منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - القبائل الأمازيغية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-04-18, 21:14   رقم المشاركة : 68
معلومات العضو
احمد الطيباوي
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الأمازيغ والتوجّه الطائفيّ الجديد الاستاذ : محمد المختار العرباوي من كتابه : في مواجهة النزعة البربريّة وأخطارها الانقساميّة

الأمازيغ
من الأسماء ذات الشأن في تاريخ البربر العريق، اسم "أمازيغ"([1]) مؤنثه "تامازيغت" وجمعه "إمازيغن" وهو من الأسماء التي كثر الحديث عنها في السنوات الأخيرة في الساحة المغربية والجزائرية خاصة. وقد اتخذ منه أصحاب النزعة البربرية شعاراً سياسياً لهم، عبّؤوا لـه كل ما لديهم من الإمكانيات لترويجه على نطاق واسع داعمينه بعمل ثقافي وأيديولوجي منظّم، مشركين معهم في هذا السياق عناصر من خارج القطرين أوروبية ومغربية سواء بالانخراط في الأكاديمية البربرية بباريس ذات التوجّهات المشبوهة والعدائية لانتماء المنطقة العربي أو بالقيام بأعمال أخرى تخدم الأغراض الانقسامية لأصحاب النزعة البربرية.
وقد كشفت النقاشات الواسعة التي جرت عبر الصحف الجزائرية في السنوات الأخيرة عن مرامي هذه النزعة المتسربلة هذه المرة بشعار "الأمازيغ" و"الأمازيغية" ونظرا للمحتوى التلفيقي الذي أُعطي لهذا الشعار بقصد حجب التوجهات الطائفية للمجموعة المتفرنسة من القبائل، فإنه من المهمّ جداً أن نعرف حقيقة هذا الاسم لما لـه من الأهمية في معرفة أصول الجماعات البربرية الأمر الذي من شأنه أن يفضي إلى عكس ما تطمح إليه النزعة البربرية. وأسوق في الفقرات التالية ما أمكن جمعه من معلومات حول اسم "أمازيغ".
المصادر الكلاسيكية:
تؤكد هذه المصادر من يونانية ولاتينية أنّ اسم أمازيغ قديم جدّاً، كان معروفا في العهد الفينيقي، وورد بصيغ متعددة منها "مازيس" والتحريف الطارئ عليها ناجم من ناحية عن صعوبة النطق بكلمة "أمازيغ" في حد ذاتها، وناجم من ناحية ثانية عمّا يوجد بين اللّغات ـ في حالات النقل ـ من اختلاف في أصول الأصوات، وهو أمر يصعب تفاديه لدى تلك الجماعات الأوروبية من إغريق ولاتين وغيرها حتى أننا نجد الكاتب الروماني القديم "فيلينوس" يقول في هذا الموضوع: يتعذّر على حناجر البربر أن تستطيع النطق بأسماء قبائلهم ومدنهم (1).
ونجد في الأخبار المتفرقة أن "مازيس" كان يطلق على شعب قوي أقلق الرومان كثيراً بثوراته (2) وتذكر المصادر البيزنطية أنه كان أيضاً يطلق على أهل أفريقية (3) ومن المعاصرين الذين تعرّضوا لهذا الاسم المؤرّخ شارل أندري جوليان الذي قال: وقد أطلق الاسم على قبائل عديدة قبيل الاحتلال الروماني (4)، وعالم البربريات "رسل" الذي قال: والجدير بالملاحظة أننا نعرف من المكتشفات الحديثة أن اللوبيين كانوا يطلقون على أنفسهم اسم "أمازيغ" المعروف عند اللاتينيين بـ Mazax (5) فاسم "أمازيغ" اسم حقيقي كان شائعاً في العهدين "الفينيقي والروماني.
المصادر العربية الإسلامية:
من اللافت للنظر أن هذا الاسم لا نجده شائعاً إلا عند نسابة البربر، أمّا المؤرّخون والنسّابة من العرب من مثل محمد بن السائب الكلبي وابنه هشام بن محمد الكلبي والطبري وابن عبد البر وابن حزم والمسعودي وغيرهم فإنّهم لم يذكروا هذا الاسم في ما كتبوه عن البربر وأصلهم. وعندما رجعت إلى شجرة الأنساب التوراتية لم أجد لـه ذكراً فيها، وبهذا نعرف أن نسّابة البربر وحدهم قد اختصوا بذكر هذا الاسم. وعنهم أخذ ابن خلدون، وهم بصفة عامة يصنفون البربر إلى جذعين كبيرين هما: البرانس (أبناء برنس) والبتر (أبناء مذغيس) ولنسّابة البربر في هذه النقطة رأيان:
الأوّل: للنسّابة الكبير أيوب بن أبي يزيد مخلد بن كيداد الخارجي الإباضي الملقّب بصاحب الحمار الذي يجعل البربر بجذعيهما: البرانس والبتر من أصل واحد ينحدر من نسل مازيغ بن كنعان بن حام بن نوح (6) وسايره في هذا ابن خلدون المعجب بشخصه وبغزارة علمه.
الثاني: لعموم نسّابة البربر من مثل هاني بن بكور الضريّسي وسابق بن سليم المطماطي وكهلان بن أبي لوا وهاني بن مسرور والكومي سالم بن سليم المطماطي وغيرهم. هؤلاء جميعاً يجعلون "البرنس" من نسل مازيغ بن حام بن نوح مثل صاحب الحمار ويجعلون البتر من نسل قيس عيلان المضري العدناني (7) ويذكر ابن خلدون رأياً آخر لصاحب الحمار (8) يتفق فيه مع نسابة البربر أن "البتر" من نسل قيس عيلان.
وبهذا يجمع نسّابة البربر من مختلف الطبقات والأجيال بشأن انتماء بربر "البتر" إلى الفرع العربي المضري العدناني، وبقطع النظر عن الشكّ في صحّة هذه الأقوال وفي سلاسل الأنساب القديمة عامة، فالمهم هنا ورود اسم "مازيغ" في أخبار النسّابين من البربر إذ هم المصدر الذي ظلّ زمناً طويلاً محتفظاً في ذاكرته بهذا الاسم القديم، فهو عندهم ـ كما مرّ بنا ـ الجد الأعلى لبربر "البرنس" ومن هنا جاءت فكرة تعميم هذا الاسم عند حسان الوزّان المعروف بليون الإفريقي (توفي في حدود 957 هـ ـ 1550م) الذي يقول: "إن هذه الشعوب الخمسة المنقسمة إلى مئات السلالات وآلاف المساكن تستعمل لغة واحدة تطلق عليها اسم أوال أمازيغ أي الكلام النبيل بينما يسميها العرب البربرية" (9) والشعوب الخمسة التي يذكرها هي: صنهاجة ومصمودة وزنانة وهوّارة وغمارة. هذه الشعوب وإن كانت مما ينسب إلى فرعي البرانس والبتر إلاّ أنّها ليست كل البربر، فهناك فروع أخرى كثيرة منها من لم يسمع بذكر حسان الوزّان نفسه، فالتعميم الذي أطلقه استند فيه إلى ما جاء في الأنساب وهو يشبه تعميم اسم "حِمْيَر" على عموم سكان اليمن في القديم مع أنّ الحميريين ليسوا إلاّ مجموعة من القبائل توصّلت إلى الحكم قبل الميلاد بقليل. وممّا تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو أنّي لمّا رجعت إلى شجرة الأنساب التوراتية لم أجد من بين أبناء كنعان الأحد عشر(10) من تسمّى باسم "مازيغ".
