منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مجلس الأمن و المحكمة الجنائية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-12-31, 14:39   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 مجلس الأمن و المحكمة الجنائية

هذه المذكرة تحمل عنوان علاقة مجلس الأمن بالمحكمة الجنائية الدولية في ظل أحكام اتفاقية روما 1998












الفهرس

الفهرس
مقدمة............................................. .................................................. ...... 08
1.الشراكة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية........................................... ....10
1 .1. الأساس القانوني والممارسة المؤدية إلى ظهور هذه العلاقة.................................10
1 .1.1. العلاقة من خلال الوثائق الدولية........................................... ............. 10
1 .1.2. ظهور علاقة المجلس بالمحكمة.......................................... ................16
1 .2. ممارسة المجلس لاختصاصاته في موضوع الإحالة على المحكمة الجنائية.................20
1 .2.1. أسباب منح مجلس الأمن سلطة الإحالة........................................... .......20
1 .2.2. خصائص إحالة المجلس للمحكمة........................................... ............ 26
1 .2.3. إحالة المجلس للمحكمة وحفاظه على استقلاليته........................................ 36
1 .3. اختصاص المجلس في دفع الدول إلى التعاون مع المحكمة....................................43
1.3.1. وسيلة إلزام الدول بالتعاون مع المحكمة........................................... .....44
1 .3.2. دعم المجلس للمحكمة في مسألة تعاون الدول معها....................................46
2. إجراءات مجلس الأمن تجاه المحكمة الجنائية الدولية........................................... ..57
2 .1. تحديد إجراءات المجلس مع المحكمة........................................... ................58
2 .1.1. إجراءات المجلس في الإحالة........................................... ................ 58
2 .1.2. إجراءات المجلس بتأجيل القضية............................................ ........... 66
2 .2. إجراءات المجلس في مجال التحقيق والمتابعة......................................... .........70
2 .2.1. اختصاص المجلس في إيقاف التحقيق والمتابعة........................................ 70
2 .2.2. الآلية المعتمدة لتقليل تدخل المجلس في عمل المحكمة..................................75
2 .3. دور المجلس في إجراءات المحكمة لمواجهة جريمة العدوان................................. 82
2 .3.1. إجراءات المحكمة في مواجهة جريمة العدوان......................................... 83
2 .3.2. إجراءات المجلس فيما يخص جريمة العدوان........................................... 89
2 .3.3. المقترح المتعلق بإبعاد تدخل المجلس بخصوص العدوان................................91
خاتمة............................................. .................................................. .......98
قائمة المراجع........................................... ................................................10 0












































مقدمة



يكتسي موضوع العلاقة بين المجلس والمحكمة الجنائية الدولية أهمية خاصة تتجلى في توضيح وتبيان طبيعة هذه العلاقة من زاوية الطبيعة المختلفة لهذين الجهازين من حيث أنّ المجلس هو جهاز سياسي على العكس من المحكمة التي هي جهاز قضائي تتولى متابعة الأفراد، إضافة إلى تحديد خلفية منح المجلس دورا في بعض اختصاصات المحكمة دون البعض الآخر، والأهمية الأخرى تتمثل في الدور الذي سيمارسه المجلس في إجراءات المحكمة وأثر ذلك على مجرى التحقيق والمحاكمة.

الأهمية الأخرى تتعلق بكون المحكمة الجنائية الدولية هي آخر ما توصل إليه تطور القانون الدولي الإنساني الحديث، ونظرا لأهمية هذا الحدث للعالم ككل، وبالإضافة إلى طبيعة الدور الممنوح للمجلس في إجراءات المحكمة فإنه يستحق أن يولى بعناية رجال القانون، وقد بدأ يظهر ذلك من خلال المقالات والدراسات التي تنشر في الإنترنت والمجلات، إضافة إلى أن أول ما يبحث فيه رجال القانون عند ظهور كيان قضائي جديد، هو السعي لمعرفة الإجراءات التي تتم بها مباشرة الدعوى وكيفية المحاكمة، علاوة عن علاقة هذا الجهاز بغيره من الأجهزة الأخرى.

وعليه فقد أقر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في مقدمته مبدأ استقلالية المحكمة، حفاظا على الشفافية والحياد، والمساواة لتحقيق العدالة الدولية، ولا تتعارض هذه الاستقلالية مع وجود روابط مع بقية أجهزة الأمم المتحدة، والتي تمليها ضرورات دولية محكومة بمبدأ التكامل فيما بينها.

ومن أجل المحافظة على هذه المباديء نصت المادة الثانية من النظام الأساسي على أن يتم تنظيم العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة بموجب اتفاق تعتمده جمعية الدول الأطراف، ويبرمه بعد ذلك رئيس المحكمة نيابة عنها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك شبه إجماع دولي يرفض أي تدخل لأي جهاز تابع للأمم المتحدة في عمل المحكمة وخاصة مجلس الأمن، مبررين ذلك بالحفاظ على استقلالية المحكمة وحيادها.

لكن التكامل في المهام بين المجلس والمحكمة قد اقتضى أن يكون للمجلس مهمة يؤديها أمامها، نظرا لطبيعة المهام الملقاة على عاتقه في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين.

وقد واجهتنا العديد من الصعوبات في إعداد هذا البحث، وهي نفسها التي يواجهها العديد من الطلبة الباحثين، وتتمثل في ندرة توفر المراجع المتخصصة بصورة كافية، لذا لجأنا في الكثير من الأحيان إلى الاستعانة ببعض المراجع باللغة الفرنسية وكذا مواقع من شبكات الإنترنت.

بناء على ذلك، فإن الإشكاليات التي سنجيب عنها في هذه الدراسة تكمن في مدى تقيد مجلس الأمن بميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي للمحكمة في أمر انتهاكات القانون الدولي الإنساني، وهل أن العلاقة بين المجلس والمحكمة تعبر عن شراكة بناءة بينهما؟ وهل أن ممارسة المجلس لاختصاصاته المحددة في الميثاق توقف أم تزيد في حركية الإجراءات المتبعة أمام المحكمة الجنائية الدولية في قمع هذه الانتهاكات؟.

وتفضي هذه الإشكالية إلى تقسيم الموضوع إلى فصلين، نتناول في الفصل الأول منه طبيعة العلاقة بين المجلس والمحكمة تحت عنوان الشراكة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، محاولا تحليل هذه العلاقة من خلال ثلاث مباحث، تناولت في المبحث الأول الأساس القانوني الذي يحكم هذه العلاقة والممارسة المؤدية إلى ظهورها، وفي المبحث الثاني تناولنا ممارسة المجلس لاختصاصاته في موضوع الإحالة، وصولا إلى المبحث الأخير المعنون باختصاص المجلس في دفع الدول إلى التعاون مع المحكمة، أما الفصل الثاني فجاء بعنوان إجراءات مجلس الأمن تجاه المحكمة الجنائية الدولية، حيث تطرقنا في المبحث الأول إلى تحديد إجراءات المجلس مع المحكمة، وفي المبحث الثاني تناولنا إجراءات المجلس مع المحكمة في مجال التحقيق والمتابعة، وجاء المبحث الأخير من هذا الفصل بعنوان دور المجلس في إجراءات المحكمة لمواجهة جريمة العدوان.













الفصل 1
الشراكة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية


تمثل المحكمة الجنائية الدولية هيئة قضائية دائمة، أنشئت بإرادة الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، لتجسيد رغبة المجتمع الدولي في تحقيق عدالة جنائية دولية مبنية على ركائز متينة تراعى فيها حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وكذا استقلال الدول وسيادتها، غير أن مواد النظام الأساسي للمحكمة جاءت بالعديد من الأحكام التي أشارت إلى وجود علاقة بينها وبين مجلس الأمن، على اعتبار أن النظام الأساسي يمنح المجلس سلطات واختصاصات في مواجهة المحكمة، ويضع بالمقابل بعض الالتزامات.

لتأطير وتأكيد هذه العلاقة، سوف نحلل مواد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وميثاق الأمم المتحدة بشأن ممارسة الاختصاصات القانونية من طرف المجلس، خاصة فيما يتعلق بالأساس القانوني الذي يحكم هذه العلاقة، وكذا المبادرات التي قام بها المجلس في مجال العدالة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى الحق المعترف به للمجلس في إخطار المحكمة الجنائية الدولية، ودوره في تفعيل تعاون الدول مع المحكمة وهذا ما سنتناول تحليله في إطار المباحث الآتية.

.1.1 الأساس القانوني والممارسة المؤدية إلى ظهور هذه العلاقة

سنقوم في هذا المبحث بدراسة علاقة المجلس بالمحكمة من خلال الوثائق الدولية ومنها الميثاق والنظام الأساسي للمحكمة، والذي يشير إلى أن المجلس عليه ممارسة اختصاصاته في مواجهة المحكمة وفق الميثاق وبخاصة الفصل السابع منه، وكذلك وفق النظام الأساسي للمحكمة، كما أن ظهور هذه العلاقة كانت وراءها مبادرات عدة قام بها المجلس في مجال حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وفي قمع انتهاكات القانون الدولي الإنساني، وهذا ما سنحاول تحليله من خلال المباحث التالية.



.1.1.1العلاقة من خلال الوثائق الدولية

يعد ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مصدري سلطات والتزامات مجلس الأمن، فميثاق الأمم المتحدة عبارة عن معاهدة، وبهذه الكيفية يجب على مجلس الأمن احترام الاختصاصات والحدود المقررة في الميثاق.

نظرا لطبيعة المهام الملقاة على عاتق مجلس الأمن بموجب الميثاق، والذي حدد له بصفة نهائية صلاحياته واختصاصاته، فانه يمكن القول أن النظام الأساسي للمحكمة لم يأت ليمنح المجلس سلطات خاصة ويلغي أخرى كان قد حددها الميثاق، وإنما جاء ليمنح المجلس بعض السلطات في مواجهة المحكمة ويضع بالمقابل على عاتقه التزامات يتعين عليه التقيد بها في ممارسته لاختصاصاته المحددة في الميثاق، وتبعا لذلك يصبح للمجلس أساسان يستند عليهما في ممارسة اختصاصاته اتجاه المحكمة وهما الميثاق والنظام الأساسي للمحكمة.

.1.1.1.1 في ميثاق الأمم المتحدة

أشارت العديد من نصوص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى أن مجلس الأمن يمارس صلاحياته في مواجهة المحكمة طبقا لميثاق الأمم المتحدة وبخاصة الفصل السابع منه، متى تعلق الأمر بأي فعل يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وكان في ذات الوقت يشكل جريمة من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة، وسند وجود هذه العلاقة هو تمكين مجلس الأمن من تسوية المسائل المطروحة أمامه، ويكون اللجوء إلى المحكمة هو الحل الأخير وليس الأول وخاصة أن الفصل في المسائل السياسية يختلف عن الفصل في المسائل القانونية [1] ص 136.

يتمثل الأساس القانوني الذي يستند إليه المجلس في ممارسة اختصاصاته وفي إصدار قراراته في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية، في تلك القواعد القانونية المنصوص عليها في الميثاق، باعتبار أن الميثاق له طبيعة دستورية كونه أنشأ منظمة الأمم المتحدة وحدد أجهزتها ووزع الاختصاصات فيما بينها، وعليه فهو بمثابة القانون الأعلى الذي تمتثل له الهيئة ولا تخرج عنه، غير أنه بتحليلنا لمواد النظام الأساسي للمحكمة وجدنا أن واضعي النظام الأساسي للمحكمة عمدوا إلى اللجوء إلى آلية عمل المجلس التي حددها الميثاق في أدائه لمهامه في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين لتفعيل اختصاص المحكمة، وذلك رغم المخاطر التي أثبتتها الممارسة العملية في علاقة المجلس مع الأنظمة القضائية الأخرى [2] ص 33.

يختلف مجلس الأمن الدولي عن مجلس العصبة في أن قراراته ملزمة، وفي أنه المختص في مسائل حفظ السلم والأمن، واتخاذ تدابير قسرية حفاظا على ذلك، لأن ما يصدره المجلس في هذا الصدد له أهميته في الحياة الدولية [2] ص33- 34.

ويستند المجلس إلى الأساس القانوني في ممارسة اختصاصاته مع المحكمة الجنائية الدولية، والمتمثل في نصوص الميثاق، أو من السوابق التي أرساها المجلس فشكلت بذلك عرفا دوليا، حيث أن المجلس يصدر القرارات في إطار ممارسة اختصاصه، وهي قرارات يجب أن تستند على أساس صحيح لترتب آثارا قانونية في مواجهة المخاطبين بها، خاصة المحكمة الجنائية الدولية، سواء فيما تعلق بالقواعد الإجرائية والشكلية، أوما تعلق بطرق التصويت على هذا القرار، إذ أنه من خلال تحديد عناصر هذه العلاقة وجدنا أن مواد النظام الأساسي ذات الصلة تشير إلى مواد الميثاق، فمثلا في موضوع إحالة المجلس حالة ما إلى المحكمة يرى أنها تشكل جريمة تدخل في اختصاص المحكمة متصرفا في ذلك بموجب الفصل السابع من الميثاق والمعنون (بالإجراءات التي تتخذ في حالة تهديد السلم أو الإخلال به أو وقوع عمل من أعمال العدوان) ، نجد أن المجلس في إحالته لهذه الحالة ملزم بالنظام الأساسي والميثاق، فما تعلق بالنظام الأساسي سنحاول تحليله في الفرع الثاني من هذا المطلب، أما ما تعلق بالميثاق فهو ما يقع تحت طائلة الأفعال التي تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، حيث أن الميثاق لم يعرف ماهية الأعمال التي تنطوي على تهديد للسلم والأمن، ولم يضع ظابطا يتعين النزول عنده في تكييف ما يعرض عليه من وقائع [2] ص 181- .182

وعليه فإن ما يقرره المجلس بكل حرية لا يكون محلا للطعن فيه، ومن هذه المواد المادة 24 منه، والتي تحدد اختصاصات المجلس، فهي بمثابة المحور الذي لا يجب أن يحيد عنه المجلس في ممارسة اختصاصاته باعتباره وكيلا عن الدول ونائبا عنها، على أن ذلك يبقى مرهونا بطبيعة المسائل التي تعرض على المجلس والظروف التي يكون فيها، وكيفية تعامله مع الحدث فهنا نلاحظ أن المشرع الدولي قد قصد من المادة 24منح المجلس مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين بشكل واسع وفقا لما أورده الميثاق في ديباجته [3] ص 268.

هنا قد يثور الشك عن مدى تقيد المجلس بالميثاق إزاء ممارسة اختصاصاته في مواجهة المحكمة رغم ما يمكن إن يمثله إعطاء المجلس مثل هذه السلطة من مساهمة في حفظ السلم والأمن الدوليين إلا أنه قد يشكل توسعا قي السلطات الممنوحة له بموجب الميثاق، وتأتي بعدها المادة 25 من الميثاق لتعطي لقرارات المجلس الحجية التامة بأن تفرض على الدول التزاما بتنفيذ هذه القرارات وفق ما تنص عليه دون تدخل في ذلك، وهذه المادة قد يكون لها جانب إيجابي، إذ يمكن أن تدفع بالفعل الدول إلى التعاون مع المحكمة لتنفيذ قراراتها وأحكامها إذا طلب المجلس ذلك، غير أن ذلك قد لا يمكن تصوره في جميع الحالات وبنفس الصورة.

