منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الربيع الدامي
الموضوع: الربيع الدامي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-12-18, 17:09   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
الزمزوم
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية الزمزوم
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السفربرلك الثاني.. هل ما قاله الشرع شيفرة لاتفاق قادم؟


بقلم نارام سرجون‏:

نحن أحفاد السفربرلك.. ليس فينا سوري واحد لم يحدثه والده عن الأجداد المفقودين الذين ابتلعهم السفربرلك.. السفربرلك سافر عبر جيناتنا وحرث الذاكرة حرثا عميقا.. وبقي كالوشم على قلوبنا ولا يضاهيه في دفاتر التاريخ الشرقي حتى السبي البابلي.. العثمانيون وحزب الاتحاد والترقي ساقوا الأجداد إلى حروب السلطنة للحفاظ على خلافتهم وإمبراطوريتهم.. وبقيت الذاكرة تتوجع وتنز قيحا من تلك البقعة التي استقرت فيها صور السفربرلك.. حيث الجوع والفراق القسري للأهل وحيث وحشية ضباط حزب الاتحاد والرقي وقسوة السلاجقة على رعاياهم الفقراء.. لاتزال ذاكرة الأجداد تتوجع من منظر الجنود الأتراك وهم يسوقون الشباب إلى الحرب ويداهمون "بيوت المونة" للسوريين ويصادرون قمحهم وطحينهم وزيتهم وكل شيء.. ولايبقون لهم حتى علف الدواب.. أيام السفربرلك جوع وقهر وجيل كامل مطحون بالإذلال.. ولأن العثمانيين كانوا يتصرفون باستعلاء عنصري فلم يتحمس العرب للدفاع عن الخلافة ولم يعنهم انهيارها.. فالقادمون إلى بلاد الشام والراحلون عنها أوغاد ولصوص.. فانتهى السفربرلك بخريطة سايكس بيكو التي قتلت خرائط عمرها آلاف السنين..

نحن أحفاد السفربرلك.. وتعود أيام السفربرلك إلينا من جديد هذه الأيام ولكنه السفربرلك الأكبر لأن حزب الاتحاد والترقي بثياب حزب العدالة والتنمية صار بيننا عبر الإخوان المسلمين وهم الامتداد الطبيعي لحزب الاتحاد والترقي.. وصار الطورانيون يعملون مع لورنس العرب هذه المرة وعربانه لتجنيدنا في رحلة معاناة السفربرلك الثاني لرسم الخرائط الجديدة للشرق وتطريزها بأجسادنا وأشلائنا.. حيث يدفع بنا السلاجقة وحزب الاتحاد والترقي العثماني بنسخة (العدالة والتنمية) إلى ظروف شبيهة بالسفربرلك.. فتقوم عصابات حزب الاتحاد والترقي عبر تنظيمات مسلحة للإسلاميين إلى سرقة المطاحن والمعامل والمخابز السورية وتحرق الوقود وناقلات الوقود وكل مايملكه السوريون في "بيوت المونة" ونقلها إلى تركيا.. لتخلق في بلاد الخبز طوابير للخبز.. وفي بلاد الدفء طوابير الوقود.. أردوغان حفيد السفاح يريد اقتيادنا قسرا إلى إمبراطوريته المفقودة.. والى أيام السفربرلك.. وكل الشعب السوري يدفع به إلى السفربرلك الثاني.. وكأنه السبي البابلي الثاني في دفاتر الشرق..

في حكاية السفربرلك الأول لم يكن السوريون يعرفون مايدور حولهم ولم يسمعوا بمراسلات حسين مكماهون ولا جلسات سايكس بيكو.. لكن السفربرلك الثاني شيء مختلف وهو أن السوريين صاروا يعرفون الخيارات المتاحة أمامهم ويعرفون ماذا في كواليس الكواليس.. فهذه الخيارات هي:

1- إما تقسيم بلدهم الذي يحبونه وانشطار جواز السفر السوري الأزرق إلى مجموعة أجوزة سفر عددها بعدد ألوان علم الانتداب الفرنسي (علم الثورة) وحسب بعض الأسرار التي كشفت كان من المفترض أن يعد جواز سفر أخضر لدويلة لساحل.. وجواز سفر أحمر لدويلة حلب.. وجواز سفر أسود لدولة دمشق..

