منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - موضوع مميز *** سمات المؤمنين في الفتن وتقلب الأحوال 2 ***
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-04-15, 11:47   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عمي صالح
مشرف عام
 
الصورة الرمزية عمي صالح
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام أفضل خاطرة المرتبة  الثانية وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع وسام الحفظ 
إحصائية العضو










Flower2 *** سمات المؤمنين في الفتن وتقلب الأحوال 2 ***

سمات المؤمنين في الفتن وتقلب الأحوال 2
تمهيد
هذا التمهيد يقوم على ثلاثة محاور : (1) الرجوع إلى أهل العلم الراسخين فيه :
احرص على النظر الصائب الذي يوافق نظر السلف عند الاشتباه ، وعند تغير الأحوال .
وَصَفَ عمرُ بنُ عبد العزيزِ - رحمه تعالى - الصحابةَ وساداتِ التابعين بما وصفهم به ، ومنها قوله : " إِنهم على علمٍ وَقَفُوا ، وببصرٍ نافذٍ كَفُّوا "
قال : " على علمٍ وقفوا " فإنه يجب على المرء وبخاصة أهل العلم والتوجيه أن يقفوا على العلم .
والعلم قسمان : (1) علم لا يدركُهُ المرءُ ، ويتعلَّمُه قبل حلول الحَدَثِ ، فيحيطُ به بما أعطاه الله - جل وعلا - وقد لا يحيطُ به .
(2) علم لم يبحثه إلا وقتَ الحدث .
وهذا في الأغلب أنه لا يحيط بكلام أهل العلم فيه ؛ لأنه لم يتعلمْهُ مِنْ قَبْل .
فَمَنْ عَلِمَ من نفسه حينئذٍ أنه إنما اطّلع على بحوث المسائلِ حين حلولِ الأحداثِ فيجب عليه أن لا يثقَ بجودةِ نظرهِ . . عليه أن يطلبَ براءةَ الذمَّةِ بالرجوع إلى أهل العلم الراسخين فيه .
(2) المسجد في الإسلام للعبادة والعلم :
ومهمة المسجد في الإسلام ما يلي : (1) أنه مكانُ عبادةِ الله - جل وعلا - .
(2) أنه أعظمُ ما يجبُ أن يُحَقَّقَ فيه دينُ الله - جل وعلا - بكماله .
(3) تقامُ فيه الصلواتُ المفروضةُ .
(4) يكون فيه نشرُ الخيرِ ، وتعليمُ الجاهلِ .
(5) يكون فيه الأمر بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر . على وَفْقِ ما تقتضيه الشريعةُ .
(6) تقام فيه الخطبُ النافعةُ .
والخطيب قائم فيها مقامَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم .
ولهذا تَعْظُمُ التّبِعَةُ بعِظَمِ المنصبِ والمسئوليةِ .
ومن أشدِّ من يُعَذَّبُ يوم القيامة - كما جاء في حديث البخاري - فيمن رآهم صلى الله عليه وسلم ليلة عُرِج به ، الخطباءُ الذين لم يوافقوا أمْرَ الله سبحانه وتعالى ، وأمْرَ رسوله ، فرآهم يعَذبونَ بأنواعٍ من العذاب
(7) الإمامُ يقومُ فيه مقامَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أداء هذه المهمةِ ؛ لأنَّ أصلَ الإمامةِ للنبي صلى الله عليه وسلم ولمَنْ أنابَهُ - عليه الصلاة والسلام - أو كَلَّفَهُ ، والإمامةُ لولاةِ الأمورِ في ذلك عند كثرة المساجد .
فإذاً الواجبُ على الأئمة والخطباء أن يحققوا منهج السلف ، وأن لا يُعَرِّضُوا أنفسَهم والمسلمينَ إلى ما فيه العقوبةُ .
(3) الحذر من البغي والتأويل :
أُحذِّرُكم وأحذرُ جميعَ المسلمين من البغي والتأويل ؛ لأنهما الأساسُ في الفرقةِ والفتنةِ والبغضاءِ بين أفرادِ الأمة الإسلامية .
