منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التصادم البحري في القانون الدولي و المسؤولية المترتبة عنه
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-02-27, 18:23   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
abbes8
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية abbes8
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


الفصل الأول : التصـــــــــــادم البحـــــــــــــــــــري

المبحث الأول : التصادم البحري في القانون الدولي



المطلب الأول : مفهوم التصادم البحري في معاهدة بروكسل لسنة 1910

الفرع الأول : تعريف التصادم البحري

أولا : المعنى اللغوي للتصادم : كلمة تصادم جاءت من الفعل صدم أو صدمه يصدمه صدما أي دفعه وضربه بجسده ، صادمه مصادمة أي ضربه فيقال صدمه أمر شديد أي أصابه، وتصادم الفارسان واصطدما أي ضرب أحدهما الآخر بنفسه وتزاحما والإسم الصدمة ، و الصدم مصدر وأصله ضرب الشيء الصلب بمثله فالتصادم البحري لغة يعني التضارب و الإحتكاك بين أجسام المنشآت العائمة



ثانيا : المعنى الإصطلاحي للتصادم البحري :

لقد عرفت المادة الأولى من الإتفاقية التصادم البحري على أنه " الإرتطام الذي يحدث بين سفينتين بحريتين

أو بين سفينة بحرية ومركب للملاحة الداخلية بغض النظر عن المياه التي يقع فيها التصادم " وانطلاقا من هذا التعريف نجد أن الإتفاقية لم تعتد بمكان المياه التي يقع فيها التصادم وإنما بصفة القطع البحرية المتصادمة ولذلك فللتصادم البحري شروط نعرضها في الفرع الثاني.



إن التصادمات البحرية تحدث غالبا بين سفن ترفع أعلاما مختلفة وهذا من شأنه أن يخلق تنازع للقوانين ، لذا فكر البعض في وضع معاهدة لتوحيد القواعد التي تحكم هذا النوع من الحوادث فجاءت معاهدة بروكسل الدولية الموقعة في 23/09/1910 و الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بالمصادمات البحرية.

لذا قسمنا هذا البحث إلى مطلبين يتعلق الأول بمفهوم التصادم البحري في هذه المعاهدة و الثاني يخص نطاق تطبيق المعاهدة.

الفرع الثاني : شروط التصادم البحري.

فحتى يعتبر التصادم بحريا لابد أن تتوافر فيه الشروط التالية.



أولا : أن يقع التصادم بين سفينتين أو بين سفينة و مركب للملاحة الداخلية : ويستدعي لمعرفة ذلك التمييز بين المدلولين بصورة واضحة غير أن معاهدة بروكسل لم تحدد ذلك عكس الأنظمة الوطنية التي اهتمت بتحديدها ، ففي هولندا المحكمة العليا قد عرفت السفن البحرية بأنها '' السفن التي تقوم بالملاحة في البحر والمراكب الداخلية هي السفن التي تقوم بالملاحة في المياه الداخلية '' بينما المشرع الإنجليزي و في المادة الثامنة من قانون إدارة العدالة لسنة 1956 لم يقم تفرقة واضحة بين السفن البحرية ومراكب الملاحة الداخلية، ويلاحظ أن الترجمة الإنجليزية الرسمية لإتفاقية 1910 قد أطلقت اصطلاح

على السفن البحرية و أطلقت اصطلاح SEA GOING VESSELS

على سفن الملاحة الداخلية، أما النسخة الفرنسية فقد إستعملت اصطلاحVessels of inland navigation

للسفن البحرية و تعبير Navires de mer

لمراكب الملاحة الداخلية أو البواخر(2)Bateaux de navigation intérieur



فلا يهم نوع السفينة ما إن كانت تجارية أو للصيد أو للنزهة ، وأيا كان مكان الحادث سواء كانت المياه بحرية أو داخلية ، غير أنه لا يعتبر حادث تصادم بحري إذا ما وقع بين مراكب مخصصة للملاحة النهرية الداخلية حتى ولو وقع الحادث في مياه بحرية.

ويذهب رأي إلى أن أحكام المعاهدة تطبق على التصادم الذي يقع بين مركبين إذا كان راجع إلى دوامة أحدثتها إحدى السفن

كما تطبق أحكام التصادم البحري حتى ولو وقع التصادم بين سفينتين تابعتين لنفس المجهز إذ كلتا السفينتين تعد ذمة بحرية مستقلة.



