منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - السندات التنفيذية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-05, 15:50   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 السندات التنفيذية

المـقـدمـة :
بحلول أجل تنفيذ الإلتزام في ذمة الشخص ولجوئه إلى التنفيذ ينقضي حق الدائن في اللجوء إلى القضاء لإجبار مدينه على التنفيذ وبالتالي ينقضي الإلتزام بإنقضاء عنصر المديونية دون إستعمال عنصر المسؤولية في الإلتزام.

أما إذا إمتنع المدين عن الوفاء بالتزامه لجأ الدائن إلى تحريك عنصر المسؤولية في الإلتزام وهو الدعوى القضائية، وتنشأ بذلك الخصومة القضائية التي تنتهي بإثبات الدائن لمصدر إلتزامه وصحته وتهديم القرينة التي أقامها المشرع والتي مفادها براءة الذمة ويتم ذلك بإسم الجمهورية الجزائرية في محرر حدد المشرع شكله أطلق عليه في عرف الإجراءات المدنية " الحكم، القرار أو الأمر القضائي ".

وبمجرد صدور الحكم بإلزام المدين بأداء معين تتغير صفته ليصبح محكوما عليه لا مدينا ويكون على المحكوم عليه الوفاء إما إختياريا وذلك قبل مرور عشرين يوم من تاريخ تكليفه بالتنفيذ من طرف الدائن وهنا ينقضي الإلتزام دون حاجة إلى تحريك خصومة التنفيذ الجبري، لأن المدين أو المحكوم عليه قد تجنبها بالوفاء إختياريا، ومكن الدائن مما طلبه، وأي إجراء يلي التنفيذ الإختياري يعد تعسفا في حق المدين الهدف منه الإضرار به دون جلب مصلحة للدائن.

غير أنه إذا إنقضت مدة العشرين يوما وبقي التكليف بالتنفيذ دون جدوى كان للدائن اللجوء إلى إجراءات التنفيذ الجبري لدفع المحكوم عليه على تنفيذ إلتزامه وإن إستلزم الأمر إستعمال القوة العمومية أو الحجز على أمواله للحصول على حقه منها أو من ثمنها بعد بيعها.
ويتم التنفيذ الجبري بطريقتين : إما بطريق مباشر أين يتمكن الدائن من إستيفاء حقه مباشرة، وأما بطريق غير مباشرة والذي يتجسد في الحجز على أمواله بإتباع إجراءات معينة يصل من خلالها إلى الحصول على حقه من أموال المدين.

وبذلك يكون للتنفيذ الجبري وسيلتين لتمامه فيتم بإستعمال القوة العمومية كلما كان التنفيذ العيني ممكنا دون تدخل المدين شخصيا، لكن إذا كان التنفيذ العيني يستوجب تدخل المدين شخصيا فإن المشرع منح الدائن وسيلة أخرى للضغط على مال المدين وحثه على التنفيذ وهي الغرامة التهديدية.

وتقررت الغرامة التهديدية للحالات التي يتعذر فيها التنفيذ دون التدخل الشخصي للمدين، فإن إستطاع الدائن التنفيذ دون حاجة لتدخل المدين كطرد الشخص من منزله أو إلزامه بدفع مبلغ من المال فلا حاجة هنا للحكم بالغرامة التهديدية.

أما في الحالات التي يحكم فيها بالغرامة التهديدية فإن التنفيذ العيني ينقلب إلى تنفيذ بمقابل بعد تصفية الغرامة التهديدية في شكل تعويض المحكوم له على عدم التنفيذ العيني طبقا لأحكام المادة 175 من قانون المدني والمادة 174 من قانون الإجراءات المدنية عندها يصبح التنفيذ ممكنا عن طريق الحجز لتحول محل الأداء إلى مبلغمن النقود.

وبالتالي فإن التنفيذ الجبري لا بد له من قواعد إجرائية تنظمه تكون نقطة البداية هي وجود سند بيد الدائن يسمى السند التنفيذي يخول له الحق في التنفيذ، ويكون في شكل قانوني معين ويؤكد حق الدائن وحتى تستجيب السلطة العامة لطلبه لا بد أن يكون السند الذي يحوزه ممهورا بالصيغة التنفيذية. وأن يدل الدائن السلطة العامة ممثلة في القائم بالتنفيذ على أموال المدين حتى وإن وجدت لدى الغير، وبتحديد هذه الأمور نكون أمام ما إصطلح عليه قانون الإجراءات المدنية " مقدمات التنفيذ ".


وعليه نصل إلى أن السند التنفيذي ركن من أركان التنفيذي وبتخلف هذا الركن عدا التنفيذ باطلا لتخلف الركن أو لوجوده مشوبا بعيب يحول دون السير في إجراءات التنفيذ، غير أن هذا البطلان قرر لمصلحة المدين أو المنفذ عليه، فإن سكت من تقرر البطلان لمصلحته إعتبر متنازلا عنه وترتب التنفيذ على أمواله.

ونتيجة خطورة الأثار المترتبة على التنفيذ عمد المشرع على تحديد الأعمال القانونية مسبقا التي تمكن الدائن من إستيفاء حقه.
فما هي هذه الأعمال القانونية التي خصها القانون بالقوة التنفيذية وجعلها سندات تنفيذية ؟ وهل كل هذه السندات تكونت نتيجة عمل قضائي أم أنها كانت نتيجة أعمال غير قضائية؟.

وعلى هذا الأساس تكون إجابتنا على هذه الاشكالية من خلال عنصرين أولهما نحدد به ماهية السندات التنفيذية وتانيهما نحاول من خلاله تحديد هذه الأعمال القانونية التي اعترف لها القانون بالقوة التنفيذية وفق الخطة التالية :

السندات التنفيذية
المقدمة
الفصل الأول : ماهية السندات التنفيذية.
المبحث الأول : مفهوم السندات التنفيذية.
المطلب الأول : تعريف السندات التنفيذية.
المطلب الثاني : أهمية وخصائص السند التنفيذي.

المبحث الثاني : مكونات السند التنفيذي.
المطلب الأول : العنصر الموضوعي للسند التنفيذي.
المطلب الثاني : العنصر الشكلي للسند التنفيذي.
الفصل الثاني : الأعمال التي يعترف لها القانون بالقوة التنفيذية.
المبحث الأول : السندات القضائية.
المطلب الأول : الأحكام والقرارات القضائية.
المطلب الثاني : الأوامر.
المبحث الثاني : السندات غير القضائية.
المطلب الأول : العقود الرسمية.
المطلب الثاني : أحكام المحكمين والسندات الأجنبية.
الخاتمة.


ماهية السندات التنفيذية :

إن الحق كما يعرفه " أهرينج " هو مصلحة يحميها القانون، فالحق بغير حماية قانونية لا يوفى لصاحبه المصلحة التي هي جوهره (1) كما تعتبر هذه الحماية عنصرا من عناصر الحق الموضوعي.
ومن ثمة فإن الحق يتكون من عنصرين عنصر المصلحة وعنصر الحماية القانونية.
أما الحماية القضائية فإنها توجد خارج الحق. فعند الإعتداء على الحق يتحرك عنصر الحماية القانونية فيتولد عنه الحق في الدعوى كصورة من صور الحماية القضائية ذلك أن وجود الحماية القانونية يعد مقتضى موضوعي لوجود الحماية القضائية.
إن الحماية القضائية تختلف بإختلاف الإعتداء الذي يحدث للمركز القانوني الموضوعي فهي تمنح لصاحب الحق أو المركز القانوني حسب درجة الإعتداء، فإذا ما كان الإعتداء مجرد إنكار للحق فإن الحكم الذي يصدر في هذا الشأن يكون مقررا فبمجرد صدوره تشبع الحاجة من الحماية القضائية للمحكوم له ولا يحتاج إلى التنفيذ الجبري أما إذا تجاوز الإعتداء مجرد المعارضة أو الإنكار إلى درجة تغيير المركز الواقعي ويصبح مخالف للمركز القانوني لصاحب الحق، فالحكم الذي يصدر بهذا الشأن يكون حكم إلزام وهنا بمجرد صدوره لا يشبع حاجة المحكوم له من الحماية القضائية وبذلك فلا بد من تدخل السلطة العامة وهنا نقصد بها السلطة القضائية بإعتبار أن التنفيذ يدخل في مهامها والتي تقوم بعملية المطابقة بين المركز الواقعي والمركز القانوني جبرا على المدين وهذه العملية يطلق عليها الحق في التنفيذ وهو إحدى صور للحماية القضائية.
كما يعتبر كذلك إلى جانب الحق في الدعوى الوسيلة الفنية للحماية القضائية، وما يفرق الحق في التنفيذ عن الحق في الدعوى هو أن الأول لا يوجد إلا بوجود السند التنفيذي أما الحق في الدعوى فيوجد بعنصرين المصلحة والحماية القانونية دون أن يكون لصاحبه سند تنفيذي.
فماذا نقصد بالسند التنفيذي؟
















المبحث الأول : مفهوم السندات التنفيذية

أن التنفيذ هو حماية قضائية بناءا على طلب الدائن الذي بيده سند إستوفى شروط خاصة وضعها القانون بقصد إقتضاء حقه الثابت في السند من المدين جبرا عنه، أو عن طريق قهر المدين على تنفيذ الإلتزام بتفسه.
وحتى يتسنى لنا إدراك التنفيذ والوسيلة التي تمكن الدائن من إقتضاء حقه نتطرق إلى النقاط التالية :

1- تعريف السندات التنفيذية .
2- أهمية وخصائص السندات التنفيذية.













المطلب الأول : تعريف السندات التنفيذية

الفرع الأول : فكرة السند التنفيذي

ظهرت فكرة السند التنفيذي للتوفيق بين اعتبارين متضاربين هما مصلحة الدائن في تعجيل وتيسير طرق إقتضاء حقه وفق إجراءات بسيطة وسريعة ، وحماية المدين والرفق به من تعسف الدائن إنطلاقا من مقتضى العدالة الذي لا يسمح بإجراء تنفيذ إلا لصاحب الحق الموضوعي (1) مما يمكن المدين من المنازعة دائما في شرعية التنفيذ قبل بدءه.

لقد جاءت فكرة السند التنفيذي كسبب لنشأة الحق في التنفيذ نتيجة التوفيق بين الفكر الروماني ونظرته لحق المدين في المنازعة المستمرة في الإلتزام المطلوب منه الوفاء به، حتى ولو كان ثابتا بموجب حكم قضائي، ومن جهة أخرى الفكر الألماني ورؤيته إلى حق الدائن في إقتضاء حقه الموضوعي بنفسه وبالقوة دون أن يكون للمدين حق في الإعتراض على ذلك (2).

فالفكر الروماني كان يمكن المدين من المنازعة التي تؤخر التنفيذ إلى مالا نهاية بمعنى أنه في كل مرة ينازع فيها المدين يحال النزاع أمام القضاء ليفصل في المسألة من جديد بموجب حكم ثاني، مما يوحي أن هذا الإتجاه يغلب مصلحة المدين على مصلحة الدائن بموجب حكم قضائي .

في حين أن الفكر السائد لدى الجانب الألماني يمكن الدائن من حقه ولو بالقوة دون الرجوع إلى القضاء ذلك أن فكرة التقاليد الإجتماعية كانت تعتبر الإعتداء على الحق إهانة لصاحبه، ويعد عدم الوفاء بالحق من صور الإعتداء، والقيد الوحيد أنه على الدائن إحترام شكليات معينة حصرها القانون في وجوب الحصول على أمر تنفيذ (1).
ومن ثمة لا يتصور وجود حق إلا إذا كان لصاحبه مكنة اللجوء إلى القضاء للإعتراف له به وتمكينه منه بإجبار مدينه على تنفيذ ما إلتزم به ومنه لم يكتفي المشرع بإجازة الإلتحاق إلى القضاء لحماية الحق بل أيضا تمكين صاحبه من إقتضائه- أي يمكنه من الحصول على المنفعة التي يخولها له القانون – بإجبار مدينه على القيام بما إلتزم به.

بداية نشير إلى أن التنفيذ هو إعمال القواعد القانونية في الواقع العملي فهو حلقة الإتصال بين القاعدة والواقع، وهو الوسيلة التي يتم بها تسيير الواقع على النحو الذي يتطلبه القانون (2).

للتنفيذ معنى أكثر دقة، إذ يقصد به الوفاء بالإلتزام الذي تبرأ به ذمة المدين فكل إلتزام يتضمن منذ نشوئه عنصرين إلا إذا كان هذا الإلتزام طبيعيا وهما عنصر المديونية وعنصر المسؤولية.
فالأول هو العلاقة التي تنشأ بين الدائن والمدين ويجب على المدين بمقتضاها القيام بأداء معين.
والثاني هو خضوع المدين لسلطة الدائن للحصول على هذا الأداء فإذا لم يستجب المدين لعنصر المديونية في الإلتزام بالوفاء إختياريا فإن الدائن يستعين بعنصر المسؤولية لإجباره على الوفاء بإلتزامه رغم إرادته. أما إذا كان الإلتزام طبيعيا فيتخلف فيه عنصر المديونية وبالتالي لا يستطيع الدائن الإستعانة بعنصر المسؤولية لإجبار المدين على تنفيذه قهرا.