كما أنه على المحكمة أن تتأكد من أن قرار المجلس بالإحالة مثلا قد استكمل إجراءات صدوره وفق ميثاق الأمم المتحدة، إذ أن القرارات في المسائل الإجرائية تصدر بموافقة 9 من بين 15 عضو في المجلس، في حين تصدر في المسائل الموضوعية بموافقة 9 من 15 عضو يكون من بينها لزاما أصوات الدول الدائمة العضوية[2] ص 13- 14- 15.

غير أن الميثاق لم يضع معيارا واضحا للتمييز بينها [3] ص 262- 263 . وباعتبار أن قرار الإحالة من المسائل الموضوعية، فإن تغيب دولة دائمة العضوية عن التصويت أو امتناعها قد يؤثر في تكوين القناعة لدى المحكمة بإمكانية ممارسة اختصاصها وفق المادة 13/ ب من النظام الأساسي، على أساس أن اشتراك العضو الدائم في التصويت توجبه من جهة مسؤوليته في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين ومن جهة أخرى يمنح القرار شرعية ومصداقية [4] ص26- 27.

وعليه فلا يكفي أن تكون إجراءات التصويت صحيحة في قرار المجلس لممارسة المحكمة لاختصاصها بل لابد أن يشير المجلس في قرار الإحالة إلى الفصل السابع من الميثاق [17] ص 262- 263. وهنا ينبغي الفصل بين ما هو سياسي وبين ماهو قانوني، وبين اختصاصات المجلس واختصاصات المحكمة، وهنا يطرح التساؤل عن إمكانية إنتهااك المجلس لحدود الاختصاص الممنوح له، ومنه فما هي الآلية التي ابتدعها النظام الأساسي لمنع انتهاك المجلس لاختصاص هذه المحكمة، والحقيقة أن النظام الأساسي لم يدرج مادة تمنع تكرار ما حدث في قضية لوكا ربي من وجود فكرة تنازع الاختصاص بين المجلس ومحكمة العدل الدولية حيث أن ليبيا والمؤيدين لها يرون أن الأمر يتعلق بمسألة قانونية، وهي نزاع قانوني يتعلق بتسليم المجرمين [5] ص191. ويحل هذا النزاع أمام القضاء الدولي، في حين ترى الدول الغربية أن النزاع سياسي خاص بالإرهاب الدولي وأن المجلس هو صاحب الاختصاص الأصيل به [2] ص 252. فالفصل بين عمل المحكمة والمجلس إذا افتراضنا وجوده فان عمل المجلس يبدأه باتخاذ قرار وفق المادة 39 من الميثاق في حالة تهدد السلم لإحالتها على المحكمة ومنه يكون للمحكمة أساس يسمح بمراجعة هذا القرار.

أما المادة 39 من الميثاق وهي المتعلقة باختصاصاته في حالة تهديد السلم والأمن الدوليين والتي تنص (يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أوكان ما وقع عملا من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لأحكام المادتين41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه)، فهذا النص يخوله السلطة المطلقة في تحديد ما يعد تهديدا أوعدوانا فهو يتمتع بسلطة واسعة في تكييف ما يعرض عليه من وقائع كما سبق الذكر [3] ص 273.

فإذا قام بتكييف الفعل بأنه يهدد السلم والأمن الدوليين، وكان الفعل يشكل جريمة من الجرائم الواردة في النظام الأساسي للمحكمة فهنا تتحقق الصلة بين هذين الجهازين، على أنه إذا كيّف المجلس التصرف بأنه مهدد للسلم والأمن الدوليين فإنه يقوم باتخاذ مجموعة من التدابير غير العسكرية الواردة في المادة41 من الميثاق والتي تنص (لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية، أو التدابير ذات الطابع العسكري الواردة في المادة 42 منه) والتي تنص كذلك (إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أوثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادته إلى نصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة)، كل هذا في مواجهة الدول، وله أن يحيل الأفراد المتهمين في ذلك إلى المحكمة الجنائية الدولية [3] ص 274.

أشار واضعو النظام الأساسي للمحكمة إلى أنه على المجلس التقيد بالشروط الموضوعية والشكلية لإصدار القرار، ومن هذه الشروط الموضوعية ضرورة اتفاق هذه القرارات ونصوص الميثاق وأن تكون في إطار الاختصاصات المخولة له، وأن يرمي القرار إلى تحقيق أهداف المجلس، أما فيما يتعلق بالشروط الشكلية فالتقيد بها لازم لممارسة الاختصاص، ومنها التصويت في المسائل التي تعرض عليه، ففي علاقته بالمحكمة الجنائية الدولية فإن صدور قرار معين باعتباره لا يندرج في المسائل الإجرائية المحددة حصرا في الميثاق إنما يعتبر من المسائل الموضوعية كما سبق الذكر[2] ص 13- 14.

لو تطرقنا إلى مسألة هي ضمن اختصاص المحكمة ولهذا الأخير دور فيها كمسألة تعاون الدول مع المحكمة وفق المادة 87 من النظام الأساسي، فإنه في إحالة المجلس حالة إلى المحكمة وتبين امتناع دولة غير طرف عن التعاون وفق المادة87/5 أوعدم امتثال دولة طرف وفق المادة 87/7 منه، فللمحكمة أن تخطر المجلس الذي له أن يتخذ تدابير معينة وفق مواد الميثاق، وآخر مسألة هي مسألة دور المجلس في تحديد جريمة العدوان ذلك أن هذه الجريمة لم يتم تعريفها وتحديد أركانها كباقي الجرائم الثلاث الأخرى وهي جريمة الأبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، فإن دور المجلس في تحديد الجريمة سيكون وفق المادة 39 من الميثاق، ليقوم بالإحالة بعدها إلى المحكمة، وعليه فإن كل هذه العناصر سنقوم بتحليلها من خلال دراستنا الآتية.

2.1.1.1. في النظام الأساسي للمحكمة

تم تحديد العديد من المجالات في علاقة المجلس بالمحكمة في مواد النظام الأساسي، والتي يحق للمجلس التدخل فيها، وهي بمثابة الدليل الذي يسترشد به المجلس في تفعيل هذه العلاقة، وهذه المواد تشكل خيوط الربط بينها وبين المجلس باعتبارها أظهرت التطور الحاصل في اختصاصات المجلس، فقد خص المجلس بصلاحيات واسعة في نظام روما الأساسي بحيث يمكنه إحالة حالة إلى المحكمة إذا رأى أنها تشكل جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، وفق نص المادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة[6] ص 23. وهذه المادة قد حددت طبيعة العلاقة بين المجلس والمحكمة في موضوع الإحالة، فصلاحية الإحالة يستمدها من الفصل السابع من الميثاق، غير أنّ التخوف يبقى في أنه قد يحيد المجلس عن تطبيق هذا الإجراء بصورة مشروعة وبمساوة تامة، خاصة إذا كان هذا الحكم قد أملته اعتبارات سياسية، وهذا ما يطرح التساؤل عن إمكانية أن يكون المجلس مرشحا مستقبلا لوضع قيود على سلطات المحكمة، وعليه فإن هذا الانشغال يبقى قائما رغم الالتزامات التي تم بها محاولة كبح جماح المجلس والتي منها :
- أن يكون قرار الإحالة استنادا إلى الفصل السابع من الميثاق في الحالات التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وتكوّن جرائم تدخل في اختصاص المحكمة.
- أن الإحالة تكون خاضعة للإجراءات العادية التي تحكم صدور أي قرار من المجلس.

أما فيما يتعلق بالسلطة الثانية الممنوحة للمجلس والمتمثلة في دور المجلس في إيقاف التحقيق والمتابعة، فإن المادة 16 من النظام الأساسي نصت على سلطة خطيرة تتضمن شل نشاط المحكمة، وتعليق دورها في التحقيق والمحاكمة لمدة 12 شهرا قابلة للتجديد بناء على طلب المجلس، إذا استعمل هذا الدور تعسفيا، أو لأغراض سياسية فإنه قد يلغي المحكمة في حد ذاتها، فلمجلس الأمن أن يمنع البدء في التحقيق أو يوقف الاستمرار فيه، أو يمنع البدء في المحاكمة، أو يوقف الاستمرار فيها لمدة سنة كاملة قابلة للتجديد إلى ما لا نهاية إذا كان حفظ السلم والأمن يستدعي ذلك [7] ص 19- 20.

بالنسبة لدور المجلس في دفع الدول إلى التعاون مع المحكمة في تنفيذ قراراتها، فالمجلس يلعب دورا محوريا في ذلك، ففي حال عدم امتثال الدول (الأطراف أو غير الأطراف)لأحكام المحكمة والحيلولة دون ممارسة المحكمة لاختصاصاتها كما نصت على ذلك المادة 87 من النظام الأساسي للمحكمة، فللمجلس في هذه الحالة سلطات واسعة للتدخل خوله إياها الميثاق سواء فيما تعلق بالتدابير غير العسكرية أو العسكرية منها، لكن النقائص التي نتجت عن ممارسة المجلس لصلاحياته في السابق، والتي أحاطته بالكثير من الشكوك نتيجة المواقف التي اتخذتها بعض الدول الغربية في عدة قضايا عالمية، ليس من أجل حفظ السلم والأمن، وإنما لتبرير أعمالها العدوانية، إضافة إلى أن تدخل المجلس في هذا الإجراء قد يخرق سيادة الدول ويمس بحقوق الأفراد [7] ص 113.

أخيرا نعرج على دور المجلس فيما يخص جريمة العدوان، والتي سيقوم بتحديدها وفق الفصل السابع من الميثاق، إلى أن يتم تحديد تعريف موحد لهذه الجريمة وتحديد أركانها، على أن أي تصرف من المحكمة اتجاه هذه الجريمة، لابد أن يكون رهنا بإرادة وقرار مجلس الأمن الدولي، وقد وضع هذا كشرط لممارسة اختصاصها على هذه الجريمة، لكون المجلس هو الذي يحدد أفعال العدوان، وقد يحدد حتى الدولة المعتدية رغم صعوبة ذلك في الواقع الدولي.

وعليه نلاحظ أن واضعي النظام الأساسي عندما أدرجوا دورا للمجلس في عمل المحكمة، دون الابتعاد بذلك عما رسم له منذ عام 1945 لنستشف المكانة التي مازال يحتفظ بها المجلس رغم مرور أكثر من 60 عاما على إنشاء الأمم المتحدة والذي قد يحتاج إلى إعادة هيكلة سواء ما تعلق بإجراءات التصويت أو زيادة الأعضاء فيه.

1.1.2. ظهور علاقة المجلس بالمحكمة

لم تظهر العلاقة بين المجلس والمحكمة طفرة واحدة، وإنما جاءت عبر مراحل وأشواط عديدة قطعها المجلس في سبيل تفعيل العدالة الجنائية الدولية قبل نشأة المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، وذلك بظهور دور له سواء في مجال حماية حقوق الإنسان وتأكيد الحماية الدولية لها، إلا أن الطريق الذي أدى مباشرة إلى ظهور هذه العلاقة، هو دوره في قمع انتهاكات القانون الدولي الإنساني، من خلال إنشائه للجان مختلفة لرصد هذه الانتهاكات، لينشئ بناء على تقارير هذه اللجان محاكم خاصة لمحاكمة ومعاقبة المتهمين الضالعين في هذه الانتهاكات الخطيرة، وبناء على ذلك سوف نركز على أبرز المجالات التي ظهرت فيها تلك العلاقة بين المجلس والمحكمة.

1.1.2.1. دور المجلس في حماية حقوق الإنسان

يعد مجلس الأمن الأداة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة، وهو المسئول الأول عن حفظ السلم والأمن الدوليين، وقمع أعمال العدوان، وإنزال العقوبات بالأعضاء المخالفين، واهتمام مجلس الأمن بحقوق الإنسان وحمايتها ينطلق من مسألة تأثير انتهاكها على السلم والأمن الدوليين، فالمجلس يتدخل في حالات انتهاك حقوق الإنسان التي يعتبر أنها تهدد السلم والأمن الدوليين، ويتخذ تدابير قمعية أو قسرية ضد المسئولين عنها ولكن توصيفه لها لا يعتمد على معايير قانونية، بل على تقديرات سياسية، ففي 31/01/1992 نظم المجلس اجتماع قمة لأعضائه انتهى بإصدار وثيقة عالجت موضوع حقوق الإنسان باعتباره جزء من السلم والأمن الدوليين [8] ص 320.

استطاع المجلس إصدار العديد من القرارات المتعلقة بالحماية الدولية لحقوق الإنسان وإرسال بعثات لتقصي الحقائق عن مدى احترام هذه الحقوق في العديد من الدول، خاصة القرار788 الصادر في05/04/1991 الخاص بمشكلة أكراد العراق مع السلطة العراقية [9] ص 434. وكذا القرار الصادر في 16/06/1993الخاص بالوضع في هايتي إذ أوضح المجلس من خلال هذا القرار أن الوضع في هايتي يهدد السلم والأمن الدوليين في المنطقة، وبالتالي يتعين فرض حصار تجاري وجوي على هذه الدولة، وبعدها انتهى إلى وجوب استخدام القوة العسكرية لعودة الحكم الشرعي في هايتي [8] ص321. وبمناسبة وضع آخر وهو الصراع في البوسنة والهرسك اقترح رئيس الإدارة القانونية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر ضرورة استخدام القوة من خلال مجلس الأمن لإنقاذ الضحايا في مثل هذه الصراعات المسلحة [9] ص443 . كما أشار المجلس إلى انتهاكات حقوق الإنسان حتى في ظل التوترات والإضطربات الداخلية بصورة واسعة، على اعتبار أن مصدر إعلان توركو المتضمن القواعد الإنسانية الدنيا، ومن أن أحكامه مستلهمة في المقام الأول من الصكوك التي تحمي حقوق الإنسان وحرياته الأساسية [10] ص117. وأن هذا الإعلان يشير إلى ميثاق الأمم المتحدة وبخاصة إلى الأهداف و المبادئ التي جاء بها الميثاق والتي يسعى المجلس إلى تحقيقها وحمايتها ومنها حقوق الإنسان.

أضاف المجلس بعد ذلك في مجال العمل على احترام حقوق الإنسان بأن طلب من الأمين العام للأمم المتحدة ضرورة التعاون مع كافة المنظمات الإقليمية من أجل تقديم المساعدة الإنسانية لضحايا النزاعات المسلحة، هذه المنظمات الإقليمية العاملة في هذا المجال وفق المادتين52 و53 من الميثاق، وهذه المواد حددت إطار عمل هذه المنظمات، والتي تعمل على أن تكون نشاطاتها متلائمة مع مقاصد وأهداف الأمم المتحدة، والتي جاءت في ديباجة ميثاقها حماية الحقوق الأساسية للإنسان وكذا كرامته، وأيضا في المادة1/3منه والتي تنص على تعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وقد استمر المجلس في تأييد الدور الإقليمي لهذه المنظمات، وذلك في قراره 1078 في نوفمبر1996، والذي أكد من خلاله على أهمية تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين الروانديين التي تقدمها منظمة الوحدة الإفريقية [9] ص 462.

