منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الأثبات بشهادة الشهود في المواد المدنية و التجارية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-15, 23:05   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الثاني

الفصـل الثانـي: كيفيــة سمـــاع الشهــود


رأينا أن الغرض من الإثبات بشهادة الشهود هو الحصول على أقوال الأشخاص الذين يؤيدون مزاعم المدعي، أو المدعي عليه، فالشهادة بهذا المعني هي إجراءات متفرعة عن خصومة أصلية، يراد بها تكوين دليل على تلك الخصومة، ولذلك فان الأصل فيها ألا يلجأ إليها إلا أثناء قيام نزاع أصلي أمام القضاء، وعندما يتبين للقاضي أن الركون إليها جائز، ومنتج في الدعوى( ).
وبعد الحديث عن القواعد الموضوعية للإثبات بشهادة الشهود، يتعين علينا التعرف على كيفية الإثبات بهذا الطريق، وهذا يثير التساؤلات التالية:
ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الشهادة؟ ومن هم الأشخاص الممنوعون من أدائها؟
وما هي الإجراءات المتبعة للوصول إلى الحكم؟ وما حكم الشهادة الزور؟
سنتعرض للإجابة على هذه التساؤلات بناء على ما حدده المشرع في المواد من 61 إلى 75 ق إ م تحت عنوان "في التحقيقات"، مع محاولة بسيطة منا للمقارنة مع ما حدده القانون 08/09 المؤرخ في 25/02/2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، في مواده من 150 إلى 163 تحت عنوان "في سماع الشهود"، وذلك في ثلاثة مباحث، نتناول في المبحث الأول شروط أداء الشهادة، وفي المبحث الثاني إجراءات الإثبات بشهادة الشهود، أما المبحث الثالث فسنخصصه لدراسة الشهادة الزور.

المبحث الأول: شروط أداء الشهادة
لأداء الشهادة شروط متعددة، منها ما هي خاصة بالشاهد، ومنها ما هي خاصة بالشهادة ذاتها، وسنتطرق لكل منها في مطلب مستقل.
المطلب الأول: الشروط الخاصة بالشاهد
هناك شروط متطلبة في الشاهد منصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية، وقانون العقوبات، وهي شرط الأهلية، وشرط عدم وجود رابطة قرابة، أو مصاهرة، بالإضافة إلى شروط أخرى مقرة في الشريعة الإسلامية، سنبين موقف المشرع منها. ونتطرق إلى كل ذاك في الفروع التالية:
الفرع الأول: الأهليــة
نصت المادة 64/4 ق إ م على أنه: "يجوز سماع القصر الذين لم يتموا الخامسة عشرة دون تحلفيهم اليمين"، كما نصت المادة 66 ق إ م على أنه: "القصر الذين لم يتموا الثامنة عشرة لا تسمع شهادتهم إلا على سبيل الاستدلال"، ويفهم من النصين أنه:
- يمكن سماع الشاهد دون 15 سنة، أي فاقد الأهلية لصغر سنه على سبيل الاستدلال، ودون حلف اليمين، ومفاد ذلك أنه لا يصح أن يبني القاضي حكمه علـى شهادته، أو أقوالـه وحدها، بل له فقط أن يسترشد بها لتعزيز شهادة شاهد بالغ، أو أي دليل قانوني آخر.( )
- تسمع شهادة الشاهد الذي يتراوح سنه ما بين 15 و18 سنة على سبيل الاستدلال فقط، وبما أن المشرع نص صراحة في المادة 64/4 على تأدية اليمين، وسكت عنها في المادة 66 فيفهم أن هذا الشاهد يمكنه أداء اليمين.
- تعتبر شهادة الشاهد الذي بلغ 18 سنة، أو تجاوزها شهادة كاملة، لذا فإنه مجبر على حلف اليمين أثناء أداءها، وذلك ما يستشف من مفهوم المخالفة للمادة 66 ق إ م.
والعبرة بالسن، وقت أداء الشهادة، أي وقت سماعها لا وقت تحملها، وإذا لم تكن سن الصغير ثابتة بورقة رسمية، كشهادة الميلاد، يكون لقاضي الموضوع تقدير سنه حسب مظهره وأقواله، فإذا رأى من ذلك أن سنه لم يبلغ 15 سنة فلم يحلفه اليمين، ولم يعترض أحد الخصوم على ذلك، ثم ظهر أن سنه كانت 15 عاما أو أكثر، لا يكون الحكم باطلا. ( )
ثم نصت الفقرة 6 من المادة 64 ق إ م على أنه: " كل شخص من غير من ذكر تقبل شهادته ما عدا فاقدي الأهلية"، يعني أن فاقد الأهلية لا تقبل شهادته مطلقا، وهنا المشرع الجزائري لم يقم بالتنسيق بين مواد القانون المدني، ومواد قانون الإجراءات المدنية، وبل وحتى بين مواد هذا الأخير فيما بينها، ونبين ذلك فيما يلي:
فاقد الأهلية عرفته المادة 42 ق م بنصها على أنه: " لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن، أوعته، أو جنون، ويعتبر غير مميز من لم يبلغ السادسة عشرة سنة"، وعليه فان الشخص الذي لم يبلغ 16 سنة يعد فاقدا للأهلية، لا تقبل شهادته طبقا لما نصت عليه الفقرة 6 من المـادة 64 ق إ م.