2- وإما القبول بمملكة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للمطوعين الوهابيين في بلاد الشام أي أفغنة البلاد وحكم طالبان.. بلاد الشام التي قدمت المعروف والجميل لكل الشرق هل يمكن لأحد في الكون أن يعلمها المعروف؟.. بلاد الشام التي حاربت كل المنكر من الخيانة والاستسلام والرذيلة الوطنية.. يراد لها أن تتعلم معنى المعروف والمنكر..

3- القبول بالصفقة المطروحة بين الكواليس.

إن الخيار الأول كان الخيار الذي حضرت له مرحلة بابا عمرو.. وبتحطيم نقطة الانطلاق في بابا عمرو انهار هذا الخيار وانهارت أجوزة السفر وألوانها.. أما الخيار الثاني فلا يعتقد أنه قابل للحياة في بلاد الشام لاعتبارات ثقافية قوية في بلاد ولد فيها القوميون والليبراليون العرب ونمت فيها نهضة فكرية وفيها نهض أول مسرح عربي.. في بلاد كهذه فإنه يستحيل قبول الوهابية كحالة نقيضة للثقافة والإبداع.. والوهابية طارئة ومرورها سريع في المجتمع السوري ولا تمر إلا بالأرياف الفقيرة ذات الانتماء الديني المتزمت الشبيه إلى حد ما بالوهابية..

لكن الخيار الثالث هو ما بقي وهو كما يقال سلة واحدة يريد بها أوباما إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي في آخر حلقاته ليكون الرئيس الأمريكي الخارق في التاريخ الأمريكي وتاريخ العالم.. أوباما يقترح كما يتسرب أن يتوقف الدعم الغربي للمعارضة السورية قطريا وسعوديا وتركيا وسحب مسلحيها نهائيا على أن تقبل سورية (بضمانة روسية تحدد لاحقا) بما لم يقبله الرئيس حافظ الأسد أي تجاهل وديعة رابين وتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل من دون متر الماء على شاطئ طبرية الذي أصر عليه الراحل حافظ الأسد إضافة إلى حقوق إسرائيلية محددة بمياه الجولان يتفق على حصصها بين الطرفين.. وأن تعاد مزارع شبعا إلى لبنان مقابل أن يتعهد الإيرانيون (وبضمانة روسية أيضا) بإلزام حزب الله بالاتفاق أو على القبول بهدنة لمدة 25 عاما قابلة للتمديد 25 سنة في كل مرة دون إلزامه بسلام موقع مع إسرائيل.. ويربط البعض بين هذه الصفقة وبين الزيارة التي قام بها الرئيس بوتين لإسرائيل وطرح فيها كلاما شبيها لم يفصح عنه في حينه.. ولكن يقال إن السوريين ردوا على هذا الاقتراح بأن وديعة رابين هي الأساس فيما أصر الإسرائيليون -من منطلق الشعور بالقوة بسبب الأزمة السورية- على تعديلات هذه الوديعة..

وإذا نجح أوباما بذلك فسيكون قد أرغم السوريين القلقين من مشاريع الصوملة والعرقنة والأفغنة على السلام مع إسرائيل بشروط تميل لصالح إسرائيل.. وباستئصال سورية من الصراع لاتعود إيران تشكل خطرا على إسرائيل ولا حتى حزب الله.. فماذا تساوي تهديدات إيران أو حزب الله من غير سورية؟.. ولذلك ستجد إيران نفسها أكثر ليونة فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

الخيار السابق يعرض على ما يبدو في الكواليس على أنه الاتفاق الرئيسي الذي يجب أن يتبلور في الربيع.. أما النقاط الجانبية في الصفقة فهي 1- تثبيت الحدود السورية التركية كما هي الآن وفيها تنازل نهائي عن المطالبة بلواء اسكندرون (وورد هذا صراحة على لسان رياض الشقفة مرشد الإخوان المسلمين السوريين وهو من حيث لايدري وقع في فخ أمريكي لأن قبول النظام بالصفقة في جانبها التركي ولواء اسكندرون لن يكون محرجا له لأن القوة المعارضة الرئيسية الاخوانية سلمت بذلك ولم يعد بإمكانها التشنيع عليه بذلك)... 2- والقبول الأمريكي ببرنامج إيران النووي شريطة خضوعه للتفتيش المفاجئ من قبل وكالة الطاقة الذرية الدولية دون إنذار السلطات الإيرانية.. فيما سيتم تراجع الدرع الصاروخية الأمريكية من حول روسيا في حدودها الجنوبية مع إبقائه في أوروبا دون تغيير.. كنوع من الانفراج بين الروس والأمريكيين..3- ضمان حصة أمريكية جيدة في أعمار سورية لمساعدة الاقتصاد الأمريكي.

