منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - لكل من يبحث عن مرجع سأساعده
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-11-09, 11:13   رقم المشاركة : 203
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asma28hd مشاهدة المشاركة
اريد بحث حول الخطاب الادبي
2007/12/14, 08:58 PM #1
ابو ريم
زائر عزيز
1428/12/4 هـ
مفهوم قصيدة النثر في الخطاب الأدبي الغربي
مفهوم قصيدة النثر في الخطاب الأدبي الغربي













1

إنّ التعرّف على نشأة قصيدة النثر ، وما آل إليه الأمر بشأن تأريخ ظهورها ومن ثم تطورها ، ضمن التصوّر العربيّ ، يُلزمنا بوضع خطوط رئيسة تكشف أوّليتها عالمياً ، وتقرّبنا من لحظات الشروع التي انطلقت منها . خصوصا بعد أن ألمحنا إلى كونها نتاج الثقافة الغربيّة بمختلف متغيّراتها الإجتماعيّة والبيئيّة والطبقيّة والاقتصاديّة ، هذه المتغيّرات التي أسهمت في تشكيل الوعي أو الفكر الإنسانيّ ، ورسّخت مفاهيم سياسيّة وايديولوجيّة وفلسفيّة طبعت التأريخ بملامحها المميّزة .
ولا بأس من التذكير قبل كل شيء بأنّ قصيدة النثر لم تأخذ لنفسها استقلاليّة، تمكّننا من عدّها نوعاً أو جنساً أدبيّاً ، له خصوصيّاته وأعرافه الواضحة المعالم ، كما أسلفنا في مهادنا النظريّ . فقصيدة النثرـ بحسب ما ارتأينا ـ شكلٌ من أشكال القصيدة الغنائيّة ، وهذا الشكل بدوره ، ذو طبيعة متحوّلة ، بحكم معطياته التأريخيّة من جهة ، ونزعته المتمرّدة ، تطامنا مع فكرة التجديد والتجاوز التي غرستها معطيات الحداثة ، كما أسلفنا ، من جهة أخرى . وهذا الواقع مازال يحكم قصيدة النثر ، حتى لحظتنا الراهنة .
إنّ قصيدة النثر من حيث مصطلحها تمثل إشكاليّة تأريخيّة ، لو أخذنا بنظرنا الإرث النصيّ الذي تداولته الذاكرة الأدبيّة الغربيّة، فما يمكن أن يكون أنموذجاً لها ، على وفق المحددات السائدة التي استقرأتها سوزان بيرنار في كتابها الشهير ( قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا ) ، لزمنا إخراج أكثر النماذج التأريخيّة المؤسّسة لقصيدة النثر، أو التي أريد لها أن تؤسّس ، كما أمكننا إخراج نماذج اعتمدتها بيرنار نفسها للتدليل على الشكل ، ناهيك عن النصوص اللاحقة التي تمرّدت على ضوابط الشكل ( البيرناري ) ، إن صح التعبير ، في ما بعد .
هذه الحقيقة تدعو الباحث إلى التريّث قبل إعطاء تصوّر محدّد ومنتهٍ لأوّليّة قصيدة النثر، يكون بمثابة سيرة تأريخيّة بمقدورها الصمود أمام المتغيّرات الحاصلة في العمليّة الأدبيّة ، وبالخصوص في ما يتعلق بشكل من أشكال القصيدة الغنائيّة ، وهي النوع المتحوّل بل المطرود قديما من جمهورية الأدب .
وبالتأكيد سيكون من العسير إيجاد المستند التأريخيّ الذي سنعتمده وثيقة في تقصّينا أوليّة قصيدة النثر ؛ مالم نتصالح ، بدءاً ، على قوانين هذه القصيدة ، ومن ثم فحص الأثر النصيّ الذي يتطابق وهذه القوانين ليكون أنموذجاً صالحاً لما سندعوه من بعد قصيدة نثر .
إلاّ أنّ واقع قصيدة النثر مختلف بما يكفي لجعل مهمّة الوقوف على قوانين الشكل عسيرة أو لنقل محفوفة بالمعوّقات ، فالدراسات التأريخيّة أعطتنا جملة من المقترحات التي تحاول تحديد اللحظة البدئيّة لقصيدة النثر ، في الوقت الذي عجزت فيه التنظيرات عن تحديد قوانين هذه القصيدة ؛ فـ سوزان بيرنار تشير إلى مقدّمة موريس شابلان التي تصدّرت مؤلفه (مختارات من قصيدة النثر) ( )، والتي يقرّر فيها أنّ قصيدة النثر (نوعٌ) " لمّا يتجرّأ منظّر بعد على أن يصوغ قوانينه "، وهذا الأمر بحدّ ذاته منح قصيدة النثر حريّة ـ بتعبير شابلان أيضاً ـ تضفي عليها حيويّة فقدتها جميع أنواع الغنائيّة التقليديّة الأخرى ( ) .
