منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الأثبات بشهادة الشهود في المواد المدنية و التجارية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-15, 23:04   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع للفصل الأول

المبحث الثالث: ما يجـوز إثباتـه بالشهـادة
بينت المواد 333، 334، 335 من القانون المدني أنه يجوز الإثبات بشهادة الشهود في نوعين من الحالات، حالات يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود بحسب الأصل، وحالات يجوز فيها الإثبات بها استثناء. وسنتعرض فيما يلي لكل نوع في مطلب مستقل حيث نتطرق إلى الإثبات بالشهادة أصلا في المطلب الأول أما المطلب الثاني فنتناول فيه الإثبات بالشهادة استثناء.
المطلب الأول : الإثبات بالشهادة أصلا
الحالات التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود بحسب الأصل يمكن استخلاصها من المادة 333 ق م وهي الوقائع المادية، والتصرفات التجارية، والتصرفات المدنية التي لا تتجاوز قيمتها مائة ألف دينار. وسنتطرق إلى دراسة ذلك في الفروع التالية:
الفرع الأول: الوقائع الماديـة
تنقسم الوقائع القانونية إلى قسمين هما التصرفات القانونية أو الأعمال القانونية، والوقائع المادية، والأصل أن القاعدة المتقدمة وهي عدم جواز الإثبات بالشهادة فيما يتجاوز قيمته مائة ألف دينار لا تنطبق إلا على التصرفات القانونية. ولما كان الأصل الإطلاق، والتقييد استثناء ولأن المشرع لم يفرض أي قيد على إثبات الوقائع المادية، وجب اعتبار إثباتها مطلقا من كل قيد جائز بكافة الطرق بما فيها شهادة الشهود والقرائن، وعلة ذلك أن التصرف القانوني هو إرادة تتجه إلى أحداث أثر قانوني معين ، ولما كانت هذه الإرادة ذات مظهر خارجي هو التعبير عنها، فإن القانون اقتضى ألا يكون إثبات هذا التعبير بشهادة الشهود كقاعدة عامة لاعتبارين أساسين:
أولهما: هو أن توجه الإرادة إلى إحداث الأثر القانوني أمر دقيق قد يخفى على الشهود، فلا يدركون معناه،ولا يؤدون الشهادة فيه بالدقة الواجبة.
وثانيهما: هو أن التصرف القانوني فوق ذلك يستطاع تهيئة الدليل بشأنه وقت وقوعه، أما الواقعة المادية هي أمر يحدث فيرتب عليه القانون أثرا سواء اتجهت إليه الإرادة أم لم تتجه، فهي تحدث و يراها الناس، فلا تختلف افهامهم بشأنها اختلافا كبيرا، فيرونها كما وقعت، إذ هي ليست من الدقة والتعقيد بمنزلة التصرف القانوني، وهي بحسب طبيعتها لا يتيسر إثباتها بالكتابـة، ولذلك كان الأصل فيها جواز إثباتها بطرق الإثبات كافة بما فيها شهادة الشهود( ).
ولكن تجدر الإشارة إلى أن التصرف القانوني يعتبر في مواجهة الغير بمثابة عمل مادي يمكن إثباته بشهادة الشهود، فمن حق الشفيع الذي يعتبر عقد بيع العقار بالنسبة إليه واقعة مادية أن يثبت بالشهود أن الثمن المبين في العقد أعلى من الثمن الحقيقي( ).
ومن أمثلة الوقائع المادية التي تحدث بفعل الإنسان، الأفعال الضارة، حيث يقع على عاتق من يطالب بالتعويض عما أصابه بفعل غيره أن يثبت أركان المسؤولية الثلاثة وهي الخطأ، والضرر والعلاقة السببية بينهما، وكل هذه الأركان وقائع مادية، يعتبر الأصل فيها جواز إثباتها بشهادة الشهود.
وكذلك الإخلال بالتزام عقدي، فرغم أن نشوء الالتزام العقدي لا يثبت بشهادة الشهود إذا كانت قيمته أكثر من مائة ألف دينار جزائري كما رأينا سابقا، إلا أن الإخلال به يعتبر فعلا ماديا يجوز إثباته بالشهادة.
نفس الشيء يقال عن الرضا الضمني، ولو أن الرضا عمل قانوني بل هو الركن الجوهري في العمل القانوني، ولا يجوز إثباته بالشهادة فيما يجاوز مائة ألف دينار، فإن التعبير عنه يمكن في بعض الأحوال أن يكون ضمنيا أو أن يكون باتخاذ موقف لا يدع الحال شكا في دلالته على حقيقة المقصود طبقا لما نصت عليه المادة 60 من القانون المدني : "التعبير عن الإرادة يكون باللفظ و بالكتابة، أو بالإشارة المتداولة عرفا كما يكون باتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه، و يجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون، أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحا"، وحينئذ يمكن إثباته بإثبات الوقائع المادية التي يستنبط منها، ويكون إثبات هذه الوقائع بشهادة الشهود وسائر الطرق فإقرار الموكل عقدا أبرمه وكيله متجاوزا حدود التوكيل، وكذا الأفعال التي يستدل منها على إجازة القاصر-بعد بلوغه سن الرشد- التصرف الذي صد رمنه قبل ذلك تعتبر وقائع مادية تدل على الرضا الضمني يجوز إثباتها بشهادة الشهود.
ومن جهة أخرى إذا ادعى أحد المتعاقدين بعيب من عيوب الإرادة كالغلط أو التدليس قد شاب رضاءه، فبإمكانه إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات، لأن عيوب الإرادة تعتبر من الوقائع المادية. وكذا الأفعال التي يستدل منها قصد أحد المتعاقدين الإضرار بالغير، والأفعال التي يستدل منها علم الشخص بواقعة معينة كعلم المشتري بالعيوب الخفية، أو علم المتعاقد معه بسفه المتعاقد الأخر أو علم المتصرف إليه بإعسار المتصرف المدين، تعتبر كلها أفعال مادية، يجوز إثباتها بالشهادة.