وعلى هذا الأساس فإن الحق في التنفيذ هو إلزام المدين بالقيام بالوفاء، فسببه هو ذاته سبب أصل حقه، فإن كان سبب أصل الحق هو العقد فإن سبب حق الدائن في التنفيذ الجبري هو ذات العقد، أما سند التنفيذ فهو أداه التنفيذ وليس سببه، بمعنى أنه هو الشكل المطلوب لإجراء التنفيذ. وأما ذات إجراءات التنفيذ- أي الحالة القانونية الناشئة عن إقتضاء الحق بالقوة الجبرية –فإن سببها هو إمتناع المدين عن الوافاء الواجب (1).

ولم يرد في التشريع الجزائري تعريفا للسيد التنفيذي بل ترك مهمة القيام بذلك للفقه في حين عرفه التشريع المصري في المادة 280 من قانون المرافعات المصري على أنه ورقة أو محرر له مضمون معين، وعرفه الفقه أنه محرر مكتوب به بيانات معينة حددها القانون وله شكل خاص رسمه القانون، ويحمل توقيعات معينة وكذلك أختام معينة وعليه صيغة التنفيذ (2). ووجوده إجباري للشروع في التنفيذ الجبري، كما أن وجوده بإعتباره السبب المباشر أو القريب للتنفيذ الجبري يعكس وجود الحق الموضوعي ويؤكده. وليس للقائم بالتنفيذ مناقشة مضمون السند التنفيذي أو إعادة تقدير مضمونه أو التعديل فيه بل يجب عليه تنفيذه بالحالة والشكل الوارد فيها.

فالتنفيذ إقتضاء الحق الموضوعي يجب وفقا لأحكام القانون أن يتم تأكيد هذا الحق بواسطة عمل قانوني له شكل معين ينشئ لصاحب هذا العمل القانوني الحق في التنفيذ وهو ما يعرف بالسند التنفيذي الذي ينبغي أن يوجد قبل البدء في عملية التنفيذ وإلا عد هذا الأخير باطلا ولو وجد سند تنفيذي يؤيد ذلك لأن الوجود اللاحق لهذا السند لا يصحح ما تم إتخاذه من تنفيذ باطل.

في حين ذهب جانب أخر من الفقه إلى أن السند التنفيذي هو عمل قانوني مؤكد يظهر في شكل معين ويتكون من عنصرين :
أولا : أنه عمل مؤكد ووجه التأكيد هنا يظهر من خلال الحق الموضوعي.
ثانيا : المستند الذي يحتوي على عمل التأكيد، فالحكم كسند تنفيذي يجب أن يقدم للقائم بالتنفيذ في صورة معينة عليها صيغة التنفيذ (1).
ونخلص إلى القول أن السند التنفيذي هو محرر مكتوب، ورد النص عليه في القانون على سبيل الحصر لا يجوز للأفراد عقد أي إتفاق بشأنه إلا إذا تعلق بعدم تنفيذه أو إسقاط حق صاحبه فيه. وأن يكون له مضمون محدد في القانون وفق شكل محدد هو الصيغة التنفيذية التي هي في واقع الحال صورة من أصل السند التنفيذي مختومة بأختام معينة تدل على أنها صالحة للتنفيذ الجبري ولا تعطي إلا لصاحب الحق في التنفيذ.

يكون وجود السند التنفيذي ضروري ولازم لحظة البدء في التنفيذ إذ لا يمكن البدء فيه دون حيازة طالب التنفيذ عليه كما لا يجوز لسلطة التنفيذ المساس بهذا السند والطعن فيه أو تعديل مضمونه أو إعادة تقدير أو تأكيد ما ورد به.

الفرع الثاني : التكييف القانوني للسند التنفيذي

إذا وقع نزاع حول ماهية السند التنفيذي وهل هو كذلك أم أن التنفيذ يتم دون سند تنفيذي فيطرح هذا النزاع على المحكمة المختصة لكي تفصل فيه على أساس ضوابط التكييف القانوني (1).

فالسند التنفيذي بإعتباره عمل قانوني يؤكد حق الدائن الموضوعي ويظهر في شكل معين حدده القانون يقوم على عنصرين :

أولا : أنه عمل مؤكد للحق الموضوعي، بعبارة أخرى أن وجود الحق الموضوعي لا يعتبر شرطا لوجود الحق في التنفيذ وإنما التأكيد هنا يكون له وجود مستقبل فكما للحكم حجية بصرف النظر عن وجود الحق الموضوعي في الواقع يكون للسند التنفيذي قوة تأكيد على وجود الحق بغض النظر عن هذا الوجود كون القانون يأخذ بعين الإعتبار وجود الحق كما يؤكده سند التنفيذ وليس وجوده في الواقع.

ثانيا : وجود السند التنفيذي الذي يحتوي على عمل التأكيد يقدم للقائم بالتنفيذ في صورة معينة مشتملا على الصيغة التنفيذية وفي غيابه يمتنع القائم بالتنفيذ عن إجراء التنفيذ. أما إذا وجد فإن عليه أن يقوم به دون القيام بأي تحقيق حول وجود الحق في التنفيذمن عدمه (2).
المطلب الثاني : أهمية وخصائص السند التنفيذي

الفرع الأول : أهمية السند التنفيذي

إستقر القضاء على أن أهمية السند التنفيذي تبرز في صورتين :

أولا : تعليق مصير التنفيذ كله على مصير السند : فهذا المبدأ القضائي ينتهي إلى أن نتائج التنفيذ مرتبطة بصحة أو بطلان السند، فإن كان هذا الأخير صحيحا إتسمت كل إجراءات التنفيذ بالصحة. أما إن كان العكس فيكون باطلا وكذلك النتائج المترتبة عليها، فإن ألغي السند أو أبطل أمتنع المضي في التنفيذ وسقط ما يكون قد تم من إجراءات ووجبت إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل مباشرتها لأنه بعد إلغاء السند التنفيذي أو إبطاله يصبح التنفيذ غير مستند إلى حق فتسقط إجراءاته كنتيجة حتمية لزوال سنده.

ثانيا : القوة التنفيذية للسند وزوالها

إذا كان السند التنفيذي صحيحا فإنه يتمتع دائما بالقوة التنفيذية وتؤدي إلى تنفيذه جبرا دون الإلتجاء إلى القضاء، وتستمر هذه القوة ملازمة للسند ولا تنتقل ولا تزول عنه حتى ولو تم الوفاء بالدين إختيارا ولا تنحسر هذه القوة إلا بحكم قضائي ولا تزول من تلقاء ذاتها سواء بقوة القانون أو بالإتفاق ومن هنا كانت أهمية السند التنفيذي وإستمرار فاعليته حتى تنحسر بحكم (1).
الفرع الثاني : خصائص السند التنفيذي

يتميز السند التنفيذي كفكرة قانونية كما يلي :

أ - إن السند التنفيذي من مستلزمات التنفيذ الجبري، فلا يجوز إجراء التنفيذ بغير سند تنفيذي، إذ إعتبره المشرع الوسيلة الوحيدة التي تؤكد وجود حق الدائن عند إجراء التنفيذ ولا يقبل من الدائن تقديم أي دليل غيره للقائم بالتنفيذ لإقناعه للقيام به لصالحه.

وعلة تقرير هذه القاعدة هي أن التنفيذ يرتب أثارا خطيرة للمدين، فإذا لم يكن من المستحسن التأكد التام من وجود حق الدائن حتى لا يتأخر إقتضاء الدائن لحقه فإنه على الأقل يوجد لدى الدائن من الأدلة ما يعطي إحتمالا قويا لوجوده. وهذه الأدلة لايترك تقديركفايتها للقائم بالتنفيذ بل يجب أن تكون من بين الأعمال التي قدرها المشرع مسبقا وإعتبرها سندا تنفيذيا.
وكما سبق الإشارة إليه فأن وجود السند يكون عند البدء في التنفيذ وإلا تعذر ذلك ولا يمكن تصحيح إجراءاته بوجود السند بعد ذلك (1).

ب - أنه شرط كافي للتنفيذ ذلك أن السند التنفيذي له قوة ذاتية، فهو يعطي بذاته الحق ي التنفيذ الجبري بصرف النظر عن وجود الحق الموضوعي.
لذلك فإن الدائن الذي يحوز سند تنفيذي يتقدم إلى القائم بالتنفيذ ليس لإثبات حقه الموضوعي وإنما لطلب التنفيذ، وليس للقائم بالتنفيذ أن يمتنع عن إجرائه على زعم أن الدائن ليس له حق موضوعي، وإذا كان للمدين ما ينازع به حق الدائن في التنفيذ فإن هذا هو محل خصومة جديدة غير خصومة التنفيذ ويبقى السند التنفيذي صحيحا حتى يوقف أثره أو يزول بحكم (1).
ويذهب جانب من الفقه إلى التشكيك في خصائص السند التنفيذي على إعتبار أنه من غير المتصور أن يكون السند التنفيذي شرطا ضروريا للتنفيذ ذلك أن هذا السند في حقيقته مصدر للدعوى التنفيذية، لكن يميز القانون بشروط معينة إقتضاء الشخص نفسه لحقه دون سند نتفيذي. كما أن تنفيذ العقوبات الجنائية لا يكون بمقتضى سند، ويضيف هذا الرأي أن السند التنفيذي لا يعتبر شرطا كافيا للتنفيذ ففي نطاق الدعوى التنفيذي لا معنى لأن نقول أن وجود الحق في الدعوى كاف لبدء الخصومة والسير فيها ما دام الفقه يسلم بأن الدعوى التنفيذية مستقلة عن الحق الموضوعي (2).

ويرد الدكتور محمد محمود إبراهيم في مؤلفه
" أصول التنفيذ الجبري" على هذا القول في النقاط التالية :

أولا : إن هذا الرأي قد وقع في خلط بين القاعدة والإستثناء وإرتفع بالإستثناء إلى مرتبة الأصل في الإستدلال مما أدى إلى فساده، إذ أعتبر من جهة أن فكرة السند التنفيذي التي كان لها أكبر الفضل في تحديد نطاق إقتضاء الشخص حقه بيده وأنها تخرج من نطاق الحماية القضائية لتخلف السند التنفيذي، ومن جهة أخرى ذهب إلى أن وسائل إستيفاء الشخص لحقه كثيرة ومتعددة وتتجاوز الدعوى التنفيذية والسند التنفيذي، ومن زاوية أخرى قرارات السندات التنفيذية واردة في القانون على سبيل الحصر وأن التنفيذ بدون سند تنفيذي هو إستثناء، ومن ثمة إستدلاله بالإستثناء مرة أخرى يزيد الرأي
ضعفا ووهنا.

ثانيا : كان على هذا الجانب أن لا يتعرض للهدم إلا إذا قوى الحجة وذلك أنه قد استدل ولم يفرق بين التنفيذ الجبري والجنائي، فإن كان هذا الأخير يتم بلا سند تنفيذي فنطاقه قانون الإجراءات الجزائية، في حين أن نطاق التنفيذ الجبري هو قانون الإجراءات المدنية أو ما يعرف بقانون المرافعات في التشريع المصري.
ثالثا : إن إستدلاله بالتنفيذ المباشر للإدارة بدون سند تنفيذي هو إستدلال في غير موضعه إذ أن مجال الدراسة هو التنفيذ الجبري وليس التنفيذ الإداري، وهو الأمر الذي جعل هذا الرأي معيبا ووجب إستبعاده.





المبحث الثاني : مكونات السند التنفيذي

يعتبر السند التنفيذي عمل قانوني واحد يتركب من عنصرين أحدهما موضوعي ويتمثل في مضمون ذلك العمل القانوني وعنصر شكلي هو الصورة التنفيدية.
وتعد هذه المكونات مسألة قانونية مخالفتها هي مخالفة للقانون، فحتى يتسنى التنفيذ إقتضاءا لحق معين لابد من وجود السند التنفيذي المبني على كلا العنصرين، وأن يكون السند دالا بذاته على توافر هذه المقومات.

تحديدا لهذه المكونات بتطرق إليها في المطلبين التاليين :
1- المكونات الموضوعية.
2- المكونات الشكلية.











المطلب الأول : العنصر الموضوعي في السند التنفيذي

يعرف الدكتور أحمد ماهر زغلول التنفيذ القضائي على أنه
" إقتضاء جبري لحق معين لذلك فإن جوهر السند التنفيذي هو تأكيد وجود هذا الحق " (1). وهذا لا يعني أن توافر الحق الموضوعي يعد شرطا للتنفيذ الجبري ذلك أن القانون قد أسبغ على السند التنفيذي قوة ذاتية تحمي الحق الذي يؤكد السند وجوده حتى ولو كان هذا الوجود الحقيقي محل شك.

ويتجسد المعنى الموضوعي للسند التنفيذي في الحق الموضوعي الذي يجري التنفيذ لإقتضائه، وهو المفهوم المعنوي لسبب التنفيذ بالنظر إلى الحق الموضوعي الذي يجري التنفيذ بمقتضاه (2).

وبالرجوع إلى تعريف السند التنفيذي على أنه عمل قانوني مؤكد يظهرفي الشكل المعين فمحل التأكيد يعد هنا ذاته العنصر الموضوعي فلا يمكن الإعتراف بالعمل القانوني على أنه سند تنفيذي إلا إذا توافربه هذا المضمون التأكيدي وإن كان المشرع قد أدرج بعض الأعمال في عداد السندات التنفيذية رغم تخلف مضمونها التأكيدي كأعمال القضاء المستعجل التي لا تعد على قضاء تأكيدي لحق موضوعي وإنما مجرد ترجيح لوجود حق معين.