إن هذه الحقيقة التي تؤشّر أبعاد الإشكال التأريخيّ المتعلّق بمفهوم قصيدة النثر تعطينا دافعاً مضافاً لتلمّس ثنايا إشكاليّة لم ينبّه لها دارسو قصيدة النثر ، وأعني بذلك مسألة تعدد اللغات التي شاعت فيها ، أو بعبارة أكثر دقة ، ولدت فيها بشائر قصيدة النثر ، وإنْ بصورة بدائيّة أو عفويّة ، خارج المؤسّسة النقديّة والتنظيرات الداعمة لها ، فما توافر لنا من دراسات تؤرّخ لولادة هذا الشكل الشعريّ الغنائيّ ، أغفل ـ مضطراً ـ تعدّد المناخات وخصوصيّتها ، وتمسّك بمنطلقات نوعيّة كلاسيكيّة مقارنة مع نماذجها الجديدة في الأدب الحديث ، وهذا النوع من التأريخ مهما بدا مقنعاً ، إلاّ أنه بقي ناقصاً ، فالأدب في أوربا أو العالم الغربيّ الجديد وريث الأدبين الإغريقيّ اليونانيّ واللاتينيّ الرومانيّ دون ريب ، لكنّه لم يتطوّر في مراحله اللاحقة بالمستوى نفسه ، حيث تعددت البيئات وتكثّرت اللغات ، وتتالت الفلسفات والقيم مؤثّرة بمجتمع دون سواه ، وفاعلة ومنفعلة ضمن استعداد الفكر المجتمعيّ في مختلف جهات العالم الغربيّ ، الذي سوّغت الدراسات اختزاله بإنمائه إلى أصوله وأرومته المشتركة .
كما أستطيع التنبيه إلى مشكلة أخرى لاتقلّ خطورة عن سابقتها ، وهي ذلك التساهل الغريب الذي طبع الدراسات وبالخصوص المترجمة منها ، حيث أجاز أصحابها لأنفسهم حريّة تقليب المصطلحات ، واستعمالها في غير مواضعها، ما أوقع الدارسين اللاحقين عليهم في منزلقات كبيرة ، وهذا الأمر إن لم يكن متأتياً من عدم الدراية الدقيقة باللغة ، فهو نابع من الجهل الأكيد بالمفاهيم والمصطلحات وتحوّلها في عصور الأدب ونظريّته النقديّة . وأزعم في هذا السياق ، أن الأمر برمته يحتاج إلى مراجعة ، بل مراجعات حثيثة وجادّة لإخراج الصورة القريبة من الحقيقة ، إن لم أبالغ وأقول الصورة الحقيقية .
ومهما يكن الأمر ، فما يمكن التواضع عليه ، هو أنّ قصيدة النثر جاءت نتيجة حاجة اقتضتها معطيات تأريخيّة انتهت بالشعر وبالأدب عموماً إلى حالٍ من الرتابة والجمود ، وكان لا بد من ثورة تعصف بهذا الانصياع الأعمى إلى الثبات والتحجّر الذي ترسمه عوامل خارجيّة ، وأخرى داخليّة ؛ سياسيّة واقتصاديّة وإجتماعيّة ، من شأنها أن تؤثّر سلبا على المنجز الفنيّ بجميع أبعاده .
وحتى لا نغرق في تفاصيل بواعث النشأة ومسبباتها ، سيكون من الناجع الولوج في صلب القضيّة التأريخيّة ، مراعين مايتعلّق بها من مواقف نقديّة ، ومبيّنين ضمنيّاً موقفنا من الآراء الواردة بشأن نشأة الشكل ، وبما يتناسب واشتراطاته الموضوعيّة وحدوده القانونيّة ، مستندين في ذلك إلى ما توصّلنا له في مهادنا النظريّ الذي سيكون ركيزة لجملة نتائجنا في هذه الدراسة . مع الإشارة إلى أنني آثرت تسمية المناخات الأولى التي نشأت فيها قصيدة النثر غير العربيّة ـ على الرّغم من تعددها ـ الحاضنة الأولى، مستندا في ذلك إلى حقيقة كونها شهدت الولادة الأولى لشكل قصيدة النثر ، بمختلف صوره ، وما استقرّ عليه الشكل من أنموذج نصيّ سواء أكان ذلك ممهّدا لما عرف بالشعر الحرّ( ) في الأدب الإنكليزيّ ـ الأميركيّ تحديدا ، ممثلا بتجربة والت ويتمان( ) ، أم ما أفضى إلى قصيدة النثر بمفهومها الفرنسيّ ، لدى بيرتران وبودلير ولوتريامون ورامبو وفرلين ( ) وسواهم من الشعراء الفرنسيين الذين شكّلوا علامة فارقة في مسيرة القصيدة النثريّة وشكلها الأنموذجيّ الذي يجهد المنظّرون في تكريسه ، والذي سيشكل قوام جهدنا البحثيّ في المصطلح وإشكاليّته من دراستنا هذه .