البعض قال إن إسرائيل ليست في وضع ضعيف كي تقبل بالصفقة والهبوط عن هضبة الجولان.. لكن المفاجأة التي ظهرت هي أن القيادة العسكرية العليا لإسرائيل وبعد حرب غزة قدمت تقريرا خطيرا إلى رئاسة الوزراء الإسرائيلية وهي التي تسببت في النهاية السياسية المفاجئة لايهود باراك الذي اتهم بالتقصير في رصد التطور لدى الطرف الآخر وهو العدو الشمالي.. سورية.. وبالذات التطور النوعي في سلاح الصواريخ لدى العدو السوري والإيراني.. وقد قال التقرير بأن الصواريخ ذات الحجم المتوسط التي سقطت في إسرائيل والتي فشلت القبة الحديدية في تحديدها أو إسقاطها كانت كلها من الصناعة والتطوير السوريين (معهد التقنيات والبحوث الصاروخية والذي يقال بأن من أشرف عليه شخصيا هو الشهيد اللواء زغيب بالتنسيق مع الصناعات العسكرية الإيرانية والذي اغتالته التنظيمات المسلحة مع عائلته مؤخرا في سورية).. وقال التقرير إن نسبة الصواريخ السورية (التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية) والتي اخترقت القبة الحديدية كانت 100%.. وكانت النتيجة التي خلص إليها التقرير العسكري الإسرائيلي بأن الأسد الآن قد اختبر قدراته الصاروخية وهو لاشك سعيد جدا بنتيجة الاختبار رغم منغصات الأزمة السورية.. والأهم أن الأسد اختبر القبة الحديدية وتبين له أنها فقاعة صابون لاتضر ولاتنفع وهذا سيعرض إسرائيل لشهوة المغامرة من قبل الأسد إذا لم يسقط الأسد بسرعة... والعبارة حرفيا كما نقلت عن التقرير هي: إذا لم يسقط الأسد فتسقط صواريخه علينا قريبا ورأسنا بلا خوذة.. ويعزو البعض الضجيج المثار حول الأسلحة الكيماوية السورية على أن القصد منه كان تهديد الأسد بملف خطر إذا ما فكر في المغامرة وإغراءات التفوق الصاروخي على القبة الحديدية أو فقاعة الصابون كما صار مهندسو الصواريخ السورية يسمونها الآن.. والذين وفي ذروة الأزمة السورية كشفوا عن تصنيعهم لصاروخ جديد فيه المزيد من الميزات الإضافية..

وحسب تقارير وتسريبات تتمتع بدقة "ليست بالقليلة" ويمكن وصف درجة اطلاعها بالجيدة فإن الرئيس الأمريكي قد تم إبلاغه بتلك الخلاصة في التقرير الإسرائيلي.. ووجد أوباما أن في ظروف استحالة تغيير النظام السوري فإن بإمكانه الآن أن يفرض صفقة على كل الأطراف.. فالسوريون في ضيق وحصار.. والإسرائيليون في قلق من نوعية الصواريخ السورية والإيرانية التي تم اختبارها والتي قد تغادر منصاتها جنوبا في لحظة حاسمة.. والروس لايريدون مغادرة الشرق الأوسط بخسارة.. والإيرانيون يريدون الخروج من عنق زجاجة البرنامج النووي.. فلتكن إذاً صفقة الصفقات.. ويكون أوباما الرئيس الأشهر في التاريخ بإغلاق ملف الشرق الأوسط وإسكات أزماته.. وهو يرى أن السوريين صاروا أكثر جاهزية للقبول بتسوية لأنهم صاروا مجردين من السلاح الدبلوماسي المسمّى (القضية الفلسطينية).. فالعرب الذين مدحوهم عقودا جاهروا بمواقفهم بل وجاهروا بصداقة عظيمة لإسرائيل حتى الإسلاميون والإخوان المسلمون.. كما أن تركيا والعالم الإسلامي صاروا ضدهم.. والأهم -كما يعتقد الأمريكيون- أن الفلسطينيين جميعا لم يعودوا معهم لأن الكتلتين الفلسطينيتين الرئيسيتين في الساحة السياسية الدولية هما فريق عباس وفريق حماس.. وقد وقع الفريقان في مصيدة التسوية والمحفظة المالية الخليجية.. فلم يعد السوري ملاماً إن قال بأن قضية فلسطين ليست ملكا له بعد اليوم لأنه كان يقولها بحجة أن حماس في أحضانه.. فكيف يقولها اليوم وحماس في عدة أحضان؟؟ ومن سيلومه إن اكتفى بالجولان..