هل لهذا الاسم أصل غير الأصل البربري؟
مرّ بنا أن المصادر العربية على كثرتها وتنوّع مشاربها لم يرد فيها ذكر لهذا الاسم، وهو أمر مثير للحيرة خاصة أن اسم "مازيغ" من الأسماء التاريخية الثابتة والمعتبرة كما جاء ذلك في مدوّنات الإغريق واللاتين. وبدافع المزيد من التحرّي وجدتني مضطراً إلى التوسّع في دائرة البحث لتشمل تلك المصادر التي يهملها عادة الباحثون لطابعها الخرافي ولما فيها من أوهام وأباطيل مخالفة تماماً للحقائق التاريخية المعروفة والتي نجد فيها عادة مادّة غزيرة تتعلّق بأخبار الأولين وبأقاصيصهم وأساطيرهم، وهذه المصادر وإن كانت موغلة في الانتحال والقصص الخرافي فإنها من حيث تأليف المادة الإخبارية وتركيبها لا تخلو مطلقاً من بعض الحقائق، وهكذا أخذت أطالع بعضها إلى أن وصلت إلى كتاب "التيجان في ملوك حمير".
وكم كانت دهشتي عظيمة عندما عثرت فيه على اسم "أمازيغ" وكان من أبرز الأسماء التي ترددت كثيراً مع سرد أحداث ذات أهمية في تاريخ ملوك حمير (كما جاء في هذا الكتاب) سقطت منه نقطة الزاي ونقطة الغين لنقص في الانتباه أثناء التحقيق والطباعة. والصورة التي وردت عليها مطابقة تماماً لما قاله نسّابة البربر من حيث النسب فهو "مازيغ بن كنعان بن حام بن نوح" (11) وأكثر المرات التي تردّد فيها يذكر على أنه "مازيغ بن كنعان" (12)، كما ذكر مرة هكذا مازيغ بن كنعان بن مازيغ بن جالوت بن هربال" (13).
وفي بداية الحديث عن نسب حام ذكرت سلسلة النسب على هذا النحو "مازيغ بن كنعان بن حام" (14) وهذا الاضطراب معروف في الروايات وسلاسل الأنساب بصفة عامة، والصيغة الغالبة التي ورد عليها هذا الاسم هي "بنو مازيغ" ممّا يدلّ على أن صاحبه كان رأس قبيلة أو عدة قبائل الأمر الذي تؤكّده المعلومات السابقة وتتطابق معه.
وتقول الروايات أيضاً: إن "بني مازيغ" كانوا يقطنون الشام وأنّ أحداثاً حملتهم على التوجّه إلى بلاد المغرب والاستيطان فيها. ومثل هذه الروايات نجدها مذكورة في المصادر التاريخية الأخرى.
وهكذا يضيف لنا "كتاب التيجان في ملوك حمير" معلومة جديدة في غاية من الأهمية تؤكّد أن اسم "مازيغ" من الأسماء العريقة في التراث الشعبي الشرقي. وإذا كان من المعقول أن نتشكّك في صحّة الأحداث المقترنة به فإنّه لا مجال للشكّ في صحّة هذا الاسم شأنه شأن العديد من الأسماء الواردة في هذا الكتاب، والجديد أيضاً هو أنه اسم عربي صميم.
وبهذا نصل إلى أن لاسم "مازيغ" مصدراً غير المصدر البربري هو المصدر العربي الأكثر عراقة من غيره بحكم طابعه الشعبي. وبما يشير إليه من تحرّك بشري واسع عرفت الجزيرة العربية مثله في أكثر من فترة في تاريخها الطويل.
الأصالة العربية لهذا الاسم:
إذا كان اسم "مازيغ" شرقي المنبت فهل لنا أن نحصل على معلومات أخرى من شأنها أن تثبّت بما لا يدع مجالاً للشك أصالته العربية. وبما أنّ هذا الاسم يعني لدى من تطلقه من الجماعات البربرية على نفسها: الرجل الحرّ النبيل، الشريف فهل نجد في المصادر العربية ما يتفق وهذا المعنى؟ وهنا لابد من التوجه رأساً إلى المصادر اللغوية المتضمنة لوفرة من الكلمات ذات التاريخ الممتدّ إلى آلاف السنين، وعند الرجوع إليها وجدت كلمة "مزر" وبالمقارنة مع كلمة "مزغ" المادة الأصلية لـ "مازيغ" أو "أمازيغ" (الهمزة والألف زائدتان) تبيّن أنّهما متطابقان من حيث المبنى (اللفظ) والمعنى معا.
فمن حيث المبنى نلاحظ أن الراء في الأولى والغين في الثانية لا يعدو أن يكون الأمر فيهما مجرّد تحوّل طرأ على الصوتين أدى إلى إبدال أحدهما بالآخر. وهو شيء مألوف في العربية ولغاتها القديمة. وتحتفظ كتب اللغة بالأمثلة العديدة على هذا، فعلى سبيل المثال يمكن أن ننطق الكلمة التالية بالراء فنقول: ران، يرين، رينا. ويمكن أيضاً أن ننطقها بالغين فنقول: غان، يغين، غينا (15) والكلمة في الحالتين بمعنى واحد هو "غَثَى" والمقصود به الاضطراب الذي يحدث في النفس حتى تكاد تتقيّأ.
وما بين "ران" و"غان" من تبادل في الراء والغين هو نفسه ما بين "مزر" و"مزغ" بدليل اتّحادهما في اللفظ (المادة الأصلية) كذلك المعنى فـ "مازيغ" تعني كما تقدم ـ الرجل الحرّ، النبيل، الشريف وهذا ما تعنيه أيضاً كلمة "مزر" وما اشتق منها:
جاء في "أساس البلاغة" للزمخشري: (15)
رجل مزير: مشبَع العقل نافذ في الأمور قوّي
ومنه قول الشاعر
ترى الرجل النحيف فتزدريه


وفي أثوابه رجل مزير

وجاء أيضاً:
وهو من أمازر الناس: من أفضلهم
ومنه قول الشاعر:
فلا تذهبنَّ عيناك في كلّ شَرْمَحٍ


طُوالٍ فإن الأقصرين أمازره

ويضيف صاحب اللسان: (16)
المزير: الظريف "وهو الكيّس اللبق الذي يحسن التصرف.