ومنه فقد شعر أعضاء المجتمع الدولي بضرورة احترام حقوق الإنسان ومراعاتها، وتوفير الضمانات لممارستها، وذلك ليتمكن الأفراد من اللجوء إلى المحاكم الوطنية في حال كونهم ضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان [11] ص 184. أوأن يسألوا أمام محاكمهم الوطنية، أو أمام محاكم مؤقتة أنشأها المجلس لذلك الغرض، كما فعل المجلس في كل من يوغسلافيا ورواندا على اعتبار أن هذه المحاكم هي أجهزة دولية تتولى معاقبة الأشخاص الذين يرتكبون انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان [12] ص 147.

من خلال ما قام به المجلس إزاء احترام حقوق الإنسان، فقد منح للمجلس أمام المحكمة الجنائية الدولية سلطة إحالة حالة إلى المحكمة الجنائية الدولية في إطار جرائم محددة منها جريمة الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، وذلك لأن هاتين الجريمتين تعتبران داخلة في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان أكثر من القانون الدولي الإنساني، إذا ثبت لديه أن مثل هذه الجرائم تهدد السلم والأمن الدوليين، إلا أن التخوف من أن تطغى المصالح السياسية على العدالة الجنائية الدولية، على أن هذه الجهود التي بذلها المجلس أبرزت توجها نحو تفعيل دور المجلس في تدويل المسؤولية الجنائية الفردية عن خرق حقوق الإنسان، حتى بلغ ذلك إلى حد منحه سلطات أمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.

1.1.2.2. في مجال قمع انتهاكات القانون الدولي الإنساني

المقصود بالانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني مجموع الأفعال التي تنتهك قواعد القانون الدولي الإنساني، والتي تصيب المقاتلين والأسرى والمدنيين على حد سواء، في أرواحهم وأجسادهم وممتلكاتهم، أوهي المخالفات التي تقع ضد القوانين والأعراف التي تحكم سلوك الدول المتحاربة والأفراد في حالة الحرب، والتي ترتكب بناءا على أمر أو لمصلحة البلد الذي ينتمي إليه المجرم [14] ص201. ويعد الخروج عن هذه القوانين جرائم تستحق العقاب [13] ص71. ويرى بعض الفقهاء بأنه يجب احترام قواعد قانون النزاعات المسلحة ومراعاتها بكل صرامة في جميع الظروف والأحوال خلال الحرب، ويعد الخروج عليها جريمة من جرائم القانون الدولي يستحق عليها العقاب [13] ص 72. وقد نصت على ذلك المادة 85 من البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977.

إلا أننا لو استرجعنا الأصول المختلفة لقوانين الحرب، فإن أهم مسالة أثارها الفقهاء هي جدوى وجود قواعد قانونية تحكم خوض الحرب، إلا أن الإجابة على هذا التساؤل لا تنطلق من وجوب إيجاد هذه القواعد أوعدم وجودها ؟، وإنما كيف يتم التقيد بها ومعاقبة منتهكيها؟، من هذا الطرح يظهر الدور الذي قام به المجلس في قمع انتهاكات القانون الدولي الإنساني وقد بدا ذلك واضحا من إصداره لمجموعة من القرارات التي تتضمن حظرا اقتصاديا على بعض الدول لانتهاكها للقانون الدولي الإنساني، ومنها العراق السودان وهايتي، رغم ما أثير حول أثر هذه العقوبات على المدنيين [9] ص 454.

لقد لجأ المجلس إضافة إلى ذلك إلى إنشاء لجان تحقيق أو محاكم خاصة لقمع هذه الانتهاكات، فعقب محاكمات نورنبرغ وطوكيو والتي جاءت للمعاقبة على جرائم معروفة ومقررة بموجب العرف الدولي [15] ص 108. ولم تنشأ محاكم جنائية دولية لمحاكمة المتهمين عن جرائم دولية بالرغم من وقوع العديد منها كجرائم العدوان على مصر 1956 وحرب1967 التي شنتها إسرائيل على مصر وسوريا والأردن، وحرب فيتنام وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي كثيرا ما تكررت دون أن تشكل لها محاكم لمتابعة مقترفيها [16] ص 267- 268.

انتظر العالم الأحداث الأليمة التي وقعت في يوغسلافيا السابقة منذ 1991 في قلب أوروبا ليتحرك ويطالب بمعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية التي ارتكبها الصرب ضد مسلمي البوسنة والهرسك، وذلك بمحاكمتهم أمام محكمة دولية أنشأت لذلك الغرض سنة 1993، إذ قام المجلس في أول خرجة له ردا على هذه الانتهاكات بإنشاء لجنة الخبراء المنشأة بموجب القرار780عام 1993 للتحقيق في الجرائم المرتكبة في إقليم يوغسلافيا، وجمع الأدلة عن الانتهاكات الخطيرة لاتفاقيات جنيف والانتهاكات الأخرى للقانون الدولي للإنساني، وتحديد الأشخاص المسئولين عن ارتكابها، وقد قامت هذه اللجنة المنشأة من طرف المجلس بالعديد من الزيارات الميدانية واستخراج الجثث، وبناء على تقارير هذه اللجان قامت فرنسا بطرح مبادرة داخل مجلس الأمن، انتهت بإصدار المجلس للقرار رقم 808 بتاريخ 22/02/1993 لإنشاء محكمة دولية جنائية لمحاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني في إقليم يوغسلافيا منذ 1991 تبعه بعد ذلك القرار الصادر من المجلس رقم 827 المؤرخ في25/05/1993 الذي وضع النظام الأساسي للمحكمة في 34 مادة [16] ص 273.
كما فرضت الأحداث الدامية في الأزمة الرواندية والنزاع المسلح الذي نشب بين القوات الحكومية وميليشيات الجبهة الوطنية الرواندية على إثر عدم السماح لمشاركة كل القبائل في نظام الحكم، وبصفة خاصة قبيلة التوتسي، حيث كان الحكم في يد قبيلة الهوتو. وقد وقعت أحداث دامية دارت في رواندا في الفترة الواقعة بين 06/04و17/07/ 1993فرضت على مجلس الأمن أن يتصرف بطريقة مشابهة لما حدث في يوغسلافيا السابقة حتى لا يتهم بعدم الاكتراث بقضايا القارة الإفريقية. وبالفعل دارت مناقشات داخل المجلس حول إمكانية إنشاء محكمة دولية جديدة أو الاكتفاء بمد اختصاص محكمة يوغسلافيا السابقة ليشمل أيضا تلك الجرائم. وانتهت المناقشات إلى الاتفاق على إنشاء محكمة جديدة تسمى بالمحكمة الجنائية الدولية لرواندا. وأصدر مجلس الأمن قراره رقم 955 في08/11/ 1994بإنشاء المحكمة وبإقرار نظامها الأساسي وحدد اختصاصها بالجرائم التي ارتكبت في رواندا خلال الفترة الممتدة من 01/01/1994 إلى غاية 31/12/1994 [17] ص 48- 49.

أعرب مجلس الأمن عند تبنيه للقرار 955 المؤرخ في 08/11/1994 عن بالغ قلقه إزاء التقارير التي تفيد بأن أعمال إبادة الأجناس وغير ذلك من انتهاكات القانون الإنساني الدولي في رواندا وغير ذلك من الانتهاكات المنتظمة والواسعة النطاق والصارخة للقانون الإنساني الدولي قد ارتكبت، وبأن هذه الحالة تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وبأن الظروف الخاصة لرواندا ستمكن من محاكمة الأشخاص المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي وتسهم في عملية المصالحة الوطنية واستعادة السلم وصيانته، فتصرف المجلس هنا بموجب الفصل السابع للأمم المتحدة وقرر إنشاء المحكمة الدولية لرواندا بعد أن تلقى طلبا من الحكومة الرواندية (الطلب: S/1994/1115)، فاعتمد النظام الأساسي للمحكمة الذي يتكون من 32 مادة [18] ص 2 .

إن دور مجلس الأمن هذا في إنشاء هذه المحاكم جعل وفود الدول في مؤتمر روما يقتنعون أن دوره في الماضي قد ساهم في محاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة وساهم أيضا في حفظ السلم والأمن وتحقيق العدالة الجنائية الدولية على نحو صحيح، ودليل ذلك أن المجتمع الدولي أصبح يرفض التغاضي عن الأعمال الوحشية [9] ص.451 كل ذلك جعل منحه سلطات أمام المحكمة الجنائية الدولية السبيل الأمثل لربط علاقة بين جهاز سياسي مكلف بمسألة حفظ السلم والأمن الدوليين وجهاز قضائي مكلف بتحقيق العدالة الجنائية الدولية في آن واحد، وتحت مفهوم أن الجرائم الخطيرة التي تهدد لسلم والأمن الدوليين والتي أنشأ المجلس لها محاكم خاصة هي الآن من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وأن استبدال المحاكم الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية الدائمة، يمكن اعتباره أيضا استبدالا لدور المجلس في الإنشاء بدور المجلس في الإحالة إلى المحكمة، مع الاحتفاظ رغم كل ذلك بمبدأ استقلالية المحكمة وحقها في تقدير تصرف مجلس الأمن في إخطارها.

1.2. ممارسة المجلس لاختصاصاته في موضوع الإحالة على المحكمة الجنائية

للمجلس الحق في إحالة حالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، إذا تبين له أن هذه الحالة تدخل ضمن الجرائم الواردة في النظام الأساسي للمحكمة إلا أن المهم هو معرفة الأسباب الكامنة وراء منح المجلس هذا الحق، وكذا الخصائص الأساسية له، ذلك أن إحالة المجلس للمحكمة مرتبطة بمجموعة من الشروط تجنبا لأي تجاوز قد يقع من المجلس.

1.2.1. أسباب منح مجلس الأمن سلطة الإحالة

من خلال هذا المطلب سنحلل الأسباب الكامنة وراء منح المجلس حق الإحالة إلى المحكمة، إضافة إلى الخصائص المميزة لهذه الإحالة، لنبين فعالية الإحالة الصادرة من المجلس، ومدى حفاظها على استقلالية المحكمة.

1.2.1.1 دور المجلس في إنشاء المحاكم الخاصة

حق مجلس الأمن في إحالة حالة إلى المحكمة الجنائية الدولية ظهر في بداية الأمر أثناء المفاوضات التي أجريت في المؤتمر الدبلوماسي الخاص بإنشاء المحكمة الجنائية في جويلية 1998 بروما. غير أن المسألة لم تلق الكثير من الانتقادات والجدل حولها، ذلك أن المحكمة الجنائية لم يتم تأسيسها من طرف مجلس الأمن الدولي كما هو الحال بالنسبة للمحاكم الجنائية الخاصة، كمحكمة يوغسلافيا ورواندا أو سيراليون، وإنما تم إنشاؤها بواسطة معاهدة مبرمة بين الدول أثناء مؤتمر روما الدبلوماسي لعام 1998، لذا فإن عدم وجود جدل كبير حول مسألة إحالة المجلس حالة إلى المحكمة، يبين لنا أن المسألة كانت متبلورة من قبل في مشاريع النظام الأساسي السابقة على انعقاد مؤتمر روما، وأن العديد من الدول قد اطلعت عليها وسلمت بها سلفا أو أثناء المفاوضات، وتم اعتمادها من طرفهم إما بالتصديق على النظام الأساسي أو بالتوقيع عليه.

يضطلع مجلس الأمن الدولي بعدة اختصاصات وصلاحيات يستند في ممارسته لها إلى ميثاق الأمم المتحدة إذ أنه مخول بمسألة حفظ السلم والأمن الدوليين، إضافة إلى اختصاصات تنفيذية أخرى، غير أن دور المجلس في مجال العدالة الدولية ظهر في بداية التسعينيات أقوى مما كان علية في السابق، ذلك أنه من الملاحظ في محكمة نورنبرغ، أنّ عمليات الإبادة التي ارتكبها الألمان إبان الحرب العالمية الثانية كانت من أشد العمليات بشاعة انطلاقا من فكرة الحفاظ على العرق الجرماني (La Race Arienne) الشمالي المعروف بالحركة الآرية، كما شملت هذه الحركة التطهيرية كافة الناس والأمم غير المتصلة بالجنس الألماني الصحيح [19] ص 72 .
وقد نصت المادة الأولى من اتفاقية لندن على إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان على ما اقترفوه من جرائم سواء بصفتهم الفردية أو بصفتهم أعضاء في منظمات أو هيئات أو بهاتين الصفتين معا [19] ص73. كما أن محكمة طوكيو المنشأة في 19/01/ 1946بإصدار الجنرال (ماك آرثر) إعلانا خاصا بإنشاء محكمة عسكرية دولية للشرق الأقصى أصبحت تعرف بمحكمة طوكيو، بعد أن قام الجنرال بتعيين القضاة الأحد عشر وكذا النائب العام للمحكمة ونوابه خلافا لما تم في محكمة نورنبرغ [20] ص49. هاتان المحكمتان فرضتا من طرف المنتصرين في الحرب العالمية الثانية والذين أصبحوا فيما بعد أعضاء دائمين في مجلس الأمن، إذ بالرغم من كونهما حققتا إطارا لتوقيع عقوبات جنائية لكن يؤخذ عليهما إصدار أحكام قبل سن القوانين، وفي هذا خرق لقاعدة شخصية العقوبة، وذلك لكون القاعدة في المجال الجنائي تقتضي وجوب تحديد الجريمة والعقوبة المطبقة عليها قبل اقتراف الفعل الإجرامي وليس بعد المحاكمة [20] ص 29 .

لقد قام المجلس فيما بعد بإصدار عدة قرارات لإنشاء المحاكم الجنائية الخاصة، بواسطة مجموعة من القرارات منها القرار780 الصادر في عام 1992 [16] ص 76. المنشئ للجنة الخبراء الخاصة بالتحقيق وجمع الأدلة عن المخالفات الجسيمة لاتفاقيات جنيف الأربعة والانتهاكات الأخرى للقانون الدولي الإنساني في يوغسلافيا سابقا، غير أنه تمت عرقلة عمل هذه اللجنة بواسطة وسائل بيروقراطية [21] ص54. وأخطر رئيسها بضرورة إنهاء عملها، وفي 22/02/1993 أصدر مجلس الأمن قرار 808 يقرر فيه إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة محاكمة الأشخاص المسئولين عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني المرتكبة في إقليم يوغسلافيا منذ 1991 [22] ص 74.