ولذلك قرأ البعض تصريحات السيد فاروق الشرع بأنها أول إعلان غير صريح عن احتمال وجود مفاوضات قد تنتهي بتنازلات سورية "مؤلمة" في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي.. فالإشارة إلى أن طرفي النزاع "في سورية غير قادرين على الحسم" ربما يعني التمهيد للرأي العام العربي والسوري بأن المعركة يجب أن تنتهي باتفاق "إقليمي" تاريخي وهذا ما ورد بشكل خاطف في تصريحاته التي تلت تصريحات بوغدانوف الملتبسة..

البعض رأى في عدم قبول السوريين بهذا العرض الذي وصف بالسخي أنه قد يعني أن منع تقسيم سورية هو المعركة الأساسية التي خاضها السوريون.. وهي معركة أهم من معركة الحفاظ على أي نظام.. لكن المعركة الآن هي على دور سورية القادم في الشرق الأوسط من غير قضية فلسطينية..

ويرى بعض الخبراء أن السوريين قد يقبلون بالصفقة لأن مجرد القبول بتنازلات داخلية مثل إدخال الائتلاف الوطني أو الإخوان المسلمين في أية صيغة داخلية هي وصفة للموت البطيء للمجتمع المدني السوري وللدولة السورية الكبيرة القوية.. لأن هذه التنظيمات والمكونات السورية صار جليا أنها مخترقة بشكل كثيف بسبب التحالفات المعقدة الخارجية التي التحقت بها في معركتها لكسب السلطة.. وبالتالي فإن وصولها إلى أية صيغة تقاسم سلطة يعني وصول الأطراف الخارجية لأول مرة إلى داخل الحكم السوري والتدخل فيه وتحوله إلى فرق سياسية لبنانية متناحرة (نسخة 8 آذار و14 آذار السوري).. أي نهاية الدور الرئيسي لسورية ونهاية أية قدرة تفاوضية مستقبلا حول الجولان أو اسكندرون.. بل ووجود أطراف سيكون لها دوما مطالب خارجية.. وهذا لم يعد خافيا فقد ظهر في تعهد أحد مكونات الائتلاف السوري المهمة في جلسة سرية في قطر برعاية أمير قطر بإعادة رفات الجاسوس الإسرائيلي إيليا كوهين وبالبحث عن مصير الطيار الإسرائيلي المفقود في لبنان (آرون أراد) والذي هبط بمظلته في حرب لبنان عام 1982 وكان معتقلا لدى منظمات موالية للسوريين قبل أن يختفي نهائيا.. وهذه كما وصفها المعارض السوري البارز وبحضور (النعجة حمد بن جاسم) ستكون أول بادرة حسن نية تجاه السلام مع إسرائيل..