ويقال: هو كريم المِزْر: أي كريم الأصل (المنجد)
وإلى هنا نتبين اتفاق الكلمتين: مزر، مازيغ، في المعنى اتفاقاً تامّا فالمشبع العقل النافذ في الأمور الفاضل الظريف الكريم الأصل هو الحرّ والنبيل والشريف وهو ما يدلّ دلالة قاطعة على أن الكلمتين من أصل واحد ومن أرومة لغوية واحدة.
وهكذا نصل إلى حقيقة دامغة لم تكن لتخطر على بال ذوي النزعة البربرية وهي إن كلمة "أمازيغ" عربية مبنى ومعنى فضلاً على أنّها دليل آخر يضاف إلى تأكيد الأصل الشرقي العربي القديم للبربر.
بقاء هذا الاسم:
انطلاقاً ممّا تقدّم يمكن أن نتساءل عن مصير هذا الاسم، هل استمر ذكره يتردد طيلة العصور الماضية؟ وهل هناك من الجماعات البربرية الحالية من تطلقه على نفسها؟
من الثابت أن هذا الاسم ظلّ ذكره يتردّد مدّة طويلة، بدليل وروده في المصادر البيزنطية، أما في العهد الإسلامي فلا نملك دليلاً على استمرار ذكره. وهذا أمر طبيعي بالنسبة لحياة القبائل المحكوم عليها في النهاية بالتلاشي والاختفاء كما هي حال القبائل الكثيرة التي تحدث عنها ابن خلدون فقد تلاشت جميعا ولم يبق منها إلا بعض الأسماء التي لا شأن لها.
ولذا فمن الطبيعي أن تختفي قبائل الأمازيغ حتى قبل العهد البيزنطي وهذه هي سنة الأشياء ولكن هذا لا يعني اختفاء اسم "أمازيغ" في حدّ ذاته. فقد استمرّ ذكره لسبب من الأسباب، فقد ذكر الإدريسي المعروف بالشريف من علماء القرن الثاني عشر الميلادي، مرسى على المحيط الأطلسي ترد عليه مراكب الأندلس يسمّى "مرسى مازيغن" (17).
وفي ما يخصّ عصرنا فالأستاذ محمد سعيد الزاهري يذكر أنّ هناك "قبيلة صغيرة لا تزال إلى الآن تسمّي لغتها (تامازيغت)" (18). ونجد لدى "روم لاندو Rom landou" ما يؤيّد هذا الكلام. وقد تكون هذه القبيلة هي التي عناها في قوله: "الإيمازريون في الأطلس الأوسط يتكلّمون التمازيرت" (19). ومن الواضح أن تحريفا طرأ على الترجمة، والأولى أن يقال "والأمازيغيون والتامازيغت".
وإذا اتّجهنا جنوبا وتوغّلنا في الصحراء فإنّنا نجد قبائل الطوارق ما تزال على بداوتها، تعيش في محيط صحراوي صارم عزلها عزلاً يكاد يكون تاما عن التيارات الحضارية ومتغيراتها، وهذا من شأنه أن يجعلها أكثر أصالة من غيرها في الاحتفاظ بأشيائها القديمة. ولهذا سنفاجأ بأنّ اسم "مازيغ" ما يزال باقياً بينها معبّرة به عن انتمائها وعراقة ماضيها، وهو يستعمل في صيغ متعددة ذات اختلافات ضئيلة. فالأستاذ محمد عبد الرحمان عبد اللطيف، وهو من طوارق النيجر يذكر أن:
ـ طوارق "غدامس و"مرزق" وغات" و"تمنغست" يسمّون أنفسهم (ايموهاغ) وأصلها في نظره (ايموازاغ) جمع أمازيغ.
ـ وطوارق "كيدال" و"أوزاغ" الغربي منحى نهر النيجر يسمّون أنفسهم (ايموشاغ) وأصلها (ايموزاغ)
ـ وطوارق "آبير (أقدز)" و"أوزاغ" الأوسط و"أضر" و"أوزاغ" الشرقي يسمّون أنفسهم (أيماجغن) أو (ايموجاغ) (20)
وأنبّه هنا على أنّ كلمة "إيماجغن" هي من قبيل الجموع ذات الصلة بجمع المذكر السالم كما تدلّ على ذلك النون، فهي مثل "إمازيغن" جمع "أمازيغ" أمّا كلمة "إيموجاغ" فهي جمع تكسير. فالبربرية في نظري وكما ذكرت في مناسبة أخرى، ما تزال تحتفظ بأولويات المرحلة الأولى لتطوّر جمع المذكر السالم.
والاختلاف بين هذه الكلمات الثلاث، هو أنّ المجموعة الأولى تنطق حرف الزاي "هاء" والثانية تنطقه "شينا" والثالثة تنطقه "جيما". فقد استعملت الحروف الثلاثة (هـ، ش، ج) عوض حرف (ز) الأصلي.
وهذا أمر طبيعي في اللغة وقانون من قوانينها يندرج في نطاق تبادل الحروف المعروفة في العربية ولغاتها القديمة.
وبإرجاع حرف "ز" إلى تلك الكلمات فإنها تصير:
إيموهاج
Ù
ايموزاغ
ايموشاغ
Ù
ايموزاغ
ايماجغن، ايموجاغ
Ù
ايمازغن، ايموزاغ
ومن هذا يتّضح أن أصل هذه الكلمات هو "أمازيغ" وإنّ استعمال الحروف الأخرى بدل الزاي لم يحجب هذه الحقيقة الجليّة.
وفي هذا الإطار يذكر الأستاذ محمد أحمد الشفيع وهو أيضاً من طوارق النيجر أنّ:
ـ طوارق ليبيا والجزائر يسمّون أنفسهم: كلتماهق
ـ وطوارق مالي يسمّون أنفسهم: كلتماشق
ـ وطوارق النيجر يسمّون أنفسهم: كلتماجق (21)
ومعنى "كل" في هذه التسميات: أهل، أصحاب، أما بقية الكلمة فهو يعني: اللغة المتحدّث بها، ولذا فالطوارق هم: أهل وأصحاب (تماهق) أو (تماشق) أو (تماجق).