ثانيا : أن يقع التصادم بين سفن عائمة :

يشترط في الحادث حتى يعتبر تصادما بحريا أن يقع بين منشأتين عائمتين أو أكثر ، فإذا ارتطمت السفينة بجسم ثابت فلا يعتد ذلك تصادما بحريا كأن تصطدم برصيف أو صخور، إذ تطبق حينئذ القواعد العامة في المسؤولية وطبقا للمادة الأولى من المعاهدة فإنها تشمل العائمات المقيدة بمرسى ثابث والتي أخرجها المشرع الفرنسي من نطاق تطبيق أحكام التصادم البحري.

والمقصود بالعائمة هي كل الأجهزة العائمة و المعدة للملاحة سواء في البحر أو في المياه الداخلية و لو لم ينطبق عليها الوصف القانوني للسفينة ، أي كل منشأة تعمل عادة أو تكون معدة للعمل في الملاحة البحرية ولو لم تهدف للربح ، و العائمة يقصد بها هنا هي تلك التي تملك قوتها المحركة الخاصة بها و التي تمكنها من المناورة أي تملك حرية الحركة أيا كان مصدر هذه الحركة (شراعية، ميكانيكية …)

ولا يعد كذلك تصادما بحريا عندما تصطدم السفينة بجسم عائم لا يعتبر سفينة أو مركب للملاحة الداخلية، ولقد استقر القضاء على عدم تطبيق أحكام التصادم في حالة ارتطام سفينة بجسم ثابت كالرصيف مثلا إذ يفترض حتى تطبق أحكامه أن يقع الإصطدام بين جسمين عائمين أحدهما سفينة على الأقل كما أنه لا يهم ما إذا كانت في حالة حركة أو في حالة رسو

ثالثا : الإرتطام المادي :

يشترط حتى يعد الحادث تصادما بحريا أن يحدث إحتكاك مادي بين المنشأتين فمثلا لايعد ناشئا عن تصادم الضرر اللاحق بالسفينة بسبب الأمواج العنيفة التي تحدثها سيفينة أخرى مارة بالقرب منها دون أن ترتطم بها.

غير أنه وطبقا للمادة 13 من اتفاقية التصادم يخضع لأحكام التصادم البحري الضرر الناشئ عن قيام السفينة بحركة أو إهمال القيام بحركة أو عن عدم مراعاة الأحكام الوطنية أو الدولية السارية، أي أنه بمجرد قيام السفينة بمناورة خاطئة أو إهمال القيام بحركة واجبة أو مخالفة قواعد السير في البحر، ومثال ذلك أن تسير سفينة على مقربة من سفينة أخرى دون مراعاة السرعة أو المسافة التي تقضي بها قواعد السير في البحر فتتحرك الأمواج من حولها ويحدث الضرر



الفرع الثالث : الحالات المستثناة من تطبيق أحكام التصادم البحري

هناك حالات رغم توافرها على شروط التصادم البحري إلا أنها لا تخضع لأحكامه ، بالنظر إلى المادة 11 من معاهدة بروكسل فإن أحكامها لا تطبق على السفن الحربية وسفن الدولة المخصصة كلية لخدمة عامة وهذا ما يؤدي إلى عدم تطبيق أحكام المعاهدة على سفن البضاعة وسفن الصيد في الأساطيل الإشتراكية أو المؤممة غير أن القضاء الفرنسي إستقرعلى أن هذه السفن الأخيرة غير مخصصة لخدمة عامة في مفهوم المعاهدة وهذا ما يستشف بوضوح من معاهدة بروكسل الموقعة في 10/04/1926 و المتعلقة بحصانة السفن المملوكة للدولة

والتي لم تصادق عليها أي دولة إشتراكية فيما عدا رومانيا و هنقاريا اللتان صادقتا عليها في سنة 1936 ولم تنقضاها بعد أن أصبحتا إشتراكيتان، وبولونيا التي صادقت عليها في سنة 1936 ونقضتها في سنة 1952 ويوغوسلافيا التي وقعت عليها منذ أن كانت مملكة.

