منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التّعريف بفنّ القصّة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-11-30, 15:11   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
صَمْـتْــــ~
فريق إدارة المنتدى ✩ مسؤولة الإعلام والتنظيم
 
الصورة الرمزية صَمْـتْــــ~
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز المشرف المميز 2014 وسام التقدير لسنة 2013 وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام أفضل مشرف وسام القلم الذهبي لقسم القصة 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زيتوني محرز مشاهدة المشاركة
صــــوت مــن الذاكــــــــــرة

يبدأ العداد ،، دقات قلبي مضطربة ، أحس بالخوف ، تملأني المأساة ، رباط العنق يشدني إلى ذاتي شدا ، يد باردة تربت على كتفي ، التفت ، لا أعثر على أحد ، يزداد فزعي، تختلط الأصوات الآدمية و أصوات الأجراس في ذاكرتي ، تتراقص الأشباح أمام ناظري، أبصر وجوه كل الذين أعرفهم وقد كساها السواد ، تتقشر بشرتهم من فرط الألم الذي يمزق أضلعهم ،، أصرخ ، أمد يدي إلى صوت استغاثتهم، أقبض على الريح ، أبحلق في المجهول ، أجري ، أقف ،، أدور ،، أسقط ،،أنهض ،، أركض،، و تضيع كل الحركات الإرادية فأصبح كديك ينوس من شدة الألم ،، تسقط القاذورات على رأسي ، أرفع بصري إلى أعلى ، رداد الأوساخ قادم من شرفة العمارة : ألعن الزمن الدوار ، أتذكر كل هذه المساحة التي انتصبت فيها العمارات الشاهقة كانت في وقت ما أرضا زراعية تدر على مالكيها أرباحا جمّة : يوم جاء- الكولون - بكلابهم المدربة على نهش لحوم إخوانهم – الكلاب – كما كانوا يسموننا ، يوما وقف جدي ،، آه نعم جدي ، أتذكر الآن ملامح وجهه جيدا ، ضيق العينين ، دقيق الأنف ، تنزل على جبهته شعرات بيض ترقص على أنغام الريح ، كـان وجهه صلبا أو قل قاسيا و قد استمد ذلك من قسوة الأيام و غطرستها ،، نعم ، وقف جدي و معه كل أبناء القرية النائمة في حضن الجبل ، رأيته يتمرغ في التربة و يقسم أن لا يتركها لهؤلاء الغرباء ، كان موقفا مؤثرا أبكانا جميعا ، و لحق به نفر من صناديد القرية ،، آه ،، يكاد رأسي ينفجر كلما تذكرت ذلك الحادث ، أحس بالدم العاتم يغزو قلبي و يحتل مساحة وجهي معلنا غضبي و حنقي ،، كانت الكلاب تنهش لحم – محبي الأرض – ثم حملوهم إلى الثكنات في سيارات – الجيب – و لم يمض أسبوعا حتى علمنا أن أجسادهم تعانق ميــاه أحد الآبار القريبة من القرية ، أما أرواحهم فبقيت تحوم حول الأرض في انتظار من يأخذ بثأرها كفراشات تطحلبت على بتلات زهرة ربيعية تمتص رحيقها و تعلن وجودها و حياتها ،،
أمسح عن عيني القذى ،، أنظر إلى هذه العمارات و قد زينت بألوان زاهية من الأقمشة فأصبحت كصورة فقدت إطارها فاختلطت ألوانها و تناشزت ،، أبصر مئات الرؤوس المدلاة من الشرفات ، كلها تطلبا شيئا ، تبرز الآباط وتنطلق الروائح الكريهة و تنزل الأوساخ كوابل من السماء فتشكل البرك و المستنقعات في الأسفل ، تحتل أسراب - الناموس – و بعوض الأنوفيل - هذه المساحات ، أحوقل ، استغفر الله من الزمن الغدار الدوار ، أجري ، رنين السيارات يجبرني على اقتفاء الرصيف ، أحشر نفسي مع الجموع الحاشدة المتزاحمة ، أحس بوخز الأقدام المتدلاة على أعمدة – الرصيف - ، يعترضني فوج من بناء حواء ، حركاتهن سريعة مضطربة كجيش منهزم وراءه جيش – الحجاج – بنظراته السوداء و سراويله المضغوطة و شعره المتجعد المتدلي على الأكتاف العريضة التي ملّت التسكع و الراحة ، أحوقل ، أهمس مع نفسي ،،- وذلك اضعف الإيمان - ،أتذكر مسرحية كانت قد عرضت في إحدى الحفلات المدرسية و هزني الحوار الذي دار بين تلميذين ، أتذكر ذلك جيدا و موجة التصفيق التي رافقته :