2

كانت الإشارة الأولى التي ورد فيها ذكر قصيدة النثر قد صدرت عن بوالو ( )، في مؤلفه : رسالة إلى بيرو ( ) عام 1700 ، يقول : " هناك أصناف من الشعر لم يسبقنا إليها الرومان ولم يعرفوها ، كتلك القصائد النثريّة التي نسميها " روايات " على سبيل المثال" ( ).
هذه الملاحظة على الرغم من ريادتها لم تكن معنيّة بتسمية نصوص شعريّة معيّنة ، ولم تبال باجتراح مصطلح مؤسّس في النظريّة النقديّة، ولم تكن لتكرس قصائد غنائيّة تكتب خارج النظام التقليديّ للشعر . ولكنها اكتفت بحريّة مجازيّة ، لتصف بواكير (الرواية) الخارجة من معطف (الملحمة) التي عرفها الأدب عبر عصوره القديمة ، وفي حضاراته الإغريقيّة واللاتينيّة بوصفها أحد الأنواع الشعريّة الكلاسيكيّة الكبرى .
إذن فإطلاق بوالو تسمية (قصيدة نثريّة) على نصوص أسّست لمفهوم الرواية خارج أوزان الملحمة وعروضها التقليديّ لا يمكن اعتماده شروعاً اصطلاحيّاً لأنموذج شعريّ كما هو أمر قصيدة النثر . هذا إذا سلّمنا أولاً بأنّ المراد بصفة النثريّة التي استعملها بوالو في هذا النص هي الخروج عن سياقات النظم تحديداً ، وبالذات الموسيقى والإيقاع الكميّ والقافية بمختلف أنواعها الموحّدة وغير الموحّدة . وليس الأمر من قبيل الخروج على الأعراف اللغويّة واستخدام الأساليب البلاغيّة المتداولة في النثر ، ومنها الكنايات بالمقابل من البلاغة الشعريّة القائمة على المجازات كما هو سائد في الفكر الأدبيّ عند الغربيين ، وهذا ما جهدت الدراسات النقديّة الحديثة في محاولة إيضاحه .
وعلى الرغم من إيراد سوزان بيرنار نص بوالو السابق في سياق تأصيلها لقصيدة النثر في مبحثها الافتتاحي (مقدمة تأريخيّة لقصيدة النثر ما قبل بودلير) الذي خصّصته لمراجعة البوادر الأولى لقصيدة النثر الفرنسيّة حصرا ، إلا أنّها عادت في الفصل الثالث من دراستها وتحديدا في مبحثها الخاص بجماليّة قصيدة النثر لتحذّر من سوء الفهم الذي قد يتسبب فيه الاستخدام الواسع للمصطلح ، مشيرة إلى أنّ الخطاب النقديّ في القرن الثامن عشر كان يسوّغ إطلاق تسمية (قصيدة) على كلّ نصّ أدبيّ ، فمسرحية لراسين كانت تسمّى (قصيدة مسرحيّة)، ورواية مثل تليماك تسمّى (قصيدة نثريّة) ، وبقي هذا المعنى متداولاً ، ومعمولاً به في الدراسات والوثائق النقديّة حتى القرن التاسع عشر ومشارف القرن العشرين .( )
إنّ اعتماد مطلع القرن الثامن عشر تأريخاً لولادة قصيدة النثر ـ بتصوري ـ يأتي في إطار المبالغة التي يمكن وصفها بالبسيطة مقارنة بمبالغات وأوهام مثيرة للاستغراب ، تحاول البحث عن أصول لقصيدة النثر في حضارات قديمة أو منقرضة ، فبعضهم يجد " أنّ تأريخها في الحقيقة هو أبعد بكثير من القصيدة (النثريّة) الحرّة ، فهناك من يبحث عن جذورها في الأدب الصيني (سلالة هان – 206 ق.م وحتى 220م) وآخرون يربطونها بالنصوص والأشعار التي تتضمنها التوراة " ( ).
وإذا كان تأريخ الأدب الفرنسيّ حافلاً بمثل هذه الإشارات التي أسهمت في ترسيخ قصيدة النثر وإشاعة استعمال المفهوم ، وإنْ لم يأخذ قوّة الإصطلاح ، فإن تأريخ الأدب الإنكليزيّ ، هو الآخر ، سعى إلى إيجاد جذور لهذا الشكل من الشعر الغنائيّ .
ولعلّ ما يثير الاستغراب في هذه القضيّة ، هو أنّ الأدب الإنكليزيّ الحديث لم يكرّس مفهوم قصيدة النثر بمعناه الدقيق كما هو الحال مع الأدب الفرنسيّ ، واكتفى بترسيخ مفهوم ( الشعر الحرّ ) ، الذي وجد فيه الشعراء الإنكليزيّون أنموذجاً رسميّاً للخروج على محددات الشعر الكلاسيكيّ . ومن هذا المنطلق رأى الشاعر الإنكليزي المعاصر ستيفن سبندر أنّ قصيدة النثر ليست شعراًَ بالمعنى الدقيق بل هي قريبة منه ، وعزا عدم انتشارها في إنكلترا إلى عقلانيّة الشاعر الإنكليزيّ ، وما دعاه عنصر الوعي الغالب عنده ، فالشعر الإنكليزيّ يبقى مرتبطا بحضارته مهما كان ثوريّاً ، وهذه الصلة الحضاريّة تعيقه عن الجموح ( ) بحسب ما يعتقد .