كما أن أحكام التصادم البحري لا تطبق على الإرتطام الذي يحصل بين السفن الحربية وسفن الحكومة المخصصة لخدمة عامة و ذلك طبقا للمادة 11 من المعاهدة ، إذ يخضع التصادم بين هذه السفن أو بينها وبين غيرها من السفن المملوكة للأفراد للمبادئ العامة في تنازع القوانين. إذ تنص المادة 11 على أنه :

'' لا تنطبق أحكام المعاهدة الحالية على السفن الحربية وسفن الحكومة المخصصة كلية لخدمة عامة ''

فطبقا لأحكام هذه المادة حتى ولو كانت السفينة مملوكة للدولة وغير مخصصة لخدمة عامة فهي تخضع لأحكام المعاهدة.

ودائما وحسب أحكام المعاهدة فإن أحكامها تطبق إذا وقع التصادم البحري مادامت لا توجد علاقة تعاقدية بين المدعي و المدعى عليه ، فمثلا الدعوى التي يرفعها المسافرعلى الناقل للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابته نتيجة التصادم لا تخضع لأحكام المعاهدة بل يطبق عليها القانون المختص بمقتضى قواعد التنازع المعمول بها في قانون القاضي الذي ينظر النزاع.

كما لا تطبق أحكام التصادم البحري على الإرتطام الذي يحصل بين سفينة الإرشاد و السفينة التي إستخدمتها

والإرتطام الذي يحصل بين سفينة القطر و السفينة المقطورة فهاتان الحالتان تخضعان للقانون الذي يحدده العقد غير أن التساؤل يطرح إذا كان الإرشاد إجباريا إذ يصعب القول بوجود علاقة تعاقدية بين السفينة المصدومة

وسفينة الإرشاد التي صدمتها وتعد في هذه الحالة المسؤولية المترتبة عن التصادم مسؤولية تقصيرية تخضع للمبادئ العامة في تنازع القوانين.

غير أن معاهدة بروكسل و في المادة الخامسة قد نصت على سريان أحكام المعاهدة في حالة ما إذا حصل التصادم بسبب خطأ المرشد حتى ولو كان الإرشاد إجباريا لكن بشرط وهو أن تتفق الدول المتعاهدة على تحديد مسؤولية ملاك السفن ، ومعنى ذلك أنه في حالة ما إذا تصادمت سفينتين تابعتين لدول متعاقدة ليس بسبب خطأ ربان إحداهما و إنما بسبب خطأ المرشد الذي يقودها فإن مالك السفينة الصادمة يعد مسؤولا وفقا لأحكام المعاهدة حتى ولو كان الإرشاد إجباريا بشرط أن تكون الدول التابعة لها السفن المتصادمة قد انضمت إلى معاهدة بروكسل لعام 1924 الخاصة بسندات الشحن ومعاهدة 1957 في شأن تحديد مسؤولية ملاك السفن.

وعليه إذا لم يتم الإتفاق على تحديد مسؤولية المالك على هذا النحو سنرجع إلى المبادئ العامة في تنازع القوانين لمعرفة القانون الواجب التطبيق على مدى مسؤولية مالك السفينة عن خطأ المرشد فيما لو كان الإرشاد إجباريا.



الفرع الرابع : أنواع التصادم البحري :

لقد ميزت معاهدة بروكسل بين أربعة أنواع من التصادم البحري وهي التصادم القهري ، التصادم المشتبه في أسبابه ، التصادم بسبب خطأ إحدى السفينتين و التصادم بخطأ مشترك.

أولا : التصادم القهري و التصادم المشتبه في أسبابه :

التصادم القهري هو الحادث الذي يثبت أنه يرجع إلى قوة قاهرة ، وتعرف القوة القاهرة أو الحادث الجبري طبقا للقواعد العامة على أنه كل حادث غير متوقع ولا يمكن توقيه و الذي يرجع له الضرر تماما بمعنى أنه على المدعي بحالة القوة القاهرة أن يثبتها ويثبت أنه لم يرتكب خطأ كما أنه إتخذ من جهته كل الإحتياطات التي تتطلبها ظروف الحال، ويحدث هذا النوع غالبا في الموانئ و المراسي نتيجة هبوط عاصفة قوية تتسبب في قطع الحبال التي تربط السفينة أو تؤدي إلى اقتلاع مرساها ، أو التصادم الذي يرجع إلى ارتفاع الماء في الميناء

أو إلى الضباب مثلا.