والتأكيد الذي يتضمنه السند التنفيذي إنما يعترف له القانون بهذه القوة كونه صادر عن السلطة القضائية التي يعترف القانون لأعمالها بالقوة التنفيذية وكذا تلك الصادرة عن أشخاص أوهيئات خولها القانون المشاركة في تكوين السند التنفيذي كالموثق أوالسلطات الأجنبية (1).

شروط الحق محل السند التنفيذي :

وضع المشرع عدة شروط للحق الذي يرد عليه التنفيذ، أوردها في متن المادة 327 من قانون الإجراءات المدنية، وهذه الشروط ليست شروطا للحق الموضوعي بقدر ما هي شروط لمضمون السند التنفيذي التي بتوافرها
في الحق يتسنى التنفيذ إقتضاءا له وتخلفها يؤذي إلى بطلان التنفيذ.

وتنص المادة 327 من قانون الإجراءات المدنية على أنه " لا تباشر إجراءات الحجز على المنقول أو العقار إلا بمقتضى سند تنفيذي ومن أجل أشياء معينة المقدار محققه، فإذا كان الذين الحال الأداء ليس مبلغامن النفود فإنه توقف إجراءات التنفيذ بعد الحجز إلى أن يقدر قيمة المحجوز بالنقود ". من هنا يمكن إستخلاص الشروط الواجب توافرها في محل التأكيد أي في الحق الموضوعي وهي :

الفرع الأول : أن يكون الحق محقق الوجود

هذا الشرط هو محل خلاف بين الفقهاء، إذ يرى جانب منهم كما هو رأي الدكتور أحمد مليجي أن المقصود بهذا الشرط أن يكون هذا الحق خاليا من النزاع من جانب المدين لأنه لو كان كذلك لما أمكن تحقق التنفيذ مطلقا وإستحال إجرائه على المدين جبرا لأن هذا الأخير سوف ينازع دائما في هذا الحق. إضافة إلى أن هذا المعنى يجعل قوة السند التنفيذي تتوقف على أداء المدين، كما يجعل هذه القوة تتوقف أيضا على سلطة القائم بالتنفيذ وهو المحضر إذ سيترك سلطة تقدير وجود نزاع جدي أو عدم وجوده، وهذا ما يتعارض مع فكرة السند التنفيدي وكونه مؤكد للحق وكافيا بذاته لإجراء التنفيذ
الجبري (1).

غير أن هذا الرأي يعاب عليه أن أجراء التنفيذ جبرا على المدين يفترض عادة منازعة هذا الأخير في وجود الحق أو بقائه ولو إشترط الخلو من النزاع لما أمكن إجراء التنفيذ جبرا على المدين.

في حين يذهب جانب أخر من الفقه إلى إعتبار شرط تحقق الوجود له وظيفة مستقلة عن مجرد وجود السند التنفيذي، إذ يمكن أن يوجد السند التنفيذي دون أن يحدد الحق من حيث أشخاصه ومحله تحديدا كافيا كما أن وجود السند التنفيذي يعطي الحق في التنفيذ بغض النظر عن منازعة المدين، وأن الحق الموضوعي مؤكد الوجود على وجه اليقين وبالتالي لا يكون شرطا في الحق الموضوعي يقدر ما هو شرط في السند التنفيذي بحيث أن هذا الأخير لابد أن يدل دلالة كافية. ويميز الحق من حيث أشخاصه بالتمييز بين صاحب الحق والمدين به، ومن حيث محله بأن يميز محل الحق على نحو يجعل السند التنفيذي صالحا للإقتضاء الجبري وهو الموقف الذي أخذ به الفقه المصري.

في حين يرى جانب من الفقه الإيطالي أن هذا الشرط متوفر دائما بوجود السند التنفيذي إذ هذا الأخير يؤكد دائما وجود الحق (2).
وتجدر الملاحظة أن من يكون بيده سند تنفيذي لا يكلف بإثبات أن حقه الوارد في ذلك السند محقق الوجود وإنما عبء الإثبات يقع على من يدعي العكس، فوجود السند هو في ذاته قرينة على تحقق وجود الحق الذي يتضمنه، ومن ذلك نجد بعض السندات التي لا يمكن تنفيذها كونها لاتتضمن حقا محقق الوجود كالحكم الصادر بالغرامة التهديدية الذي يتعذر تنفيذه مالم يتولى القضاء تحديد قيمة التعويض على وجه الدقة، ذلك أن هذا النوع من الأحكام لا يعد حكما بالتعويض وإنما هو وسيلة لمواجهة تعنت المدين ودفعه على تنفيذ
إلتزامه عينا.

وقد ينتهي الأمر إلى عدم الحكم بأي مبلغ أو بأي شيء من الغرامة إذا قام المدين بتنفيذ إلتزامه، وعلى ذلك فإن الحكم بالغرامة التهديدية سواءا أستأنف أو تأيد أو لم يستأنف فإنه لايمكن تنفيذه لأنه لايتضمن حقا محقق الوجود لمن صدر الحكم لصالحه (1).

وبالتالي نجد أن المشرع لم يعترف بالقوة التنفيذية إلا للأعمال التي تتضمن بذاتها وجود الحق الذي يحتويه، وتفند كل إدعاءات الخصوم ولا تكون قابلة للتنفيذ حتى تكون نهائية ومشمولة بالنفاذ المعجل وهو شأن الأحكام القضائية، خاصة بإعتبارها أكثر السندات التنفيذية شيوعا.
الفرع الثاني : أن يكون الحق معين المقدار

تعيين مقدار الحق الثابت في السند التنفيذي يقصد به أن يكون محل الأداء معينا بشكل يمكن الدائن من التنفيذ إقتضاءا لحقه فقط دون أن بتجاوزه،و من جهة أخرى يمكن للمدين أن يتفادى التنفيذ الجبري بالوفاء بهذا المقدار فقط.

وبالرجوع إلى نص المادة 327 من قانون الإجراءات المدنية، نجد أن المشرع نص على تعيين المقدار أخذا بعين الإعتبار حقا محله أداء مبلغ من النقود (1)، أو أي شيء مثلي محدد على أساس وحدة الحجم أو الوزن أو القياس، غير أن هذا الحق قد يكون محله تسليم أي شيء معين بذاته أو الإلزام بالقيام بعمل ما. فهنا يقصد بهذا الشرط تعيين الشيء المطلوب تسليمه أو العمل المراد القيام به.

وطريقة التعيين تختلف بإختلاف الحق، فإن كان مبلغ من النقود وجب أن يكون معلوم المقدار، وإن كان غير ذلك يجب أن يعين بنوعه ومقداره أو معينا بذاته إن كان منقولا أو أن يتضمن السند التنفيذي وصفا تفصيليا للعقار إن كان محل التنفيذ عقارا، وذلك حتى يتمكن الدائن من سلوك الطريق المباشر للتنفيذ، وبالمقابل قد يحوز الدائن سندات تنفيذية ومع ذلك يتعذر عليه تنفيذها لعدم تعيين المقدار مما يستوجب إتخاذ إجراءات معينة لأتمام هذا التنفيذ كما هو الحال بالنسبة للحكم الصادر بإلزام الخصم بالمصاريف القضائية إذا لم يحدد الحكم قيمتها أو الحكم النهائي القاضي بمسؤولية المدين الخصم فهذا الحكم حكم تقريري وليس حكم إلزام وعليه لا يصلح للتنفيذ الجبري، وكذا الحكم القاضي بالطرد من محل سكني أو إخلاء قطعة أرضية إن لم يتم تعيين هذا المحل تعيينا نافيا للجهالة بأن يتم تحديد المساحة، الموقع، صاحب القطعة الأرضية... تعذر تنفيذه (1).

ونشير إلى أن الحكم إذا لم يتضمن تعيين دقيق للحق أمكن إستكماله بحكم أخر يقدر الحق المستحق الأداء، فالحكم الصادر بإلزام الخصم بالمصاريف القضائية إذا لم يتم تحديدها في الحكم ثم إستصدار أمر بتقدير المصاريف القضائية.

كما يمكن تكملة السند التنفيذي بسند عرفي شريطة أن يكون لهذا السند العرفي وجود سابق على السند التنفيذي وأن سشار إليه في متن هذا الأخير (2).

الفرع الثالث : أن يكون الحق حال الأداء

ويكون الحق حال الأداء إذا كان أدائه غير مؤجل أو غير معلق على شرط واقف، أي يجب أن يكون هذا الحق غير مضاف إلى أجل وغير مقيد بأي وصف كان، بعبارة أخرى قابل للتحصيل في الحال.

ويعتبر الحق حال الأداء إذا كان الأجل المقترن به مقررا لمصلحة الدائن وحده وتنازل عن حقه فيه، كما يعتبر كذلك إذا فقد المدين حقه في الأجل لسبب من الأسباب الواردة في القانون كأن يشهر إفلاس المدين أو إعساره أو يضعف ما أعطى للدائن من تأمين خاص مما يقتضي تصفية عناصر ذمته المالية وتسوية ديونه دون التقيد بالأجال المقررة، وعلى هذا الأساس فإذا كان حق الدائن إحتماليا أو مقيدا بأي نص فإنه لا يجوز تنفيذه جبرا (1). والتنازل عن الأجل المقرر لصالح الدائن يشترط أن يعلم به مدينه قبل مباشرة إجراءات التنفيذ.

وينبغي التفرقة بين حلول الأجل وتحقق الوجود، فالحق قد يكون محقق الوجود لكنه غير حال الأداء ومثاله الحكم الصادر بإلزام المدين بدفع مبلغ معين من المال، ولكن على أقساط، فهنا لا يمكن التنفيذ الجبري للحق بأكمله لمجرد صدور الحكم إلا لإقتضاء القسط الأول الذي حل أجله.

يجب توافر وجود الحق الموضوعي وتعيين مقداره وحلول أدائه عند البدء في التنفيذ، كما ينبغي أن تتوافر هذه الشروط في ذات السند التنفيذي إذ يجب أن يكون هذا الأخير دالا دلالة قاطعة على توافر شروط الحق وأن يشهد عليها بذلك، فلا يكفي توافر هذه الشروط في لحظة لاحقة علىالبدء في التنفيذ أو بصفة سابقة لذلك، إذ لا عبرة من توافرها في هذه الحالة وكل إجراء يتخذ لتنفيذ السند يعد باطلا ولا يصححه حلول الأجل بعد ذلك، فلابد من تواجدها لحظة البدء في التنفيذ كما أنه ليس للدائن الذي بدء في التنفيذ بمقتضى حق غير معين المقدار أن يطلب من القاضي الذي ينازع المدين أمامه في صحة التنفيذ أن يقوم بتعيين الدين لتصحيح إجراءات التنفيذ كون التنفيذ في هذه الحالة يعد باطلا منذ بدايته وهذا لما يترتب على البدء في إجراءات التنفيذ من أثار خطيرة في جانب المدين منها حبس ماله المحجوز تحت يد القضاء والمساس بسمعته الأدبية والمالية (2).

المطلب الثاني : العنصر الشكلي للسند التنفيذي

لا يكون التنفيذ الجبري صحيحا لمجرد أن صاحب الحق فيه ذو حق إستوى إستواءا قانونيا وتجسد في سند تنفيذي يمنح فاعلية للتنفيذ، بل يجب أن يكون مع ذلك للدائن صورة من السند التنفيذي كعلامة مادية بيد الدائن. وتكون ورقة جوهرية من أوراق التنفيذ التي تشهد بمضمون السند التنفيذي.
فالواقع العملي يقتضي وجود تلك الورقة وبالتالي لايجوز إطلاقا التنفيذ بدونها تحت أية حجة من الحجج ولا وجود لبديل قانوني عنها (1).

وتتجلى هذه الضرورة في إستلزام المشرع في قانون الإجراءات المدنية أن تكون النسخة التنفيذية ممهورة بالصيغة التنفيذية حسب المادة 321 من قانون الإجراءات المدنية التي تنص على مايلي : " لكل من صدر لمصلحته حكم قضائي أو كان بيده سند تنفيذي وأراد بموجبه الحق في الحصول على نسخة ممهورة بالصيغة التنفيذية يطلق عليها النسخة التنفيذية وهذه النسخة موقع عليها من الكاتب أو الموظف المختص تحمل العبارة الأتية " نسخة مسلمة طبق الأصل للتنفيذ " ثم يوقع عليها وتختم بخاتم رسمي ". ومن ثمة يتضح أنه يشترط في تلك الورقة التي يحصل عليها الدائن أن تكون مكونة
من عنصران :
- النسخة التنفيذية.
- الصيغة التنفيذية.
وهو ما سنتطرق إليه في الفروع التالية :


الفرع الأول : النسخة التنفيذية

النسخة التنفيذية صورة من الحكم أو المحرر مذيلة بالصيغة التنفيذية وفقا لما ورد في أحكام المادة 321 من قانون الإجراءات المدنية، والتي تثير العديد من التساؤلات والنقاط القانونية التي سيتم التطرق إليها.

أولا : ضرورة النسخة التنفيذية

كما سبق الإشارة إليه فإن النسخة التنفيذية هي الشكل الخارجي الذي بتخذه العمل القانوني حتى يستطيع أن يرتب أثاره القانونية ويحوز القوة التنفيذية، فهي ركن في السند التنفيذي لا يستقيم أمره بدونها، ولا يكفي لإجراء التنفيذ أن يكون صاحب حق مؤكد في عمل قانوني له قوة تنفيذية بل يجب أن يكون بيد الدائن ورقة هي نسخة من المحرر المثبت لهذا العمل ذات طابع خاص تسمى " النسخة التنفيذية ".