هذا إضافة إلى الأفعال النافعة، والتي تعتبر مصدرا للالتزامات، ففي الغالب تكون أفعالا مادية يجوز إثباتها بشهادة الشهود، فإذا قام الفضولي بجني محصول رب العمل أو بترميم منزله بنفسه جاز له إثبات ذلك بالشهادة.
وإذا تولى شخص عملا لآخر، وأدى هذا العمل إلى افتقار في جانب ذلك الشخص وإلى إثراء بالنسبة إلى الآخر، وكان هذا الإثراء بلا سبب قانوني فإن المثري يلتزم بتعويض المفتقر بأقل القيمتين:الإثراء أو الافتقار طبقا لما نصت عليه المادة 141 من ق م: "كل من نال عن حسن نية من عمل الغير أو من شيء له منفعة ليس لها ما يبررها يلزم بتعويض من وقع الإثراء على حسابه بقدر ما استفاد من العمل أو الشيء، "لأن الإثراء والافتقار من الوقائع المادية فإنه يصبح إثباتهما بجميع وسائل الإثبات، ومنهما الشهادة والقرائن( )
وبما أن التحايل على القانون غش، والغش واقعة مادية فإنه يجوز إثباته بالشهادة، ويكون التحايل حينما يتواطأ المتعاقدان على مخالفة قاعدة قانونية متعلقة بالنظام العام، وحتى لا يقع اتفاقهما باطلا بسبب هذه المخالفة يستر الاتفاق باتفاق آخر ليس فيه مخالفة لأي قاعدة آمرة بحيث يكون هناك في الواقع اتفاق ظاهري أو صوري ليس فيه مخالفة للقانون، واتفاق خفي أو سري يتضمن مخالفة قاعدة من قواعد النظام العام ، فإذا أراد شخص أن يعطي وهو مريض مرض الموت أحد أبنائه جزءا من تركته أكثر مما يستحقه بموجب قواعد المواريث، فأبرم معه عقدا بالبيع، وذكر بأنه تسلم الثمن كله، فإننا نكون بصدد تحايل على قواعد المواريث.
وقد أجاز القضاء في كل من مصر وفرنسا لكل من يتمسك ببطلان الاتفاق المستخدم للتحايل على القانون أن يثبت مخالفة القانون بالقرائن وشهادة الشهود، ولو كان من الواجب إثباته بالكتابة. والإثبات هنا يكون للغير وللمتعاقدين على السواء بهدف الكشف عن الاتفاقات المخالفة للنظام العام والآداب العامة( )
أما الوقائع الطبيعية فمن البديهي جواز إثباتها بشهادة الشهود، و مثال على ذلك الفيضان، والزلزال، والمطر، ونضوج الثمار، والميلاد، والوفاة، غير أن القانون قد وضع نظاما خاصا لإثبات المواليد والوفيات بقيدها في سجلات معدة لذلك وهي سجلات الحالة المدنية التي يجوز الحصول على مستخرجات منها. وما يلاحظ عمليا أنه ترتب على هذا النظام تشدد المحاكم في إثبات المواليد والوفيات بغير هذه المستخرجات، مع أنه إذا لم يكن ذلك ثابتا في السجلات جاز إثباته بأي دليل آخر، ومنها شهادة الشهود وفقا لما نصت عليه المادة 26 ق م :"تثبت الولادة والوفاة بالسجلات المعدة لذلك، وإذا لم يوجد هذا الدليل أو تبين عدم صحة ما أدرج بالسجلات يجوز الإثبات بأية طريقة حسب الإجراءات التي نص عليها قانون الحالة المدنية".

الفرع الثاني: التصرفات التجاريـة
استثنى المشرع المواد التجارية أي المعاملات التجارية التي تحصل بين تاجرين حيث نصت المادة 333 ق م على أن مجال تطبيقها لا يمتد إلى المادة التجارية " في غير المواد التجارية..." ومعنى ذلك أن الإثبات حر في هذه المسائل كقاعدة عامة( )، والعلة في ذلك أن الأعمال التجارية تقوم على الثقة من ناحية، وعلى السرعة من ناحية أخرى، سواء في انعقادها أو في تنفيذها، والكتابة تؤخـر المعاملات وتمـس الثـقة، لذلك حررها المشرع من قيد الكتابة، وجعل الأصل فيها حرية الإثبات، فيستطيع الدائن أن يثبت بواسطة الشهود والقرائن الالتزام الذي يدعيه مهما كانت قيمته، كما أنه يستطيع إثبات ما يخالف أو يجاوز عقدا مكتوبا يدلى به أمام القضاء.