ويجب السمعُ والطاعةُ لولي الأمر ؛ لما في ذلك من سدٍّ للذرائع .
وبعد فيا أيها الإخوان : فإن للمؤمنين سماتٍ عليهم أن يتخَلَّقُوا بها ، وهي :
السمة الأولى : الابتعاد عنة القلب والاستعجال
إن المرء إذا غضب في حال الأمن فإنه قد لا يُدرك الصواب ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه على هذا الحديث : إن هذا الحديث يشمل القضاء في المسائل العلمية ، وفي المسائل العملية ، فالغضب - ومثله الحال التي تقلق الذهن وينفعل معها المرء - لا ينبغي له بل هو منهي أن يقضي في المسائل العلمية وهو على هذا النَّحْوِ من الغضب ، فإذا كان القاضي كذلك في مسألة بين متخاصمين فإن الكلام في المسائل العملية أبلغ ، وإن الكلام في المسائل التي تهم الأمة حينئذٍ أبلغ .
ولهذا كان من سمة منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين فَمَنْ بعدهم من أئمة الإسلام أنهم لم يستعجلوا حين استعجل الناسُ فيما ليس لهم .
قال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ - رحمه تعالى - في وَصْفِ الصحابة والتابعين : " عليكم بآّثارهم فإنهم على علمٍ وَقَفوا ، وببصرٍ نافذٍ كفُّوا "
السمة الثانية : التأني في الفتيا ودفعها إلى أهلها

إن الصحابة رضي الله عنهم تدافعوا الفُتيا ، لأنهم على علمِ وقفوا ، وتدافعوا الفتيا في مسائل يسيرة ,
فكيف إذا جاءت المسائل الكبيرة العظيمة ؟ فهل يكون من منهجهم الإسراع في الفتيا , والإسراع في الكلام ؟
الجواب : ليس هذا من شأنهم ؛ لأنهم على علمِ وقفوا وببصرٍ نافذ كفُّوا البصرُ مراد به البصيرةُ التي قال - جل وعلا - فيها آمراً نبيَّه : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ سورة يوسف : 108 ] .
والبصيرةُ للقلب كالبصر للعين ، ويُعاوَض بينهما في الاستعمال .
قال : " ويبصر نافذ كفوا " فحين كفوا في زمن الفتن , في زمن قتل عثمان رضي الله عنه وفي زمن الخلاف بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - ، وحين كفُّوا في الفتن لما حَصَلَ ما حصل ؛ إنهم ببصرٍ نافذ كفُّوا . . هناك نفاذ حين كَفوا ، وليس الكفُّ عجزاً أو هرباً ، وإنما هو طلبٌ للسلامة حين يَلْقَى الناسُ ربَّهم - جل وعلا - .
وقال الله - تعالى - : وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [ النحل : 116 ] .
هذه الآية تبين شدة خطر القول بأن هذا حلال وهذا حرام ؛ لأن المرء لا يجزم بموافقة حكم الله - جل وعلا - في المسائل الاختلافية ، أو في المسائل المجتهد فيها .
وقد كان منهج السلف في هذه المسائل هو الورع والاحتياط للدين ، فلا يقولون : هذا حلال ، إلا لما اتضح دليله من أدلة الشرع ، ولا يقولون : هذا حرام ، إلا إذا اتضح دليله . . . .
وقال - تعالى : آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ يونس : 59 , 60 ] .
قال العلماء في تفسير هذه الآية : كفى بهذه الآية زاجرة زجراً بليغاً عن التجوزُ فيما يسأل من الأحكام ، وكفى بها باعثة على وجوب الاحتياط في الأحكام ، وأن لا يقول أحذ في شيءٍ : هذا جائز ، وهذا غير جائز إلا بعد إتقان وإيقان .
