منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ماجستيرتاريخ المجتمع المغربي في العصر الوسيط
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-10-12, 11:38   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
محمد جديدي التبسي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية محمد جديدي التبسي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

واحات بلاد المغرب خلال العصر الوسيط /الدكتور سعيد بنحمادة

المتتبع للدراسات التاريخية المعاصرة المهتمة بالمرحلة الوسيطية لا يجد عناء في ملاحظة تركيزها على المجال الحضري، وأنها قلما تنبهت للبادية، إما بدعوى قلة المادة المصدرية، أو تأثرا ببعض الأطروحات المروجة لمثل مقولة "القرون المظلمة".

وقد حاول بعض الباحثين تجاوز هذه الثغرات، ومن ذلك أطروحة "واحات بلاد المغرب من القرن 4هـ/10م إلى القرن 8هـ/14م" للدكتور لحسن حافظي علوي.

وردا على اختيار المجال والمرحلة أحد المؤلف اقتناعه بصعوبة الفصل بين مكونات هذا المجال الواسع وحقبه الممتدة على مدى أربعة قرون، ما دام أن الطرح الإشكالي للموضوع يجمع قضايا تاريخية بخصوصياتها المحلية وامتدادها الزماني، وأن القواسم المشتركة لواحات بلاد المغرب تفرض نفسها في الدراسة الأكاديمية حتى يمكن تجنب "الاختصار المبني على التخفيف" حسب تعبير الباحث (ج1 ص2).

وتعود أهمية الموضوع، في تقدير صاحبه، إلى ما قامت به بلاد الواحات من أدوار للتواصل الحضاري بين بلاد السودان الغربي والغرب الإسلامي، وخاصة بعد تأسيس مدن الضفتين الشمالية والجنوبية للصحراء الكبرى، وهو ما جعل الإمارات والدول المغربية الوسيطية تولي عناية لهذا المجال لتأمين المحاور التجارية، مما أثر إيجابا على هذا المجال الصحراوي.

غير أن تناول موضوع بلاد الواحات لا يخلو من مصاعب معرفية ومنهجية، مرتبط بعضها بحدود المجال المذكور، لأن بلاد الواحات في الكتابات التاريخية الوسيطية ظلت مرتبطة بتاريخ بلاد المغرب. من ثم انبنى التحديد الجغرافي لهذه المناطق على بعدين: سياسي جعل المجال المذكور يتسع ويضيق حسب اندماجه أو استقلاله عن الدول المجاورة، وبشري بفعل الترحال الذي ميز المنطقة. ويضاف إلى المعيارين المذكورين المناخي والتضاريسي المدرجين للمجال المعني بالدراسة ضمن "الدواخل"، وهي المناطق البعيدة عن البحر الأربيض المتوسط والمحيط الأطلسي، في مقابل "السواحل"؛ فكانت الصحراء في تعريفهم هي ذلك ((المجال الشاسع الذي يتخذ موقعا وسطا بين بلاد الجريد في الشمال وبلاد السودان في الجنوب)) (ج1 ص2).

وقد نجم عن ذلك غموض في الحدود التاريخية لبلاد الواحات من جهة الشمال والجنوب، وعدم استقرار بسبب التغيرات المناخية والترحال البشري؛ ((فموقع الصحراء بين مجالين متميزين من الناحية السياسية ببلاد المغرب في الجوف والسودان الغربي في القبلة، جعل أمر تصنيف بعض مناطقها -في تبعيتها السياسية- من المواضيع التاريخية التي تحتاج إلى البحث والتقصي؛ إذ ((تبدو مدن الحافة الجنوبية للصحراء الكبرى سودانية في ولائها، مغربية في أغلب ساكنتها وطباع أهلها وأشكال هندستها المعمارية)) (ج1 ص3).

إن الموقع الجغرافي لبلاد الواحات جعلها تتحول إلى صلة وصل لعبور البضائع والأفكار ما بين بلاد السودان والغرب الإسلامي، فازدهرت المحطات التجارية الواقعة على المحاور الصحراوية.

أما عن اختيار المرحلة الزمنية لموضوع الأطروحة، والمتعلقة بالفترة ما بين القرنين 4هـ/10م و8هـ/14م، فمرده، في نظر الباحث، إلى ما عرفه تاريخ المغرب من تحولات، من قبيل قيام كيانات سياسية امتد نفوذها ليشمل ربط علاقات تجارية مع بلاد السودان وأوربا، مما جعل التجارة الصحراوية الغربية تنتعش على حساب نظيرتها الشرقية في القرنين 4 و5هـ/10 و11م، قبل انحراف الطرق التجارية الصحراوية من جديد نحو المشرق خلال القرن 8هـ/14م.

