منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - المعاهدات الدولية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-11-25, 17:03   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الاول

الفصل الأول: المجلس الدستوري تنظيم وإختصاص
إن أول ظهور للمجلس الدستوري الجزائري كان في دستور 1963، ثم ظهر ثانية في دستور 1989 و دستور 1996، ونظم المؤسس الدستوري الجزائري المجلس الدستوري من خلال النظام المحدد لقواعده الصادر سنة 2000.
كما أن المؤسس الدستوري الجزائري اسند للمجلس الدستوري الجزائري مراقبة دستورية المعاهدات الدولية والقوانين والتنظيمات، وذلك بموجب نص المادة 165/1 من دستور 1996، حيث يفصل في ذلك إما برقابة سابقة أو برقابة لاحقة بالإضافة إلى اختصاصات أخرى.
ومنه قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين:
- المبحث الأول: تنظيم المجلس الدستوري
- المبحث الثاني: اختصاصات المجلس الدستوري














المبحث الأول: تنظيم المجلس الدستوري
سنتناول في هذا المبحث تسمية المجلس الدستوري، وتشكيلته(أعضائه)،وكيفية إخطاره
وكذلك طبيعته وفقا للتقسيم المنهجي الآتي:
المطلب الأول: تسمية المجلس الدستوري.
المطلب الثاني: تشكيلة المجلس الدستوري.
المطلب الثالث: طبيعة المجلس الدستوري.
لأن ذلك يعطي فكرة حول طبيعته والنتائج المترتبة عن ذلك، بالإضافة إلى محاولة إزالة اللبس حول طبيعة المجلس الدستوري من خلال تحليل تشكيلته، وكذلك بيان طبيعته وفقا للمؤسس الدستوري الجزائري وما اتبعه في الدساتير الأربعة (1963،1976،1989،1996) .
المطلب الأول: تسمية المجلس الدستوري
تعود فكرة إنشاء المجلس الدستوري تحت هذه التسمية "المجلس الدستوري" إلى ما بعد الاستقلال مباشرة، وتبناها المؤسس الدستوري الجزائري عند وضعه لدستور 1963 1، وتخلى المؤسس الدستوري لسنة 1976 عن إنشاءه إلى غاية صدور دستور 1989، حيث أنشأ المجلس الدستوري الذي يكلف بالسهر على احترام الدستور حسب المادة 153 منه، واحتفظ دستور 1996 بنفس التسمية من خلال نص المادة 163 منه.
وبذلك أخذ المؤسس الدستوري الجزائري هذه التسمية من الدستور الفرنسي لسنة 1958، الذي احتفظ بهذه التسمية منذ دستور السنة الثامنة لإعلان الجمهورية الفرنسية لعام 1799، ماعدا تسمية "اللجنة الدستورية" في دستور 1946 2، وفي مسألة الرقابة الدستورية اختلفت الدول في تسمية الجهاز المكلف بالحرص على عدم مخالفة الدستور، فمنها من أوكل هذا الدور إلى القضاء العادي كما هو الشأن في الولايات المتحدة الأمريكية، أو محكمة مختصة تدعى "المحكمة الدستورية" كما هو الشأن في دستور يوغسلافيا لسنة 1962، أو في دستور العراق لسنة 1968، أو دستور النمسا لسنة 1920 وهناك من الدول من أوكل هذه المهمة إلى "المجلس الدستوري" كما هو الحال في الجزائر وفرنسا، وهذه التسمية الأخيرة أثارت جدلا فقهيا حول طبيعة المجلس الدستوري، هل هي قضائية أم سياسية ؟ وينعكس ذلك على دور هذا الجهاز كما سيتم توضيحه في المطلب الثالث.
المطلب الثاني : تشكيلة المجلس الدستوري.
تجدر الإشارة، أولا، أن المجلس الدستوري في دستور 11963، الذي لم يتشكل ولم يمارس مهامه بسبب استعمال المادة 59 من الدستور المتعلقة بالحالة الاستثنائية، خصص مادتين فقط للمجلس الدستوري الذي جاء تحت هذه التسمية، فنصت المادة 64 منه على إخطار المجلس من طرف رئيس الجمهورية، أو رئيس المجلس الوطني، وذلك فيما يخص مراقبة القوانين والأوامر التشريعية، ولم تذكر هذه المادة الرقابة الدستورية على المعاهدات الدولية، كما لم توضح نوع الرقابة، هل هي رقابة سابقة أو رقابة لاحقة ؟.
أما فيما يخص أعضاء المجلس الدستوري، فعددهم سبعة حسب نص المادة 63 من دستور 1963، التي نصت على "يتكون المجلس الدستوري من الرئيس الأول للمحكمة العليا ورئيسا الغرفة المدنية والإدارية في المحكمة العليا، وثلاث نواب يعينهم المجلس الوطني وعضو يعينه رئيس الجمهورية، وينتخب أعضاء المجلس الدستوري رئيسهم الذي له صوت مرجح" وما يلاحظ على دستور 1963، أنه لم يحدد مدة العضوية لأعضاء المجلس الدستوري، ولا الأجل المحدد للفصل في دستورية القوانين، ولا العدد المطلوب كحد أدنى لأعضائه عند الفصل في دستورية القوانين أو الأوامر التشريعية بعد الإخطار، وروعي في تشكيلة المجلس الدستوري جانب التخصص، بمعنى (ثلاثة قضاة)، وجانب التمثيل السياسي (ثلاث نواب + عضو معين من طرف رئيس الجمهورية)، وتجدر الإشارة هنا، أن المجلس الوطني يعين النواب الثلاثة ولا ينتخبهم، ونطرح سؤال هنا : كيف يمكن للمجلس الوطني أن يعين النواب الثلاثة للعضوية في المجلس الدستوري ؟ هل يتم ذلك من طرف رئيس المجلس الوطني أم ماذا ؟، غير أن عدم تشكيل المجلس الدستوري سنة 1963 يعود سببه إلى تجميد دستور 1963.
أما دستور1989 1، فأخذ بنفس العدد أي سبعة أعضاء، ثلاثة يعينهم رئيس الجمهورية بما فيهم رئيس المجلس الدستوري، واثنان ينتخبهم المجلس الشعبي الوطني، واثنان تنتخبهما المحكمة العليا من بين أعضائها، حسب نص المادة154، وما يلاحظ على هذه المادة أن انتخاب العضوين من طرف المجلس الشعبي الوطني لم يحدد النص أن يكونا من النواب كما فعل بالنسبة للمحكمة العليا، أو يكونا العضوين من بين أعضائها ويستثنى بذلك قضاة المجالس القضائية وقضاة المحاكم التابعة لها، لكن في الواقع لم يسبق أن انتخب المجلس الشعبي الوطني خارج أعضائه للعضوية في المجلس الدستوري.
أما دستور1996 2 فوسع العدد إلى تسعة أعضاء حسب نص المادة 164 منه، حيث أن نصيب السلطة التنفيذية في تشكيل المجلس الدستوري ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس المجلس يعينهم رئيس الجمهورية، ونصيب البرلمان بغرفتيه أربعة أعضاء، حيث ينتخب المجلس الشعبي الوطني اثنان، ومجلس الأمة اثنان، وعضو واحد تنتخبه المحكمة العليا، وعضو آخر ينتخبه مجلس الدولة، وتجدر الإشارة هنا كذلك، أن انتخاب الأعضاء الأربعة من البرلمان والعضوين من كل من المحكمة العليا ومجلس الدولة للعضوية في المجلس الدستوري، لم يشير النص الدستوري صراحة أن يكون هؤلاء بالضرورة نوابا، أو قضاة في المحكمة العليا ومجلس الدولة، وبالتالي هل يمكن مثلا للمحكمة العليا أن تنتخب عضوا من القضاة العاديين من المجالس القضائية ؟ أو لمجلس الدولة أن ينتخب قاضيا إداريا من المحاكم الإدارية ؟، ونفس السؤال حول انتخاب الأعضاء الأربعة من طرف البرلمان للعضوية في المجلس الدستوري، فهل يمكن لهؤلاء أن يكونوا من خارج البرلمان ؟.
وأعضاء المجلس الدستوري ـ سواء منهم المعينين أو المنتخبين ـ يتوقفون عن ممارسة أي عضوية أو أي وظيفة أو مهام أخرى، أو تكليف، ومدة عضويتهم ستة سنوات غير قابلة للتجديد، على أن يجدد نصف عددهم كل ثلاث سنوات عن طريق القرعة، حسب ما نصت عليه المادة 164/4 من دستور 1996، أما مدة عضوية رئيس المجلس الدستوري ستة سنوات كاملة غير قابلة للتجديد حسب الفقرة الثالثة من المادة 164، فهو طبعا لا يخضع لتجديد نصف أعضاء المجلس الدستوري كل ثلاثة سنوات، لأن تشكيلته فردية، أما السبب الرئيسي له علاقة بالمادة 88 من دستور 1996، بمعنى في حالة الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية، وحصول المانع لرئيس مجلس الأمة ففي هذه الحالة يتولى رئيس المجلس الدستوري مهام رئيس الدولة ولا يمكنه الترشح لرئاسة الجمهورية.
وعدم تجديد عضوية أعضاء المجلس الدستوري لولاية أخرى، حسب الأستاذ "سعيد بوالشعير" 1، لها مزايا وتتماشى واستقلالية المجلس، بحيث يكون العضو مطالبا بأداء مهمته بكل موضوعية، وان مجاملة أي جهة لا تحقق له الاستمرار بالبقاء في ذلك المنصب بعد انتهاء المدة المحددة دستوريا.
ونص النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري لسنة 2000 2 في الباب الخامس المخصص للقواعد المتعلقة بأعضاء المجلس الدستوري، في المواد من 54 إلى 58 من هذا النظام، على تقييد أعضاء المجلس الدستوري بإلزامية التحفظ، وعدم اتخاذ أي موقف علني في المسائل المتعلقة بمداولات المجلس الدستوري، وإذا أصبحت الشروط المطلوبة لممارسة مهمة أحد أعضائه غير متوفرة، أو عندما يخل بواجباته إخلالا خطيرا، يعقد المجلس الدستوري اجتماعا بحضور كل أعضاءه، ويفصل إثر المداولة بالإجماع في قضية العضو المعني دون حضوره، وإذا سجل عليه إخلالا خطيرا يطلب المجلس الدستوري منه تقديم استقالته، ويشعر بذلك السلطة المعنية قصد استخلافه تطبيقا للمادة 57 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري، التي تنص على "يترتب على وفاة عضو في المجلس، أو استقالته أو حصول مانع دائم له، إجراء المجلس الدستوري مداولة تبلغ نسخة منها إلى رئيس الجمهورية وحسب الحالة إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني، أو رئيس مجلس الأمة، أو رئيس المحكمة العليا، أو رئيس مجلس الدولة".
وحسب هذه المادة، فإن رئيس الجمهورية يعلم باستعمال المادة 57 لأي عضو من أعضاء المجلس الدستوري، في حين أن رئيس المجلس الشعبي الوطني لا يعلم إلا إذا مست هذه المادة أحد العضوين المنتخبين من طرف المجلس الشعبي الوطني، ونفس الأمر في الإعلام بالنسبة لرئيس مجلس الأمة، حيث يعلم هذا الأخير إلا إذا كان الأمر يتعلق بأحد العضوين المنتخبين من طرف مجلس الأمة، ونفس الإجراء يطبق في إعلام رئيس المحكمة العليا ورئيس مجلس الدولة.
ونتساءل هنا عن سبب عدم استعمال المادة 57 لإعلام عضو من المجلس الدستوري واقتصار إبلاغ رئيس الجمهورية فقط بذلك، ويبدو أن السبب في ذلك يرجع إلى أن رئيس الجمهورية هو حامي الدستور وفقا لنص المادة 70 الفقرة الثانية من دستور 1996، أما فيما يخص رئيس مجل الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني، فيبدو أن المجلس الدستوري قد يقصد بعدم إعلامهما أن هناك استقلالية بينهما وبين المجلس الدستوري، ودور البرلمان هو انتخاب الأعضاء التي يتكون منها المجلس الدستوري حسب حصة كل من الغرفتين المحددة بالدستور وبالتالي عندما يعلم رئيس المجلس الشعبي الوطني بتطبيق نص المادة 57 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري، فذلك من أجل استخلاف العضو المتوفي أو الذي قدم استقالته فقط لا غير ويتم استخلاف العضو من طرف الجهة التي عينته أو انتخبته خلال الخمسة عشر يوما التي تعقد التبليغ بوفاة عضو المجلس الدستوري، أو استقالته تطبيقا لنص المادة 56/2 من نظام المجلس الدستوري، أو حصول مانع دائم له، ولم يوضح المجلس الدستوري الحالات التي تعتبر إخلال خطيرا لواجبات العضو، ويبدو أن المجلس الدستوري له السلطة التقديرية في ذلك، علما أن العضو الذي يطلب منه المجلس تقديم استقالته تطبيقا لنص المادة 56 من النظام الداخلي الخاص بالمجلس الدستوري لا يملك أي طعن.
وعلى سبيل المقارنة، يتكون أعضاء المجلس الدستوري الفرنسي حسب نص المادة 56 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 من تسعة أعضاء1، بالإضافة إلى رؤساء الجمهورية السابقين، فيما يخص التسعة أعضاء يعين منهم رئيس الجمهورية الفرنسية ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس المجلس الدستوري، وثلاثة أعضاء يعينهم رئيس الجمعية الوطنية، وثلاثة أعضاء يعينهم مجلس الشيوخ، ومدة العضوية تسعة سنوات غير قابلة للتجديد، ويتجدد الأعضاء بالثلث كل ثلاثة سنوات، ولم يستثنى رئيس المجلس الدستوري الفرنسي من التجديد حسب هذه المادة أما رؤساء الجمهورية السابقين فعضويتهم مدى الحياة، ورئيس المجلس الدستوري الفرنسي له صوت مرجح في حالة تعادل الأصوات، حسب الفقرة الأخيرة من نص المادة 56 من الدستور الفرنسي.
ومنعت المادة 57 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 على أعضاء المجلس الدستوري الجمع بين وظيفة العضوية في المجلس الدستوري ووظيفة وزير أو النيابة البرلمانية، وأحالت هذه المادة إلى قانون عضوي يحدد مجالات أخرى لا تتلاءم مع العضوية في المجلس الدستوري الفرنسي، ويختلف الدستور الجزائري عن الدستور الفرنسي في ذلك، من حيث مدة العضوية ومن حيث المخولين لهم حق تحريك المجلس الدستوري.
المطلب الثالث: طبيعة المجلس الدستوري الجزائري
يقصد بطبيعة المجلس الدستوري الجزائري، هل هو هيئة قضائية أم سياسية ؟، وينتج عن تلك الحالتين نتائج مختلفة باختلاف طبيعة الجهاز القائم بالرقابة الدستورية وطبيعة وظيفته، ويظهر الاختلاف من حيث الإخطار، أو تحريك الدعوى، أو تمكين الأفراد حق اللجوء إلى ذلك الجهاز إذا مست مصالحهم نتيجة القانون المخالف للدستور.
والمؤسس الدستوري الجزائري سكت عن وصف لطبيعة جهاز المجلس الدستوري، فلم ينص على هذا الجهاز في الفصل المخصص في الدستور للسلطة القضائية، فيكون بذلك جزء منها، وإنما وضعه في الفصل المخصص للرقابة 1، كما سكت عن طبيعة وظيفة المجلس الدستوري، فلم يمنح المؤسس الدستوري الرقابة الدستورية إلى القضاء العادي كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، المكسيك، أستراليا والبرتغال، حيث يتمكن الأفراد أمام القضاء العادي بالدفع بعدم دستورية القانون، أو المطالبة بإلغائه بالدعوى الأصلية، كما هو الحال في سويسرا التي أسند دستورها لسنة 1874 هذا الدور إلى محكمة قضائية عليا، وأسندت ذلك إيطاليا إلى محكمة دستورية في دستورها لسنة 1947 1، وإن كانت معظم الدول التي تأخذ بالرقابة الدستورية، بينت في دساتيرها طبيعة الجهاز القائم في الرقابة الدستورية، أنه جهاز قضائي كما هو الحال في دستور النمسا لسنة 1920، حيث جاءت تسمية الجهاز في هذا الدستور "المحكمة الدستورية العليا"، أو إيطاليا ـ كما هو مبين أعلاه ـ ونفس الشيء بالنسبة لإسبانيا في دستورها لسنة 1978، حيث جاءت تسمية الجهاز "المحكمة الدستورية"، وكذلك ألمانيا في دستورها لسنة 1949 "المحكمة الدستورية الفيدرالية".
فالملاحظ أن المؤسس الدستوري الجزائري لم يؤسس المجلس الدستوري في صفة الجهاز القضائي، ونفس الشيء بالنسبة لفرنسا، مما أدى بالفقه في هذا البلد على الاعتكاف لكشف طبيعة المجلس الدستوري الفرنسي، وتجدر الإشارة أن فكرة الرقابة الدستورية في فرنسا ترجع إلى الفقيه "سييز" (Sieyès)، الذي طالب بإنشاء هيئة سياسية، مهمتها إلغاء القوانين المخالفة للدستور، وذلك قبل صدورها (بمعنى رقابة وقائية) 2، واختلف الفقه الفرنسي في البداية حول طبيعة المجلس الدستوري الفرنسي، لكن حاليا حسمت المسألة بالاعتراف بالطبيعة القضائية للرقابة الدستورية في فرنسا من غالبية الفقه، وذلك نظرا إلى قرارات المجلس التي لها قوة الشيء المقضي به، حسب ما جاء في المادة 62 الفقرة الثانية منها في الدستور الفرنسي لسنة 1958، حيث نصت "قرارات المجلس الدستوري غير قابلة للاستئناف وملزمة للسلطات العمومية، ولكافة السلطات الإدارية والقضائية"، علما أن المجلس الدستوري الفرنسي له رقابة وقائية (رقابة سابقة)، واستعمل مصطلح القرار (Décision)، وليس الرأي كما هو الحال في دستور الجزائر إذا كانت الرقابة سابقة. ومن خلال هذا لم يعد يعتمد غالبية الفقه الفرنسي أن الرقابة الدستورية السابقة تمارس بواسطة هيئة سياسية، والرقابة اللاحقة بواسطة هيئة قضائية 3
وفيما يخص الجزائر، يقول الأستاذ نوري مرزة جعفر في تعليقه عن المجلس الدستوري الجزائري 4، أنه ذو طبيعة سياسية وليس هيئة قضائية، ويستشهد في ذلك أنه لم يكن هناك مانع قانوني أو سياسي أن يأخذ المؤسس الدستوري بأسلوب الرقابة القضائية صراحة، مع تسمية المجلس بالمحكمة الدستورية، وبذلك يمنح الأفراد حق اللجوء إليها على أساس ما جاء في المادة 131 من دستور 1989 (تقابلها المادة 140 من دستور 1996)، حيث ان "أساس القضاء مبادئ الشرعية والمساواة، الكل سواسية أمام القضاء، وهو في متناول الجميع ..."، ويستشهد كذلك في قوله بأن أعضاء المجلس الدستوري يحتمل انتخاب أو تعيين عدد معين منهم من حزب سياسي بالإضافة إلى مدة العضوية التي لا تنطبق مع وظيفة القاضي، وينتهي الأستاذ "نوري مرزة جعفر" في تعليقه إلى استبعاد المعاهدات أو الاتفاقيات من الرقابة اللاحقة على التصديق.