وعلى النقيض من ذلك ، فإنّ جذور قصيدة النثر في الشعر الإنكليزيّ ـ كما يرى بعض الدارسين ـ ترقى إلى القرن الثالث الميلادي ، وتتمثّل هذه الجذور بقصائد قصيرة تتسم بالروح الشفّافة والحكمة ، يطلق عليها بالإنكليزيّة (aphoristic prose poem) ، تنسب إلى شاعر ايرلنديّ مجهول ، لا يعرف عنه سوى اسمه ( أوسيان - Ossian) ، كان يكتب قصائده النثريّة تلك باللغة (الغاليّة) التي كانت شائعة في الشمال البريطاني آنذاك . وقد تعرّف العالم على هذا الشاعر وأثره بجهود الشاعر الانكليزيّ (جيمس ماكفيرسون 1736 – 1796) ، الذي قام بجمع القصائد وترجمتها ( ) .
وعلى الرغم من التحفظ الذي أثير بشأن عدّ الأنموذج الأوسياني هذا لحظة شروع لشكل قصيدة النثر بالمعنى النقديّ الدقيق ، حيث شكك نقاد إنكليزيّون بصحّة نسبة النصوص الشعريّة المقصودة إلى أوسيان الذي وصف بالأسطوريّ ، " وقد دلّت التحرّيات والتحقيقات على أن ماكفرسون قد أعاد كتابة القصائد الأسطوريّة ، وأضاف إليها الشيء الكثير من عنده " ( ) ، أقول على الرغم من التحفّظ المعلن هذا ، إلا أنّ من الدارسين من لايجد في ذلك غضاضة و" لا ينفي تلك الملامح الأوليّة لإرهاصات النمط " ( ) . دونما مراعاة للشروط التطبيقيّة الواجب اتباعها في التحليل النقديّ ، فنصوص أوسيان ، بغضّ النظر عن صدقيّة نسبتها إليه ، مكتوبة في القرن الثالث الميلادي ، ولا توجد أدنى إشارة إلى كونها كتبت لتؤسّس لشكل خارج على سيادة الشكل الغنائيّ المعهود للقصيدة القصيرة آنذاك ، إضافة إلى أنّ الوثيقة المعتمدة في الشعر الإنكليزيّ تنصّ على زعم شاعر من القرن الثامن عشر وقوعه على هذه النصوص ، وأنّه قام بترجمتها عن لغة أخرى ( الغاليّة ) ، وهذا يقتضي تجريد النصّ الأصليّ من ضوابطه الشكليّة والصوتيّة ، بمعنى أنّ الأوزان تفقد قيمتها الإيقاعيّة في حال نقلت إلى لغة أخرى . وهو ما حصل فعليّاً مع هذه النصوص ، وعليه فلا نجد من حجّة تسوّغ التأصيل لقصيدة النثر ابتداءً من لحظة أوسيان في الشعر الإنكلوسكسونيّ ، وكذلك الحال مع جميع الشعراء اللاحقين عليه الذين استعملوا بعض الخصائص النثريّة في قصائدهم ، أو الناثرين الذين تسلّلت إلى نصوصهم بعض الإيقاعات الشعريّة ، فهم إنّما فعلوا ذلك بصورة لا إراديّة و " عفو الخاطر وبشكل بعيد عن الصفة لأنّه لم يكن هدفهم الأساسيّ ولذلك مضت كتاباتهم (...) دون أن تثير اهتمام النقّاد والدارسين "( ).
وبغية التعرّف على الصورة الأكثر واقعيّة في الإسهام الإنكليزيّ للتأسيس لقصيدة النثر ، وملامحها التأريخيّة ، لابدّ من الوقوف عند المحاولات الجادّة للشاعر الإنكليزيّ (توماس ديكوينسي 1785 – 1859) الذي يقول عنه الكاتب الامريكي ( بـاو A. C. Baugh) : " وصل ديكوينسي بخيالاته إلى أقصى حدود اللغة حيث قصيدة النثر تستولي على مملكة الموسيقى" ( ).
في حين نجد ناقداً آخر هو (بيركنز Perkins ) يقول عنه : " إنه أكثر من أيّ كاتب آخر أسّس الأنموذج المثاليّ لقصيدة النثر " ( ) .
أما ( داوسون W. J. Dowson ) فقد كتب عنه دراسة جاء فيها : " كان شاعراً بطبيعته وغريزته ، وأعني بذلك أنّ إدراكه للأشياء كان شعريّاً في الأساس : في الواقع ثمة مقاطع في " الاعترافات " رائعة الايقاع بحيث يمكن وصفها بالقصيدة الغنائيّة وأنّها تقدّم المتعة الجماليّة الخاصّة بالشعر العظيم " ( ).