ومن لم يوقن فليتق وليصمت ، وإلا فهو مفترٍ على الله - عز وجل - ، وقوله - تعالى - : قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [ يونس : 59 ] ، وقوله من شديد الوعيد وهذا يوجب الخوف من الدخول في الفتيا في كل ما يَسأل عنه الناس .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من أفتى بغير علمٍ كان إِثْمُهُ على مَنْ أفْتَاه
وينبغي على المرء أن يربأ بنفسه أن يعرض دينه للخطر ، وأن يعرض حسناته للذهاب بذنب يحدثه في الأمة .
السمة الثالثة : الرفق والأناة والحلم
إن من سمات الصحابة - رضوان الله عليهم - الأخذُ بما يُحِبُّ الله - جل وعلا - ويرضاه ، ومن ذلك الرفقُ والأناةُ والحلمُ .
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء في الصحيحين : إِن الله يُحِب الرفْقَ في الأمرٍ كلهِ
قال نبينا صلى الله عليه وسلم : إنَّ الرِّفْقَ لا يكونُ في شيءً إلاَّ زانَهُ ، ولا يُنزْعُ من شيءَ إلا شانَهُ
السمة الرابعة : اجتماع الكلمة عند الفتن
من سمة السلف لمن درس منهجهم في القرن الأول حين كَثُرَ الخلافُ ، وكَثُرَتِ الفتنُ أنهم يأمرونَ بالاجتماع ، وينهَوْنَ عن الافتراق .
وقد قَرَّرَ أهلُ العلم أن الاجتماع نوعان : (1) الاجتماع في الدين .
(2) والاجتماع على ولي الأمر .
والافتراق نوعان : (1) افتراق في الدين .
(2) وافتراق في الجماعة .
و الله - جل وعلا - قال : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [ آل عمران : 103 ] .
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم حضَّ على الاجتماع والجماعة بقوله : سَتفترَقُ هذه الأمة إلى ثلاثٍ وسبعين فرقَةً كلُها في النار إلا واحدة ، قالوا : مَنْ هي يا رسول الله ؟ قال : هي الجَمَاعةُ
قال أهلُ العلم : معنى الجماعة هنا ما يشمل الاجتماعَ في الدين ، والاجتماعَ على مَنْ ولاه اللهُ الأمرَ من المسلمين .
وقال صلى الله عليه وسلم : الجماعةُ رحمة ، والفُرْقَة عذاب
وهذا ظاهر بَيِّن في أن منهج الأئمة الحرصُ على الجماعة .
حتى أنه لما ظهر القولُ بخلقِ القرآن , وحَصَلَ من الناس ما حَصَلَ من التسارع إلى نشر هذا القول ، ودعا إليه ولي الأمرِ في ذلك الزمانِ ، قال أحدُ طلاب الإمام أحمدَ - وهو إمامُ أهل السنة والجماعة - له : ألا تَرَى ما الناسُ فيه ؟ ألا تقولُ قولاً يغير الله به ما فَعَلَ . . ؟ كأنه يشير إلى ما فَعَلَ ولاة الأمرِ ، أو ما هو مشهورٌ .
فجعل الإمامُ أحمدُ - رحمه الله - ينهى عن ذلك ، وينفضُ يَدَيْهِ شديدا ، ويقول : " إيَّاكُمْ والدماءَ ، إياكمْ والدماءَ "
لأنه يعلم أن شدة الافتراق تُسَبِّبُ في النهاية الافتراقَ في الأبدان ، ثم وقوع ما يُخْشَى منه من سفْكِ الدماء ، أو منازعة في الأمر .
ويتحتمُ على الأمة الإسلامية أن تَعِيَ تماماً ما بينَهُ الكتابُ وكذلك السنةُ أنّ أهل الكتاب تفرّقوا واختلفوا ، وضرب بعضُهم بعضاً ، لا لنقصِ العلم عندهم ، بل من البغي و التأويل .
قال الله - جل وعلا - : وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [ الشورى : 14 ] .
ولذلك قال العلماء في كتب العقائد : إن أعظم ما حصل به الافتراقُ والفتنُ والبغضاءُ في هذه الأمة من شيئين : البغي ، والتأويل .