لكن ما يمكن قوله في هذا الصدد، أن تسمية "المجلس الدستوري" كتسمية لا تطرح مشاكل في حد ذاتها، لان مجلس الدولة لا تطرح تسميته أية مشكلة في كونه جهاز قضائي وجزء من السلطة القضائية يتمتع بالاستقلالية، علما أن المجلس الدستوري الفرنسي لم يعد ينظر إلى تسميته، وحتى كونه يختص فقط بالرقابة الدستورية السابقة لمعرفة طبيعة جهازه، ووظيفة هذا الجهاز، وفي نفس هذا الاتجاه، فتح الأستاذ" أحمد محيو" الطريق للبحث في طبيعة المجلس الدستوري الجزائري عندما تعرض للقيمة القانونية لرأي المجلس الدستوري واعتبر أن "الرأي" له نفس قيمة "القرار"، وأن المجلس الدستوري يفصل في الرأي كجهاز قضائي1 ، وذلك حسب قرارات وآراء المجلس الدستوري التي تكتسب قوة الشيء المقضي به اعتمادا على المادة 169 من الدستور، وإن كان الدستور الجزائري، لم يتطرق صراحة لقوة الشيء المقضي به بالنسبة لقرارات وآراء المجلس على غرار ما فعله الدستور الفرنسي (المادة 62 الفقرة الثانية)، حيث أكد، أن قرارات المجلس الدستوري غير قابلة للاستئناف، وملزمة لكافة السلطات العمومية والإدارية والقضائية، وهذه الثغرة في الدستور الجزائري سدها المجلس الدستوري 2، عندما أخطر لمراقبة أمر 19 جويلية 1995 المعدل والمتمم لقانون الانتخابات لسنة 1989، حيث صرح المجلس الدستوري بعدم دستورية اشتراط الجنسية الأصلية للمترشح للانتخابات، علما أن المجلس الدستوري راقب من قبل ذلك سنة 1989، وصرح بمناسبة إخطاره للأمر المذكور أعلاه في قراره سنة 1995 3، بقوة الشيء المقضي به وذلك بقوله ان "قرارات المجلس الدستوري نهائية وفورية التنفيذ وملزمة لكافة السلطات العمومية "،وأضاف أن" قراراته تنتج باستمرار أثرها طالما لم يعدل الدستور ...".
وأخيرا، تطرق المجلس الدستوري في نظامه المحدد لقواعد عمله في سنة 2000 إلى مسألة قوة الشيء المقضي به، التي لم ينص عليها الدستور الجزائري صراحة، فنصت المادة 49 من هذا النظام تحت عنوان "حجية آراء وقرارات المجلس الدستوري" في الباب الثالث المخصص فقط لهذه المادة بقولها: "آراء وقرارات المجلس الدستوري ملزمة لكافة السلطات العمومية، والقضائية والإدارية، وغير قابلة لأي طعن "وما يلاحظ أن هذه المادة منحت الرأي نفس قيمة القرار وبالتالي رأي المجلس الدستوري ينتج نفس أثر قراره 1، ولهما نفس قوة أو حجية المقضي به، فكلاهما ملزم وغير قابل لأي طعن، وجاءت هذه المادة بنفس صيغة المادة 62الفقرة الثانية منها من الدستور الفرنسي، الذي منح قرارات المجلس الدستوري الفرنسي قوة الشيء المقضي به، وتجدر الإشارة أن حجية الشيء المقضي به 2، تم النص عليها في المادة 164 من الدستور الإسباني، التي نصت على: "أحكام المحكمة الدستورية ... لها قوة الشيء المقضي به من اليوم الذي يلي نشرها، وهي غير قابلة للطعن"، ونصت المادة 140الفقرة السابعة من دستور النمسا على: "إذا أبطل قانون لعدم دستوريته، أو قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون فهذه القرارات ملزمة لكافة الجهات القضائية والسلطات الإدارية".
أما الدستور الألماني فنص في المادة 92 منه على: "سلطة القضاء يعهد بها للقضاة تمارسها المحكمة الدستورية الفيدرالية ..."، وبطبيعة الحال قوة الشيء المقضي به الممنوحة للقرار تجعله قرارا قضائيا ملزما.
والبحث عن طبيعة المجلس الدستوري الجزائري، سواء من حيث طبيعة جهازه هل هو سياسي ـ استشاري ـ أم قضائي ؟، وبطبيعة وظيفته (الرقابة الدستورية) هل هي سياسية أم قضائية ؟ يعتبر من المسائل الهامة، حيث انه إذا كانت الرقابة الدستورية قضائية أم لها طابع قضائي، فقرارات المجلس إذن في هذه الحالة تتمتع بقوة الشيء المقضي به وتلزم على السلطات العمومية 3، ويبدو أن عدم توضيح ذلك من طرف المؤسس الدستوري الجزائري يرجع إلى كون المجلس الدستوري من جهة، هو جهاز قضائي عندما يقوم بالرقابة الدستورية وبإجراءات قضائية في إطار المادة 165 من دستور 1996، وكذلك فيما يخص صحة عمليات الاستفتاء وانتخاب رئيس الجمهورية والانتخابات التشريعية في إطار المادة 163 الفقرة 2 منها من نفس الدستور، فيفصل في الطعون المتعلقة بذلك 1، ومن جهة أخرى هو جهاز مكلف بالتحقق من مدى وجود مانع لرئيس الجمهورية، ويستشار كذلك في إطار حالات خاصة 2.
المبحث الثاني:إخطار المجلس الدستوري وإختصاصاته
إن المجلس الدستوري له إختصاصات عديدة وذلك حسب دستور 1996،لاسيما نص المادة 163والمادة165/1 منه،حيث أنه لا يقوم بهذه الإختصاصات إلا بموجب إخطار من رئيس الجمهورية أو أحد رئيسي البرلمان (رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة) بالإضافة إلى إختصاصات أخرى.
وقد قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين هما:
المطلب الأول: تحريك المجلس الدستوري الجزائري(إخطاره).
المطلب الثاني:إختصاصات المجلس الدستوري.
المطلب الأول: تحريك المجلس الدستوري الجزائري (إخطاره)
إن مسألة إخطار المجلس الدستوري3 في مراقبته لدستورية القوانين، والقوانين العضوية، والتنظيمات، والمعاهدات، والأنظمة الداخلية للبرلمان، حكرا على رئيس الجمهورية، أو رئيس المجلس الشعبي الوطني، أو رئيس مجلس الأمة.
وهذا الاحتكار الذي لم يوسعه المؤسس الدستوري إلى رئيس الحكومة وعددا معينا من نواب كل من غرفتي البرلمان، قد تكون أسبابه التخوف من المبالغة في إخطار المجلس الدستوري من طرف المعارضة داخل البرلمان، ومن رئيس الحكومة خاصة إذا كان هذا الأخير لا ينتمي إلى حزب رئيس الجمهورية، أو قد يكون السبب في اعتبار المؤسس الدستوري إخطار المجلس الدستوري بمثابة نزاع.
فـــي حـــين أن إخـــطار المـــجلس الدســـتوري مـــا هــــو إلا احـــتمال عـــدم دستورية نص، حــيث يفــصل المجلـــــس
الدستوري بدستوريته أو عدم دستوريته، والمقصود هنا هو النص وليس نزاع بين مشروع النص أو من أصدره أو من كان وراء الإخطار، و في دول عديدة بدأت المناقشات حول توسيع الإخطار إلى الأفراد،أما في الجزائر ذلك محصورا على الأجهزة السياسية فقط، ويرجع حق الإخطار في ألمانيا إلى الحكومة الفيدرالية وحكومة كل مقاطعة وثلاث أعضاء الباندستاغ (BUNDESTAG)، وكذلك يعود الإخطار إلى المحاكم الألمانية بطريقة استثنائية1.
أما في فرنسا، نصت المادة 61 /2 من دستور 1958، على حق الإخطار لكل من رئيس الجمهورية، أو الوزير الأول، أو رئيس الجمعية الوطنية، أو رئيس مجلس الشيوخ، أو ستون (60) عضوا بالجمعية الوطنية، أو ستون (60)عضوا بمجلس الشيوخ، علما أن الأعضاء الستين في الجمعية الوطنية والأعضاء الستين في مجلس الشيوخ، توسع الإخطار إليهم سنة 1974، وهناك اتجاه قوي من طرف أغلبية الأحزاب والشعب يعمل على إقرار قاعدة تمكين المواطنين من حق اللجوء إلى المجلس الدستوري2.
ويكون رد المجلس الدستوري الفرنسي بعد إخطاره خلال شهر، غير أنه تقلص مدة الرد إلى ثمانية أيام في حالة الاستعجال، ويكون ذلك بناء على طلب الحكومة (هذا فيما يخص القوانين)، أما الإخطار بشأن المعاهدات نصت عليه المادة 54 من الدستور الفرنسي، ويختص بذلك حسب هذه المادة نفس المخولين بإخطار المجلس الدستوري في الرقابة على دستورية القوانين المشار إليهم في المادة 61 من الدستور الفرنسي.
أما عن نظام الإخطار بالجزائر، فقد نظمه النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري الجزائري لسنة 2000 3، فتتم هذه الإجراءات طبقا للمادتين 165 (الفقرة الثانية والثالثة) و166 من دستور 1996.
حيث أن المجلس الدستوري الجزائري يتم إخطاره بالنسبة للرقابة على دستورية القوانين، والقوانين العضوية والتنظيمات، والنظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان4 والمعاهدات، وهذا بمعنى أن المجلس الدستوري الجزائري لا يختص بالرقابة الدستورية في هذه المسائل إلا بناء على إخطاره من طرف رئيس الجمهورية، أو أحد رئيسي غرفتي البرلمان وترفق رسالة الإخطار بالنص ثم يعرض على المجلس الدستوري لإبداء الرأي، أو اتخاذ القرار بشأنه، وتسجل لدى الأمانة العامة للمجلس الدستوري في سجل الإخطار ويسلم إشعار باستلامها ويبدأ حساب سريان الأجل المحدد في نص المادة 167 من الدستور، وهي عشرين يوما لإبداء الرأي أو إصدار القرار من التاريخ المبين في إشعار الاستلام، ولا تطبق هذه المدة على المادة 97، حيث تكون البلاد خاضعة لنص المادة 96 من دستور 1996 التي نصت على:"يوقف العمل بالدستور مدة حالة الحرب ..."، فيكون إبداء الرأي من طرف المجلس الدستوري في إطار المادة 97 فوريا، وهذا ما نصت عليه المادة 52 من نظامه الداخلي لسنة 2000.
وما يلاحظ عن مدة العشرين يوما المنصوص عليها في المادة 167/1 من دستور 1996، أن المؤسس الدستوري الجزائري لم يجعل لها استثناءات في الحالات الاستعجالية كما هو منصوص عليه في الدستور الفرنسي، حيث تقلص مدة رد المجلس الدستوري الفرنسي إلى ثمانية أيام من أصل شهر (حسب نص المادة 61/3 من الدستور الفرنسي لسنة 1958).
وبمجرد إخطار المجلس الدستوري الجزائري، يشرع هذا الأخير في رقابة مطابقة النص المعروض عليه، ويعين رئيس المجلس الدستوري بمجرد تسجيل رسالة الإخطار مقررا من بين أعضاء المجلس يتولى تحضير مشروع الرأي أو القرار، ويجمع الوثائق المتعلقة بالملف مع إمكانية استشارة أي خبير يختاره المقرر، ويسلم نسخة من ملف موضوع الإخطار ومشروع الرأي أو القرار إلى رئيس المجلس الدستوري، وإلى كل عضو في المجلس. ويجتمع المجلس الدستوري بناء على استدعاء من رئيسه، ويمكن أن ينوب أحد الأعضاء رئيس المجلس الدستوري باختيار هذا الأخير له في حالة حصول مانع لرئيس المجلس الدستوري، ولا يفصل المجلس في أية قضية إلا بحضور سبعة من أعضائه على الأقل، ويتداول المجلس الدستوري وفق ما نصت عليه المادة 167 من دستور 1996 في جلسة مغلقة، وفي حالة تساوي الأصوات يكون رئيس المجلس الدستوري أو رئيس الجلسة مرجحا، وقد يحدث في حالة واحدة فقط عند اجتماع المجلس الدستوري بثمانية أعضاء وتساوي الأصوات، ويوقع الرئيس والأعضاء الحاضرين آراء المجلس الدستوري أو قراراته، مع تعليلها وإصدارها باللغة العربية، وتبلغ إلى رئيس الجمهورية سواء صدر منه الإخطار أم لا، أما رئيس مجلس الأمة أو رئيس المجلس الشعبي الوطني، إلا إذا كان الإخطار صادرا من أحدهما حسب الحالة، وترسل آراء وقرارات المجلس الدستوري إلى الأمين العام للحكومة لنشرها في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية وبذلك يتم علم الجميع بآراء أو قرارات المجلس الدستوري، وحول عدم تبليغ رئيس مجلس الأمة قبل نشر الرأي أو القرار إلا إذا كان وراء الإخطار، يقول الأستاذ "سعيد بوالشعير" أن هذا التمييز ليس له ما يبرره سواء تعلق الأمر بالقوانين أو التنظيمات أو بالمعاهدات الدولية وصحيح أن رئيس الجمهورية مكلف بحماية الدستور ورئيس للسلطة التنفيذية، مما يتطلب تبليغه، لكن السلطة التشريعية لها أيضا أن تعرف مبررات المجلس الدستوري في رأيه أو قراره أسوة بالسلطة التنفيذية قبل النشر في الجريدة الرسمية 1.
ونشير هنا أن قول الأستاذ "سعيد بوالشعير" جاء تعقيبا على نص المادة 14 من النظام المحدد لإجراءات عمل المجلس الدستوري لسنة 1989، حيث لم تكن السلطة التشريعية متكونة من غرفتين (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، علما أن النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري لسنة 2000 أبقى على ذلك في نص المادة 22 منه، وكل ما فعله أنه سوى بين رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني في عدم إعلانهما، حيث يعلم فقط أحدهما إلى جانب رئيس الجمهورية كما جاء في نص المادة 22التي نصت على: "يبلغ الرأي أو القرار إلى رئيس الجمهورية، كما يبلغ إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة إذا كان الإخطار صادرا من أحدهما".
وما يمكن قوله هنا هو، هل يمكن سحب النص بعد إخطار المجلس الدستوري وبعد تبليغ الرأي أو القرار إلى من كان وراء الإخطار ؟ ـ وهذا طبعا قبل النشر في الجريدة الرسمية ـ وإن كانت الإجابة بالسلب، فلماذا إذن يبلغ الرأي أو القرار خاصة أن مدة النشر لا تتجاوز 20 يوما من تاريخ الإخطار ؟، وهذه المسألة لم يتطرق لها النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري لسنة 2000.
وعلى صعيد آخر، ونحن نعالج هذا المطلب الأول، يجدر بنا التعليق على الإخطار الذي يقوم به رئيس الجمهورية للمجلس الدستوري في حالة الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية حيث أن رئيس الجمهورية في هذه الحالة لا يقوم بإخطار المجلس الدستوري لسبب واضح وهو أن رئيس الجمهورية نفسه هو الذي صادق على تلك المعاهدة، وكان من اللائق عليه طلب استشارة المجلس الدستوري حول مدى دستورية أي معاهدة دولية أو اتفاقية أو اتفاق قبل المصادقة عليها، وفي هذا الصدد نلاحظ ما يلي:
إن إخطار المجلس الدستوري من طرف رئيس الجمهورية يكون فعالا جديا بالنسبة للرقابة السابقة للمعاهدات الدولية، أي قبل أن تتم المصادقة عليها.
أما في حالة ما إذا تمت المصادقة عليها سواء كانت معاهدات، اتفاقات أو اتفاقيات يكون ذلك الاختصاص من صلاحية رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة من الناحية العملية، وإن كان يحق لرئيس الجمهورية ذلك قانونا، بحيث لا يوجد أي نص تشريعي أو دستوري يمنع رئيس الجمهورية من طلب إجراء الرقابة الدستورية اللاحقة بالنسبة للمعاهدات الدولية أو الاتفاقيات أو الاتفاقات.
لقد قسم الأستاذ "محيو"، والأستاذ "بوسماح" 1، حالة المعاهدات الدولية المعروضة على المجلس الدستوري لينظر في مدى دستوريتها، إلى خمس حالات متميزة بعضها عن البعض والممكنة، حيث يجوز تلخيصها فيما يلي: 2
1 ـ الحالة الأولى:
وهي حالة الاتفاقية التي لم يتم بعد المصادقة عليها، والتي تم عرضها على غرف البرلمان طبقا لأحكام المادة 131 من دستور 1996.
ويمكن في هذه الحالة لرئيس الجمهورية أن يخطر أو أن لا يخطر المجلس الدستوري ويتم ذلك قبل عرض هذه المعاهدات الدولية على البرلمان ليوافق عليها، كما يمكنه طرحها على البرلمان لمناقشتها، وهنا يمكن أيضا، لرئيسي غرفتي البرلمان إحالتها على المجلس الدستوري ليبدي رأيه فيها.
2 ـ الحالة الثانية :
حالة الاتفاقية التي لم يتم بعد المصادقة عليها، والتي لا تحتاج لموافقة البرلمان، حيث نجد في هذه الحالة انفراد رئيس الجمهورية بإقرارها.
وتجدر الملاحظة إلى أن رئيسا غرفتي البرلمان لا يكونا بالضرورة على علم بهذه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فإذا ما تم تبليغهما سواء تم ذلك عن طريق وسائل الإعلام أو عن طريق آخر، جاز لهما إخطار المجلس الدستوري إذا ما لاحظ أو شكا في دستوريتها.