إنّ هذا الشاعر الانكليزيّ ، يمثّل لحظة خاصّة ولافتة في تأريخ الشعر الاوربيّ الحديث . فقد أصدر كتاباً غريباً بعنوان " اعترافات انكليزيّ مدمن على الأفيون " عام 1822. مشتملاً على وصف لرؤاه تحت تأثير الافيون . لقد صدر هذا الكتاب قبل " غاسبار الليل " بعشرين عاماً . وقام بودلير بنقل كثير من نصوصه إلى اللغة الفرنسيّة ، ونشرها في كتابه الشهير " الجنائن المعلّقة – الأفيون والحشيش " عام 1860 . ( )
بالتأكيد إنّ ديكوينسي شاعر موهوب ، استطاع باستجابته لحساسيّته وذائقته أن يتخلص من علائق الشعر وأغلاله القديمة . ولكنه بالمقابل لم يقدم على كتابة قصيدة النثر بالمعنى الدقيق للمصطلح ، وربّما يدخل ما قيل في تجربته ضمن إطار الدعائيّة الانكليزيّة ، فديكوينسي لم يكن معنيّاً بكتابة (قصيدة) أو (شعر) عندما أصدر نصوص اعترافاته . يقول : " إن هذه الأنماط ليس لها سابق في الأدب كما أعرف " ، كما أطلق على نمطه الكتابي هذا تسمية: " النثر المشحون بالعاطفة "( ).
من هنا يتأتّى لنا القول بمسارين قادا إلى إنضاج قصيدة النثر ، فقد عمد الانكليز إلى (تشعير النثر) في حين سعى الفرنسيّون إلى (نثر الشعر) وهذان المساران – كما أرى – ينطلقان من مبدأ عكسيّ ، أو متعارض ولكنهما يلتقيان في نقطة واحدة هي التهيئة لقصيدة النثر .




3

وبعيداً عن هذه المبالغات التي لا تخدم الحقيقة في شيء ، نجد أنّ في إشارة (بوالو) السابقة نوعاً من الخميرة الثوريّة ، التي ستكون مدعاة لفهم الشعر فهماً مغايراً ، وهذا ما تحقّق فعلاً ، حيث تنادى عدد من المجددين إلى هدم النظام الشعريّ التقليديّ ، وقد تم ذلك بمؤازرة من (فنيلون) الذي يُعدّ أحد زعماء التجديد في القرنين السابع عشر والثامن عشر ، وأحد أبرز المنظّرين الأكاديميين، حيث قدّم رسالة إلى الأكاديميّة الفرنسيّة عام 1714 ، طالب فيها بضرورة الفصل بين (الشعر) و (فن نظم الشعر) ، وقد صرّح : بأن كتاباتهم الجديدة مليئة بالشعر ، في الوقت الذي لا يوجد فيها أي انصياع لقواعد النظم . كما أكّد أنّ نظم الشعر والالتزام بالقافية يخسر أكثر مما يربح ، إنه يخسر كثيراً من التنوّع والسهولة والتجانس . ( ) والقافية غالباً ما تجبر الشاعر، الذي ينطلق بعيداً في التفتيش عنها ، على الإطالة والإبطاء في قصيدته ، ولا يكون له في المتحصّل من قصيدته سوى الحشو الذي يغلب عليها ، أما المعبّر منها والجماليّ فسيكون أمراً محدوداً وضيّقاً ، فالشعراء التقليديّون يهتمّون بالقوافي أكثر من اهتمامهم بجوهر الفكرة وعمق العاطفة ، والوضوح في الكلمات والتراكيب الطبيعيّة ، وجزالة التعبير ، بحسب ما يرى فينلون . ( )
كانت هذه إذن البادرة الأولى التي وجّهت الشاعر إلى البحث عن جدواه خارج النُظُم القاسية والقسريّة ، كانت اللغة هي التي تقود الشاعر بحسب مرونتها أو قسوتها إلى بُنى وتراكيب تغلب عليها الجاهزيّة والكليشيهيّة ، ولاسيّما بانتظامها في موازين وإيقاعات كميّة رتيبة . " وقد كتب الأب " بونس " يقول : " إن التكرار الملح للأوزان ذاتها وللقوافي ذاتها ، هو اليوم بالنسبة لنا ، مدعاة للضجر"( ) والآن هاهو الشاعر ينتج لغته صافية وحرّة ونافرة ، ها هو ينبعث عبر لغته ومن خلالها متنبّها إلى مديات الجمال البكر ، التي لم تتعرّف عليها (غنائيّات) المراحل الماضية . " إنّ قيود النظم مربكة ، وهي بدون فائدة . والواقع إنّ الجمال الشعريّ الحقيقيّ لا علاقة له بهذه القيود . قد يكون الجمال كامناً في النثر (...) . وقد يكون في النثر أفضل منه في الشعر(...) إنّ النثر الشعريّ موجود ، وقد بدأوا يحسّون بوجوده . وللنثر تناغمه أو يمكن أن يكون له ذلك ، من مزج متنوّع في المقاطع السهلة ، الممتلئة والرنّانة البطيئة تارة والسريعة طوراً ، كما تستعذب الأذن ، ومن وقفات واستراحات لا يبقى بعدها للنثر ما يتمنّاه . إنّ هذا التناغم لتستطيبه الأذن أكثر بكثير مما تستطيب تناغم الشعر الذي لا تستطيع رتابته أن تخضع لتنوّع العواطف أو الإنطباعات المعبّر عنها . إذن ، [ فقد كان على ] الشعر أن يقطع هذا الإيقاع الرتيب ".( )
عدا ذلك ، فقد أسهمت الترجمة في تفعيل هذا التوجّه الناهد إلى تحرير اللغة الشعريّة، "وكان " هوبير " الذي ترجم (الجرّة المكسورة) لـ "جيسنير" يوضّح أنّه يفضّل "استخدام الكلمة الحقيقيّة" ، أي " جـرّة " وليس " كأس "[ كذا ] أو" وعاء " بدلا من كلمة نبيلة ولكن غامضة ولا تنسجم مع المعنى " ( ) .
