منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - لكل من يبحث عن مرجع سأساعده
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-11-09, 11:12   رقم المشاركة : 202
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asma28hd مشاهدة المشاركة
اريد بحث حول الخطاب الادبي
الخطاب الأدبي في القرآن الكريم والسؤال الغائب

ناشر الموضوع : الرازي

العدد السادس والعشرون ربيع أول / ربيع ثان 1424هـ
أيار / حزيران 2003م


نافذة ثقافية

الخطاب الأدبي في القرآن الكريم والسؤال الغائب

بقلم: عباس المناصرة / ناقد إسلامي - الأردن

جاءت معجزة الإسلام (القرآن الكريم) تتحدى العقل البشري بالإعجار: العلمي والثقافي واللغوي والفكري والتشريعي والمنهجي، وكل أنواع الإعجاز للعقل البشري في أقصى درجات رقيه المفتوح إلى يوم الدين. قال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) فصلت / 53.
ولكن هذا الإعجاز بمختلف أنواعه وفروعه ورد بصورة واحدة من أساليب الخطاب، هي صورة الخطاب الأدبي، وهنا تقفز إلى الذهن مجموعة من التساؤلات المتصلة بهذا الخطاب. فمن هذه الأسئلة التي تدور في الذهن مثلاً: ما الحكمة من مجيء القرآن الكريم في خطابه للعرب وللبشرية بجميع أجيالها وبيئاتها معتمداً الخطاب الأدبي أسلوباً ؟ ولماذا لم يأت الخطاب الرباني للبشرية بأساليب أخرى من الخطاب: كالخطاب العلمي أو الخطاب الفلسفي أو الجدلي أو خطاب الحقائق والأرقام؟ وبصياغة أخرى، لماذا اختار الله سبحانه وتعالى أن تكون رسالته الخاتمة لخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم في تبليغ البشرية كافة، على صورة الخطاب الأدبي في أعلى مراتب البيان وأرقى أساليب الإعجاز؟
هل هو التحدي والإعجاز للعرب البلغاء الذين خوطبوا به في زمانهم؟ مع العلم أن المعجزة قائمة ودائمة، لا تخص العرب أو البشرية في جيل محدد، ولأن الخطاب القرآني دائم للبشر في جميع الأجيال، والإعجاز دائم ومستمر إلى يوم الدين.
لا بد أن هناك حكماً أخرى، غير تحدّي العرب البلغاء في ذلك الزمان، وأنّ تحدّي أولئك العرب هو جزء من ذلك الإعجاز، ولكن إعجاز القرآن أكبر من ذلك، لأنه إعجاز ممتد في تحدي البشرية إلى نهاية أجيالها على وجه الأرض.
الآن وفي هذا العصر بالذات، أصبح بإمكاننا أن نتعرف على حِكم أخرى مكنونة وراء هذا الاختيار الرباني لذلك الخطاب الأدبي، وخاصة بعد أن ارتقت الأمم بفنونها الأدبية، وتعمقت في تحليل هذا الخطاب وأدركت عظمته وخطره على أذواق الأمم والرقي بها نحو أهدافها المنشودة، وسوف يتأكد لنا ذلك أكثر، عندما نتعرف على السمات التالية، التي يمتاز بها الخطاب الأدبي، على غيره من أنواع الخطاب:
1- قدرة الخطاب الأدبي على التاثير في أذواق المخاطبين والرقي بها نحو الأهداف المرغوبة.
2- هو أقرب أنواع الخطاب للتربية وتعديل السلوك وتعليم الناس، حيث إنه يرقى بالتفكير والقلب والسلوك من خلال أساليبه المختلفة، كالأساليب النوعية (القصة، والحوار، والمباهلة، والمجادلة، والمخاطبة …) أو الأساليب البلاغية (كالتشبيه، والاستعارة، والمجاز، والمشهد، والرمز ..) أو الأساليب البيانية (كالدعاء والاستفهام والتسوية والنداء والتمني والمقارنة والأمر والنهي ..) وهي أساليب تنبّه الحس الجمالي والمتعة في النفوس وتحمل الفائدة المرجوة في ثنايا الخطاب الممتع فتوصلها بطريقة محببة، بعيداً عن أساليب الجدل الجاف الذي لا تصبر له النفوس ولا ترغب فيه .. .
3- الخطاب الأدبي لا يؤثر عليه تقلب الزمان ولا تغير المكان، ولذلك هو أدوم تأثيراً وخلوداً من أساليب (العلم، والجدل، والخبر) المتقلبة لتطورها وتغيرها المستمر وجفافها، فربما تقرأ الخبر لمرة واحدة ولا ترغب بالعودة إليه، بينما يبقى الخطاب الأدبي متميزاً بالجمال والمتعة والحيوية والفائدة وكذلك بالبقاء والثبات والخلود، ولا يؤثر على قيمته أو دلالته أو جاذبيته تقادم الزمان والمكان أو تقلب الأجيال، لأنه لا يؤدي إلى الملل الذي تقع فيه الأساليب الأخرى، فالنفس لا تملّ من تكرار السماع له مرات ومرات، لأنه معجون بالجمال الجذّاب للنفوس.
4- يمتاز الخطاب الأدبي بقدرته على إيصال محتواه إلى طبقات المجتمع على اختلاف شرائحها، ليسر أداته (اللغة) التي يملكها الغني والفقير والمقيم والمرتحل والبدوي والمتحضر والجاهل والحكيم فهو لا يكلفهم جهداً ولا مالاً، وإذا احتاج إلى شيء من ذلك فقد يحتاج إلى اليسير.
5- وأخيراً، أليس في اختيار الله سبحانه وتعالى للخطاب الأدبي تعليم للبشر، وشهادة منه على أنه افضل أساليبهم لخطابهم والتأثير فيهم، مما يدلل على أهميته وعظمته وفضله وخطره؟
وهنا نسأل أنفسنا، لماذا أهملت الأمة بحث قضايا الأدب في منجزها الفقهي الضخم، ولم تفرد له أبواباً خاصة كما فعلت لغيره، مع أن الله خاطبها بأدواته وأساليبه؟
في ظني أن سبب ذلك الإهمال، يرجع إلى غياب السؤال عن حكمة الخطاب الأدبي في القرآن الكريم عند فقهائنا، مما أدى إلى إهمال قضية الأدب في فقههم، فأوجد ذلك فراغاً فقهياً في بابه، استغله تلاميذ الفلسفة اليونانية في العصر العباسي، وعندها قاموا بتعبئة هذا الفراغ، بترجمة نظريات الشعر عند أفلاطون وأرسطو وهوراس، مما أوجد نقداً عربياً على قواعد الذوق الإغريقي، ينحرف بذوق الأمة عن الاستقلال والتميز، فكان هذا السبب في إجهاض الميلاد الحقيقي لنقد عربي إسلامي، يخرج من مرجعية الأمة ومن إنتاجها الإبداعي.

مجلة الفرقان

https://www.dahsha.com/old/viewarticle.php?id=26264









رد مع اقتباس