فإذا حَصَلَ البغيُ : بأن زاد الناسُ على ما أذن به ، أو حَصَلَ التأويل بغير مستند شرعي صحيح وقعتِ الفتنة . والعياذُ بالله - تعالى - .
وقال - صلوات وسلامه عليه - : من يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الخير
وكما قال رسول صلى الله عليه وسلم لأشَجِّ عبد القيسِ : إِن فيك خَصْلتَين يُحِبُّهُما الله : الحلمُ والأناة
السمة الخامسة : السمع والطاعة لولاة الأمر
مما دلّتْ عليه النصوصُ وتظاهرتْ لزومُ السمع والطاعة لوليِّ الأمر المسلم ، لأن السمع والطاعة أمر عظيمٌ ، خَالَفَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أهلَ الجاهلية .
وقد ذكره إمام الدعوة الشيخُ محمدُ بنُ عبدِ الوهاب - رحمه الله - في " مسائل الجاهلية " في أوائل المسائل مع التوحيد . وذكر التوحيد ، والنهي عن الشرك فيما خالف به رسولُ صلى الله عليه وسلم أهلَ الجاهلية . .
وذكرَ الاجتماعَ ، وعدمَ الافتراقِ . .
وذكر الطاعةَ .
وهذا أصل عظيم ، نَقَلَ به النبي صلى الله عليه وسلم الأمةَ عمًا كان عليه أهلُ الجاهليةِ ، ولهذا قال : لا تَرْجِعُوا بعدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بعضُكم رِقابَ بَعْض
وإذا كانت النهاية في أمرٍ ما هو هذا فإنّ سدّ الذرائعِ المُوصِلَةِ له واجبٌ شرعاً ، بل من أعظم الواجبات .
وينبغي على الأمة التسليمُ لوليِّ الأمر في الوفاء بالعهد والميثاق فإذا أخذَ وليُّ الأمر بالعهد والميثاق بينه وبين غير المؤمنين من الكفار ، أو المشركين ؛ فإنه يتحتمُ إمضاؤها ؛ لأن الله - جل وعلا - قال : وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [ الإسراء : 34 ] .
وقال - جل وعلا - : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [ الأنفال : 72 ] .
وهذا الاستثناء لا يخالف الولاءَ والبراءَ ؛ لأن القرآن حقّ كله .
قال ابن كثير - رحمه لله تعالى - في تفسير هذه الآية : " إن استنصركم هؤلاء الأعرابُ الذين لم يهاجروا في قتالٍ دينيٍّ على عدوٍّ لهم فانصروهم ، فإنه واجب عليكم نصرُهم ، لأنهم إخوانكم في الدين ، إلا أن يستنصروكم على قومٍ من الكفار بينكم وبينهم ميثاق - أي : مهادنة إلى مدَّةٍ - فلا تخفِروا ذمتكم ، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم "
قال ابن كثير : " وهذا مرويّ عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - "
وهذا ما فَعَلَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في صلح الحُدَيْبِيةِ .
كان في الصلح أنّ مَنْ أتى النبي صلى الله عليه وسلم من مكةَ من المسلمين فإنه يُرجعُه إليهم ، ومن ذَهَبَ من المسلمين من المدينة إلى مكةَ فإنَّ المشركين لا يَرُدونَهُ إلى المسلمين
وأمضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا العهدَ والميثاقَ .

قال عمر رضي عنه للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ قال :
بلى قال : فعلامَ نقبلُ الدَّنِية في ديننا ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنيِّ رسول ، وأنا واثق بوعدِ الله - عليه الصلاة والسلام - .
ومسائلُ الولاءِ والبراءِ عظيمة ومهمةٌ ، فإذا تكلم فيها أحد من العلماء فإنه يقصد بها ما يشمل عمومَ أحكامها ؛ لأننا نستدل بالقرآن والسنة .
وإن مسائلَ الولاءِ والبراءِ ، والخوضَ في العهودِ والمكاتبات ، وما يحصل من قضايا كبيرةٍ هي لأهلها ، وليس لعامةِ الناس .
