منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نداء نريد مقالة جدلية عن الشعور لا تقل عن 19
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-05-06, 19:37   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
ام ريهام
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










B10

المشكلة: الشعور و اللاشعور - هل الحياة النفسية كلها شعورية ؟
طرح المشكلة : كان الفكر الفلسفي منصبا على موضوعات ماورائية بعيدة عن فكرة الانسان ، ولكن سرعان ما أخذ هذا التفكير مساره نحو البحث عن ماهية الانسان بما تحويه من حقائق أولية وكانت أهم المرتكزات المفاهيمية: التفكير في الانسان وفي أبعاده من بينها التفكير في الوعي باعتباره بعدا من أبعاده الذي عرف بالشعور، فهو اطلاع مباشر عما يجول في داخلنا من حالات شعورية ، فإذا تقرر ان الذات الانسانية ترغب و تحتاج، ذات تستعمل لغة تعبر عن فكر. فهل يدفعنا هذا التقرير ان جميع تصرفاتنا شعورية ؟ ولكن ما هو ملاحظ عند الانسان العادي انه يسلك سلوكات في بعض الاحيان و يجهل اسبابها فهل هذا يعني ان الانسان يعيش حياة نفسية لاشعورية ؟ وبناءا على هذا التناقض الفلسفي حول حقيقة الحياة النفسية نطرح الاشكال التالي: هل الحياة النفسية قوامها الشعور فقط ؟ بمعنى آخر هل السلوك الإنساني يمكن فهمه برده الى الوعي فقط ؟
محاولة حل المشكلة: الاطروحة الأولى: اعتقد الكثير من الفلاسفة و من بعدهم علماء النفس أن الشعور قوام الحياة الإنسانية و لعل أوضح اتجاه فلسفي أكد هذه الحقيقة و بشكل قطعي هو الاتجاه العقلاني الذي أرسى دعائمه ديكارت من خلال الكوجيتو "أنا أفكر إذن أنا موجود" وقد اعتمد ديكارت في عرض اطروحته على المعنى البسيكولوجي الذي أعطاه للوعي وذلك بالانتقال من تعريف الإنسان بكونه جوهر ميتافيزيقي وحيوان ناطق يخضع إلى نواميس الكون عند الإغريق ،إلى التعامل معه على أنه ذات عارفة وأنا مفكر منطلقها الشك فإذا كنت أشك، فإن معنى ذلك أني أفكر، وإذا كنت أفكر فإنني موجود؛ ويمثل التفكير، إذن، قوام وجودي.وهذا يعني ان الفكر دليل على الوجود وان النفس البشرية لا تنقطع عن التفكير إلا اذا انعدم وجودها وان كل ما يحدث في الذات قابل للمعرفة و الشعور قابل للمعرفة فهو موجود اما اللاشعور فهو غير قابل للمعرفة ومن ثم فهو غير موجود يقول ديكارت: " لا توجد حياة اخرى خارج النفس إلا الحياة الفيزيولوجية" أي الأنا عند ديكارت هو جوهر مفكر أو ذات واعية. والوعي عنده هو حقيقة بديهية تدرك عن طريق الحدس العقلي بحيث لا يرقى إليه الشك أبدا ، فللأنا المفكرة خصائص مثل الشك والتصور والتخيل والإحساس وهذه الخصائص لا تنفصل عنه وبالتالي فهو على وعي بكل ما يجري في نفسه و يتميز الأنا المفكر بالوحدة والثبات؛ فبالرغم من أنه تصدر عنه عدة أفعال، فإنه يظل هو هو وفي تطابق مع نفسه يقول ديكارت : " انا ذات مفكرة واعية لذاتها، وعلمت ان هذه الحقيقة الاولى و الاصلية هي الركيزة التي كنت ابحث عنها لإقامة البناء الفلسفي الذي اريده ." و هنا يتساوى الموضوع مع الذات ، و يكون الوعي فكر الفكر. فتوصل الى اثبات روحانية هذا الجوهر العارف الواعي و استقر تفكيره عند ثنائية النفس و الجسد معتبرا ان معرفة النفس هي اسبق و اسهل من معرفة الجسد. : يتعلق المفهوم الأول بتصورنا للروح، ويشمل العقل والإدراك الحسي والإرادة ومختلف النوازع الانفعالية؛ ويتعلق المفهوم الثاني بتصورنا للجسم، وهو مفهوم الامتداد الذي تُرَد إليه أشكال الأجسام وهيئاتها وحركاتها؛ وينطبق مبدأ ثنائية الوجود على الإنسان نفسه، وتتجلى من خلال ازدواجية الروح والبدن. ميز ديكارت، إذن، بين الروح والجسد، ولكنه أقام بينهما علاقة، هي علاقة التفاعل المتبادل تتجلى من خلال قدرة الروح على تحريك البدن، وقدرة البدن على التأثير في الروح وإثارة انفعالاتها .