وعليه فإن النسخة التنفيذية ليست في حد ذاتها السند التنفيذي وإنما هي المظهر الخارجي لهذا السند وبدونها لا يخول للدائن حق الشروع في إجراءات التنفيذ الجبري.

ثانيا : أحكام تسليم النسخة التنفيذية

يخضع تسليم النسخة التنفيذية إلى مجموعة من الأحكام التي تعد كأصل ترد عليه إستثناءات في حالات خاصة ومن أهمها ما يلي :
 أنه لا يجوز إستخراج إلا نسخة تنفيذية واحدة من السند التنفيذي والإستثناء هو جواز منح نسخة تنفيذية ثانية بشروط خاصة، وتحفظ النسخة الأصلية للسند التنفيذي ذاته بكتابة ضبط المحكمة ولا يجوز تسليمها لأي شخص وفقا لأحكام المادة 39 من قانون الإجراءات المدنية والتي تنص على ما يلي : " يحفز أصل الحكم الصادر في كل قضية بكتابة الضبط
مع المراسلات والوثائق المقدمة فيها، أما الوثائق التي تخص الأطراف فتعاد لقاء إيصال ".
 يقوم بتحرير النسخة التنفيذية كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم إذا كان الحكم صادرا من القضاء أو كاتب المحكمة التي أودع أصل الحكم بكتابة ضبطها بالنسبة لأحكام المحكمين، أو كاتب المحكمة الإبتدائية التي يراد التنفيذ بدائرتها بالنسبة للأحكام والأوامر والسندات الأجنبية، وكاتب مكتب التوثيق الذي قام بتوثيق السند الرسمي (1).

والكاتب في كل هذه الحالات يمارس نوعا من الرقابة على تسليم النسخة فهو يتأكد من عدم سبق إستخراج نسخة تنفيذية، كما أنه يتأكد من أن العمل المطلوب صورة منه يقبل التنفيذ الجبري لكونه حكم حائز لقوة الأمر المقضي فيه، أو لأنه إبتدائي مشمول بالنفاذ المعجل وأنه في الحالتين
حكم بالالزام.
كما أن الكاتب يتحقق من توافر الصفة في الشخص طالب النسخة التنفيذية فيجب أن يكون هو بذاته المحكوم أو وكيله المفوض تفويضا خاصا لإستلام النسخة التنفيذية، وهذه الرقابة رقابة خارجية وليست رقابة صحة على ما يتضمنه السندمن عناصر.



شروط الحصول على النسخة التنفيذية :

وضع المشرع للحصول على النسخة التنفيذية عدة شروط إذا توافرت وجب إعطاء تلك الصورة وإلا أمتنع تسليمها وهي :

1 - أن يكون للخصم منفعة من التنفيذ : ومفاد ذلك أنه لا تسلم النسخة التنفيذية إلا للخصم.
والخصم في القانون الإجرائي له مدلول معين، والمناط في تحديده هو توجيه الطلبات في الدعوى فلا يكفي مجرد المثول أمام محكمة الدرجة الأولى دون أن يكون للشخص طلبات قبل صاحبه أو العكس حتى يعتبر خصما. فإذا لم يصدق وصف الخصم على الطالب لا يسوغ تسليمه تلك النسخة كالخصم المنضم، وإذا ما كيف المركز القانوني للطالب على أنه خصم فإن ذلك لا يكفي لمنحه النسخة التنفيذية بل إضافة إلى ذلك يجب أن تعود عليه منفعة من تنفيذ الحكم ويكفي هنا أية منفعة كانت حتى ولو كانت غير مباشرة، أما إذا إنتفت المنفعة فلن يحصل عليها.
وأمام ذلك فإذا إنفرد المحكوم له وتعدد المحكوم عليهم، يمنح للمحكوم له نسخة تنفيذية واحدة، أما إذا تعدد المحكوم لهم فيمنح لكل واحد منهم نسخة تنفيذية سواء تعدد أو إنفرد المحكوم عليهم. أما إذا كان السند التنفيذي من غير الأحكام القضائية فإن النسخة لا تسلم إلا الدائن بالحق المعين إسما وصفه
في السند التنفيذي.

كما تسلم النسخة التنفيذية إلى خلف الدائن أو من له الحق
في إستيلامها أو وكيل أي من منهما سواء كان خلفا عاما أو خاصا، وسواء كانت الخلافة قانونية أو إتفاقية، ولكن يشترط لتسليم الخلف نسخة تنفيذية مجموعة من الشروط :
1 - أن تكون الخلافة قد نشأت بعد وجود السند التنفيذي.
2 - أن تكون الخلافة ثابتة ونافذة في مواجهة الخصم المنفذ ضده.
3 - أن لايكون السلف قد حصل على نسخة تنفيذية، فإن كان هذا الأخير قد تسلمها فلا يجوز تسليم نسخة تنفيذية ثانية للخلف، ولو أن السلف لم يستعمل النسخة المسلمة له، ذلك أن الخلف يستطيع أن يستعمل النسخة المسلمة لسلفه، فلو أعطيت له نسخة تنفيذية ثانية لوجدت بذلك نسختان تنفيذيتان صالحتان لنفس الخلف للتنفيذعلى أموال المدين على أنه حيث لا توجد خلافة لا يجوز إعطاء نسخة تنفيذية لغير الطرف المستفيد من الحكم، وعلى هذا الأساس فإنه لايمكن للدائن المتضامن الذي لم يكن طرفا في الخصومة التي إنتهت بالحكم، الحصول على نسخة تنفيذية من هذا الحكم رغم أن المادة 233 فقرة 2 من القانون المدني تنص على أنه : " إذا صدر حكم لصالح أحد الدائنين المتضامنين فيستفيد منه الأخرون إلا إذا كان هذا الحكم مبني على فعل خاص بالمدين المعني "، وعليه يجب أن تكون النسخة التنفيذية بحيازة طالب التنفيذ، وهذه الحيازة يجب أن تكون مشروعة أي أن يكون طالب التنفيذ هو الشخص الذي أعطيت له نسخة أو خلف هذا الشخص أو وكيل أي منهما (1). فإذا وجدت النسخة التنفيذية بحوزة أحد منهم فعلى المحضر أن يقوم بالتنفيذ دون أن تكون له أية رقابة على حقه في إجرائه أوعلى صفته.
فحيازة النسخة التنفيذية تعني أن الحائز له الحق في التنفيذ وأنه لم يستعمل هذا الحق بعد.
2 - أن يكون السند قابلا للتنفيذ : سبق القول أن فحوى السند التنفيذي عمل قانوني يؤكد وجود حق الدائن إلا أنه ليس كل عمل قانوني يتضمن تأكيدا لوجود الحق يصلح لأن يحوز القوة التنفيذية، أي أن يكون سندا تنفيذيا يصلح لتحريك ومباشرة إجراءات التنفيذ الجبري لإقتضاء ما يتضمنه من حقوق، فهذه القوة تحوزها الأعمال التي يحددها القانون.
ونظرا لما يرتبه التنفيذ من أثار وخيمة على ذمة المدين ومركزه القانوني لم يشأ المشرع أن يترك تحديد هذه الأعمال لتقدير القضاء والإجتهاد أوالسلطة القائمة بالتنفيذ، بل أوردها في القانون معينا بذلك السندات التي تكون قابلة للتنفيذ.
فبالنسبة للأحكام، لا تسلم منها نسخة تنفيذية إلا إذا كان الحكم جائز تنفيذه جبرا. وبذلك لا تسلم النسخة التنفيذية لحكم إبتدائي أو تقريري أو منشىء لا يتضمن إلزام بأداء معين يقبل التنفيذ الجبري. وعلى ذلك فالكاتب أو الموظف المختص – الكاتب أو الموثق بالنسبة للمحررات الموثقة – يتأكد قبل إعطاء النسخة التنفيذية من أن السند جائزتنفيذه جبرا. ويقتصر دور الكاتب على ذلك دون أن تكون له سلطة رقابةعلى صحة الحكم.

ثالثا: متى يجوز تسليم نسخة تنفيذية ثابتة ؟.

الأصل أو القاعدة أنه لايجوز تسليم أكثر من نسخة تنفيذية واحدة حماية للمدين من تكرار التنفيذ في مواجهته ومع ذلك فإن القانون أجاز إستثناءا منح نسخة تنفيذية ثانية لذات الخصم الذي سبق له وأن حصل على نسخة تنفيذية أولى ولكن بشروط معينة، وفي هذا الصدد تنص المادة 322 من قانون الإجراءات المدنية على أنه : " لايجوز أن تسلم إلا نسخة تنفيذية واحدة، ومع ذلك فإذا فقدت هذه النسخة ممن تسلمها فبل تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته جاز له الحصول على نسخة أخرى بأمر من رئيس الجهة القضائية التي أصدرته بناء على عريضة ".

وهو الإستثناء، ويقتضي الأمر تبليغ الخصوم تبليغا صحيحا وهو نفس الإجراء الذي يتعين إتباعه إذا كان الأمر يتعلق بالنسخة التنفيذية لمحرر توثيقي طبقا لنص المادة 22 من قانون التوثيق 88-27 المؤرخ في 13 يوليو1988 التي جاء فيها : " لا تسلم إلا صورة تنفيذية واحدة تحت طائلة خلع الموثق غير أنه يمكن تسليم صورة تنفيذية إضافية لأمر صادر عن رئيس محكمة محل إقامة المكتب ويبقى هذا الأمر مرفوقا بالأصل ".

شروط تسليم نسخة تنفيذية ثانية :
للحصول على نسخة تنفيذية ثانية يتعين توافر شرطان :
1- فقدان هذه النسخة أو ضياعها.
2- الحصول على أمر من رئيس الجهة القضائية بتسليمها.

1 - فقدان النسخة التنفيذية :

ويقصد بفقد النسخة التنفيذية الأولى ضياعها وعدم إستطاعة صاحبها العثور عنها، ويأخذ حكم فقدان النسخة التنفيذية تلفها أو هلاكها أو إستحالة الوصول إلى مكانها وإستردادها.

تنص المادة 322 من قانون الإجراءات المدنية على أنه : " لا يجوز أن تسلم إلا نسخة تنفيذية واحدة ومع ذلك فإذا فقدت هذه النسخة ممن تسلمها قبل تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته جاز الحصول على نسخة أخرى ... "، أما إذا كان المحكوم له يستطيع عن طريق اللجوء إلى العدالة إسترداد النسخة التنفيذية الأولى من الجهة التي تحتفظ بها فإن وجودها في هذا المكان لا يعد بمثابة الفقد أو الضياع الذي يجيز تسليم نسخة تنفيذية ثانية.

عبء الإثبات : يقع عبء إثبات فقدان النسخة التنفيذية الأولى على عاتق من يطالب بنسخة تنفيذية ثانية، ويكون ذلك بكافة طرق الإثبات كون الفقدان واقعة مادية.

2 - الحصول على أمر بتسليم نسخة تنفيذية ثانية :

ليس بإستطاعة طالب التنفيذ الحصول على نسخة تنفيذية ثانية إلا بالحصول على أمر من رئيس الجهة القضائية التي أصدرت السند التنفيذي المراد تنفيذه ويتعلق الأمر برئيس المحكمة إذا كان السند حكما؛ أو رئيس المجلس القضائي إذا كان السند قرار، ذلك أن المادة 322 من قانون الإجراءات المدنية بعد أن قررت شرط فقدان النسخة التنفيذية الأولى للحصول على نسخة ثانية أضافت شرط ثاني هو الحصول على أمر من رئيس الجهة القضائية التي أصدرته بناء على عريضة، وذلك بعد تبليغ الخصوم تبليغا صحيحا، ويكون طلب الحصول على نسخة تنفيذية ثانية بموجب عريضة مقدمة إلى رئيس الجهة القضائية التي أصدرت السند بموجب أمر على ذيل عريضة دون اللجوء إلى إتباع النصوص العامة في رفع الدعاوى، إلا أنه يشترط تكليف الخصوم بالحضور أمام رئيس الجهة القضائية التي أصدرته تكليفا صحيحا للتأكد من عدم التنفيذ بالنسخة التنفيذية الأولى حتى لا يكون المدين عرضة للتنفيذ على أمواله مرتين، ونفس الأمر يتعلق بحالة ضياع نسخة تنفيذية للمحرر الرسمي طبقا لأحكام المادة 22 من قانون الثوتيق.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن التشريعات المقارنة (1) توزع إختصاص منح النسخة التنفيذية الثانية بين قضاء الإستعجال وقضاء الموضوع، وهذا ما تشير إليه مثلا أحكام المادة 183 من قانون المرافعات اللبناني التي تفرق بين الحالات التالية :

1- حالة ضياع الصورة التنفيذية الأولى وتلفها : هنا ترفع الدعوى أمام المحكمة التي أصدرت الحكم إذا كان السند هو حكم المحكمة أو المحكمة التي يودع بها أصل وثيقة التحكيم إذا كان السند التنفيذ حكم تحكيمي.
2- إذا كان السند التنفيذي محرر موثق : فإن الدعوى ترفع أمام قاضي الأمور المستعجلة الذي يقع بدائرته مكتب التوثيق، ونلاحظ أن هذه الدعوى ترفع بالتكليف بالحضور للمدعي عليه وتودع صحيفة الدعوى لدى قلم الكتاب ويدور موضوعها حول ضياع أو تلف الصورة التنفيذية الأولى والحاجة إلى الحصول على صورة تنفيذية ثانية.