يلاحظ أن هذا الحكم أي عدم اشتراط الكتابة في إثبات التصرفات التجارية مهما بلغت قيمتها يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية في شان إثبات الديون حيث قال الله جل وعلا في الآية 282 من سورة البقرة : ... إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، ويرجع في تعيين الأعمال التجارية التي يجوز إثباتها بشهادة الشهود إلى أحكام القانون التجاري إذ بين من هو التاجر، وما هي الأعمال التجارية. ( )
فإذا كان العمل التجاري بين تاجرين جاز لكل منهما الإثبات بشهادة الشهود، أما إذا كان العمل مدنيا بين تاجرين أو تجاريا بين شخصين غير تاجرين، فلا تطبق القاعدة المتقدمة، ويجب إتباع القواعد الخاصة بعدم جواز الإثبات بشهادة الشهود، أما إذا كان العمل مختلطا أو عملا تجاريا بين طرفين أحدهما تاجر، والآخر غير تاجر، فإن التاجر يلتزم بقواعد الإثبات المدنية في إثبات دعواه ضد غير التاجر، فعليه ألا يثبت ما يدعيه بشهادة الشهود إذا زادت قيمة التصرف على مائة ألف دينار، وعلى العكس تطبق القواعد التجارية في الإثبات ضد التاجر، بحيث يمكنه أن يثبت بشهادة الشهود دعواه ضد التاجر أيا كانت قيمة التصرف، فيستطيع المزارع مثلا أن يثبت في مواجهة التاجر تسليم المحصول إليه بكافة طرق الإثبات ولو زادت القيمة على مائة ألف دينار بينما لا يستطيع التاجر أن يثبت دفع الثمن بشهادة الشهود.( )
وقد صدر عن محكمة سطيف القسم المدني حكما يقضي بإلزام المدعى عليها (هـ. ص) بإعادة المصوغ الذهبي عينا للمدعية (ص. ص) والمتمثل في مقياس ذهبي، اثنين (02) دبلونات وزن الواحدة14.5غرام، ثلاثين(30) ويزة ذهبية وزن الواحدة03 غرامات اثنين(02) فلايك نجود، وسلسلة كارتي، كما ألزمها بدفع تعويض للمدعية قدره ثلاثون ألف دينار جزائري (30.000دج) عن الضرر اللاحق بها. وقد تم تأييده بالقرار الصادر عن مجلس قضاء سطيف الغرفة المدنية في20 نوفمبر، وبعد الطعن فيه بالنقض صدر عن الغرفة المدنية بالمحكمة العليا( ) قرارا تحت رقم2682448 مؤرخ في 30/04/2003 جاء في حيثياته ما يلي: "حيث أن القاضي أول درجة أسس حكمه المستأنف فيه على التصريح الشفهي الذي أدلت به (ط.ر) أمامه أثناء جلسة حضور شخصي للطرفين، وهو التصريح الذي يفيد أن هذه الشهادة قد كانت حاضرة حينمـا سلمت المطعون ضدهـا (ص. ص) إلى الطاعنـة (هـ . ص) المصوغ المتنازع من أجله، وقد استبعد قاضي أول درجة في نفس الوقت الدفع الذي كانت قد أثارته الطاعنة أمامه ثم فيما بعد أمام قضاة الاستئناف، والذي يتمثل في أن أحكام المادة 333 من القانون المدني تمنع صراحة الإثبات بالبينة، بمعنى الإثبات بشهادة الشهود إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته عن ألف(1000دج) ( ) دينار جزائري ... حيث أن مجلس قضاء سطيف اعتبر دون أي تسبيب يذكر بأن المعاملة التي جرت بين الخصمين، هي عقد تجاري، ومن أنه يجوز طبقا للمادة 30 من القانون التجاري إثباتها بالبينة أي بشهادة الشاهدة (ط.ر)
- حيث يجب التذكير أن المواد 2- 3 من القانون التجاري هي التي تعرف أنواع الأعمال التجارية.
- حيث أن المعاملة موضوع الخلاف بين الطرفين لا تدخل في أي نوع من أنواع الأعمال التجارية، وحتى إذا فرضنا أن المطعون ضدها كانت متعودة على شراء قطع ذهبية من أشخاص لتعيد بيعها من جديد إلى أفراد آخرين، بحيث أنها أصبحت هي شخصيا تباشر أعمالا تجارية وتتخذها مهنة معتادة لها بمفهوم المادة الأولى من القانون التجاري، فهذا لا يعني أن المعاملة المذكورة آنفا المتنازع من أجلها هـي معاملة تجارية، ويجب أن يسري عليها القانون التجاري ما دام أن الطاعنة ليست تاجرة، وفي هذا الصدد فإن المادة الأولى مكرر من رقم 96-27 المؤرخ في09/12/1996 من القانون التجاري هي واضحة تمام الوضوح، إذ أنها تنص على أنه يسري القانون التجاري على العلاقات بين التجار... وتطبيقا لنص المادة333 من ق م، وبما أن قيمة المصوغ محل الخلاف كانت تفوق وقت المعاملة المزعومة في شهر جوان1997، كانت تفوق مبلغ ألف دينار جزائري، فما كان يجوز قانونا لقضاة الموضوع أن يستعينوا بشهادة الشاهدة (ط.ر) لإثبات وجود المعاملة المتنازع من أجلها، بل كان يجب أن يحثوا صاحبة الدعوى على الاستظهار بوثيقة مكتوبة لا غير..."
كـما تـم إثـبات دين تجاري -رغم أن قيمته أكثر من مائة ألف دينار جزائري- بشهادة الشهود، فقد صدر القرار المفهرس تحت رقم 00692/08 المؤرخ في 08/03/2008 عن الغرفة التجارية والبحرية بمجلس قضاء سيدي بلعباس، والقاضي بتأييد الحكم المستأنف بناءا على محضري تحقيق بسماع الشهود الذي أجرته المحكمة، وجاء في حيثياته" ضف إلى ذلك محضر سماع الشهود للشاهدين بقوق محمد ورزلاوي طرايقة يحي يؤكد مبلغ الدين الذي هو في ذمة المستأنف المقدر بـ 1.015.739,00دج مما يجعل القاضي الابتدائي أصاب في حكمه وقدر الوقائع أحسن تقدير، ويتعين إذا تأييد الحكم المستأنف فيه في جميع تراتيبه" وقد قضى الحكم محل الاستئناف- بناء على محضر سماع الشاهدين- بإلزام المدعى عليه بلعلة الهاشمي بالدفع للمدعي مالكي بارودي المبلغ المتبقي من الدين حسب مبلغ 1.015.739,00 دج مائة وواحد مليون وخمسمائة وثلاثة وسبعون ألف وتسعمائة دينار طبقا للمادة 333 من ق م والتزام المدعى عليه بلعلة الهاشمي بتعويض المدعي مالكي بارودي بمبلغ قدره 100.000 دج مائة ألف دينار جزائري وذلك عما فاته من كسب وما لحقه من خسارة وفقا لأحكام المادة 124 من ق م.