وبالتالي فإن القاضي عمليا يواجـه مشكلـة في تطبيق المادة 64 ق إ م عند سماع شهادة صبي لم يتم 15سنة، فهل يطبق الفقرة 4 منها ويسمعه على سبيل الاستدلال، ودون تحليفه اليمين، أم أنه يطبق الفقـرة 6 التي تجعله من الممنوعين من أداء الشهادة ؟
بل وعلى أي أساس أخذ المشرع في الفقرة الرابعة من المادة 64 ق إ م بسن الخامسة عشر؟ فالمفروض يأخذ بـسـن السادسـة عشـر تنسـيقا مـع المادة 42 ق م قبل تعديلها بالقانون 05-10، وعلى أي أساس أخذ بسن 18 سنة في المادة66 ق إ م ليعتد بالشهادة كاملة؟ والمفروض يأخذ بسن 19 سنة تنسيقا مع المادة 40 ق م، إلا إذا كان يهدف إلى تحميله مسؤولية الشهادة الزور.
كما يواجه القاضي مشكلة أخرى لدى سماع شهادة ناقص الأهلية، ونخص بالذكر من بلغ 18سنة ولم يبلغ سن الرشد، أو بلغ سن الرشد وكان سفيها، أو ذا غفلة طبقا لما تنص عليه المادة 43 ق م، فهل يقبل سماعها رغم أن المشرع لم يشر إلى هذه الحالة مطلقا، أم أنه لا يقبلها ولو على سبيل الاستدلال لكون الشاهد ناقص الأهلية ؟
ولقد ازداد الأمر تعقيدا على القاضي المدني في معرفة أهلية الشاهد، وذلك بعد تعديل المادة 42 ق م بموجب القانون 05 -10 المؤرخ في 20 جوان 2005، حيث خفض المشرع سن التمييز إلى 13 سنة.
ونتيجة لهذا التناقض والإغفال، جاء القانون 08-09 المؤرخ في 25-02-2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، بأحكام جديدة يمكن اعتبارها حلولا لبعض المشاكل العمليـة التي تواجه القاضي والمتقاضي معا، فنصت المادة 153/5 منه على أنه : "يجوز سمـاع القصـر الذين بلغوا سن التمييز على سبيل الاستدلال " وسن التمييز محدد بالمادة 42/2 ق م بثلاثة عشر سنة.
وبالتالي فإن الصبي المميز الذي بلغ 13 سنة، تسمع شهادته على سبيل الاستدلال، وبمفهوم المخالفة، فإن الصبي غير المميز الذي لم يبلغ 13سنة، أي فاقد الأهلية لصغر سنه، لا تقبل شهادته مطلقا ولو على سبيل الاستدلال، ويفهم ضمنيا أيضا أن المشرع اعتد بسن الرشد القانوني، وهو 19 سنة كحد أقصى لسماع الشاهد المميز على سبيل الاستدلال، على خلاف قانون الإجراءات المدنية الحالي الذي حدده بـثمان عشرة سنة.
كما نصت المادة 153/6 على أنه: "تقبل شهـادة باقي الأشخاص ما عدا ناقصي الأهلية" ومعنـى ذلك أن باقـي الأشـخاص من غير المذكورين، وهم الذين بلغت أعمارهم 19سنة أو تجاوزتها، تكون شهادتهم مقبولة أمام القضاء، وتؤدى بعد حلف اليمين القانونية، إلا ناقص الأهلية، فلا تسمع شهادته ولو على سبيل الاستدلال، وناقصوا الأهلية -من غير الصبي المميز- هم كل من بلغ سن الرشد، وكان سفيها أو ذا غفلة، طبقا لما تنص عليه المادة 43 ق م.
ما يعاب على القانون 08-09 أنه لم يوضح صراحة حكم فاقد الأهلية لعته أو جنون،لكن ضمنيا يفهم من الفقرة 6 من المادة 153 التي نصت على أنه لا تسمع شهادة ناقص الأهلية فالأحرى، والأولى عدم سماع شهادة فاقد الأهلية لعته أو جنون.
وقد نصت المادة 64/5 ق إ م على أن: "... فاقدوا الأهلية للشهادة أمام القضاء، فلا يحلفون، وإنما تسمع شهادتهم على سبيل الاستدلال ... "، فمن هم فاقدوا الأهلية للشهادة أمام القضاء ؟
فاقدوا الأهلية للشهادة أمام القضاء حسب قانون العقوبات هم المحكوم عليهم، والممنوعين من الإدلاء بالشهادة بسبب الوظيفة، أو المهنة.
أولا- المحكوم عليهــم:
نصت المادة 9 مكرر1/3 من القانون العقوبات( ) على عقوبة تكميلية تتمثـل فـي عـدم أهلـية المحـكوم عليه لأن يكون مساعدا محلفا، أو خبيرا، أو شاهدا على أي عقد أو شاهدا أمام القضاء إلا على سبيل الاستدلال".
وفي الفقرة الأخيرة من نفس المادة نصت على أنه: "في حالة الحكم بعقوبة جنائية يجب على القاضي أن يأمر بالحرمان من حق، أو أكثر، من الحقوق المنصوص عليها أعلاه، لمدة أقصاها 10سنوات تسري من يوم انقضاء العقوبة الأصلية، أو الإفراج عن المحكوم عليه"، فطبقا لهذه المادة نستنتج حالتين )
1- عدم أهلية المحكوم عليه للشهادة كعقوبة تكميلية إلزامية
يشترط المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 9 مكرر1 أن تكون العقوبة جنائية، حتى يكون القاضي ملزما بالأمر بالحرمان من حق، أو أكثر، من الحقوق الواردة في المادة، وقد يقع اختياره على الحرمان من أن يكون شاهدا أمام القضاء، إلا على سبيل الاستدلال، ومن ثم فإذا أصدر على متهم متابع بجناية حكما يقضي عليه بعقوبة جنحية (4 سنوات حبسا مثلا) بفعل الظروف المخففـة، فإن المحكمـة لا
تكون ملزمة بالحكم عليه بهذه العقوبة التكميلية.