ولما كانت الصعوبة المركزية التي طالما عانى منها الباحثون تتعلق بشح المصادر، فقد تسلح الباحث -لتجاوز ذلك- بجملة من المتون المعرفية وفحصها، متحريا مضامينها، بعيدا عن كل إطلاقية أو القول باستنتاجات قطعية لا تنسجم مع شروط الكتابة التاريخية؛ فجاء اعتماده على المصادر المؤرخة لبلاد القبلة والقفر على قلتها، ككتب التاريخ مثل المصادر الإباضية والشيعية والسنية والمصادر المشرقية أو التي ألفت بالمشرق وبعض النقول عن الكتب المفقودة، وكتب الجغرافيا، والرحلات الأووربية، وكتب الأنساب، وكتب التراجم والسير، وكتب النوازل، وكتب الوثائق والأحكام، وكتب الفقه، وكتب الفلاحة والنبات، وكتب الطب، وكتب الطواعين والأوبئة، وكتب العطارة والصيدلة، وكتب الطبيخ.

وكان المخرج مما يبدو من تنافر بين طبيعة هذه المصادر في نوعها ومجالها الزمني هو اعتماد المنهج الشمولي المدمج لمتونها ومادتها، والزمن الطويل المستقصي للعمق التاريخي للحدث، مع أصالة التوضيف المنهجي لتلك الاستطغرافيا عن طريق الاستفادة منها من المشرق إلى المغرب جريا على عادة القدماء في الابتداء بالمشرق، لأنه مبتدأ حركة الفلك.

وقد قسم الباحث أطروحته إلى أربعة أقسام، تناول في الأول "مصادر التأريخ لبلاد القبلة" (صص: 5- 56)، وفي الثاني تعرض لـ"بلاد القبلة في المجال" (صص: 57- 99)، من حيث معاني بلاد القبلة والصحراء والقفر، ولفظ الواحة، وحدود صحراء بلاد المغرب الشرقية والجنوبية والشمالية، وأقاليم بلاد المغرب الثلاثة. أما القسم الثالث فيَهمُّ "التطورات السياسية بالبلاد الواحية من القرن 4هـ/10م إلى القرن 8هـ/14م" (صص: 100- 304)؛ بدءا بانتقال الإباضية إلى وركلان، وحملة عبد الله الشيعي على سجلماسة، وثورات الزناتيين على الفاطميين، وحملات العبيديين على مصر، وبني واسول وبني خزرون بسجلماسة، وثورة أبي يزيد مخلد بن كيداد، وثورة أبي خزر وأبي نوح ونهاية الظهور السياسي للخوارج، ومنطقة الزاب في أواخر المائة الرابعة، وبني خزرون بطرابلس، وثورة أبي ركوة ببرقة، والصراع السني الشيعي بإفريقية. أما خلال القرن 5هـ/11م فقد وقف الباحث على الصراع الزيري الفاطمي ودخول بني هلال إلى المغرب؛ حيث درس أوضاع بلاد الجريد في عهد الزيريين، والقطيعة بين الزيريين والفاطميين، وما نعته بإمارات الاستعلاء ويقصد بها بني مليل بصفاقس وبني جامع بقابس وبني الرند بقفصة وبني مطروح بطرابلس وبني حماد بالزاب. كما تناول بالتحليل قيام دولة المرابطين، حيث درس ممالك صنهاجة قبل قيام دولة المرابطين، والدعوة المرابطية، والخروج من الصحراء، والقضاء على البجلية، والتقسيم الإداري للواحات زمن يوسف بن تاشفين. بعد ذلك تطرق إلى البلاد الواحية في العهد الموحدي خلال القرن 6هـ/12م، وثورات بلاد القبلة على الدولة المصمودية، وعلاقة الموحدين بالأعراب، والموحدين والإباضية، وسجلماسة في عهد أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، وبني غانية وصراعهم ضد المنصور الموحدين (وقعة عمرة، وقعة الحمة)، وبعده الناصر وحربه ضد أبي إسحاق بن غانية، وأبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص وخلفائه ضد أبي إسحاق بن غانية، وثورات العباس بن مناد بن العباس أمير بني توجين، ومسعود بن زمام البلط، ومحمد بن عبد الكريم الرجراجي، وقراقوش الأرميني، وثورة الأشل بالزاب، وثورة أبي قصبة بالسوس، وثورة الفاطمي بسجلماسة. أما خلال القرن 7هـ/13م فقد كشف الباحث النقاب عن بلاد القبلة في مرحلة الضعف الموحدي، مستهلا ذلك بتتبع أوضاع سجلماسة في عهد الرشيد، واستقلال الهزرجي بالمدينة، والصراع المريني الزياني حولها واستبداد القطراني بها، وتبعية سجلماسة للزيانيين، وسيطرة المرينيين عليها وانتزاعها من أيدي بني عبد الواد، وحركة بني يدر بالسوس.