والأنا الديكارتي، تكشف عن نفسها بنفسها، ولا تستمد وجودها إلا من ذاتها باعتبارها ذاتا مفكرة، وهذه الذات مكتفية بذاتها، لا تحتاج في وجودها إلى شيء آخر.وبهذه النظرية تمسك الذات بحقيقة احوالها و تنكشف امام نفسها في منتهى الوضوح و الشفافية انها ذات تشك و تفهم ، تثبت و تنفي، تريد و تتخيل وتحس ايضا.من هذا المنطلق طابقت المدرسة التقليدية بين الشعور و الحياة النفسية، فما هو واع نفسي وما هو نفسي واع، يلزم عن ذلك ان الحياة الشعورية مساوية تماما للحياة النفسية و العكس صحيح. و الدليل على الطابع الواعي للسلوك هو شهادة الشعور ذاته كملاحظة داخلية....وتجسد هذا في قول رابلي : " ليس العلم بدون وعي إلا خرابا للروح". واعتبار الشعور اساس الحياة النفسية تعزز مع الفيلسوف الحدساني برغسون مؤسس علم النفس الاستبطاني فالحدس ، على حدّ تعبيره ، هو نوع من التعاطف تجعل الفرد يتفهم لوحده ما يدور داخل عمقه النفسي. وهذه المعرفة الحدسية تبقى معرفة فردانية خاصة بالشخص وحده ولا يمكن أن تنقل إلى الآخرين عبر الكلام. ويكشف برغسون عن خاصية أخرى هامة تميز الشعور وهي الحركية والدينامية" الشعور ديمومة ". وهذه الخاصية نفسها تبيّن أن حالات الوعي الداخلية ليست حالات متقطعة وليس بالإمكان تفكيكها ومعاينتها كل على حدة، إذ الوعي هو استمرارية دفاقة وحركية منطبعة بالتغيّر. فحياتنا الداخلية تظهر على شكل وعي متدفق تتعاقب فيه وتترابط الأفكار والذكريات والمشاعر من كل صوب وحدب فيشكّل لوحة متوحّدة تنصهر فيها كل القوى والملكات تماماً مثلما تنصهر الألوان وتتوحد لحظة مغيب الشمس. وهذه الحقيقة عبر عنها وليام جيمس الذي كتب يقول "إن علم النفس هو وصف وتفسير للأحوال الشعورية من حيث هي كذلك"
النقد: إذا كان ما هو شعوري نفسي صحيحا، لان الوعي حقيقة لا يمكن انكارها .اما ما هو نفسي شعوري غير صحيح ففي حياتنا حوادث لا يمكن تفسيرها بربطها بالشعور، فالتجربة النفسية تكشف بوضوح أننا نعيش الكثير من الحالات دون أن نعرف لها سبباً .والسؤال الذي يطرح هو فكيف نفسر هذه السلوكات ؟.
الاطروحة الثانية : في مقابل المدرسة التقليدية السابقة اعتقد علماء النفس المعاصرين ان حياتنا النفسية قائمة على اساس اللاشعور. وقد اتضح هذا مع فرويد باعتباره رائدا للتحليل النفسي ، إذ اللاشعور لديه هو ذلك الجانب الخفي من الميول و الرغبات التي تؤثر في السلوك بطريقة غير مباشرة و دون وعي. وقد استند في تبرير اطروحته على حجة علمية مفادها علمية فرضية اللاشعور ومشروعيتها، اذ ان عجز و نقص معطيات الشعور عن تفسير افعال الانسان السوي و الغير السوي على حد سواء،باعتبار ان اللاشعور هو الذي يجعل افكارنا متماسكة و مفهومة و منتظمة، ومن هنا استكمال معطيات الشعور بمعطيات اللاشعور لتفسير سلوك الانسان لذلك قسّم فرويد العقل إلى منطقتين ، و شبّه العقل بجبل جليدي يطفوفوق مياه البحر ، و ما ظهر فوق السطح هو "الشعور"الذي هو ضئيل جداً إذا ما قيس بما خفي تحت سطح الماء (اللّاشعور) يقول فرويد:" يجب ان نرى في اللاشعور عمق الحياة النفسية كلها ". لذلك حرص فرويد على بيان المظاهر المختلفة التي يبدو من خلالها البعد اللاشعوري للسلوك و التي تعطي المشروعية التامة له. إذ يقول فرويد "إن فرضية اللاشعور فرضية لازمة و مشروعة و أن لنا أدلة كثيرة على وجود اللاشعور".