وإذا رأت المحكمة عدم كفاية الأدلة تحكم برفض الدعوى دون أن يحول ذلك من إعادة رفع الدعوى مجددا بعد إستكمال الأدلة؛ إذ أن الحكم الصادر من الأحكام الشرطية التي ترتبط بضروف معينة إذ تغيرت أمكن اللجوء إلى القضاء مرة ثانية للحصول على حكم جديد، كما أن مثل هذه الأحكام لاتحوز حجية الشيء المقضي فيه، وفي جميع الأحوال يجوز إستثناء الحصول على صوة ثانية دون إتباع ما سبق، وذلك في الحالة التي يتفق فيها الجميع حال حضورهم أمام كاتب المحكمة على تسليم المحكوم له صورة تنفيذية ثانية.

- وفي هذا الصدد وبشأن فعن إشكالات الحصول على نسخة تنفيذية ثانية في حالة ضياع الأولى إرتأينا التطرق إلى بعض الحالات العملية لهذا الإشكال على مستوى مجلس قضاء عنابة أين يتم التأكد من مدى توافر الشروط التي تسمح بتسليم النسخة التنفيذية الثانية أين سينتهي الأمر إما بقبول إصدار أمر تسليم النسخة التنفيذية الثانية أو إصدار أمر بالرفض لعدم توافر
شروط منحها.

وعليه نتطرق إلى نموذجين من بين العديد من الأوامر الصادرة عن رئيس محكمة عنابة التي إنتهى فيها إلى رفض منح نسخة تنفيذية ثانية من السند التنفيذي لعدم إحترام طالبيها لإجراءات تبليغ الخصوم للحضور وفقا لأحكام المادة 322 من قانون الإجراءات المدنية.

ومنها الأمر رقم 1363/04 الصادر بتاريخ 12 أكتوبر 2004
عن رئيس محكمة عنابة الذي رفض إصدار أمر بتسليم نسخة نتفيذية ثانية
من الحكم الجزائي الصادر عن محكمة عنابة بتاريخ 28-06-2004 –
في الشق المدني – والذي تقدم صاحبه بطلب هذه النسخة بعد أن تفاجىء بضياعها بعد أن تسلمها من كتابة ضبط المحكمة. وهذا لعدم قيامه بإجراءات تبليغ خصمه وفقا لأحكام المادة 322 من قانون الإجراءات المدنية.

وكذا الأمر رقم 1358/04 الصادر بتاريخ 11 أكتوبر 2004 الرافض لطلب العارض الذي تقدم لإستصدار أمر تسليم نسخة تنفيذية ثانية
من عقد الإعتراف يدين الذي فقده بعد الحصول عليه وقبل القيام بإجراءات التنفيذ والذي رفض أيضا لعدم إحترام العارض لإجراء تبليغ خصمه أمام رئيس المحكمة.
وهذا النموذج من بين الحالات العملية التي تحظي بالرفض أمام عدم إحترام الشكليات والإجراءات التي يقتضيها القانون وأحكام المواد 321 – 322 من قانون الإجراءات المدنية أين يتضح جليا أنها إجراءات لايستهان بها مفادها التأكد من عدم سبق التنفيذ لعدم الإضرار بذمة المدين جراء التنفيذ عليه مرتين.

إلا أن ما يقابل حالات الرفض لطلبات الإستصدار تقابله حالات إستصدار أوامر بتسليم نسخة تنفيذية ثانية لإحترام الأطراف جميع الإجراءات، كالتبليغ والحضور أمام رئيس المحكمة وسماعهم على محضر للتأكيد من سبق التنفيذ من عدمه مثلما هو ثابت في الأمر رقم 66 الصادر بتاريخ
15/03/2004 عن رئيس محكمة عنابة الذي أمر فيه بتسليم نسخة تنفيذية ثانية لإستيفاء كل الإجراءات التي يقتضيها القانون لتسليمها.

هل يجوز التنفيذ بموجب صورة فتوغرافية ؟ (1)

يجمع الفقه (2) على أنه لايجوز التنفيذ بموجب الصورة الفوتوغرافية للصورة التنفيذية لتعذر إستخدام النسخة الأولى.

وعلى ذلك يتعين الحصول على نسخة تنفيذية ثانية بالإجراءات التي رسمتها المادة 322 من قانون الإجراءات المدنية ويبرر الفقه موقفه من عدم جواز إستخدام هذه الصورة في التنفيذ الجبري على كون النسخة التنفيذية ليست وسيلة إثبات للحق وإنما شيء ضروري لقيام المحضر بوظيفته على أحسن وجه كون السند التنفيذي لا يكتمل وجوده إلا بها، فهي ركن في هذا السند لا يغني عنها أي سند أخر، كما أن إجازة التنفيذ بالصورة الفتوغرافية يؤدي إلى إحتمال تكرار التنفيذ، ويمكن الدائن من إقتضاء حقه الواحد أكثر من مرة.

حتى وإن إعتبرنا الصورة الفتوغرافية دليلا لإثبات وجود الحق طبقا لقواعد الإثبات الواردة في المادة 325 وما يليها من القانون المدني إلا أنها لاتكفي لإعتبارها دليلا على سبق التنفيذ بمقتضى هذا الحق.
الفرع الثاني : الصيغة التنفيذية

إن أي سند تنفيذي سواءا كان حكما أو أمرا أو محررا رسميا أو غير ذلك لا يجوز تنفيذه إلا بموجب صورته التنفيذية الممهورة بالصيغة التنفيذية، وعلى ذلك فإن وضع الصيغة التنفيذية لايقتصر على الأحكام بل توضع على سائر السندات التنفيذية.

فهي توضع على العقود الرسمية، كما توضع على الأوامر الداخلة
في عداد السندات التنفيذية، لكن ماهي القواعد التي تحكم الصيغة التنفيذية ؟
أولا : المقصود بالصيغة التنفيذية : هي الأمر الموجه إلى الجهة القائمة بالتنفيذ لإجرائه أو إلى السلطات العامة حتى تبادر بالمساعدة على ذلك إذا إقتضت الحاجة ولو بإستعمال القوة الجبرية.

ولقد نصت المادة 320 من قانون الإجراءات المدنية على ذلك بالنص: " كل حكم أو قرار أو سند لايكون قابلا للتنفيذ إلا إذا كان مممهور بالصيغة التنفيذية الأتية :
"الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية بإسم الشعب الجزائري ".

وتنتهي بالصيغة الأتية :
" وبناء على ما تقدم فإن الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية تدعو وتأمر جميع أعون التنفيذ إذا طلب إليهم ذلك، تنفيذ هذا القرار
( القرار، الحكم...) وعلى النواب العامين ووكلاء الجمهورية لدى المحاكم
مد يد المساعدة اللازمة لتنفيذه، وعلى جميع قادة وضباط القوة العمومية تقديم المساعدة اللازمة لتنفيذه بالقوة عند الإقتضاء إذا طلب إليهم ذلك
بصفة قانونية.
وبناء عليه وقع هذا الحكم ".
وفي القضايا الإدارية تكون الضيغة التنفيذية على الوجه الأتي :
" الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية تدعو وتأمر الوزير أو الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي، كل فيما يخصه، وتدعو وتأمر كل أعوان التنفيذ المطلوب إليهم ذلك فيما يتعلق بإجراءات القانون العام في مواجهة الأطراف الخصوصين أن يقوموا بتنفيذ هذا القرار ".

وعلى هذا الأساس تعتبر الصيغة التنفيذية أحد مكونات النسخة التنفيذية (1) بحيث لايكتمل بها الشكل القانوني للسند إلا إذا ذيل بالصيغة التنفيذية وعليه لايجوز التنفيذ إلا بموجب النسخة التنفيذية الممهورة بالصيغة التنفيذية، كما أنها تعد شرطا من شروط السند التنفيذي الذي لايستقيم أمره بدونها وفق معطيات المادة 321 من قانون الإجراءات المدنية.

ويترتب على إغفال وضع الصيغة التنفيذية على السند أنه يتعذر التنفيذ وإن تم ذلك فإنه يعد تنفيذا باطلا لإنعدام أساسه، أما إذا كان العيب الذي يلحق الصيغة لايعد إلا مجرد خطأ في عباراتها فيجري تطبيق القواعد العامة للأعمال الإجرائية.

ثانيا : تقدير نظام الصيغة التنفيذية :

يرجع ظهور الصيغة التنفيذية إلى إعتبارات تاريخية متعلقة أساسا بالفترة السابقة للثورة الفرنسية، أين كانت فرنسا مقسمة إلى مقاطعات فكان
من الضروري الحصول على " فـيـزا " تأشيرة يمكن بها تنفيذ الحكم الصادر في إقليم معين خارج حدود الإقليم الذي صدر فيه.

ورغم أن فكرة الإقليمية تلاشت فيما بعد وقويت السلطة المركزية إلا أن العمل بهذه الفكرة إستمر لأسباب مالية كون الحصول على التأشيرة كان يتم بمقابل دفع رسوم، ولكن كان من المنطقي أن تختفي الصيغة التنفيذية بعد زوال المبرر الأساسي لوجودهما، وهو ما لم يحدث عمليا.

تعددت أراء الفقه الحديث حول الوظيفة التي يؤديها الصيغة التنفيذية إلى مجموعة أراء :
إذ ذهب فريق منهم إلى أن الصيغة التنفيذية تأكيد لوجود السند التنفيذي وصحته، فهي تعتبر الدليل الأكيد على أن طالب التنفيذ هو صاحب الحق الثابت بالسند وأنه لم يستوفي هذا الحق بتنفيذ سابق، وسندهم في ذلك أن الصورة التنفيذية لاتسلم إلا لصاحب الحق.

غير أن هذا الرأي منتقد لأن التأكيد الذي يتضمنه وضع الصيغة التنفيذية على السند التنفيذي لا يضفي جديدا إلى التأكيد الذي يتضمنه السند التنفيذي ذاته. كما أن وجود هذه الصورة التنفيذية لايعني بالضرورة عدم قيام المحكوم عليه بالوفاء بالدين إذ المسألة تخضع للقواعد العامة في الإثبات فقد تلزم المحكوم عليه بالحق الموضوعي بعد حصول المحكوم له على صورة تنفيذية من الحكم.

وذهب جانب أخر من الفقه إلى أن الصيغة التنفيذية على صورة السند يؤدي إلى إنشاء وضع ظاهر يفرق ويميز الصورة التنفيذية عن غيرها من الصور إذ تعد علامة مادية ظاهرة توضح للمطلع عليها بشكل ملموس أن هذه الورقة أداة صالحة للتنفيذ مما يسهل مهمة المحضر في التحقق من حق الطالب في التنفيذ، ومن تمييز هذه الصورة عن غيرها من الأوراق الرسمية.

غير هذا الراي يمكن إنتقاده هو الأخر إذ من الممكن تمييز الصورة التنفيذية عن غيرها من الصور بطرق أخرى كوضع خاتم خاص على الصورة التنفيذية وهو ما أخذت به بعض التشريعات كالقانون اللبناني بوضعه عبارة
" سلمت نسخة طبق الأصل لأجل التنفيذ ". هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الصيغة التنفيذية كعلامة مادية ظاهرة لا تؤدي لإكتساب أحد الحقوق على خلاف الحقيقة لأن هذه الصيغة لو وضعت خطأ على سند غير جائز تنفيذه أو إستلمه شخص لاحق له في ذلك فإن إجراءات التنفيذ تكون باطلة ولا يكون لحامل الصورة التنفيذية أن يحتج بالصيغة التنفيذية لإكتساب أي حق حتى ولو كان حسن النية.

ومع ذلك فإن الصيغة التنفيذية التي توضع خطأ من الممكن أن تؤدي إلى نفس مسؤولية الغير الذي قام بالتنفيذ إعتمادا عليها، فالظاهر الذي تخلقه الصيغة التنفيذية على سند غير جائز التنفيذ يصلح أساس لنفي خطأ الغير الذي يعتمد في سلوكه على هذا الظاهر ويقوم بالوفاء إختيارا لتفادي إجراءات التنفيذ الجبري في مواجهته ولكن يظل القائم بالتنفيذ بناء على الصيغة التنفيذية التي وضعت خطأ مسؤولا في مواجهة المنفذ ضده عن هذا التنفيذ الخاطىء.
وذهب رأي ثالث من الفقه إلى أن أهمية الصيغة التنفيذية تكمن في أنها تحمل أمر صادر إلى المحضر والقضاة ورجال السلطة العامة بإجراء التنفيذ إلى أن الحكم بذاته لا يتضمن أمرا إلى القائم التنفيذ وإنما يتضمن إلزاما للمحكوم عليه بما قضى به، بل أن الصيغة التنفيذية هي التي تحوي هذا الأمر.