وإذا كان الأصل في المواد التجارية حرية الإثبات طبقا للمادة30من القانون التجاري التي نصت على أنه: "يثبت كل عقد تجاري سندات رسمية، بسندات عرفية، بفاتورة مقبولة بالرسائل، بدفاتر الطرفين، بالإثبات بالبينة أو بأية وسيلة أخرى إذا رأت المحكمة وجوب قبولها"، إلا أنه وخروجا عن الأصل يتعين الإثبات بالكتابة في حالتين هما:
أولا : إذا استلزم المشرع الكتابة في إثبات العمل التجاري إما لأنه لا يتصور وجوده بغير كتابة كالأوراق التجارية، وإما لأنه ينطوي على أهمية خاصة علاوة على أنه يستغرق وقتا طويلا، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 324 مكرر1: "زيادة عن العقود التي يأمر القانون بإخضاعها إلى شكل رسمي يجب تحت طائلة البطلان تحرير العقود التي تتضمن...أو محلات تجارية...أو التنازل عن أسهم من شركة أو حصص فيها عقود إيجار زراعية أو تجارية أو عقود تسيير محلات تجارية... في شكل رسمي، ويجب دفع الثمن لدى الضابط العمومي الذي حرر العقد كما يجب تحت طائلة البطلان إثبات العقود المؤسسة أو المعدلة للشركة بعقد رسمي..."، وما نصت عليه المادة 545 من القانون التجاري: "تثبت الشركة بعقد رسمي وإلا كانت باطلة"، حيث تعتبر هذه النصوص الكتابة ركنا في وجود التصرف،ولا يمكن تصوره بدونها في نظر المشرع الجزائري( )
ثانيا: إذا اتفق التاجران على أن يكون إثبات المعاملات التجارية بينهما بالكتابة، وهذا الاتفاق صحيح لأن قواعد الإثبات لا تتعلق بالنظام العام، يجوز للمتعاقدين النزول عنها بأن يتفقا على أن لا يكون الإثبات بينهما حتى في علاقتهما التجارية إلا بالكتابة، فيتعين عليهما العمل بموجبه وعلى ذلك يمتنع عليهما الإثبات بشهادة الشهود( ).
ملف رقم 28537 مؤرخ في 11/05/1983 ( ) " قاعدة المادة 333 مدني التي تفوض الإثبات بالكتابة إذا زادت قيمة التصرف على 1000 د ج ليست من النظام العام، يجوز للأطراف أن يتنازلوا عنها صراحة أو ضمنا، ومن ثم لا يجوز أن يثيروها تلقائيا"
الفرع الثالث: التصرفات المدنية التي لا تتجاوز قيمة معينة
سبق وأن ذكرنا أن المشرع لم يجز الإثبات بشهادة الشهود في التصرفات المدنية التي تجاوز100.000 دج أو تكون غير مقدرة، فخرجت من هذا القيد التصرفات المدنية التي لا تتجاوز قيمتها هذا النصاب، واعتبر الأصل فيها جواز إثباتها بالبينة لأن احتمال شراء ذمة الشهود يتضاءل كلما قلت قيمة النزاع، وقد أبقى المشرع على جواز الإثبات بالشهادة فيما لا يجاوز مائة ألف دينار، رغبة منه في التيسير على المتعاملين، ولذلك تعتبر هذه القاعدة موضوعة لمصلحة المتعاقدين أنفسهم، وغير متعلقة بالنظام العام، فيجوز من باب أولى الاتفاق على مخالفتها، فإذا اتفق المتعاقدان على أن الإثبات فيما بينهما لا يكون إلا بالكتابة، حيث يوجز القانون الإثبات بشهادة الشهود صح اتفاقهما ووجب العمل به.
ويرد على قاعدة جواز الإثبات بالشهادة في التصرفات المدنية التي لا تتجاوز قيمتها مائة ألف دينار قيدان : أولهما يتمثل في أنه يجب الإثـبات بالكـتابة في التصرفات المدنـية التي أوجب فيها القانون ذلك، ولو لم تتجاوز قيمتها النصاب المحدد كعقد الكفالة مثلا، وثانيهما إذا كان التصرف المدني الذي لا تتجاوز قيمته مائة ألف دينار ثابتا بالكتابة فلا يجوز إثبات ما يخالفه أو يجاوزه إلا بالكتابة( )
المطلب الثاني: الإثبات بالشهادة استثناء
لما جعل المشرع الإثبات بالشهادة غير جائز في الحالات المهمة، كان الباعث له على ذلك عدم ثقته في شهادة الشهود، وإمكان مغايرتها للواقع كل المغايرة، ولكنه رأى أن المبالغة في تشكيك شهادة الشهود، قد لا يكون لها في بعض الأحوال ما يبررها، وقد تلحق ببعض المتقاضين ظلما واضحا، فاستثنى تلك الأحوال من القاعدة العامة وأجاز فيها الإثبات بالشهادة.
ويمكن رد هذه الأحوال الاستثنائية إلى اعتبارات أهمها وجود ما يجعل دعوى المدعي قريبة التصديق، فلا يكون ثمة محل للتخوف من شهادة الشهود إذا أيدت ذلك وهو ما يصطلح عليه قانونا مبدأ ثبوت بالكتابة، أو قيام عذر بالمدعي يبرر عجزه عن الإثبات بالكتابة كوجود مانع من الحصول على دليل كتابي، أو فقدان السند الكتابي بسبب لا دخل لإرادة صاحبه فيه. وسنتطرق إلى هذه الحالات في الفروع التالية:

الفرع الأول: مبدأ الثبوت بالكتابة (الشهادة كدليل تكميلي)
نصت المادة 335 من القانون المدني على أنه :"يجوز الإثبات بالشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ الثبوت بالكتابة، وكل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال تعتبر مبدأ الثبوت بالكتابة".
يبرر هذا الاستثناء أن وجود مبدأ الثبوت بالكتابة من شأنه أن يجعل ما يدعيه المكلف بالإثبات قريب الاحتمال، مما يبرر الاكتفاء بأدلة أقل قوة من الكتابة، كالشهادة والقرائن لاستكمال اقتناع القاضي. وسنتعرض فيما يلي إلى تعريف مبدأ الثبوت بالكتابة وشروطه، أولا ثم إلى الآثار المترتبة عليه ثانيا.
