منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - طبيعة النظام السياسي الجزائري
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-11, 21:46   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة1

أمّا الجنرال اليامين زروال العائد إلى السلطة بعد طول تقاعد فقد أحتار من أين يبدأ, فهو يلوّح تارة بالنار وتارة بالحوار , وكان ينتظر أن ينتهي رئيس حكومته رضا مالك من التفاوض مع صندوق النقد الدولي ليقوم بتنحيته , وبالفعل تمّت تنحية رضا مالك ليقال أنّ اليامين زروال مع الحوار والمصالحة الوطنية . وكان التحدّي الأول الذي واجه اليامين زروال هو في كيفية القضاء على مراكز القوة وتوحيد الخطاب السياسي , خصوصا في ظلّ تصعيد حكومة رضا مالك من لهجة خطابها ضدّ التيارات الإسلامية , وأستمرّ في توفير الغطاء السياسي لأمثال الدكتور سعيد سعدي زعيم التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية الذي كان يطالب بتسليح منطقة القبائل لمواجهة الجماعات الاسلامية المسلحة . كما أنّ وزير الداخلية في حكومة رضا مالك العقيد سليم سعدي كان يدعو إلى استدعاء احتياطي الجيش الجزائري لمواجهة الحركات الأصولية المسلحة , وفوق هذا وذاك فانّ هناك من أوعز إلى الصحافة الفرانكفونية بشنّ حرب على زروال(4).
وأشاع حلفاء رضا مالك بأنّ زروال مجرّد بيدق في اللعبة الجزائرية , وأنّه لا يملك فعل أي شيء تجاه الصقور الذين وضعوه أمام الأمر الواقع , وفوق هذا وذاك فانّ الجمعيات النسوية التابعة لتحالف البربر واليسار والفرانكفونية خرجت في تظاهرة إلى الشوارع في الجزائر العاصمة وأخذت ترددّ شعارات من قبيل : زروال لا تخلع السروال . أي إياك أن تتخلى عن رجولتك وتتحاور مع الأصوليين (5).


(1)- فوزي أوصديق, النظام الدستوري الجزائري ووسائل التعبير المؤسساتي......ص 154.
(1)- فوزي أوصديق, نفس المرجع, ص 178.
(3)-رؤساء الجزائر بعد إستقلالها, 24/1/06.https://www.yallayaarab.biz/vb/archiv...p/t-86909.html
(4)-نفس الموقع
(5)-نفس الموقع

ويبدو أنّ اللواء اليامين زروال كان يتعامل مع هذه المناورات بكثير من الصمت , ومعروف عن زروال أنّه كثيرا ما كان يتخذ قراراته بعيدا عن الضجيج الإعلامي , وقبل توجهه للعاصمة التونسية للمشاركة في أعمال القمة المغاربية , اتصلّ بمقداد سيفي وزير التجهيز في حكومة رضا مالك وأمره بالتهيؤ لاستلام رئاسة الحكومة خلفا لرضا مالك الذي كان يتوقّع أن يدعمه الصقور إلى النهاية أو أقلا ريثما ينتهي من تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي , إلا أنّ الأزمة الجزائرية مثلما أزهقت أرواح عشرات الآلاف من الجزائريين , فقد أجهزت على العديد من كباش المحرقة والفداء , وهذه من قواعد السياسة خصوصا في عالمنا العربي !(1).
وما سبق فرئيس الجمهورية في دستور 1989, وسّع في مسؤولياته وصلاحياته في الحالة الإستثنائية, وكذلك في دستور 1996, خاصة في ظل الظروف غير العادية للبلاد من خلال المواد: 91, 92, 93, 94, 95.
لقد ساهمت الأزمة في عدم الإستقرار الحكومي, فشهدت الجزائر عدة حكومات نذكر نماذجها كالآتي: حكومة السيّد: أحمد غزالي, برنامج عمله صادق عليه المجلس الأعلى للدولة في فيفري 1992 وتمحور حول: هيكلة المؤسسات العامة الإقتصادية, تنظيم السوق المالية, توجيه الدولة للتنمية(2).
حكومة بلعيد عبد السلام: جاءت إثر إستقالة غزالي في: 08/07/1992, بعد إغتيال بوضياف, صُودق على برنامجه من طرف المجلس الأعلى للدولة في: 19/09/1992, ضمّ 03 مواضيع ( تشخيص الوضعية الراهنه آنذاك, تحديد المحاور الكبرى للتنمية, وتقديم الأعمال الفورية للحكومة(3).
بالنسبة لدور الحكومة بالمقارنة بين الفترة الإنتقالية ودستور 1996, فنجد أوجه تشابه وأوجه إختلاف: في أوجه التشابه نلاحظ أن في كليهما تسهر الحكومة على السير الحسن للمصالح العامة,(حسب نص المادة رقم: 85/05 من دستور 1996) وفي المادة رقم: 84 من دستور 1996 تقدم الحكومة بيان السياسة العامة, وهو ما ورد في الفترة الإنتقالية.
أما عن أوجه الإختلاف: في دستور 1996 رئيس الحكومة يقدم البرنامج إلى المجلس الشعبي الوطني, للموافقة عليه وهذا الأخير يناقشه ويمكن لرئيس الحكومة أن يُكيّف برنامجه على ضوء المناقشة المُسفر عنها, وفي ظل المرحلة الإنتقالية: يعرض رئيس الحكومة البرنامج على المجلس الوطني الإنتقالي للموافقة عليه ويصادق عليه بأغلبية ثلثي (2/3) الأعضاء, إلا في حالة التصويت على لائحة تحفظات, ويمكن لرئيس الحكومة تكييف البرنامج حسب هذه التحفظات أو يطالب تصويتا بالثقة(4).
كذلك في الفترة الإنتقالية, مهمته تنفيذ سياسة الدفاع الوطني والسياسة الخارجية للبلاد بينما في دستور 1996 فهي موكلة لرئيس الجمهورية, كذلك سلطة التشريع بأوامر, كانت في ظل الفترة الإنتقالية من صلاحيات رئيس الحكومة بينما في دستور 1996 فهي لرئيس الجمهورية فقط(5).
نلاحظ إذن تداخل السلطتين: التنفيذية والتشريعية, بل تلاحم مما يُعبّر عنه بوجود السلطتين بيد سلطة واحدة, وهذا ما يُدعّم ركائز النظام الرئاسي المتسلّط في ظل المرحلة الإنتقالية الرهيبة! لأن المجلس الوطني الإنتقالي يمثل رئيس المجلس الشعبي الوطني, كما يمثل في ذات الوقت رئيس الجمهورية وله نفس صلاحيتهما. من هنا إذن بعد هذه الدراسة التحليلية المعمّقة, يجب التوصل إلى مجموعة الحلول لتسوية الكثير من المشكلات ومن أهم هذه الحلول:
1- الحد من قضية الإبعاد والإقصاء لأي من القوى السياسية الفاعلة.
2- تحييد دور المؤسسة العسكرية, وعدم تدخلها في السياسة, حتى يتسنّى للنظام السياسي الإستمرار والإستقرار(6).