وليس من منهج الخطباء وأئمة الدعوة أن يتحدثوا في ذلك مع العامة .
قال الإمامُ الشيخُ عبدُ اللطيفِ بن عبدِ الرحمنِ بنِ حسنِ بنِ محمدِ بن عبدِ الوهابِ : وخضتم في مسائلَ من هذا الباب ، كالكلام في الموالاة ، والمعاداة ، والمصالحة ، والمكاتبات ، وبذل الأموال والهدايا ، ونحو ذلك ، والحكمُ بغير ما أنزل الله ، عند البَوادي ونحوهم من الجفاة . لا يَتكًلَّمُ فيها إلا العلماءُ من ذوي الألباب ، ومَنْ رُزِقَ الفهْمَ عن الله ، وأوتي الحكمةَ وفصلَ الخطابِ " ا ه
كما قال - رحمه الله - أيضاً بعدها : " والكلامُ في هذا يتوقف على معرفة ما قدمناه ، ومعرفةِ أصولٍ عامَّةٍ كلِّية ، لا يجوز الكلامُ في هذا الباب وفي غيره لمن جهلها وأعرض عنها وعن تفاصيلها .
فإن الإجمالَ والإطلاقَ وعدمَ العلم بمعرفة مواقعِ الخطابِ وتفاصيلهِ يحصُلُ به من اللَّبْسِ والخطأِ وعدم الفقه عن الله ما يفسِدُ الأديانَ ، ويُشتتُّ الأذهانَ ، ويحول بينها وبين فهم القرآن .
قال ابن القيم في كافِيَته :
فعليك بالتفصيلِ والتبيينِ فال
إطلاقُ والإجمالُ دونَ بيانِ
قد أفسدا هذا الوجودَ وخَبَّطا ال
أذهان والآراءَ كلَّ زمانِ "
انتهى كلامه - رحمه تعالى - .
إنَّ فهمَ منهج أئمةِ الدعوة متكاملٌ ، والأخذَ به أخذ بما قامتْ به هذه الدعوةُ وقامت به الدولةُ منذ الدولة السعودية الأولى من تحقيقٍ للإسلامِ بفهمٍ شامل للنصوص .
وهذا يتركُ لأهلِ الشأن من ولاةِ الأمرِ ، وأهل العلمِ ؛ لأنّ هذا هو الحقُّ في هذه المسّائل .
والعامةُ لا يمكنهم فهمَ التفصيلِ والتبيينِ في مسائلَ أقلَّ من ذلك فكيفَ في هذه المسائلِ العظيمةِ ؟ ! , ولهذا لم يكن أئمة الدعوةِ في خطبهم الموجودةِ يُفَصِّلُونَ الكلامَ في هذه المسائل ، لأن ذلك - كما قال الشيخُ عبدُ اللطيف - : إنما هو لأهل العلم الذين يفتُونَ بموجبِ ما يعلمون لوليِّ الأمر وللناس .
السمة السادسة : توقير العلماء ومعرفة مكانتهم في الدين
إنّ لأهل العلم في الكتاب والسنة منزلةً عظيمةً لا بدّ أن تُرعى قال الله - جل وعلا - : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [ المجادلة : 11 ] .
فخصَّ أهل العلم عن سائر المؤمنين فقال : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [ فاطر : 28 ] .
لأنهم حين يتكلمون أو يُعَلِّمُونَ فإنهم ينطلقون من الخشية .
ونحن مأمورونَ بأن نقتدي بأهل العلم ، وأن نرجعَ إليهم ، والذمة تبرأ إذا استفتيتَ أهلَ الذكرِ فأفْتَوْكَ في ذلك بما يحقق مقاصدَ الشريعة .
فليس من الدين الطعنُ في أهل العلم ، وليس من الدين الانتقاصُ من أقدارهم ، بل ذلك من عمل الجاهلية .
وقد قال أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وشارح الطحاوية ، وجماعةٌ : لم يكن الصحابةُ يريدون القتالَ ، وإنما وجدوا أنفسهم يتقاتلون بسعيِ الخوارجِ فيما بين الأطراف .