2- عدم أهلية المحكوم عليه للشهادة كعقوبة تكميلية اختيارية
لقد أجازت المادة 14 من قانون العقوبات للقاضي عند فصله في جنحة من الجنح المحددة قانونا( ) أن يحكم اختياريا بعقوبة الحرمان من أحد الحقوق الوطنية، والمدنية والعائلية، وقد يقع اختياره على الحرمان من الحق المنصوص عليه في الفقرة 3 من المادة 9 مكرر، وهو عدم أهلية المحكوم عليه لأن يكون شاهدا أمام القضاء، إلا على سبيل الاستدلال.
ونفس الشيء يقال إذا كان المتهم متابع من أجل جناية وحكم عليه بعقوبة جنحية، لأن المادة 53 مكرر3 من العقوبات تنص على أنه يجوز للقاضي أن يحكم بالحرمان من مباشرة حق أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها في المادة 9 مكرر1 من قانون العقوبات.
أما المشّرع المصري -وخلافا للمشرّع الجزائري- يشترط للحكم بعدم أهلية المحكوم عليه للشهادة أمام القضاء، أن تكون العقوبة جنائية مهما كانت طبيعة الجريمة، ولا يطبق النص إذا كانت العقوبة جنحية، لأن المادة 25 من قانون العقوبات المصري تنص على أنه: "كل حكم بعقوبة جنائية يستلزم حتما حرمان المحكوم عليه من الحقوق والمزايا الآتية:.. ثالثا: الشهادة أمام المحاكم إلا على سبيل الاستدلال".( )
وتجدر الإشارة إلى أن فاقد الأهلية للشهادة أمام القضاء بسبب الحكم عليه بعقوبة جنائية أو جنحية يسمع على سبيل الاستدلال فقط، ولا يؤدي اليمين، ولكن عدم تحلفيه اليمين القانونية مقصور فقط على مدة محددة بـعشر سنوات ،إذا كانت العقوبة جنائية، وبخمس سنوات إذا كانت العقوبة جنحية، تسري من يوم انقضاء العقوبة الأصلية، أو الإفراج عن المحكوم عليه.
ثانيا: المنع بسبب الوظيفة أو المهنـة
يوجد أشخاص ممنوعون من الإدلاء بشهادتهم بحكم وظيفتهم، أو مهمتهم، ولو بعد إنهاء علاقة عملهم( )، إلا بإذن صريح من القضاء، ومثال ذلك المادة 11 ق إ ج التي تنص على أنه: "تكون إجراءات التحري والتحقيق سرية، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، دون الإضرار بحقوق الدفاع". وكل شخص يساهم في هذه الإجراءات، ملزم بكتمان السر المهني بالشروط المبينة في قانون العقوبات، وتحت طائلة العقوبات المنصوص عليها فيه.
وكذا المادة 301 ق ع التي تنص على أنه: "يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 20.000 د ج إلى 100.000دج، الأطباء، والجراحون، والصيادلة، والقابلات وجميع الأشخاص المؤتمنين بحكم الواقع، أو المهنة، أو الوظيفة الدائمة، أو المؤقتة على أسرار أدلي بها إليهم أفشوها، في غير الحالات التي يوجب عليهم فيها القانون إفشاءها، ويصرح لهم بذلك"، فهؤلاء لا يمكنهم أن يدلوا بشهادة، عما كان قد وصل إلى علمهم من المعلومات بحكم وظائفهم، أثناء قيامهم بهذه الوظائف، طالما أنها لم تنشر بالطريق القانوني، ذلك ما لم تأذن لهم السلطة العامة بالشهادة، وفي حدود الإذن -بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم- متى قدرت أن الشهادة المطلوب الإدلاء بها لن تضر العامة، ولا يجوز له التذرع عندئذ بأسرار الوظيفة للامتناع عن الشهادة، ولا يجوز للمحكمة أن تؤسس حكمها على الشهادة التي تم الإدلاء بها مخالفة لهذا النص، وإلا كان حكمها باطلا. ( )
الفرع الثاني: عدم وجود رابطة القرابة أو المصاهرة
تنص المادة 64 ق إ م على أنه : "لا يجوز سماع شهادة أقارب أحد الخصوم، أو أصهاره على عمود النسب، أو زوج أحد الخصوم و لو بعد الطلاق، ولا يجوز كذلك قبول شهادة إخوة وأخوات، وأبناء عمومة الخصوم. ومع ذلك فالأشخاص المذكورون في هذه المادة باستثناء الأبناء يجوز استدعاءهم للشهادة في الدعاوى الخاصة بمسائل الحالة والطلاق"، ما يفهم من هذه المادة، أن المشرع يعتد في عدم أهلية الشاهد للشهادة إلى رابطتين هما رابطة الدم أو القرابة، ورابطة المصاهرة.
أولا- رابطـة القرابـة
لا يجيز القانون سماع الأشخاص الذين تربطهم رابطة القرابة بأحد أطراف الدعوى كشهود أمام القضاء لإثبات الوقائـع، أو الواقعــة محـل المنازعة، وهم أقارب أحد الخصوم على عمود النسب، وكذا الإخوة والأخوات، وأبناء العمومة، طـبقا لما تنص عليه المادة 64 ق إ م: " لا يجوز سماع أقارب أحد الخصوم...على عمود النسب...ولا يجوز كذلك قبول شهادة إخوة وأخوات وأبناء عمومة الخصوم" وهو ما نصت عليه أيضا المادة 153 من القانون 08-09 على أنه: "لا يجوز سماع أي شخص كشاهد إذا كانت له قرابة ... مباشرة مع أحد الخصوم".
