: نعني بالبعد الزماني المدة التي حددها المشرع لإجراء محاولة الصلح، فبالرجوع إلى المادة 169-03 من قانون الإجراءات المدنية نجدها تنص: "…ويقوم القاضي بإجراء محاولة صلح في مدة أقصاها ثلاثة أشهر..." فالفترة إذن محددة بثلاثة أشهر، غير أن التساؤل المطروح متى يبدأ سريان هذه المدة؟ فهناك عدة فرضيات:



1- بعد تسجيل القضية لدى كتابة الضبط بالمجلس القضائي.

2- بعد إرسال العريضة إلى رئيس المجلس.

3- بعد إرسال العريضة إلى رئيس الغرفة .

4- بعد إرسال العريضة إلى المستشار المقرر.

وهذا الإشكال طرحه النص المكتوب باللغة العربية باستعمال عبارة (عقب) إلا أنه بالرجوع إلى التقرير التمهيدي حول اقتراح القانون المعدل والمتمم للأمر رقم 66/454 والمؤرخ في 8 جوان 1966 المتضمن قانون الإجراءات المدنية [28] نجده ينص "...وإذا لم يتم الصلح فإن المستشار المقرر يحرر محضرا بذلك في أجل ثلاثة أشهر من تاريخ تعيينه من طرف رئيس الغرفة..." ومن هذا النص يمكن القول بعد إجراء عملية قياس لنتيجة عدم الوصول إلى صلح بنتيجة الوصول إليه، نجد أن بداية حساب مدة ثلاثة أشهر يكون من يوم تعيين رئيس الغرفة للمستشار المقرر والذي يبدأ من هذا التاريخ في تهيئة القضية لإجراء الصلح.

يطرح تساؤل آخر حول مدى التزام القاضي بالمدة المذكورة وعدم تجاوزها؟ ونجد في هذا الصدد ثلاثة حالات هي :

الأولى : إذا وقع تصالح أو اتفاق بين الخصوم بعد فشل محاولة الصلح الأولى ومضت مدة ثلاثة أشهر، في هذه الحالة يمكن للقاضي أن يصالح بينهم مستندا في ذلك إلى القاعدة العامة في الصلح الواردة في المادة 17 من قانون الإجراءات المدنية.

الثانية : إذا تغيب أحد الخصوم وكان غيابه مبررا ومضت ثلاثة أشهر من تعيين المستشار المقرر في هذه الحالة كذلك يجوز للقاضي إجراء صلح بين الأطراف.

الثالثة : في حالة تدخل أو إدخال الغير في الخصومة ومضت محاولة الصلح دون مشاركة هذا الغير هنا كذلك يجوز التصالح.





الفرع الثاني : دور القاضي في رقابة العملية الصلحية:

هناك عدة مسائل يتأكد منها القاضي الإداري وهو بصدد البدء في محاولة الإصلاح بين الخصوم منها مسألة الحضور والغياب والتوكيل وكذا احترام مبدأ المشروعية والنظام العام.



أولا : الحضور والغياب:

تقوم المنازعة الإدارية على مبدأ الوجاهية بين الخصوم بحيث تكون جميع الإجراءات متخذة بعلم من أطراف الدعوى وفي حضورهم، وهل يفسر عدم حضور أحدهم رفضا منه للصلح ؟ خاصة إذا تحايل وقصد عرقلة سير الخصومة وأن القاضي الإداري كما يقال " أمير الخصومة الإدارية" كذلك هل يعد تخلف المدعي عن الحضور لجلسة الصلح يرتب شطب الدعوى خاصة بالنسبة للمجالس القضائية التي يتم فيها الصلح بعد تسجيل العريضة مباشرة؟

إن غياب المدعي لا يؤثر في الصلح ما دامت طلباته موجودة ولا يحكم القاضي بالشطب لأنه يملك سلطة الإجراءات والتحقيق في النزاع فقط.

أما عن غياب المدعى عليه فهذا يدفع إلى تحرير محضر بعدم الصلح.