وما ذكره الأستاذ محمد شفيع لا يختلف عمّا ذكره الأستاذ محمد عبد الرحمن من حيث استعمال حروف (هـ، ش، ج) بدل حرف (ز) والاختلاف الوحيد بينهما هو استعمال حرف (ق) بدل حرف (غ). وهذه خصوصية لغوية معروفة في البربرية، إذ نجدها في بعض الحالات تبدل "القاف" غينا، كما في "إروغ" بمعنى (يصفّر) والدليل على أنّ أصلها (ق) هو أنها تماثل (وَرَاقُ) الأكّدية التي هي بمعنى (يصفّر) وبالطبع فإن الإبدال كما كون من القاف إلى الغين يكون أيضاً من الغين إلى القاف مثلما هو الحال في التسميات المذكورة وعند إرجاع الغين إليها تصبح:
كلتماهغ
كلتماشغ
كلتماجغ
وبإعادة "الزاي" فإنّها جميعاً تصير: كلتمازغ
وإذا حذفنا "كل" و"التاء" وهي للتأنيث فإنّها تصبح "مازغ" وهذا هو الاسم "مازيغ: أو "أمازيغ" بكل وضوح دخلت عليه تلك التغييرات في صياغته لاختلاف اللهجات وتباين النطق وما يقتضيه طول الزمن من تبدّل في الأصوات.
وفي هذا السياق يذكر بعض الكاتبين هذه التمسية: تماشاك(22) وهي بالطبع، صيغة لا تختلف عن مثيلاتها من الصيغ السابقة إذ هي بعينها (تماهاغ) أو (تماهاق) السابقتي الذكر.
والخلاصة هي أنّ التسميات التي يطلقها الطوارق على أنفسهم تؤكّد أنّ اسم "مازيغ" منحدر إليهم من أصول قديمة. وأنّهم ظلوا محتفظين به عبر سلالاتهم. وأجيالهم فهم المجموعة البربرية التي ما تزال تحمل هذا الاسم عن جدارة. أمّا اسم "الطوارق" فهم لا يسمّون به أنفسهم ولا ينتسبون إليه في أصولهم، فهو اسم أطلق عليهم من خارجهم، لا يعرفه ـ كما يقول الأستاذ محمد عبد الرحمن ـ "إلاّ المثقفون والمتعلّمون. فنادراً ما يعرفه الشخص الأمي من الطوارق الذي لم يتصل بالثقافات العصرية والعالم الخارجي (23)
وإذا كان هذا الأمر أمرا مهمّا في معرفة أصول هذه المجموعة وغيرها من المجموعات البربرية الأخرى، فإنّ الأمر المهمّ الآخر هو أنّ اعتقاد الطوارق في الانتساب إلى حمير ما يزال شائعاً بين قبائلهم إلى اليوم. وليس ذا الاعتقاد بمستغرب إذ هو متأتٍ إليهم من دون شكّ من أصولهم القريبة، فهم ـ كما هو معروف ـ منحدرون من قبائل مثل "صنهاجة"، "لمطة" و"هوّارة" وهذه كلّها تقول عن نفسها إنها يمنية. وكان الأمير الصنهاجي أبو الفتح المنصور يفتخر بأنّ أجداده من حمير (24).
واحتفاظ الطوارق باسم "أمازيغ" واعتقادهم بأنهم من أصول يمنية، يجعلنا نربط بينهم وبين قبائل "بني مازيغ" العربية القديمة فقد تحدثت الروايات العربية كما مرّ بنا عن انتقالها هي وكذلك صنهاج وقبائل أخرى إلى بلاد المغرب تحت الزعامة اليمنية. وليس من العلم في شيء أن نجنح في مثل هذه الحالة إلى رفض الاتّجاه العام لأحداث الرواية العربية، لانسجامه مع الحقيقة الثابتة. وهي أن البربر هجرات ومن أصول شرقية من دون منازع.
وهكذا فإنّ كلمة "مازيغ" لم يتمكّن الزمن من إلغائها وطيّ صفحاتها، بل ظلّت باقية شأنها شأن كلمتي "مور" و"لوب" الباقيتين إلى الآن.
شيوع هذا الاسم:
من الثابت أن اسم "أمازيغ" لم يكن من الأسماء التي كانت تطلق على عموم البربر سواء في العهد الفينيقي أو في العهود اللاحقة. وكان من الأسماء الكبيرة ذات الشأن مثل "المور" و"جدالة (الجيتول)" و"اللوب" و"المشواش" وغيرها حيث كانت هذه الأسماء تطلق على قبائل كبيرة أو على مجموعة من القبائل ترتبط في ما بينها بصلات القرابة والتحالف. والشيء الذي جعل اسم "أمازيغ" يتردد ذكره في المصادر اليونانية واللاتينية هو تمرد القبائل الأمازيغية ذات البأس والشوكة ورفضها الإذعان للنفوذ الأجنبي فأكسبها شهرة ولكنها لم تصل إلى الحد الذي يصبح فيه اسم "أمازيغ" علما على كل البربر". وهذا ما تؤكّده المعلومات السابقة بعكس ما يدّعيه أصحاب النزعة البربرية التي تشيع باطلا، في أدبياتها أنّ البربر جميعا منذ أقدم العهود ومن قبل أن يقدم الفينيقيون كانوا يطلقون على أنفسهم اسم "أمازيغ" والشعوب من حولهم كانت تعرفهم بهذا الاسم.
وبما أنّ السجلات المصرية أقدم الوثائق التي سجّلت أسماء القبائل البربرية الواقعة غرب مصر. فالأستاذ محمد شفيق (من المغرب) يزعم أنّ المصريين القدامى كانوا يسمّونهم بهذا الاسم فيقول: "تسمية" البربر" أنفسهم بـ "أمازيغن" ضاربة في القدم، وبها عرفهم أقدم المؤرخين وعرفهم بها أقرب جيرانهم إليهم، وهم المصريون القدماء مع تحريف لاسمهم في النطق، ثمّ في الكتابة" ويضيف: "كان المصريون القدماء في عهد "راعامسيس الثالث" يسمونهم "ماشوش" (25).
هذا الزعم لا أساس لـه من الصحة، ولا يوجد في الوثائق المصرية الفرعونية من أقدمها إلى أحدثها أيّ تسمية كان المصريون يطلقونها على عموم القبائل البربرية، بل كانوا يسمّون كل قبيلة أو مجموعة بالاسم الذي عرفت به، وهي ليست كثيرة وأهمّها أربع، أذكرها في مايلي، على التوالي بحسب أقدميتها التاريخية، وظهورها في الوثائق المصرية:
ـ التحنو: المسجل ظهورهم في الثلث الأخير من الألف الرابع قبل الميلاد. وظل اسمهم يتردّد في الوثائق المصرية حتّى عهد رمسيس الثالث
(1198 ـ 1166ق.م) مؤسّس الأسرة العشرين، تعرضوا للتدمير على يد "المشواش". يتميّزون ببشرتهم السمراء ويعيشون غرب مصر من ناحية "الدلتا".