لقد فرضت الأحداث الدامية في الأزمة الرواندية والنزاع المسلح الذي نشب بين القوات الحكومية وميليشيات الجبهة الوطنية الرواندية على أثر عدم السماح لمشاركة كل القبائل في نظام الحكم، وبصفة خاصة قبيلة التوتسي، حيث كان الحكم في يد قبيلة الهوتو. وقد وقعت أحداث دامية دارت في رواندا في الفترة الواقعة بين 06/04 و17/07/ 1994فرضت على مجلس الأمن أن يتصرف، حتى لا يتهم بعدم الاكتراث بقضايا القارة الإفريقية.
وبالفعل دارت مناقشات داخل المجلس حول إمكانية إنشاء محكمة دولية جديدة أوالإكتفاء بمد اختصاص محكمة يوغسلافيا السابقة ليشمل أيضا تلك الجرائم. وانتهت المناقشات إلى الاتفاق على إنشاء محكمة جديدة تسمى بالمحكمة الجنائية الدولية لرواندا. وأصدر مجلس الأمن قراره رقم 955 في08/11/1994 بإنشاء المحكمة وبإقرار نظامها الأساسي وحدد اختصاصها بالجرائم التي ارتكبت في رواندا خلال الفترة الممتدة من01/01/1994 إلى غاية31/12/1994 [23].
وبعد ذلك قام المجلس بإنشاء لجنة الخبراء للتحقيق في الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني بقرار 935 في رواندا [21] ص 61. وأنشأ كما ذكرنا محكمة خاصة كذلك استنادا على تقرير هذه اللجنة المكلفة بالتحقيق، وتم إنشاء المحكمة الخاصة برواندا يقرر955 عام 1994، ويقوم القرار استنادا على وجود دلائل دامغة وأخرى منظمة ومدروسة لإبادة التوتسي من طرف الهوتو، وأنه لا يوجد مخطط مماثل ضد الهوتو من طرف التوتسي [24] ص24. كما أن المحقيقن والأمين العام يجهلون تقرير جرسوني GERSONY الذي وافقت عليه المحافظة العليا للاجئين والذي يشهد أن الجبهة الوطنية الرواندية FPR المنتصرة قد أبادت على الأقل 30000 شخصا معظمهم من الهوتو بين جوان وسبتمبر 1994 بحيث لم تتم أي إشارة حول مآل هذه الحالة على سبيل المثال وإمكانية الإحالة بشأنها على المحاكم [25] ص03. وعليه فكلا من محكمتي يوغسلافيا 1993 ورواندا 1994 أنشئتا بموجب القرارين 808 و 955 الصادرين على التوالي عن مجلس الأمن استنادا على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهما محكمتان مدنيتان وليستا عسكريتين [22] ص 142.

أصدر المجلس كذلك القرار 1315 الخاص بمحكمة سيراليون في 14/08/2000 استجابة لرغبة حكومة سيراليون في تلقي المساعدة من الأمم المتحدة لإنشاء محكمة مدولة لمعاقبة المجرمين المتسببين في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني [23]. فمحكمة سيراليون هي إذن عبارة عن محكمة مختلطة ومدولة أنشئت بموجب اتفاقية ثنائية بين الأمم المتحدة وحكومة سيراليون، بحيث أكد مجلس الأمن في القرار 1315 بأنّ الحالة في سيراليون ما زالت تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، فطلب من الأمين العام التفاوض بشأن اتفاق يتم مع حكومة سيراليون لإنشاء محكمة خاصة مستقلة بما يتفق مع هذا القرار، ويعرب المجلس عن استعداده لاتخاذ خطوات إضافية على سبيل الاستعجال لدى تلقي واستعراض تقرير الأمين العام [23].

يعتبر تكليف مجلس الأمن للأمين العام بمثابة قناعة ترسخت لديه في إعمال آلية المفاوضة باعتبارها تتمخض عن وضع قواعد والتزامات قانونية اتفاقية تخضع لها الدول في علاقاتها الدولية، وقد درج العمل في هذا الإطار على اعتماد أعمال قانونية تسهم في تطور القانون الدولي وفي حكم العلاقات الدولية وأهمها عقد المعاهدات [26] ص 153.

لقد أقر النظام الأساسي لمحكمتي نورنبورغ وطوكيو ومحكمتي يوغسلافيا ورواندا ومحكمة سيراليون الخاصة بالمسؤولية الجنائية الفردية من خلال نص المادة 06 من النظام الأساسي. وقد تشابهت محكمة سيراليون المدولة مع محكمتي يوغسلافيا سابقا ورواندا والمحكمة الجنائية الدولية في بعض جوانب الاختصاص كجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب[27].

تم طرح العديد من الانتقادات فيما يتعلق بدور المجلس في إنشاء هذه المحاكم الخاصة جعلت منحه حق الإخطار للمحكمة الجنائية أقل خطورة من إنشائه لهذه المحاكم الخاصة حيث اعتبر بعض الفقهاء أن إنشاء المجلس لهذه المحاكم لتنفيذ القانون الدولي الإنساني لا تخرج عن كونها عملية ترقيع، خاصة عند إعمال هذه القواعد في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي[9] ص 425.

ذلك أن هذه المحاكم كان من المفروض أن يتم إنشاؤها بموجب قانون أو معاهدة وليس بقرار من المجلس، والمجلس كان ينص في قرار إنشاء هذه المحاكم على الفصل السابع. غير أنه وبرجوعنا لنصوص النظام الأساسي لا نجدها تشير صراحة إلى حق مجلس الأمن وسلطته في إنشاء هيئات قضائية كتلك، ولا حتى نصوص الميثاق نفسها تمنحه هذا الحق، فقد انتقد رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر[كورني لو سوما روجا] محكمة يوغسلافيا على أساس أن الإجراءات تطبق فقط على يوغسلافيا، وقال أن هناك العديد من المجرمين في العالم لم يتم ملاحقتهم أبدا [9] ص 453. أضف إلى ذلك الصعوبات التي واجهت إنشاء أو عمل تلك المحاكم سواء ما تعلق فيها بانتخاب القضاة أو التمويل وبخاصة محكمة رواندا [21] ص66.

من هذا المنطلق فإن مكانة المحكمة الجنائية الدائمة جاءت لتسد الفراغ القانوني الذي كان سائدا باعتبار أن اختصاصها غير مقيد بجرائم ارتكبت أثناء نزاع معين أومن نظام قائم خلال مرحلة معينة، كما أن سلطتها في التدخل تكون أسرع في مواجهة الانتهاكات المرتكبة، غير أنه أخذ عليها بأنّ ولايتها لا تنعقد إلا بعد أن يدخل نظامها الأساسي حيز النفاذ، وقد تم ذلك فعلا بتاريخ 01 جوان 2001 بعد أن تم تأسيسها بموجب المؤتمر الدبلوماسي الذي أسفر عن ميلاد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية [28] ص 8.

وعليه فإن إحالة المجلس للمحكمة لابد أن يكون تحت طائلة النظام الأساسي للمحكمة وباعتبار المجلس وكيلا عن الدول طبقا للمادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة، وأن الإحالة يمكن اعتبارها بمثابة استبدال لصلاحية المجلس في إنشاء المحاكم الخاصة بسلطة الإحالة إلى المحكمة، والتي بدت لبعض الدول أقل خطورة من إنشاء المحاكم الخاصة [29] ص 324.

لقد تم قبول فكرة أن إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة في نظر الكثير كحل للمخاطر التي كانت تواجه المحاكم الخاصة، أي أنها تكون جاهزة وبأقل التكاليف، إلا أنه تجب الإشارة إلى أن النظام الأساسي للمحكمة لا يمكن أن يمس بصلاحيات المجلس المستندة لأحكام الميثاق، ولهذا لا يمكن أن ننظر إليه على أنه مانع لإنشاء محاكم خاصة من طرف المجلس مستقبلا، خاصة لانعدام وجود نص صريح في النظام الأساسي يقضي بذلك، رغم وجود محكمة جنائية دولية دائمة [8] ص 325.

يبدو من الصعب على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ومنهم الثلاثة المنضمون للنظام الأساسي، أو الموقعين عليه، وهم فرنسا وروسيا وبريطانيا [30] ص 277- 278. أن يتفقوا على مثل هذا الإنشاء مستقبلا، كما أن الدول غير الأعضاء في مجلس الأمن أو الدول التي ستصبح أعضاء فيه في إطار التعديل الذي تمت مناقشته من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورة سبتمبر2005، والتي إما أن تكون قد رضيت بإنشاء محكمة جنائية دولية، أن تقبل قرار المجلس في إنشاء محاكم خاصة مستقبلا خاصة إذا عدنا للمادة27 من الميثاق الخاصة بنظام التصويت في المسائل الموضوعية لكون شأن التصويت على هذه القضية هو مسألة موضوعية.

1.2.1.2. انفراد المجلس بسلطة الإحالة

لقد أشار النظام الأساسي للمحكمة إلى أن مجلس الأمن هو الجهاز الوحيد للأمم المتحدة المكلف بسلطة الإحالة، واستبعد باقي الأجهزة كالجمعية العامة والأمين العام، رغم ما لهما من دور في مجال حقوق الإنسان.

تم طرح هذه المسألة خلال المفاوضات حول إمكانية الاعتراف أيضا للجمعية العامة للأمم المتحدة بإخطار المحكمة بما أنها جهاز فعال في الأمم المتحدة [31]. فحسب مؤيدي هذا الطرح فإن الجمعية العامة لها سلطة حقيقية في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان وفق المادة 55 من الميثاق، ومسؤولية ثانوية فيما يخص حفظ السلم والأمن الدوليين بعد المجلس مباشرة [32] ص 97. هذا الطرح حول منح الجمعية العامة حق الإحالة إلى المحكمة، تم إدراجه في المشروع الأول للقانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1951في المادة 29منه [33]. إلا أنه تم إلغاؤها عام 1953 بسبب أن أعضاء هذه اللجنة أدركوا أنه من الخطأ منح الجمعية حق الإخطار ذلك لكون صلاحياتها محددة حصرا في الميثاق أضف إلى ذلك عدم وجود سوابق لها فيما يخص إنشاء المحاكم الخاصة مثلما هو الحال في محكمتي نورمبورغ وطوكيو ودور المنتصرين في الحرب في إنشائها بعد الحرب العالمية الثانية والتي هي أعضاء دائمة العضوية في المجلس الآن أوحتى في محكمتي يوغسلافيا ورواندا وحتى محكمة سيراليون التي قام المجلس بإنشائها [21] ص 28.

غير أنه إذا كانت الإحالة إلى المحكمة من قبل الجمعية العامة لم تلق نجاحا خلال المفاوضات النهائية لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، والتي أسفرت عن تبني قانون روما، فإنه لم يكن للأسباب المذكورة أعلاه فقط ولكن أيضا نتيجة للدور الفعال والنهائي الذي منح لمجلس الأمن الدولي حسب مواد النظام الأساسي، رغم أنه حدثت حالات شلل مجلس الأمن الدولي أدت إلى تدخل الجمعية العامة في مسائل السلم والأمن الدوليين إبان الحرب الباردة، وخاصة في الحرب الكورية وإصدارها لقرار (اشيزون ) المعروف [34] ص 80- 81. إلا أنه مع بداية التسعينيات وسقوط النظام الشيوعي استعاد مجلس الأمن قوته وهيبته وظهر ذلك جليا حتى في إطار العدالة الجنائية الدولية، من خلال إنشاء المجلس للمحاكم الخاصة، فعّل دوره فيما بعد في إجراء الإحالة للمحكمة مستبعدا تمام أي دور يذكر للجمعية العامة كما أن مفاوضات المؤتمر الدبلوماسي بروما كانت تدور حول حق المجلس في الإحالة دون الجمعية العامة، وسبب رفض إحالة الجمعية العامة للمحكمة وإلى رفض إدراج نص في النظام الأساسي يعطي الجمعية هذا الحق هو كذلك الطابع غير الإلزامي لتوصيات هذا الجهاز في مواجهة الدول الأعضاء مقارنة بالقرارات والتوصيات الصادرة من المجلس الأمن التي لها الصفة الملزمة خاصة إذا تم إدراج المادة 25 من الميثاق في ذلك القرار [35] ص 135.

كما أن الحجة الثانية في عدم منحها هذا الحق هو أنه لا النظام الأساسي يشير إلى منحها حق الإحالة، ولا نصوص الميثاق منحتها الصلاحيات التي للمجلس والتي مكنته حتى من إنشاء محاكم جنائية خاصة، وحتى وإن تقاعس مجلس الأمن في الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية فإن ذلك ربما قد لا يسمح لها بإخطار المحكمة، انطلاقا من مبدأ الفصل بين سلطات أجهزة الأمم المتحدة، وقد سبقها المجلس بالفعل إلى إنشاء المحاكم الخاصة وسد الطريق أمامها في مسائل العدالة الجنائية الدولية [35] ص135. وظهر ذلك في محكمتي يوغسلافيا ورواندا وأخيرا محكمة سيراليون.

وقد انتقدت الأردن هذا التصرف في اقتصار سلطة الإحالة والإخطار على مجلس الأمن دون الجمعية العامة حيث أشار المندوب الأردني إلى عدم وضوح فكرة انفراد المجلس بذلك وقد أيد مندوب سوريا في المؤتمر هذه الحجج التي جاء بها المندوب الأردني.
1.2.2. خصائص إحالة المجلس للمحكمة

إذا كانت الإحالة من طرف مجلس الأمن فقط، والتي تم قبولها بصفة سريعة وجماعية أثناء مؤتمر روما، فان المفاوضات النهائية فيما بعد انصبت على طبيعة ذلك الإجراء، حيث تعالج المادة 13 من النظام الأساسي الإحالة من طرف المجلس، وهذه المادة لا تخلو من بعض الغموض فيما يتعلق بكيفيات وطرق الإحالة، حيث أنه خلال المفاوضات تم استبعاد كل إمكانية إخطار أخرى طبقا للفصل السادس من الميثاق، أي أن الأساس الذي كان يستند عليه المجلس في إنشاء المحاكم الخاصة هو نفسه الذي سيستند عليه في الإحالة إلى المحكمة ألا هو الفصل السابع من الميثاق، وعليه سنحاول تحليل العناصر الواردة في المادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة.

1.2.2.1. شكل قرار الإحالة

تتحدث المادة 13 من النظام الأساسي عن حالة أحيلت إلى المدعي العام بواسطة مجلس الأمن متصرفا بموجب الفصل السابع من الميثاق، على عكس مباشرة التحقيق من طرف لمدعي العام نفسه وفق المادة 15 من النظام الأساسي، أو الإحالة من قبل الدولة الطرف وفق المادة 14منه، ولا نجد أي مادة تحدد معايير الإحالة من طرف مجلس الأمن، وعندما نعود إلى ما تم منحه للمجلس من حق في إيقاف التحقيقات والمتابعات وفق المادة 16 منه، والتي تجعل الطلب يجب أن يكون في شكل قرار صادر عن المجلس بموجب الفصل السابع، فهذا ما جعل قرار إيقاف التحقيق يقنع الدول بأن شكل قرار الإحالة يجب أن يكون كذلك في شكل قرار [36] ص 41.

هذا الاختلاف بين المادتين 13و16 من النظام الأساسي وضحته المادة 16بقولها [في شكل قرار]، أي قرار له شكلية معينة وذلك في إطار إجراء إجباري تعلق بإحدى المواد التي دارت حولها المناقشات وهي المادة 16. وهذا النوع من القرارات هو قرار تنفيذي يقضي باتخاذ تصرف معين أو مسلك ما ممن تتوجه إليه بخطابها [34] ص 40.