3 ـ الحالة الثالثة:
وهي حالة الاتفاقية التي وافق عليها البرلمان، فهنا يجوز لكل من رئيس الجمهورية ورئيسا غرفتي البرلمان، إخطار المجلس الدستوري إذا ارتأيا أنها تخالف أحكاما في الدستور لكن من الناحية العملية، يكون كل من رئيس الجمهورية ورئيسا غرفتي البرلمان في حرج، إذا طلبوا النظر في دستورية تلك المعاهدة، فلماذا يا ترى ؟
والسبب في ذلك بسيط لأنه كان بإمكانهم (أي رئيس الجمهورية ورئيسا غرفتي البرلمان) تدارك ذلك النقص والمتمثل في مخالفة بعض أو كل بنود تلك المعاهدة لنصوص دستورية ويكون ذلك بالنسبة لرئيس الجمهورية قبل عرضها على البرلمان، أما بالنسبة لرئيسا غرفتي البرلمان (وهما رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة)، فيكون ذلك قبل الموافقة عليها وإن كان من الناحية القانونية مسموح لهم ذلك، لكن تجدر الملاحظة إلى أن مثل هذه الحالات تكون شاذة أي قليلة الحدوث.
4 ـ الحالة الرابعة:
وهي تلك الحالة التي تتم فيها المصادقة على المعاهدة الدولية دون أن تعرض على البرلمان ليوافق عليها، لأنها لا تدخل ضمن الحالات المنصوص عليها في المادة 131 من دستور 1996، حيث في هذه الحالة يلعب رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة دورا هاما بصفتيهما سلطة تعمل على احترام الدستور، خاصة بالنسبة للاتفاقيات أو المعاهدات الدولية التي لا تعرض على أعضاء المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، حيث يقوما بإخطار المجلس الدستوري ليفصل في دستوريتها وبالتالي تتم المصادقة عليها وهي مخالفة لأحكام الدستور لكي لا تعلوا على النصوص الداخلية وهي مخالفة للنص الأسمى للدولة، وهذا طبقا لنص المادة 132 من دستور 1996.
5 ـ الحالة الخامسة:
وهي حالة المعاهدات الدولية البسيطة، والتي لا تعرف عملية المصادقة، ولا تتم إلا عن طريق التوقيع فقط 1، لكي تصبح سارية المفعول، لكن في حالة الشك في دستوريتها يكون ذلك لرئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة من أجل إخطار المجلس الدستوري.
آخر ملاحظة يمكن الإشارة إليها في هذا المجال، تتعلق بالمجال الزمني الذي يحق فيه المجلس الدستوري أن ينظر في أي معاهدة دولية تم إخطاره بعدم دستوريتها، وعلى إثره يمكن للمجلس الدستوري أن ينظر في أي معاهدة دولية تمت المصادقة عليها منذ عدة أعوام، بشرط أن يتم إخطاره بذلك لينظر في مدى دستوريتها وهذا من الناحية القانونية.
لكن الأمر يختلف من الناحية العملية، إذ نلاحظ بان كل من رئيس الجمهورية، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس مجلس الأمة، لن يغامروا ويقوموا بإخطار المجلس الدستوري لينظر في دستورية أي معاهدة دولية، لأنهم سوف يقعون في إشكال عويص في حالة ما إذا أقر المجلس الدستوري عدم دستوريتها كما سيتم توضح ذلك في الفصل الثاني أدناه.
وإن تحريك الرقابة الدستورية توقف على إجراء الإخطار من إحدى الهيئات المخول لها ذلك دستوريا، وبالتالي فإنه ليس للمجلس الدستوري أن يفحص رقابة دستورية القوانين من تلقاء نفسه، وعليه فإن عملية الإخطار تتم بطريقة رسالة توجه إلى رئيس المجلس الدستوري 1 مرفقة بالنص المراد فحص دستوريته ـكما ذكر ذلك أعلاه ـ والسؤال الذي نطرحه في هذه الحالة هل للمجلس الدستوري سلطة مطلقة عند فحص دستورية القوانين ؟ وهل بإمكانه النظر في دستورية أحكام أخرى متعلقة بالقانون موضوع الإخطار لكن غير واردة برسالة الإخطار ؟
وهل يستوي الأمر بالنسبة لكل القوانين أم أنه يختلف بحسب طبيعة النصوص القانونية موضوع الإخطار ؟ وهنا نقول أن الأمر يختلف بالنسبة للقوانين العادية والقوانين الأخرى.
الفرع الأول: تقيد المجلس الدستوري برسالة الإخطار
يتوقف قيام المجلس الدستوري برقابة دستورية القوانين على إخطار من إحدى الجهات المخول لها ذلك دستوريا، فهو لا يتصدى لفحص دستورية القوانين من تلقاء نفسه، كما أنه بعد أن يتم إخطاره ليس له السلطة التقديرية للنظر في هذه المنازعات الدستورية فليس له أن يقرر فحص أو عدم فحص دستورية موضوع الإخطار، فليس هناك أي مادة دستورية تشير إلى سلطة المجلس الدستوري التقديرية في هذا المجال.
وبالتالي فإنه بعد إخطاره مباشرة هو ملزم بالنظر في مدى دستورية القوانين موضوع الإخطار وذلك خلال المواعيد المحددة دستوريا 2، إذن فالمجلس الدستوري عند ممارسة الرقابة الدستورية للقوانين ـ ماعدا القوانين العضوية والأنظمة الداخلية لغرف البرلمان ـ يفصل بالرقابة السابقة قبل أن تصبح نافذة بموجب رأي،أو بقرار في الحالة العكسية.
والملاحظ أن المجلس الدستوري حين ممارسته لمهمة الرقابة هو مقيد برسالة الإخطار الموجهة إليه من إحدى الهيئات المختصة بذلك، فهو يفحص دستورية هذه القوانين موضوع الإخطار بناء على الأحكام الواردة والمشار إليها في رسالة الإخطار 1، حيث أن الأمين العام للمجلس الدستوري أدلى بشهادة في هذا الموضوع، كما أنه لا يشترط شكل معين أو طابع معين على رسالة الإخطار، وإنما يكفي أنها توجه إلى رئيس المجلس الدستوري تطلب فيها الهيئة صاحبة الإخطار فحص مدى دستورية نص معين دون اللجوء إلى أسباب الإخطار ومبررات الشك في مدى دستوريته، خاصة وأن هذه الرسالة لا تنشر فإنه ليس بإمكاننا أن نعرف محتواها وأسس بناءها2.
لكن رغم هذا، فالمجلس الدستوري بمجرد إخطاره لتحريك الرقابة الدستورية على النص المعروض عليه، فإنه يتابع ذلك حتى النهاية 3، وهذا حسب التعديل الجديد للنظام المحدد لقواعد المجلس الدستوري المصادق عليه بتاريخ 28جوان2000 ،لكن في النظام الداخلي السابق "إجراءات عمل المجلس الدستوري" كانت هناك مادة لا تؤدي نفس معنى المادة الواردة في النظام الجديد، بل كان مفادها أنه في حالة ما إذا سحبت الهيئة التي قامت بالإخطار إخطارها يتوقف المجلس الدستوري عن نظر موضوع رسالة الإخطار ويعتبر الإخطار وكأنه لم يكن.
والملاحظ أن المجلس الدستوري عند فحصه مدى دستورية القوانين يعتبر مقيد برسالة الإخطار، فهو لن يتصدى إلا للحكم الوارد في نص رسالة الإخطار وليس له أن يتصدى إلى أحكام أخرى في النص القانوني ما لم يخطر المجلس بشأنها، وهذا ما يستنتج من النص المادة 07 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري التي تنص على ما يلي :
"إذا صرح المجلس الدستوري بعدم دستورية حكم أخطر بشأنه وكان هذا الحكم في نفس الوقت غير قابل للفصل عن باقي أحكام النص المخطر بشأنه، فإن النص الذي ورد ضمنه الحكم المعني يعاد إلى الجهة المخطرة".
وما يفهم من خلال هذه المادة، أنه ليس للمجلس الدستوري حق النظر في دستورية القوانين إلا في حدود النص موضوع الإخطار فقط، حتى وإن كان الحكم المطعون ضده غير دستوري ولا يمكن فصله عن باقي الأحكام المكونة للنص القانوني، ففي هذه الحالة لا يستطيع المجلس الدستوري أن يتعدى نص رسالة الإخطار ويذهب إلى فحص دستورية الأحكام الأخرى للنص القانوني والتي ليست موضوع رسالة الإخطار، و يتوقف عمله على رقابة دستورية الحكم المشار إليه برسالة الإخطار، وعليه يعيد النص القانوني كله إلى الجهة المخطرة حتى تعيد هذه الأخيرة النظر في أحكامه والتحقق فيما إذا كانت فعلا بحاجة إلى إعادة إخطار المجلس الدستوري من جديد فيما يتعلق بالأحكام التي لم ينظر إليها ولم يخطر بشأنها بصدد فحص رقابة دستورية الحكم موضوع الإخطار السابق.
وفيما يخص هذه المادة، أنها تؤدي بالمجلس الدستوري إلى الفصل في مدى دستورية حكم ما من نص قانوني، وإن توصل إلى أنه غير دستوري وغير قابل للفصل عن باقي أحكام النص، فهو لا يتصدى لهذه الأحكام، بل يعيد النص إلى الجهة المخطرة بعد الفصل في الحكم موضوع الإخطار.
ومما يؤكد أيضا تقييد المجلس الدستوري برسالة الإخطار والنص موضوع الإخطار فقط هو ما ورد في المادة 08 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري والتي تنص على ما يلي :
"إذا اقتضى الفصل في دستورية حكم التصدي لأحكام أخرى لم يخطر المجلس الدستوري بشأنها ولها علاقة بالأحكام موضوع الإخطار، فإن التصريح بعدم دستورية الأحكام التي أخطر بها أو تصدى لها وكان عن بقية النص يؤدي إلى المساس ببنيته كاملة، فإنه في هذه الحالة يعاد النص إلى الجهة المخطرة".
وما يفهم من هذه المادة، أنه إذا أخطر المجلس الدستوري للنظر في دستورية حكم معين لكن هذا يقتضي التصدي لأحكام أخرى مرتبطة ولها علاقة بالحكم موضوع الإخطار، وأن هذه الأحكام غير واردة في رسالة الإخطار وليست موضوع طعن للنظر في دستوريتها، وانه إذا صرح بعدم دستورية هذا الحكم وكان نتيجة فصله عن بقية أحكام النص إلى المساس بالبنية الكاملة للنص، يترتب عن كل هذا إعادة النص إلى الجهة المخطرة دون تمكين المجلس الدستوري من رقابة دستورية هذه الأحكام الأخرى والتي ترتبط بالحكم موضوع الإخطار وإنما عليه أن يعيد هذا النص أيضا إلى الجهة المخطرة التي قد تعيد النظر في الأحكام الأخرى وقد تخطر المجلس بشأنها ليفحص مدى دستوريتها.
إن هذا يؤدي إلى تقييد المجلس الدستوري برسالة الإخطار خاصة أنه ليس باستطاعته أن يتصدى لفحص رقابة دستورية أحكام غير واردة في رسالة الإخطار، حتى ولو كانت مرتبطة بالحكم المخطر بشأنه، أو كان يقتضي الفصل في دستورية هذا الحكم الرجوع إلى هذه الأحكام وفحص دستوريتها، بل يتوقف الأمر على إعادة النص موضوع الإخطار إلى الجهة المخطرة، وهذا طبعا يؤثر على فعالية الرقابة وأثرها، وان العديد من الأحكام أن تكون غير دستورية وهي مرتبطة بحكم موضوع إخطار، لكن ليس للمجلس الدستوري أن يتصدى لفحص دستوريتها، سواء من تلقاء نفسه أو على أساس نص دستوري وارد، مما قد يؤدي إلى إفلات العديد من أحكام النصوص القانونية من الرقابة الدستورية.
لكن السؤال الذي يطرح هنا: ما الجدوى من أن يعيد المجلس الدستوري في هذه الحالة النص الوارد ضمنه الحكم موضوع الإخطار إلى الجهة المخطرة ؟
فقد يعاد النص إلى الجهة المخطرة دون أن تعيد النظر في الأحكام الأخرى للنص المرتبطة بالحكم موضوع الإخطار، هذا الأخير الذي يتطلب الفصل في دستوريته فحص أحكام أخرى من النص، والذي قد يترتب عليه عدم إعادة إخطار المجلس الدستوري بالأحكام الأخرى وبالتالي إفلاتها من الرقابة الدستورية.
بل كان على المؤسس الدستوري أن يفتح المجال أمام المجلس الدستوري في هذا المجال، ويترك له الحرية، ويوسع سلطته للنظر في دستورية كل أحكام النصوص القانونية المتعلقة بالنص موضوع الإخطار.
الفرع الثاني: المجلس الدستوري غير مقيد بالنسبة للقوانين العضوية والأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان
إذا كان المجلس الدستوري مقيد برسالة الإخطار عند فحص دستورية القوانين الأخرى وسلطته مقيدة عند النظر فيها، بحيث لا يمكنه أن يفحص سوى الأحكام الواردة برسالة الإخطار دون سواها، حتى ولو استلزم أمر الفصل في دستورية الحكم محل الإخطار النظر في دستورية الأحكام الأخرى في نص القانون، فإن الأمر هنا يختلف بالنسبة للقوانين العضوية والأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان، فإذا كان القانون محل الإخطار قانونا عضويا أو نظاما داخليا لإحدى غرف البرلمان، فهو يخضع لرقابة المطابقة المسبقة، والتي يتم على إثرها إخطار المجلس الدستوري بطريقة وجوبية من طرف رئيس الجمهورية قبل دخوله حيز النفاذ.
لكن في هذه الحالة المجلس الدستوري غير مقيد برسالة الإخطار، أي غير مقيد بالنظر فيما يخص الأحكام موضوع الإخطار فقط، وإنما بإمكانه فحص الأحكام الأخرى المتعلقة بكامل النص القانوني للقانون العضوي وللأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان، لأن هذه الرقابة رقابة مطابقة مسبقة، فللمجلس أن يفحص القانون ويراقب مدى مطابقته للدستور، سواء من حيث الإجراءات أو مواضيعه في حد ذاتها.
إن المجلس الدستوري عند فحصه مطابقة القانون العضوي والأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان للدستور، فهو يفحصه وينظر فيه مادة بمادة، خاصة وانه في حالة الإخطار الوجوبي لا يقيد برسالة الإخطار التي يطلب فيها النظر في حكم دون آخر، وإنما النظر في كامل نص القانون العضوي والأنظمة الداخلية الذي يعرض عليه كاملا، فإذا تبين للمجلس الدستوري أن القانون العضوي أو النظام المعروض عليه به حكم غير مطابق للدستور، وأن الحكم يمكن فصله عن باقي أحكام القانون، فبإمكان رئيس الجمهورية أن يصدر هذا القانون ماعدا الحكم الذي ارتأى المجلس الدستوري أنه مخالفا للدستور، وإلا فإنه يطلب من البرلمان قراءة جديدة للنص،ومنه فقد يتدارك فيها الحكم المخالف للدستور، وبعدها فإنه يعاد عرض القانون المعدل على المجلس الدستوري ليفحص مطابقته للدستور مرة أخرى 1.
إن عدم تقيد المجلس الدستوري بحكم معين لفحص مدى مطابقته للدستور،، وجعل الرقابة تنصب على كامل أحكام القانون العضوي أو النظام الداخلي أمر مهم، خاصة وأن هذه القوانين العضوية تنظم مواضيع هامة وإستراتيجية، والأنظمة الداخلية تنظم سير أعمال غرف البرلمان وتعبر عن استقلاليتها، فلابد من فحص مطابقتها للدستور وفتح منافذ لحرية المجلس الدستوري دون تقييده عند القيام بهذه العملية، وأن يترك له كامل السلطة عند فحص القانون ليفحصه مجملا (كل نصوص القانون).
ومن الأفضل، لو أن المؤسس الدستوري الجزائري حذا حذو المؤسس الفرنسي ولم يقيد المجلس برسالة الإخطار عند فحص رقابة الدستورية، وأن يترك له حرية وسلطة تقديرية عند فحص دستورية الحكم محل الإخطار، أو التطرق إلى فحص دستورية الأحكام الأخرى للنص التي هي مرتبطة بالحكم موضوع الإخطار، هذا حتى يتسنى لهذا الجهاز أن يقوم بمهامه على أكمل وجه، وأن تتوقف رقابته بإعادة النصوص إلى الجهات المخطرة، دون منح المجلس سلطة النظر في أحكام أخرى ليست محل إخطار ولكنها مرتبطة بالحكم موضوع الإخطار، ويتطلب الأمر للفصل في دستورية الحكم المنازع فيه النظر في أحكام أخرى من القانون.
إن ما يمكن أن نخلص إليه في نهاية هذا المطلب الأول، هو أن أثر وفعالية الرقابة الدستورية التي هي من مهام المجلس الدستوري منوطة بحسب الهيئات المخول لها حق الإخطار وبالتقنيات والإجراءات المتبعة قيد القيام بذلك.
وأن النظام الجزائري اعتمد الرقابة السابقة واللاحقة للقوانين والتي لابد من إعادة النظر فيها وتنظيمها، خاصة الرقابة اللاحقة بعد إصدار القوانين باللجوء إلى نظام آخر غير المتبع حاليا والذي أثبت قصوره وعدم فعاليته، وإضافة إلى أن نظام الإخطار المتبع وفقا للمؤسس الدستوري نظاما ضيقا لابد من توسيع حق الإخطار إلى هيئات وأشخاص أخرى أشير إليها أعلاه، وهذا لتنشيط الرقابة الدستورية وعمل المجلس الدستوري.
وبما أن المؤسس الدستوري الجزائري ترك للمجلس الدستوري عند النظر في رسائل الإخطار عدم التقيد بها، كان عليه أيضا إلزامه بنشرها 1 ،هذا حتى يتسنى لنا معرفة حجج ودلائل الهيئات المخطرة، وفحص رسائلهم بجدية، وتبين حججهم التي أدت بهم إلى الطعن والشك في دستورية قانون ما.