(1)-رؤساء الجزائر بعد إستقلالها, 24/1/06 https://www.yallayaarab.biz/vb/archiv...p/t-86909.html
(2)- فوزي أوصديق, النظام الدستوري الجزائري ووسائل التعبير المؤسساتي......ص 192.
(3)- فوزي أوصديق, نفس المرجع, ص 193.
(4)- فوزي أوصديق, نفس المرجع , ص 198.
(5)- فوزي أوصديق, نفس المرجع , ص 199.
(6)- خيري عبد الرزاق جاسم, التحول الديمقراطيhttps://www.demoislam.com/modules.php...rticle&cid=491

3- حل المشكلات السياسية والإقتصادية (المشاركة السياسية والأزمة الإقتصادية).
4- نجاح التحوّل الديمقراطي رهين بحل كل المشاكل التي وقفت كحجر عثرة أمام النظام السياسي.

المطلب الثاني: طبيعة النظام السياسي الجزائري في ظل دستور 1989.
لكل دولة دستور ينظم سلطاتها ونظام الحكم فيها, والجزائر مرّت حياتها السياسية بـ 04 دساتير دستور 1963, دستور 1976, دستور 1989, دستور 1996, ورغبة من المؤسس الدستوري في إعطاء السمو للدستور, فقد أولى المجلس الدستوري فكرة الرقابة على القوانين, والتي ظهرت في الجزائر مع صدور أول دستور وهو دستور سنة 1963(1).
ولقد نص دستور 1989 في مادته رقم: 153 على إحداث مجلس دستوري, يسهر على الحرص على مدى مطابقة قوانين للدولة للدستور الذي يعتبر العمود الفقري الذي يقوم عليه نظام الحكم في الدولة مع ملاحظة دوما أن الوثيقة الدستورية تختلف عن حقيقة الحياة السياسية العملية التي تكاد تخرق الدستور.
وبالرغم من ذلك, فنظام الحكم الذي أقرّه دستور 1989 يختلف إختلافا جليّا عن نظامي الحكم المعتمدين في دستور 1963 و 1976 , فقد ظهر بموجبه مبدأ الفصل بين السلطات, والتعددّية الحزبية, ومسؤولية الحكومة أمام البرلمان عوض وحدة السلطة والحزب الواحد المحتكر للسلطة والنظام الإشتراكي, وذلك لعجز الحكومة عن الإستجابة لمطالب الشعب, تحت وطأة الأزمة الإقتصادية العالمية, ضف إلى ذلك البيروقراطية مما رتّب فقدان الثقة بالحكام, وظهرت فجوة كبيرة بينهم وبين المحكومين, مما أدى إلى الثورة على الأوضاع والمطالبة بالتغيير الشامل, للقضاء على إحتكار السلطة(2).
فقد عرف النظام الإشتراكي الجزائري القائم على الحزب الواحد المحتكر للسلطة منذ سنة 1963 أزمات عديدة زادته قوّة نتيجة ضعف السلطة, وما حدث في أكتوبر سنة 1988 أدى إلى التخلي عن النظام الإشتراكي, وإستبداله بنظام حر يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات والتعددية الحزبية, والتنافس السياسي السلمي على السلطة في ظل الحرية, ورغبة في الإحاطة بموضوع نظام الحكم في ظل دستور 1989.
وقد طرح الإشكال التالي: هل الوثيقة الدستورية لسنة 1989 هي تعديل لدستور 1976؟ أم أنها وثيقة منفصلة, متميّزة تُعبّر عن دستور جديد؟.
لقد إهتم هذا الدستور بتنظيم السلطات موزعا إياها بين السلطات الثلاث: التنفيذية, التشريعية والقضائية, خلافا لدستور 1976 الذي إستعمل تعبير السلطة, ووزعها بين 06 وظائف سياسية, وتنفيذية, تشريعية, قضائية, ووظيفة المراقبة والوظيفة التأسيسية, ففي دستور 1989 الفصل بين السلطات دون مشاركة أي سلطة في مهام السلطة الأخرى, وما يتضح من هنا هو الفصل الجامد, الموجود في النظام الرئاسي, لكن في نفس الوقت, الحكومة مسؤولة أمام البرلمان, وهذه خصائص النظام البرلماني وهنا يكون الفصل مرنا, فهو أخذ بخصائص النظامين معا.
وأُنشأت مؤسسات دستورية, تسهر على دستورية القوانين, وما أدى إلى إعتماد التعددية الحزبية في ظل دستور 1989 هو خلفيات سياسية وأسباب متعدّدة, وهو ما نتج عن أحداث أكتوبر 1988, فيعتبر خطاب 19/09/1988 الذي ألقاه رئيس الجمهورية " الشادلي بن جديد" - أمام مكاتب التنسيقية الولائية, موجّها إنتقادات لاذعة للحزب والحكومة, بسبب تقصيرها في آدائها مهامها - محاولة لعلاج المشاكل التي يتخبط فيها المجتمع(3).
مؤكدا على الإستمرار في إنتهاج سياسة التقشف لمواجهة الأزمة الإقتصادية التي تُعاني منها الدولة الجزائرية, بعد إنخفاض سعر البترول, مما كان له أثره السيئ على نفوس أفراد الشعب, لكن رغم هذا إتسعت حركة الإضرابات, وتنظيم المظاهرات المناهضة للنظام يوم: 05/10/1988, مما عُبّر عنها : بأنها أعمال شغب, قامت بها مجموعة لا تتمتع بالحس المدني, مدفوعة بأيدي خفيّة من الخارج.