وكما ذكرنا سابقا فان الإحالة من مجلس الأمن اتضح أنها لم تطرح إشكالية كبيرة أثناء مفاوضات روما، تاركة المجال لصالح المسائل الأكثر أهمية [21] ص 8. و تمثلت النتيجة في تلك الشكلية التي يجب اعتمادها من طرف المجلس والتي تركت الأطراف في حالة صمت، وهل يعتبر القرار ضروريا في موضوع الإحالة أم يمكن أن نتوقع صورة أخرى للإحالة أقل شكلية من القرار؟ وإذا تم اعتماد قرار فهل يتعلق الأمر بقرار بأتم معنى الكلمة؟ أم يمكن للمحكمة أن تكتفي بمجرد توصية؟، والتي اعتبرها بعض الفقهاء ومنهم الأستاذ عمر سعد الله بأنها من قبيل القرارات التي ليست لها الصلاحية الذاتية لإنتاج الحقوق والالتزامات [26] ص 36. كما أن التوصيات الصادرة من المجلس وفق الفصل السادس من الميثاق يمكن أن يكون لها في حدود معينة أثر ملزم مثل التوصيات الصادرة من المجلس باتخاذ إجراءات التحقيق طبقا للمادة 34 من الميثاق [2] ص 23.

غير أنه قد يقع الخلط بين القرار والتوصية في القاموس الاصطلاحي الدولي، فالتوصية هي مجرد إبداء النصيحة أو الرغبة، و يمكن أن تقبل أو ترفض، وقد تكون موجهة إلى جميع الدول أو إلى دولة بذاتها، ويجوز للدولة عدم التقيد بالتوصيات التي تصدرها المنظمات، ولا تتضمن أي إلزام ولا يترتب على مخالفتها المسؤولية الدولية، أما القرار فهو يتضمن قوة الإلزام ولا يختلف عن أي قانون تصدره السلطة المختصة داخل الدولة [3] ص 132.

ففيما يخص التساؤل حول ما إذا كان القرار ضروريا أو الاكتفاء بمجرد توصية هو أن المثير للاهتمام في هذا الصدد، إذ أن هذه الشكلية الواجب توافرها في القرار لا يمكن اعتبارها شيئا ثانويا يمكن الاستغناء عنه، رغم أن كيفية تحرير هذا القرار(العناصر الشكلية) لم تكن محل دراسة معمقة أثناء المؤتمر، وذلك نظرا للحساسية التي طبعت المؤتمر وكذا ضيق الوقت، ولا يمكن القول أن الصياغة المعتمدة في المادة 13 كانت نتيجة التسرع في الصياغة، وإنما قد يكون واضعوها قصدوا فعلا ذلك [37] ص 75.

مهما يكن من أمر، وحتى وإن كان مصطلح قرار لم يتم اعتماده بصراحة من خلال المادة 13 من النظام الأساسي، فإن عددا لا بأس به من الدلائل تدفع إلى اعتماد هذا التفسير ومنها وجوب صدور القرار وهو يتضمن عبارة متصرفا بموجب الفصل السابع [38] ص 130. ذلك أن المجلس يصدر قرارات في أغلب الأحيان وفق الفصل السابع [02] ص 52-53 .

كما أن الأعمال التحضيرية السابقة على إنشاء المحكمة اتجهت إلى تأكيد معنى قرار، ومنه فإن أغلب مشاريع روما المتتالية تحدثت عن معنى قرار، ومثال ذلك مشروع لجنة القانون الدولي لعام 1994 [39]. حيث ذهبت في المادة 23/1 إلى أن إحالة مسألة إليها من طرف مجلس الأمن الدولي يجب أن يتم وفق الفصل السابع من الميثاق، كما ظهر ذلك في تعليقها على المادة 25 من نفس المشروع حيث ذكرت أن إخطار المحكمة من طرف المجلس يجب أن يأخذ شكل قرار كما هو مشار إليه في المادة23/1 أعلاه، والقرار هو التعبير عن إرادة الشخص القانوني الدولي والذي يصدر عن طريق جهاز تشريعي بالمنظمة [39].
وقد أشارت اللجنة في فقرة أخرى من التعليق على إحدى المواد أن المجلس يخطر المحكمة عن طريق قرار، ولانجد أي خلاف حول عبارة متصرفا بموجب الفصل السابع من الميثاق يمكن أن يفهم منها أنها جاءت مخالفة لما حددته لجنة القانون الدولي عام 1994[37].

هناك ملاحظة يمكن استنتاجها من الأعمال التحضيرية وهي أن كل إحالة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة تم رفضها تحت تسبيب رئيسي سبق ذكره، وهو أن التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة لها طابع غير إلزامي على العكس من الإخطار الصادر عن المجلس الذي يكتسي طابعا إلزاميا في مواجهة الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة إذا تعلق الأمر بقرار تمت الإشارة إليه بنص المادة25 من الميثاق [40].

من جهة أخرى يمكن استخلاص نتيجة، وهي أن الطابع الرضائي المسبق للدول حول اختصاص المحكمة لا يكون مطبقا إذا كانت الإحالة صادرة من المجلس خاصة إذا ما كانت الإحالة في شكل قرار. وهو أن نظام الرضا المسبق يجعل الدول، أي دولة الإقليم أو دولة جنسية المتهم ملزمة بالتعاون مع المحكمة، كدول منظمة إلى النظام الأساسي أي تتحمل الالتزامات التي تتحملها دولة طرف، مادام أنه لا يوجد ضمن هذا الطرح أي تأسيس آخر غير الامتثال لهذا الإلزام الوارد في القرار الصادر من المجلس.

وعليه فإن المجلس يخطر المحكمة عن طريق قرار، يظهر إلزامية تعاون الدول فيه من الميثاق نفسه وفق المادة 25 من الميثاق، وعليه يصبح تعاون الدول مع المحكمة مكثفا، بحيث أنه لا يراد جعل هذا التعاون إجراء إجباريا على الدول، بل يجب ترك الدول تتعاون طواعية مع المحكمة دون إلزام، كما أن الإخطار من طرف المجلس يسمح بتجاوز بعض العقبات الموجودة ضمن النظام الأساسي. خاصة فيما يتعلق بمبدأ التكامل في الاختصاص مع القضاء الوطني. وكذا تعاون الدول مع المحكمة، والذي قد لا يكون ممكنا إلا إذا كانت المادة25 من الميثاق داخلة في هذا القرار، والتي تدفع بالدول إلى قبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق ما تنص عليه.

نلاحظ أن المنطق الذي اعتمده النظام الأساسي، يحث على ضرورة وجود قرار صادر من المجلس، ومن خلال هذا التفسير نجد أن المجلس يتجه إلى إقرار فحوى المادة 39 من الميثاق، بأن مصطلح حالة تكون في إطار الجرائم التي هي من اختصاص المحكمة والتي ارتكبت بحيث تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين أو إخلالا به أو عملا من أعمال العدوان [30] ص 45.

فالمجلس قد قام في مرحلة حديثة بتكييف عدة حالات للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والمباديء الإنسانية، بتهديد للسلم وكان هذا على وجه الخصوص في الوضع في الصومال ويوغسلافيا ورواندا وقد قرر المجلس في وقت لاحق أن إخطاره للمحكمة قد يكون إجراء ضروري ولازم من أجل حفظ السلم والأمن الدوليين بموجب المادة 41 و 42 من الميثاق [9] ص 244-245 .

وحتى وإن كانت مسألة توسيع سلطات مجلس الأمن في إطار المادة 41و42 من الميثاق قد كانت محل جدل عندما تم إنشاء المحاكم الخاصة السابقة، فإن مثل هذه المشاكل لم تظهر خلال إعداد نظام روما عام1998 [41]. فالواقع قد تم هذا الحل بعد أن انفرد مجلس الأمن بالاختصاص حول إنشاء المحاكم الخاصة سواء محكمة يوغسلافيا أو رواندا أو سيراليون.

و بالمناسبة إذا اعتبرنا أن كل ذلك يشكل مكسبا في أن يقوم المجلس بتحديد المسؤوليات الجزائية وإحالتها للمحكمة باعتبار ذلك يسهم في تكريس السلم والأمن الدوليين [30] ص 45. وأنه من حقه إنشاء محاكم خاصة، فلا يبدو غريبا أن يقوم المجلس بالإكثار من الإحالة إلى المحكمة باعتبار ذلك أيضا من ضمن ممارسة صلاحياته، والتي قال عنها الأستاذ شريف بسيوني أن العلاقة بين المجلس والمحكمة ما هي إلا تطبيق لسلطة مجلس الأمن كما هو محدد في الميثاق.

1.2.2.2. استبعاد نظام الرضا المسبق في إحالة المجلس

تنحصر الحالات الثلاث للإحالة إلى المحكمة في الدولة الطرف أو المدعي العام أو مجلس الأمن، مما تجعلنا نقول أن الرهان يبقى بالنسبة للإحالة الصادرة عن المجلس، وأثر هذه الإحالة في مسألة انطباق فكرة الرضا المسبق لاختصاص المحكمة في إخطار صادر من المجلس [30] ص69. وسنحاول التركيز أكثر على المرحلة السابقة للإخطار من طرف المجلس، ونحاول أن نستخلص الإيجابيات المتعلقة بالإحالة من طرف المجلس مقارنة مع الإمكانيات الأخرى للإحالة.

فالإحالة من طرف المجلس تسمح بالإعفاء من الشروط المدرجة في المادة 12 من النظام الأساسي، وهي الشروط المسبقة لممارسة المحكمة لاختصاصها، فلا يتطلب الأمر موافقة دولة معينة كدولة الإقليم أو دولة جنسية المتهم، على العكس بالنسبة للواقعة المحالة من طرف دولة طرف أو الواقعة التي يبدأ المدعي العام التحقيق فيها [30] ص 278. وهذا ما سنحاول تحليله في إطار الفصل الثاني.

أولا: ضرورة توافر الرضا المسبق في حالات الإحالة الأخرى: تنص المادة 12/2 من النظام الأساسي على أنه لا يمكن للمحكمة أن تباشر اختصاصها إلا على دولة ارتكب الجرم على إقليمها أو دولة جنسية المتهم، وتكون طرفا في النظام الأساسي [39]. هذا النص يفيد أن للمحكمة اختصاص فقط على الدول الأطراف في النظام الأساسي دون سواها.

وقد كانت هذه المادة أثناء مؤتمر روما إحدى المواضيع الحساسة التي دارت حولها المناقشات، وكانت سببا لرفض الولايات المتحدة الأمريكية الانضمام إلى النظام الأساسي رغم أنه كان يشكل عائقا أساسيا في مباشرة اختصاص المحكمة في مواجهة بعض الدول، لأنها تحتاج إلى التقيد بالشروط المذكورة فيها [30] ص 45.

والمادة 22 من مشروع لجنة القانون الدولي لعام 1994التي أشارت إلى الحاجة للنموذج المعتمد في المادة 36 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، في أن الدول تصرح وقت الانضمام إلى المحكمة بالولاية الجبرية لها، في نظر جميع المنازعات القانونية التي تثور بينها وبين دولة طرف تقبل الالتزام ذاته، متى تعلقت هذه المنازعات بالمسائل الأربع المحددة في نفس المادة [42]. أي المادة 36/2 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، على أن دولة ما لا تقبل اختصاص المحكمة بصفة آلية حول هذا أو ذاك الجرم إلا إذا كانت طرفا فيه والمادة 22 من مشروع لجنة القانون الدولي قد أكدت على ذلك [39].

وقد بدت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر تشرطا عندما فضلت نموذجا للموافقة على النظام الأساسي، أي أن تكون معالجة المحكمة للقضايا مسألة مسألة وحالة حالة وليس بموجب تصريح خاص مسبق لاختصاص المحكمة بشكل عام غير محدد، مثلما هو منصوص عليه في مشروع النظام الأساسي المعد من طرف لجنة القانون الدولي، وهذا المسعى كان يرمي حسب المشروع الأمريكي إلى إعداد محكمة مراقبة من طرف مجلس الأمن [43]. والتي تعتبر عضوا دائما فيه، من أجل التأطير والحد من الإمكانيات الأخرى للإحالة، وذلك عن طريق احتكامها إلى حق الفيتو فيما يخص هذه المتابعات أوحتى مخالفتها للتوجه العام للدول المشاركة في المؤتمر [44] ص 64.

وباعتماد طريقة الاتفاق حول اختصاص المحكمة في كل حالة على حدى، يمكن لها أن تجعل مسالة إخطار المحكمة صعبة نوعا ما، وخاصة في حالة إخطارها من طرف دولة طرف أو المدعي العام، وهاتان الحالتان الأخيرتان لم تكونا مدرجتين في مشروع النظام الأساسي للمحكمة المعد من طرف لجنة القانون الدولي، حيث أن هذه اللجنة ركزت أكثر على دور المجلس في الإحالة إلى المحكمة بصورة تطبيقية [44] ص 64- 65 .
وهذا المسعى نحو إيصال المحكمة إلى حد جعلها لعبة في يد مجلس الأمن كان يبدو لبعض الدول، وخاصة الأعضاء الدائمين في المجلس، كحل يخدم العدالة الدولية بوصفه جهازا فاعلا في المجتمع الدولي.

غير أن المادة 12من النظام الأساسي شكلت وفاقا بين مختلف الفعاليات والاقتراحات أثناء المؤتمر، ومنه فإن اختصاص المحكمة يصبح مطبقا في مواجهة دولة طرف في النظام الأساسي بصورة سهلة، وفكرة إيجاد حل آخر حول مباشرة المحكمة لاختصاصها بجعل العضو في النظام الأساسي يعمل على تصريح خاص بالموافقة على اختصاص المحكمة قد تم التخلي عنها.

وبالدرجة الثانية، ودون أن نعتمد الاقتراح الألماني حول الاختصاص العالمي، واقتراح كوريا الجنوبية بالموافقة على اختصاص المحكمة من طرف دولة جنسية المتهم أو دولة الإقليم أو دولة جنسية الضحية أو دولة احتجاز المتهم، والذي تمت الاستجابة إليه بصورة جزئية فيما بعد, فان النظام الأساسي اشترط في نهاية المطاف الاتفاق على اختصاص المحكمة في مواجهة دولة جنسية المتهم، أو الدولة التي ارتكب على إقليمها الجرم فقط [31] .

وعليه فقد كان بالإمكان أن يكون دور مجلس الأمن أكثر وضوحا، خاصة لو لم توضع شروط حول موافقة الدول على اختصاص المحكمة، وبالتالي فإن الشروط التي جاءت بها المادة 12 من النظام الأساسي تعرقل بشكل معين عمل المحكمة، وتلغي بذلك فكرة الاختصاص العالمي الذي اقترحته ألمانيا.