نظرا لما لعملية نشر رسائل الإخطار من أثر شفافية سير المؤسسات ومصداقيتها بتمكين جمهور الناس من التأكد أو تقييم عمل المجلس الدستوري عند إطلاعهم على هذه الرسائل، ثم إطلاعهم بالجرائد الرسمية على أراء وقرارات المجلس، هكذا تتبين لهم جدية الإخطارات المقدمة وترسخ لديهم مصداقية أو مسار مؤسسات الدولة وأجهزة الرقابة ـ المجلس الدستوري ـ كنتيجة لمبدأ الشفافية الذي يعتبر مقوما لمسار الديمقراطية ودولة القانون.
المطلب الثاني: اختصاصات المجلس الدستوري الجزائري
نظرا للدور الجوهري الذي يلعبه المجلس الدستوري الجزائري كونه حامي الدستور وذلك بالسهر على إحترام النص الأسمى في الدولة، حيث أنيط هذا الأخير- المجلس الدستوري- بعدة إختصاصات من بينها رقابة دستورية القوانين، والتنظيمات، والاتفاقيات الدولية، والاتفاقات ومراقبة دستورية القوانين العضوية، وهذا حسب نص المادة 165من دستور1996،بالإضافة إلى السهر على صحة عمليات الإستفتاء وإنتخاب رئيس الجمهورية والإنتخابات التشريعية، ويعلن نتائج هذه العمليات، كما يكلف بالسهر على إحترام الدستور حسب نص المادة 163 من دستور 1996 . وهذا نظرا لمبدأ سمـو الدستـور وتدرج القواعـد القانونية 1.
وسيتم تفصيل إختصاصات المجلس الدستوري الجزائري في الفروع أدناه.
الفرع الأول: رقابة دستورية القوانين
يتميز القانون عن التنظيمات، في كونه فضلا على أنه ينظم مواضيع أكثر أهمية 2،بحيث تتعلق بمسائل تكون غالبيتها ذات أثر بالغ على حياة الأفراد، نجده كذلك يتميز في كونه يخضع في إصداره إلى إجراءات خاصة تتمثل في المصادقة عليه من طرف البرلمان 3، وباعتباره السلطة صاحبة أو ممثلة للسيادة العامة، وبالتالي ذهب الاعتقاد إلى اعتبار أن كل ما يصدر عنها تعبيرا عن الإرادة العامة لا يمكن أن يخضع لأي نوع من الرقابة، إلا أنه وردا على هذا القول فإن السلطة التشريعية من جهة مكونة من نواب، والنواب هم أشخاص عاديين قد يخطئون وبالتالي قد يتجاوزن حدود سلطتهم، ومن جهة أخرى أنها تستمد سلطاتها مثلها مثل باقي السلطات في الدولة من الدستور، ولذلك لا تملك سن القوانين إلا في الحدود التي رسمها الدستور، ومن باب أولى لا تستطيع هاته السلطة مخالفة الدستور 4، تطبيقا لمبدأ سمو الدستور الذي يقضي أن يكون الدستور منشأ للسلطات وينظم اختصاصاتها، فهو إذا يعلو عليها، وإذا ما خالفته تكون قد تخلت عن سندها القانوني 5، وبالنتيجة لا يصبح القانون تعبيرا عن الإرادة العامة إلا إذا كان مطابقا للدستور.
ـ لكن ما هي الوسيلة القانونية التي تضمن تطبيق هذا المبدأ ؟
يرى الفقيه "بيردو" 1 أنه يبدو منطقيا أن أفضل وسيلة لتفادي أن يصبح القانون أداة تعسف هو كفالة مراقبة دستورية القوانين، وهكذا تكون قد ظهرت الحاجة إلى رقابة الدستورية التي عرفها الأستاذ "سليمان الطماوي" 2 بـ : "يقصد برقابة دستورية القوانين، ألا يخالف قانون حكما مقررا في الدستور على أساس أن الدستور هو مستقر الشرعية في الدولة".
أما الأستاذان "أحمد وافي" و"بكرا إدريس"، فقد عرفاها على أنها تعد أحد نتائج مبدأ تدرج التشريع الذي يقضي بتقيد التشريع الأدنى بالتشريع الأعلى، فإذا صدر أي تشريع وكان مخالفا لتشريع أعلى منه درجة، فإنه يكون غير شرعي 3، إلا أن إقرار هذا النوع من الرقابة يحتاج إلى البحث عمن يقوم بأدائها، إذ لا يمكن أن نتصور إسناده إلى نفس الهيئة التي تصدر القانون وإلا تصبح الرقابة بلا جدوى.
فإن اختلفت الدول في خلق هيئات تتولى هذه المهمة، فإن النظام القانوني أو الدستور الجزائري أوكلها إلى المجلس الدستوري وحده وذلك بصريح مواده4. وهكذا فإلى جانب الاختصاصات الأخرى التي يخولها الدستور صراحة للمجلس، إلا أن أهمها هي تكفل برقابة دستورية القوانين والتنظيمات، كونها مهمة أساسية تجعل من المجلس الدستوري يقوم بدور أساسي في حماية حقوق وحريات الإنسان، وكذا السهر على حفظ التوازنات الأساسية بين السلطات5.
إلا أنه وبالرجوع إلى النصوص القانونية المسموح لها أن تكون موضوع إخطار المجلس الدستوري حتى يقوم بمراقبة مطابقتها للدستور، نجدها تثير إشكالا يتمثل فيما إذا كانت هذه النصوص تظم كل أنواع القوانين مهما كانت درجتها وطريقة إصدارها ؟.
طبقا لنص المادة 165 من دستور 1996 6،التي تجعل رقابة المجلس تظم القوانين العادية والقوانين العضوية، كما هو الحال في فرنسا طبقا لما تنص عليه المادة 61 من دستور 1958 7، بقي أن نعرف إن كانا يخضعان لنفس الرقابة الدستورية.
إذا، المجلس الدستوري الجزائري كغيره من أنظمة الدول التي أخذت برقابة دستورية القوانين العادية، كمصر طبقا لما تنص عليه المادة 25 من قانون رقم 48 لسنة 1979 الخاص بالمحكمة الدستورية، وكذلك الكويت في نص المادة 173 من دستورها، إلا أنه إذا كانت الرقابة في فرنسا سابقة وجوبا، أي تتم قبل صدور القانون (Sa promulgation)، وإذا كانت في مصر والكويت لاحقة تعرض على المحكمة الدستورية بمناسبة منازعة، فتمارس عن طريق دعوى أصلية أو عن طريق الدفع ضد تشريع مكتمل صدر فعلا، فإن المؤسس الدستوري الجزائري جمع بين الرقابة السابقة التي تتم حسب نص المادة 165 من دستور 1996 1، قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أي قبل إصدارها من طرف رئيس الجمهورية، حيث يصدر المجلس الدستوري في هذه الحالة رأيا ، وتسمى هذه الرقابة بالوقائية لأنها تحاول إصلاح ما قد يقع فيه القانون من خطأ دستوري قبل أن يدفع هذا القانون إلى التنفيذ2.
والرقابة اللاحقة هي التي تتم بعد صدور القانون، حيث يصدر بشأنها المجلس الدستوري طبقا لنص المادة 165 المذكورة أعلاه قرارا، وقد حكم بعض الفقهاء بأنها رقابة خطيرة وذلك نظرا للأثر الرجعي الذي يمس بمراكز قانونية أنشأت في ظل القانون، لذلك يوصي الأستاذ "بشير يلس" بإبعادها لأنها تتعلق برقابة قانون الذي يعد تعبير عن الإرادة العامة، وذهب البعض الآخر إلى حد اعتبارها نقصا يقلل من فعالية الجهاز (المجلس الدستوري) رغم تمتعه بصلاحيات واسعة وهامة، لأنه يبقى إجحافا في حق الأفراد وظلما لهم، خاصة إذا علمنا أن هؤلاء الأفراد لا يتمتعون بحق إخطار المجلس الدستوري، وهو الأمر الذي سيقلل من موضوع وهدف هذه الرقابة الدستورية.
هذا فضلا عن كون رقابة دستورية القوانين العادية اختيارية، بحيث ترجع السلطة التقديرية لسلطات الإخطار الممثلة طبقا لنص المادة 166 من دستور 1996 في كل من رئيس الجمهورية، ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة، بحيث تكون لهم كامل الحرية في استعمال هذا الحق.
أما القوانين العضوية، فلأهمية مكانتها مقارنة مع القوانين العادية، تتميز بإجراءات خاصة قبل إصدارها، ومنها ضرورة إخضاعها وجوبا للرقابة السابقة طبقا لنص المادة 165 /2 من دستور 1996، أي تتم رقابة دستوريتها قبل إصدارها من طرف رئيس الجمهورية وبعد المصادقة عليها من طرف البرلمان، كما أنها رقابة إلزامية بحكم نص المادة المذكورة أعلاه أي يلزم رئيس الجمهورية بإخطار المجلس الدستوري وجوبا حتى يتأكد هذا الأخير أنها لا تخالف الدستور.
إلا أن أهم ميزة تميز القوانين العضوية، أنها تخضع لرقابة المطابقة مثلها مثل النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، إلا أنه تجدر الإشارة أن الدستور في نص مادته 165 /2 المذكورة أعلاه التي نصت على: "يبدي المجلس الدستوري، بعد أن يخطره رئيس الجمهورية، رأيه وجوبا في دستورية القوانين العضوية بعد أن يصادق عليها البرلمان".
وبالتالي يكون المؤسس الدستوري قد نص على أن المجلس الدستوري يراقب دستورية القوانين وليس المطابقة للدستور1، كما نص صراحة بالنسبة للنظام الداخلي لغرفتي البرلمان في الفقرة الثالثة من نص المادة 165 التي جاء فيها : "كما يفصل المجلس الدستوري في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور، حسب الإجراءات المذكورة"، إلا أن النظام الداخلي للمجلس الدستوري نفسه جاء عنوان بابه الأول كالتالي : "قواعد عمل المجلس الدستوري في مجال رقابة المطابقة والرقابة الدستورية"، إذ يظهر من هذا العنوان أنه يفصل بين رقابة المطابقة ورقابة الدستورية بالفعل، حيث جاء عنوان الفصلين الأولين لهذا الباب كالتالي : الفصل الأول "رقابة مطابقة القوانين العضوية والأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان للدستور"، أما الفصل الثاني "رقابة دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات".
وبالتالي جاءت المادة الأولى2 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري تنص صراحة على أنه : "يفصل المجلس الدستوري في مطابقة القوانين العضوية للدستور قبل صدورها طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 123 من الدستور برأي وجوبي بعد أن يخطره رئيس الجمهورية طبقا للفقرة الثانية من المادة 165 من الدستور خلال الأجل المحدد في الفقرة الأولى من المادة 167 من الدستور".
إذا ما يمكن أن نستنتجه، أن إقرار المجلس الدستوري في نظامه الداخلي لرقابة المطابقة بالنسبة للقوانين العضوية، كان استنادا لنص المادة 123 من الدستور وليس المادة 165 /2 التي سبق وان أشرنا إليها أعلاه، لأن نص المادة 123 جاء صراحة : "يخضع القانون العضوي لمراقبة مطابقة النص مع الدستور من طرف المجلس الدستوري قبل صدوره".
بقي أن نتساءل، فيما إذا كان الفرق والاختلاف في التسمية فحسب؟، أم أنه يوجد اختلاف موضوعي بين المصطلحين (المطابقة والدستورية)؟، بمعنى آخر هل يختلفان من حيث مفهومهما؟ وأين يكمن هذا الاختلاف ؟.
يؤكد ويصرح المجلس الدستوري في رأيه الصادر في 28 أوت 1989 الخاص بالنظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني1 ، على أن رقابة المطابقة منفصلة، بل لا يقصد منها رقابة الدستورية، حيث اعتمد على هذا التمييز حتى يبرر تمييز النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني عن القوانين والمعاهدات والتنظيمات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من نص المادة 155 من دستور 1989 ، فعبر في الحيثية على أنه : "نظرا لكون رقابة المطابقة هذه، مانعة لرقابة الدستورية المحددة في الفرقة الأولى من المادة 155 من الدستور المخصصة للمعاهدات والقوانين والتنظيمات، وكون محرر الدستور بتوخيه هذا الفرز كان قصده أن يترك بالفعل للمجلس الشعبي الوطني صلاحية ضبط نظامه الداخلي بواسطة لائحة أو عقد خاص وحيد الطرف من غير القانون والتنظيم".
هذا، ويرى أساتذة القانون، أن رقابة المطابقة رقابة خاصة2 ، إذ هي رقابة الدستورية في معناها الضيق، أي أن المجلس الدستوري أعطاها مفهوما ضيقا، ويستدلون في ذلك على الرأي المشار إليه أعلاه حين أقر في حيثية أخرى منفصلة، أن المطابقة لابد أن يكون مفهومها معلوما بشكل صارم، بحيث يبين المجلس أنه بمقتضاه لابد أن يعبر المجلس الشعبي الوطني بأمانة على أحكام الدستور، لكن يعاب على التعريف الذي قدمه المجلس الدستوري أنه يعتمد على عبارات غامضة يصعب فهمها، بحيث جاء في رأيه أنه : "نظرا لكون مفهوم المطابقة للدستور، يجب أن يكون معلوما بكيفية صارمة، فإنه يتعين من هذه الوجه، على النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني أن يعبر بأمانة في أحكامه عن الخطة البيانية المضمنة في القواعد الدستورية التي يستنبط منها جوهره".
إذا بقى السؤال: ما المقصود بـ "الخطة البيانية المضمنة للقواعد الدستورية " 1 التي سوف يستنبط المجلس الشعبي الوطني منها جوهره ؟.
بالرجوع إلى الآراء التي أصدرها المجلس الدستوري بشأن مطابقة القانون العضوي للدستور وهي :
ـ الرأي المؤرخ في 06 مارس ،1997 المتعلق بالأمر المتضمن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية2.
ـ الرأي المؤرخ في 06 مارس 1997، المتعلق بالأمر المتضمن نظام الانتخابات 3.
ـ الرأي المؤرخ في 19 ماي 1998، المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله4.
ـ الرأي المؤرخ في 24 ماي 1998، المتعلق باختصاصات محكمة التنازع وتنظيمها وعملها5.
عند تفحص هذه الآراء، نجدها تتميز عن الآراء والقرارات التي قام بها المجلس الدستوري بمناسبة رقابة القوانين العادية، حيث فصل فيها (الآراء الخاصة بالقوانين العضوية) عند رقابته بين الشكل والموضوع، بحيث يتفحص فيما يندرج تحت عنوان "الشكل" كل ما يتعلق باستيفاء الإجراءات الخاصة بها، أي المتعلق بإخطار رئيس الجمهورية للمجلس الدستوري وكذا إجراءات مصادقة غرفتي البرلمان. أما ما يندرج تحت عنوان "الموضوع" فيتعلق بفحص كل أحكام ومواد القانون العضوي المعروض على المجلس بصفة منتظمة بدءا بعنوان القانون ثم المواد تدريجيا، إلا أننا لاحظنا أن المراقبة تتعلق باهتمام المجلس الدستوري بصياغة المواد والتعابير التي رأى في أغلب الأحيان أنها لا تعبر بأمانة عن المصطلحات المقابلة لها في الدستور، وأحسن مثال على ذلك ما عبر عنه في رأيه الخاص بمجلس الدولة، بحيث غير عنوان هذا القانون واستبدل مصطلح "صلاحيات" بـ "اختصاصات"، وكلمتا "سير" و"تسيير" بعبارة "عمل"، مثلما فعل تماما بالنسبة للقانون العضوي الخاص بمحكمة التنازع ليجعلها مطابقة حرفية لنصوص الدستور، لكن ليس معنى ذلك أن المجلس الدستوري عند رقابته لهذه القوانين يتوقف عند التفسير الضيق والمقابلة الحرفية بين نصوص الدستور ونصوص القانون من أجل الكشف عن التعارض الصريح بينهما، بل يتعداه في العديد من المرات إلى التوسع في تفسير النصوص، أين يتطرق إلى المعنى والمقصد الذي أراده المؤسس الدستوري ليحكم بعدم دستورية نص معين، بل إلى الهدف الذي يقصده المؤسس، ويظهر ذلك تقريبا في جميع آراءه ففي رأيه الخاص بمجلس الدولة وبمناسبة مراقبته لنص المادة 2 /3 من مشروع القانون، أقر المجلس الدستوري أن استقلالية مجلس الدولة وحياده وفعالية أشغاله لا تتعلق بالاختصاصات الاستشارية، وإنما الاستقلالية تخص المهام القضائية التي يقوم بها مجلس الدولة، بحيث جاء في الحيثية أنه : "اعتبارا أن المؤسس الدستوري حين منح هذه الضمانات الخاصة بالاستقلالية للقاضي دون غيره، يقصد منح مجلس الدولة هذه الضمانات في ممارسة اختصاصاته القضائية لا غير".
أما في رأيه الخاص بالأحزاب السياسية، الذي جاء بخصوص ما تشترطه المادة 13 من هذا القانون موضوع الأخطار حول الأعضاء المؤسسين للحزب، من ضرورة الإقامة في أرض الوطن، أنه جاء إخلال بنص المادة 44 من الدستور المتعلقة بحق كل مواطن التمتع بحقوقه المدنية والسياسية في اختيار محل إقامته، بحيث عبر في هذا الرأي عن هدف ومغزى هذه المادة وربطه مع نص المادة 13، فحكم بعدم دستوريتها، وجاء في الحيثية صراحة أن : "واعتبارا أنه ما يبرر هذه المادة (المادة 44 من الدستور) أن المؤسس للدستوري باقتصاره على ذكر حرية اختيار موطن الإقامة دون ربطه بالإقليم، كان يهدف إلى تمكين المواطن من ممارسة إحدى الحريات الأساسية المكرسة في الدستور والمتمثلة في حرية اختيار موطن إقامته داخل أو خارج التراب الوطني".
وهكذا اعتمد على التفسير الواسع لنص المادة 44 من الدستور، ويظهر هذا التوسيع أكثر عند استعماله (المجلس الدستوري) مصطلح روح الدستور في رأيه المؤرخ في 06 مارس 1997 المتعلق بقانون الانتخابات، وذلك فيما يخص نص المادة 157 منه البند 14 عندما استعمل مصطلح "سياسية"، اعتبر أن استعمال هذا المصطلح هو مساس بروح الدستور، لذلك توسع في التفسير، بحيث اعتمد على نص المادة 70 /2 من الدستور ،التي تنص على أن رئيس الجمهورية حامي الدستور والتي علاقتها بالمادة 157 بند 17 ليست واضحة إلا أنه اعتمد عليها واعتبر أنه مادام رئيس الجمهورية حامي الدستور هي مهمة تتطلب من العمل على ترقية المكونات الأساسية للهوية الوطنية بأبعادها الثلاثة : الإسلام، العروبة والأمازيغية، وهي ذات طابع سياسي، لكنه قبل أن يعبر عن ذلك سبقها بحيثية جاء فيها "اعتبار أن كل قانون، لاسيما القانون العضوي منه، يجب ألا تتخطى أحكامه الحدود الدستورية حتى لا تتعارض مع روح الدستور ذاته".