(1)- بوكرا إدريس, مرجع سبق ذكره, ص119.
(2)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, ص 173.
(3)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 177.
وسياسة الحكومة المعتمدة هي السبيل الوحيد للخروج من الأزمة.
ومن هنا قرّر الرئيس حالة الحصار طبقا للمادة رقم: 119 من الدستور, وذلك في: 06/10/1988, ودخل الجيش بذلك إلى العاصمة, وعُرفت هذه المظاهرات, بإسفارها عن خسائر مادية وبشرية, وفي 10 أكتوبر 1988 ألقى الرئيس خطابا ندّد فيه بالخسائر, ولم يذكر الحزب الواحد أصلا لإحتكاره السلطة(1).
وفي يوم: 11/10/1988 عادت الحياة إلى طبيعتها, وعّدل الدستور في: 03 نوفمبر 1988, ثم تلتها وثيقة تعديل شامل في: 23/02/1989, ومن أسباب الأزمة: سياسة التقشف التي إنتهجتها الحكومة, نتيجة إنخفاض سعر البترول وتدني القدرة الشرائية للمواطن, وتجميد الأجور منذ أربع (04) سنوات, وإرتفاع أسعار السلع, فالسلطة لم تعد قادرة على السيطرة على الأسعار إضافة إلى تفشي ظاهرة البطالة(2).
وكذلك قلة المردودية ( مردودية المؤسسات الإقتصادية) وإرتفاع المديونية من مليار دولار سنة 1970 إلى 19 مليار دولار سنة 1988, ز إلى ذلك ظهور طبقة برجوازية, أثرت على المصلحة العامة وذلك لأسباب إتخذتها في ظل النظام الإشتراكي, مكّنتها من ثروة طائلة غير مسموح بها في ظل نظام لبرالي بسهولة, وأصبحت السياسة الموجودة هي: فسح المجال أمام هذه الطبقة لتمويل السوق الوطنية, خاصة وأن الدولة عاجزة عن سد حاجات السوق والمواطنين, وكُشفت بذلك نقائص القطاع العام, وتخزين المواد الأساسية وسوء تموين السوق, ورفع أسعار ما يعرض فيها, وإرجاع ذلك إلى القطاع العام(3).
أما السلطة السياسية, فقد حاولت إيجاد حل وذلك بإعادة هيكلة المؤسسات الإقتصادية التابعة للدولة, هيكليا ثم ماليا, وإعادة تنظيم الفلاحة.
وبتاريخ: 24 أكتوبر 1988 أصدرت رئاسة الجمهورية بينا يُحدّد العناصر الرئيسية التي يتضمنها الجانب الثاني من مشروع الإصلاحات السياسية, فالمشروع ليس من وحي الحزب بل من الرئاسة.
وقد تولى المكلف بالأمانة الدائمة الإشراف على مناقشة مشروع العمل السياسي المقدم من قبل رئاسة الجمهورية, على إثر أحداث أكتوبر, والقاضي بتأصيل جبهة التحرير الوطني, وإقرار تعدد الحساسيات والتيارات داخل الجبهة, وهو المشروع الذي حلّ محل المشروع الأول الذي عُرض على مناضلي الحزب والمتكوّن من محورين: أحدهما خاص بالجانب النظامي والتنظيمي, والثاني يتعلق بجانب التنمية, وناقشها المناظلون آنذاك ثم رُفعت التقارير إلى الهيئات المركزية, وأُعيد المشروع مرة أخرى للقاعدة الحزبية لإثراءه, ثم رُفع إلى الأمانة الدائمة للجنة المركزية, أين أقرّه نهائيا كمشروع تقرير للمؤتمر(4).
وعلى إثر ذلك وتجنبا لأي فوضى يُحتمل وقوعها في المؤتمر, إجتمع المكلف بالأمانة الدائمة مع أُمناء المحافظات, وطلب منهم طمأنة المناضلين واعدا إياهم بأن المشروع في جانبه الأول هو الذي سيُعتمد (النظامي والتنظيمي)(5).
وبالرغم من مقاومة المحافظين للإصلاحات السياسية, فإن حركة أكتوبر بخلفياتها وأسبابها وآثارها ونتائجها, لا سيّما السياسية منها, قد كرّست المسار الإصلاحي ودعّمته.
إذ مس حتى الجانب السياسي وليس الإقتصادي فقط, وطلب الشعب بذلك إبداء رأيه في ظل الأوضاع والتحولات الجديدة, وهذا لا يكون إلا في ظل التعددية السياسية والحزبية, فبعد طمأنة المندوبين للمؤتمر وإبعاد المراكز التي كانت تتخذ القرار فوجئ المندوبين في المؤتمر بحضور مختلف إطارات الدولة وتحوّل المؤتمر من مؤتمر حزب إلى مؤتمر للإطارات بعد السماح لها بالتصويت, كحق أدى إلى تأرجح الكفة لصالح دعاة الإصلاح من إطارات ومناضلين(6).