ومنها: مفاهيم الاعماق: التي نسميها عادة فلتات لسان و زلات قلم و التي تدل على أنها تترجم رغبات دفينة، لأن السؤال الذي يطرحه فرويد هو لماذا تظهر تلك الأفعال مع أن السياق لا يقتضيها، و لماذا تظهر تلك الأخطاء بالذات لا شك أن الأمر يتعلق بوجه آخر للحياة النفسية، لأن الوعي لا ينظر إليها إلا باعتبارها أخطاء، مع أن فهمها الحقيقي لا يكون إلا في مستوى لا شعوري يقول فرويد: "فأنت ترى الإنسان السليم، كالمريض على السواء يبدي من الأفعال النفسية ما لا يمكن تفسيره إلا بافتراض أفعال أخرى يضيق عنه الشعور"، ضف الى ذلك النسيان، فإنّه يعود أحيانًا إلى اللاوعي، فإنّ نسيان موعد ليس دائمًا فعلاً غير مقصود، بل قد يخفي وراءه عدوانية: يضرب فرويد مثلاً عن زوج متوتّر العلاقة مع زوجته يتلقّى منها هديّة كتاب مطالعة ويشكرها على لفتتها الجميلة ويعدها بقراءة الكتاب، ثمّ يضعه في مكان؛ لكنّه ينسى تمامًا أين وضعه. تمضي شهور وتمرض والدته فتلقى من زوجته عناية جيّدة، يفرح الرجل من فعل زوجته، وعندما يعود إلى البيت ذات مساء ويفتح مكان وجود الكتاب كما لو كان تحت تأثير تنويم مغناطيسي فيقع حالاً على الكتاب المفقود؛ نستنتج من هذا المثلّ، أنّه عندما زالت الخلفية العاطفية المانعة وجد الزوج الكتاب.اما أحلام النوم فقد اكتسب الحلم معنى جديدا عند فرويد، إذ أوحت له تجاربه أن الرغبة المكبوتة تتحين الفرص للتعبير عن نفسها أثناء النوم حينما تكون سلطة الرقيب ضعيفة تلبس الرغبة المكبوتة ثوبا جديدا وتطفو على السطح، فالحلم اذن يعبّر عن رغبات الإنسان اللاواعية؛ فهو إذًا ذو معنى إنساني وشخصي. إنّ أكثر الأحلام تعبّر عن رغبات مكبوتة من الأفضل أن تتابع مجراها اللاواعي. ويكون الإنسان في حال يقظته خاضعًا لرقابة هي مزيج من ضغوطات أخلاقية وإجتماعية ودينية وقواعد سلوكية. وتؤدي هذه الرقابة اإلى كبت الرغبات التي تتخفّى دون أن تختفي في الحقيقة وتنتظر واهنةً وتعبةً في الرقابة لتعود فتظهر إلى مسرح الواقع متنكرة وعلى درجة كبيرة من الرمزية؛ لذلك كانت الأحلام موضوعًا للتأويل تكشف لنا خفايا النفس وأعماقها اللاواعية، علمًا بأنّ الأحلام لا تحمل كلّها علامات مرضية. فقد تكون تحقيقًا لرغبة عادية . فإحدى مريضاته ذكرت له أنّها رأت في المنام، أنّها اشترت من مخزن فخم قبّعة جميلة سوداء غالية الثمن، أدّى تحليل هذا الحلم إلى أنّ زوج هذه المرأة مريض طاعن في السنّ وبخيل، وأنّها واقعة في حبّ شاب جميل وغني. فكان الحلم تعبيرًا عن مجموعة رغبات أخرجها اللاوعي بطريقة رمزية. فإنّ القبعة الجميلة تعني رغبتها في إغراء عشيقها، والثمن الباهظ يعني رغبتها في المال، أمّا القبعة السوداء فهي رمز الحداد ورغبة في التخلّص من زوجها المريض. اما فيما يخص نظرية الكبت ما هي الا دليل اخر على وجود اللاشعور، يـــــــرى فرويد أن ما يمر بنا من خبرات حسية و ذهنية و انفعالية يسجله العقل بصورة ما و تكون ذاكرتنا بمثابة الأرشيف الذي نضع فيه تلك السجلات, فمن السجلات ما يكون ماثلا أمامنا في الشعور , ومنها ما نستطيع أن نبحث عنه فنستخرجه من بعض الخزائن ( اللاشعور) وطبقا لفرويد تبقى تلك المحتويات اللاشعورية حية لا تموت ، بل تظل نشطة تعمل على الوصول إلى نظام الشعور ، الا أن قوى الرقابة المشددة في الشخصية تحيل دون ذلك ، فتضطر هذه المواد المكبوتة أن تلتمس التعبير عن نفسها بطرق غير مباشرة "دون علم الرقيب" بالاحلام والتخيلات وفلتات اللسان ، وزلات القلم،السالفة الذكر.