وأنتقد هذا الرأي لكونه لا يصدر إلا إلى الموظفين الخاضعين لمن يصدره ولا يمكن تصور إصدار واضع الصيغة التنفيذية على السند وهو الكاتب أو الموثق أمر إلى أشخاص أعلى منه في سلم التدرج الوظيفي، خاصة أن كاتب المحكمة أو الموثق ليست له ولاية القضاء، ويحاول أنصار هذا الرأي تفادي هذا النقد بمقوله مفادها أن كاتب المحكمة أو الموثق، ل ايقوم إلا بوضع الصيغة التنفيذية على السند التنفيذي وأن الأمر الذي يتضمنه الصيغة لا يعتبر صادرا من الكاتب أو الموثق، بل يمكن إعتباره صادرا عن القانون مباشرة أو عن الدولة أو من رئيس الدولة، لكن هذا القول مردود عليه إذ أن القائمين التنفيذ يتلقون الأمر مباشرة من القانون بحكم وظائفهم دون حاجة إلى الصيغة التنفيذية، وهم بذلك لا يحتاجون إلى أمر خاص بالتنفيذ في كل حالة يقومون فيها بالتنفيذ وهذا الرد ينطبق أيضا على القول بأن الأمر صادر من الدولة إذ لا يوجد فارق بين الأمر الصادر من الدولة والأمر الصادر من القانون، كذلك لا يمكن القول بأن الأحكام تصدر وتنفذ بإسم رئيس الدولة بل هي تصدر وتنفذ بإسم الشعب، وهذا ما تنص عليه المادة 322 من قانون الإجراءات المدنية.

وإعتبر فريق رابع من الفقه أن الصيغة التنفيذية تعتبر ركنا شكليا في السند التنفيذي، ووفقا لذلك فإن السند التنفيذي عمل قانوني، أما الصورة التنفيذية فهي الشكل الخارجي لهذا العمل، وبذلك فالسند التنفيذي عمل شكلي في حين الصيغة التنفيذية هي الشكل القانوني لهذا السند ولذا لا يعد السند التنفيذي قائما إلا إذا إستوفى الشروط القانونية للصور التنفيذية.
وهذا الرأي غير صحيح أيضا لأنه يخلط بين الركن والشرط (1)، فالصيغة التنفيذية ليست إلا مجرد شرط شكلي في السند التنفيذي ومن الممكن أن يوجد السند التنفيذي دونها وفي هذه الحالة لا ينتج السند التنفيذي أثاره القانونية، وأهمها إلتزام المحضر بإجراء التنفيذ، ولو كانت الصيغة التنفيذية ركنا في السند لما وجد السند بدونها، مما يدل على أنها مجرد شرط شكلي في السند.

والواقع أن البعض يرى بأن الصيغة التنفيذية لا تؤدي أية وظيفة نافعة ولا تستجيب لأي ضرورة قانونية ومنطقية، فهي مجرد شكل تاريخي لامعنى له، وهناك العديد من القوانين التي لا تأخذ بنظام الصيغة التنفيذية، كالقانون الإنجليزي، السوداني، السوري، العراقي، السعودي، البحريني واللبناني، كما أن العديد من التشريعات ومنها الجزائري تجيز التنفيذ في بعض الحالات الإستثنائية بغير الصيغة التنفيذية كما سنرى لاحقا.

تذهب معظم التشريعات إلى أنه من الأجدر الأخذ بنظام أمر التنفيذ وإلغاء الصيغة التنفيذية (2)، بحيث يشترط لتنفيذ السند التنفيذي أن يصدر أمر بالتنفيذ من قاضي التنفيذ، إذ أن نظام أمر التنفيذ يتفق مع الأخذ بنظام قاضي التنفيذ الذي إستحذثه المشرع المصري في القانون الحالي، ومعظم التشريعات التي تأخذ بنظام قاضي التنفيذ لا تأخذ بالصيغة التنفيذية ولا يبدأ التنفيذ وفقا لها إلا بأمر من قاضي التنفيذ، كما أن نظام الأمر بالتنفيذ يؤدي إلى تحقق الإشراف السابق للقضاء على بدء التنفيذ، مما يقلل من منازعات التنفيذ التي قد تثور
فيما بعد.

ولا شك في أن نظام أمر التنفيذ أكثر تشددا في الصيغة التنفيذية وأكثر دقة منه لأن أمر التنفيذ لا يصدر إلا من القاضي وليس من كاتب المحكمة أو الموثق الذي يقوم بوضع الصيغة التنفيذية على السند ولا يصدر القاضي الأمر إلا بعد التحقق من جواز التنفيذ بصورة موضوعية بينما الصيغة التنفيذية لا تدل على جواز التنفيذ إلا بطريقة سطحية، فأمر التنفيذ يتضمن تأكيدا حقيقيا على جواز التنفيذ، بينما الصيغة التنفيذية لا تتضمن سوى تأكيدا شكليا لذلك.

وبناءا عليه يضيق مجال منازعات التنفيذ وإشكالاته في ظل نظام أمر التنفيذ بعكس الحال في ظل نظام الصيغة التنفيذية الذي يتعين إلغاؤه.

هل يجوز التنفيذ بغير الصورة التنفيذية ؟

بالرجوع إلى قانون الإجراءات المدنية الجزائري فإننا لا نجد في نصوصه إستثناءا للتنفيذ بغير النسخة التنفيذية، كما فعل المشرع المصري في المادة 280/3 من فانون المرافعات المصري حيث نص صراحة على أنه :
" لا يجوز التنفيذ في غير الأحوال المستثناة بنص خاص من القانون بموجب صورة تنفيذية من السند التنفيذي عليها الصيغة التنفيذية ".

إلا أنه يجوز ذلك في حالة الأوامر الصادرة في المواد المستعجلة وبشرط وجود حالة الضرورة القصوى، وبأمر من رئيس المحكمة بناءا على طلب الخصوم، والأصل ألا يتم التنفيذ إلا بموجب صورة تنفيذية من السند التنفيذي إذ أن المادة 320 من قانون الإجراءات المدنية صريحة في أن كل حكم أو سند لا يكون قابلا للتنفيذ إلا إذا كان ممهورا بالصيغة التنفيذية.

غير أن المادة 188 من قانون الإجراءات المدنية الواردة في باب القضاء المستعجل نصت على أنه " تكون الأوامر الصادرة في المواد المستعجلة معجلة النفاذ بكفالة أو بدونها وهي غير قابلة للمعارضة ولا للإعتراض على النفاذ المعجل وفي حالات الضرورة القصوى، يجوز للرئيس قبل قيد الأمر أن يأمر بالتنفيذ بموجب المسودة الأصلية للأمر ".
وشرط التنفيذ بمسودة الحكم (1)la minute أن يأمر به رئيس المحكمة في حالة الضرورة القصوى وأن يطلبه الخصوم وأن يكون بصدد أمر صادر في مادة مستعجلة.

ويلاحظ أن التنفيذ هنا يتم بغير إعلان حتى قبل قيد الأمر أو مسودته سلم إلى كاتب التنفيذ لا إلى المحكوم له فلا محل لوضع الصيغة التنفيذية على مسودة الأمر الأصلية في هذه الحالة.

كذلك نصت المادة 346 قانون الإجراءات المدنية في صدد الحجز التحفظي على أنه بصدد أمر الحجز التحفظي فإنه يصدر من قاضي محكمة موطن المدين أو مقر الأموال المطلوب حجزها ويذكر فيه سند الدين إن وجد فإن لم يوجد فالمقدار التقريبي للدين الذي من أجله صرح بالحجز، ويصدر القاضي أمرا تبلغ بغير إمهال إلى المدين، وينفذ بموجب مسودته رغم المعارضة أو الإستئناف ويرجع إلى القاضي فيما قد يثار من إشكالات فيما بعد.

الأعمال التي يعترف لها القانون بالقوة التنفيذية
(أنواع السندات التنفيذية)

سبق أن تناولنا قي الفصل الأول مكونات السند التنفذي ووقفنا على مضمونه وركنه الموضوعي وهو عمل قانوني يؤكد وجود حق موضوعي لدائن جدير بالحماية التنفيذية لكونه إستوفى شروطه القانونية والمتمثلة في – تحقق الوجود، تعيين المقدار – حلول الأداء ولكن مع ذلك ليست جميع الأعمال القانونية التي تؤكد وجود الحق تكون سندا تنفيذيا يصلح لتحريك ومباشرة إجراءات التنفيذ الجبري اقتضاءا لما تتضمنه من حقوق. وإنما فقط تلك الأعمال التي يعترف لها القانون بهذه الصفة (1).

ونظرا لخطورة السند التنفيذي في مجال التنفيذ الجبري من حيث فعاليته في تحريك الإجراءات التنفيذية دون عرض الأمر على القضاء (2)، لم يترك المشرع تحديد السندات التنفيذية لمطلق تقدير القضاء أو القائم بالتنفيذ
(3) ولكنه حدد هذه السندات على سبيل الحصر في المادة 320 من قانون الإجراءات المدنية، كما أعطى المشرع هذه الصفة – صفة السندات التنفيذية – لأعمال قانونية مختلفة وفي مواضيع متفرقة من القوانين، ويترتب على ذلك إمتناع القياس عليها وحظر خلق نظير لهذه السندات بمعرفة القضاء أو الفقه، وطبقا لما تقدم فإن الأعمال القانونية التي تعتبر سندات تنفيذية وبالتالي تحوز القوة التنفيذية هي :

أحكام المحاكم وقرارات القضائية والعقود الرسمية، الأوامر القضائية – أوامر الأداء، أوامر تقدير المصاريف أوامر على عرائض الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين وأوامر تخفيض محاضر الصلح، أوامر الصرف الخاصة بتوزيع حصيلة التنفيذ ومحاضر بيع المنقولات المحجوزة وأحكام رسو المزاد والمحضر المثبت لتعهد الكفيل (1). ومع ذلك يلاحظ أن أي عمل من الأعمال القانونية السابقة وإن كان له القوة التنفيذية فإن فعالية هذه القوة تتوقف على إكتمال الركن الشكلي للسند التنفيذي وذلك بأن يرد في النسخة التنفيذية الممهورة بالصيغة التنفيذية (2) أي أن أيتخذ السند التنفيذي الشكل الخارجي الضروري بتحريك إجراءات التنفيذية – الصيغة التنفيذية – ذلك أن توافر الحق الموضوعي في السند التنفيذي لا يغني عن الأداة التي حددها المشرع لإجراء التنفيذ (3).

وبذلك نتناول في المبحث الأول السندات القضائية الذي يتضمن الأحكام والقرارات القضائية في المطلب الأول والأوامر في المطلب الثاني
وفي المبحث الثاني السندات غير القضائية التي يتضمن المحرارات الرسمية
في المطلب الأول وأحكام المحكمين في المطلب الثاني.

المبحث الأول : السندات القضائية

وتتمثل السندات القضائية في الأحكام الصادرة عن المحاكم وقرارات المجالس القضائية والمحكمة العليا والأوامر بأنواعها.

المطلب الأول : الأحكام والقرارات القضائية

الفرع الأول : الأحكام

تعتبر الأحكام من أهم السندات التنفيذية وأعلاها مرتبة لكونها تصدر بعد تحقيق كامل وتتضمن تأكيدا قضائيا للحق الموضوعي وهي فضلا عن ذلك أكثر السندات شيوعا (1).
فتنص المادة 324 من فانون الإجراءات المدنية على أن جميع الأحكام قابلة للتنفيذ في كل أنحاء الأراضي الجزائرية ولأجل التنفيذ الجبري لأحكام المحاكم والمجالس يطلب قضاة النيابة العامة مباشرة استعمال القوة العمومية وتنص المادة 344 منه على أن تكون الأحكام قابلة للتنفيذ خلال مدة ثلاثين سنة تبدأ من يوم صدورها وتسقط بعد إنقضاء هذه المدة (2) والأحكام المعنية بدراستنا هي الأحكام الصادرة في المسائل المدنية والتجارية وذلك سواء كانت الأحكام صادرة في المسائل العينية أو المسائل الإجتماعية
والأحوال الشخصية.

أما بالنسبة للأحكام الصادرة عن جهات القضاء الإداري فإنها تخضع لنصوص خاصة جاء بها القانون رقم 02/91 المؤرخ في 8 جانفي 1991.
كما أن الأحكام الصادرة في المسائل الجنائية والجزائية التي تتعلق بمسألة عينية أو القاضية بغرامة أو بما يجب رده أو بالتعويضات والمصاريف فإنها تعتبر بسندات تنفيذية بالمعنى الوارد في قانون الإجراءات المدنية وتنفذ بالطرق التي رسمها هذا القانون (1).
ويكون للحكم قوة التنفيذ في نطاق ما أمر به في منطوقه وإذا حدث ولم يعين المنطوق ما ينصب عليه التنفيذ فيجري على أساس ما يتبين من الحكم بالرجوع إلى ما يتنازع فيه الطرفان وما جاء في أسباب الحكم على أساس تفهم مستلزمات الحكم وتقصي أهدافه وتطبيقا لذلك أنه عند تنفيذ حكم قضى بتسليم عقار فإنه يمكن الرجوع إلى حيثيات الحكم لمعرفة أوصاف العقار الذي يراد تسليمه (2).

أولا : النفاذ العادي للأحكام :

ليس كل الأحكام القضائية قابلة لتنفيذ الجبري وإنها الأحكام التي إعترف بها القانون بالقوة التنفيذية فقط ولاكتساب الحكم القوة التنفيذية يجب توافر شروط معينة.
أ – المقصود بالقوة التنفيذية :
ويقصد بالقوة التنفيذية للأحكام ما يرتب عليها القانون من أثر تنفيذي
(3) فهي وصف يلحق بالحكم فيسمح بتنفيذه جبرا وباستخدام القوة إذا اقتضى الأمر ذلك فإذا كان الحكم حائزا للقوة التنفيذية فهو يعني قابليته للتنفيذ الجبري، والقوة التنفيذية قد تكون عادية أو مؤقتة (النفاذ المعجل) ولإختلاف بينهما
في الأثر حيث يترتب على اكتساب الحكم القوة التنفيذية قابليته للتنفيذ الجبري.
وإذا كانت القوة التنفيذية هي ما يرتبه القانون على الحكم من أثر تنفيذي إلا أن إكتساب الحكم لها ينفع لشروط معينة.