(1)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, ص 178.
(2)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 179.
(3)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 181.
(4)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 182.
(5)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 182.
(6)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 182. 183.

كما فوجئوا بإبعاد اللائحة النظامية, وحلّ محلها لائحة مشروع القانون الأساسي لجبهة التحرير , الذي يقضي بأن المسائل النظامية ينظر فيها المؤتمر الإستثنائي (يعقد لدراسة موضوع إستثنائي فقط), حيث أن الجبهة لم تتخذ الشكل النهائي بعد, وقيادة المؤتمر إكتفت بإعلام المندوبين بأن كل محافظة ستُمثل بعضو منتخب من بين المندوبين, داخل اللجنة المركزية, حيث إنشغل المندوبون بإختيار ممثليهم وأعضاء اللجنة المركزية يسعون للبقاء في اللجنة القادمة, في حين تلاوة اللوائح المتضمنة لقانون الجبهة.
حيث فضّل بعض المندوبين الإمتناع عن التصويت بدلا من الرفض , لا سيّما لدى عرض مشروع القانون الأساسي (1).
فنالت اللوائح موافقة الأغلبية الحاضرة في المؤتمر, وبذلك وُضع حد لنظام الحزب الواحد, وحلت محلّه جبهة التحرير الوطني, وتقرّر حينئذ مبدأ التعددية السياسية تمهيدا للإنتقال إلى التعددية الحزبية التي كرّسها دستور 1989.
مخلّفات التعديل الدستوري الصادر في: 03 نوفمبر 1988: تنفيذا لخطاب: 10/11/1988 وللبيان الصادر في: 12/11/1988, نشرت رئاسة الجمهورية يوم الإثنين 17/10/1988 مشروع تعديل الدستور, وحُدّد يوم: 03/11/1988 لإستفتاء الشعب حوله, إذ يهم التعديل الوظيفة التنفيذية على حد تعبير البيان(2).
- حيث دعّم هذا المشروع موقف رئيس الجمهورية في ما يتعلق بعلاقته بالشعب(المادة رقم: 05 من التعديل) والتي تغيّرت في الصياغة, حيث أصبح لرئيس الجمهورية الرجوع إلى الشعب متى شاء, عكس الصياغة الأولى التي لا تمنحه السلطة في الرجوع للشعب في حالة إتخاذ موقف في المؤتمر بالأغلبية.
وحسب نص المادة رقم: 95/05 فالمؤتمر يتولى كذلك بحث القضايا التأسيسية للدولة, ولا يقتصر دوره على تنظيم المسائل الحزبية فقط(3).
فأصبح الرجوع إلى الشعب دون إتخاذ موافقة أحد الهيئات, مما يجعل الرئيس في مأمن من كل أنواع الضغوطات المحتمل التعرّض لها من الجيش أو الحزب.
- تعديل ما يتعلق بالوظيفة التنفيذية يعني أن رئيس الجمهورية أراد دخول المؤتمر بقوة مدعما بالتأييد الشعبي لتعديل الوظائف الأخرى.
- إن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية السيّئة, أثرت على مكانة رئيس الجمهورية القابض على جميع السلطات, ودفعته إلى إقتسام السلطة مع الحكومة والبرلمان, بحيث إحتفظ بالشؤون الخارجية والدفاع, وأوكل المهمة الإقتصادية والإجتماعية للحكومة, وجعلها مسؤولة أمام المجلس حول تطبيق رئيس الحكومة لبرنامجه دون إستقلاله عن رئيس الجمهورية, الذي إحتفظ بسلطته في تعيينه وعزله وحل المجلس الشعبي الوطني, إلى جانب إحتفاظه بسلطة التعيين في الوظائف المدنية والعسكرية والسلطة التنظيمية, مما يضمن له الإستحواذ على السلطة التي كان يحوزها دون إنتقاد له(4).
وهنا بدأت تظهر بوادر المسؤولية السياسية الملقاة على عاتق الحكومة.
وتنفيذا لأحكام التعديل الدستوري, عُيّن قاصدي مرباح رئيسا للحكومة في: 05/11/1988, وحسب نص المادة رقم: 144 يكون تعيينه بعد إستشارات واسعة, وهذا المصطلح قصد المؤسس الدستوري تجسيد التوجّه الإصلاحي الرافض لإحتكار السلطة, بمعنى حرية رئيس الحكومة في إختيار مساعديه دون تقييده بأن ينتموا أو لا ينتموا إلى الحزب الواحد, طالما هو مسؤول أمام رئيس الجمهورية, الذي يستطيع إنهاء مهامه, وأمام المجلس الشعبي الوطني كذلك الذي يحق له رفض برنامج حكومته وإسقاطها, بسحب الثقة منه سواء عن طريق ملتمس الرقابة أو برفضه منح الثقة إذا طلبتها منه(5).


(1)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, ص 183.
(2)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 184.
(3)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 184.
(4)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 186.
(2)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 187.