وهذه الرسائل الودية وحسنة النية بالطبع طلب إسرائيلي لكن هذا المكون السوري المعارض تبناه بذريعة إظهار النوايا السلمية.. والغريب جداً أن السوريين قد نقلت لهم رسالة عن طريق طرف ثالث بأن رفات إيليا كوهين يمكن أن تقبل من قبل إسرائيل كثمن تدفعه سورية مقابل تسليم رأس معارض مهم جدا خاصة أن الإسرائيليين قريبون جدا من قيادات المعارضة في تركيا.. وهذا الطرح يكشف أن الإسرائيليين يلاعبون كل الأطراف لكنهم يعرفون أن لا أحد يقدر على إعادة رفات كوهين إلا الحكومة الحالية لأنها هي نفسها الحكومة القادمة.. وإسرائيل لا تمانع في بيع بعض الرؤوس المعارضة مقابل رفات إيليا كوهين كرمز يهودي وطني..

إن ما خسره السوريون في هذه المعركة ليس بالقليل.. لكنه في مقاييس الربح والخسارة هو الربح بعينه لأن الاستسلام لإلقاء البلاد لقمة سائغة للفوضى كان سيعني أن تحلّق أرقام الضحايا بشكل فلكي.. فبعض تقديرات الإحصاءات في الأمم المتحدة تقول إن انهيار النظام كان سيرفع عدد الضحايا إلى 350 ألف قتيل في عام واحد فقط.. وتفسير ذلك هو أن الغاية الرئيسية من إسقاط النظام كانت هي تقسيم البلاد.. وتقسيم أي بلاد لايتم إلا برسم الحدود الجديدة بالجثث والمجازر والضحايا.. وحدود الدويلات الجديدة تحتاج مئات آلاف الجثث كي ترسمها حدودا جغرافية ونفسية.. ولذلك كان القتلة من الإسلاميين بغباء منقطع النظير يقومون بتصوير عمليات القتل والإعدام والتعذيب الوحشي بحجة إلقاء الرعب في قلب العدو من منطلق (ترهبون به عدو الله وعدوكم) ولفصل المجتمع السوري نفسيا.. لكن الدماغ المفكر في الغرب الذي قدم هذه النصيحة الإعلامية للإسلاميين السوريين كانت غايته تقطيع العقل السوري الواحد إلى عدة عقول وضمائر فيحصل الرفض المتبادل من كل الأطراف وتتقسم النفوس.. ويصبح الانفصال الجغرافي عن الآخر ملحّاً لأن بين الناس دماً ومناظر القتل.. وهكذا نشأت كل الدول والحدود التي تحرسها ذاكرة الموت والمذابح والمعارك وتسيجها الجثث..

وفي قراءة بعيدة للمستقبل كما صار يتردد في مناقشات غربية علنية فإن هذه الوثائق المصورة بيد (الثوار الإسلاميين السوريين) ستفيد يوما لتكون هذه المشاهد العنيفة والدموية للإسلاميين مادة فعالة جدا عند قرار إقصائهم من قبل الغرب واستعمال العنف المفرط بحقهم وإبادتهم بلا رحمة عند أي دخول غربي إلى أي بلد شرقي (وبالذات مصر وسورية).. فستقدم هذه الصور التي يقومون بتصويرها بأنفسهم (في سورية) إلى العالم دليلا على فقدان التنظيمات الإسلامية للسلوك الإنساني والرحمة ودليلا على همجيتها.. تماما كما صار الغرب يقدم صور انتهاكات حقوق الإنسان في عراق صدام حسين فقط عندما قرر هذا الغرب تحرير العراقيين رغم امتلاك الغرب لها منذ سنين طويلة.. وكذلك فإن هذه الوثائق ستسهل التخلي عن الائتلاف السوري عقب أي اتفاق التي ستعمل وسائل الإعلام العالمية على ترويجها لإعادة الرأي العام الغربي إلى القبول بالأسد ونظامه بعد حملة التحريض ضده ليظهر على أنه كان يقاتل تنظيمات متوحشة.. ويعود الحكم السوري إلى الساحة كما عاد القذافي من بعد قصة لوكربي الطويلة..

وإن كنا خسرنا في سورية مخزونات "بيت المونة السوري" والكثير من الشهداء في هذا السفربرلك فهذا لايقاس بالاحتفاظ بالبيت السوري الواسع الذي تهدم بعضه في السفربرلك الأول.. خسائر المال والبناء والخراب لاتقاس ولكن يمكن استعادتها بسرعة خاصة إذا ماتم استثمار مكتشفات حقول الغاز قبالة السواحل السورية.. لكن من سيعيد بناء خارطة سورية إذا ماتشققت بالفوالق والشقوق المقدسة التي ترسمها الأمم المتحدة وشياطينها؟؟.