ب - شروط إكتساب الحكم القوة التنفيذية :

تنص المادة 102/3 من قانون الإجراءات المدنية على أنه :
" للإستئناف أثر موقف ما لم ينص القانون على غير ذلك " تطبيقا لهذا النص لا يجوز تنفيذ الحكم الإبتدائي جبرا بمعنى أن الحكم النهائي هو الذي يمكن تنفيذه جبرا وفضلا عن عدم جواز تنفيذ الأحكام جبرا مادام الطعن فيها بالإستئناف جائزا فإن الحكم لا يتمتع بالقوة التنفيذية إلا إذا كان من الأحكام التي تقبل التنفيذ الجبري أي أن تكون من أحكام الإلزام وبذلك هناك شرطان أساسيان لاكتساب الحكم القوة التنفيذية وهما :
- أن يكون الحكم نهائيا.
- وأن يكون من أحكام الإلزام (1) دون الأحكام المقررة أو المنشئة.

ثانيا : التنفيذ المعجل للأحكام :

يقصد بالنفاذ المعجل صلاحية الحكم الإبتدائي للتنفيذ الجبري قبل أن يصير نهائيا. فالحكم الإبتدائي يكون وفقا لهذا النظام قابلا للتنفيذ قبل أن يحوز القوة الإجرائية التي تتطلبها القاعدة في التنفيذ لذا فتعتبر القوة التنفيذية التي يمنحها القانون بموجب نظام النفاذ المعجل وقتية فمصيرها يربط بمصير الحكم تستقر إذا تأكد الحكم وتزول بما رتبه من أثار إذا إلغى في الطعن (1).

والتكييف الصحيح لطبيعة النفاذ المعجل هو أنه أحد الصور الحماية الوقتية التي تستهدف معالجة بطء الحماية القضائية للحق وذلك بتقديم الحماية العاجلة التي يحتاجها المحكوم له في مرحلة التنفيذ (2) والنفاذ المعجل قد يلحق الحكم بقوة القانون أو بإذن من القاضي وفي كلتا الحالتين لا يغير من طبيعته فيظل هذا الحكم المشمول بالنفاذ المعجل إبتدائيا رغم صلاحيته للتنفيذ ولا يؤثر هذا النفاذ في سلطة الجهة القضائية الناظرة في الإستئناف.

ولما كان وصف الحكم من شأنه أن يؤثر على قوته التنفيذية فقد سمح المشرع لكل خصم أن يتظلم من خطأ المحكمة في وصف الحكم بحيث قد يترتب على الحكم في هذا التظلم تأخير التنفيذ أو التعجيل به (3).

وبناءا على ما تقدم نتناول بالدراسة النفاذ المعجل من حيث :
أ – أنواع النفاذ المعجل.
ب – المسؤولية عن النفاذ المعجل (لدراسة مقارنة).

أ – أنواع النفاذ المعجل :

ينقسم النفاذ المعجل إلى نوعين بحسب مصدره الإستثنائي هما :
- نفاذ معجل حتمي بقوة القانون.
- نفاذ معجل قضائي.

ويتضح هذا التقسيم من نص المواد 40/1 و2 و188 من قانون الإجراءات المدنية و227 من القانون التجاري ولكل نوع حالات خاصة به.
ويلاحظ أن العبرة في التنفيذ المعجل القانوني هي بتوافر شروطه دون الإعتداء بإرادة الخصوم أو رغبتهم.

1 – حالات النفاذ المعجل القانوني (الحتمي) :
- الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة :
تنص المادة 188 من قانون الإجراءات المدنية على أن تكون
" الأوامر الصادرة في المواد المستعجلة معجلة النفاذ بكفالة أو بدونها وهي غير قابلة للمعارضة ولا للإعتراض على النفاذ المعجل ".

يستفاد من هذا النص أن النفاذ المعجل يلحق بالأحكام المستعجلة بقوة القانون وبغير كفالة وهو الأصل على أن القانون يجيز للقاضي إذا خشي ضررا يصيب المحكوم عليه من النفاذ المعجل إلزام المحكوم له بتقديم كفالة قبل إجراء التنفيذ (1) وبطبيعة الحال ليست كل الأحكام المستعجلة مما تشمل بالنفاذ المعجل وإنما فقط الأحكام التي تتضمن إلزاما وقتيا بأداء ذلك بأن المفترض في التنفيذ هو وجود أداء أو إلتزام يرد عليه هذا التنفيذ فلا وجه للتنفيذ حال تخلف المحل الذي يرد عليه (1).

والحكمة من شمول الأحكام المستعجلة بالنفاذ المعجل أن الحكم المستعجل لا يتضمن قضاء في الموضوع كأثر لطبيعته الوقتية ومن ثم لا يكتسب حجية الشيء المقضي فيه بالنسبة لموضوع وعليه فليس هناك ما يمنع من تنفيذه أو إلغائه فيما بعد (2).

وبناءا على ما تقدم نبين أن هناك وجه إستثناء مزدوج يتمثل الأول في عدم خضوع الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة للقاعدة العامة في القوة التنفيذية للأحكام والتي ترتبط بين الإعتراف للحكم بهذه القوة وحيازته لقوة الشيء المقضي فيه فالأحكام المستعجلة وخلاف لما تقضي به القاعدة العامة تحوز القوة التنفيذية بمجرد صدورها بغض النظر عن قابليتها للطعن العادي أو ممارسة هذا الطعن بالفعل فهي تخضع لنظام التنفيذ المعجل بقوة القانون.

أما الوجه الأخير فيرد على مضمون السند التنفيذي ذاته فكما سبق وأن ذكرنا فإن جوهر السند التنفيذي يمكن فيما يتضمنه من تأكيد لوجود حق استوفى شروطا محددة تجعله جديرا بالحماية التنفيذية ولا يمكن تصور وجود هذا المضمون بطبيعة الحال في الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة، لأنها مبنية على مجرد ترجيح وجوده، فتنفيذ هده الأحكام لا يتم إقتضاءا لحق مؤكد كما هي القاعدة العامة وإنما اقتضاء الحق يحتمل الوجود كما قد لا يحتمله وإن كان احتمال وجوده بحسب الظاهر هو الأرجح.
- الأحكام الصادرة في المواد التجارية :
تنص المادة 227 من القانون التجاري على " أن جميع الأحكام والأوامر الصادرة بمقتضى هذا الباب – الإفلاس والتسوية القضائية معجلة التنفيذ رغم المعارضة والإستئناف وذلك بإستثناء الحكم الذي يقضي بالمصادقة على الصلح ". ولا يشترط الكفالة في هذه الحالة ولا يجوز للمحكمة أن تشترطها (1).

وبما أن التنفيذ المعجل يستمد في هذه الحالة مباشرة من القانون فإن أمين الضبط يلتزم بتسليم النسخة التنفيذية لطالب التنفيذ حتى وإن لم يتضمن الحكم إشارة إلى تنفيذه المعجل طالما تعلق الأمر بمادة مستعجلة أو تجارية واردة ضمن باب الإفلاس والتسوية القضائية ولن يجد أمين الضبط صعوبة في التعرف على طبيعة الحكم ومضمونه.

وبذلك فإن الأحكام والأوامر الصادرة في المادة التجارية المتعلقة بالأحكام الواردة في باب الإفلاس والتسوية تكون نافذة بقوة القانون حتى ولو كانت تقبل الطعن فيها بالاستئناف أو المعارضة أو كانت قد طعن فيها فعلا.

- الأوامر على العرائض :
الأوامر على العرائض هي التي تصدر من قاضي الأمور الوقتية (2) وهو رئيس المحكمة أو من يندبه لذلك وهذه الأوامر ليست أحكاما لأنها لا تصدر في خصومة ولا يكلف الخصم فيها بالحضور لأن المشرع قصد في كثير من الحالات النطق بها في غفلة منه (1). كما أنها لايطعن فيها بطرق الطعن المقررة في الأحكام وإنما يتم التظلم منها إلى القاضي الأمر بها في أغلب الأحوال (2). فالمقصود من تنفيذ هذه الأوامر تنفيذا معجلا هو تنفيذها رغم قابليتها للتظلم منها أو كان الخصم قد تظلم منها بالفعل والأصل أن هذه الأوامر مشمولة بالنفاذ المعجل بغير كفالة إلا إذا إشترط القاضي الأمر تقديمها (3).

ويلاحظ أن الأمر الصادر في التظلم من الأمر يعتبر أمرا قضائيا لا مجرد ولائي وبذا يخضع للقواعد العامة من ناحية تنفيذه. إذ يعد هذا الحكم وقتيا فإن تنفيذه يكون قابلا للنفاذ المعجل بقوة القانون ولا تطق نص المادة 188
من قانون الإجراءات المدنية على أوامر الأداء.

غير أن الأوامر الصادرة ضمن أحكام الباب الثالث القسم الخامس من قانون الإجراءات المدنية والتي وردت أحكامها الإجرائية في المادة 171 مكرر فإنه يمكن إستئناف الأمر الصادر برفضها أمام المحكمة العليا – مجلس الدولة حاليا – في ميعاد خمسة عشر يوما عن تاريخ تبليغها والعمل بما هو جاري أمام الغرفة الإدارية المادة 171 مكرر فقرة 3 منها (4).
2 – النفاذ المعجل القضائي :

يقصد بالنفاذ المعجل القضائي، النفاذ الذي يستمده احكم من أمر القاضي به (1) وما دامت المحكمة لا تقضي بشيء لم يطلب منها فيجب لكي يأمر القاضي بالنفاذ المعجل أن يطلبه الخصم ذو مصلحة، والنفاذ المعجل القضائي هو نفاذ جوازي للقاضي السلطة التقديرية بشأنه فله أن يأمر به إذا توافر سببه وله أن لا يأمر به رغم توافر حالة من حالاته :
وقد نصت المادة 40 من قانون الإجراءات المدنية على الحالات
التي يكون فيها الحكم مشمولا بالنفاذ المعجل وميزت بين نوعين حسب علة تقديره (2).
أ – حالات النفاذ المعجل القضائي الوجوبي :
لقد إستهلت المادة 40/1 عباراتها بأنه يؤمر بالتنفيذ المعجل وهو ما يعنيأن الأمر بالتنفيذ المعجل يتحتم على القاضي في كل حالة يتضمنها التعداد الواردفي هذه المادة (3).
وبإستقراء الحالات الواردة في هذه المادة نجد أنها تتعلق بالأحكام الموضوعية دون الوقتية أو الإستعجالية ولقد وردت هذه الحالات على سبيل الحصر يؤمر فيها بالتنفيذ المعجل رغم المعارضة أو الإستئناف في جميع الأحوال التي يحكم فيها بموجب سند رسمي أو وعد معترف به أو حكم سابق نهائي أو قضايا النفقة.

الحالة الأولى : إذا كان الحكم قد بني على سند رسمي.

الأصل أن السند الرسمي واجب التنفيذ بذاته وبغير حاجة إلى رفع دعوى لإستصدار حكم يبنى على هذا السند (1) والاستثناء أن الكثير من السندات الرسمية لا تحوز بذاتها القوة التنفيذية.

كما أن السندات الرسمية التي يعترف لها القانون بالقوة التنفيذية كالعقود الموثقة قد لا تصلح بذاتها أساسا للتنفيذ لعدم إستفاء مضمونها لشروط السند التنفيذي (محقق الوجود، معين المقدار حال الأداء) فيلزم في هذه الحالة الإلتجاء إلى القضاء لإستيفاء هذه الشروط.

وعلى ذلك يشترط لتحقق هذه الحالة أن يكون الحكم المطلوب شموله بالتنفيذ مبنيا على سند رسمي ويكون بذلك الحكم الصادر هو السند الذي يتم تنفيذه بمقتضاه.

الحالة الثانية : إذا كان الحكم قد بني على حكم نهائي سابق : يشترط لتحقق هذه الحالة توافر ثلاثة شروط هي :
1 – أن يكون الحكم المطلوب شموله بالتنفيذ المعجل صدر تنفيذا لحكم سابق – أي أن يكون مبنيا عليه – فهذه الحالة تفترض وجود رباط قوي بين دعويين إحداهما سابقة على الأخرى (2) بحيث يصدر الحكم في الدعوى اللاحقة نتيجة للحكم في الدعوى السابقة (3).
2 – أن يكون الحكم السابق النهائي حائز لقوة الشيء المقضي فيه، بالحكم النهائي يكون قد تحصن ضد إمكانية الطعن فيه وهذا ما يبرر شموله بالنفاذ المعجل.
3 – أن يكون المحكوم له والمحكوم عليه في الحكم الجديد طرفين
في الخصومة التي صدر فيها الحكم السابق حتي يكون كل من الحكمين حجة في مواجهة المحكوم عليه (1). وهو مايقلل من إحتمال إلغاء الحكم
في الإستئناف.

الحالة الثالثة : إذا كان الحكم صادرا في قضايا النفقة
الحكمة من النفاذ المعجل في هذه الحالة ترجع لضرورة الأداء المالي المقضي به للمحكوم له وحاجته الماسة إليه (2).