وذلك حسب نص المادة رقم: 114, وحسب نص المادة رقم: 148/01 فيُخوّل المؤسس الدستوري رئيس الجمهورية وأعضاء المجلس الشعبي الوطني سلطة المبادرة بالقانون, فنتج عن ذلك إنتقال السلطة التنفيذية من الواحدية إلى الثنائية, وهذا ما ساهم في ظهور نظام سياسي جديد للدولة الجزائرية وهو النظام شبه الرئاسي.
- أن مشروع التعديل ألغى قاعدة أن رئيس الجمهورية يُجسّد وحدة القيادة السياسية للحزب والدولة (المادة رقم: 111 من دستور 1976), وكذلك القاعدة التي تخوّله ترأّس الإجتماعات المشتركة لأجهزة الحزب والدولة (المادة رقم: 111/09 من دستور 1976), وهنا طُرح الإشكال حول إلغاء هتين الفقرتين, هل هو بمثابة الفصل بين رئاسة الدولة والحزب؟ أم أنه تمهيد لإلغاء نظام الحزب الواحد؟ والإجابة الظاهرة هي أنه للفصل بين رئاسة الدولة والحزب, لمنح إستقلالية لرئيس الجمهورية, للقيام بالإصلاحات التي وعد بها الشعب وتضمنها دستور 1989 بعد إلغاء نظام الحزب الواحد(1).
مكانة التغيير الدستوري: لم يكن دستور 23/02/1989 وليد ظروف عادية وُضع تلبية لمطالب جسّدتها ثورة أكتوبر 1988, كإمتداد لثورة نوفمبر ذات الطابع الشعبي المشحونة بالمبادئ الإسلامية النبيلة, إذ جاءت هذه الثورة والإنقلاب على نظام الحكم آنذاك كرد فعل للأوضاع السياسية والإقتصادية المزرية التي زاد من حدّتها تصرّف الأفراد في السلطة, مما زاد في فقدان الشعب ثقته بحكّامه, لذلك رئيس الجمهورية بإعتباره حامي الدستور والمحافظ الأول على ثوابت الأمة, لم يكن أمامه سوى الحوار وطرح القضايا الأساسية على الشعب, للفصل فيها (خطاب 10/10/1988), ووعد بإصلاحات سياسية ودستورية على جميع الأصعدة للقضاء على إحتكار السلطة, فكان بذلك التعديل الجزئي, ثم التعديل الشامل, وهو بمثابة دستور جديد, وليس تعديل فقط في: 04/02/1989 وعرض لإستفتاء الشعب في: 23/02/1989 وهنا بدأت تظهر وتتجسّد أفكار مونتسكيو, (الفصل بين السلطات الذي جاء به دستور 1989), التي عرضها في كتابه 11 في عمله العظيم " روح القوانين" سنة 1748 في الفصل 06 الذي كرّسه وخصّصه لدستور إنجلترا(2).
حيث كانت أهداف مونتسكيو:
01- تجاه الملكية المطلقة, بحث مونتسكيو عن نظام يقدر على ترسيخ الحرية السياسية التي لا تكون بفعل ما نشاء, ولكن بتوقي تعسف السلطة وإذا به حسب كلماته الشخصية يقول :"........إنها تجربة خالدة , كل شخص يحوز على السلطة يتعسف فيها ويذهب إلى حد أن يجد الحدود.......وحتى لا نتعسف بالسلطة, يجب أن ننظم الأمور بالسلطة التي توقف السلطة" (3).
بمعنى أن التاريخ أثبت أن طبيعة النفس البشرية عبر القرون أن الإستبداد قرين الإستأثار بالسلطة.
إن الحرية السياسية تكون بمأمن وأحسن حفاظا عندما تكون السلطة غير موضوعة في نفس اليد الواحدة, وحتى توقف السلطة السلطة من الضروري تقسيم السلطة والفصل بين السلطات هو وسيلة لتطوير السلطة (4).
02- كيف نجري عملية الفصل وتقسيم السلطة؟: مونتسكيو ميّز بين 03 سلطات مهمة: التشريعية, التنفيذية, والقضائية, وحتى نحمي الحرية يجب أن تكون هذه السلطات الثلاث غير موضوعة لنفس الشخص وضمن نفس السلطة " إذا كانت لنفس الشخص أو لنفس الهيكل القضائي, السلطة التشريعية تجتمع مع السلطة التنفيذية, وهنا لا توجد أية فكرة للحرية لأنه إذا كانت مجتمعة في يد نفس الملك أو مجلس الشيوخ, تكون القوانين جائرة وتطبق بكل طغيان وظلم "(5).


(1)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, ص 188.
(2)-HUGUES PORTELLI , Droit Constitutionnel, DALLOZ, 3eme éd. 1993, p 35
(3)- HUGUES PORTELLI , ……….p35.
(4)- HUGUES PORTELLI , ……….p35.
(5)- HUGUES PORTELLI , ……….p35.