وعلى الأئمة والخطباء وكلِّ طلاب العلم أن يأخذوا العبرةَ من قصص السابقين ، وأن يقرءوا التاريخ بعناية تامة .
قال الله - جل وعلا - في الحث على الاعتبار : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [ يوسف : 111 ] .
يَعني : في قصصِ الأنبياء السالفين . وتاريخُ الأممِ الخالية فيه عبرة .
ومن أعظمِ العبرِ أن يُنظرَ في كيفية حصول القتال بين الصحابة - رضوان الله عليهم - .
كيف حدثت الفتنة وما مبعثهُا ؟ - قَتل عثمان رضي عنه كان بسبب النقمةِ عليه في أمور المال ، والولاية التي ولاّها . وقد ثار بسببها الخوارج فحصل ما حصلَ . وإنما فعلوا ذلك بالتأويل ، ولم يكونوا يكرهون الدينَ ، ولكنهم تأوَّلوا ، على خلاف منهج الصحابة .
- والذي حَصَل بين عليٍّ ومعاويةَ - رضي الله عنهما - من القتال لم يكن يريدانه .
- ودخلت عائشةُ - رضي الله عنها - في ذلك ، ولم ترد إلا الصلحَّ .
السمة السابعة : الاعتبار والعظة بتاريخ الأمم السابقة
مَن قرأ كتب التاريخ وَجَدَ أن الفتنَ إذا ظهرت فأول ما يلجأ إليه الناسُ الذين اشتبهتْ عليهم الأمورُ هو أن يطعنوا في أهلِ العلمِ ، وسارعوا في ذلك ، وهذا ما لا يحمدُ .
وهذا ما حَصَلَ من الخوارج مع علماء الصحابة .
وهذا ما حَصَلَ من أهل البغي لما استُبيحتِ المدينةُ المنورة ، وضُرِبَتْ مكةُ المكرمةُ بالمنجنيق . .
إلى غير ذلك مما حَصَلَ في أزمنة كثيرة .
وقد طفحتْ كُتبٌ الجرحِ والتعديلِ في مَنْ يرى السيفَ في الأمة . وهذا ظاهرٌ بيِّنٌ ، وأن الذي يرى السيفَ في الأمة يكون من وسيلته أن يطعنَ في مَنْ يرجِعُ إليه المسلمونَ كيلا يرجعوا إليه .
ولا يلزم أنّ كل مَنْ طعن فإنه يرى السيف ، ولكن يُحذر ممن رأى السيف طعن ، ولا يلزم أنه مَنْ طَعَنَ فإنه يرى السيف ، لأنه قد يطعنُ لتأويلٍ ، وقد يطعنُ لنقص في العلم ، ونحو ذلك .
السمة الثامنة : عدم الركون إلى الإعلام المغرض
أما الأمر الذي يتعلق بالأحداث المعاصرةِ فإن الجميع يتابعها ، والذي نخشاه أن نأنسَ بما نسمعُ ، ويكون مصدرُ هذا الإعلامِ أصحابَ اللوبي العالمي الصهيوني .
ومعلوم أن هذا لا يخدم قضايا الأمةِ ، بل يخدم قضايا أعداء الأمة .
فالتأثر بذلك والركونُ إلى الإعلام ، والإقبالُ عليه ، وكأنه منقولٌ بالتواتر ، أو بنقلِ العدلِ الثقةِ المُصَدَّقِ عن مثله .
وهذا ليس من منهج العقلاء ولا من طريق الفضلاء .
ومعلوم أنّ منهجَ هذه البلاد هو منهجُ أهلِ السنة والجماعةِ وهذا ما درجت عليه الدعوة التجديدية دعوةُ الإمام المصلح محمد بنِ عبدِ الوهَّابِ - رحمه الله ورحم مَن آواه ومَن نصره وأيده - ، وهذه الدعوة لم تقم من فراغٍ ، وإنما أُسست على الفِقهِ في الكتاب والسنة .