مازلنا ضمن نطاق (الكلاسيكيّة) ، وما طرأ على فهم الشعر من تحوّلات ضمن هذه المرحلة المبكرة . وأشّرنا الدوافع والبواعث التي أسهمت في نبذ القوانين السائدة قبل ذاك . إنّ هذه التحوّلات إنّما استغرقت ما عرف بمرحلة الكلاسيكيّة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر . في هذه الاثناء كانت (البرجوازيّة ) قد أرست قواعدها ودعاماتها ، وشرعت في تغيير الملامح التي سادت في القرون الوسطى ، ممثلة بما أنتجه الفكر (الأرستقراطيّ – الإقطاعيّ ) من ثوابت وتقاليد ونزعات تجنح إلى قمع العقل وتحجيم دوره ، لصالح قلّة قليلة من المتنفذين والمنتفعين .
وبما أنّ المحاولات التجديديّة في الرواية والدراما والقصيدة الغنائيّة ، كانت من معطيات البرجوازيّة الجديدة ، يحق لنا ان نؤكّد أن التغيّر إلى الكتابة الشعريّة ، بالنثر إنما هو استجابة لهذا الإنحراف بالحساسيّة والذائقة ، الذي أملاه الرفض العقائديّ للفضاء الأرستقراطيّ المتسلّط .
وضمن هذا الجنوح الفكريّ الذي شغل هذا الحيّز الزمانيّ ، نشأت التباشير الأولى للرومانتيكيّة ، ونظريتها الجماليّة . التي لم تفترق كثيراً عن قوانين الفن الكلاسيكيّ ، لكنّها وسّعتها ، ففي حين كانت الكلاسيكيّة تؤكد على (الوصف الحيّ للأشياء الخارجيّة ) ، راحت الرومانتيكيّة تراهن على ( وصف خلجات النفس ) . وهذا الأمر حررّ الشعر من الازدحام الميثولوجيّ ، الذي كان يشكّل مادة أساسيّة لإظهار عواطفهم ، التي ظلّت غامضة وعصيّة ، وهذا الجانب بالذات لم يعد مهمّاً مع النزعة الرومانتيكيّة وشعراء مرحلتها الجدد ، وذلك لوجود الغرض المعنيّ والمشخّص حاضراً في وجدانهم. ( )
وابتداءً من هذه اللحظة ، أخذت ملامح مفهوم قصيدة النثر الأوربيّة ـ الفرنسيّة، بالتشكل ، ولعل (شاتوبريان) قد أسهم أكثر من أي شخص آخر ، بإشعاع عبقريّته ، في تطوير القصيدة، أو بالأحرى في تطوير" الأغنية النثريّة " ( ) ، على أنه لم يدّعِ ـ أبداً ـ كتابة قصيدة النثر ، بالمعنى الدقيق لها . لقد كانت كتاباته عفويّة ، تحقق رغبته في كتابة حرّة، وجماليّة مطلقة ، بعيداً عن محدّدات المصطلح الذي لم يكن يشغله ابداً ، وربّما تكون مقطوعته المتقنة ـ بحسب سوزان بيرنار ـ " الربيع في بريتانيا " ، أنموذجاً متقدّماً لقصيدة النثر يعطي شاتوبريان حقّ الريادة ( ) . ولكنّها على أيّة حال ريادة (ناقصة) إذ لم يدعمها الوعي بها ، وسوف يلزمنا الأمر سنوات أخرى حتى يتعرّف العالم على (الوزيوس بيرتران) ( ) وكتابه الشعريّ " غاسبار الليل " ، الذي يعدّ بحسب ( د . شواب ) : (مفصلاً أزليّا لتأريخ الأدب ) . فبهذا الكتاب تحديداً يبدأ عصر قصيدة النثر ، ومنذ هذه اللحظة صار بالإمكان التحدّث عن نوع أو شكل أدبيّ جديد ، خالقه بحق بيرتران ، إنها لحظة الولادة الفعليّة لقصيدة النثر الفرنسيّة، وهذا ـ بالتأكيد ـ أمر لا ينكره أحد . لقد صار بالإمكان الحديث عن (قصيدة النثر) ولكن ، هل ما يكتب اليوم تحت هذا الاسم يتطابق مع قصيدة بيرتران النثريّة ؟ .