إن نظرية الفصل بين السلطات, لا تتطلب أنه كل سلطة تُخصّص لعضو متمايز, ولكن تطرح ببساطة أنه العضو الواحد, لا يُحمّل جميع السلطات, بمعنى آخر لا شيء يمنع الملك (الرئيس) من ممارسة السلطة التشريعية, وقتئذ لا يجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية (1).
العلاقة بين السلطات: إن الفصل بين السلطات لا ينطوي إذن على وجود فصل مطلق لكل سلطة عن الأخرى, كلٌ في وظيفة خاصة, فمونتسكيو يربطهم بوصفه للعلاقة بينهما التي تمنح الإستقرار بين السلطات(2).
وعلى أساس مبادئ مونتسكيو أخذ دستور 1989 مبدأ الفصل بين السلطات كتحول رئيسي له, حيث أخذ كمصادر له معظم الأنظمة السياسية التي تقوم على هذا المبدأ, وهذا رغم أن هناك إشكالات, كون هذا التعديل يمس بالنظام الإشتراكي, خاصة وأن التعديل لا يمس المسائل الجوهرية, لذا إستقر الرأي على أنه وثيقة دستورية جديدة, تحمل في طياتها نظام سياسي جديد وليس مجرّ تعديل فقط.
ورغم ما أتى به دستور 1989 من تغييرات, إلا أنه أخفق في تنظيم الحياة السياسية بصفة عامة وهذا لأنه جاء على إثر تطورات مريرة عرفتها الجزائر, فجاء بنظام لبرالي يحكم إقتصاد السوق, بعد ما كان إشتراكيا دون مراعاته للقواعد المتعارف عليها دوليا, كأساس للتغيير ودون مراعاة لردود أفعال الشعب لهذه النقلة المفاجئة, وما نتج عن ذلك هو إنعدام الثقافة الديمقراطية على مستوى مؤسسات الدولة, مما ساهم في: تذبذب المنظومة التشريعية, فقانون الإنتخابات مثلا عدّل عدّة مرات خلال 03 سنوات, وكذا قانون الأحزاب(3).
وعلى إثر التصريحات الملغّمة واللامسؤولة التي أعقبت الإنتخابات التشريعية في ديسمبر 1991 قد ساهمت في إلغاء القوانين السابقة, فنتج عن ذلك فراغ دستوري رهيب على مستوى مؤسسات الدولة بناء على إستقالة رئيس الجمهورية وتزامنا مع حل المجلس الشعبي الوطني(4).
فظل إذن دستور 1989 أعرجا, لذلك أُوقف العمل به وإنتشرت أرضية الوفاق الوطني التي جاءت في وقت صعب, كما سوف نرى ووُجدت مؤسسات جديدة لسد الفراغ الدستوري وهو ما مهّد لظهور دستور 1996.
مضمون دستور 1989:
لقد أُستُفتي الشعب حول دستور 23/02/1989 ووافق عليه بنسبة: 73,45% من الأصوات المعبّر عنها, إذ يُشكل هذا الدستور بداية عهد جديد في الحياة السياسية, إذ كرّس نهاية الحزب الواحد وقرّر التعددية السياسية وتخلى عن الفلسفة الإشتراكية(5).
- لماذا جاء دستور 1989: السبب في ذلك يعود ظاهريا ورسميا لجملة من العوامل منها: عجز الحكومة عن تلبية مطامع الشعب المتزايدة, بتفاقم الأزمة الإقتصادية العالمية, وإستفحال ظاهرة البطالة والمحسوبية(6).
- محتوى دستور 1989: إضافة إلى ما كرّسه دستور 1976 إنتقل دستور 1989 نقلة نوعية هامة, وإتجه نحو الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات, فصلا مرنا وإتخذ موقعا وسطا بين النظامين: الرئاسي والبرلماني, ببناء مؤسسات مستقلة مبنية على التعاون والتنسيق بينها, كما أخذ بثنائية السلطة التنفيذية (7).
ومن بين هذه المؤسسات المستقلة: المجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الأعلى للأمن.


(1)- HUGUES PORTELLI , ……….p35
(2)- HUGUES PORTELLI , ……….p35
(3)- أوصديق فوزري, النظام الدستوري الجزائري ووسائل التعبير المؤسساتي, ص63.
(4)- أوصديق فوزري, نفس المرجع, ص67.
(5)- مولود ديدان, مرجع سبق ذكره, ص348.
(6)- مولود ديدان, نفس المرجع, ص349.
(7)- مولود ديدان, نفس المرجع, ص350.


من حيث الدباجة: يعتبر القانون الأساسي والأسمى في البلاد, لأنه يستمد قيمته وشرعيته من العديد من المبادئ أهمها: السيدة الشعبية ومبدأ الفصل بين السلطات والرقابة الدستورية, وتكريس القانون, أما المرسوم الرئاسي المتعلق بنشر أرضية الوفاق الوطني للمرحلة الإنتقالية, أهدافه إضفاء شرعية من نوع خاص لتخطي الأزمة (فكرة المصلحة الوطنية) (1).
- التسمية: هو دستور 1989, جاء عن طريق الإستفتاء ليس كالوفاق الوطني بمرسوم رئاسي ( أهمية التفريق حتى نعرف في ما بعد لماذا جُمّد الدستور وعملت السلطات بهذا المرسوم رغم أن الدستور أسمى منه).
- الرئاسة: المادة رقم: 68 من دستور 1989 تنص على أن رئيس الجمهورية منتخب عكس المرسوم رقم: 94/40 السالف الذكر, المجلس الأعلى للأمن هو الذي يعيّن رئيس الجمهورية.
- التنظيم: دستور 1989 نظم السلطات الثلاث على ضوء الفصل بينهما, في حين أن المرسوم السابق غفل عن ذكر السلطة القضائية وهذا نقص فادح.
إضافة إلى تخصيصه هيئات خاصة, للمرحلة الإنتقالية, ورغم الإختلاف بين المرسوم الخاص بالوفاق الوطني ودستور 1989 إلا أنهما جاءا لهدف واحد, وهو تحسين الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية(2).
لكن الواقع اليومي, أن المستوى الإجتماعي والإقتصادي لم يتحسن, بل تعرّضت المؤسسات الإقتصادية للإفلاس, مما أدى إلى حلّها وتسريح العمال وبروز ظاهرة البطالة.
إنه بُغية تجسيد دستور 1989 لدعائم النظام الديمقراطي في ظل الجمهورية الثانية, تبنّى المؤسس الدستوري الأنظمة التالية:
01- النظام البرلماني: إذ إستقى منه دستور 1989 المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان, وحق السلطة التنفيذية في حل البرلمان.
02- النظام الرئاسي: إقتبس المؤسس الدستوري من هذا النظام, مبدأ الفصل بين السلطات, بحيث لا يحق للسلطة التنفيذية مشاركة البرلمان في التشريع سواء بطريقة مباشرة, كما كان في دستور 1976 (المادة 153) وإلا عن طريق التفويض كما هو في دستور 1958 الفرنسي أو التونسي.
03- النظام الفرنسي: إذ تأثر دستور 1989 بالكثير من القواعد التي أقرّها الدستور الفرنسي من بينها, إنتخاب رئيس الجمهورية أو تأسيس مجلس دستوري مع الإختلاف الملاحظ في مجال الرقابة (في فرنسا سابقة, وفي الجزائر سابقة ولاحقة).
04- دستور 1976: إذ تبنى العديد من أحكامه (ذات الطابع القانوني دون الإيديولوجي).
05- الشرعية الدستورية والقانونية: التي مُنحت لها الأولوية على المشروعية الثورية, تكريسا لمبدأ دولة القانون والشرعية(3).
وهذه الشرعية تُبنى على مبدأ الفصل بين السلطات والحرية والتعددية الحزبية, وهو ما تبناه المذهب الدستوري عكس دستور 1976.
06– الإسلام: بإعتبار الإسلام دين الدولة: المادة رقم: 02 من الدستور, وهو بذلك مصدر له, كما أضافت المادة رقم: 09 أنه لا يجوز للمؤسسات أن تقوم بالسلوك المخالف للإسلام.
مبادئ دستور 1989:
01- الإقتراع العام, السري والمباشر: المادة رقم: 68 والمادة رقم: 95 من الدستور والمادة رقم: 02 من قانون الإنتخابات.
02- المساواة: بإعتبار هذا المبدأ ملازما للديمقراطية وحقوق الإنسان( المادة رقم: 28 من دستور 1989), وقد ألزم المؤسس الدستوري مؤسسات الدولة بالأخذ بهذا المبدأ وفق المادة رقم: 30 منه.