فالملاحظة التي يمكن أن تثار هنا، أن المجلس الدستوري ساوى في هذا الحكم بين القانون العادي والقانون العضوي وجعلهما يلتزمان بروح الدستور، هذا ما يدفعنا إلى التساؤل فيما إذا كانت رقابة دستورية القوانين تأخذ نفس أسلوب الرقابة ؟
إن المجلس الدستوري لم يعبر صراحة عن ذلك في رأيه وقراراته الخاصة برقابة القوانين العادية، إلا أنه بالإمعان فيها وتحليلها، نجد أنه في كثير من الأحيان يعتمد المجلس الدستوري على حرفية نصوص الدستور، ويشترط أن تكون مصطلحات القانون مطابقة تماما لتلك المنصوص عليها في الدستور، وأحسن مثال على ذلك قراره الصادر في 13 جويلية 1998 الخاص بنظام التعويضات والتقاعد لعضو البرلمان، فبمناسبة تعليقه على نص المواد 14، 15 و23 من هذا القانون موضوع الإخطار اعتبر أن هذه المواد شملت كل من :
ـ مدة العضوية الخاصة بالنائب.
ـ ترقيته.
ـ التقاعد.
ـ شروط وكيفيات الاستفادة من التقاعد.معتمدين في ذلك على نص المادة 115 فقرة 2 من الدستور، غير أن المجلس الدستوري يرى بأنه عند الرجوع إلى هذا النص في الدستور، نجده لم يتضمن مصطلح "التقاعد" لأن المادة 115/2 تنص على أن : "القانون يحدد ... والتعويضات التي تدفع للنواب وأعضاء مجلس الأمة"، لذلك قرر بأن تحذف عبارة "التقاعد" من مضمون نصوص المواد 14، 15، 23 من هذا القانون معبرا بذلك على أن : "اعتبار أن الأساس الدستوري المعتمد عليه لا ينطبق على المواد 14، 15، 23 من هذا القانون، المعروضة على المجلس الدستوري للفصل في مدى دستوريتها، بل تقتصر على تعويضات البرلمانيين فقط، مما يستوجب استثناء نظام التقاعد من مجال هذا القانون".
إلا أنه مهما يكن التفسير الذي سيضفيه المجلس الدستوري على رقابة القوانين، إلا أن ذلك ليس معناه أنه سيعطي حرية أكثر للبرلمان في التشريع 1، بحيث يظهر من قراره الصادر في 30 أوت 1989 المتعلق بالقانون الأساسي للنائب، عندما عبر في إحدى حيثياته على ضرورة الاهتمام بالمصطلحات، فقرر عند رقابة دستورية نص المادة 13، أنه بإمكانها أن تحدث أوضاع مضرة، وذلك بلزوم استقلالية كل جهاز دستوري، لاستعمالها عبارة غامضة وغريبة عن المصطلحات الدستورية، لذلك يوصي في حيثيته بأنه : "نظرا لكون مفهوم الهيئات السامية غريب عن المصطلحات الدستورية المعمول بها، وأنه يعود للأجهزة الدستورية أن تظل يقظة فيما يخص إجراءات التعاون بين الأجهزة".
لكن ليس معنى هذا أن المجلس الدستوري حتى يقيد السلطة التشريعية في مهمة التشريع يتوقف على المراقبة الحرفية لنصوص الدستور؛ بل يعتمد -حتى بالنسبة للقوانين العادية- على التفسير الواسع للدستور، ما دام أن غالبية قراراته وآرائه الخاصة بالقوانين تتعلق بتنظيم وسير السلطات في الدولة، كالانتخابات والقانون الأساسي لمحافظة الجزائر الكبرى ...، والتي تستلزم التوسيع في التفسير خاصة عندما يكون أمام غياب نصوص صريحة في الدستور تتعلق بأي حكم من أحكام القانون المعروض عليه، ما دام الدستور يكتفي بوضع الخطوط الرئيسية أو الإطار العام للقواعد القانونية دون تفصيلها، فكلما جاءت عبارات الدستور على نحو أكبر من العموم والغموض كلما اتسع نطاق السلطة التقديرية الممنوحة للسلطة التشريعية، ويتسع كذلك بالضرورة نطاق الرقابة التي يمارسها المجلس الدستوري 1،هذا ما دفع أساتذة القانون إلى اعتباره (المجلس الدستوري) أنه يقوم بعمل تشريعي، ويرون أنه يكون بمثابة مشرع إضافي 2 إلى جانب البرلمان، بل هناك من بالغ حين اعتبر أن تفسير الدستور للكشف عن المخالفة المستترة للقوانين تجعله يحل محل ليس المشرع فحسب بل محل المشرع أو المؤسس الدستوري ما دام أنه تعدى إطار الدستور، وهو أمر صرح المجلس الدستوري عن رفضه له في قراراته وآرائه، منها قراره المؤرخ في 28 أكتوبر 1991 المتعلق بالفقرة الثانية من المادة 54 من القانون رقم 91/17 المعدل والمتمم لقانون رقم 89/13 المؤرخ في 7 أوت 1989 المتضمن قانون الانتخابات بحيث جاء في إحدى حيثياته أن : "... ليس من اختصاص المجلس الدستوري التدخل في تحديد الشروط القانونية الخاصة بممارسة الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين، إلا انه يعود إليه بصفة خاصة السهر على مطابقتها للمبادئ الدستورية".
إلا أن الوقوف عند التعارض الصريح بين نصوص الدستور والقانون موضوع الإخطار يجعل من دور المجلس الدستوري بسيط، بل أنه كما يرى "بيردو" يكون تدخله لا يجدي شيئا1 مادام أن السلطة التشريعية ليست من السذاجة التي تجعلها تخالف الدستور وتكون مخالفتها واضحة وصريحة، فاللجان البرلمانية والأجهزة الفنية الأخرى التابعة للبرلمان تحاول بدهاء أن تجعل من النص التشريعي ظاهره الصحة وباطنه الفساد والمخالفة للدستور، فالكشف عن هذه المخالفة الدستورية يحتاج إلى البحث في أعماق النص وليس الوقوف عند الظاهر2.
ومن خلال مهمة التفسير يستطيع الكشف عن الطبيعة الحقيقية للنصوص التشريعية فيما إذا كانت تنطوي في داخلها على مخالفة لنص من نصوص الدستور أو لروحه حتى ولو كان الظاهر صحيحا 3، وهو بذلك يدفع المجلس الدستوري إلى التوسع في تفسير نصوص الدستور ففي قراره المؤرخ في 20 أوت 1989 المتعلق بقانون الانتخابات عند مراقبته نص المادة 191 فقرة 1و2 يظهر أنه توسع في التفسير، فقد اعتبر أن هاتين الفقرتين تضعان شروط تقديم المترشحين للانتخابات التشريعية، في حين أن الاختيار المتروك للمترشحين لا يعد مخالف لروح الدستور مما يجعلهما مطابقتين للدستور، بحيث عبر في الحيثية التالية صراحة: "غير أن المجلس الدستوري يعتبر أن الفقرتين الأولى والثانية من المادة 91 تطرحان شروط تقديم المترشحين للانتخابات التشريعية، وأن الاختيار المتروك لمترشحين ليس من طبيعته أن يحدث أوضاعا مخالفة لروح الدستور ونصه ...".
غير أنه يظهر التوسع أكثر في التفسير عندما يجعل المبادئ العامة مرجعا له في رقابة الدستورية وهو ما سوف نتطرق إليه بالتفصيل في المطلب الموالي.
هذا وسلطة المجلس الدستوري في رقابة القوانين العادية والعضوية تكون على جميع نصوص القانون وأحكامه، لكن تجدر الإشارة إلى أنه إذا كان بالنسبة للقانون العضوي لم يرد نص صريح لا في الدستور ولا في النظام الداخلي للمجل الدستوري يجعل الرقابة خاصة وجوبا لكل نصوص هذا القانون، لكن عند التمعن في نص المادة 2 من النظام الداخلي نستنتج أنها (الرقابة) تكون على كامل نصوص القانون، لأن المادة 2 تنص على أنه: "إذا صرح المجلس الدستوري أن القانون المعروض عليه يتضمن حكما غير مطابق للدستور ولا يمكن فصله عن باقي أحكام هذا القانون لا يتم إصداره"، وبذلك لا يمكنه التحقق أن هذا الحكم لا يمكن أن يفصل على باقي أحكام القانون إلا بعد الإطلاع على باقي هذه الأحكام.
وللتأكد من أنه ليس مجرد إطلاع ولا يتعلق برقابة الدستورية، لجأنا إلى فحص كل أراء المجلس الدستوري الخاصة بالقانون العضوي، ولاحظنا أنه رغم عدم تضمين رأي المجلس رقابة كل نصوص القانون إلا أن رأيه يضم أغلب النصوص القانونية، فعند الرجوع إلى رأي المجلس الدستوري الخاص برقابة القانون العضوي الخاص بمحكمة التنازع لاحظنا أنه تضمن فحص المادة 7 والمادة 8 من القانون، إذا هنا لا يمكن أن نتصور أن يراقب المادتين 7، 8 ولا يتوقف ليفحص نص المادة 6.
وما يؤكد قولنا، أنه عند تفحص منطوق أراء المجلس الخاصة بالقوانين العضوية نجدها كلها تضم العبارة التالية في مؤخرة المنطوق : "تعد باقي أحكام القانون العضوي مطابقة للدستور"، وهكذا تأكد اعتبار أن رقابة القانون العضوي تتعلق وتضم كل أحكام ونصوص القانون.أما بالنسبة للقوانين العادية الأمر يظهر مختلف، إذ أن نص المادة 7 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري تجعلنا نستنتج أن يكون المجلس ملتزم بنص الإخطار، لأنه في بعض الحالات لا يتعلق الأمر بإخطار كل نصوص القانون بل بمادة فقط من مواده، كما هو الحال بالنسبة للرأي الذي قدمه المجلس الدستوري بناءا على إخطار رئيس الجمهورية حول دستورية المادة 2 من الأمر المتعلق بالتقسيم القضائي المصادق عليه من طرف المجلس الوطني الانتقالي بتاريخ 6 جانفي 1997، بل قد يتعلق بفقرة من المادة كما هو الحال في القرار الذي أصدره المجلس الدستوري في 28 أكتوبر 1991 الخاص بدستورية الفقرة 2 من المادة 54 من القانون رقم 91/17 الذي يعدل ويتمم قانون الانتخابات، وكذلك في القرار المؤرخ في 6 أوت 1995 المتعلق بدستورية البند السادس من المادة 108 من قانون الانتخابات، وقد يتعلق الأمر برقابة دستورية كل القانون كما هو الحال بالنسبة لإخطار المجلس الدستوري من طرف رئيس الجمهورية لرقابة دستورية القانون الأساسي الخاص بمحافظة الجزائر الكبرى، والذي أقر المجلس في قراره المؤرخ في 27 فيفري 2000 عدم دستوريته.
غير أنه بالرغم من كون المجلس ليست له الصلاحية لمنع إصدار قانون أو إلغائه إذا كان يضم حكم مخالف للدستور وكان -هذا الحكم- لا يمكن فصله عن باقي أحكام الدستور كما هو الحال بالنسبة للقوانين العضوية، إذ يلزم بإعادة النص إلى الجهة المخطرة؛ لكن التساؤل هنا أيضا يكمن في أنه: كيف يمكن للمجلس أن يحكم بأن هذا النص موضوع الإخطار لا يمكن فصله عن باقي أحكام النص إذا لم يمتد فحصه إلى باقي النص؟، وبالتالي يكون له ما يسمى بحق التصدي لباقي النصوص طبقا لما نصت عليه المادة 8 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري التي تنص على : "إذا اقتضى الفصل في دستورية حكم التصدي لأحكام أخرى لم يخطر بشأنها المجلس الدستوري ولها علاقة بالأحكام موضوع الإخطار ...".
لكن حتى يجوز التصدي، لا يكون ذلك -حسب نص المادة- إلا في الأحكام التي لها علاقة بالنص الذي أخطر بشأنه، وحتى في الحالة التي يرى فيها المجلس الدستوري أن بنية النص القانوني تصبح دون معنى سيرجع ويعيد عرض الأمر على الجهة المخطرة 1، التي تكون لها كامل الحرية إما في إقراره رغم عدم دستوريته أو إلغائه، هذا الذي يجعل دور المجلس الدستوري ناقص الفعالية في رقابة دستورية العادية.
وتجدر الإشارة، أن ما ينتج عن رقابة القوانين العادية والعضوية نفس الحكم، إذ انه في جميع الحالات يحكم المجلس بدستورية النص القانوني إذا تأكد من دستوريته عند الرقابة كما له أن يحكم بإلغاء النص ومحو أثره نهائيا إذا قدر المجلس أن فيه حكم مخالف للدستور فيحكم بعدم دستوريته؛ إلا أنه ونظرا لما له من سلطات واسعة في الرقابة، يجوز له أن يعدل أو يصحح القواعد القانونية، أي أنه في هذه الحالات لا يحكم بعدم الدستورية بل يعطي بديل للحكم أو النص المعيب.
غير أنه، في بعض الحالات يحكم المجلس الدستوري بدستورية نص لكن بتحفظ، بمعنى أن يضع شروط عوض الإلغاء، ويتميز هذا التحفظ الذي يحكم به المجلس بكونه طابع إلزامي بحيث حكم به المجلس الدستوري في آراءه، منها رأيه المؤرخ في 20 أوت 1989 المتعلق بالانتخابات، فعند فحصه ونظره لنص المادتين 82 و85 الخاصة بمنع المترشحين الذين يؤدون وظائف معينة لا يمكنهم الترشح لمهمة انتخابية مدة ممارسة مهامهم إلا بعد سنة من إنهاء مهامهم، ولكن ذلك لا يكون خاصا إلا بدائرة الاختصاص التي مارسوا وظائفهم فيها،و جاء في حيثية الرأي (رأي المجلس الدستوري) أنه : "أية قراءة أخرى تقضي إلى توسيع هذا المطلب الأخير إلى كل دوائر الاختصاص التي سبق لهم أن مارسوا وظائفهم بقول تمييزي لا يستند إلى أساس، وبعد هذا التحفظ تبين أن أحكام المادتين 82 و85 المذكورين لا مساس لهم بأي حكم دستوري"، وجاء في منطوق هذا الرأي أنه : "تحت طائلة التحفظات ... يصرح بأن المواد 82 85 من قانون الانتخابات مطابقة للدستور".
بقي أن نتساءل في الأخير فيما إذا كانت كل النصوص التشريعية تصلح أن تكون موضوع إخطار أمام المجلس الدستوري ؟ أم أنها محددة كما هو الحال في تونس 1 ؟
إن المادتين 165/1 من دستور 1996، وكذا المادة 169 التي تضمنت دستورية القوانين جاءت شاملة، فلم تميز بين القوانين التي يصادق عليها البرلمان 2، والتي تكون بناءا عل مبادرة رئيس الحكومة، أو تلك المشاريع التي يتولى النواب اقتراحها 3، طبقا لنص المادة 119 من دستور 1996 ودون أن تضع المادتين (165، 169) شروطا لذلك.
إلا أنه لابد أن نشير إلى أن هذه الرقابة لا تمتد إلى القوانين التي يسنها الشعب بواسطة الاستفتاء ما دامت تعبرعن السيادة الوطنية طبقا لما تنص عليه المادة 7/ 3 تنص صراحة على أن : "يمارس الشعب هذه السيادة عن طريق الاستفتاء ..."4.
ويظهر تأكيد استبعاد القوانين الناشئة عن استفتاء الشعب، عندما ينظر المجلس الدستوري في مدى صحة التعديل الدستوري طبقا لنص المادة 175، بحيث يكون عرض مشروع القانون الخاص بالتعديل الدستوري قبل أن يطرحه رئيس الجمهورية لاستفتاء 5 الشعب وليس بعده وإلا سوف يتعدى المجلس على إرادة الشعب ويعلو عليها، وهو أمر مخالف للدستور 6 لا يمكنه أن يقدم عليه ما دام هو المكلف أصلا بالسهر على احترام الدستور طبقا لنص المادة 163 من دستور1996، إلا أنه حتى وإن أقر المجلس الدستوري في رأيه بعدم صحة التعديل الدستوري لأنه يمس بالضوابط والمبادئ التي نصت عليها المادة 175، وعرض هذا المشروع على الشعب ووافق عليه، فإن حكم الشعب في هذه الحالة يكون أقوى وأعلى من رأي المجلس الدستوري، لأن الشعب أعلى من كل المؤسسات والسلطات7.
فإذا كان هذا الأمر مفروغ منه بالنسبة للقوانين الناشئة عن الاستفتاء، فما هو الحكم بالنسبة للأوامر؟ أو بتعبير آخر، هل تخضع الأوامر لرقابة المجلس الدستوري ؟
الأصل أن السلطة التشريعية تتولاها غرفتي البرلمان، أي المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة طبقا لنص المادة 98/ 1 من دستور 1996؛ غير أنه لرئيس الجمهورية أن يصدر أعمالا تتمتع بما تتمتع بع القوانين من قوة ملزمة 1، فالدستور الجزائري يعترف كغيره من دساتير الدول التي تعترف بهذه السلطة لرئيس الجمهورية مع اختلاف في التسمية إذ يسميها بـ "الأوامر" في حين تسمى في الدستور المصري بـ "القرارات" التي لها قوة القانون" أما الدستور الكويتي 2 فيسميها بـ "التشريع بقانون" والفرنسي أسماها بـ "Les ordonnances".
تعد الأوامر بمثابة أعمال قانونية استثنائية، لأنها تصدر عندما يتطلب الأمر تدابير مستعجلة، ولم يكن البرلمان بغرفتيه منعقدا، أي خارج دورتي البرلمان، أو في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني طبقا لنص المادة 124/ 1 و4، أما كونها مشروطة، فذلك أن الدستور يشترط أن تعرض كل النصوص المتخذة على كل غرفة من غرفتي البرلمان في أول دورة لها وتكون لاغية إذا ما رفض البرلمان المصادقة عليها طبقا لنص المادة 124/ 2،3 من الدستور.