فالفِقْهُ في هذه الدعوةِ أن يؤخَذَ بكلامِ علمائِها ومنهجهم ، وهم متواصلون - ولله الحمد - من وقت الإمام المجدد إلى هذا الوقتِ ، نَقَلَهُ الحاضرُ من الماضي بفِقْهٍ وبصيرةٍ .
السمة التاسعة : الالتزام بأمر الإمام في الدعوة إلى الجهاد
إن الجهادَ في سبيل الله - جلّ وعلا - لتكون كلمةُ الله هي العليا أمرٌ نافذ شرعي .
دلَّتْ عليه النصوصُ الكثيرةُ من الكتابِ والسنةِ وأجمعَ عليه سلفُ الأمة ، ودُوِّنَ في كتب العقائدِ .
لكنَّ الجهادَ كغيرِه من مسائلِ هذا الدينِ ، له شروطٌ ، وأركانٌ ، وواجباتٌ ، وله أحكام تفصيليةٌ فُصِّلَتْ في كتبِ الجهادِ وأبوابِهِ ، من كُتُبِ الفِقْهِ ، أو الكتبِ المستقلةِ .
فالأمر بالصلاة والزكاةِ والصيامِ والحجِ وسائر أحكام الشريعة لا يعني أنه ليس لها شروط .
وإذا كان الأمرُ كذلك فإنَّ أولَ أحكامِ الجهادِ وأولَ شروطِهِ : أن الذي يدعو إلى الجهاد هو وليُّ الأمرِ .
وليس لأحدٍ من الناس أن يفتئتوا على ولي الأمر بالدعوة إلى الجهاد .
وهذا ظاهر بدليله من القرآن والسنة ، ومن إجماع أهل السنة والجماعة ، ومن كلام أئمة الدعوة - رحمهم الله تعالى - .
وإجماعُ أهل السنة والجماعة على أن الجهادَ ماضٍ مع كل إمام برً أو فاجر .
وقولهم : " مع كلِّ إمام " يعني أنه لا بدّ للجهاد من رايةٍ تحت إمامٍ يُسْمَعُ له ويطاعُ ، ويكونُ له الأمرُ .
ومما يدلُّ على ذلك قولُ جَمْعٍ من مشايخ الدعوة في نصيحةٍ عامةٍ وَجَّهُوهَا إلى الناسِ في وقت يُشَابِهُ هذا الوقت .
منهم الشيخُ محمدُ بنُ عبد ِاللطيفِ بنِ عبد ِالرحمنِ ، والشيخُ سعدُ بنُ حمدِ بنِ عتيقٍ ، والشيخُ عبدُ العنقريُّ ، والشيخُ عمرُ بنُ سليمٍ ، والشيخُ محمدُ بنُ إبراهيمَ .
ذكروا في نصيحتهم بعد سياقِ النصوصِ الدالَّةِ على وجوبِ السمعِ والطاعةِ لولي الأمر ، قالوا ما نصهُ : وإذا فُهم ما تقدمَ من النصوصِ القرآنيةِ والأحاديثِ النبويةِ وكلامِ العلماءِ المحققينَ في وجوبِ السمعِ والطاعةِ لوليِّ الأمرِ ، وتحريمِ منازَعتهِ ، والخروجِ عليه ، أنّ المصالحَ الدينيةَ والدنيويةَ لا انتظامَ لها إلا بالإمامةِ والجماعةِ ، تبينّ أنّ الخروجَ عن طاعةِ وليِّ الأمرِ والافتئاتِ عليه بغزوٍ ، أو بغيره معصية ومُشاقًّة لله ورسوله ، ومخالفة لما عليهِ أهلُ السنةِ والجماعةِ "
وهذا منهج متكاملٌ يجب علينا أن نرعاه ؛ لأنَّ أهلَ العلمِ وولاةَ الأمرِ أدرى بما يكونُ بعدَ الإذنِ بالجهاد .
ليس الأمرُ أن تقول : نعمْ ، ولكنْ ما الذي يكون بعده ؟ .
وليس الأمرُ أن تقولَ : لا ، ولكن ما الذي يكون بعده ؟ .