أما التصادم المشكوك في سبب وقوعه فيكون عندما ترى المحكمة المعروض عليها النزاع أن البيانات المقدمة لها لا تثبت القوة القاهرة ولا وجود لخطأ إحدى السفن أو خطأ مشترك تسبب في وقوع الحادث كأن تتضارب أقوال الشهود أو تكون غير دقيقة.

ولقد وضعت معاهدة بروكسل لسنة 1910 لهذين النوعين أي التصادم القهري و التصادم المشتبه في سبب وقوعه نفس الحكم أوردته في المادة الثانية الفقرة الأولى منها و التي تنص على أنه " إذا حصل التصادم عرضا أو كان ناشئ عن قوة قاهرة أو كان هناك شك في أسباب التصادم تكون الخسائر على عاتق من أصابته ".

أما الفقرة الثانية من ذات المادة فتنص على أن نفس الحكم يطبق في حالة ما إذا كانت السفن أو إحداها راسية وقت الحادث إذ أن بعض التشريعات تقتضي إذا كانت السفينة راسية وقت الحادث فإن التصادم يفترض أنه وقع بخطأ ربان السفينة الأخرى السائرة عكس المعاهدة التي إستبعدت هذه القرينة.

وإلحاق حكم التصادم المشتبه في سببه بالتصادم القهري حكم سليم إذ أنه متى قام شك في سبب الضرر فعلى المضرور أن يرفع هذا الشك وأن يقيم الدليل عن خطأ من تقاضيه فإذا عجز عن هذا الإثبات فلا محل للمسؤولية على الإطلاق.



ثانيا : التصادم بسبب خطأ إحدى السفينتين

تنص المادة 03 من المعاهدة على أنه '' إذا حصل التصادم بسبب خطأ إحدى السفن فتلتزم السفينة التي إرتكبت الخطأ بتعويض الخسائر'' فقد يكون الخطأ منسوبا إلى الربان كأن يخالف القواعد الدولية لمنع التصادم في البحار كعدم إخلاء الطريق للسفينة الشراعية. وقد يكون منسوبا إلى المجهز نفسه كأن يسمح بسفر السفينة وهي غير صالحة للملاحة أو غير مزودة بطاقم كاف لمناورتها.

وقد إستبعدت المعاهدة كافة القرائن القانونية على الخطأ فيما يتعلق بالمسؤولية على المصادمات البحرية إذ نصت صراحة في الفقرة الثانية من المادة السادسة على أنه :

" ... ليست هناك قرائن على أن المضرور يقيم الدليل على خطأ الربان أيا كانت الظروف التي حصل فيها التصادم ". أي أنه على المضرور دائما وفي كل الحالات أن يثبت خطأ السفينة الصادمة لأنه لامجال لإفتراض هذا الخطأ طبقا لأحكام المعاهدة.

ويقصد بالأضرار التي يتعين على السفينة الصادمة أن تعوضها طبقا لأحكام المعاهدة هي تلك الحاصلة للغيرأما بشأن الأضرار التي تلحق بالسفينة الصادمة ذاتها أو بركابها أو بالبضائع المشحونة عليها فإن تعويضها يتم وفق المسؤولية العقدية لأنها ناشئة عن إخلال بتنفيذ إلتزام عقدي (عند نقل البضائع أو عند نقل الأشخاص).



ثالثا : التصادم بسبب الخطأ المشترك

إذا كان الخطأ المؤدي إلى التصادم مشتركا قدرت مسؤولية كل سفينة من السفن التي حدث بينها التصادم بنسبة الخطأ الذي وقع منها ، وإذا حالت الظروف دون تحديد نسبة الخطأ الذي وقع من كل سفينة وزعت المسؤولية بينهما بالتساوي هذا ماجاءت به الفقرة الأولى من المادة الرابعة من المعاهدة ، وتطبيق هذه القاعدة يتوافق مع القواعد العامة في المسؤولية المدنية إذ يطبق القضاء هذا المبدأ في حال إشتراك المضرور في الخطأ مع مرتكب الفعل وهو مانحن بصدده الآن.