وتكملة للأوضاع السياسية والعسكرية للقرن 7هـ/13م تتبعت الأطروحة مظاهر اعتزاز الأعراب على الدول؛ حيث جاء الحديث مسهبا عن سيطرة الدواودة على الزاب، وثورة أبي حمارة على المستنصر بالزاب، وثورة محمد بن القالون بقفصة، والدعي ابن أبي عمارة سلطان دباب، والحفصيين والعكوب، والزيانيين والعرب، ومواجهة المرينيين للأعراب بدرعة والسوس، وحركة أبي الحسن المريني وأبي عنان إلى إفريقية، ومشيخات الزاب وبلاد الجريد، والحركات الإصلاحية في صفوف الأعراب، وثورة أبي علي عمر بن السلطان أبي سعيد عثمان بسجلماسة، وانتزاء أبي عبد الله بن خديجة الكومي أحد أحفاد عبد المؤمن بن علي الكومي، واستقلال أبناء وحفدة أبي علي عمر بسجلماسة، وسطلنة عبد الحليم بن أبي علي عمر بالمدينة نفسها، وبعده عبد المؤمن بن أبي علي عمر ومحمد بن عبد الحليم. وتكملة للتحولات السياسية للقرن 8هـ/14م وقف المؤلف على ملوك الصحراء من البربر.

ويتعلق القسم الرابع بـ"الوسط الطبيعي والاقتصادي الفلاحي" (صص: 305- 575)، من حيث المناخ، والتساقطات، والرياح، ومصادر المياه وطرق استنباطها ووسائل قودها والاستدلال على وجودها، ووسائل رفع الماء، وطرق استغلاله، وكيفية قسمته. أما أنواع التربة بالبلاد الواحية والصحراوية فتمثلت في التربة الرملة، والأرض السبخة.

ورغم هذا التنوع المناخي والتضاريسي فالملاحظ أن المجال لا يفي بحاجات الأهالي، لذلك اعتمد هؤلاء تقنيات لمحاربة العوائق الزراعية في الوسط الواحي، كالقليب، وتسميد الأرض بمختلف أنواع الزبل، والحرث. في حين اتسم الغطاء النباتي بالتنوع، من قبيل الأشجار البرية والبستانية، مثل النخل، وما تتطلبه من تقاويم لغرسها وعلاجها وجنيها وتخزين المحصول ومنافعه وزكاته، والنباتات الرعوية، والعلفية، والحبوب، والبقول، والخضر، والتوابل، والرياحين، والنباتات الصناعية والصباغية. وفي صلة بذلك تميز المجال الواحي بثروة حيوانية متنوعة جعلت الباحث يتتبع أحكام الرعي، والرعي بالدولة وأنواع الماشية بالبلاد الصحراوية والواحية، والقنص بالمنطقة.

وبموازاة مع ذلك تميزت بلاد الواحات بالمعادن والمصنوعات، وهو ما يشكل القسم الخامس من الأطروحة (صص: 576- 605)، ومن بينها النحاس والحديد والذهب والفضة، والمنسوجات والدباغة والصباغة والزجاج والأرحية، والتي أسهمت في النشاط التجاري عبر المسالك الصحراوية، الذي خصصه له الباحث القسم السادس (صص: 606- 681)، سواء منها الطرق الساحلية أو الداخلية، والتي تعرضت طيلة العصر الوسيط لانتعاش وتراجع، جعلها تميل نحو الغرب قبل انحرافها من جديد نحو الشرق في القرن 8هـ/14م، بسبب جملة من العوامل من بينها تدهور العلاقات السياسية بين المرينيين وملوك مالي في بعض الفترات، والتي لم تؤثر على السفارات بين الدول المغربية والسودانية، وحضور التجار المصريين في الأسواق السودانية وترسيخ الإسلام في بلاد السودان (حجة منسى موسى).