أولا: تعريفـه وشروطـه
1- تعريفه: يقصد بمبدأ الثبوت بالكتابة كما حدده القانون المدني في المادة 335/2 كل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال.
ولكن يعاب على اصطلاح مبدأ الثبوت بالكتابة الذي اقتبسه المشرع الجزائري من المشرع الفرنسي ترجمة لمصطلح فرنسي Commencement De Preuve Par écrit، وترجمته الصحيحة هي "بداية الثبوت بالكتابة"، ومع ذلك فإن الفقه يسير على استخدام ما جاء به التشريع على الرغم من أنه قد يؤدي إلى الخلط بين "بداية الثبوت بالكتابة" و " قاعدة الإثبات بالكتابة" إذا حصل التعبير عن القاعدة بالمبدأ، لذلك يجب أن يراعى أن كلمة مبدأ لا تعني ما يفهم عادة عند ذكرها أي قاعدة كبرى أو أصلية، وهو ما يفهم عندما يقال مثلا المبادئ العامة،وإنما تعني بداية، أي أن الكتابة هي خطوة أولى في سبيل الإثبات أو دليل غير كامل تكمله الشهادة،وعليه فمصطلح"بداية الثبوت بالكتابة"يكون أوفق من مصطلح "مبدأ الثبوت بالكتابة"
2- شروطه: يتضح من التعريف المحدد قانونا بموجب الفقرة 2 من المادة335من ق م أنه يشترط في مبدأ الثبوت بالكتابة ثلاثة شروط هي وجود ورقة مكتوبة، وأن تكون هذه الورقة صادرة من الخصم، وأن تجعل هذه الورقة الأمر المراد إثباته قريب الاحتمال، ونتطرق لهذه الشروط تباعا.
الشرط الأول: وجود ورقـة مكتوبـة
لا بد في مبدأ الثبوت بالكتابة من وجود ورقة مكتوبة لا تكون دليلا،لأنها إذا كانت كذلك فلا محل لتعزيزها بشهادة الشهود، ولا يلزم أن تكون الورقة موقعة أو معدة، بل يكتفى بأية ورقة كخطاب، أو مذكرة خاصة، أو دفتر منزلي، أو إيصال، أو أقوال وردت في محضر تحقيق أو في مذكرة أقوال الخصم أمام القضاء، بل إن مبدأ الثبوت بالكتابة قد يؤخذ من بقايا ورقة متآكلة، أو قصاصات من ورقة ممزقة إذا أمكن بطريق اللصق ضم بعضها إلى بعض لمعرفة مضمونها( ). ويجوز أن تتضمن الورقة العرفية الموقعة أو الورقة الرسمية بالإضافة إلى ما أعدت لإثباته مبدأ الثبوت بالكتابة بالنسبة إلى أمر آخر يراد إثباته( )، ويعتبر أمر توفر الكتابة أو عدم توفره مسألة قانونية يخضع في شأنها القاضي لرقابة المحكمة العليا، لأنه يتوقف عليها تطبيق حكم القانون الذي يجيز الإثبات بالبينة أو عدمه.
الشرط الثاني: صدور الكتابة من الخصم
يجب أن تكون الورقة صادرة من الخصم الذي يحتج عليه بها، وتعتبر الورقة كأنها صادرة من الخصم، إذا كانت صادرة عن شخص يمثله ****ل، أو وصي، أو قيم...الخ، أما الورقة الصادرة عن شخص لا يمثله، فلا تعتبر مبدأ الثبوت بالكتابة لأنها لا تزيد عن شهادة مكتوبة، ولو كانت العلاقة علاقة بنوة أو زوجية أو اشتراك في مال مشاع أو ميراث، كما لا تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة الورقة الصادرة من النائب خارج حدود نيابته( )
والأصل أن الورقة لا تعتبر صادرة من الخصم إلا إذا كانت موقعة منه، أو من شخص يمثله، أو مكتوبة بخطه أو بخط من يمثله، ولو وجدت في محفظة أوراقه أو أدراج مكتبه( )، غير أن بعض الأوراق يمكن اعتبارها صادرة من الشخص ولو لم تكن موقعة منه أو من يمثله، ولا مدونة بخطه أو بخط من يمثله، كالأقوال التي يدلي بها في محضر تحقيق، أو أقواله الثابتة في محضر جلسة نظر إحدى الدعاوى مادام أن هذه الأقوال لا ترقى إلى حد اعتبارها إقرار، ذلك إنما تدرج في المحضر على مسؤوليته، فتعتبر الورقة التي تتضمنها، وكأنها صادرة منه، حتى ولو كان قد رفض التوقيع على هذه الأقوال ( )
هذا ويلاحظ أن الخصم الذي يحتج عليه بورقة باعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة، يجوز له أن يطعن في صحة صدورها منه عن طريق الطعن بالتزوير، إذا كانت رسمية، أو بطريق الإنكار إذا كانت عرفية فإذا ما تم ذلك فلا يعتد بالورقة كمبدأ ثبوت بالكتابة إلا إذا أثبت صحتها، وفي جميع الأحوال يعد اعتبار الورقة أنها صادرة من الخصم أو ممن يمثله مسألة قانونية يخضع فيها القاضي لرقابة المحكمة العليا.