ثانيا : التوكيل:

يتم تمثيل الأشخاص المعنوية العامة بواسطة أحد موظفيها أو من تنتدبه لذلك، وعلى الوكيل هنا أن يثبت وكالته كتابة، أما بالنسبة للمحامي فيجيز القانون حضوره عن الغير دون ذلك مع إرفاقه عريضة الدعوى أو مذكرة الجواب برسالة التأسيس حسب مقتضيات المادة 169 من ق.إ.م.

ويشترط كذلك القانون أن تكون الوكالة خاصة لا عامة.

وإذا توفي المدعي تنتقل للورثة الصفة والمصلحة وبالتالي يمكنهم إبداء رأيهم في الصلح.

ويرى عبد الرزاق السنهوري "أن توكيل المحامي في المرافعة أمام القضاء لا يشمل توكيله في الصلح ولا في التحكيم ولا في توجيه اليمين بل لا بد في ذلك من توكيل خاص" وعلى الرغم من تنظيم الوكالة أو الإنابة بموجب المادة 571 من القانون المدني والتي تعد " عقد بمقتضاه يفوض شخص شخصا آخر للقيام بعمل شيء لحساب الموكل باسمه" إلا أن كثيرا من القضاة من يرفضونها في جلسة الصلح على اعتبار أن هذا الأخير يمتاز بالطابع الشخصي وتعلقه بالذمة المالية للشخص.

ثالثا : دور القاضي المصالح في رقابة شروط قبول الدعوة:

تنص المادة 140 من الدستور الجزائري لسنة 1996 على ما يلي " أساس القضاء مبادئ الشرعية والمساواة".

وبما أن القاضي هو حامي الشرعية المنصوص عليها دستوريا فما مدى سلطته في رقابة قواعد النظام العام التي سنها المشرع؟ ويطرح سؤال آخر: هل القاضي أثناء الصلح ينظر إلى النزاع من زاوية القانون الوضعي أم من زاوية الإنصاف (Equité) ؟ فعلى سبيل المثال إذا تبين في جلسة الصلح أن شرط التظلم الإداري المسبق غير متوفر في نزاع ضريبي، أو أن دعوى الإلغاء رفعت خارج الميعاد القانوني، وعلى فرض أن الأطراف كانت لديهم نية التصالح فهل يجوز للقاضي أن يتجاوز هذه المبادئ التي تعد من النظام العام ويسعى إلى الإصلاح؟

وكإجابة على هذه التساؤلات يرى البعض [29] أنه ونظرا لعدم فصل القضاء في هذه الإشكالات لا بد من إعادة النظر في مكان وطبيعة عملية الصلح وأن إجراءها خارج المرحلة القضائية وجعلها اختيارية يسمح لها بتحقيق الهدف المنتظر منها .

في رأينا إذا تبين للقاضي المصالح أن الدعوى المرفوعة أمامه لم تحترم فيها شروط قبولها من تظلم أو ميعاد أو القرار السابق في دعوى تجاوز السلطة، فإنه يقوم بإحالتها إلى رئيس الغرفة الإدارية ليقرر بأن لا محل للتحقيق وبالتالي لا محل للصلح تطبيقا لنص المادة 170 الفقرة 05 من قانون الإجراءات المدنية، في انتظار فصل مجلس الدولة في هاته المسألة أو إعادة تنظيم المادة 169-03 من نفس القانون.

المطلب الثالث : الآثار المترتبة عن إجراء محاولة الصلح :

يترتب عن العملية الصلحية إما تكليلها بالنجاح وعليه يصدر القاضي قرارا يثبت فيه ذلك، وإما فشلها وحينئذ تمر المنازعة القضائية بإجراءاتها العادية، ولمعرفة كل هذا نتطرق في( الفرع الأول ) إلى القرار محل الصلح ومدى جواز الطعن في فيه وفي ( الفرع الثاني ) مصير المنازعة في حالة فشل الصلح.