وطالما أحدقت المخاطر بالقوافل التجارية الصحراوية، إما بفعل الجهل بأخبار الصحراء وما نسج حولها من معتقدات ومتخيل أسطوري أحيانا، أو عدم وضوح معالم الطريق، أو قلة الماء، والعواصف الرملية، والحر، والحشرات والزواحف. لذا كان لا بد للقوافل من تنظيم لضمان سلامة الرحلة من بلاد المغرب إلى بلاد السودان كالتزود بالطعام، واختيار وقت السفر، تحت إمرة المشرفين على القافلة كالقائد والدليل والتكشيف والمنادي والسماسرة، والمكلفين بخفارة القافلة بأجرة. مع ضرورة مراعاة حمولة الجمل حتى تسير القوافل بمعدل سير يومي كان يتراوح ما بين 25 و30 كلم، وقد تصل أحيانا إلى 60 كلم.

ونظرا لأهمية التجارية الصحراوية فقد شهدت المرحلة مدار الدارسة شركات تجارية كشركة المقريين وأخرى لعائلات تلمسانية مثل عائلة العقباني وعائلة المرازقة. أما المعاملات فكانت تتم أحيانا بالصكوك أو السفتجة.

وزيادة في إبراز دور النشاط التجاري ببلاد الواحات تم تخصيص القسم السابع من الأطروحة لـ"التجارة" (صص: 682- 814)؛ وقد فضل الباحث توظيف لفظ التجارة الصحراوية بدل التجارة القافلية أو التجارة القوافلية، لأن القافلة في اللغة تعني القافلة إذا كانت راجعة لا غير. وعليه فإن التجارة القافلية، في تقدير المؤلف، هي التجارة العائدة لا الذاهبة إلى بلاد السودان؛ فالتجارة الصحراوية في نظر المؤلف هي التي تتم عبر طريق سيار بين ضفتي الصحراء الكبرى، والتي كانت تنقل سلعا متنوعة؛ فقد كان يجلب من بلاد السودان الذهب والعبيد والشب والعنبر والعاج والأبنوس والجلود والسلع الصيدلية والسراقيات والببغاء وريش النعام والقسي والمسك والسم وحجارة السحر والصمغ. أما بلاد المغرب فكانت تصدر إلى بلاد السودان الملح والمصطكى (العلك الرومي) والبخور (تاسْرْغينْت) والقرنفل والأحجار الكريمة والخزف والسلع الأوربية. أما التجارة الداخلية بين بلاد الواحات فكان يغلب عليها رواج المواد الغذائية. وكانت هذه السلع تتم بأوزان ومكاييل، وعملات محلية ومغربية اختفلت باختلاف الفترة الوسيطية، لوم تسلم من بعض مظاهر الغش.

وفي القسم الثامن تعرض المؤلف لـ"الجباية" (صص: 814- 847) من حيث أنواعها بالمغرب في العصر الوسيط، والضرائب المفروضة على القوافل، والضرائب التي فرضتها القبائل القوية على الضعفاء، وتلك التي فرضتها الدولة على الأعراب في فترات القوة، والجباية في عهد الدول التي تعاقبت على حكم بلاد المغرب.

أما القسم التاسع فيتعلق بـ"السكن" (صص: 848- 919)؛ وتعرض فيه المؤلف إلى مدن فزان، وبلاد الجريد، والقصور القديمة. أما "السكان" فكانوا موضوع القسم العاشر (صص: 920- 1019)، ويهمُّ البربر، والأفارق، والروم، والمولدين، والعرب، واليهود.

وفي القسم الحادي عشر جاء الحديث مفصلا عن "التغذية" (صص: 1020- 1072)، كاللحوم، والقديد، والجراد، والسمك، والخبز، والنباتات، والأكلات الصحراوية، والتمر، والأشربة.

أما القسم الثاني عشر فتناول "المجاعات والأوبئة" (صص: 1073- 1101)، عبر جداول تتابع الكوارث الطبيعية كرونولوجيا حسب القرون، والأمراض والأوبئة التي عرفتها المنطقة خلال الفترة المذكورة، وطرق علاجها. في حين خصص القسم الثالث عشر لـ"اللباس" (صص: 1102- 1120)، مثل اشتمال الصَّمَّاء، ولباس أهل البلاد الواحية والصحراوية، والتأثر والتأثير المتبادل في لباس أهل الصحراء والسودان، ولباس الشرفاء، والنساء، والعبيد، وأهل الذمة.