إذا كانت الإحالة من طرف دولة طرف أو المدعي العام لا تبدو معقدة مقارنة بحال مجلس الأمن فإن هذا الاقتراح الأخير أي الإحالة من طرف المجلس، يسمح بتجاوز بعض الصعوبات المرتبطة باشتراط رضا الدول خاصة أن عمل المحكمة سيصبح محل عدم قبول داخلي داخل الدول حول تصرف مجلس الأمن الدولي تجاهها في هذه المسألة.
ثانيا: عدم وجود عائق في إحالة المجلس للمحكمة:يظهر من خلال القراءة الموازية للمادتين 13/[ب] والمادة12 من النظام الأساسي، أن إحالة المجلس للمحكمة تسمح بتجاوز الشروط المدرجة في المادة 12 المتعلقة برضا الدول حول اختصاص المحكمة [45] ص 80. وبالفعل فإن الفقرة 2 من المادة 12تحيل على الفقرة[أ] و[ج] من المادة 13 مستبعدة بذلك الفقرة [ب] من المادة13 و التي تتعلق بالإحالة من طرف المجلس، الشيء الذي يجعل رضا الدول حول اختصاص المحكمة مفترضا، كلما تعلق الأمر بإحدى أعضاء الأمم المتحدة كما تشير إلى ذلك المادة 25 من الميثاق، فعندما يعتمد مجلس الأمن قرارا في إطار الفصل السابع من الميثاق فإن المادة 12 من النظام الأساسي التي تشترط رضا الدول لا تصبح مطبقة في مواجهة إحالة المجلس، وتصبح الدول ملزمة بالتعاون مع المحكمة [45] ص 81.

يعتبر هذا النظام المعترف به للمجلس من ضمن المواضيع التي تم التطرق إليها في المراحل الأولى لإعداد النظام الأساسي للمحكمة، ولم يكن هذا الموضوع محل جدل واسع على أساس أن النظام الأساسي لم يتضمن نصوصا يمكن أن تتعارض مع الميثاق، بل كان الأمر يتعلق فقط بتأطير الأثر الإلزامي لقرار من هذا النوع في مواجهة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة طبقا للمادة 25 من الميثاق، ولم يكن الأمر يتعلق بمعاهدة نتوقع من خلالها تعديل سلطات مجلس الأمن بموجبها، وإنما جاء النظام الأساسي ليمنح المجلس سلطة تطبيقية لاختصاصه وهي سلطة سياسية مطلقة فيما يتعلق بحفظ السلم والأمن[45] ص 81-82 .

ومهما يكن من أمر فان المجلس سيتمكن من فرض اختصاص المحكمة على الدول غير الأعضاء في النظام الأساسي بواسطة ذلك القرار خاصة إذا تمت الإشارة فيه إلى المادة 25 من الميثاق والتي تجبر الدول على الالتزام به.

بالمقابل، وفي إخطار المحكمة من طرف مجلس الأمن بناء على الفصل السابع من الميثاق، فإن كل دولة طرف في الأمم المتحدة، ومن ضمنهم الدول المرتبطة بالنزاع كدولة جنسية المتهم، أو دولة الإقليم، فإنها تكون ملزمة بالتعاون مع المحكمة لأن الإخطار هنا أخذ شكل قرار حسب مقتضى الفصل السابع [30] ص 49. كما أوجد النظام الأساسي للمحكمة طريقة لإلزام الدول غير الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة وفق المادة 87/5 منه وكذا وفق المادة94 من الميثاق، فالمادة 94 من الميثاق أشارت إلى تعاون الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الأمم المتحدة، ذلك أنه بإمكان الدول غير الأعضاء اللجوء إلى محكمة العدل الدولية وفق ضوابط وضعها المجلس والجمعية العامة، فمن الممكن إلزام الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة وفقا لهذا النص بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية وفق هذا النص أي المادة 94 من الميثاق ونص المادة87/ 5من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية [4] ص 81-82 .

و مثلما سبق القول فإن إخطار المحكمة من طرف المجلس لم يشكل مصدر قلق مثلما كان الأمر في دوره فيما يخص جريمة العدوان. أو فيما يخص السلطة الممنوحة له في تعليق المتابعات والتحقيقات، ذلك أن بعض الدول أبدت تخوفات من الخطر في أنّ بعض الدول غير المنظمة للنظام الأساسي قد تحاول عرقلة عمل المحكمة، إضافة إلى مدى تعاونها مع المحكمة عندما يتم إخطارها من طرف المجلس [31].

تعتبر مراقبة المحكمة من طرف الدول غير الأعضاء في النظام الأساسي بواسطة مجلس الأمن من المسائل غير المرغوب فيها من طرف بعض الدول، ومنها الهند التي صوتت ضد النظام الأساسي وأبدت تخوفها من بعض التدابير المتعلقة بممارسة المجلس لاختصاصاته وبجميع الإجراءات المتبعة من طرفه في ذلك على العموم. ويعتبر النظام المطبق في هذا الصدد في الإخطار من طرف مجلس الأمن في أنه يسمح للمحكمة ببلوغ فكرة عدم إفلات المجرمين من العقاب والذي من شأنه أن يحقق الهدف المنشود من إنشائها.

1.2.2.3.التخوف في التطبيق إذا كانت الإحالة من المجلس

لقد ظهر التخوف من الإخطار أو الإحالة الصادرة من المجلس من خلال الواقع الدولي ومن الممارسات التي كان يقوم بها المجلس في عدة قضايا، إضافة إلى موقف الولايات المتحدة الأمريكية من المحكمة ومحاولة عرقلتها الإحالة إلى المحكمة حماية لجنودها العاملين في قوات حفظ السلم، فمجلس الأمن قد انحرف في كثير من القضايا عن الإطار المرسوم له في الميثاق، إضافة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد عملت على محاولة إضعاف هذه المحكمة بكل الوسائل الممكنة.

أولا: السوابق التي تدعو للحذر من إحالة المجلس: إذا كان مفهوم الإحالة الذي تطرقنا إليه من وجهة نظر النصوص القانونية فإنه على مستوى التطبيق، وفيما يخص الاختلافات السياسية بين الدول التي ظهرت أثناء مؤتمر روما لإعداد النظام الأساسي، سوف تكون في وضع يجعلنا ننظر لمجلس الأمن والدول الأطراف من زاوية في مسألة تدخل الاعتبارات السياسية في موضوع الإحالة ومن زاوية أخرى للمدعي العام حول هذه المسألة.

وفعلا فإن استعمال الدولة الطرف ومجلس الأمن للصلاحيات المعهودة لهما في الإحالة إلى المحكمة سوف يرتبط بوجود أو عدم وجود إرادة سياسية في هذا الصدد.

حيث نجد أن الدول عادة ما تكون متحفظة بشأن تقديم شكوى ضد بعضها البعض. عندما تكون مصالحها غير معرضة للخطر مباشرة، والأكثر من ذلك فإن قواعد المجاملات والمصالح المادية تمنع الحكومات من استخدام هذا الحق، وتعتبر المصالح السياسية والاقتصادية عائقا تجعل الدول لا تعرض علاقتها مع هذه الدولة أو تلك للخلاف بسبب ذلك المشكل أو تلك المسألة حتى ولو كانت مخالفة الدولة صارخة في هذا الصدد[46] ص 889.
أما فيما يتعلق بمجلس الأمن فإن الأمر غير مشجع حتى وإن لعب هذا الأخير دورا في إنشاء المحاكم الخاصة فهذا لا يكفي [9] ص 212- 213. وتبقى المسائل السياسية هي التي تتحكم في كل ذلك، نذكر على سبيل المثال الطريقة التي عالج بها المجلس مشكل الكونغو سنة 1998 لاسيما أن لجنة التحقيق المنشأة من طرف مجلس الأمن توصلت إلى أن هناك جرائم ضد الإنسانية وأوصت بإخضاعها لمحكمة خاصة، غير أن المجلس سكت عن ذلك ولم ينشئ لها محكمة خاصة، وأيضا ما وقع لأكراد العراق الذين تمت ضدهم جرائم الإبادة، إلا أن المجلس لم يتعامل بصورة حسنة مع هذه الحالة كما هو الشأن في باقي الحالات الأخرى [9] ص 218-219 .

وهنا نلاحظ أن غياب محكمة جنائية دائمة بشأن تلك الحالتين جعل البعض يتمنى إنشاء محاكم خاصة لها، أو حتى إيفاد لجان تحقيق مستقلة لها تكون على قدر المهمة الملقاة على عاتقها، وعليه فإن إنشاء محكمة دائمة قد يزيل هذا الجمود مستقبلا.

زيادة على ذلك فقد أشرنا إلى جمود مجلس الأمن لاعتبارات السياسية، لكن عداء الولايات المتحدة الأمريكية لهذه المحكمة الدائمة مازال موجودا، وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية تحطيم مستقبل هذه المحكمة، خاصة بإبرامها العديد من الاتفاقيات مع الدول لمنح جنودها حصانة ضد المتابعات وإيقاف إحالة أي من جنودها إلى المحكمة.

ثانيا: تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لإيقاف الإحالة إلى المحكمة: تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية إحدى الدول السبع التي صوتت ضد النظام الأساسي أثناء انعقاد مؤتمر روما، رغم أنها كانت من المهتمين بإنشاء قضاء جنائي دولي وقدمت إزاء ذلك مشروعا إلى الجمعية العامة [44] ص61.

هذا المشروع يحث الجمعية العامة على تبني مبادئ نورمبرغ ووضع قانون عقوبات دولي، وعندما بدأت اللجنة عملها أدركت الولايات المتحدة الأمريكية خطورة ما أقدمت عليه خاصة أنه لا يمكن لها استعمال حق النقض أمام هذه المحكمة، وهنا بدأت معارضتها لهذا النظام القضائي الجديد، و قد وقعت الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الأساسي في 31/12/ 2000 مع إبداء تحفظاتها حول ممارسة المحكمة لاختصاصها على الجنود الأمريكيين مع التنويه إلى إمكانية سحب توقيعها، وفي 04/05/2002 لجأت إلى التنصل من التزاماتها. على لسان وزير خارجيتها كولن باول معللة ذلك بقولها بأن انضمامها سيثير الفوضى في أمريكا ويعرض جنودها للمحاكمة [44] ص 61-62 .
وإضافة إلى تقدمها إلى مجلس الأمن في27/06/2002 بمشروع قرار يمنح جنودها حصانة دائمة وشاملة ووقائية، وصوّت المجلس ضد منح الحصانة لعدم اقتناعهم بأن أفرادها سيحاكمون ظلما. وبعد صدور هذا القرار هددت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها ستعيد النظر في مشاركتها في قوات حفظ السلم في جميع أنحاء العالم إذا لم تمنح الحصانة لجنودها وعمدت إلى استخدام حق النقض ضد التجديد لقوات حفظ السلم في البوسنة.

حيث أنّ ذلك أدى بمجلس الأمن إلى الموافقة بالإجماع في 12/07/2002 على إعطاء الأمريكيين حصانة لمدة سنة، وذلك بموجب القرار 1422، ونشير كذلك إلى موقف "ويليام ناش" أن أمريكا قد قبلت مسئوليتها الفردية في الكرة الأرضية وادعت أن تكون شرطي العالم مقابل إعفائها من المسؤولية. إضافة إلى عقدها العديد من الاتفاقيات الثنائية، مع أكبر عدد ممكن من الدول لمنع تسليم مواطنيها للمحكمة الجنائية الدولية [30] ص 147.

حتى جانفي 2004 قامت 70 دولة بإبرام اتفاقيات ثنائية من هذا النوع مع الولايات المتحدة الأمريكية وقد هددت الحكومة الأمريكية بقطع المساعدات الاقتصادية مع هذه الدول إذا ما قامت بأي تفاعل مع هذه المحكمة، وهناك بعض الدول أبرمت هذه الاتفاقيات لكنها لم تأخذ طابع العلن [30] ص 148.

إن فكرة المعارضة الشديدة لإنشاء المحكمة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية قد وجدت صدى مقبولا في الكونغرس بأغلبية معتبرة، وذلك بمشروع قانون يوصي بمنع كل تعاون بين المحكمة و الولايات المتحدة الأمريكية مادامت هذه الأخيرة لم تصبح عضوا في النظام الأساسي للمحكمة، و هي المسألة التي مازالت محل دراسة ومن شأنها أن تلقى قبولا نهائيا من الكونغرس.
من الواضح من خلال موقف الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستستعمل حقها في الفيتو من أجل معارضة كل إحالة إلى المحكمة من طرف مجلس الأمن والذي يتصرف بموجب الفصل السابع،[30] ص148. والذي يجعل الولايات المتحدة الأمريكية مثل أي دولة طرف عضو في الأمم المتحدة ملزمة بالتعاون مع المحكمة حسب نص المادة 25 من الميثاق وقد عمدت الولايات المتحدة الأمريكية على استصدار قرار من مجلس الأمن يمنح جنودها حصانة ضد المتابعات المتعلقة بسياستها في العديد من مناطق العالم، وجاء هذا القرار تحت رقم 1422 المؤرخ في 12/07/2002، وهو قرار يضع استثناء على اختصاص المحكمة [47].

وعليه فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل بكل ما أوتيت من قوة على منع أي إحالة إلى المحكمة، سواء ما تعلق بجنودها أو حتى جنود الدول الصديقة أو المؤيدة لسياستها في العالم أو المدعمة لها في حربها ضد الإرهاب كما تزعم، غير أن المستقبل قد يحد من هذه الهيمنة الأمريكية التي تحاول بسطها حتى على القضاء الجنائي الدولي المستقل كالمحكمة الجنائية الدولية.
1.2.3. إحالة المجلس للمحكمة وحفاظه على استقلاليتها

المواد المتعلقة بدور مجلس الأمن في عمل المحكمة سواء ما تعلق بالإحالة أوإيقاف التحقيق، جعلت الفقهاء يبدون قلقهم منها، فاعتبروا أنه لا يجب أن نجعل من المحكمة جهازا قضائيا تحت رحمة مجلس الأمن الدولي، والذي تعتبره الجهاز السياسي الفعال في الأمم المتحدة، و ظهور علاقة بين المدعي العام ومجلس الأمن في كيفية تعامل المدعي العام مع ما يحيله المجلس إليه، كل ذلك أصبح يجسد الإرادة في الحفاظ على استقلالية المحكمة بصورة فعالة، خاصة إذا ما تم استخدام هذه الاستقلالية بشكل فعال من طرف المدعي العام.

1.2.3.1. إحالة المجلس للمحكمة واحترامه لنصوص النظام الأساسي

يجب أن يكون إخطار المجلس للمحكمة في إطار احترام مواد النظام الأساسي، سواء تلك التي منحته دور في الإجراءات أمامها أوفي غيرها من المواد الأخرى، ولا تترك المواد 13، 16، 17، 19، 53 و87 من النظام الأساسي أدنى شك في أنه يجب على مجلس الأمن أن يحترم مواد النظام الأساسي عندما يحيل حالة إلى المحكمة أو يطلب منها إيقاف التحقيق والمتابعة في قضية ما، أو أن يطلب من الدول التعاون معها [30] ص 70.

حيث يتضح من المادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة، أنه يجب عليها أن تباشر اختصاصها طبقا للنظام الأساسي و هذا من خلال ثلاث حالات للإحالة إلى المحكمة، وهي إما من قبل الدولة الطرف أو من مجلس الأمــن، وأخيرا بواسطة المدعي العام الذي يباشر التحقيق بنفسه في القضية [30] ص 49.