ـ التمحو: المسجّل ظهورهم في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد في عهد الأسرة السادسة (2434 ـ 2242 ق.م) فقد ورد ذكرهم في نص "أوني" حاكم الجنوب وقائد القوافل في عهد "بيبي الأول" الملك الثالث من هذه الأسرة. وورد أيضاً في نص "خرخوف" حاكم الجنوب وقائد القوافل في عهد الملكين "مرنرع" بن بيبي الأول و"بيبي الثاني" أخوه. والتمحو من ذوي البشرة البيضاء والعيون الزّرق والشعر الضارب إلى الشقرة يعيشون أيضاً إلى الغرب من مصر من الناحية الجنوبية، ويبدو أنّ لهم امتداداً داخل الواحات الليبية.
وظلّ اسمهم يتردّد في الوثائق المصرية بين الفينة والأخرى حتّى عهد الدولة الحديثة (1580 ـ 1085 ق.م).
فـ "التحنو" و"التمحو" هما أقدم اسمين سجلتهما الوثائق المصرية للجماعات المجاورة لمصر من الغرب. والتاء فيهما تؤكّد أيضاً بربريتهما وانتماءهما إلى معجم اللغات العربية.
ـ الليبو: أول ظهور عرف لهم حتى الآن كان في عهد الملك "رمسيس الثاني" (1268 ـ 1232 ق.م) من الأسرة الفرعونية التاسعة عشرة، وفي نصوص الملك "مرنبتاح" نحو (1227ق.م) الذي صدّ هجمة قوّية على "الدلتا" تزعّمتها قبيلة "الليبو" تحت إمرة قائدها "مرابي بن دد"([2]) بمشاركة "القهق" و"المشواش" البربريتين وبتحالف مع شعوب البحر، ومن هذا التاريخ لمع اسم "الليبو" حتّى صار على مرّ الأيام علما على منطقة المغرب بأكملها. وتشير تحريّات الباحثين إلى أنهم كانوا منتشرين غرب مواقع "التحنو" في منطقة "برقة" الحالية (في ليبيا)
ـ المشواش: تشير أقدم المعلومات المتوفّرة بشأنهم حتى الآن إلى أن اسمهم ورد للمرة الأولى "على جزء من آنية فخارية في قصر الملك "أمنتحب الثالث" من الأسرة الثامنة عشرة حيث جاء في الشطر الأول ما يدلّ على وصول أواني تحتوي على دهن طازج من أبقار المشواش" (26). كما ورد اسمهم في نصوص رمسيس الثاني الذي استخدمهم مع "القهق" و"الشردن" في جيشه. وكذلك ورد في نصوص "مرنبتاح حيث انضموا إلى "الليبو" في الهجمة السابقة الذكر. وكان عددهم قليلاً ومشاركتهم محدودة. وظهر اسمهم بشكل بارز في نصوص "رمسيس الثالث" (1198 ـ 1166 ق.م) مؤسّس الأسرة العشرين الذي أحبط هجمتين قويتين الأولى في العامّ الخامس من حكمه تضمّ القبائل البربرية: الليبو، والسبد، بتحالف أيضاً مع شعوب البحر، والثانية في العام الحادي عشر بزعامة قبيلة "المشواش" هذه المرة، وبمشاركة عدة قبائل منها: الليبو، والأسبت، والقايقش والشيت، والهسا، والبقن. وفي هذه الهجمة تعرض "التحنو" للسحق والتدمير. كما تقدّم ذكره.
وإثر هذه الهجمة الفاشلة، أخذت الجماعات البربرية (الليبية) تهاجر إلى مصر على مراحل وتستقرّ فيها، ومن بينها "المشواش" التي تمكّن قادتها من الوصول إلى الحكم وأصبحوا ملوك مصر وفراعنتها في الأسرتين 22 و23 وكانت مناطق هذه القبيلة الحيوية حسب تحرّيات الباحثين توجد إلى الغرب من "الليبو" (27) ويقال إنّ انتشارهم يمتد غربا إلى الجنوب التونسي الحالي.
وبهذا نعلم أن "الليبو" و"المشواش" هما الاسمان الكبيران الآخران اللذان أوردتهما الوثائق المصرية بعد "التحنو" و"التمحو". أمّا ما ورد من الأسماء الأخرى في هذه الوثائق مثل: القهق، والسبد، والأسبت، والبقن، والكيكش، فهي مجموعات بربرية صغيرة ليست بذات أهمية.
وإلى هنا نكون قد عرفنا أنّ المصريين القدماء لم يطلقوا أبداً اسم "ماشوش" على القبائل البربرية الواقعة إلى الغرب منهم بل كانوا يدعون كل قبيلة بالاسم الذي هو خاص بها وعلم عليها، وأنّ "ماشوش" هي قبيلة من ضمن القبائل البربرية. عرفت في عهد رمسيس الثالث وقبله كما مرّ بنا. وبهذا يسقط الزعم الأول للأستاذ محمد شفيق.
أمّا زعمه الثاني فيذهب فيه إلى أن اسم "ماشوش" هو في الأصل "مازيغ" حرّفه المصريون في النطق والكتابة لكون "اللغة المصرية في ذلك الوقت كانت تقلب الزاي شيناً والغين شيناً بعد قبله خاء. وتفصل في الكتابة بالواو (بواو فارقة) بين الحرفين المتجانسين" (28). وهذا أيضاً ليس بصحيح طالما أنّنا عرفنا أنّ "ماشوش" هو اسم قبيلة معينة ومعروفة. ثم إن عملية القلب إلى الشين وقبله قلب إلى الخاء متكلّفة وغير منطقية لعدم وجود ما يسوّغها في إثبات العلاقة بين كلمة "ماشوش" وكلمة "مازيغ" خاصة أنّنا عرفنا أنّهما اسمان لقبيلتين مختلفتين. وقد مرّ بنا أن بين "مازيغ" قبيلة عربية قديمة. ويستشفّ من الرواية العربية المتقدّمة أنها متأخرة زمنيا على قبيلة "المشواش". وبهذا يسقط الزعم الثاني وكل المكابرات والتأويلات المفتعلة في هذا المضمار.