أما بالنسبة لعرضها على المجلس الدستوري، فإن دستور 1963 أقر في مادته 64 أن الأوامر التشريعية تخضع لرقابة الدستورية من طرف المجلس؛ إلا أن دستوري 1989 و1996 لم يعترفا صراحة بهذا الاختصاص للمجلس الدستوري، فإذا كان هذا الأمر أكثر منطقية في دستور 1989 لأنه لا توجد ولا مادة في الدستور تنص صراحة على أن يصدر رئيس الجمهورية الأوامر3 ، غير أن دستور 1996 نص على الأوامر في المادة 124 المشار إليها أعلاه وكذا المادة 179، إلا أن اختصاصات المجلس الدستوري بقيت كما كانت عليه سابقا في دستور 1989، وبقيت المواد الخاصة باختصاصات المجلس خالية من الإقرار صراحة على مراقبة المجلس الدستوري لدستورية الأوامر، فهل معنى ذلك أنها تخرج عن إطار عمل المجلس الدستوري أم ماذا ؟
بالرجوع إلى نص المادة 169 من دستور 1996 استعمل المؤسس الدستوري عبارة "النصوص التشريعية" بخلاف نص المادة 165التي نصت على: "رقابة القوانين" و"التنظيمات" يبدو أن المؤسس الدستوري أراد في نص المادة 169 أن يضم الأوامر إلى رقابة المجلس الدستوري، فتكون بذلك الرقابة منصبة على كافة التشريعات على اختلاف أنواعها ومراقبتها سواء أكانت تشريعات أصلية صادرة من السلطة التشريعية، أو تشريعات فرعية صادرة عن السلطة التنفيذية، هذا فضلا على أنه إذا كان المؤسس الدستوري يعترف للمجلس الدستوري برقابة التنظيمات الأدنى مرتبة والقوانين الأعلى مرتبة، فأولى أن يعترف له برقابة دستورية الأوامر (كما هو الحال في فرنسا) .
لكن عند تفحص قرارات وآراء المجلس الدستوري، وجدنا أن هناك أوامر خضعت لرقابته منها :
1 ـ الأمر المتعلق بالتقسيم القضائي المصادق عليه من طرف المجلس الوطني الانتقالي بتاريخ 6 جانفي 1997 بموجب رأي 19 فيفري 1997.
2 ـ الأمر المتضمن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية بموجب رأي 6 مارس 1997.
3 ـ الأمر المتعلق بنظام الانتخابات بموجب رأي 6 مارس 1997.
لكن المثير للانتباه، أنه لا يعتمد على نص المادة 169 (التي افترضنا أن هذا الاختصاص للمجلس الدستوري يستند عليها)، بل يعتمد على مواد خاصة بالقانون، أي المادة 123، وهي تلك الخاصة بالأوامر المتضمنة القوانين العضوية، وكذلك الخاصة بالقوانين والتنظيمات طبقا لنص المادة 165، وتلك الخاصة بالأوامر هي المادة 179 بالرغم من أن هذه الأخيرة لا تعترف له صراحة برقابة الدستورية بل تنص على التشريع المؤقت بموجبها (أي بموجب الأوامر)، في حين وجدناه يعتمد على نص المادة 163 من الدستور التي تعطيه (للمجلس الدستوري) اختصاص السهر على احترام الدستور، لأنه إذا كانت هذه النصوص ستكسب صفة القانون إذا ما أصدرها البرلمان يجب أن لا تكون مخالفة للدستور.
• الإخطار الوجوبي للقوانين العضوية :
بالرغم من أن القوانين العضوية فكرة مستوحاة من الخارج وارتبط وجودها بتطور سياسي معين وبتقاليد دستورية لبعض الدول، ففي الجزائر لا يعتبر هذا النوع من القوانين نتاجا لمثل هذا المسار، فقد تم إدراجه ضمن الدستور الأخير قصد تجنيب بعض القوانين (أو بعض المواضيع المهمة) التعديلات المتكررة وبخاصة التالية السياسية، مما ينبئ بتهديد الاستقــرار
القانوني وتسيب العمل التشريعي وما يترتب عنه من نتائج1.
إذن لقد أضاف الدستور الأخير ولأول مرة طائفة أخرى جديدة من القوانين وهي "القوانين العضوية"2، وقد حددت المادة 123 من دستور 1996 طائفة من المجالات المخصصة للقوانين العضوية بالإضافة إلى مجالات أخرى حددتها أحكام أخرى في الدستور3.
* ماهية القوانين العضوية:
بالرجوع إلى نص المادة 123 من الدستور وفي فقرتها الأولى فإنها تنص على مايــلي:
"إضافة إلى المجالات المخصصة للقوانين العضوية بموجب الدستور يشرع البرلمان بقوانين عضوية في المجالات الآتية :
ـ تنظيم السلطات العمومية وعملها،
ـ نظام الانتخابات،
ـ القانون المتعلق بالأحزاب السياسية،
ـ القانون الأساسي للقضاء والتنظيم القضائي،
ـ القانون المتعلق بقوانين المالية،
ـ القانون المتعلق بالأمن الوطني".
وبإلاضافة إلى هذه المجالات التي حددتها المادة 123 من الدستور، هناك مجالات أخرى مخصصة للقوانين العضوية، كتحديد كيفيات انتخاب النواب وكيفيات انتخاب أعضاء مجلس الأمة أو تعيينهم4، أو اشتراط استخلاف النائب أو عضو مجلس الأمة في حالة شغور مقعده5.
وبالتالي، فإن هذه القوانين صادرة عن البرلمان الذي يشرع فيها وحده، وأن مواضيعها متعلقة سواء بالنظم أو بالهيئات الدستورية وتنظيمها، حيث تخضع لإجراءات إصدار خاصة كما تخضع وجوبا لرقابة المطابقة الدستورية المسبقة من طرف المجلس الدستوري قبل دخولها حيز النفاذ، وهذا نظرا لأهمية المجالات التي تكون موضوع هذه القوانين العضوية لضمان استقرار أكثر لها واحترامها 1، مما يجعل المجلس الدستوري يتأكد من مطابقتها للدستور قبل إصدارها حتى لا تكون موضوع رقابة لاحقة قد تؤدي إلى إلغائها.
وما تجدر الإشارة إليه التمعن في نص المادة 165/2 من دستور 1996، التي ذكرت عبارة "في دستورية القوانين العضوية" عوض عبارة "مطابقة القوانين العضوية" ،في حين نجد أن النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري فرق بين الرقابتين، حيث أفرد الفصل الأول "لرقابة المطابقة المتعلقة بالقوانين العضوية والأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان"، أما الفصل الثاني فخصه "لرقابة دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات" -كما ذكر ذلك أعلاه- وبالتالي كان على المؤسس الدستوري مسايرة منطوق المادة 123/4 من الدستور2 المتعلقة أصلا بالقوانين العضوية3 باستعمال عبارة "مطابقة القوانين العضوية للدستور".
والملاحظ على الفقرة الثانية من المادة المذكورة سابقا (م.123)، هو أن طريقة المصادقة على القوانين العضوية تختلف عن تلك الخاصة بالقوانين العادية، بحيث تتم المصادقة على القانون العضوي بالأغلبية المطلقة للنواب (المجلس الشعبي الوطني) وبأغلبية ثلاثة أرباع 4/3 أعضاء مجلس الأمة، إضافة إلى خضوعها الإلزامي والسابق عن إصدارها ودخولها حيز النفاذ لرقابة المطابقة الدستورية (من طرف المجلس الدستوري)، وذلك بعد الإخطار الوجوبي من قبل رئيس الجمهورية لتحال على المجلس الدستوري.
وقد ورد في نص المادة الأولى من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري مايلي:
"يفصل المجلس الدستوري في مطابقة القوانين العضوية للدستور قبل صدورها طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 123 من الدستور برأي وجوبي بعد أن يخطر رئيس الجمهورية طبقا للفقرة الثانية من المادة 165 من الدستور خلال الأجل المحدد في الفقرة الأولى من المادة 167 من الدستور".
فالملاحظ أنه قبل أن يتم إصدار القوانين العضوية وبعد الموافقة عليها من طرف البرلمان حسب الأغلبية المطلوبة دستوريا، يقوم رئيس الجمهورية بإخطار المجلس الدستوري وجوبا، وليقوم هذا الأخير بفحص مدى مطابقة هذه القوانين للدستور، على أن يصدر المجلس رأيه وجوبا خلال 20 يوما المحددة دستوريا، ويكون رأيه ملزما1.
إذن، فالمجلس الدستوري عندما يفحص مدى مطابقة القوانين العضوية للدستور، فهو يفحص ذلك من حيث الإجراءات التي تمت فيها الموافقة على هذه القوانين التي جرت كما نص عليا الدستور، والموافقة عليها تمت بالأغلبية المطلوبة في الدستور، وأيضا، يفحص إن كان محتوى هذه النصوص القانونية ضمن المواضيع التي خول الدستور للبرلمان التشريع فيها بقوانين عضوية، وفحص أيضا إن كانت هذه النصوص في حد ذاتها غير مخالفة للمبادئ الدستورية القائمة.
فإذا صرح المجلس الدستوري أن حكما غير مطابق للدستور، ولا يمكن فصل هذا الحكم عن باقي أحكام القانون العضوي المعروض عليه، فإنه لا يتم إصدار هذا القانون 2، نظرا لأنه ليس من المنطقي ولا من المعقول إصدار قانون رفض وحكم فيه بعدم مطابقته للدستور، وأن هذا الحكم له ترابط مع الأحكام السابقة والتي تليه لما قد يؤدي إلى إصدار ناقص غير متوازن ومعيب.
بالإضافة إلى أنه في حالة ما إذا صرح المجلس الدستوري أن القانون المعروض عليه يتضمن حكما غير مطابق للدستور، ولكن لم يلاحظ بأن الحكم المعني لا يمكن فصله عن باقي أحكام هذا القانون، أي أنه لم يرى أن فصل هذا الحكم (عن الأحكام الأخرى للقانون العضوي) يؤدي إلى نقص في القانون المعروض أو إخلال بمحتواه، ففي هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية إصدار هذا القانون دون الحكم الذي ارتأى المجلس عدم مطابقته للدستور، أو أن يطلب من البرلمان قراءة جديدة للنص لاستدراك الحكم غير المطابق للدستور واستخلافه بحكم آخر، على أن يعرض الحكم المعدل على المجلس الدستوري مرة أخرى لمراقبة مدى دستوريته3.
لابد من الإشارة، بأن نطق المجلس الدستوري بعدم مطابقة بعض الأحكام للدستور، دفعه في الكثير من الأحيان إلى تصحيحها، بل وإلى إعادة كتابتها وتحريرها من جديد، ومثل هذه العملية غير منصوص عليها لا في الدستور ولا في النظام الذي يحدد إجراءات عمله،و في الحقيقة -بعمله هذا- فإنه يكون قد قام بتعديل محتوى ومضمون بعض الأحكام التشريعية، وفي هذا المسار يستعمل الآلية المعروفة "بالتحفظات"، فمن دوره كهيئة تتكفل بمراقبة دستورية القوانين، انقلب دون سابق إنذار إلى هيئة تتولى التشريع، وبهذا يظهر أن المجلس الدستوري لا يقف عند مراقبة القوانين والنطق بعدم دستوريتها وعدم مطابقتها فقط، وإنما يتعدى إلى حد أخذ مكان المشرع نفسه1.
يقابل تسمية القوانين العضوية مصطلح Lois Organique في النظام الفرنسي، وهي كذلك القوانين الصادرة عن البرلمان، لكن موضوعها يكون دائما أمرا متعلقا بالنظم أو بالهيئات الدستورية، وهذه القوانين تناولتها نصوص عدة من دستور سنة 1958 الفرنسي، و من ذلك على سبيل المثال أن المادة السادسة من الدستور تضمنت النص على أن طريقة انتخاب رئيس الجمهورية بقانون أساسي، والرقابة على دستورية القوانين الأساسية في النظام الفرنسي تعد رقابة وجوبية أيضا، حيث ألزمت المادة 46 من دستور 1958 ضرورة أن تعرض هذه النوعية من القوانين على المجلس الدستوري حتى يتم الاستيثاق من كونها متوافقة مع أحكام الدستور وذلك قبل إصدارها.
فليس للمجلس الدستوري أن يتصدى تلقائيا لفحص دستورية القوانين الأساسية، بل تتم إحالة هذه القوانين على المجلس بواسطة رئيس الوزراء، ولكنه في نفس الوقت لا يتمتع رئيس الوزراء2 في هذا الأمر بأية سلطة تقديرية، ومفاد ذلك، أنه يتعين وجوبا على رئيس الوزراء أن يحيل إلى المجلس الدستوري القوانين الأساسية كافة لفحصها، ولعل السبب في ذلك مرجعه أن المادة 46 من الدستور أكدت في فقرتها الأخيرة أن القوانين تصدر إلا بعد أن يعلن المجلس الدستوري أنها مطابقة للدستور، هذا وأن رئيس الوزراء هو الذي يضطلع بهذا الأمر، وأنه لا يملك في هذا الشأن سلطة تقديرية، ومع ذلك فإن رئيس الوزراء سبق له أن فوض لوزير العدل هذا الأمر.
وبالتالي حينما يحال القانون الأساسي للمجلس الدستوري، فإن هذا الأخير يضطلع بفحص مدى دستورية كافة نصوصه بغرض الوقوف على مدى مطابقتها لأحكام الدستور من عدمه، سواء كان ذلك من الناحية الشكلية أم من الناحية الموضوعية كما هو الحال بالنسبة للمجلس الدستوري الجزائري عندما يفحص مطابقة القوانين العضوية للدستور.
الفرع الثاني: رقابة دستورية التنظيمات وأوامر رئيس الجمهورية
أولا: بالنسبة للتنظيمات
تنص المادة 165 من دستور 1996 على أن المجلس الدستوري يفصل أيضا في دستورية التنظيمات، فقد يحتمل أن تمتد يد السلطة التنفيذية وهي تمارس السلطة التنظيمية إلى المجال التشريعي الذي هو من اختصاص البرلمان طبقا لأحكام الدستور، هذه السلطة التنظيمية المخولة للسلطة التنفيذية بموجب المادة 125 من دستور 1996 والتي تنص على مايلي:
"يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون. يندرج تطبيق القوانين في المجال التنظيمي الذي يعود لرئيس الحكومة".
حسب الفقرة 1 من المادة المذكورة أعلاه "يمارس رئيس الجمهورية للسلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون"، فإن صياغة النص على هذا النحو تترك مشكلة تحديد مجال ممارسة هذه السلطة التنظيمية مطروحة كلية، أو بتعبير آخر كيف تتحد المسائل غير المخصصة للقانون والتي تشكل المجال التنظيمي الخاص برئيس الجمهورية ؟ في الواقع لا يمكن تحديد هذا المجال إلا عند معرفة المسائل المخصصة للقانون أي مجال السلطة التشريعية ويفرض هذا المسعى التقنية ذاتها التي اتبعا المشرع في تحديد مجال كل من السلطتين التشريعية والتنظيمية1.
يجدر بنا إذن تحديد مجال السلطة التشريعية لنصل بعد ذلك إلى مجال السلطة التنظيمية.
1 ـ مجال السلطة التشريعية :
يتحدد مجالها طبقا لعدد من الأحكام الدستورية يأتي في مقدمتها نص المادة 122 الذي بمقتضاه يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور.
وفضلا عن هذا المبدأ العام يضيف النص المذكور أن البرلمان يشرع كذلك في عدد من المواد ذكرها صراحة وحصرها في 30 بندا.
ويميز هذا النص بين قائمتين من المواد، الأولى مخصصة للبرلمان الذي يعود له وحده تحديد القواعد المتعلقة بالمواد التي تتضمنها، ومثالها حقوق الأشخاص وواجباتهم الأساسية لا سيما نظام الحريات العمومية وحماية الحريات الفردية وواجبات المواطنين،و الضمانات الأساسية للموظفين ...، أما القائمة الثانية فيكتفي فيها البرلمان بتحديد القواعد العامة، ومثالها: "القواعد العامة المتعلقة بالتعليم والبحث العلمي"، "القواعد العامة المتعلقة بالصحة العمومية والسكان"، "القواعد العامة للإجراءات المدنية وطرق التنفيذ". ومعنى ذلك أن البرلمان بالنسبة لهذه المواد لا يضع إلا القواعد العامة تاركا القواعد التفصيلية للسلطة التنفيذية.
ولكن، هذه الأخيرة تتدخل بمقتضى مهمتها العامة في تنفيذ القوانين حتى بالنسبة لمواد القائمة الأولى، فطبقا للفقرة الثانية من المادة 125 من الدستور والتي نصت على "يندرج تطبيق القوانين في المجال التنظيمي الذي يعود لرئيس الحكومة"، فإن التفرقة بين القائمتين تكاد تكون مجرد تفرقة نظرية محدودة الفائدة عمليا، إلى جانب هذا النص العام وطبقا له، يتحدد أيضا المجال الخاص بالسلطة التشريعية بنصوص أخرى نذكر منها نص المادة 123 من الدستور،حيث يخول للسلطة التشريعية وحدها التشريع بقوانين عضوية في المجالات التي تخضع لهذا النوع من القوانين والتي ذكرت هذه المادة أهمها.
2 ـ مجال السلطة التنظيمية :
طبقا لنص المادة 125 من الدستور السالفة الذكر، فإن السلطة التنظيمية يمارسها رئيس الجمهورية في المسائل غير المخصصة للقانون، أي الخارجة عن مجال السلطة التشريعية ونظرا لكون اختصاصات هذه الأخيرة واسعة جدا، فان مجال التنظيم يضيق بنفس القدر، ومع ذلك تثور بشأن تقسيم المجال بين السلطة التشريعية والتنظيمية على الصعيد النظري مشكلة الوقوف عندها، فصيغة النصين المحددين لمجال كل من السلطتين توحي برغبة واضحة في تقليص مجال النصوص ذات القيمة التشريعية، وتوسيع مجال النصوص ذات القيمة التنظيمية والتي يطلق عليها التنظيمات القائمة بذاتها اعتبارا إلى عدم استنادها لأي نص تشريعي.
ولكن التساؤل الذي يطرح حول رقابة دستورية التنظيمات 1هو: هل يقع على التنظيم المستقل (القائم بذاته) والذي هو من صلاحية رئيس الجمهورية أو على التنظيم التكميلي، الذي هو من صلاحية رئيس الحكومة ؟ فإذا استندنا إلى تصريحات الأمين العام للمجلس الدستوري "أحمد بن هني" 2، الذي يرى أنه من الأحرى أن يمارس المجلس الدستوري رقابته على النصوص الكاشفة أو المبينة للتنظيم المستقل، على أن يمارس على النصوص التي تطبق القوانين الموافقة عليها من طرف البرلمان، لأن هذه الأخيرة تكشف عن الرقابة الشرعية أكثر منها عن الرقابة الدستورية1.