والقرابة حسب مفهوم القانون المدني الجزائري، هم الأشخاص الذين يجمعهم أصل واحد طبقا للمادة 32 منه التي تنص على أنه: " تتكون أسرة الشخص من ذوي قرباه، ويعتبر من ذوي القربى كل من يجمعهم أصل واحد"، لكن المادة 33 من نفس القانون فرقت بين القرابة المباشرة، وقرابة الحواشي، فنصت على أن: "القرابة المباشرة، هي الصلة ما بين الأصول، والفروع. وقرابة الحواشي هي الرابطة ما بين أشخاص يجمعهم أصل واحد، دون أن يكون أحدهم فرعا للأخر"، وعليه لا يجوز سماع شهادة الذي له قرابة مباشرة بمفهوم المادة 33/1 ق م لأحد الخصوم وهم : الأب والجد وإن علو، والابن وابن الابن وإن نزلوا، وذلك طبقا لما تنص عليه المادة 64/1 ق إ م، وكذا المادة 153 من القانون 08/09، لأن القرابة على عمود النسب هي القرابة المباشرة، والمصطلح الأخير أوفق، لأن القانون 08/09 جاء به تنسيقا مع ما ورد في المادة 33 من ق م.
إذن صلة القرابة المباشرة من موانع الشهادة، ومرد ذلك إلى أن نص المادتين المذكورتين أعلاه جاء بصيغة "لا يجوز"، والحظر هنا متعلق بالنظام العام، وكل من سمع من هؤلاء تعد شهادته باطلة، والحكم المبني عليها معرض للنقض.
أما بالنسبة لقرابة الحواشي، فقد منع المشرع من الإدلاء بالشهادة أمام القضاء، إخوة وأخوات وأبناء عمومة الخصوم، حيث نصت المادة 64/2 ق إ م على أنه: " لا يجوز كذلك قبول شهادة إخوة وأخوات، وأبناء عمومة الخصوم "، وهو تقريبا ما نصت عليه المادة 153/3 من القانون 08/09 والتي جاء فيها: "لا يجوز أيضا قبول شهادة الإخوة والأخوات، وأبناء العمومة لأحد الخصوم".
ثانيا: رابطة الزواج والمصاهـرة
فيما يخص الشهادة بين الأزواج، يرى الشافعية بقبول شهادة كل منهما للأخر، وذلك لأن الشهادة جاءت دون تخصيص، ويعللون رأيهم بأنه يحدث في بعض الأحيان تنافر بين الزوجين. لكن الأحناف منعوا شهادة الأزواج بعضهم لبعض، لأن الزوجين عندهم كالشخص الواحد، كما استندوا في رأيهم إلى قوله عزوجل:  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً  ، وقد أخذ المشرع الجزائري بهذا الرأي الأخير، وذلك من خلال المادة 64/1 والتي نصت على أنه " لا يجوز سماع شهادة...أو زوج الخصوم ولو بعد الطلاق " كما نصت المادة 153/2 من القانون 08/09 على أنه: "لا يجوز سماع شهادة زوج أحد الخصوم في القضية التي تعني زوجه، ولو كان مطلقا".
فمنع المشرع شهادة أحد الزوجين للآخر أو عليه، وذلك خشية المحاباة بسبب المصلحة المشتركة، أو العامل العاطفي، أو على العكس خوفا من ترتب تشويش في العلاقة الزوجية، فيما إذا أتت الشهادة لغير صالح الزوج المشهود عليه، ويسري هذا المنع حتى لما بعد انحلال عقد الزواج بالطلاق خوفا من تأثير الفرقة على الشهادة سلبا، بأن تكون هذه الشهادة تشفيا، وكراهية وعداء.
أما بالنسبة للمصاهرة، فما قيل عن الأقارب، يقال عن الأصهار، إذ لا تجوز شهادة الأصهار إذا كان أحد طرفي الدعوى تربطه علاقة المصاهرة بالطرف الأخر، فلا يجوز لأحد الخصوم أن يطلب سماع الذين تربطهم قرابة مباشرة بزوجته، أو أخيها، أو أختها، أو أبناء عمها لأن المادة 35 ق م تنص على أنه: "يعتبر أقارب أحد الزوجين في نفس القرابة، والدرجة، بالنسبة إلى الزوج الأخر"، فالقانون هنا جعل قرابة أحد الزوجين بمثابة قرابة للزوج الآخر، ولا يسمح لهذا الأخير أن يستدل بهم كشهود لإثبات ما يسمح القانون إثباته بشهادة الشهود.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع أورد استثناء على قاعدة عدم جواز سماع شهادة الذين تربطهم رابطة قرابة، أو مصاهرة، يتمثل في جواز سماع كل هؤلاء -فيما عدا الأبناء- في المسائل المتعلقة بالحالة، والطلاق، وذلك طبقا لما تنص عليه المادة 64/3.
بمعنى أن المشرع منع أبناء أحد الخصوم من الإدلاء بشاهدتهم حتى في مسائل الحالة والطلاق، دون غيرهم من الأقارب، الذين أجاز سماع شهادتهم في هذه المسائل.
وحسنا فعل القانون 08/09، حينما لم يقتصر على الأبناء فقط في عدم جواز سماع شهادتهم في مسائل الحالة، والطلاق، بل شمل كل فروع الخصم، لأن ما يسري على الابن يسري على ابنه، وابن ابنه، حيث نصت المادة 153/4 على أنه: "غير أن الأشخاص المذكورين في هذه المادة –باستثناء- الفروع، يجوز سماعهم في القضايا الخاصة بحالة الأشخاص، والطلاق".
الفرع الثالث: شروط أخرى مقررة بالشريعة الإسلامية
بالإضافة إلى الشروط المقررة قانونا، هناك شروط أخرى أقرتها الشريعة الإسلامية سنوردها مع توضيح موقف المشرع الجزائري منها وهي كالتالي:
أولا- الإسـلام والعدالـة
1- شـرط الإســلام: حسب الفقه الإسلامي فإن شهادة الكافر على المسلم غير جائزة، باتفاق جمهور الفقهاء واستثنى الحنابلة والحنفية شهادة الكافر على المسلم في الوصية أثناء السفر،أما شهادة المسلم على الكافر، فقد أجمع الفقهـاء علـى صحتها، بينما شهادة الكافـر على الكافـر، يرى الحنفية قبولها في كل المسائل دون تقييد، والمشرع الجزائري كسائر التشريعات العربية لم يجعل لهذا الشرط مكانة بين شروط أداء الشهادة بل نص على أن أداء الشاهد لليمين يكون حسب الأوضاع المقررة في ديانته.