والأمر بالنسبة للأستاذ محمد شفيق لا يقف عند هذا الحد بل نجده يواصل ما بدأه فيقول: "وقد اختلط الأمر على المؤرخين الأول ومنهم هيرودوتس، فصاروا يسمّون إمايغن تارة باسمهم محرّفا قليلا أو كثيرا وتارة باسم "ليبيا Libye الدال في شعر هوميروس على الأرض الممتدّة من تخوم مصر القديمة شرقاً إلى المحيط غربا" (29) وما أظنّ أنّ أحدا يملك اطّلاعا على هذا الموضوع، يقبل بهذا الاتّهام الجائر. فاسم "الليبو" حقيقة ثابتة، وإن إطلاقه من قبل المؤرخين الأول على سائر المنطقة وسكانها، هو أيضاً حقيقة لا جدال فيها، كما أن اسم "أمازيغ" لا وجود لـه في الوثائق المصرية ـ كما مر بنا ـ ضمن القبائل السالفة الذكر. فأين الخلط إذن. ألا يحق لنا جميعا أن نعدّ هذا الكلام من قبيل التلفيق؟ بل أننا لنجد فيه دليلا قويا على أن اسم "أمازيغ" الذي عرفناه في العهد الفينيقي وما بعد، لم يكن يطلق في ذلك الوقت على عموم البرابرة وأن الخلط المتحدّث عنه وما فيه من قلب لهذه الحقيقة هو من صنع ذوي النزعة البربرية الطائفية الجديدة.
وكلّ ما تقدم يؤكّد الأسلوب الانتقائي اللاّعلمي للأستاذ محمد شفيق الذي توخّاه أيضاً في ما أورده من أسماء القبائل البربرية القديمة اعتماداً على استقراء "الأستاذ ديزانج Desanges في تعليقه على بلينوس الأكبر" (30) ذاكرا مواقعها في سائر أقطار المغرب العربي إلا أنه بالنسبة للقبائل القاطنة في ليبيا لم يذكر من بينها القبائل السابقة الواردة في الوثائق المصرية. مع أن "ديزانج" تعرض لها في دراسته "البرابر الأصليون" (31). فقد أعرض الأستاذ عن ذكر قبيلتي: "التحنو" و"التمحو" القديمتين جدّا لأنّه يتعذّر عليه تمزيغهما بأيّ طريقة من الطرق ثم إنّ ذكرهما يشهد بوجود جماعات بربرية لا يطلق عليها اسم "مازيغ" وهذا ما لا تريده النزعة البربرية في دعاويها الجديدة. كذلك لم يذكر الأستاذ قبيلتي: الليبو والمشواش لكونهما حقيقتين ناسفتين من الأساس ذلك التعميم وكل ما لبّس بشأن "ماشوش". وكل هذا يؤكّد في النهاية أن كثيراً من تلبيسات النزعة البربرية بشأن الأمازيغ ما هي إلا تلفيقات وإيهامات باطلة.
وهكذا فإنّنا لا نعلم حتى الآن من الأسماء التي أطلقت على عموم سكان شمال أفريقيا قديما سوى اسمين اثنين:
الأول: اللوبي (32) وهو اسم ظهر للمرة الأولى في الوثائق المصرية في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، كما ورد في مصادر أخرى كالتوراة (33) ويبدو أنه انتقل عن طريق الفينيقيين إلى الإغريق الذين كانوا أول من أطلقه على سكان شمال إفريقيا وهو من باب إطلاق الجزء على الكلّ. وهذا راجع إلى مكانة القبائل اللوبية وزعامتها للقبائل الأخرى. لقد استطاع أحد قادتها البارزين "مرابي بن دد" توحيد القبائل بمن فيها من سمّوا "شعوب البحر" لشن هجوم (كما مرّ بنا) على الدلتا في مصر في عهد الملك "مرنبتاح" الذي سجل انتصاره على اللوبيين في نقش "الكرنك".
وعن الإغريق أخذ الرومان هذه التسمية وأشاعوها بدورهم.
الثاني: البربر (34) وهو اسم عربي قديم، ليس خاصا بسكان شمال إفريقيا وحدهم بل كان يطلق على جماعات في العراق وشرق إفريقيا ولا علاقة لـه البتة بكلمة: "varvaras" اليونانية ولا كلمة: "Barbarus" اللاتينية وكلمة "البربر" ذات الطابع البدوي الصحراوي، اكتسبت قيمتها التاريخية منذ مجيء العرب المسلمين حيث صارت منذ ذلك الزمن علما متميزا يطلقه الناس جميعا على سكان شمال أفريقيا، بعيدا تماما عن معاني الاستنقاص الموجودة في اللغتين اليونانية واللاتينية.
ونخلص من هذا إلى أن كلمة "أمازيغ" لم يقع تعميمها في القديم مثل كلمتي "لوبي وبربر" ولابدّ من التنبيه هنا على عدم الخلط بين القبائل الأمازيغية التي عرفت في العهد الفينيقي وما بعده وبين اسم مازيغ "الذي يجعله نسّابة البربر الجد الأعلى لفرع "البرانس" الذي لا نعرف حقيقته. بالإضافة إلى اتّصاله "بحام" وشجرة الأنساب القديمة ذات الطابع الخرافي الذي لا علاقة لـه بالوقائع التاريخية المعروفة.
ومن هنا فإنّ "إشاعة اسم "أمزيغ" كما يفعل أصحاب النزعة البربرية وإفهام الناس بأن سكان المنطقة في القديم كانوا يسمّون "الأمازيغ" وأن اللغة التي كانوا يتكلّمون بها كانت تسمّى "الأمازيغية" أمر مخالف للحقيقة ولا سند لـه من آثار أو تاريخ.
إنّ ما وقع التوصل إليه من أن كلمة "أمازيغ" كلمة عربية صميمية وأنّ قبائل بني مازيغ هم من القبائل العربية القديمة لن يرضي أبداً المعادين لانتماء المنطقة العربي، وسيستشاطون غضباً لهذا الكلام ومثله، فكل شيء يمكن أن يكون مقبولا لديهم ما عدا شيئا واحدا وهو أن يربط بين العرب والبربر بأيّ سبيل، وهذا هو موقف المدرسة التاريخية الاستعمارية التي نجحت في بثّ الكثير من الأفكار المغرضة وتحويلها إلى قناعات مسلّم بها. حتى أن تاريخ المنطقة وما يتعلّق بالبربر وبأصولهم لا ينظر إليه إلاّ في إطار العلاقة مع أوروبا، أما في إطار العلاقة مع المشرق فقد كان هناك رفض مسبق لأنْ تبحث تلك المسائل في نطاق هذه العلاقة وهو رفض ضدّ العلم والنظرة النزيهة والموضوعية للأشياء، فالأمر هنا محكوم في الأساس بالأغراض السياسية وبالذاتيات المريضة. وما المناداة في هذه الظروف بشعار الأمازيغية بمضامينه التلفيقية إلاّ ابتكار جديد يضاف في هذا المساق إلى ابتكارات المدرسة التاريخية الاستعمارية التي عملت على بثّ الانقسام وتحطيم وحدة سكان المنطقة.