يطبق التنفيذ المعجل المنصوص عليه في المادة 40/1 من قانون الإجراءات المدنية على الأحكام الموضوعية الخاصة بالنفقة الواجبة قانونا أما الأحكام بالنفقة المؤقتة فإنها لا تخضع لهذا النص لأنها تكون نافذة معجلة بقوة القانون طبقا لأحكام المادة 188 من قانون الإجراءات المدنية.

أما بالنسبة للوعد المعترف به المنصوص عليه في المادة 40/1 لا نجد له تطبيق في الواقع العملي كما لا نجد نصوص سواء كانت إجرائية أو موضوعية تتعلق به.
ويمكن تعريف الوعد المعترف به أنه إقرار من المحكوم عليه بنشأة الإلتزام أو الواقعة القانونية المنشأة له ويكون في الخصومة التي إنتهت بالحكم المطلوب.

وتجدر الإشارة بأن الحكم بالتنفيذ المعجل في الحالات السابقة ذكرها تكون بلا كفالة لأن المشرع لم يشترطها في هذه الحالات.

ب – التنفيذ المعجل القضائي الجوازي :

وهي الحالة المنصوص عليها في المادة 40/1 من قانون الإجراءات المدنية التي تنص على أنه " يجوز للقاضي في جميع الأحوال الأخرى أن يأمر في الحالة الإستعجال بالتنفيذ المعجل بكفالة أو بدون كفالة " ويستشف أن الأمر كله جوازي للمحكمة، سواء الحكم بالنفاذ المعجل أو الحكم بالكفالة فيه، ويصفها الدكتور فتحي والي بأنها ثورة حقيقية في ميدان التشريع بالنسبة للنفاذ المعجل.

فالأمر بالتنفيذ المعجل الجوازي للمحكمة تقرره في ضوء ما يستبان لها من توافر شروطه في كل حالة على حدى (1) فإذا ما أمرت به إلتزمت بتسبيب حكمها تسبيبا منتجا وجديا أما إذا رفضت شمول الحكم بالتنفيذ المعجل فإنها لا تلتزم بإيضاح أسباب الرفض.
والعلة في التفرقة بين حالة الأمر وحالة الرفض من حيث التسبيب ترجع إلى أن الأصل هو التنفيذ العادي للأحكام والإستثناء هو التنفيذ المعجل
لها (2).
الأصل أن يكون التنفيذ المعجل غير معلق على شرط الكفالة فإشتراط تقديم الكفالة هو بنص من القانون أو الحكم من القضاء (1).

2 – المسؤولية عن التنفيذ المعجل :

لم يعتمد القانون الجزائري وإنما هي دراسة مستمدة من القانونين المصري والفرنسي.

المبدأ المعتمد في التنظيم القانوني القائم هو أن الأحكام تحوز القوة التنفيذية قبل أن نتحصن ضد إمكانية المساس بها تعديلا أو إلغاء عن طريق الطعن فيها بطرق الطعن المختلفة (2) فثتبت القوة التنفيذية للحكم رغم قابليته للطعن أو ممارسة الطعن فيه بالفعل، فالحكم الذي يحوز قوة الشيء المقضي فيه يكون له القوة التنفيذية التي تتيح تنفيذه الجبري رغم قابليته للطعن فيه بطرق الطعن غير العادية.

ويترتب على إقرار هذا المبدأ نتيجتان متلازمتان.
1 - إعمالا للقوة التنفيذية التي تنسب للأحكام فإنه يجري تنفيذها جبرا فور حيازتها للقوة التنفيذية.
2 – إلا أن قابلية الأحكام للطعن فيها وممارسة هذا الطعن بالفعل يجعل من هذا التنفيذ تنفيذا قلقا غير مستقر يتوقف مصيره على النتيجة التي يؤول إليها الطعن المرفوع ضدها.
ويثور التساؤل عن تعويض الضرر الذي أصاب المحكوم عليه نتيجة الحكم الإبتدائي الذي ألغي في الإستئناف ؟.

إختلف الفقه والقضاء في كل من فرنسا ومصر حول الإجابة عن هذا التساؤل وإنقسم إلى عدة أراء أنه لا القضاء ولا الفقه في الجزائر تطرق إلى هذه المسألة رغم أهميتها لما قد تصيب المنفذ عليه من أثار وخيمة جراء التنفيذ المعجل الذي تم بموجب حكم ثم ألغي بعد ذلك من محكمة الطعن.

الرأي الأول : يذهب الرأي إلى إلزام المحكوم له بالتعويض لأن النفاذ المعجل يجري على مسؤوليته لأنه كان أحرى به أن ينتظر حتى يصبح الحكم نهائيا (1) فمن يعجل تنفيذ الحكم رغم إحتمال إلغائه يكون عليه أن يواجه خطر هذا الإلغاء فيلزم بالتعويض بصرف النظر عن نسبة أي خطأحتى ولو كان حسن النية (2) وهذا الرأي هو ما إستقرت عليه محكمة النقض المصرية
في " قضائها الحكم المشمول بالنفاذ المعجل قانونا أو قضاءا بإقدام المحكوم له على تنفيذ أثره تحمله مخاطر هذا التنفيذ وإلتزمه بإعادة الحال إلى ماكان عليه قبل تنفيذه مع تعويض المنفذ عليه عما لحقه، وإن مسؤولية المحكوم له عن التسرع في تنفيذ الحكم المشمول بالنفاذ المعجل لا يشترط سوء نيته عند التنفيذ " (3).
وفي قرار أخر قضت أيضا أن " تنفيذ الأحكام والقرارات الجائز تنفيذها مؤقتا تجري على مسؤولية طالب التنفيذ لأن إباحة تنفيذها قبل أن تصبح نهائية هو مجرد رخصة للمحكوم له إن شاء إنتفع بها وإن شاء تربص حتى يحوز الحكم أو القرار قوة الشيء المحكوم فيه فإذا إختار إستعمال هذه الرخصة أو أقدم على تنفيذه وهو يعلم أنه معرض للإلغاء إذا ما طعن فيه فإنه يتحمل مخاطر هذا التنفيذ، فإذا ألغى الحكم أو القرار المنفذ به بناء على الطعن وجب على طالب التنفيذ أن يرد إلى خصمه الذي جرى التنفيذ ضذه ما يكون قد إستوفاه منه وأن يعيد الحال إلى ماكانت عليه قبل حصول التنفيذ كما يلتزم بتعويض الضرر الذي لحق هذا الخصم من جراء ذلك التنفيذ " (1).

الرأي الثاني : يذهب هذا الرأي إلى القول بعدم قيام مسؤولية المحكوم له عن الأضرار التي تلحق المحكوم عليه من جراء التنفيذ المعجل لأنه حقا مقررا له، وبالتالي لا يكون مخطأ إذا إستعمله إلا إذا تبت الخطأ في جانبه.

فالمسؤولية في هذا الرأي لا تقوم إلا بتوافر الخطأ، ولكن الخطأ الموجب للمسؤولية عن التنفيذ يجب أن تتوافر فيه الشروط والخصائص التالية :
- أن يكون الخطأ ثابت وليس مفترضا.
- وأن يقترن الخطأ إلى عمل أو فعل إيجابي للمحكوم له في الحكم الملغى فلا تتوافر لمجرد ممارسة المحكوم له التنفيذ إستنادا إلى الحكم الملغى.
- وأن يكون الخطأ على درجة من الجسامة تكشف عن توجه صاحبه إلى الإنحراف (2).

الرأي الثالث : يتشدد هذا الرأي في المسؤولية عن التنفيذ المعجل بحيث يرى أنه ليس هناك ما يمنع من تأسيس هذه المسؤولية على الخطأ والضرر أو الخطأ الجسيم ومفاد ذلك سد جميع الثغرات المؤدية إلى التلاعب بالتنفيذ (1) وحتى يكون معلوما مقدما لمن يشرع في التنفيذ أن هناك جزاء مرسوم له غير محصور في قالب شكلي ينوه فيه الحق والعدل، إنما أعطى المشرع مرونة كبيرة في التصدي لهذا التعجيل في التنفيذ إذا ما أساء إستخدامه.

وخلاصة القول أن تنفيذ المحكوم له للحكم أو إخفاقه في مرحلة الطعن لايعد في ذاته خطأ موجبا لمسؤولية فالمحكوم له إنما يباشر حقوقا قررها له القانون – الحق في الدفاع أمام القضاء والحق في التنفيذ وبإقرار القانون لهذه الحقوق فإن ممارستها لا يمكن أن تعد عملا غير مشروع وإنما تكون
عملا مشروعا فلا يستقيم وصف الفعل أو العمل الواحد بأنه مشروع وغير مشروع (2) ويستوي في ذلك أن يكون الحكم إبتدائيا أو نهائيا أو إبتدائي مشمول بالنفاذ المعجل.

وما يمكن قوله عن المشرع الفرنسي والمصري أنهما يرتبان المسؤولية على التنفيذ المعجل تستوجب التعويض كموازنة بين مصلحة المحكوم له والتي تدور في نطاق إستثنائي وهو نظام التنفيذ المعجل وبين مصلحة المحكوم عليه والذي لولا هذا الإستثناء ماكان من الممكن التنفيذ ضده إلا بعد صيرورة الحكم نهائي إعمالا للقاعدة العامة في التنفيذ.

ثالثا : ضمانات المحكوم عليه في التنفيذ المعجل :

إذا كان تنفيذ الحكم تنفيذا معجلا يهدف إلى رعاية مصلحة المحكوم له تمكينه من إقتضاء حقه قبل تأكيده نهائيا فإنه بالمقابل يجب أن لا يصل إلى حد الإضرار بمصلحة المحكوم عليه لذا حرص المشرع منح المحكوم عليه ضمانات من شأنها وقايته بقدر الإمكان من هذا الضرر وهذه الضمانات هي إلزام المحكوم له بتقديم كفالة (1).

1 - نظام الكفالة :

الكفالة في قانون الإجراءات المدنية جوازية وللقاضي أن يقدر ظروف القضية ليأمر بالكفالة أو يمتنع عن الأمر بها. وذلك حسب نص المادة 40/2 التي تنص على : " ويجوز للقاضي في جميع الأحول الأخرى أن يأمر في حالة الإستعجال بالتنفيذ المعجل بكفالة أو بدون كفالة ".
ويندرج في الكفالة الجوازية حالات التنفيذ المعجل بقوة القانون للأحكام المستعجلة المادة 188 من قانون الإجراءات المدنية.
والأصل في التنفيذ المعجل أنه يكون بدون كفالة والإستثناء هو تقديم كفالة شريطة أن يأمر بها القاضي.
لقد حدد القانون طريقتين مختلفتين لتقديم كفالة ومنح المحكوم له الخيار بينهما طبقا لنص المادة 304 من قانون الإجراءات المدنية على أن تكون للقضاء الرقابة على ممارسة هذا الخيار (2).

الطريق الأول : أن يقدم كفيلا يضم ذمته المالية لذمة المحكوم له لتقوية الضمان الذي يحصل عليه المحكوم عليه شريطة أن تتوافر في الكفيل ملائمة الذمة حتى يتمكن المحكوم عليه من الرجوع، فضلا على أن يكون
مقيما بالجزائر.
الطريق الثاني : هو إيداع لدى قلم كتاب مقدار الكفالة من النقود أو الأوراق المالية الدالة على ملائمة وتحديد الكفالة في هذا الصدد يكون بما يلزم لإزالة أثار تنفيذ الحكم وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التنفيذ (1).
- إذا كان خيار المحكوم له هو الطريق الأول فإنه يجب تحرير محضر في قلم الكتاب يوقع عليه من الكفيل يتضمن تعهد بالكفالة في حالة إلغاء السند الذي تم التنفيذ بمقتضاه، وتحديد تاريخ تقديم الكفيل يتم بموجب الحكم القاضي بذلك ما لم يكن هذا التقديم قد حصل قبل صدور الحكم المادة 304/1 من قانون الإجراءات المدنية.
- إذا أراد المحكوم عليه أن ينازع في قبول الكفيل من حيث إقتداره أن يتقدم بهذا النزاع في أولى جلسة ممكنة ويكون الحكم الصادر فيها واجب التنفيذ رغم المعارضة والإستئناف المادتين 305، 307 من قانون الإجراءات المدنية.
- أما إذا كانت الكفالة نقود أو أوراق مالية (الطريق الثاني) فإنها لا تتم إلا بالإيداع الفعلي للنقود أو الأوراق المالية بخزانة المحكمة.

2 - وقف النفاذ المعجل من محكمة الإستئناف :

تنص المادة 40/3 من قانون الإجراءات المنية أنه : " مع ذلك تصح أن يرفع المعارضة في التنفيذ المعجل للجهة القضائية التي تنظر في الإستئناف أو المعارضة ".
بهذا النص إن المشرع أجاز المحكوم عليه أن يطلب وقت التنفيذ الحكم المشمول بالنفاذ المعجل أمام محكمة الإستئناف (المجلس القضائي) سواء كان الحكم مشمولا بالنفاذ المعجل الوجوبي أو الجوازي سواء الحكم المشمول بالنفاذ المعجل القانوني تطبيقا لنص المادة 188.
وحتى تمارس محكمة الإستئناف وفق التنفيذ المعجل وفقا للفقرة 3 من المادة 40 يجب توافر الشروط التالية :