ليس غريباً أن يأتي الجواب سلبياً ، فالدور الحقيقي لبيرتران يكمن في أنّه استطاع أن يمنح استقلالاً كاملاً لنوع لم يتحرّر تماماً حتى ذلك الحين . من النثر الشعريّ ، وأنه قد ميّز من دون غموض شكل " قصيدة النثر" من الأشكال " الشعريّة " المجاورة ، كما أنه استطاع أن ينقّي (قصيدة النثر) من العناصر النثريّة . ليظهرها إلى الوجود شكلاً شعريّاً غنائيّاً أدبيّاً خالصاً.
وعدا ذلك ، فإنّ " ما يؤاخذ عليه بيرتران خاصة ، هو فرضه على قصائده إطاراً ضيّقاً ومطّرداً على الدوام ، جاعلاً من الأداة النثريّة نوعا ذا شكل ثابت ، مثل السوناتة أو الروندو. لماذا هذا الشكل " المسبق " ؟ ولماذا ستة مقاطع وليس مقطعين أو ثمانية بحسب المتطلبات الداخلية للموضوع الشعريّ ؟ (…) وربّ قائل يقول هل يستحق الأمر أن نحرّر شكلاً ونحطم سمات موجودة لنبتكر شيئاً ذا خصائص محدودة ؟ " ( ).
لقد حاولت سوزان بيرنار ـ من خلال ما تقدم ـ أن تعطينا تصوراً يقضي بأوّلية الشكل الجديد في إطار الشعريّة الفرنسيّة . وهذا الأمر من جانبه التأريخي لا يحتمل الخلاف . ولكن لنتساءل ما مدى تأثير بيرتران الفعليّ على سيرورة قصيدة النثر ؟ الجواب سنجده عند سوزان بيرنار أيضاً ، فقد كان بيرتران شخصاً هامشيّاً ومنعزلاً أو معزولاً . وهذا الواقع لم يتح له الإنتشار ، وحتى كتابه " غاسبار الليل " الذي طبع بعد وفاته بعام ، بكميّة إجمالية لا تتجاوز الـ (200) نسخة فقط ، لم يأخذ نصيبه من الانتشار هو الآخر ، وكانت النسخ التي بيعت أو أهديت عشرين نسخة لا غير ، كما يقول الناشر . وبتعبير سوزان بيرنار : " لقد بقي أنموذج بيرتران وفنه حبراً على ورق بالنسبة إلى معاصريه "( ). وسوف يظل بيرتران في عزلته الحالكة تلك حتى عام 1868، حيث يصدر كتابه " غاسبار الليل " في طبعته الثانية ، وبتأثير من بودلير . هذا الشاعر الذي سيلعب دوراً كبيراً في إنضاج (قصيدة النثر) الفرنسيّة والذي سيكون أحد صنّاعها المهرة .
وحتى لا يستغرقنا التنظير في هذه المسألة ، نعود إلى مقارنتنا التأريخيّة بخصوص التحوّلات المتحققة في بلورة مفهوم قصيدة النثر ضمن حاضنتها الأوربيّة الأولى… فنعود إلى لحظة بودلير الذي نشط في تلمّس الأبعاد المغايرة للنص الشعريّ الجديد الذي ينبغي أن يكرّس ، في مقابل الكم الهائل من النصوص التقليديّة البائسة .
وكما فعل مع ديكونسي ، كذلك صنع بتجربة أدغار ألن بو ، حيث ترجم جملة من أعماله القصصيّة وقصائده النثريّة القصيرة ، ومن يقرأ بودلير جيّداً ، لابدّ أنه سيدرك مدى التأثّر الذي لحق به جرّاء قراءة (بـو) ، وهذا الأمر لا يشكّل إدانة لعبقريّة بودلير الشعريّة ، بل يحدد لنا الآليّة التي اتّبعها لخلق شخصيّته الشعريّة الفائقة .
إنّ بودليرأحد الآباء الشرعيين ـ لا ريب ـ للشعر الحديث . وهو معلّم من طراز رفيع ، استطاع أن يغني تجربته الذاتيّة بالتلاقح مع تجارب غنيّة بحسب نظرته هو ، لا بحسب الذائقة السائدة، التي خرقها باعتماده كل ما هو هامشيّ ومنبوذ ، وبحساسيّة نادرة استطاع أن ياخذ الاعتراف بجدوى نظرته وحصافتها . ألم يقل مرة : " من منّا لم يحلم بتحقيق طموحه ، بشعر نثريّ وموسيقيّ بلا وزن أو قافية …" ( ) .