الشرط الثالث: قرب احتمال المدعى به
ويقصد بذلك أن يكون من شأن الورقة جعل الواقعة المراد إثباتها مرجحة الحصول، وأن هناك مظنة على صحتها( ) طبقا لنص المادة 335/2"... و يكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال..." بمعنى أن تجعل من احتمال صدقها أرجح في عقيدة القاضي من احتمال كذبها، وهذا لا يعني أنه يجب وضوح دلالة الكتابة على الواقعة المدعاة، لأن مبدأ الثبوت بالكتابة لن يكون الدليل الوحيد الذي يبني عليه القاضي حكمه، وإنما تستكمل عقيدته عن طريق شهادة الشهود أو القرائن( )
ومن قبيل ذلك، إذا كان السند العرفي مكتوبا بخط المدين، ولكن غير موقع منه، أو كان السند الرسمي قد لحقه عيب شكلي ولم يكن من المستطاع اعتباره سندا عرفيا، أو إذا كان المدين قد أرسل خطابا إلى الدائن يذكر فيه الدين دون أن يحدد مقداره، أو أن يكون الدائن حاضرا جرد التركة ولا يذكر الدين الذي له في محضرها، إذ يعد ذلك مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة للوفاء بهذا الدين لأنه لو كان لم يوفه المورث لما خلا منه محضر التركة.
وتقديـر ما إذا كانت الكتابة تجعل الواقعة المراد إثباتها قريبة الاحتمال هو من الأمور التي تدخل في نطاق السلطة التقديرية لقاضي الموضوع بعيدا عن نطاق الرقابة القضائية للمحكمة العليا، أما ضرورة أن تكون هناك كـتابة صـادرة مـن الخصـم فهـي مـن مسائل القانون، يجب على القاضي أن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تحمله على الاعتقاد بقرب احتمال تصرف المدعى به.
ويلاحظ أن الشهادة هنا تعتبر دليلا تكميليا، إذ تكمل دليلا ناقصا وهو مبدأ الثبوت بالكتابة، بينما تكون دليلا أصليا حينما يتعلق الأمر بالوقائع المادية والتصرفات التي لا تزيد عن مئة ألف دينار لأن الدعوى تكون خالية من أي دليل.
ثانيا: الأثـر المترتب على وجـوده
إذا توافرت الشروط السابقة يصبح الإثبات بشهادة الشهود كدليل تكميلي جائزا، وإنما على من يريد التمسك بالورقة باعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة، أن يطلب من المحكمة الترخيص له بالإثبات بشهادة الشهود لاستكمال دلالتها، وإلا فإن القاضي لا يعتد بالورقة لأنها لا تعتبر في ذاتها دليلا كاملا أي انه يشترط للإفادة من مبدأ الثبوت بالكتابة:
- أن يتمسك صاحب المصلحة بمبدأ الثبوت بالكتابة.
- أن يطلب صاحب المصلحة من القاضي استكمال دلالة مبدأ الثبوت بالكتابة عن طريق شهادة الشهود( ).
كذلك هو جائز في إثبات ما يخالف أو ما يجاوز الثابت كتابة، وهو جائز أيضا في إثبات التصرفات القانونية التي يتطلب المشرع لإثباتها الكتابة بغض النظر عن قيمتها كعقد الصلح مثلا، لأن المفروض أن مبدأ الثبوت بالكتابة المعزز بشهادة الشهود كالدليل الكتابي الكامل وإلا لما أطلق على الشهادة في هذه الحالة الدليل التكميلي ومبدأ الثبوت بالكتابة إذا كان يقوم مقام الإثبات بالكتابـة إذا كملتـه شهـادة
الشهود في الأعمال المادية فإن ذلك يكون من باب أولى في المعاملات التجارية.
ملف رقم 22117 مؤرخ في 19/05/1982 ( ) " إن النزاع القائم بين الزوج والزوجة حول المصوغ الذي عجزت عن إثبات ملكيتها له بالكتابة سوى حيازتها لفاتورات البعض دون تشكيل دليل كامل لملكيتها له، فإنه يجوز حسمه بوسيلة إثبات أخرى ... ما دامت الفاتورات المذكورة تشكل لصالح الزوجة قرينة جديرة بهذه الوسيلة إلى جانب المصوغات التي تنسب عادة بالنظر إلى طبيعتها إلى المرأة، والقضاة الذين استبعدوا طلب الزوجة الرامي إلى تثبيت إدعائها بالشهود يكونون قد خالفوا أحكام المادة 335 من ق م التي تجيز في مقتضياتها حسم النزاع بوسائل إثبات غير الكتابة مما يتعين معه نقض القرار
الفرع الثاني: المانع من الحصول على دليل كتابي (الشهادة كدليل بدلي)
نصت المادة 336 من ق م على أنه: "يجوز الإثبات بالشهود أيضا فيما يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي..."
فهذا النص يعفي المكلف بالإثبات من تقديم الدليل الكتابي، إذا كان هناك من الأسباب ما يجعل من المستحيل عليه أن يحصل على هذا الدليل، فإذا حالت ظروف دون ذلك تحتم الاستثناء، لأن القاعدة العامة مفادها أنه "لا يلزم أحد بمستحيل" ولا يقصد بالاستحالة هنا الاستحالة المطلقة الناتجة عن طبيعة الواقعة محل الإثبات، بل الاستحالة التي ترجع إلى ظروف خاصة بالمكلف بالإثبات، والتي تعتبر مانعا من حصوله على دليل كتابي في الأحوال التي يوجب فيها القانون إعداد الكتابة لإثبات التصرفات القانونية.
وقيام المانع من الحصول على دليل كتابي يجيز للمحكمة -دون إلزام- أن تأذن في إثبات مـا كان يجـب إثباتـه بالكــتابة عـن طريـق شـهادة الشهـود أو القـرائن، سـواء كـان تصـرفا مدنيا تجاوزت قيمته نصاب الإثبات بالشهادة، أو كان أمرا يخالف أو يجاوز ما هو ثابت بالكتابة أو كان تصرفا قانونيا يوجب القانون إثباته بالكتابة، ولو لم تجاوز قيمته نصاب الشهادة، كالصلح والكفالة، غير أن ثبوت قيام المانع من الحصول على دليل كتابي لا يجيز الإثبات بشهادة الشهود بالنسبة للتصرفات القانونية الشكلية لأن الشكل ركن في تلك التصرفات، ويترتب على تخلفه بطلان التصرف، وقد حدد المشرع في النص السالف الذكر نوعين من الموانع وهي المادية، والموانع الأدبية وسنتطرق لكل منهما فيما يلي:
أولا- المانع المادي: ويقصد به المانع الذي ينشأ عن الظروف الخارجية لإبرام التصرف والتي تمنع ماديا من الحصول على الدليل الكتابي، ويلاحظ أن المشرع لم يحدد مقدما ما يعتبر من الموانع المادية، وإنما ترك ذلك لسلطة القاضي التقديرية لاستخلاصه من ظروف الدعوى، ذلك أن توافر المانع المادي مسألة تتعلق بظروف كل واقعة على حدي، ولذلك كان القول الفصل لقاضي الموضوع لتقدير وجوده أو عدم وجوده.