2- شـرط العدالــة: يجب أن يتصف الشاهد بالعدالة، لذلك لا تقبل شهادة من اشتهر بالكذب وسوء الأخلاق، لقوله عزوجل: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ولا يوجد نص صريح بذلك في القانون، إلا أنه يفهم ضمنيا من جعل شهادة المحكوم عليهم تسمع أمام القضاء على سبيل الاستدلال فقط، إذا حكم بها القاضي كعقوبة تكميلية أنه يأخذ بشرط العدالة، والنزاهة، لأن المحكوم عليه تحوم الشكوك حول صدقه، وحسن أخلاقه. كما يفهم ضمنيا كذلك، أن المشرع أخذ بهذا الشرط، وذلك حين منح القاضي السلطة الكاملة في تقدير أقوال الشهود، ثم الأخذ بها أو استبعادها.
ثانيا- شرط النطق والسمع والبصر
اتفق الأحناف، والحنابلة، والشافعية، على عدم قبول شهادة الأخرس، وإن فهمت إشارته لأن المطلوب هو التلفظ بالشهادة، بينما يذهب المالكية إلى إجازتها بإشارته المفهمة، لأنها تقوم مقام نطقه في زواجه، وطلاقه، ولا يشهد الأعمى عند المالكية، إلا بالنسبة للأقوال التي يكون قد سمعها بينما يرى الأحناف، عدم قبول شهادة الأعمى أبدا، أما الأصم فلا تقبل شهادته، إلا إذا كانت تنصب على ما يمكن رؤيته. أما بالنسبة للمشرع الجزائري فقد ورد في نص المادة 92 ق إ ج ما يلي: " إذا كان الشاهد أصما، أو أبكما، توضع الأسئلة وتكون الإجابات بالكتابة، وإذا لم يكن يعرف الكتابة يندب له قاضي التحقيق من تلقاء نفسه، مترجما قادرا على التحدث معه، ويذكر في المحضر اسم المترجم المنتدب، ولقبه، ومهنته، وموطنه، وينوه عن حلفه اليمين، ثم يوقع على المحضر"، ويسري نفس الحكم أثناء مرحلة المحاكمة طبقا لما تنص عليه المادة 301 ق ج.
أما في المواد المدنية، فلا يوجد أي نص يشير إلى ذلك، ولا يستطيع تطبيق الإجراءات الجزائية، على المواد المدنية، ولهذا السبب يتعين علينا أن نأخذ بمبادئ الشريعة الإسلامية عملا بالمادة الأولى من القانون المدني، التي تعتبر الشريعة الإسلامية ثاني مصدر من مصادر القانون، فعلى القاضي أن يرفض شهادة الأخرس في كل ما يتوقف على حاسة السمع، كالشهادة على الأقوال، لأن الأخرس لا يمكنه إدراك الأقوال فلا يفهمها، ولا يستطيع التعبير عنها، أما بالنسبة للأمور التي تتوقف على الحواس الأخرى، فإذا كان الأخرس يستطيع الكتابة، لا تكفي شهادته بالإشارة، لأن الكتابة أكثر تعبيرا من الإشارة، ولا يجوز الانتقال من الأقوى إلى الأضعف إلا لعذر، أي يمكن الإثبات بإشارة الشاهد الأخرس إذا لم يستطع الكتابة.
أما فيما يخص شرط البصر، ونظرا لعدم وجود نص قانوني يشير إلى ذلك، نرى عدم قبول شهادة فاقد البصر إلا في المسائل التي تتوقف على اللمس نظرا لتطور هذه الحاسة عنده، كما يمكن لفاقد البصر أن يشهد في بعض المسائل الأخرى، مثال ذلك الشهادة على الأقوال التي يسمعها إن كان حاضرا في مجلس عقد، مع الإشارة إلى أنه لا يستطيع أن يقول أنه سمع الصوت من فلان، لأن الأصوات تتشابه بل فقط يستطيع القول سمعت أحدا يقول كذا وكذا...
ثالثا- شـرط الذكـورة
أجمع الفقهاء على عدم قبول شهادة النساء منفردات، لقوله تعالى: فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أما المشرع الجزائري، فلم يفرق بين شهادة الرجل والمرأة، وسوى بينهما من حيث المسائل التي يمكن إثباتها، ومن حيث حجيتها.
المطلب الثاني: الشروط الخاصة بالشهادة
تقسم الشروط الخاصة بالشهادة إلى شروط موضوعية،ونتناولها في الفرع الأول وأخرى شكلية، نوردها في الفرع الثاني.
الفرع الأول: الشـروط الموضوعيـة
قبل أن يستجيب القاضي لطلب الإثبات بشهادة الشهود، يجب عليه أن يتأكد من توافر جملة من الشروط، وهي أن تكون الوقائع المراد إثباتها بشهادة الشهود مما يجوز إثباته بالبينة، وأن تكون هذه الوقائع منتجة في الدعوى، وجائز قبولها. وهذه الشروط التي تتعلق بالواقعة المراد إثباتها تستخلص من المادة 61 ق إ م التي تنص على أنه: "يجوز الأمر بالتحقيق لإثبات الوقائع التي تكون بطبيعتها قابلة للإثبات بشهادة الشهود، والتي يكون التحقيق فيها جائزا ومنتجا في الدعوى"، وكذا المادة 150 من القانون 08/09 التي تنص على أنه :"يجوز الأمر بسماع الشهود حول الوقائع التي تكون بطبيعتها قابلة للإثبات بشهادة الشهود، ويكون التحقيق فيها جائزا، ومفيدا للقضية".