وشعار الأمازيغية الحالي ينزع بما يخفيه وراءه من روح طائفية وجهوية انقسامية، تعمل المجموعة القبائلية المتفرنسة على زرعها وتكريسها في صفوف الشعب الجزائري والمغربي بصفة عامة، ولذا فإنّ تبنّيها المبالغ فيه لهذا الشعار هو مجرد تكتيك تمليه ملابسات الظروف القائمة، إذ هي ترفعه على أنه إرث وطنيّ وتاريخيِ مشترك يحقّ لها التمسك به، وهذا من شأنه أن يبعد عنها الشبهات ويسهّل عليها تمرير مواقفها وأهدافها. فهي ترفض الانتماء العربي وتقاوم العربية ومشاريع التعريب مكرّسة في مقابل ذلك الفرنسة والتغريب.
ولكن ما هذه الأمازيغية التي يروّج لها هؤلاء الطائفيون المتفرنسون من القبائل على نطاق واسع؟ قد يتصور بعضهم أو حتى يتوهّم أنها شيء يعني المجموعات البربرية الحالية قاطبة، والحقيقة أن هذه الأمازيغية ليست إلاّ القبائلية التي صاغتها المدرسة التاريخية الاستعمارية بحروف لاتينية ثم سعى الطائفيون الجدد بالاعتماد على أكاديمية باريس إلى اشتقاق رموز لها من أبجدية الطوارق (التيفيناغ) وكتابتها من اليسار إلى اليمين. فكانت في منحاها وخصائصها العامّة صورة متولّدة عن اللاتينية وهو ما يكشف عن التوجّه الغربيّ وعن المضمون الحقيقي لشعار الأمازيغية، وليس ذلك بالأمر الغريب وصاحب هذا الابتكار هو مولود معمر الذي قال: إنّ البربر ينحدرون من أصل أوروبي من العنصر الجرمني، وبهذا يتّضح ألاّ وجود أصلا للغة اسمها الأمازيغية وإنّما هي اللهجة القبائلية مغلّفة بهذه التسمية الملفقة الخادعة، ومن الانعكاسات السلبية لهذه التوجهات مناداة بعض العناصر من الشاوية بأن تعطى للهجتهم ما أعطيت للهجة القبائلية من الحظوظ في التلفزة وغيرها.
أمّا أصحاب النزعة البربرية ورافعو شعار "الأمازيغية" في المغرب الأقصى فلا يختلفون من حيث الجوهر عن المجموعة القبائلية المتفرنسة ذات المنزع الصليبي الحاقد. فقد اتّسم توجّههم في الظاهر بعدم الحدّة في المواقف المعلنة إلاّ أنّ ذلك لم يكن حقيقياً منهم بل مجرّد تكتيك الغاية منه تفادي ردود الفعل المتوقّعة، فخطتهم، في هذه المرحلة توخّي المواربة وأسلوب المداهنة لتثبيت قدمهم، ولذا لم يجدوا أفضل من شعار "الثقافة الأمازيغية" ليتستّروا به وينفّذوا أغراضهم تمهيداً لإعلان المعارضة السياسية على غرار المجموعة القبائلية. فهم مثلهم ساعون إلى غرس الأحقاد والانقسام، وإقامة الحواجز الداخلية الأبدية في صلب المجموعة الوطنية بواسطة مؤسسات الدولة الواحدة (المدرسة، مؤسّسة الثقافة، مؤسسة الإعلام...)، فهل هناك ما هو أفظع وأشدّ من هذا النهج التخريبي المدبّر لبعثرة وحدة السكان وتفكّكها من الداخل فأصحاب النزعة البربرية يشبهون في توجهاتهم تلك المجموعة المسماة بـ "البوند" التي ظهرت في روسيا وغيرها، في أواخر القرن الماضي والتي اتّخذت من شعار "الاستقلال الثقافي الذاتي" سبيلا إلى الانفصال والتخريب السياسي وضرب وحدة نضال الجماهير والحركة العمالية الأمر الذي يكشف مخاطر هذه النزعة عندنا وأنها ذات محتوى طائفي رجعي ومتخلّف.
وشعار "الثقافة الأمازيغية" هو أيضاً مثل شعار "الاستقلال الثقافي الذاتي" البوندي من ابتكار المثقّفين الانتهازيين المعروفين عندنا أيضاً بتوجّهاتهم الفرنكوفونية والصليبية، الناكرين النسب الشرقي لهذه الثقافة والرافضين تنزيلها في إطار الثقافة العربية لما بينهما من الأواصر المشتركة ولانحدارهما من أرومة حضارية واحدة.
وهكذا ندرك جميعاً أنّ الأمر لا يتعلّق في الحقيقة بكلمة "الأمازيغية" الحاملة في ذاتها أصالة البربر العربية وانتماءهم الشرقي العريق. وإنّما بتلك النوايا والتوجّهات وما تكوّنه من خطر على مستقبل المنطقة التي تسعى، في ظروف صعبة للغاية، إلى التكامل والتوحّد. وهاهي فرنسا بمطامعها القديمة تبارك النزعة البربرية وتتستّر خلفها، وتنادي عن طريق وسائل إعلامها بما تسمّيه "حق المغايرة الثقافية" ونحن نعرف فرنسا ما هي؟ وما نواياها الخبيثة تجاهنا؟ ولذا فإنّه لا مفرّ من الوقوف في وجه هذه التيارات الانقسامية، وكلّ التوجّهات الرجعية والطائفية المتستّرة بالأمازيغية.