ومنذ تلك الطموحات التي راحت تتحقق بجهود شعريّة متميّزة قدّمها شعراء عظام من أمثال رامبو وفرلين ولوتريامون ومالارميه ، صار من غير المناسب إغفال الأثر الكبير الذي أحدثته قصيدة النثر في واقع الشعريّة الحديثة ، في جميع أنحاء العالم وفي اللغات الانسانيّة كلها . بل صار بالإمكان التحدّث عن قصيدة نثر أنموذجيّة معاصرة ، وهذا ما سوف نعرضه في السطور الآتية ، محدّدين ضمنيّاً أبعاد هذه القصيدة التي ارتأينا أن تكون في سياق دراستنا هذه شكلاً من أشكال القصيدة الغنائيّة ، فقد أوضح الشاعر الفرنسيّ لوك ديكون في مقدمة الانطولوجيا التي أعدّها عن قصيدة النثر ، وصدرت عن (دار سيغرز، 1984) ، أن المقاييس والشروط التي يجب توافرها في قصيدة النثر ، يمكن تلخيصها في ما يأتي :
إنّ قصيدة النثر عمل فنّي ، وكأيّ عمل فنيّ آخر ، فهي ذات قابليّة لتوليد انفعال خاص ، يختلف تماماً عن الانفعال الحسّيّ أو الانفعال العاطفيّ . وبغية تحقيق هذه الغاية ، ينبغي على قصيدة النثر أن تختار الوسائل المناسبة ؛ وأن تختار الأسلوب . أو بعبارة أكثر وضوحاً ، عليها أن تختار الموادّ المركّبة للعمل المتكامل . وعليها أن تكون قصيرة ومكثّفة ، وخالية من الاستطرادات والتطويل والقصّ المفصّل وعليها التخلّي عن تقديم البراهين والمواعظ . إنّ على قصيدة النثر أن تكون قائمة بذاتها ، مستقلّة بشكلها وبنائها ، ومستمدة كينونتها من ذاتها ، مبعدة ومنفصلة تماماً عن المؤلف الذي كتبها ؛ كما ينبغي أن تمتنع قدر الامكان عن إقحام أمور لا تمت لها بصلة ، وذلك لكي تتحلّى بالغرائبيّة والإدهاش وبقدرة المقبوليّة وقوّة الخيال . والمهم أن تتواجد تواجداً حرّاً داخل هامش ما .
إنّ انتقاء الاسلوب وتحديد المقام يفرضان ما يمكن تسميته " التأثير " و " الانغلاق " فقصيدة النثر ذات شكل متكامل ، محدّد بخطوط واضحة ، ونسيج محكم . إنّها عمل مغلق على ذاته ، مثله مثل الفاكهة أو البيضة .
إنّ قصيدة النثر ذات البناء المحكم والإطار الواضح ، لا تستدعي الإغراق في استعمال الأدوات الجماليّة ، أو المبالغة بالصور والتزويق، يجب أن تنأى عن كلّ تظاهر متعمّد . فهي مادّة جاهزة وليست عارضة مجوهراتي . ينبغي على قصيدة النثر أن تبتعد عن أيّة مقابلة مع الواقع ، فلا مجال للمقارنة بينها وبين أيّ شيء آخر لإقامة التشابه . إنها لا تسعى لخلق شيء سوى ذاتها هي .
وبقدر ما تبدو هذه الشروط أساسيّة لتحقيق قصيدة النثر الأنموذجيّة إلا أنّها ليست نواميس يتوجّب إخضاع قصيدة النثر لسطوتها .( )
وإذا أضفنا إلى هذه المحدّدات ، المزايا الثلاث التي أستقرأها (موريس شابلان) في قصيدة النثر ، وهي : (الإيجاز ، والتوتر ، والمجانية ) ، هذه المميّزات التي اعتمدتها (سوزان بيرنار) أساساً في طروحاتها ، نكون قد أحطنا علماً بأبعاد قصيدة النثر الغربية ، غير متناسين الشرط الضمنيّ الذي تضعه بيرنار لتحقّق قصيدة النثر وهو (القصد) ، فقصيدة النثر وعي قبل كلّ شيء .
إن هذا المبحث الذي تتبّعنا فيه – تأريخيّا – أوّلية قصيدة النثر في الشعريّة الأوربيّة، قادنا إلى جملة نتائج تتحقق فيها مركزيّة قصيدة النثر ضمن الحاضنة الأولى المنشئة لها ، وبما أنّنا نسعى إلى الكشف عن تأريخ هذه القصيدة في حاضنتها الثانية ، أو الحاضنة الثقافيّة العربيّة ، التي ضيّفت قصيدة النثر وكرّستها عبر تأريخ شعري طويل نسبيّاً ، فقد لزم إفراد هذا التقصّي ومديات الإلتقاء والإفتراق بين الأنموذج الأصليّ لقصيدة النثر والأنموذج العربيّ المتصادي معه ، في مبحث مستقل يتبع مبحثنا هذا .
رد باقتباس


https://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=29101









رد مع اقتباس