وقد وفق قانون الإجراءات المدنية والإدارية، باستبداله عبارة "الأمر بالتحقيق" الواردة في المادة 61 ق إ م بعبارة "سماع الشهود"، لأن إجراءات التحقيق التي يأمر بها القاضي المدني لإثبات الوقائع تتعدد, وبالتالي يجب عليه تحديد الإجراء المقصود وهو الأمر بسماع الشهود، وسنتكلم عن هذه الشروط الواردة في المادتين فيما يلي:
أولا- أن يجيز القانون إثبات الواقعة بشهادة الشهود
ومرجع القاضي في تقدير هذا الشرط، هي أحكام الإثبات الموضوعية المحددة في المادة 333 ق م، وما يليها على النحو الذي بسطناه في الفصل الأول، فكلما تعلق الأمر بإثبات وقائع مادية بحته, أو تصرفات قانونية تجارية، أو تصرفات مدنية لا تزيد قيمتها على مئة ألف دينار جزائري، أو في الحالات التي يطلب فيها الإثبات بالشهادة كدليل تكميلي، أو كدليل بدلي، كان في مقدور المحكمة الاستجابة لطلب الإثبات بالشهادة. غير أن توافر هذا الشرط لا يعدم السلطة التقديرية للقاضي، إذ يجوز له رفض طلب الإثبات بالشهادة واقعة يجيز القانون إثباتها بالشهادة، إذا وجد في أوراق الدعوى، أو أي قرينة تستخلص من ظروف الدعوى ما يغنيه عن اتخاذ مثل هذا الإجراء،أما إذا تعلق الأمر بوقائع لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود، وجب على المحكمة ألا تأمر بسماع الشهود، ولو سكت الخصم ولم يتمسك بهذا الدفع، لأن القاضي ملزم بتطبيق القانون، والقانون لا يجيز ذلك.
ولكن قد يثور الخلاف فيما إذ كان يجوز للمحكمة أن ترفض سماع الشهود باعتبار أن القانون لا يجيز الإثبات بشهادة الشهود رغم أن الخصم قد قبل صراحة الإثبات بشهادة الشهود؟
هناك رأي في الفقه المصري، يذهب إلى أن الإثبات بالشهادة غير جائز في هذه الحالة ولو اتفق الخصوم، بحجة أن عدم جواز الإثبات بالبينة في غير الحالات التي نص عليها القانون قصد به تحقيق مصلحة عامة، فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفه، أما الرأي الراجح، والذي تؤيده محكمة النقض المصرية، يذهب إلى أن عدم جواز الإثبات بالبينة لا علاقة له بالنظام العام، وإنما أريد به حماية مصلحة الخصوم الخاصة، ولذلك يجوز لهم التنازل عن التمسك بهذا المنع صراحة أو ضمنا.
وإذا رجعنا إلى قضائنا، نجده لا يعتبر هذه المسألة من النظام العام، بل في كثير من الحالات، يقضي بسماع الشهود لإثبات التصرفات القانونية المدنية التي تزيد قيمتها عن مئة ألف دينار جزائري، حينما يطلب المدعي سماع الشهود، ولا يعارض المدعى عليه هذا الطلب، بل يلتمس الأمر به، وهذا هو الرأي الذي أخذت به المحكمة العليا.
ثانيا- أن تكون الواقعة منتجة في الدعوى ومتنازعا فيها
وهذا الشرط عام ينطبق على جميع طرق الإثبات، وقد نصت عليه المادة 61 ق إ م والمادة 150 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية صراحة، وعدم التأكد من هذا الشرط قد يؤدي عند الأمر بسماع الشهود بالدعوى إلى متاهات تثقل كاهل الطرفين، ومرفق القضاء معا بإجراءات، ومصاريف، كان في مقدور القاضي تجنبها، لو فصل في هذا الشرط بجدية قبل الأمر بسماع الشهود.
ومن بين الحالات التي ينزلق فيها قضاؤنا وراء طلبات المدعي بالأمر بسماع الشهود حول واقعة معينة -رغم أن هذه الواقعة غير مجدية في الدعوى- هي التحقيق في واقعة سلامة عقل المتصرف في مرض الموت، في دعوى ترمي إلى اعتبار التصرف وصية، فإذا أقام الورثة دعوى على المتصرف إليه من مورثهم، على أساس أن التصرف صدر من مورثهم وهو في مرض الموت، فإن سلامة عقله من عدمه، ليست واقعة مفيدة للقضية، طالما إن الورثة أرادوا اعتبار هذا التصرف في حكم الوصية، ولا يدعون بطلانه لانعدام رضا مورثهم، ومع ذلك نجد كثيرا من الأحكام القضائية تقضي بالأمر بسماع الشهود لإثبات هذه الواقعة. وكذلك إثبات واقعة حسن النية، أو سوء النية في حيازة لم تكتمل 10 سنوات تكون غير مفيدة للقضية، لأن حسن النية يكون واقعة منتجة في الدعوى فقط إذا اكتملت مدة التقادم القصير وهي 10 سنوات. كما أن الواقعة يجب أن تكون متنازعا فيها، فإذا كانت الواقعة ليست محل خلاف بين الخصوم، فإن التحقيق فيها يصبح عبئا، لأنه يؤدي إلى إثبات الثابت بالإقرار، والإقرار أقوى من شهادة الشهود
ثالثا- أن تكون الواقعـة جائـزة الإثبات
لا يجوز إثبات ما يخالف النظام العام، والآداب العامة، كإثبات الدين الناتج عن القمــار أو الدعارة، أو الفوائد في القروض بين الأفراد، إلى غير ذلك من الوقائع التي تتنافى مع الآداب العامة
الفرع الثاني: الشـروط الشكليـة
تتمثل هذه الشروط في وجوب تأدية الشهادة أمام القضاء، وبحضور الخصوم، وأن يدلي الشاهد بشهادته شفاهة، وهي ما سنبينها فيما يلي:
أولا- وجوب تأدية الشهادة أمام القضاء
يجب أن يدلي الشاهد بأقواله في مجلس القضاء، فالشهادة التي تؤدى خارج ساحة القضاء لا يعتد بها، ولو كانت أمام مجلس تحكيم، بل ولو كان ذلك أمام موظف عام، مهما علت درجته وقد نص القانون 08/09 على ذلك صراحة، في المادة 89 منه تحت عنوان " في تنفيذ إجراءات التحقيق، وباعتبار سماع الشهود إجراء من إجراءات التحقيق حيث جاء فيها: "تنفذ إجراءات التحقيق أمام الجهة القضائية ...".