***
الهوامش
(1) عثمان الكعاك: البربر ـ سلسلة كتاب البعث ص 101 تونس 1956
(2) دائرة معارف البستاني مادة ـ بربر
(3) المصدر نفسه
(4) تاريخ إفريقيا الشمالية: تعريب محمد مزالي وبشير بن سلامة ـ الدار التونسية للنشر، النشرة الثالثة تونس 1978 ج1 ص 12
(5) ص 122 (السمّات السّامية في اللغة اللوبية) Der Semitische chaakter der, libyschen sparach in ZA. 50 (1952)
(6) تاريخ ابن خلدون (دار الكتاب اللبناني) بيروت 1959 ج 6 ص 186
(7) المصدر نفسه ص 77 وص 186
(8) المصدر نفسه ص 177
(9) وصف إفريقيا ترجمه عن الفرنسية محمد حجّي ومحمد الأخضر ـ دار المغرب الإسلامي ـ الطبعة الثانية بيروت 1983 ج1 ص 39
(10) التوراة "سفر التكوين" ـ الأصحاح العاشر، الآيات: 15 و17 و18
(11) كتاب التيجان في ملوك حمير: نشر مركز الدراسات والأبحاث اليمينية الطبعة الثانية صنعاء 1979 ص 180
(12) المصدر نفسه ص 60 ـ 138 ـ 139 ـ 188 ـ 246
(13) المصدر نفسه ص 188
(14) المصدر نفسه ص 33
(15) المزهر في علوم اللغة للسيوطي: تحقيق محمد أحمد جاد ومحمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البداوي منشورات المكتبة العصرية: صيدا ـ بيروت 1987 ج1 ص 557
(15) أ أساس البلاغة ـ تحقيق الأستاذ عبد الرحيم محمود. القاهرة 1953 مادة مزر ص 438
(16) لسان العرب: إعداد وتصنيف يوسف الخياط ـ دار لسان العرب بيروت المجلد الثالث مادة مزر ص 477
(17) المغرب العربي من كتاب (نزهة المشتاق...) للإدريسي حقّقه ونقله عن الفرنسية محمد حاج صادق ص 91
(18) هل البربر عرب وهل لغتهم ضاد أخرى: مجلة الزمان عدد 214 تونس 14 أو ت 1934
(19) تاريخ المغرب في القرن العشرين ـ ترجمة نيقولا زيادة ـ دار الثقافة الطبعة الثانية بيروت 1980 ص 105
(20) د. محمد سعيد القشاط: التوارق عرب الصحراء الكبرى ـ مركز الدراسات وأبحاث شؤون الصحراء ـ الطبعة الثانية (اديتار) كاليري ـ إيطاليا 1989 ص 28
(21) المصدر نفسه ص 28
(22) المصدر نفسه ص 30
(23) المصدر نفسه ص 28
(24) ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب. تحقيق ج. س كولان واليفي برفنسال ـ دار الثقافة. الطبعة الثانية بيروت 1983 ج 1 ص 240
(25) محمد شفيق: لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين/ دار الكلام للنشر والتوزيع ـ المحمدية ـ المغرب 1989 ص 11
(26) تاريخنا: الكتاب الأول ـ دار التراث ـ ليبيا 1977 ص 103
(27) جيان ديزانج: البربر الأصليون: الوارد في تاريخ إفريقيا العام ـ جون أفريك/ اليونسكو. تورينو (إيطاليا) 1985 ج 2 ص 440
(28) محمد شفيق: المصدر السابق ص 11
(29) المصدر نفسه ص 11
(30) المصدر نفسه ص 12
(31) الواردة في تاريخ إفريقيا العام ج 2 المصدر المذكور سابقا. انظر ص 439 و440
(32) في ما يخص المعلومات المتعلّقة بهذا الاسم. انظر: البربر عرب قدامى للعرباوي: تونس 2000 ص 222 و223
(33) ورد في صيغة "لوبي" في سفر الأخبار، الأيام الثاني الأصحاح 12 الآية 3 والأصحاح 16 الآية 8 وفي سفر دانيال، الأصحاح 11 الآية 43 بصيغته "لوبيم" في سفر ناحوم، الأصحاح 3 الآية 9
(34) لمعرفة المعلومات المفصلة بشأن كلمة "بربر" انظر البربر عرب قدامى ـ المصدر السابق ص 329

([1]) هذا الاسم من الناحية الصرفية، صفة مشبهة، وليس اسم فاعل كما يقول الأستاذ محمد شفيق (ص9) لأنّه من حيث المعنى لا يدلّ على القيام بالفعل وإنّما على صفة في ذات (النبيل الشريف).
وأمّا القول بأنّه مشتق من الفعل "يوزغ" بمعنى "غزا" أو "أغار"، أو من فعل افتراضي وهمي "إزيغ" أو "يوزاغ" (ص9)، فهو أيضاً غير مقبول لافتقاره إلى المبرر والسند، إذ الكلمتان مختلفتان من حيث المعنى. فالأولى "أمازيغ" تعني: الحرّ، النبيل، الشريف. والثانية "يوزغ" تعني الغزو والإغارة، وهو ما ينفي أن تكون الأولى مشتقّة من الثانية.
ولو تخلّص الأستاذ محمد شفيق من هواجس النزعة البربرية لرأى بعين الصدق أنّ "أمازيغ" من حيث المدلول اللغوي والمادة الأصلية أقرب وألصق بكلمة "مزر". ثمّ إنّ الفعل "يوزغ" من ناحية المعنى لا يختلف عن الفعل العربي "غزا" وأن الإشكال بينهما يكمن في ما يسمّى في الصرف العربي بالقلب المكاني أي تقديم حرف على حرف، وهو لا يغيّر من المعنى فالمادة الأصلية هي الزاي والغين مع حرف العلة. وسواء تقدّم الزاي على الغين كما فعل "يوزغ" البربري، أو كانت الغين هي المتقدمة كما في فعل "غزا" العربي، فلا يغيّر هذا من حقيقة أنّهما شيء واحد من حيث المعنى والمادة الأصلية.
([2]) وهناك من يكتبه "مرابي بن أدد" وهذا الاسم (أدّ أو أدد) من الأسماء العربية المشهورة عند العدنانيين والقحطانيين. وفي شجرة الأنساب العربية فهو والد عدنان رأس القبائل العدنانية كما أنه حسب بعض الإخباريين ابن عدنان هذا. فتكون السلالة على هذا النحو: إدّ بن عدنان بن أدد.
ويقال أيضاً أنّ لاسماعيل ابنا يدعى "أدد" [أدد بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل]. كما أنّ إله العواصف عند الآشوريين والبابليين يسمّى (أدد وأدّو) وهو من الآلهة المهمة مرتب في الثالوث الثاني من حيث الترتيب العام للآلهة. يعرف عند الأوغارتيين والآراميين باسم "حدد". فعبادته منتشرة في وادي الرافدين وسورية وفلسطين وآسيا الصغرى. وتسمّى به الكثيرون من آشوريين وبابليين بما في ذلك الملوك مثل: شمس ـ أدد" و"أدد ـ صلالو" و"شرما ـ أدد" و"أدد ـ شم أدنا" و"أدد ـ أيلا ـ أددنا" وغيرهم. ومن الأصنام المهمّة عند عرب الجاهلية صنم "ودّ" عبدته قبيلة كلب في دومة الجندل وعبدته قريش وقبائل أخرى. وهناك من يهمز (الهمزة بدل الواو ـ لسان العرب مادة "ودّ") فيقول: "أدّ" وتسمّى بعضهم باسم هذا الصنم: "عبدود" و"أدّ بن طابخة" ويتضح من هذا أنّ هناك علاقة بين هذا الصنم "وإله" البابليين والآشوريين السابق الذكر. وهذا أمر منطقي لخضوع المنطقة بكاملها إلى عوامل ثقافية مشتركة ومنها العامل الديني. وهذا ما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأنّ "أدد" أو "دد" في اسم القائد الليبي "مرابي بن دد" ينتمي إلى البيئة الثقافية والدينية نفسها الأمر الذي يكشف عن عمق الروابط المتعدّدة بين الجماعات البربرية والجماعات العربية القديمة. وهو شيء منطقي لأن الجماعات البربرية ما هي إلاّ جماعات عربية قديمة.