ثانيا : بالنسبة لأوامر رئيس الجمهورية
وفضلا عن التنظيمات المستقلة أو القائمة بذاتها التي تعتبر مجالا خاصا تستقل به السلطة التنفيذية ولا تستند فيه للتشريع، يمكن لرئيس الجمهورية طبقا لدستور 28 نوفمبر 1996 أن يشرع بأوامر في المجال المخصص بمقتضى الدستور للسلطة التشريعية، وقد اختلف الأمر فيما يخص منح هذه السلطة الاستثنائية من دستور لآخر، فإذا كان دستور 22 نوفمبر 1976يعترف بموجب المادة 153 منه لرئيس الجمهورية بحق التشريع بأوامر فيما بين دورة وأخرى للمجلس الشعبي الوطني، فإن دستور 23 فبراير 1989 قد تخلى عن هذا الطريق، إذ لم يبق لرئيس الجمهورية - وفقا له - غير أعمال السلطة التنظيمية في حدود المجال المخول له بمقتضى الدستور2.
ويخضع التشريع بأوامر طبقا للدستور الحالي إلى عدد من القواعد لابد من احترامها كما يفترض أن يجد اختيار هذه الوسيلة مبررات في الواقع من أجل معالجة المسائل العاجلة التي لا تحتمل انتظار السلطة التشريعية من أجل تنظيمها3.
فطبقا لنص المادة 124/1 من الدستور الحالي، لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو بين دورتي البرلمان، يقتضي هذا النص التفرقة بين وضع عادي تماما حيث يكون المجلس الشعبي الوطني قائما، ووضع استثنائي نوعا ما تمثله حالة شغور المجلس الشعبي الوطني، فحق رئيس الجمهورية في التشريع بأوامر في الحالة الأولى مقيد من حيث الزمان، إذ لا يمكنه ممارسته إلا بين دورتي البرلمان، ومن المعلوم أن هذا الأخير يجتمع في دورتين كل سنة لا تقل الواحدة منهما عن أربعة أشهر، فضلا عن الدورات غير العادية إذا ما تحققت شروطها طبقا لنص المادة 118 من الدستور، مما يجعل المجال الزماني للتشريع بأوامر ينحصر في حدود مدة أقصاها أربعة أشهر سنويا، يمكن أن تقلص بمدة الدورة غير العادية إن حصلت.
أما في الحالة الثانية، فإن المجال الزماني الذي يشرع من خلاله رئيس الجمهورية بأوامر يبتدئ منذ إعلان حالة شغور المجلس الشعبي الوطني، ويبقى مفتوحا طالما بقيت هذه الحالة قائمة.
إن الأوامر المتخذة في الحالتين يمكنها أن تشمل أي ميدان من الميادين الخاصة بالسلطة التشريعية كما حددها الدستور، وسواء تعلق الأمر بميدان لا يوجد تشريع سابق بشأنه أم بميدان سبق تنظيمه بقوانين أو أوامر، فيأتي الأمر الجديد ليلغي أو يعدل النصوص سارية المفعول في هذا الميدان، لكن الأوامر تخضع لشرط أساسي نصت عليه المادة 124 فقرة ثانية من الدستور والتي طبقا لها: " يعرض رئيس الجمهورية النصوص التي اتخذها على كل غرفة من البرلمان في أول دورة له لتوافق عليها "، ويكمل هذا الشرط الجزء الخطير المتضمن في الفقرة الثالثة من النص المذكور، والتي بمقتضاها: " تعد لاغيه الأوامر التي لا يوافق عليها البرلمان ".
هكذا، وتطبيقا للشرطين سالفي الذكر، وكما يشير الأستاذ "زغلاني" فإن الأمر المتخذ من طرف رئيس الجمهورية يشترط أن تتم موافقة صريحة من البرلمان بعد عرضه عليه، فالمادة 124 من الدستور جاءت واضحة عندما استعملت عبارة "لتوافق عليها". ومن جهة أخرى مهما طالت مدة سكوت البرلمان تجاه الأوامر المعروضة عليه، فإن ذلك لن يؤدي إلى المساس بحقوق وحريات الأفراد طالما الأوامر المتخذة من طرف رئيس الجمهورية في هذه الحالة ولغاية إعلان البرلمان عن موقفه تجاهها صراحة، تعد قرارات إدارية قابلة للطعن فيها قضائيا أمام القاضي الإداري، بالإضافة إلى إمكانية خضوعها للرقابة الدستورية1 .
لكن هذا التغيير الناتج عن عدم تحقق الشروط التي يفرضها الدستور لصحة الأوامر التي يتخذها رئيس الجمهورية لا علاقة له بدخول هذه النصوص حيز النفاذ، فالأوامر تتخذ لتنفذ فورا إثر نشرها في الجريدة الرسمية تماما كالقوانين الصادرة عن البرلمان، لأن الانتظار أكثر يفقد هذه النصوص علة وجودها والتي غالبا ما تكون السرعة والاستعجال مبررا لاتخاذ هذه الأوامر، فبواسطتها يمكن تحقيق ربح معتبر مقارنة بما يمكن أن يستغرقه مشروع القانون الذي يستوجب استنفاذ فترة ما بين الدورتين ومدة المناقشة والتصويت أمام الغرفتين إضافة إلى الوقت الكاف للإصدار والنشر في الجريدة الرسمية، وعليه فإن أوامر رئيس السلطة التنفيذية والتي هي اختصاص أصلي لرئيس الجمهورية 1 تخضع لرقابة الدستورية، فقد يتعدى رئيس الجمهورية ليس فقط على اختصاص السلطة التشريعية نظرا لضرورة ومبررات عملية، وإنما قد تكون هذه الأوامر مخالفة للدستور، وهذا ما يبرر عرضها على الرقابة الدستورية، وبما أن الأغلبية البرلمانية هي الأغلبية الرئاسية، فانه عند عرض هذه الأوامر على البرلمان للموافقة عليها فإنه يصوت عليها بالموافقة، حتى لو كانت مخالفة للدستور، ثم إن كلا من رئيسا غرفتي البرلمان لا يقوما بإخطار المجلس الدستوري، لأنهما من نفس المجموعة السياسية الرئاسية، وبالتالي قد تفوت على المجلس الدستوري فحص دستورية هذه الأوامر وتفلت من رقابته، فإلى يومنا هذا لم يكن أي أمر من أوامر رئيس الجمهورية موضوع إخطار، فلم تخطر أي من الجهات المخولة حق الإخطار المجلس الدستوري ليفحص دستوريته.
وبالرغم من ذلك، فإن إلاشكال يبقى قائما، ويتعلق بالأوامر التي اتخذها رئيس الجمهورية في مجال القوانين العضوية، فهل يجب أن تعرض على المجلس الدستوري بعد موافقة البرلمان عليها عملا بالمادة 123 من الدستور؟ التي اشترطت عرضها على المجلس الدستوري قبل إصدارها. و حسب رأي الأستاذ "مراد بدران" في نفس مقاله السابق 2 فانه يجب أن تحال على المجلس الدستوري عملا بالرأي الذي تعتنقه والمتمثل في أن الأوامر تتحول إلى تشريعات بعد موافقة البرلمان عليها، لذلك يميز بين نوعين من الأوامر تدخل في المجال التشريعي المحدد بمقتضى المادة 122 من الدستور ـ التشريعات العادية ـ وهذه لا يشترط إحالتها على المجلس الدستوري قبل إصدارها، وأوامر تدخل في المجال التشريعي المحدد بمقتضى المادة 123 من الدستور ـ القوانين العضوية ـ وهذه يشترط إحالتها على المجلس الدستوري بعد موافقة البرلمان عليها وقبل إصدارها.
وخلاصة القول، فيما يخص الإخطار الجوازي للمجلس الدستوري لتحريك الرقابة الدستورية، والذي هو مخول للسلطات العامة في الدولة المتمثلة في هيئات ثلاث، رئيس الجمهورية، ورئيسا غرفتي البرلمان، فإن هذا الإخطار يحيل كل من القوانين (النصوص التشريعية)، المعاهدات والتنظيمات وأوامر رئيس الجمهورية على المجلس الدستوري لتكون موضوع الرقابة الدستورية، لكن هذا الإجراء ـ الإخطار ـ اختياري يكون بمبادرة من إحدى الهيئات المذكورة سواء قبل أو بعد دخول هذه النصوص حيز النفاذ.
لكن ما دام أن المؤسس الدستوري الجزائري لم يوسع في الأشخاص المخول لهم حق الإخطار كالأقلية البرلمانية والأفراد، فإن فعالية الرقابة ودور المجلس الدستوري في هذا المجال أمر مردود عليه مما قد يجعل الكثير من هذه النصوص تفلت من رقابة المجلس الدستوري لفحص دستوريتها حتى وإن كانت هذه الأخيرة مخالفة للدستور.
وإضافة إلى نقص في الإجراءات و التي تؤدي بدورها إلى إضعاف فعالية هذه الرقابة سواء كانت رقابة سابقة أو رقابة لاحقة.
وفي هذه الحالة نطرح السؤال التالي: من أي لحظة يمكن فيها للهيئة المختصة إخطار المجلس الدستوري بصدد هذا النص ؟ سواء كانت رقابة لاحقة أو سابقة.
وفي هذه الحالة يكون المجال الزمني لإخطار المجلس الدستوري مفتوح حتى بعد سنين من دخول القانون حيز النفاذ.
الفرع الثالث: مراقبة دستورية النظام الداخلي لغرفتي البرلمان
يسهر المجلس الدستوري على فحص تطابق النظام الداخلي لغرفتي البرلمان مع الدستور وذلك بناء على الفقرة الثالثة للمادة 165 من دستور1996 التي تنص على ما يلي :
" كما يفصل المجلس الدستوري في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور حسب الإجراءات المذكورة في الفقرة السابقة " .
وبالتالي فإن النظام الداخلي لغرفتي البرلمان يخضع لرقابة وجوبية مسبقة بعد إخطار المجلس الدستوري من طرف رئيس الجمهورية وذلك بعد التصويت عليه، ولكن قبل الشروع في تطبيقه يفحصه المجلس للدستور (رقابة المطابقة) خلال الآجال المحددة في الدستور.
وذلك أيضا ما نصت عليه المادة الرابعة من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري، والتي جاء فيها ما يلي :
" يفصل المجلس الدستوري في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور قبل الشروع في تطبيقه برأي وجوبي طبقا للفقرة الثالثة من المادة 165 من الدستور خلال الأجل المنصوص عليه في الفرقة الأولى من المادة 167 من الدستور" .

وتعتبر هذه الرقابة ضرورية، حيث أن اللائحة الداخلية للبرلمان تحدد الإجراءات المتعلقة بتنظيمه وتسييره 1، فمن الطبيعي أن يقوم المجلس الدستوري عند مباشرته لاختصاصات تنظيم عمله وتجسيد صلاحياته بالتحقق فيما إذا كان البرلمان قد احترم المبادئ التي يقررها الدستور أم لا.
وأكد ذلك المجلس الدستوري في رأي أصدره 2، والمتضمن الدراسة الأولى للنظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني، والذي تم عرضه على شكل قانون، وإثر ذلك قام رئيس الجمهورية بإخطار المجلس الدستوري ليعطي رأيه في هذه المسألة، حيث أكد المجلس الدستوري الفرق الموجود بين القانون والنظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني وذلك تكريسا لمبدأ الفصل بين السلطات.
وقد جاء في هذا الرأي ما يلي :
" نظرا لكون محرر الدستور أقام مبدأ الفصل بين السلطات باعتباره أساسيا في تنظيم السلطات العمومية، ونظرا لكون مثل هذا الاختيار يترتب عليه أن كل سلطة لها صلاحية تنظيم عملها الداخلي وضبطه، كما أن هذا المبدأ يتجسد بدقة أكثر فيما يتعلق بالمجلس الشعبي الوطني ضمن أحكام المادة 109 الفرقة الثانية من الدستور ..." .
وعليه فإن المبادرة بالقوانين يكون من اختصاص السلطة التشريعية، أما السلطة التنفيذية فإنها تصدر المراسيم (رئاسية، تنفيذية)، بينما النظام الداخلي للبرلمان هو بمثابة التعبير عن استقلالية السلطة التشريعية، حيث لا يجب أن يوجد أي تدخل للسلطة التنفيذية في ذلك ولا يمكن لها أن تبادر باقتراح مشروع النظام الداخلي للبرلمان.
حول وجوب تلك الرقابة التي يقيمها المجلس الدستوري حينما ينظر في النظام الداخلي للبرلمان، فإن المسألة لم يكن مفصولا فيها إلا بعد إصدار المجلس الدستوري لرأيه 3 وهذا في ظل دستور 1989، حيث تقضي المادة 155 منه وفي فقرتها الثانية: " كما يفصل في مطابقة النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني للدستور... "، والتي يفهم منها وجود خلاف أو نزاع بشان النظام الداخلي، وهو ما يؤكده نظام عمل المجلس الدستوري في المادة 20 التي تقضي بأنه: " إذا أخطر المجلس الدستوري في إطار الفقرة الثانية من المادة 155 من الدستور، يفصل في مطابقة النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني للدستور، خلال الأجل المحدد في المادة 13 أعلاه " .
فالنص يتحدث كذلك عن الإخطار بقوله: "إذا ..." – الاختيارية - التي تفيد أن المجلس لا يتدخل إلا إذا توفر شرط الإخطار وعندها يلتزم بالفصل " يفصل في المطابقة "، بالإضافة إلى أنه من خلال النص الدستوري، نلاحظ عدم وجود نص صريح يلزم رئيس المجلس الشعبي الوطني بتقديم نظامه الداخلي ليخضع لهذه الرقابة، وقد تم فعلا أن أخطر المجلس الدستوري بشأن الموضوع وأدلى برأيه المشار إليه أعلاه حول النص المتضمن قانون النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني 1، لكنه قضى بأنه: " تطبيقا للمادة 155 الفقرة 02 من الدستور فأن مراقبة النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني مع الدستور إلزامية وسابقة لتطبيقه "، ونشير إلى أن رئيس المجلس الشعبي الوطني لم يكن راضيا بالتصريحات التي جاءت في هذا الرأي الذي أصدره المجلس الدستوري، فعلى الرغم من عدم رضاه بذلك إلا أنه قد قام أخيرا بتقديمه وتم ذلك بعد مدة طويلة 2، أي بعد دخول هذا النظام حيز النفاذ والتطبيق.
وفيما يخص هذه الحالة، قام المجلس الدستوري بإصدار قرار وهو القرار رقم ثلاثة الصادر في 18 ديسمبر والمتضمن تطابق النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني والدستور والذي أثير فيه عنصر اللادستورية في نقطة واحدة، والمتعلقة بتنظيم الزيارات التفقدية والميدانية من طرف أعضاء لجان المجلس الشعبي الوطني، ورأى أن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يشكل مساسا بمبدأ الفصل بين السلطات، وبالاستقلالية اللازمة للهيئة التنفيذية 3 .
لكن، بعد المراجعة الدستورية الأخيرة، فإن دستور 1996 جاء واضحا فيما يخص إلزامية ووجوب إخطار المجلس الدستوري ليفصل في مدى مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان مع الدستور، وذلك من خلال الفقرة الثالثة من نص المادة 165.
حيث ذكرت المادة في هذه الفقرة ما يلي : " كما يفصل المجلس الدستوري في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور، حسب الإجراءات المذكورة في الفرقة السابقة".
والملاحظ أن المادة المذكورة أعلاه جعلت من الإلزام أن يخطر رئيس الجمهورية المجلس الدستوري بالنظام الداخلي لغرفتي البرلمان بعد أن يصادق عليه هذا الأخير، حيث أن عبارة: " يبدي المجلس الدستوري ... رأيه وجوبا " تدل على وقوع هذه الرقابة سابقة عن دخول النظام الداخلي لغرفتي البرلمان حيز النفاذ، والمجلس الدستوري عليه أن يبدي رأيه وجوبا ولا يصدر قرارا، كما أن رئيس الجمهورية هو الذي يحق له ممارسة حق الإخطار الوجوبي للمجلس الدستوري، وهذا ما أشار إليه المجلس الدستوري في رأيه المؤرخ في 13 ماي 2000 المتعلق بمراقبة النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني للدستور1.
وتدخل أيضا هذه الرقابة ضمن رقابة المطابقة للدستور، والتي هي رقابة وجوبية لابد أن يقوم بها المجلس الدستوري بعد أن يخطره رئيس الجمهورية قبل الشروع في تطبيق النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان2، وكذلك نفس الإجراء إذا حدث أي تعديل لهذا النظام، وعليه فإن المجلس الدستوري يفحص مدى مطابقة هذا النظام الداخلي للدستور، سواء من حيث إجراءات وضعه ـ إن كانت مطابقة للدستور ـ أو من حيث محتوى نصوصه إن لم تكن مخالفة للنصوص الدستورية، ولا يعتبر هذا التدخل تدخلا في اختصاصات السلطة التشريعية أو اعتداءا على اختصاصها، وإنما هذا راجع لأهمية هذا النظام كونه ينظم أعمال هيئة دستورية تتمتع بسلطة تشريعية في الدولة.
ولكن السؤال الذي نطرحه بهذا الصدد هو: هل يندمج النظام الداخلي للبرلمان ضمن الكتلة الدستورية Le Bloc De Constitutionnalité ؟ وهل يمكن لمن له سلطة الإخطار أن يؤسس طعنه الدستوري على أساس نصوص النظام الداخلي ؟
وهنا نوعين من الإجابة التي يمكن تصورها 1، فالإجابة الأولى تعترف باندماج النظام الداخلي ضمن الكتلة الدستورية على أساس أنه يعتبر النظام امتداد للدستور، والثانية على أنه لا يندمج في الكتلة الدستورية لأنه يبقى مجرد نصوص داخلية تنظم السلطة التشريعية باعتباره نص ذو طابع داخلي، وهذا ما هو معمول به في النظام الفرنسي 2، حيث تقضي المادة 61 فقرة أولى من الدستور الفرنسي لعام 1958 بأن لوائح مجلس البرلمان يتعين وجوبا عرضها على المجلس الدستوري قبل تطبيقها للوقوف على مدى دستوريتها ويطبق هذا الأمر على أية تعديلات يزمع إدخالها على تلك اللوائح.
