منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - موضوع مميز [] موضوع تعليمي تفاعلي @ الشعر الحر أو شعر التفعيلة @ []
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-05-21, 01:14   رقم المشاركة : 775
معلومات العضو
أمير جزائري حر
الأَديبُ الحُرّ
 
الصورة الرمزية أمير جزائري حر
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


[] الدّرس رقم 14: ظاهرة أو فـنِّـيّـة التِّكرار في الشّعر - تابع - []

[] أشكـــال الــتــكــرار [] -[] الشّكل 01 - تكرار الحرف []

يًعـدُّ تكرار الحرف- عند شعراء الحداثة المعاصرين- ظاهرة فنـيّـة تبعث على التّأمل، والاستقصاء لاسيما إذا أدركنا أن تكرار الحروف ينطوي على دلالات مُعيّـنة؛ منها:

1- الحالة الموسيقية:

من الدّلالات النّفسية لتكرار الحروف التعبير عن الانفعال، والقلق، والتوتر، وهذا يُدلّْــلُ على الحالة الشعورية لدى الشّاعر، ومنعرجاتها النّغميّة ضمن النّسق الشّعري الّذي يتضمّنه، وأبرز ما يحدثه من أثر في نفس السامع أنه: "يُحدثُ نغمة موسيقية لافتة للنظر لكن وقعها في النفس لا يكون كوقع تكرار الكلمات، وأنصاف الأبيات، أو الأبيات عامة، وعلى الرغم من ذلك فإن تكرار الصوت يسهم في تهيئة السامع للدخول في أعماق الكلمة الشعرية"
ولذلك، اعتمد شعراء الحداثة تكرار الحرف بوصفه قيمة (إيقاعية/ صوتية) تغذي الناحية النغمية في القصيدة، وقد تدخل في صلب الدّلالة، أو تفخيم الرُّؤية الشّعرية التي تتضمّنها.

مثال:

مقطع شعري لشوقي بغدادي:

"آه لو مرَّ من صوب قلبي أريجٌ
كما كان ينفحُ منها
وآه لو أن عيوناً تغازلني مثلما كنت أقبس من مقلتيها
إذن لتناسيت بعض عذابي
وأغمضتُ عيني كي أستريح بعيداً عن الضجّة المستبيحة بيتي"

تحليل //

هنا، أشاعت أداة التأوه (آه) إحساس الأسى والحسرة والغصّة الخانقة التي تعتصر كيان الشاعر، بما تحمله من زفرات حارقة، وحسرات شعورية منكسرة، إذ يستجمع الشّاعر فيها كل مشاعره المستفيضة وقواه النابضة في وصف توقه وشوقه لمحبوبته، وأريجها الفواح، وعبيرها النشوان، وبريق عينيها الرّقراق؛ لعله ينسى صخب الحياة، وضجيجها، وروتينها المميت، وقد أدى التّـكرار الصّوتي دوره الملحوظ في التّـنـفـيس عن هذه الحرقة المؤلمة التي دفعته إلى تكرار أداة التأوه (آه) استجماماً وتنفيساً عما يعانيه من وطأة، وشدّة، وضيق. وكأن هذا التكرار جاء ليُوطّد الحالة الشعورية، بكل دفقها العاطفي، وتوتُّرها الداخلي، ونفسها الشعوري المحموم.

2- الدّور البُـنـيَـوِي:

قد يسهم تكرار الحروف في ربط الجمل، متجاوزاً دوره الصوتي إلى درجة يتعدى فيها الحالة الموسيقية أو النغمية للقصيدة، ليدخل في تكوينها، وربط الجمل فيما بينها، أي يكون لتكرار الحروف دور بنيوي يتعدى الحالة الموسيقية ليدخل في تركيبها، وهذا يدلُّنا أن " وظيفة التّـكرار لا تقتصر على تلخيص الغرض، أو توكيده بهدف التأثير في المتلقي وتنبيهه، ولا على اعتباره لازمة تفصل المقطع عما يليه، وإنما يؤدي التكرار دوراً بنائياً داخل بنية النص الشعري بوصفه يحمل وظيفة إيقاعية وتعبيرية؛ الغرض منها الإعلان عن حركة جديدة تكسر مسار القراءة التعاقبية، لأنها توقف جريانه داخل النص الشعري، وتقطع التسلسل المنطقي لمعانيه، وهذا كله يتطلب البحث عن عمق الدلالة النفسية لأثر التكرار في تحقيق جمالية النص وقوّته البلاغية."

مثال:

مقطع شعري لمحمد عمران:


"لأن شتاءنا كالصيفِ، مقهورٌ ومغتصبُ
لأن فصولنا جرحٌ يمزق خيطه جرحُ
ينزُّ وليس من يمحو
ولا من يشرئبُ بناره لهبُ
ألوبُ، ألوبُ، أسألُ : أين عيناكِ؟!!
يسافرُ فيها وجهي الذي ضاعا
يسافرُ جيلي التعبُ"

تحليل //

هنا، يقوم التكرار بدور علائقي رابط، ربط ( السبب/ بالنتيجة) عبر الرابط اللغوي المكرر الذي تبدى في تكرار الحرف ( لأن)، وهذا التكرار وَلَّـدَ تماسكاً في الأنساق والجمل الشعرية، من بداية النَّسق حتّى نهايته، إذْ اِستمَـرّ المُتـلـقِّي في حالة تحفُّـزٍ وتيقُّـظٍ حتّى وصل إلى الرّابط الأخير ( ألوب) ليدلَّ على معاناةِ الشَّاعر، حالة التّعب الذي ارتحلت فصوله المؤلمة بجراحها الكثيرة وفصولها الحزينة المقهورة، وقد أدّى تكرار الحرف ( لأن) دوره العلائقي الرّابط لحركة الأنساق، مما يدل على تجاوزه المنحى النغمي، ليتغلغل في حركة القصيدة وبنائها الفني.


../









آخر تعديل أمير جزائري حر 2018-05-24 في 12:19.
رد مع اقتباس