ولم يحظ مجلس الأمن بأي نظام خاص بحيث أنه لا يستطيع أن يتصرف بمحض إرادته أوأن يفرض التزاما على المحكمة خلافا لمواد النظام الأساسي، فهو ليس هيئة من هيئات المحكمة حتى يفرض عليها التزاما، فماهو سوى فقط جهاز من أجهزة الأمم المتحدة تتحكم فيه اعتبارات سياسية، وليس من المتصور أن المجلس عندما يخطر المحكمة لا يكون مرتبطا بالفصل السابع من الميثاق لأن المادة التي منحته هذا الحق أشارت إلى الفصل السابع من الميثاق [48] ص 78. وعليه فلا يفهم من ذلك أن الإحالة الصادرة من المجلس تمثل التزاما على المدعي العام بالمحكمة لمباشرة إجراءات التحقيق أو المحاكمة [30] ص 47.

وفي موضوع الإحالة دائما فإن ذلك يعني أن مجلس الأمن يجب أن يحترم حدود الاختصاص المنصوص عليها في المادة 05 و11 من النظام الأساسي للمحكمة، وكذا مواد الميثاق التي تعتبر الإطار القانوني في ممارسته لاختصاصاته، وتجدر الإشارة أن الإحالة من المجلس ستسمح للمحكمة مباشرة اختصاصها حتى في مواجهة جرائم الحرب، وحتى وإن كانت دولة استعملت حقها في عدم قبول اختصاص المحكمة حول هذه الجريمة لمدة سبع سنوات وهذا حكم انتقالي ورد في نص المادة 124 من النظام الأساسي، وهذا هو الذي ركزت عليه فرنسا أثناء المؤتمر، وكذلك الأمر بالنسبة لجريمة العدوان أين لا تباشر المحكمة اختصاصها إلا بعد تعديل النظام الأساسي وفق المادتين121 و123منه [30] ص 39 كما أنّ اختصاص المحكمة يمكن أن يتعارض مع ما تطمح إليه أي دولة منضمة إلى الأمم المتحدة، بما في ذلك الدول التي قد تصوت ضد التعديل بذاته والتي لم تقبل بالمناسبة اختصاص المحكمة المتعلق بهذه الجريمة أيضا، و فيما يخص مجلس الأمن عندما يحيل حالة إلى المحكمة فإن ذلك يسمح لها بالتمتع بكامل اختصاصها وتجنب التضييقات الموضوعة في النظام الأساسي، ومن ثم تثور ملاحظتان حول اختصاص المحكمة من حيث الزمان [49] ، فاختصاص المحكمة هو مستقبلي ولا يسري على جرائم ارتكبت قبل سريان النظام الأساسي، بالنسبة للدول التي انضمت إلى المعاهدة ولا ينطبق إلا على جرائم ارتكبت بعد انضمامها إليها.

ففي المقام الأول فان تطبيق المادة 11 منه في حالة الإحالة من المجلس يمكن أن يترتب عنه أثر غير مباشر، حيث أنه قد لا يسمح للمجلس سوى بإنشاء محكمة خاصة، مثل محكمة يوغسلافيا أو رواندا، فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة قبل أن يدخل نظامها الأساسي حيز النفاد لأن من شأن ذلك أن يصعد من مسألة الجمود التي تواجه المحكمة بالنظر إلى صعوبة إنشاء مثل تلك المحاكم الخاصة، ومدى تعارضها مع ما قام به المجلس، لأنه لا سبيل في نظره إلا بإنشاء تلك المحاكم [30] ص37 وذلك ربما لعدم وجود محكمة جنائية دولية دائمة ووقوع الجرائم محل المتابعة و التحقيق قبل دخول النظام الأساسي للمحكمة حيز النفاذ.

وفي المقام الثاني فإن المادة 11 تشكل عائقا فيما يخص تحويل الملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية وكذا الاختصاص التي لهذه المحاكم الخاصة، في الحالة أين تكون مستمرة في عملها عند إنشاء المحكمة الدولية الدائمة، وهذا باعتبار أنها سابقة على إنشاء المحكمة [50]. فلا يمكن إحالة تلك الملفات التي هي للمحاكم الخاصة إلى المحكمة الدولية لوجود مبدأ الاختصاص المستقبلي الوارد في المادة 11 من النظام الأساسي السابق الذكر.
1.2.3.2. المجلس يخطر المحكمة بشأن حالة فقط

تنص المادة 13 من النظام الأساسي على أنه للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة 05 وفقا لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية:
- إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقا للمادة 14 حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
- إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر قد ارتكبت.
ومن خلال ملاحظتنا لهذه المادة تبين استعمال مصطلح حـــالة، وهذا المصطلح لم يكن هو الذي تم اعتماده من طرف لجنة القانون الدولي عام 1993 ولكنه فرض نفسه شيئا فشيئا [31].

وبما أن النظام الأساسي اعتمد المصطلح في النهاية، فإنه يظهر من مفاوضات مؤتمر روما، بأن المصطلح يجعلنا ندرك بمفهوم المخالفة أنه يعني وضعا أو حالات خاصة، كما يجعلنا نفهم أن مجلس الأمن لا يمكنه إخطار المحكمة بشأن حالات خاصة بمعنى تحديد الأشخاص بأسمائهم ولو حاول ذلك بمفهوم موسع للمادة 13من النظام الأساسي [48] ص 80.
أولا: أسباب اختيار مصطلح حالة: بالرجوع إلى الوراء قليلا يمكننا أن نفهم المسعى الذي دعا إلى هذه النتيجة، وهو أن مشروع النظام الأساسي الخاص بلجنة القانون الدولي عام 1993 قدم لنا خاصية تهمنا في الدراسة [37].

حيث أنه توقع من أن المجلس يمكن له إخطار المحكمة بشان حالة، وقد تتضمن في نفس الوقت مفهوم وضعية أين يكون فيها أشخاص مذكورون ومحددون بأسمائهم، ومنه ثار التساؤل حول الأساس القانوني في أن الأفراد المحددين في قرار المجلس أثناء الإخطار يمكن أن يكونوا محل تحقيق ومتابعة من طرف المحكمة، والمدعي العام لا يمكنه حسب هذا النظام توسيع التحقيق والمتابعة ضد أشخاص آخرين يظهر أنهم ارتكبوا جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة، وفي إطار عملها من أجل تحديد المصطلح الذي استند عليه نظام روما والذي ذكر أن القضايا يمكن أن يفهم منها أنها تشير إلى مصطلح حالة، وكل هذا من أجل استعمال المصطلح المعتمد من طرف مشروع لجنة القانون الدولي لعام 1993، ومن أجل تخطي هذا العائق حول تحديد المصطلح [50].

ومنه فقد نشأت صعوبة تتعلق بالتمييز بين النزاع والوضع، فالمادة 27 من الميثاق تنص على امتناع العضو الطرف في النزاع عن التصويت، أما المادة34 منه فتنص على أن المجلس يفحص أي نزاع أو وضع يمكن أن يؤدي إلى احتكاك دولي، فالميثاق لم يضع معيارا معينا للتمييز بينهما، وإن كان جوهر التمييز بينهما في مسائل ما سينتج عن التصويت عليها هل كان كان يعد من المسائل الإجرائية أو الموضوعية، وقد ظهر ذلك جليا في طلب لبنان وسوريا في 1946 جلاء القوات البريطانية والفرنسية عن أراضيها، وقد ناقش المجلس طبيعة هذا الطلب [3] ص 246.

وبالنظر إلى المدعي العام في مسألة فتح التحقيق، يبدو مقبولا الاحتفاظ بمصطلح حالة من أجل عدم تسييس إجراء الإخطار والحفاظ على استقلالية المدعي العام، ومنه استقلالية المحكمة في نفس الوقت [48] ص 80.

وبنظرة تطبيقية نجد أن مجلس الأمن لا يمكنه إخطار المحكمة إلا بشأن حالة ولفظ حالة لا يمكن تفسيره ذلك التفسير المحدود أو الضيق الذي يعني قيام نزاع بين مجموعة أو فرد أو وحدة عسكرية، أو أن يفسر ليشير إلى حدث معين دون الرجوع إلى السياق العام للنص، وهذا المعنى المقصود للفظ الحالة سوف يكون بالطبع مختلفا من حالة إلى أخرى، ولكن يجب ألا يتم تعريفه من طرف المدعي العام للمحكمة، وبالتالي يخضع للمراجعة القانونية من طرف دائرة مكونة من 03 قضاة وفق المادة 61 من النظام الأساسي، ومراجعة نهائية من طرف دائرة الاستئناف، لتكون المراجعة القانونية على درجتين، وذلك لضمان تكامل العملية القانونية، ومصطلح الحالة هو نفسه المقصود في الإحالة من المجلس أو الدولة الطرف أو الدولة غير الطرف [21] ص 45. وهذه الحالة تستدعي منه أن يقرر إحالة شخص بالنظر إلى تعقيد الإجراء و تعدد مخاطر تأزم الوضع ما دام أنه بصدد كل قضية ينبغي أن يفتح بشأنها نقاشا واعتماد قرار فيها [37].

بالنسبة للحل البديل الذي تم اقتراحه بالموازاة مع مفهوم الحالة التي سبق أن عالجناها، الذي يسمح بإخطار المحكمة بشأن حالات خاصة أو وضع، وإن كانت مستحسنة أثناء الأعمال التحضيرية فإنه قد تم التخلي عنها في النهاية.

ويبدو أن الطبيعة السياسية لعمل المجلس كانت محل قلق بالنسبة للدول أثناء المؤتمر، وكان من الصعب أن.ننتظر من قرار إحالة صادر عن مجلس الأمن كجهاز سياسي أن يعمل على ترقية عدالة جنائية دولية أو أن يكون عمله بناء على اعتبارات قانونية محضة.

ومن المعمول به في مواجهة الشكوك حول استقلالية وحياد المحكمة بشأن تحديد الأشخاص محل المتابعة، وإبلاغ المدعي العام المستقل، والذي له أن يعمل وفقا لاعتبارات قانونية وأن يتجاهل كل الاعتبارات السياسية التي تشوش عليه عمله [48] ص 81- 82 .
وبالنسبة لإخطار المحكمة من طرف المجلس بالنسبة لحالة خاصة، وبالنظر إلى أنه ليس جهازا ذا طبيعة قانونية فإنه ليست له الوسائل للقيام بتحقيق من أجل الكشف عن المسؤوليات الجنائية الفردية فهذا الأخير قد أنشأ فيما يتعلق بالوضع في يوغسلافيا ورواندا لجان تحقيق، وهذه الأخيرة كانت مكلفة بمهمة مراقبة الوضع بصورة عامة وليس لها القيام بتحقيقات جنائية بأتم معنى الكلمة لأنها لجان تقوم بجمع المعلومات ولا تقدم اقتراحات لتسوية النزاع المعروض عليها [32] ص 80- 81.

وأيضا فإن لجنة الخبراء المنشأة في 1992 من أجل التحقيق في الخروقات والانتهاكات للقانون الدولي الإنساني في يوغسلافيا [51]. توصلت في تقريرها بأنه وقعت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بما في ذلك جريمة الإبادة، لكنها لم تقم في أي حالة بتحديد المتهمين الظالعين في تلك الأفعال وتلك الانتهاكات [52]. كما أن لجان التحقيق المشكلة من طرف مجلس الأمن لا يبدو أنها عبارة عن أجهزة خاصة لمجلس الأمن من أجل القيام بتحقيق ابتدائي في المواد الجنائية، لذا يكون من الأنسب أن المجلس لا يخطر المحكمة إلا بشأن حالة فقط .

فيما يخص تقارير لجان التحقيق فإنها يمكن أن تظهر بأنها مجدية حيث يمكن أن ترفع إلى المدعي العام وقوع جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة، غير أن تحديد شخص المتهمين يكون من عمل المدعي العام وحده وخاصة في مثل هذه الجرائم كما سنرى.

ثانيا: إحالة المجلس للمحكمة من وجهة نظر الميثاق:بالرغم مما ورد في النظام الأساسي حول إمكانية مجلس الأمن في إحالة حالة إلى المحكمة بشأن قضية معينة إذا كان ذلك سيساهم حسب المجلس في حفظ السلم والأمن [21] ص 250. ومنه فيجب على المجلس في إحالته إلى المحكمة أن يتقيد بالميثاق، إذ أن الميثاق وجد عام 1945 وكان واضعوه يسعون من خلاله إلى حل النزاعات بين الدول، تحت مفهوم وضع أو موقف، وبالتالي قد يقع الخلط بين مصطلح وضع وحالة، والمجلس هو الذي يحدد كل ذلك بصفة تقديرية، ويمكن أن نناقش الاحتمالات القليلة في أن المجلس يقرر أن لمتابعة شخص أمام المحكمة الجنائية الدولية على وجه الخصوص قد يساهم في تحقيق هذه المهمة، ولا يبقى- على الأقل بالنظر لمواد الميثاق - مقيدا فقط بمجموع الانتهاكات التي تقوم بها الدول والتي تترتب عنها مسؤولية دولية .

حيث أن مجلس الأمن يمكن له القيام تحت مفهوم حالة بالإشارة إلى أشخاص في عدد من اللوائح وهو ما يجعلنا لا نتوقع أنه يمكن له الإحالة إلى المحكمة حالة واحدة فقط وإنما حالات خاصة أيضا أو أوضاع طبقا لما هو منصوص عليه في الميثاق [21].
والسؤال المطروح هو أن نعرف مدى تقبل أو رد فعل المحكمة، في حالة تكون مخطرة من طرف مجلس الأمن بشأن وضع، نظرا لأن المادة 13من النظام الأساسي استعملت مصطلح حالة، والمجلس مثلما هو منصوص عليه في المادة 13 يحب أن يتصرف في إطار احترام مواد ميثاق الأمم المتحدة ووفق النظام الأساسي كذلك، ولا يكون متوقعا بالنظر إلى الأعمال التحضيرية لإنشاء المحكمة، أن الحالة يمكن أن يفهم منها أن تساوي مصطلح وضع، فالمصطلح الثاني يتضمن الأول والعكس غير صحيح.

هذان المفهومان تم التعرض إليهما أثناء المناقشات، كما تم التأكيد على تمييزهما عن بعضهما البعض بأنهما مختلفان، ويمكننا أن نتصور بالنظر إلى مواد النظام الأساسي أن للمحكمة أن ترفض ذلك الإخطار فيما لا يعد حالة طبقا للمادة 13 من النظام الأساسي [48] ص 82.

بالنظر إلى علاقة المجلس بالمحكمة فإنه لا يعقل أن يقوم المدعي العام برفض الإخطار الصادر من المجلس بشكل متكرر، وفي كل مرة لا يكون المجلس ملتزما بمبدأ الحالة [30] ص 64. وعمل المحكمة مستقبلا سيسمح بتفسير عملي وواقعي أكثر لهذا المبدأ ودور المدعي العام في كل ذلك بالنظر في حالات خاصة أو وضع محال إليه من طرف المجلس ويرجع لهذا الأخير تحديد المعنى الذي يجب إطلاقه على مصطلح وضع أو حالة كل على حدة.

1.2.3.3. دور المدعي العام في تكريس العلاقة

يمكن هنا أن ننظر إلى مضمون النظام الأساسي في معرفة إحالة المجلس للمحكمة بشأن حالة ومدى حفاظه على استقلاليتها وحيادها، حيث أن المدعي العام يمكن له عندما تبلغه الحالة من طرف المجلس أن يحقق و يقرر بشأن الأشخاص الذين سيتابعون، وحول أي جرائم في استقلالية تامة، دون أي ضغط من أي جهة كانت سواء كان المجلس أو غيره لتساوي المجلس مع الدولة الطرف في موضوع الإحالة [30] ص 47.