الفرع الأول : القرار محل الصلح:

تنص المادة 169-03 الفقرة الثالثة على ما يلي" في حالة ما إذا تم الصلح يصدر المجلس قرار يثبت إتفاق الأطراف ويخضع هذا القرار عند التنفيذ إلى الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون" نتناول القرار الصادر إثر نجاح عملية الصلح من خلال نقاط ثلاثة:

أولا : طبيعته القانونية.

ثانيا : حجيته.

ثالثا : مدى جواز الطعن فيه.



أول ا : الطبيعة القانونية للقرار محل الصلح:

طرح التساؤل حول ما إن كان القرار المثبت للصلح ذو طبيعة مقررة أم كاشفة فقط، لذلك وجد رأيين:

الرأي الأول : القرار الصادر بإثبات الصلح ذو طبيعة كاشفة:

يرى البعض أن القرار الصادر بإثبات الصلح يؤكد فقط حق أو واقعة مادية موجودة وقائمة وما دوره إلا المصادقة عليها، ويرتكز هذا الرأي على القاعدة العامة الواردة في القانون المدني المتعلقة بعقد الصلح الذي يتم بين الأطراف خارج ساحة القضاء ثم يلجؤون إلى القاضي ليصادق عليه، إلا أننا نرى أن هذا الرأي تجاهل الدور الإيجابي والفعال الذي يقوم به القاضي الإداري أثناء محاولة الصلح بالإضافة إلى أن الصلح وقع داخل القضاء وليس خارجه.

الرأي الثاني : القرار الصادر بإثبات الصلح هو ذو طبيعة تقريرية:

يرى جانب آخر من الفقه أن القاضي الإداري لا يقوم فقط بالمصادقة على اتفاق الخصوم وإنما يساهم في بناء مشروع الصلح، مستعملا سلطته الرقابية لمبدأ المشروعية، كما وأن القاضي في حالة فشل الصلح قد يحكم للمدعي اتجاه الإدارة مثلا إلغاء القرار الإداري غير المشروع وهذا بإرادتة المنفردة وبذلك يؤكد حقيقة موجودة سلفا رسم طريقها في جلسة الصلح.

ونحن بدورنا نشاطر هذا الرأي وهذا انطلاقا من المادة 169-03 من ق.إ.م نفسها عندما نص المشرع على أن القاضي يسعى لمحاولة الصلح وبالتالي يكون له دور إيجابي وفعال في التوفيق بين إرادتي الأطراف، وإذا تكلل هذا السعي بنجاح يثبته بقرار تكون له طبيعة تأكيدية لحقيقة موجودة وهو نية التصالح بين الخصوم.

ثانيا : حجية القرار الصادر بإثبات الصلح:

سبق وأن قلنا أن القرار محل الصلح هو قرار قضائي أفرغ فيه محضر الصلح الذي أعده القاضي المصالح يخضع للتنفيذ مثله مثل باقي الأحكام والقرارات القضائية [30] إلا أن حجيته محل جدال وخلاف بين القضاة، فمنهم من لا يعتبر أن له حجية على أساس أنه يخلو من إجراء جوهري تمر به القرارات القضائية قبل النطق بها وهي المداولة.

إلاّ أنّ الرأي الصحيح هو القائل بحجية القرار المثبت للصلح وهذا انطلاقا من المادة 169-03 من ق.إ.م حيث جاء فيها" ...يصدر المجلس قرارا يثبت اتفاق الأطراف.." فكلمة مجلس تعني الغرفة مجتمعة لا عند النطق في الجلسة العلنية فحسب بل في غرفة المشورة أين يتخذ القرار. [31]

وحجية هذا القرار قد تكون نسبية أو مطلقة حسب طبيعة النزاع، فتكون له حجية مطلقة بالنسبة لدعوى القضاء الكامل وتكون له حجية نسبية لدعوى تجاوز السلطة.