والأصل في سماع الشهود، أن يتم أمام المحكمة التي قضت به، وهي التي تنظر النزاع الأصلي الذي طلب فيه التحقيق بصفة فرعية، وذلك حتى تسمع المحكمة بنفسها أقوال الشهود، فيكون اقتناعها طبقا لما يتركه حضور الشهود أمامها، وإدلاؤهم بأقوالهم في ساحتها من انطباعات لديها أقرب إلى الحقيقة، مما لو كونت اعتقادها من مجرد قراءة محاضر تحقيق، تمت في غير حضورها، كما يجري سماع الشهود في مقر الجهة القضائية المختصة بنظر الدعوى.
ولكن هناك استثناءات على هذه القاعدة، فقد يقتضى الأمر إجراء التحقيق بسماع الشهود في غير مقر الجهة القضائية التي أمرت به، كما قد يقتضي الأمر كذلك بسماع الشهود بواسطة قاض آخر غير القاضي الذي أمر بسماعهم وذلك في الأحوال التالية:
1. قد يحتاج الأمر إلى انتقال المحكمة نفسها لإجراء التحقيق خارج مقرها لسماع الشهود، إما في محل النزاع، حيث يرى في ذلك مصلحة لإظهار الحقيقة، وإما في محل إقامة شاهد معين يمنعه من الحضور إلى المحكمة عذر مقبول، كمرض، أو كبر في السن، فتنتقل المحكمة أو القاضي المقرر( ) بصحبة كاتب ضبط، لسماع أقوال الشاهد، وهذا لما تنص عليه المادة 68/1 من ق إ م: "إذا أثبت أن الشاهد قد استحال عليه الحضور في اليوم المحدد لسماع شهادته، جاز للقاضي أن يحدد له ميعاد آخر أو ينتقل لسماع شهادته"، والموافقة للمادة 155 من القانون 08/09 التي تنص على أنه: "إذا أثبت الشاهد أنه استحال عليه الحضور في اليوم المحدد، جاز للقاضي أن يحدد له أجلا آخر، أو ينتقل لتلقي شهادته".
ومعنى ذلك أنه إذا كان سبب غياب الشاهد وقتي فقط، يمكن للقاضي أن يحدد له ميعادا آخر لسماعه، أما إذا كانت استحالة الحضور مطلقة، كأن يتعذر على الشاهد الحضور بسبب مرض مزمن قد ألزمه الفراش، فإنه يجوز للقاضي أو القاضي المقرر الانتقال رفقة كاتب ضبط لسماعه، وتدوين أقواله على محضر سماع. ولكن عمليا -وبما أن الأمر جوازي للقاضي- من النادر جدا إن لم نقل تنعدم وإن صادفنا أثناء فترات التربص حالة تنقل القاضي وكاتبه لسماع شهادة شاهد استحال عليه الحضور لإثبات واقعة يجيز القانون إثباتها بشهادة الشهود.
2. وقد يحتاج الأمر إلى ندب قاض، من غير الجهة القضائية المنظورة أمامها الدعوى الأصلية، لإجراء التحقيق المأمور به، وهو سماع الشهود.
فإذا كان الشهود مقيمين في بلد بعيد عن البلد الذي فيه مقر تلك المحكمة، فيمكن لهذه الأخيرة أن تنيب لإجرائه قاضي الجهة القضائية التي يقيم في دائرة اختصاصها الشهود لسماع شهادتهم وتدوينها في محاضر ترسلها إلى المحكمة المنيبة،حيث جاء هذا الإجراء طبقا للمادة 468/1 ق إ م التي تنص على أنه: "عندما يتعلق الأمر بسماع شهادة أو حلف يمين أو إيداع كفالة أو استجواب احد الخصوم أو تعيين خبير أو أكثر، وعلى العموم عند القيام بأي إجراء تنفيذا لأمر أو لحكم صادر من إحدى الجهات القضائية، وكان الخصوم أو الأماكن موضوع النزاع بعيدة جدا، فيجوز للقضاة أن يندبوا قاضيا من محكمة مجاورة حسبما تتطلب الحالة".
ولكن ما يؤخذ على المشرع الجزائـري أنه استعمل في هذا النص عبارة غير قانونيـة -حسب رأينا- ويختلف تفسيرها من قاض إلى آخر وهي عبارة " بعيدة جدا " فما يعتبره قاض مكان بعيد جدا قد لا يكون كذلك بالنسبة إلى قاض آخر من نفس الجهة القضائية، فكان الأجدر بالمشرع أن يستبدلها بعبارة "خارج دائرة اختصاصها"، كما استعمل عبارة " محكمة مجاورة" ويراد بها الجهة القضائية التي يقع مكان النزاع أو يقيم الخصوم، أو الشهود بدائرة اختصاصها. وهو ما تداركه المشرع في القانون 08/09 المتعلق بقانون الإجراءات المدنية والإدارية حيث نصت المادة 108 منه على أنه: "إذا تعذر على القاضي الانتقال خارج دائرة اختصاصه بسبب بعد المسافة, أو بسبب المصاريف، جاز له إصدار إنابة قضائية للجهة القضائية المختصة من نفس الدرجة أو درجة أدنى".