وبالمقابل، فإن المجلس الدستوري الفرنسي قد أخضع لرقابته اللوائح المنظمة لاجتماع مجلس البرلمان معا في هيئة مؤتمر Règlement du Congrès، وذلك على الرغم من أن المادة رقم 17 فقرة 3 من الأمر رقم 07 نوفمبر 1958 تحدثت عن لوائح تخص إما المجلس الأول أو المجلس الثاني، ولعل السبب الذي حذا بالمجلس الدستوري الفرنسي إلى إخضاع لوائح مجلس البرلمان بهيئة مؤتمر إلى رقابته هو أنه اعتبر أن المادة رقم 61 فقرة 1 من الدستور حينما تناولت موضوع لوائح البرلمان، إنما كانت تعني لوائح كل مجلس على حدى، وفي ذات الوقت تعني اللوائح المنظمة لعمل المجلسين معا في هيئة مؤتمر لأن هذه اللوائح الأخيرة لا تعدو أن تكون لوائح منظمة لعمل البرلمان3.
والسؤال الآن هو : هل في رقابته على لوائح البرلمان يتعين على المجلس الدستوري أن يثبت ما إذا كانت غير متعارضة مع نصوص الدستور فقط ؟ أم أنه يتعين عليه أيضا أن يثبت ما إذا كانت غير متعارضة مع الدستور والقوانين العضوية ؟
إن المجلس الدستوري الفرنسي سبق له أن تصدى لهذه القضية في حكمه الصادر بتاريخ 17، 18، 24 يوليو لسنة 1959، حيث أكد على أن لوائح البرلمان يجب أن تكون متوافقة ليس فقط مع نصوص الدستور، بل أيضا مع نصوص القوانين الأساسية، وهذا يتضح من خلال تقريره بأن المادة رقم 79 من لائحة الجمعية الوطنية تعتبر غير دستورية بسبب عدم موافقتها للأمر رقم 998 لسنة 1959 الصادر بتاريخ 24 أكتوبر 1958 الخاص بالقانون الأساسي المتضمن شروط الترشيح للبرلمان، وفي مناسبات أخرى عديدة أكد المجلس الدستوري الفرنسي على أنه يتعين في لوائح البرلمان أن تكون متوافقة مع أحكام الدستور وأيضا مع نصوص القوانين الأساسية1.
وبالنسبة لرقابة المجلس الدستوري الجزائري للأنظمة الداخلية لغرف البرلمان، فقد تطرق إلى ذلك في رأيه رقم 09 المؤرخ في 22 نوفمبر 1999 المتعلق بمراقبة مطابقة النظام الداخلي المعدل والمتمم لمجلس الأمة للدستور وذلك بناءا على إخطار رئيس الجمهورية2.
حيث أن المجلس الدستوري الجزائري أشار إلى لزوم تطابق النظام الداخلي ليس فقط مع الدستور وإنما أيضا مع القوانين العضوية من خلال فحصه لمطابقة المادة 20 الفقرة الأولى من النظام الداخلي للدستور.
واعتبر المجلس الدستوري أن مجلس الأمة باستعماله مصطلح "اختصاصات" في الفقرة المذكورة أعلاه فإنه لم يعبر بأمانة على المصطلح المقابل له الوارد في المادة 13 (الفقرة الثانية من القانون العضوي رقم 99ـ02 المؤرخ في 08 مارس سنة 1999 الذي تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعملها وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة). وعليه ارتأى المجلس الدستوري استبدال كلمة "اختصاصات" بكلمة "صلاحيات".
وفيما يخص تحريك رقابة مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور، فهي ليست رقابة آلية يقوم بها المجلس الدستوري من تلقاء نفسه، حيث أنها تبقى متوقفة على الإخطار الوجوبي من طرف رئيس الجمهورية بعد أن يقدم له رئيس إحدى الغرفتين نظامه الداخلي.
أما في النظام الفرنسي فإن السلطات التي لها حق الإخطار الوجوبي للمجلس الدستوري فيما يخص لوائح البرلمان هي رئيسا غرفتي البرلمان، وذلك في تحريك رقابة المطابقة الدستورية للنظام الداخلي للبرلمان، ومنه فالأمر متوقف على النتائج ـ الآراء ـ التي سيصدرها المجلس الدستوري فيما يخص مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للدستور.


الفرع الرابع : رقابة دستورية المعاهدات
بناءا على المادة 132 من دستور 1996 ( تقابلها المادة 123 من دستور 1989) والتي تنص على أن المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون 1، فالمجلس الدستوري له صلاحية وسلطة ضمان احترام هذه المعاهدات للدستور بعد إقرار مبدأ إدخالها في القوانين الداخلية من خلال أول قرار له2.
بالرجوع إلى المادة 165/1 من دستور 1996 فإنها خولت أيضا للمجلس الدستوري حق النظر في دستورية المعاهدات، لذلك نجد المعاهدات تخضع للرقابة السابقة أو اللاحقة للمجلس الدستوري، فبالنسبة للنوع الأول من الرقابة نجده يصدر رأيا، أما بالنسبة للنوع الثاني فإنه يصدر قرارا، وهذا بعدما يتم إخطاره من طرف إحدى الهيئات المختصة بذلك. لكن الدستور الجزائري عندما تطرق لموضوع رقابة دستورية المعاهدات كان تطرقه هذا ناقصا، حيث أن المؤسس الجزائري نص صراحة على النتائج التي تنجر عن الرقابة الدستورية للنصوص التشريعية والتنظيمية وذلك في نص المادة 169 من دستور 1996 "إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري يفقد هذا النص ابتداء من قرار المجلس".
وتطرق أيضا إلى النتائج التي تنجر عن عدم دستورية بعض المعاهدات المتمثلة في تلك المعاهدات التي لم يتم المصادقة عليها فقط دون سواها وذلك من خلال نص المادة 168 من دستور 1996 والتي نصت على ما يلي : "إذا ارتأى المجلس الدستوري عدم دستورية معاهدة أو اتفاق أو اتفاقية فلا يتم التصديق عليها".
بناء على ما سبق ذكره نلاحظ أن كل النصوص التشريعية أو التنظيمية إذا قرر المجلس الدستوري عدم دستوريتها فقدت أثرها من يوم إصدار المجلس الدستوري لقراره أو رأيه، وأن المعاهدات والاتفاقيات التي لا تتم المصادقة عليها بعد فإذا ما قرر المجلس الدستوري عدم دستوريتها فإنه لا تتم المصادقة عليها، وهذا بصريح نص المادة 168 المشار إليها.
وسيتم تفصيل إجراءات رقابة دستورية المعاهدات في الفصل الثاني أدناه.
الفرع الخامس:رقابة صحة الإنتخابات والإستفتاء
يلعب المجلس الدستوري دورا لا يستهان به في هذا المجال، فقد يكلف المجلس طبقا لنص المادة 153 من دستور 1989 والتي تقابلها المادة 163/2 من دستور 1996 بالسهر على صحة عمليات الإستفتاء، وإنتخاب رئيس الجمهورية،والإنتخابات التشريعية ويعلن نتائج هذه العمليات1.
1- بالنسبة للإنتخابات الرئاسية والإستفتاءات
نص الأمر رقم97-07 الصادر بتاريخ 08-03-1997 المتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الإنتخابات، على الطريقة التي يراقب بها المجلس الدستوري الإنتخابات الرئاسية والإستفتاءات ، وذلك في نص مادته رقم166، حيث يتم تسجيل إحتجاج أمام مكتب التصويت في محضر يحول برقيا إلى المجلس الدستوري.
ومنه فان الطعن في نتائج الإنتخابات الرئاسية و في نتائج الاستفتاء يكون في شكل إعتراض وليس عريضة لدى مكتب التصويت،الذي يدونه في محضر الإنتخابات ويرفعه برقيا إلى المجلس الدستوري، فهو إذا لا يتضمن بيانات العريضة ولا يخضع لشكلياتها وشروطها2.
ونحن بدورنا، نؤيد أستاذنا الدكتور" مسعود شيهوب " فيما يخص مهلة الطعن المنصوص عليها بالمادة 167 (ق.إ) 3، وهي مدة تكاد أن تكون منعدمة تقريبا، لأنه على الطاعن تقديم إعتراضه لدى مكتب التصويت في نفس يوم الانتخاب.
ومن هنا تبدو المهلة الممنوحة للطاعن في منازعات الإنتخابات التشريعية على قصرها 48 ساعة 4، أفضل منها في الإنتخابات الرئاسية و الاستفتاء، ولكنها هي الأخرى غير كافية - بحسب رئينا - لتحضير الطاعن وسائل و أوجه دعواه.
ومنه فالمشرع الجزائري انساق كثيرا وراء الطابع الخاص والمستعجل للمنازعات الانتخابية، مما أدى به إلى تقصير المهل والمواعيد بشكل أخل بحقوق المتقاضي وبالضمانات المعروفة إلى درجة انعدام الحق أحيانا واستحالة تحضير الدعوى أحيانا أخرى.
2- بالنسبة للإنتخابات التشريعية
نص الأمر رقم 97/07 المؤرخ في 08/03/1997 المتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الإنتخابات لا سيما نص المادة 118 منه على اختصاص المجلس الدستوري بالفصل في منازعات انتخابات أعضاء المجلس الشعبي الوطني عن طريق دعوى ترفع مباشرة أمام المجلس الدستوري خلال 48 ساعة من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات.
وحسب نص المادة 118 المذكورة أعلاه، فأن عريضة الطعن هي عريضة عادية تحرر على ورق عادي دون شروط أخرى، كالدمغة وغيرها، ولكن دون إعفاء الطاعن من الشروط الواجب توافرها في أية عريضة عادية و المنصوص عليها بالمادة 12 من قانون الإجراءات المدنية، ومن الشروط المتعلقة بشخص رافع العريضة المنصوص عليها بالمادة (459 ق.إ.م)، بالإضافة إلى شروط إجرائية خاصة، منها وجوب إيداع العريضة خلال 48 ساعة الموالية لإعلان نتائج الإنتخابات1 .
يشعر المجلس "النائب" الذي تم الاعتراض على انتخابه ليقدم دفاعه المكتوب خلال 04 أيام من التبليغ، على أن يبت المجلس الدستوري بعد ذلك في الطعن خلال03 أيام، ويتضمن قرار المجلس الدستوري إما إلغاء الإنتخاب المنازع فيه، وإما إعادة صياغة محضر النتائج وإعلان المترشح الناجح قانونا وذلك حسب نص المادة 118 ق.إ .
كما نصت المادة 148 ق.إ على اختصاص المجلس الدستوري بمنازعات انتخابات أعضاء مجلس الأمة عن طريق دعوى ترفع مباشرة أمامه خلال 24 ساعة من تاريخ إعلان النتائج، ويفصل المجلس الدستوري في الطعن في أجل 03 أيام، ويمكنه أن يلغي الإنتخابات أو يعدل محضر النتائج وإعلان النتائج.

* استشارة المجلس الدستوري في حالات خاصة
يجتمع المجلس الدستوري بقوة القانون في الحالات المنصوص عليها بالمادة 88 من دستور 1996 – حالات منع رئيس الجمهورية من ممارسة مهامه – ويمكنه في هذا الإطار أن يقوم بجميع التحقيقات، ويستمع إلى أي شخص مؤهل وإلى أية سلطة معنية وذلك حسب نص المادة 42 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري الصادر بتاريخ 26/08/2000.
كما يستشار المجلس الدستوري حسب نص المادة 90 من دستور 1996 في الحالة الخاصة بمنع إقالة الحكومة أو تعديلها عند شغور منصب رئيس الجمهورية، حيث يفصل في القضية دونما تعطيل حسب نص المادة 43 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري.
ويجتمع المجلس الدستوري كذلك طبقا لنص المادتين 93 و97 من دستور 1996، وذلك أثناء الحالة الاستثنائية عند تهديد البلاد بخطر، وعند وتوقيع رئيس الجمهورية على إتفاقيات الهدنة ومعاهدات السلم، حيث يبدي المجلس رأيه فورا ( المادة 44 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري ).
كما يستشار أيضا المجلس الدستوري في إطار أحكام المادة 102 من الدستور – حالات تمديد مهمة البرلمان – حيث يجتمع المجلس ويبدي رأيه فورا ( المادة 45 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري ).
المطلب الثالث: مدى حجية قرارات وآراء المجلس الدستوري وطبيعتها القانونية
وفي الأخير، وبعد أن يفصل المجلس الدستوري في المنازعة المطروحة أمامه لفحص مدى دستورية قانون ما، فإنه وحسب المادة 22 من النظام لمحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري يبلغ رأي أو قرار المجلس الدستوري إلى رئيس الجمهورية، كما يبلغ إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة إذا كان الإخطار صادرا من أحدهما، ومع ذلك يبقى لنا أن نتساءل حول مدى ملائمة إيراد نص من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري للمادة 22 حيث يقضي بأنه: " يبلغ الرأي أو القرار إلى رئيس الجمهورية، كما يبلغ إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة إذا كان الإخطار صادرا من أحدهما" والذي يفهم من محتواه أن هناك تمييزا بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة، حيث أقر إعلام الأول بآراء المجلس وقراراته سواء كان الإخطار صادرا عنه شخصيا أو عن المجلس الشعبي الوطني أو عن رئيس مجلس الأمة، في حين أن هذين الأخيرين لا يعلما إلا بالآراء والقرارات الناتجة عن إخطارات واردة منهما فقط.
إن هذا التمييز ليس له ما يبرره، لا في مجال إبداء الرأي أو القرارات، وسواء تعلق الأمر بالمعاهدات والاتفاقيات أو القوانين أو التنظيمات، صحيح أن رئيس الجمهورية هو المكلف بحماية الدستور ورئيس السلطة التنفيذية مما يتطلب تبليغه، إلا أن السلطة التشريعية لها أيضا أن تعرف مبررات المجلس الدستوري والنصوص الملغاة أسوة بالسلطة التنفيذية قبل نشر الرأي أو القرار في الجريدة الرسمية حيث سيطلع عليه الجميع، علما أن أراء وقرارات المجلس الدستوري ملزمة لكافة السلطات العمومية والقضائية والإدارية وغير قابلة لأي طعن1.
والملاحظ على نص المادة 165 فقرة 1 من دستور 1996ان المؤسس الدستوري يستعمل المصطلحين" الرأي والقرار"، ويفهم من ذلك أن هناك اختلاف بين الرأي والقرار.فحينما يعرض على المجلس الدستوري نص قبل إصداره ونشره في الجريدة الرسمية يكتفي بالإدلاء بالرأي 2، أما حينما يصبح النص واجب النفاذ بتوافر الشروط الشكلية من إصدار ونشر فإن المجلس الدستوري يصدر قرارا مما يؤدي إلى طرح التساؤل حول القيمة القانونية للإجرائيين؟ وهل هما ملزمين على حد سواء ؟
فبالرجوع إلى دستور 1996 فإنه جاء خاليا من مادة دستورية واضحة تدعم القوة القانونية لقرارات وآراء المجلس الدستوري وتكون مادة صريحة، كما هو الشأن بالنسبة للمؤسس الدستوري المغربي الذي نص في الفقرة السابعة من المادة 79 من دستور 1992 على أن قرارات المجلس الدستوري المغربي غير قابلة لأي استئناف وهي ملزمة بالنسبة لكل الهيئات سواء كانت إدارية أو قضائية، وعليه فإننا نلاحظ وضوح وصرامة المؤسس الدستوري المغربي في هذا الميدان خلافا للمؤسس الدستوري الجزائري، أين لا نجد المادة التي تنص على إلزامية أراء وقرارات المجلس الدستوري إلا من خلال النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري وليس ضمن مواد الدستور.

خلاصة الفصل الأول
بالرجوع إلى نص المادة 165 /1 من دستور 1996، فإنها خولت للمجلس الدستوري حق النظر في دستورية المعاهدات الدولية، إما برقابة سابقة أو رقابة لاحقة، فبالنسبة للنوع الأول من الرقابة نجد المجلس الدستوري يصدر بشأنها رأيا، أما بالنسبة لنوع الثاني فإنه يصدر قرارا، وهذا بعدما يتم إخطاره من طرف إحدى الهيئات المختصة، لكن المؤسس الدستوري الجزائري عندما تطرق لموضوع الرقابة الدستورية ، كان تطرقه هذا ناقصا، حيث أنه نص صراحة على النتائج التي تنجر عن الرقابة الدستورية للنصوص التشريعية والتنظيمية وذلك في نص المادة 169 من دستور 1996 التي نصت على "إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري، يفقد هذا النص أثره ابتداء من قرار المجلس"، دون ذكر النتائج التي تنجر على رقابة دستورية المعاهدات الدولية وهذا إذا كانت الرقابة لاحقة – وهو ماسيتم توضيحه في الفصل الثاني أدناه -
وتطرق أيضا إلى النتائج التي تنجر عن عدم دستورية بعض المعاهدات فقط دون سواها، والمتمثلة في تلك المعاهدات التي لم يتم المصادقة عليها فقط دون سواها طبقا لنص المادة 168 من دستور 1996 والتي تنص على "إذا ارتأى المجلس الدستوري عدم دستورية معاهدة أو اتفاق أو اتفاقية فلا يتم التصديق عليها".
وبناء على ما سبق ذكره أعلاه، فإننا نلاحظ أن كل النصوص التشريعية أو التنظيمية إذا قرر المجلس الدستوري عدم دستوريتها فقدت أثرها من يوم إصدار المجلس الدستوري لقراره وان المعاهدات الدولية والاتفاقيات التي لا يتم المصادقة عليها بعد فإذا ما ارتأى المجلس الدستوري عدم دستوريتها فإنه لا يتم المصادقة عليها، وهذا بصريح نص المادة 168 المشار إليها.
إن المجلس الدستوري، ليس نظام تنفرد به الجزائر، بل هو نظام قائم بذاته في جميع الدول الديمقراطية الحديثة، ولقد أسندت له الدساتير مسألة الرقابة على دستورية القوانين والتنظيمات والمعاهدات الدولية ومسائل أخرى، وعليه فهو أشبه بالقضاء السياسي ، وهذا لا يختلف عن نص المادة 163 التي تنص على "يؤسس مجلس دستوري يكلف بالسهر على احترام الدستور. كما يسهر المجلس الدستوري على صحة عمليات الاستفتاء، وانتخاب رئيس الجمهورية، والانتخابات التشريعية، ويعلن نتائج هذه العمليات".