(1)- أوصديق فوزري, النظام الدستوري الجزائري ووسائل التعبير المؤسساتي, ص63.
(2)- أوصديق فوزري, نفس المرجع, ص146.
(3)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, ص193.

03- الفصل بين السلطات: كرد فعل للدمج الذي كان سائدا بين السلطات في دستور 1976, حيث كان النظام السياسي رئاسي مغلق, إذ كان رئيس الجمهورية محور هذا النظام, ولمادة رقم: 153 من دستور 1976 تتحدث عن سلطته في مشاركة المجلس الشعبي الوطني في التشريع, إضافة إلى هذا المبدأ أُنشأ مجلس دستوري يتولى الرقابة على مدى مطابقة القانون للدستور, إضافة إلى مهمة الفصل في النزاعات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية, ومراقبة مدى شرعية الإستفتاءات والإنتخابات, وتصرفات رئيس الجمهورية.
ووُضع دستور 1989 للدفاع عن المواطن ضد الدولة عكس دستور 1976(1).
04-التعدّدية الحزبية: وهذا لعجز الحزب الواحد على تحقيق رغبات الشعب.
05- مبدأ الشرعية وعدم الرجعية: ويتجلى ذلك من خلال حماية الفرد من تعسّف السلطة ( المادة رقم: 43 والمادة رقم: 44 من دستور 1989).
06- حق الدفاع: كمبدأ أساسي لحماية الفرد والجماعة من إعتداءات السلطة.
كما أورد الكثير من الحقوق كالإضراب, العمل, الراحة, الرعاية الصحية, حق الملكية والإرث اللذين لم يوردهما دستور 1976 بهذا الإطلاق, فقد كانت هناك قيود تُعرقل التمتع بها.
إضافة إلى تمسك الدولة بمبدأ السلم والتعاون كمبدأ ذو طابع خارجي إن لم نقل عالمي.
وفي ظل دستور 1989, أُسندت السلطة التنفيذية إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة, هذا الأخير مسؤول مسؤولية مزدوجة أمام رئيس الجمهورية والمجلس الشعبي الوطني.
وحتى نتعرّف على النظام السياسي الجزائري ونُكيّف طبيعته, لا بد من إستعراض آليات تنظيم السلطة في هذه الحقبة وكيفية عمل السلطات.
يمثل رئيس الجمهورية في النظام الجزائري, المركز الممتاز بإعتباره منتخب من طرف الشعب بطريقة مباشرة, وله إختصاصات واسعة وسلطات غير حصرية, كما سنرى وفق ما نص عليه دستور 1989.
تنص المادة رقم: 68 من دستور 1989 على :" ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الإقتراع العام والسري.
يتم الفوز في الإنتخابات بالحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين المعبّر عنها, ويحدّد القانون الكيفيات الأخرى للإنتخابات الرئاسية"(2).
من خلال هذه المادة , نرى أن دستور 1989 مخالف لدستور 1976الذي يتطلّب الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين المسجّلين, لكن في دستور 1989 ينبغي أن يحصل على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين المعبّر عنها, وهذا هو الأصح, لأنه وفق دستور 1976 من الصعب تحقيقه حتى في ظل الحزب الواحد (3).
فما بالك في ظل التعددية الحزبية, لأن ذلك سوف يضع النظام الجزائري في أزمة دستورية لا حل لها, إلا بتعديل الدستور, وبتبني التعددية الحزبية أصبح المتنافس على منصب رئاسة الجمهورية كُثر, مما يُصعّب حصول المتنافس على الأغلبية المطلقة من الناخبين, لذلك أوكل الدستور مهمة تنظيم الإنتخابات لقانون الإنتخابات الصادر في: 07/08/1989 الذي جاءت المادة رقم: 106 والمادة رقم: 104 منه وبيّنت كيفية الترشح لرئاسة الجمهورية.
وقرّرت دورتين , حتى يتحصل المترشح على الأغلبية المطلقة, وقصرت الدور الثاني على الحائزين على أكبر عدد من الأصوات المعبّر عنها في الدور الأول فقط, دون إشتراط نسبة محدّدة (المادة رقم: 107 من قانون الإنتخابات) :" إذا لم يُحرز أي مترشح على الأغلبية المطلقة للأصوات المعبّر عنها في الدور الأول, يُنظم دور ثان, لا يُساهم في هذا الدور الثاني سوى المترشحين الذين أحرزوا على أكبر عدد من الأصوات خلال الدور الأول " (4).