-لو أصبحت غنيا ، ماذا تشتري ؟!
-آه ،، وقتها سأشتري بقرة سمينة!
-آه ، إنه يقول بقرة ، ياله من غبي ! ! ، أما أنا فإذا أصبحت غنيا سأشتري سيارة.
-آه ،، آه .
-لماذا تضحك ؟!
-آه ، آه سيكون منظرك مضحكا غريبا و أنت تحلب السيارة .
ابتسم رغما عني ’ سألت نفسي : كم من شاب سيحلب سيارته عام 2010 ؟! أركض من جديد رغم ثقل الزمن الذي ضغط على رجلي فأجبرني على –التعرج-، أتحسس العرق البارد المتصبب من جسدي ، أرتطم بالأرض يتجدد النزيف .. يعاودني الغثيان ، أرتطم على الأرض .
صوت يأتيني من بعيد ، رغما عني يدخل الأذن عنوة ، عدد من الأطفال يحيط بي ، ربما أعتبر في نظرهم مجنونا أو معتوها ، يسألني أحدهم :- ما هو أجمل شكل هندسي ؟! – تذكرت أنه سمعه من بطل إحدى المسلسلات التي عرضت سابقا ، ولا شعوريا نطقت : / الدائرة : لأن نقطة البداية هي نقطة النهاية /يقهقه الجميع ، أحس بالانقباض ، اختنق ، مازال الصوت يتردد على مسمعي رغم إعراضي عنه :/هذا قليل في الثمانين ،،ياويح اللي عاش لعام ألفين ، نأكل لحم بني آدمين و إلا الحجر و البلاتين .. / .
تهزني هذه الكلمات ، أحاول القيام ، تشدني المأساة إلى الأرض ، يساعدني أحد الشباب على القيام ، أشد على يده في قوة و إصرار ، أصرخ بكل قواي :/أنتم الأمل ،، أنتم الأمل ../ ثم أسقط أرضا ، أتلمس الدم المتفجر من أعماقي أحس بلُزُوجة طاغية ، أصرخ ثم .... أهب من فراشي فزعا ،، استغفر الله ، ثم ارفع يدي في دعاء لا ينتهــي.
لأبدأ من حيثُ أنهيت،
أستغفِرُ الله لأقول..
أين جيلُ اليوم ليشهدَ تصميمَ لوحتِك؟
لِيتذوّقَ حقيقةً بِطعمِ الصّراحة..
لِيُداعِبَ خلفَ المعنى الواحِدِ معانٍ خطّتها لهفتُك..
لهفةٌ لانتِفاضةِ عقولٍ..
بِخمولِها تُوقِّعُ ضياعَ حقوقٍ تُلوّنها دِماءُ أبرِياء
وعلى هذه الصّفحةِ البيضاء،
جدُّك مِثالٌ للشّهامةِ وعزّةِ النّفس..
يكتالُ حقوقه بِمكيالِ الشّرف،
ويدوسُ الذلّ بِأقدامِ الرّجولة،
وعشقه للونِ التّربة عِشقٌ طفوليٌّ بمعنى الأصالة
ومهما كانت نِهايتُهُم مُحزِنة..
إلاّ أنّها بطوليّةٌ راسِخةٌ ملامِحُها..
لن تقوى تقلّباتُ الزّمن على إتلافِ رائِحةِ شخصِهم الزكيّةِ..
ولو اجتمعت روائِحُ الدّنيا..
،،،
شدّتني دقّةُ وصفِك،
و مهارةُ نسجِك..
وحملني لفظُ " البقرة ".." السيّارة "..
" الأرض ".." العمارة "
لِمكانٍ بين الأمسِ واليوم..
فهل تُرانا نجِدُ لنا مُستقبلاً يأوي شرودَنا..
ونحنُ من تجاهلنا ماضينا فأبكيناه
و أضعنا حاضِرَنا فبالعارِ صقلناه..
لأعودَ باستغفاري لإلهٍ نرجوه بخيرٍ نويناه،
و ندعوه أن ننالَ رِضاه
ــــــــــــ
أخي محرز،
في كلِّ مرّة تأتينا بجديدٍ يُنعِشُ الذّاكرة
و يُثلِجُ صدورنا بأفكارِك النيّرة

احترامي لِشخصِك









آخر تعديل صَمْـتْــــ~ 2009-11-30 في 15:16.
رد مع اقتباس