ثالث ا: مدى جواز الطعن في القرار المثبت للصلح:

بعد أن عرفنا الطبيعة القانونية للقرار الصادر في الصلح وحجيته وقلنا بأنه مثله مثل بقية القرارات القضائية الأخرى أثناء التنفيذ، يبقى لنا أن نبين إن كان هذا القرار يقبل الطعن فيه بطرق الطعن المعروفة سواء العادية منها أو غير العادية، خاصة وأنه لا يوجد اجتهاد لمجلس الدولة في هذا الشأن.

أ‌- الاستئناف : يعد الاستئناف طريق عادي من طرق الطعن وبالرجوع إلى المادة الثانية من القانون 28/02 المتعلق بالمحاكم الإدارية (التي لم تنصب بعد) في فقرتها الثانية نجدها تنص "أحكام المحاكم الإدارية قابلة للاستئناف أمام مجلس الدولة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك" وتنص كذلك المادة 10 من القانون 98/01 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة على ما يلي:" يفصل مجلس الدولة في استئناف القرارات الصادرة ابتدائيا من قبل المحاكم الإدارية في جميع الحالات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك".

وبما أنّ القرار المثبت للصلح شأنه شأن بقية القرارات الأخرى الصادرة عن الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي فإنه من المنطقي أن يكون قابلا للاستئناف، بالإضافة إلى عدم وجود أي نص يستثنيه من ذلك.

وقد صدر قرار للمحكمة العليا جاء في مضمونه أنه لا يجوز استئناف الأحكام والقرارات المصادقة على الصلح: "من المقرر قانونا أنه تختص المجالس القضائية بنظر استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم في جميع المواد في الدرجة الأولى ولو وجد خطا في وصفها.

إن الحكم الذي صادق على الصلح ووقعه جميع الأطراف المتنازعة لا يعتبر من الأحكام القابلة للاستئناف لأنه لم يفصل في النزاع بل صدر رغبة وإرادة من الأطراف وبذلك لا يجوز لأحد منهم التراجع عنه ولما أعطى القاضي الأول الحكم الوصف الابتدائي فإنه أخطأ في ذلك ولما أيد قضاة الاستئناف الحكم المذكور أخطؤوا كذلك مما يتعين نقض القرار المطعون فيه دون إحالة".

وقد فسر البعض هذا القرار خطأ وقالوا أنه لا يجوز استئناف القرار القضائي المثبت للصلح في المادة الإدارية مخلطين في ذلك بين الصلح الذي يتم خارج ساحة القضاء باتفاق الطرفان وحدهما ثم يأتيا أمام المحكمة للمصادقة على ذلك وببين الصلح القضائي الذي يفرغ في قرار أو حكم قضائيين.

ب‌- التماس إعادة النظر : يجوز التماس إعادة النظر في القرار محل الصلح في حالة ما إذا كان هناك تناقض في منطوقه، فمثلا عندما يتضمن محضر الصلح اتفاق الطرفين ويأتي القرار المثبت له عكسه تماما مع مراعاة أحكام المادة 194 من ق.إ.م.

الفرع الثاني : مصير المنازعة في حالة فشل الصلح:

قد يفشل القاضي في مسعاه الصلحي بين الأطراف المتخاصمة وفي هذا الصدد بينت لنا الفقرة الرابعة من المادة 169-03 من ق.إ.م الإجراءات المتبعة بقولها: "وفي حالة عدم الوصول إلى اتفاق، يحرر محضر عدم الصلح وتخضع القضية إلى إجراءات التحقيق المنصوص عليه في هذا القانون".

وحسب الإحصائيات المعدة من طرف وزارة العدل لسنة 2000/2001 لم تتعد القضايا التي نجح فيها الصلح في المادة الإدارية سوى 04 % ويرجع السبب الأكبر في ذلك إلى تعنت الإدارة وتمسكها بقرارها أو تصرفها، وفي غالب الأحيان تتغيب عن جلسة الصلح ولا تولي الأمر أي اهتمام. وعلى كل حال إذا فشلت محاولة الصلح فإن هذا يستدعي تحرير محضر عدم صلح يرفق بالملف وتخضع القضية بعد ذلك إلى إجراءات تحقيق المنصوص عليها في المادة 170 مكرر من ق.إ.م.