في الأمثال هناك مثل يقول "فلان أحمق من جحا".. وهو يقال عن شخص لايضاهى في حماقته الخارقة.. لكن الثوار السوريين هم الذين تربعوا على عرش الحماقة.. وترجل جحا عن عرش ذلك المثل ليجلسوا مكانه بجدارة.. وصارت النسخة الجديدة للمثل تقول (أغبى من معارض سوري).. فإذا قيلت هذه العبارة لأحد فإنها تعني منتهى الاهانة والانحطاط الفكري لأن التجربة السورية أثبتت أن أغبى أنواع المعارضين هو المعارض السوري..

فمن يعيد تلخيص الأحداث السورية يجد أنها مرت بمراحل.. وكانت كل مرحلة وإن تغير شكلها وملامحها تمر بنفس التفاصيل المتكررة بترويج التدخل العسكري.. وتصل الذروة ببشائر تغير الموقف الروسي وانهيار النظام في أيام.. وفي الحقيقة صرنا محرجين جميعا من مستوى البلاهة السياسية لجمهور المعارضة السورية الذين ومنذ سنتين يعيدون اجترار نفس المقلب ولايتعلمون.. ويخرجون من حفرة ليسكنوا حفرة أخرى أعمق.. وصارت عملية إحصاء عدد المرات التي زفت المعارضة أخبار التدخل العسكري عملية مرهقة وصعبة.. منذ أيام نداءات الحماية الدولية والتدخل الدولي.. حيث ألبس أردوغان ثياب الحرب عشرين مرة.. ووقف على الحدود خمسين مرة.. ونفد صبره مئة مرة.. ولقم مسدسه العصملي ألف مرة.. وكانت خطط التدخل الناتوي بتفاصيله المملة توزع مجانا وكأن التنسيقيات وجنرالات الجيش الحر الذين يتحدثون كضباط الحلفاء في الحرب العالمية يجلسون مع العقول العسكرية للناتو وينقلون محضر الجلسة وشيفرات الخطة وأحيانا ساعة الصفر..

ومع كل مرحلة كان يقدم لنا نفس سيناريو الفصل الأخير.. فآخر فصل فيها عادة يكون للروس فيها نصيب من نمط ترويج تصريح روسي يروج له وتسريبات لانعرف من أي أنبوب تتسرب بأن الروس يتغيرون.. أو سيتغيرون.. أو تغيروا.. لنكتشف أن الحمقى الثورجيين صدقوا ونزلوا إلى مراقص الساحات ورقصوا لمجلس الأمن ونسفوا وفجروا.. فيكافئهم الأمريكي بعروض وصفقات مع النظام... ومن أجمل كلام الغزل الذي يقوله الأمريكيون في عملية تناوب الأدوار مع الفرنسيين عبارات صرنا نحفظها عن وجه قلب وهي (كل الاحتمالات على طاولة الناتو).. (العمل العسكري ليس مستبعدا) (تتم تحضيرات سرية لعملية الغزو).. (النظام يفقد سيطرته بسرعة وهناك عملية عسكرية على الطاولة) ثم تتم عملية سحب هذه التصريحات بتصريحات مناقضة..

السذج المعارضون مثل ثيران المصارعة كلما لوح لها المصارع بالخرقة اندفعت.. وناطحت الهواء والقماش والخروق وهي تكبّر.. ولم تنفع كل النداءات والنصائح للثيران الثورية أن ما يلوح لها هو الخروق.. خرقة حمراء تسمّى سقوط النظام..

وبرغم كل هذه التنبؤات فهناك البعض ممن يتخوف من أن يقلب السوريون الطاولة بما فيها في آخر لحظة.. أو أن يحدث شيء خارج كل الحسابات.. لأن السفربرلك السوري الأول كان إعلانا لنهاية مرحلة إقليمية ونهاية لخارطة قوى إقليمية قديمة.. وربما يكون السفربرلك الثاني سببا في خرائط جديدة لدول تشرف على السفربرلك السوري..

والسوريون شهيرون بقلب الطاولات في ذروة الأحداث.










رد مع اقتباس