وهذا إنما يُراعى فيه درء المفاسد ، وتحصيل المصالح . كما جاء في الشريعة .
السمة العاشرة : سلامة ألسنتنا من الطعن في الصحابة رضي الله عنهم
إن من عقيدتنا سلامةُ ألسنتنا من النيلِ في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأن لا يكونَ في قلوبنا غلٌّ للذين آمنوا .
قال الله - عز وجل - : وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [ الحشر : 10 ] .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدَكم أنفقَ مثلَ أُحد ذهبا ما بَلَغَ مُدَّ أحدِهِمْ ولا نَصِيفَه
قال أبو محمد البَرْبَهاريُّ - رحمه الله - : " إذا رأيت الرجل يطعن على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه صاحب هوىً ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا ذكِرَ أصحابي فأمسكوا وقال صلى الله عليه وسلم : ذروا أصحابي ، ولا تقولوا فيهم إلا خيراً ولا تُحَدِّثْ بشيء من زللهم ولا خَبَرِهم وما غاب عنك علمه ، ولا تسمعْه من أحدٍ يُحَدِّثُ به ، فإنه لا يَسْلَمُ قلبك إن سمعته . . . " .
ثم قال - رحمه الله - : " ولا تَذْكُرْ أحداً من أمهات المسلمين إلاّ بخير "
ولا بد أن نقرأَ التاريخ بِرَوِيّة وأن ننظرَ في مبادئ الأمور ، وكيف صارت إلى ما انتهت إليه .
الخاتمة
إن الاتفاقَ على اجتماع الكلمة يحصلُ به من الاجتماع وتحصيل الدينِ ، وردِّ الشرِّ ما لا يحصل بالافتراق .
وإنَّ تركَ ما يُرِيبُ الإنسانَ إلى ما لا يريبُه أصل أصيل كما في واحدٍ من الأحاديث التي عليها مدارُ الدينِ وهو : دع مَا يُرِيبك إلَى ما لاَ يُرِيبك
وعلينا أن نلتزم بتقوى الله - جل وعلا - في كل حالٍ ، وأن نحرصَ على التوازنِ والحكمةِ وموافقةِ الشرعِ .
وأن نبرئ ذمتنا في موافقةِ منهجِ السلفِ الصالحِ .
ولا تتأثَّرْ فيما إذا لم يوافِقْكَ الكثيرونَ ممن يريدون الحماس ولكن لا بدَّ أن تقولَ ما عليه منهجُ الأئمةِ والسلفِ الصالحِ ؛ لأنَّ في الكتاب والسنة وهديِ السلف الصالح نجاةً عند حلول الفتن .
والله َ - جل وعلا - أسألُ أن يوفِّقَ الجميعَ إلى ما فيه رضاه ، وأن يُخَلِّصَ قلوبَنا من الغشِّ والغلّ ، وأن يجعلنا ممن يحقق الموالاةَ للمؤمنين ، والمعاداةَ للكافرين ، وأن يجعلنا ممن رضي عنه ، وأرضى عنه .
وأن لا يحرمَنا - جل جلاله - توفيقَه وتسديدَه بسوء أعمالنا ، ولا بذنوبنا ، ولا بتقصيرنا .
وأسألُ الله - سبحانه - أن يوفّقَ ولاةَ أمورِنا إلى ما فيه الخيرُ ، وأن يجعلَهم هداةً مهتدينَ غير ضالينَ ولا مضلّين .
وأن يبرِمَ لهذه الأمة أمرَ رشدٍ ، يُعَرُّ فيه أهل الطاعة ، ويُعَافَى فيه أهلُ المعصية .
وأن يوفّق علماءَنا إلى ما فيه الهُدَى والسدادُ ، وأن يجمع كلمةَ الجميع على البرِّ والتقوى ، وأن ينيلَنا رضاه يوم نلقاه .
وصلى الله وَسَلَّمَ على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
المصدر








 


آخر تعديل عمي صالح 2010-04-15 في 11:59.
رد مع اقتباس