وإذا قرر المدعي العام ألا يحقق بشأن وضع بذاته أوعدم إجراء أي متابعات طبقا للمادة 53 من النظام الأساسي المتعلقة بافتتاح التحقيق من طرف المدعي العام، فالمجلس لا يمكنه سوى أن يطلب إعادة النظر من طرف الغرفة التمهيدية لذلك القرار الصادر من المدعي العام برفض الإحالة الصادرة منه، وهذا فقط إذا كان الإخطار صادرا من المجلس، لأنه إذا كانت الإحالة المرفوضة من طرف المدعي العام محالة من طرف الدولة، فللمدعي العام أن يبلغ جمعية الدول الأطراف بذلك، ويقوم المجلس بذلك كله من أجل أن تقوم الغرفة التمهيدية بتقديم طلب بدورها إلى المدعي العام من أجل إعادة التقدير ومراجعة قرار الرفض، حيث أنه يجوز للغرفة التمهيدية أو الدولة التي قامت بالإحالة أو مجلس الأمن أن يطلب من المدعي العام إعادة النظر في قرار حفظ الدعوى [21] ص 46.

فمجلس الأمن إذن يعتبر في نفس الرتبة مع أي دولة طرف أخطرت المحكمة فهو لا يعرف أي معاملة خاصة، والمدعي العام ليس ملزما بتقديم تبرير حول مآل الإخطار الصادر من مجلس الأمن فهو غير مرتبط بمسعى مجلس الأمن حول اختصاص المحكمة أو مقبولية القضية، ورغم هذا التحديد لصلاحيات المجلس فإنه يعمد في كثير من الحالات إلى تجاوز حدود اختصاصه بصورة سلبية في عدم التدخل في مواضيع تخصه أو إيجابية بالتدخل في مواضيع لا تخصه [44] ص 68-69 .

ونجد أن النظام الأساسي يؤطرعمل مجلس الأمن حيث أن هذا الأخير لا يمكنه أن يجد في إطار ميثاق الأمم المتحدة مصدرا يستمد منه أساسا قانونيا لذلك ليزيد في صلاحياته في مواجهة المحكمة من منطلق أنه لا المحكمة ولا المدعي العام يمكن اعتبارهما تابعين لتصرف مجلس الأمن إذا كان في إطار الفصل السابع باعتبارهما ليسا أعضاء في الأمم المتحدة، وأن واضعي النظام الأساسي أكدوا على استقلاليتهما [38] ص 130.

من خلال التطرق لنص المادة 53/ 1من النظام الأساسي، نجد بأن إخطار مجلس الأمن لا يمكنه أن يشكل أرضية مباشرة تدفع إلى فتح تحقيق دون الرجوع إلى النصوص الأخرى المتعلقة بالاختصاص ومقبولية القضية وفقا للنظام الأساسي للمحكمة.

بالمقابل، ومن ناحية تطبيقية لا يمكن التصور أن المدعي العام لا يتأتى له أن يفتح تحقيقا عندما يخطر من طرف المجلس، ومهما يكن من أمر فإن هذه المسألة يغلب عليها الطابع النظري حتى وإن كان الأعضاء الخمسة الدائمون قد اتفقوا على إخطار المحكمة، إلا أنه يمكننا أن نتصور ألا يقع تحقيق وذلك أن دور المجلس في عمل المحكمة يمكن أن يثير مخاوف عديدة لأن الأمر يبدو في إمكانية أن يقوم المجلس بإخطارات عشوائية من طرفه [48] ص 79.

مع ذلك يبقى هناك انشغال قائم حول سلطة المدعي العام في تقدير الوقائع المعروضة عليه وطرق تحويل قرار الإحالة من المجلس إلى المحكمة، ما دام أن هذا الأمر غير مشروح في مواد النظام الأساسي، ولا يمكن أن نتصور أن المدعي العام لا يكترث لقرار مجلس الأمن بشأن إخطار المحكمة من أجل الإخطار، حتى وإن كانت هذه الأخيرة لا تقر له ذلك صراحة. والأكيد أن المحكمة يمكن لها بعد ذلك أن تقر العكس بمناسبة فحصها أو تطرقها للاختصاص، لكن هناك ضمانات احتياطية ضد التعسف المحتمل من المدعي العام يمكن أن تكون محل وجود فعلي أثناء مراحل عمل المحكمة مستقبلا [53] ص 16.

ومن هذا المنطلق فإن الاتفاق الذي سيحدث بين المحكمة ومنظمة الأمم المتحدة يمكن أن يضم في طياته بعض التوضيحات حول هذه المسألة وغيرها، كأن يحدد على سبيل المثال كيفية إحالة قرار المجلس على المحكمة وكيفية تعامل المحكمة مع هذا القرار، وبالتالي فوفق النظام الأساسي فإن للمدعي العام واجبات وسلطات فيما يتصل بالتحقيق حيث يمكن له في سبيل توسيع التحقيق والكشف عن الحقيقة اتخاذ كل التدابير الممكنة، كما أن دوره وسلطاته واستقلاليته قد أخذت نقاشا هاما في مفاوضات روما تأرجحت بين مباشرة التحقيق بنفسه وبين طلبه من الغرفة التمهيدية السماح له بإجراء تحقيق وبين أنه لا يجوز له القيام بالتحقيق بنفسه وإنما بناء على طلب الدولة الطرف أو الغرفة التمهيدية.

1.3. اختصاص المجلس في دفع الدول إلى التعاون مع المحكمة

تصدر المحكمة الجنائية الدولية أوامر وأحكاما وقرارات، وتستطيع المحكمة اللجوء إلى مجلس الأمن لتنفيذ مجمل هذه الأحكام، إذ توجد عدة آليات لإلزام الدول بالتعاون مع المحكمة، سواء منها ما تعلق بالدول الأطراف في النظام الأساسي، أو الدول غير الأطراف، على أن هناك العديد من العوائق التي يحملها النظام الأساسي للمحكمة في مسألة تعاون الدول معها، وعليه قد يكون دور المجلس هنا لازما لإزالة هذه العوائق، ودفع المحكمة إلى العمل بصورة فعالة.

1.3.1.وسيلة إلزام الدول بالتعاون مع المحكمة

في الحالة التي تمتنع فيها الدول عن التعاون مع المحكمة فهناك آليات منصوص عليها في المادة87/7من النظام الأساسي، وكذا في نص المادة87/5 منه، لمحاولة رد تلك الدولة عن موقفها، وتتمثل هذه الآليات في اتخاذ قرار بإحالة المسألة إما إلى جمعية الدول الأطراف أو مجلس الأمن حسب الحالة لكن الذي يهمنا هو ما يتعلق بمجلس الأمن كما سيأتي.





1.3.1.1. وسيلة إلزام الدول الأطراف بالتعاون مع المحكمة

تظهر نية الدول في التعاون مع المحكمة تظهر من خلال مدى التزامها بتكييف قوانينها الداخلية، وبالأخص المتعلقة بالإجراءات، لتتماشى مع ما يتطلبه التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية [49].

تقضي المادة 87/7 من النظام الأساسي للمحكمة على أنه (في حالة عدم امتثال دولة طرف لطلب تعاون مقدم من المحكمة بما يتنافى وأحكام هذا النظام الأساسي ويحول دون ممارسة المحكمة لوظائفها وسلطاتها بموجب هذا النظام يجوز للمحكمة أن تتخذ قرارا بهذا المعنى وأن تحيل المسألة إلى جمعية الدول الأطراف أو مجلس الأمن إذا كان قد أحال المسالة للمحكمة) فهذه المادة تمنح المحكمة عندما تحجم دولة عن التعاون معها في قضية هي من اختصاصها حق إصدار قرار وإحالته إلى جمعية الدول أو المجلس حسب الحالة.

فبالنسبة لجمعية الدول الأطراف وبالتعاون مع مجلس الأمن مسئولة عن تنفيذ قرارات المحكمة وأحكامها، وأن تطلب من الدول الأطراف في حال عدم التعاون أن تتعاون مع المحكمة لتفعيل اختصاصها، وتأمين هذا التعاون في القوانين الوطنية ووفقا للإجراءات التي تحددها هذه القوانين [54] ص 78. أما إذا كانت القضية التي لم تتعاون فيها الدولة الطرف مع المحكمة الجنائية الدولية قد أحيلت إلى المحكمة من قبل مجلس الأمن الدولي، فإنه للمحكمة أن تحيل مسألة عدم التعاون إلى مجلس الأمن، وللمجلس بعد ذلك أن يصدر قرارا يذّكر فيه الدولة الطرف بالتزاماتها الناشئة عن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ويشتمل مثل هذا القرار إما على تدابير غير ملزمة وفق الفصل السادس من الميثاق، وإما على تدابير ملزمة وفق الفصل السابع منه [55].

فإذا أصبحت الدولة الطرف غير المتعاونة مع المحكمة متعاونة معها، فإن مواد النظام الأساسي الأخرى ذات الصلة بشأن التعاون الدولي والمساعدة القضائية تصبح مطبقة، كتلك المتعلقة بتسليم المجرمين إلى المحكمة وإلقاء القبض واستلام مثل هؤلاء الأشخاص [54] ص 81. وعلى أية حال فان المحكمة سوف تتعاون مع الدولة الطرف وفقا لنصوص النظام الأساسي للمحكمة،إذ لن تكون المحكمة ملزمة بما أصدره المجلس من تدابير لإجبار الدولة الطرف على التعاون مع المحكمة إذا كانت هذه التدابير لا تتفق و نظامها الأساسي، كما أن المجلس يستطيع أن يجبر الدولة الطرف على التعاون مع المحكمة سواء أكان هو من أحال القضية أم لم يكن هو.

1.3.1.2. وسيلة إلزام الدول غير الأطراف بالتعاون مع المحكمة

تضمنت المادة 87/5 من النظام الأساسي للمحكمة آلية لإلزام الدول غير الأطراف بالتعاون مع المحكمة بقولها (للمحكمة أن تدعو أي دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي إلى تقديم المساعدة المنصوص عليها في هذا الباب على أساس ترتيب خاص أو اتفاق مع هذه الدولة أو على أي أساس مناسب آخر.

في حال ما إذا دولة غير طرف عقدت ترتيبا خاصا أو اتفاقا مع المحكمة وامتنعت عن التعاون بخصوص الطلبات المقدمة بمقتضى ترتيب أو أتفاق من هذا القبيل، يجوز للمحكمة أن تخطر جمعية الدول الأطراف أو مجلس الأمن إذا كان هو الذي أحال المسألة للمحكمة).

و قبل التعرض للآلية التي إشتمل عليها النص، فإن ما تعلق بمجلس الأمن يذكرنا بنص المادة 94 من الميثاق التي تنص (يتعهد كل عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفا فيها) [54] ص 81.
وإذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا إذا رأى المجلس ضرورة لذلك أن يقدم توصياته، أو يصدر قرارا بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم.

فالمادة 94 هذه تشير إلى أن الالتزام بالتعاون ليس مقصورا على أعضاء الأمم المتحدة بل يتسع ليشمل الدول غير الأعضاء(أحد المتقاضين) حيث أنه بإمكان الدول غير الأعضاء اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، وفقا لضوابط وضعها المجلس والجمعية العامة، فبالإمكان إلزام الدول غير الأطراف بالتعاون مع محكمة العدل الدولية، وبالمقارنة مع المحكمة الجنائية الدولية فمن الممكن إلزام الدول غير الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بالتعاون مع المحكمة وفق نص الماد87/5السالفة الذكر.

إلا أن الملاحظ هو أن نص المادة 94 من الميثاق أشارت إلى كلمة (حكم تصدره المحكمة)، فالنص يقتصر على الحكم دون أن يشمل أمورا أخرى، وبالرجوع إلى أراء الفقهاء نجدها تؤكد على أن النص لا يقتصر على أحكام محكمة العدل الدولية، بل يتعداها إلى أحكام المحاكم الدولية الأخرى ومنها المحكمة الجنائية الدولية وفق نص المادة87 / 5من النظام الأساسي والاختلاف بين المادة94 من الميثاق والمادة87/5 من النظام الأساسي من حيث أن نص المادة 87/5 من النظام الأساسي يشترط ترتيبا خاصا أوإتفاقا بين الدولة غير الطرف والمحكمة الجنائية الدولية [54] ص 81.
والنتيجة المتوصل إليها من هذه المقارنة أنه من الممكن أن تتجسد في ثلاث فروض هي:
- الفرض الأول هو أن الدولة غير الطرف أبرمت الاتفاق مع المحكمة وهي عضو في الأمم المتحدة.
- الفرض الثاني أن تلك الدولة لم تبرم الاتفاق وهي عضوا في الأمم المتحدة.
- الفرض الثالث أن تلك الدولة لم تبرم الاتفاق مع المحكمة وهي ليست عضو في الأمم المتحدة.
فبالنسبة للفرض الأول فان نص المادة87/5 قد اشتمل على الشروط الواجب توافرها لانعقاد اختصاص المجلس لإلزام الدول غير الأطراف بالتعاون مع المحكمة وهي:
- أن تكون الدولة غير الطرف هي التي لم تتعاون مع المحكمة.
- أن يكون المجلس هو من أحال القضية للمحكمة.
- أن تكون الدولة أبرمت اتفاق تعاون مع المحكمة [54] ص 82.

فإذا تخلف الشرط الأول فانه في مثل هذه الحالة تطبق الآلية السالفة الذكر كما هي، أما إذا تخلف الشرط الثاني فإن المحكمة لا يمكن لها اللجوء إلى مجلس الأمن لإجبار تلك الدولة على التعاون، وإن كانت هذه الحالة تدخل ضمن نطاق المادة 94 من الميثاق، ومن الممكن للمحكمة اللجوء إلى المجلس لإرغام هذه الدولة على التعاون، خاصة إذا كان عدم التعاون من الممكن أن يهدد السلم والأمن الدوليين وهذا يدخل في إطار الفرض الثاني، وبالنسبة للفرض الثالث فإن مجلس الأمن ينعقد له الاختصاص سواء أعلنت الدولة التعاون مع المحكمة أم لا، ومن ثم فإن ذلك لن يؤثر في الاختيارات المحتملة أمام المجلس والتي يمنحها له الميثاق والنظام الأساسي للمحكمة، وعندما يتم إلزام هذه الدول بالتعاون مع المحكمة فإن النصوص الأخرى ذات الصلة المتعلقة بالتعاون والمساعدة القضائية يتم تطبيقها.

1.3.2. دعم المجلس للمحكمة في مسألة تعاون الدول معها

لا يمكن تفعيل مبدأ التكامل بين اختصاص المحكمة والقضاء الوطني إلا بتعاون الدول الأعضاء في المجتمع الدولي سواء أكانت أعضاء في الأمم المتحدة أم غير أعضاء، على أن التساؤل يبقى في الدور الذي يجب أن يلعبه المجلس في دفع الدول إلى التعاون مع المحكمة، وعليه سنعالج في هذا المطلب النقائص الموجودة في النظام الأساسي للمحكمة في مسألة التعاون، ودور المجلس في كل ذلك.