أما الخاتمة فقد أوجز فيها الباحث ما جاء مفصلا في ثنايا الأطروحة، من قبيل مكانة الموضوع في المصادر الوسيطية؛ حيث لاحظ قلة المعلومات في المتون التاريخية والجغرافية والأدبية مقابل غزارتها في كتب الفلاحة والطب والنوازل والأحكام الفقهية. أما العلاقات السياسية بين بلاد الواحات وبلاد المغرب فقد تراوحت بين تبعية الأولى للثانية في مرحلة القوة واستقلال إبان ضعف الدولة المغربية، متأثرة بذلك بالترحال والصراع القبلي. كما أن صعوبة الجغرافيا التاريخية للمنطقة حتمت ابتكار تقنيات لتدبير الماء أفادت التجربة الإنسانية إلى الوقت الراهن، وأفادت المجال المعني بالدراسة نفسه حينئذ، وأثرت إيجابا على خدمة الأرض؛ فتم تخصيب التربة، وتنوعت المحاصيل، وازدهرت التجارة الصحراوية بفضل ذلك، وما أضيف إليه من سلع. أما ساكنة المنطقة فقد تباينت أصولها، وأدوارها التاريخية، مع تأكيد دور الأعراب في اختلال الأمن.

وقد ذيلت الأطروحة بملاحق تتسم بالجدة والطرافة، وهي عبارة عن نصوص وجداول وخرائط مستمدة من مخطوطات ومصادر متنوعة. إضافة إلى قائمة المصادر المراجع بلغ المخطوط منها 168 مصدرا.

والمتأمل للأطروحة لا بد وأن تثيره جملة من الملاحظات؛ أن العمل يعبر عن التراكم المعرفي والمنهجي الذي حققته المدرسة التاريخية المغربية، التي يعد الباحث الدكتور لحسن حافظي علوي في طليعة جيلها الثاني؛ فكل ما في هذا العمل الأكاديمي ينبأ بالجدة والتجديد، لا من حيث مفهوم الحدث التاريخي، ولا فيما يخص الوثيقة، ولا ما يتعلق بالرؤية والمنهج؛ فالوقائع لم تعد هي تلك الأحداث العسكرية المتتالية التي ترتبط بقيام الدول وسقوطها، بل الأمر هو دور العامل السياسيي في تشكيل البنى الحضارية ببلاد الواحات.

وقد استفاد الباحث في ذلك من توظيف الزمن الطويل، لأنه تناول بيئة جغرافية متسمة بالتموجات الطبيعية والبشرية جعلت الظاهرة التاريخية تتسمت بطول النفس والتجذر العميق اللذين لا يناسبهما إلا الزمن الاجتماعي والثقافي المذكور. وجعل الزمن التاريخي، في الأطروحة، لم يعد ذلك الزمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والذهني البسيط، بل أضحى تطوريا، وإذا ما استعملنا التحليل الخلدوني، تدرج في المخالفة وانتهاء إلى المباينة وتعبير عن انقلاب الأحوال الذي مس بلاد الواحات ما بين القرنين 4 و8هـ/10 و14م. ومن ثم فإن التحقيب المعتمد من قبل الباحث لم يقتصر على التمثل البسيط لخط بياني في اتجاه معين، أو اختزاله في ثنائية متضادة، وإنما هو تشريح لبنى المجتمع والاقتصاد والثقافة.

وأما الوثيقة التاريخية المستند إليها من قبل الباحث فقد تجاوزت المفهوم التقليدي إلى معنى مفارق وبديل، جعلت الأطروحة توظف كل أنواع المصادر الدفينة وتفجير متونها وفق آلية مندمجة وتكاملية من غير تعسف أوابتسار.وأما بخصوص الرؤية والمنهج فقد تلافى المؤلف التفسير الأحادي للظواهر لفائدة النظرة الشمولية، التي تجعل العوامل والأسباب تتداخل في أفق تعميم موضوعي للأحداث. وبذلك فإن مثل هذا العمل الأكاديمي من شأنه أن يعيد النظر في ما كان يدخل إلى وقت قريب ضمن المسلمات في الكتابة التاريخية، من قبيل "القرون المظلمة"، أو لازمة "قلة المادة المصدرية" التي طالما رددتها بعض الدراسات التاريخية.