حيث يفهم من هذا النص أن القاضي المعروض عليه النزاع يمكنه الانتقال حتى خارج دائرة اختصاصه، لسماع شهادة شاهد، ولا يلجأ إلى الإنابة القضائية إلا إذا تعذر عليه ذلك بسبب بعد المسافة أو المصاريف، ففي هذه الحالة يجوز له إصدار إنابة قضائية إلى الجهة المختصة وتكون الإنابة من قضاة الغرفة بالمجلس القضائي، إلى قاض من المجلس القضائي المختص، أو إلى قاض من قضاة المحكمة المختصة، كما يمكن أن تصدر من قاض بالمحكمة المطروح عليها النزاع إلى أحد قضاة المحكمة التي يقيم الشاهد أو يقع مكان النزاع في دائرة اختصاصها.
وفي حالة ما إذا كان الشاهد مقيما خارج إقليم الدولة، فإن الإنابة القضائية الواجب تنفيذها يجب رفعها إلى وزير العدل، ليحيلها إلى السلطة المختصة، طبقا للمادة 468/2 ق إ م والتي نصت على أنه: "إذا كانت الإنابة القضائية يقضي تنفيذها في الخارج، فتحال إلى السلطة المختصة عن طريق وزير العدل، ما لم تنص الاتفاقيات السياسة على غير ذلك"،وطبقا للمواد 12، 13، 14 من القانون 08/09 فإنه بعد صدور الحكم بإجراء إنابة قضائية لسماع الشهود إلى السلطة القضائية المختصة بالدولة الأجنبية، يرسل أمين الضبط نسخة من الحكم، مصحوبة بترجمة رسمية على نفقة الخصوم إلى النائب العام، الذي يرسلها إلى وزير العدل، وهذا الأخير يتولى إرسالها إلى الدولة الأجنبية، وتتخذ هذه الإجراءات، إذا لم توجد اتفاقية قضائية تسمح بإرسالها مباشرة إلى السلطة القضائية الأجنبية.
ثانيا- تأدية الشهادة بحضور الخصوم
فيما يتعلق بحضور الخصوم فإن المادة 65 ق إ م تنص على أنه: "تسمع شهادة كل شاهد على انفراد بحضور الخصوم أو غيابهم ..."، وقد وافقتها المادة 152 من القانون 08/09 بنصها على أنه: "يسمع كل شاهد على انفراد في حضور، أو في غياب الخصوم."
يتضح من النصين أن تأدية الشهادة بحضور الخصوم لا يعتبر واجبا في المواد المدنية، ولكننا نرى أنه من الأفضل أن تؤدى الشهادة بحضور الخصوم أنفسهم، أو من يمثلهم لكي يتمكن هؤلاء من توجيه الأسئلـة للشاهد ومناقشته طبقا لنص المادة 71 ق إ م، والمادة 158 من القانون 08 / 09( ).
ولكن هل يحق للخصم الذي غاب عن الجلسة التي استمع فيها القاضي إلى الشهود، أن يتمسك بطلب إعادة سماع الشاهد من جديد ؟
لم يشر المشرع الجزائري إلى هذه المسألة، ولكن منطق العدالة يقتضي أنه يمكن للخصم أن يطلب إعادة سماع الشاهد إن لم يكن حاضرا في الجلسة المعينة قانونا، والمبلغ بها، وذلك إذا أبدى عذرا مقبولا لعدم حضوره، حتى يتمكن من طرح أسئلته على الشاهد احتراما لمبدأ العلانية والمناقشة.( )
ثالثا- علانية وشفاهيـة الشهـادة
يجب أن تؤدى الشهادة علانية، ولا يوجد أي نص في قانون الإجراءات المدنية يشير إلى ذلك صراحة، إلا أن ذلك يفهم ضمنا من مبدأ مناقشة الشاهد، وتوجيه الأسئلة إليه في جلسة علانية من الخصوم، وقد أشار إلى ذلك القانون 08 /09 في المادة 89 منه التي تنص على أنه: "تنفذ إجراءات التحقيق أمام الجهة القضائية في جلسة علنية أو في غرفة المشورة". فهذا الحكم يسري على جميع إجراءات التحقيق التي يقوم بها القاضي المدني أو التجاري، ومن بينها إجراء سماع الشهود.
أما بالنسبة لشفاهية الشهادة، فالأصل في الشهادة أن تؤدى شفاهة، والعبرة من ذلك تكمن في تمكين المحكمة من ملاحظة الشاهد، وهو يدلي بها أمامها، للوقوف على صحة ما شهد به ومصداقيته، لذا يقال بأن الشهادة هي أعين العدالة وآذانها، فيجب أن يدلي بها الشاهد شفاهة أمام القاضي وجها لوجه، لأنه إذا كذب اللسان، أو سكت حيث يجب الكلام، فإن هيئة المرء، وحالته وطريقة كلامه، قد تنم عن الحقيقة، أو تساعد على اكتشافها، أو تساعد على تقدير الشهادة، ويجب أيضا ألا يعتمد الشاهد في شهادته إلا على ذاكرته، ولا يصح أن يسمح له بتلاوة شهادته من ورقة مكتوبة، ولا يستعين بأية مذكرة طبقا لما نصت عليه المادة 71 ق إ م "يدلي الشاهد بشهادته دون الاستعانة بأية مذكرة ..."، وهو نفس الحكم الذي نصت عليه المادة 158/1 من القانون 08/09 "يدلي الشاهد بشهادته دون قراءة لنص مكتوب"، غير أنه قد يتعذر على الشاهد الكلام، لذا يكون من حقه أن يدلي بشهادته بالكتابة، أو الإشارة كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك في الشروط الخاصة بالشاهد، أو تقتضي ظروف الدعوى ذلك.










رد مع اقتباس