ويفترض في المانع المادي الذي يحول دون الكتابة، أن يكون التصرف القانوني قد نشأ في ظروف لم يكن لذوي الشأن فيها فسحة من الوقت، أو وسيلة للحصول على دليل كتابي.
ومن قبيل التطبيقات التي تشكل مانعا في القضاء المصري، ما يسمى بالوديعة الاضطرارية، أي إيداع الشخـص لأمـواله لـدى آخـر لدفـع خطر داهم عنها، لا تسمح سرعة هذا الخطر الداهم بالانتظار للحصول على كتابة تثبت الوديعة، أو حتى لإحصاء الأشياء المودعة إحصاء دقيقا، كإيداع المنقولات لدى الجيران في حالة نشوب حريق، أوفي حالة الغرق، أو الفيضان، أو الغـزو، فإذا أثبت الشخص ظروف الوديعة كان في وسعه أن يقدم أي دليل لإثباتها، بما في ذلك شهادة الشهود، ولو كانت قيمة الأموال المودعة تزيد عن 100.000 دينار جزائري.
والمانع المادي يتوافر في كل حالة يتم فيها إبرام التصرف في ظروف اضطرارية مفاجئة، كما لو اقترض مسافر من أحد مودعيه مبلغا يزيد عن مائة ألف دينار عند سفره في المطار، وقبل قيام الطائرة مباشرة بسـبب مـا اكتـشفه عندئـذ من فقد نقوده، أو نسيانها في البيت ففي هذه الحالات لا يتسع الوقت للحصول على الدليل الكتابي، فيكون المانع هو الظروف التي تـم فـيها التعاقد. وقد يكون المانع هو المكان الذي يتم فيه التعاقد إذا انعدمت فيه وسـائـل الكتابة أو كان المتعاقدان لا يعرفان الكتابة، ولا يوجد من بينهم من يعرف الكتابة، ويلاحظ أن بعض التشريعات العربية مثل التشريعين السوري و العراقي نصا صراحة على اعتبار عدم وجود شخص يستطيع كتابة السند في مكان التعاقد مانعا ماديا يتعذر فيه الحصول على دليل كتابي( ).
ثانيا- المانع الأدبي: قد يكون المانع من الحصول على دليل كتابي مانعا أدبيا غير مادي، وفي هذه الحالة لا ترجع استحالة الحصول على الدليل هنا إلى ظروف مادية، أو خارجية تحيط بالتعاقد، وإنما ترجع إلى اعتبارات وظروف نفسية، أو أدبية تقوم في الوقت الذي تم فيه التصرف، فتمنع الشخص من المطالبة بالدليل الكتابي.
والمشرع لم يحدد حالات هذا المانع، وإنما درج الفقه على أنه يكون إبرام التصرف المنشئ للحق في ظروف تجعل المتعاقد يحجم من الناحية النفسية عن طلب الدليل الكتابي من المدين، وفي معظم الأحوال ينتج هذا المانع عن وجود صلة قرابة أو صداقة أو تبعية بين الدائن والمدين، أو عن جريان عرف بعدم إعداد دليل كتابي في مثل المعاملة التي تمت بينهما.
1- المانع الناشئ عن وجود صلة بين الدائن والمدين: قد تكون هناك بين الدائن والمدين صلة من شأنها أن تحول دون طلب الدائن لدليل كتابي على حقه، نظرا لأن هذه المطالبة قد تفسر بانتفاء ثقة الدائن بمدينه، وهو ما قد يؤدي إلى إفساد الصلة القائمة بين الاثنين عند نشوء المديونية، والصلة التي تعتبر مانعا أدبيـا من الحصول على دليل كتابي قد تكون صلة القرابة أو الزوجية أو عمل أو صداقة.
ملف رقم 62.268 بتاريخ 15/07/1990 ( ) "من المقرر قانونا أنه يجوز الإثبات بالبينة لمن وجد له مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي، ومن ثم فإن النعي عن القرار بمخالفة القانون في غير محله، ولما كان من الثابت في قضية الحال أن علاقة الطرفين هي علاقة الأبوة والبنوة تمثل مانعا أدبيا، ومن ثم فإن قضاة الموضوع عند أخذهم بالبينة كانوا مطبقين صحيح القانون التطبيق السليم، ومتى كان ذلك استوجب رفض الطعن".
وتقدير ما إذا كان المانع أدبيا يمنع من الحصول على دليل كتابي من عدمه هو من الأمور الموكلة إلى قاضي الموضوع، فيجب على القاضي أن يستخلص من ظروف بعض الدعاوى أنه رغم توافر صلة القرابة أو الصداقة أو الزواج عدم ثبوت المانع الأدبي، وخصوصا إذا ثبت للقاضي سبق حصول معاملات بينهما من نفس المعاملة موضوع النزاع، وان الدائن في المعاملات السابقة كان يحرص دائما على الحصول من مدينه على دليل كتابي يثبت حقه، ومثال على ذلك أن يكون أصل الدين بين الأزواج والأقارب ثابتا بالكتابة فحينئذ لا يصح اعتبار الزوجية أو القرابة مانعا أدبيا من الحصول على سند مكتوب بالوفاء بالدين.