و بتعبير فرويد تكون هذه المظاهر "حجة لا ترد" على وجود اللاشعور.و لكي نفهم آلية اشتغال اللاشعور و طريقة تكونه يضع فرويد أمامنا تصورا للحياة النفسية، إذ يفترض أن النفس مشدودة بثلاث قوى:الهو: الذي يمثل أقدم قسم من أقسام الجهاز النفسي و يحتوي على كل موروث طبيعي أي ما هو موجود بحكم الولادة، بمعنى أن الهو يمثل حضور الطبيعة فينا بكل بدائيتها و حيوانتها الممثلة رأسا في الغرائز و أقوامها الجنسية و هذه محكومة بمبدأ اللذة و بالتالي فهي تسعى التي التحقق،. الأنا: ونعني بها الذات الواعية و التي نشأت ونبتت في الأصل من الهوى و بفعل التنشئة امتلكت سلطة الإشراف على الحركة و السلوك و الفعل الإرادي و مهمتها حفظ الذات من خلال تخزينها للخبرات المتعلقة بها في الذاكرة و حفظ الذات يقتضي التكيف ، و هي بهذا تصدر أحكاما فيما يتعلق بإشباع الحاجات كالتأجيل أو القمع. الأنا الأعلى: و هي قوة في النفس تمثل حضور المجتمع بأوامره و نواهيه أو بلغة أخرى حضور الثقافة، فقد لاحظ فرويد أن مدة الطفولة الطويلة تجعل الطفل يعتمد على والديه الذين يزرعان فيه قيم المجتمع ونظامه الثقافي لأن هذا ما يقتضيه الواقع، فيمارس الأنا الأعلى ضغطا على الأنا. التي تكون مطالبة في الأخير بالسعي إلى تحقيق قدر من التوفيق بين مطالب الهوى و أوامر و نواهي المجتمع فيلزم على ذلك صد الرغبات و ينتج عن هذا الصد ما يسمى بالكبت، و كبت الرغبة لا يعني موتها بل عودتها إلى الظهور في شكل جديد تمثله المظاهر السابقة. لم تتوقف جهود فرويد على القول بحياة نفسية لا شعورية بل اجتهد في ابتكار طريقة تساعد على النفاذ إلى المحتوى اللاشعوري لمعرفته من جهة و لتحقيق التطهير النفسي من جهة أخرى و يقوم التحليل النفسي على مبدأ التداعي الحر للذكريات و القصد منه مساعدة المريض على العودة بذاكرته إلى مراحل الطفولة الأولى و الشكل المرضي و الشاذ و المنحرف للرغبة
نقد: حققت النظرية اللاشعورية نجاحات مهمة ، فمن الناحية المعرفية أعطت النظرية فهما جديدا للسلوك. أما من الناحية العملية فالنظرية اللاشعورية انتهت إلى منهج ساهم في علاج الاضطرابات النفسية.غير ان فرويد قلل من فاعلية الشعور و سلب الانسان كل حرية و ارادة فالإنسان يمتاز بالعقل مصدر الوعي الادراك. انتقده جورج لوكاس في قوله "إن سيكولوجية فرويد سيكولوجية الرجل العاطل عن العمل ".
التركيب: ان الحياة النفسية كيان متشابك يتداخل فيه ما هو شعوري بما هو لاشعوري. فالشعور يمكننا من فهم الجانب الواعي من الحياة النفسية, و اللاشعور يمكننا من فهم الجانب اللاواعي منها , أي ان الانسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين: جانب شعوري و جانب لاشعوري, وان ما لا نستطيع تفسيره بالشعور نستطيع تفسيره برده الى اللاشعور يقول فريديريك هيربيرت في هذا الصدد : " يمكن للأفكار ان تنتقل من حالة واقعية ( حالة واعية) الى حالة مزاجية لاإرادية (حالة لاوعي )، و يوجد خط فاصل بين كلا الحالتين يسمى عتبة الوعي."
حل المشكلة:
الشعور وحده غير كاف لمعرفة كل ما يجري في حياتنا النفسية, وعليه نستنتج ان الحياة النفسية تتأسّس على ثنائية متكاملة قوامها الشعور واللاشعور ؛ الشعور بحوادثه وأحواله التي بدونها لا يتأتّى للإدراك وسائر الوظائف العقلية الأخرى أن تتفاعل فيما بينها أو مع العالم الخارجي، واللاشعور بمخزونه المتنوّع كرصيد ثريّ يمكّن في آن واحد من استكشاف تاريخ الفرد وكذا تقويم سلوكه .










رد مع اقتباس