(1)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, ص198.
(2)- المادة رقم: 68 من دستور 1989, الصادر بالجريدة الرسمية رقم: 09, في: 01/03/1989.
(3)-سعيد بوشعير , نفس المرجع, ص205.
(4)- سعيد بوشعير , نفس المرجع, ص206.

وتحدثت عن شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية المادة رقم: 73 من دستور 1996, وقانون الإنتخابات لــ 07/08/1989, لأن دستور 1989 لم يتحدث عن هذه الشروط.
أما في حالة شغور منصب رئاسة الجمهورية, إما بالوفاة أو بالإستقالة, فتجرى الإنتخابات خلال: 45 يوم الموالية لتاريخ إعلان الشغور, يُنظمها رئيس الجمهورية دون ترشيح نفسه, ولم يُحدّد المؤسس الدستوري حالة المانع المؤقت, وعندما توفي الرئيس: هواري بومدين, عُدّل الدستور سنة 1976 لتنظيم حالة المانع المؤقت(1).
مع ملاحظة الفراغ القانوني والدستوري في حالة الإستقالة لرئيس الجمهورية مع كون المجلس الشعبي الوطني منحلا, كما حدث في: 11/01/1992, حيث إستقال الرئيس: الشادلي بن جديد, بعد أن حل المجلس الشعبي الوطني, دون علم رئيسه في تاريخ سابق لإستقالته.
أما عن مدة المهمة الرئاسية, فكانت في دستور 1963 05 سنوات وذلك بنص المادة رقم: 39 منه, وكذا في دستور 1976 في المادة رقم: 108 التي تحدثت كذلك عن تجديد العهدة الرئاسية, وكانت المهلة 06 سنوات, ثم خُفّضت بموجب تعديل: 07/07/1979 إلى 05 سنوات, وفي ظل دستور 1989 المدة 05 سنوات, مع إمكانية التجديد, وبالنسبة للتجديد وُجدت آراء: هناك من يقول أن التجديد لا يتجاوز المرتين, ضمانا لعدم إحتكار السلطة من قبل شخص واحد, أما الرأي الثاني فيُطلق من الإصلاحات السياسية التي جاء بها دستور 1989, لذلك فهم يُعارضون إحتكار السلطة لكن لا يرون مانع لتجديد العهدة للعديد من المرات (2).
طالما الحزب الواحد قد ولّى وإندثر, وطالما وُجدت أحزاب, فالشعب هو صاحب السيادة وصاحب الكلمة في تجديد أو رفض تجديد الثقة بالرئيس, وهو ما تبناه دستور 1989 في مادته رقم: 71/02 بقولها:" يمكن تجديد إنتخاب رئيس الجمهورية" (3).
مع ملاحظة عدم ذكر عدة مرات, عكس دستور 1996, كما سوف نرى في حينه.
مدى مسؤولية رئيس الجمهورية في دستور 1989:
كقاعدة عامة رئيس الجمهورية هو محور النظام, وهو حامي الدستور ومنتخب من طرف الشعب, فهو يعتبر غير مسؤول عن الأفعال والأقوال التي تصدر منه أثناء آدائه لوظيفته.
كما نرى هنا صعوبة إثبات الأفعال الصادرة منه – والتي ألحقت ضرر بالغير, سواء هذا الضرر ماديا أو معنويا – الناتجة عن تصرفات لا صلة لها بآداء الوظيفة المنوطة به, كمعنى عدم المسؤولية سياسيا ومدنيا, والدستور لم يذكر شيئا في هذا المجال, إلا ما تعلق بمسؤوليته الجزائية في حالة الخيانة العظمة, رغم أن هذه الجريمة لم يستطع أي أحد تفسيرها, ماذا يُقصد بالخيانة العظمى؟ حتى تقوم مسؤولية رئيس الجمهورية؟ وهذا كذلك لا أثر له في الدستور! وإنما هذه الفكرة هي تقليدية فقط, لكن تبنّاها دستور 1996 في مادته رقم: 158 في إقراره لمحكمة جديدة لأول مرة منذ الإستقلال, تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية عن الأفعال التي يمكن وصفها بالخيانة العظمى, كما تختص بالجنايات والجنح التي يقوم بها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أثناء تأديتهما لمهامهما (4).
لكن نرى أن هذا نظريا فقط, وإلا ماذا نقول عن ما قام به الرئيس الشادلي بن جديد عندما إستقال بعد ما حلّ المجلس الشعبي الوطني في ظروف حرجة؟ ودون مبرّرات تُذكر! وهذا ما علّق عليه الدكتور سعيد بوشعير بقوله: " خيانة الأمانة إن لم نقل خيانة عظمى".
ورغم هذه الكارثة, إلا أنه لا مسؤولية على الرئيس رغم التقليص من سلطاته بالمقارنة مع دستور 1976, فقد أُسندت مهمة الشؤون الإقتصادية والإجتماعية لرئيس الحكومة, الذي يعيّنه ويقدمه كبش فداء, لأنه مسؤول مرتين: أمامه وأمام المجلس الشعبي الوطني , هو وطاقمه الوزاري.


(1)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, ص212.
(2)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص215.
(3)- المادة رقم: 71 من دستور 1989, الصادر بالجريدة الرسمية رقم: 09, في: 01/03/1989.
(4)- عمار بوضياف, التنظيم القضائي الجزائري, الجزائر, دار ريحانة للنشر, الطبعة الأولى, طبعة 2003, ص 341.