2- المانع الناتج عن العرف: هناك بعض صور المعاملات تجري العادة على عدم جواز المطالبة فيها بالدليل الكتابي لاعتبارات أدبية، مثل صاحب المطعم مع العملاء، فهو يمتنع عليه أدبيا أن يحصل من العميل على سند مكتوب بمقدار ما يطلبه من طعام مقدما إذا وجد أن قيمة المطلوب تجاوز مئة ألف دينار جزائري، وكذلك تعامل الطبيب مع مرضاه، فالعادة جرت في مهنة الطب أن الطبيب لا يحصل على دليل كتابي يثبت العلاج الذي قدمه للمريض وقيمته.
ويلاحظ أن المانع المقصود بالمادة 336 من التقنين المدني سواء كانت ماديا أو أدبيا أن يكون واقعة مادية، يقع عبء إثباتها على من يدعي وجودها بكافة طرق الإثبات، بما في ذلك شهادة الشهود والقرائن، ويستطيع بعد ذلك الإثبات بالشهادة رغم أن التصرف تجاوز نصاب الإثبات بهـا، وتقدير قيـام المانع مسألة موضوعية لا رقابة فيها للمحكمة العليا بشرط أن يسبب القاضي تقديره.
الفرع الثالث: فقدان السند الكتابي لسبب أجنبي الشهادة دليل بدلي
تنص المادة 336 ق م على أنه: "لا يجوز الإثبات بالشهود أيضا فيما كان يجب إثباته بالكتابة:
- إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي.
- إذا فقد الدائن سنـده الكتابـي لسبب أجنبـي خارج عن إرادتـه.
والمقصود بالدائن في هذا النص ليس من يداين غيره فحسب، بل كل من يدعي أمرا على خصمه كان ثابتا بسند مكتوب، وضاع منه بسبب أجنبي، سواء كان ذلك الأمر نشوء التزام، أو انقضائه، أو تعديله، فينطبق حكم هذا النص على المدين إذا ادعى أنه تخالص مع دائنه وفقد منه سند التخالص بسبب أجنبي، أو إذا ادعى أنه اتفق مع الدائن كتابة على تأجيل الدين أو تعديله أو انتقاله، وأن السند المثبت لهذا الاتفاق ضاع منه بسبب أجنبي، وعلى كل حال يكون فيها المدعي قد رأى حكم القانون المتعلق بوجوب الإثبات بالكتابة، فحصل ممن تعاقد معه على دليل كتابي مثبت للتعاقد، ثم فقد هذا الدليل لا بتقصير من جانبه بل بسبب أجنبي.
يتضح من ذلك أنه يشترط في إجازة الإثبات بشهادة الشهود فيما يجب إثباته بالكتابة في هذه الحالة يجب أن يثبت المدعي أنه كان يوجد دليل كتابي على صحة دعواه، وأن هذا الدليل قد فقد بسبب أجنبي( ) وهذا ما سنتناوله في الشرطين التاليين:
أولا- سبق وجـود السنـد
على المكلف بالإثبات أن يقيم الدليل على سبق وجود سند كتابي، أي أن هذا السند قد وجد فعلا، وأنه دليلا كتابيا كاملا مستوفيا جميع الشروط القانونية، فلا يكفي أن يثبت وجود ورقة مكتوبة بخط المدعى عليه دون توقيعه، ولو كانت هذه الورقة تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة، لأن المادة 336/2 من القانـون المـدني إنـما وضعـت لحماية من احترم قاعدة جواز الإثبات بالشهادة، وأعد دليلا كتابيا، ثم أصبح بعد ذلك عاجزا عن تقديم الدليل الكتابي لسبب خارجي عن إرادته، أما من قصر في الحصول على دليل كتابي مع تمكنه من ذلك، فلا يقبل منه الاعتذار بضياع ورقة لم تعد لأن تكون دليلا كتابيا على المراد إثباته.
وسبق وجود السند الكتابي يعتبر واقعة مادية يجوز إثباته بجميع طرق الإثبات بما في ذلك شهادة الشهود، وينصب الإثبات على وجود السند الكتابي عند إبرام التصرف ومضمون السند، وعلى مراعاة شروط الصحة التي يتطلبها القانون إن كان من المحررات الرسمية.
ثانيا- فقد السند بسبب أجنبـي
لا يكفي أن يثبت المكلف بالإثبات سبق وجود الدليل الكتابـي، بل يجب عليه أيضا أن يثبت أنه أصبح عاجزا عن تقديم ذلك الدليل بسبب أجنبي، ويجب ألا يكون فقد السند راجعا لخطأ من جانبه، لأنه بهذا الخطأ لا يكون جديرا بالاستفادة من هذا الاستثناء، فيعتبر الشرط متوفرا إذا سرق السند، أو أعدم بمعرفة المدعـى عليه، أو بمعرفة شخص أجنبي، ولكن بشرط ألا يكون إهمال المدعي سببا في تيسير سرقة السند أو إتلافه، كما لو ترك مكان حفظ السند مفتوحا، وبدون حراسة، فإن إهمال المدعي في هذه الحالة يبعد فكرة الحادث القهري، وكذلك لا يكون فقد السند بقوة إذا كان المدعي قـد مزقه بإهمـال بيـن أوراق أخرى.
ويلاحظ عمليا أن القضاء عندنا يحتاط كثيرا في قبول الدليل على إدعاء فقد السند الكتابي بسبب أجنبي، إلا إذا عززها بطريق آخر كالقرائن مثلا، على الرغم أنه يترتب على ثبوت فقد الدليل الكتابي بسبب أجنبي جواز الاستعانة بشهادة الشهود، ومرد هذا الاحتياط هو أنه بإمكان أي مدع أن يلجأ إلى الشهادة خاصة في وقت قلت فيه الضمائر، ونقص الوازع الديني في النفوس، لإثبات سبق وجود دليل كتابي ثم إثبات ضياعه بسبب خارج عن إرادته، وذلك بكل سهولة ودون عناء.










رد مع اقتباس