أما الفقرتان الثانية و الثالثة من المادة السالفة الذكر فإنهما تقران أنه تسأل السفن التي اشتركت في الخطأ بذات النسب المنصوص عليها في الفقرة الأولى السابقة و بدون تضامن بينها قبل الغير عن الأضرار المادية ، وتكون المسؤولية قبل الغير بالتضامن إذا ترتب على الخطأ أضرار جسمانية. على أن يكون لمن يدفع حصة تفوق ماكان عليه أن يتحمل أن يرجع بالفارق على السفن الأخرى.

وبهذا فالمعاهدة أقرت بمبدأ التضامن عن الأضرارالبدنية ،لكنها خرجت عن هذا المبدأ بالنسبة للأضرار المادية والذي مفاده تضامن المسؤولين عن الفعل الضار إذا تعددوا طبقا لنص المادة 126 من القانون المدني الجزائري.

وأساس الإلتزام بالتضامن أن كل المسؤولين قد إرتكب خطأ ساهم في كل الضرر وأنه بدون هذا الخطأ فإن الضرر ماكان ليقع ، وللدائن في الإلتزام بالتضامن أن يرفع دعواه على المدين الذي يختاره مطالبا إياه بتعويض كل مالحقه من ضرر ، غير أن تطبيق ذلك في التصادم البحري قد يؤدي إلى إصطدام المجهز الذي تحمل كامل التعويض بتحديد المسؤولية التي يدفع بها المجهز المرجوع عليه لهذا فإن معاهدة بروكسل نصت على أن القاعدة في التصادم هي عدم التضامن وبالتالي لا يجوز للمضرور أن يطالب كل مسؤول عن التصادم إلا في حدود النسبة التي حددها الحكم دون أن يستفيد مما تقرره القواعد العامة (التضامن).

المطلب الثاني : نطاق تطبيق معاهدة بروكسل سنة 1910

إن أحكام معاهدة بروكسل وطبقا للمادة 12 منها لا تطبق إلا إذا كانت السفن المتصادمة تابعة لدول متعاقدة أي منظمة إلى المعاهدة وقد ذهب جانب من الفقه في البداية بأنه لايكفي لتطبيق أحكام المعاهدة أن تكون السفن المتصادمة تابعة لدول متعاقدة بل يجب أن ينتمي كافة ذوي الشأن إلى تلك الدول غيرأن الراجح فقها أن المادة 12 من المعاهدة تبين أنه يكفي لتطبيق أحكامها إنتماء السفن المتصادمة لدول متعاقدة ومختلفة بغض النظر عن جنسية ذوي الشأن (1) ، ويقصد بذوي الشأن كل من الشاحنين ، الركاب ، و المجهزين.

ومع ذلك فقد وضعت الفقرة الثانية من المادة 12 السالفة الذكر تحفظين هامين وهما :

الأول : أنه إذا كان أصحاب الشأن تابعين لدول غير متعاقدة و التصادم وقع بين دول متعاقدة ورفع النزاع أمام إحدى محاكمها فإنه يجوز لهذه المحاكم أن تعلق تطبيق أحكام المعاهدة على شرط أن تكون الدول غير المتعاقدة والتي ينتمي إليها ذوو الشأن تعتنق حلا مماثلا لصالح مواطني الدولة المتعاقدة التي رفع النزاع أمام محاكمها.

الثاني : فمؤداه إذا كان جميع أصحاب الشأن تابعين لنفس الدولة التي رفعت الدعوى أمام محكمتها فإن القانون الوطني لهذه الدولة هو الذي يطبق وليست المعاهدة.



ففي هذه الحالة لايكفي إتحاد علم السفن المتصادمة وإنما يجب فوق ذلك أن يتمتع جميع أصحاب الشأن بجنسية الدولة التي تتبعها السفن المتصادمة و التي رفع النزاع أمام محاكمها ، كما أن تطبيق المعاهدة لا يرتبط بالمياه التي وقع بها التصادم إذ يكفي لتطبيق الأحكام الموحدة على كافة أصحاب الشأن أن تكون السفن المتصادمة تابعة لدولة موقعة على المعاهدة بغض النظر عن المياه التي وقع بها التصادم سواء كانت عامة أو داخلية تابعة لدول متعاقدة أو غير متعاقدة ، غير أن هذا الحل الأخير والذي تبنته المعاهدة ورغم بساطته إلا أنه يطرح إشكال عندما يقع التصادم في مياه إقليمية تابعة لدولة غير متعاقدة لأن فيه خروج عن المبادئ العامة و التي تقضي بتطبيق القانون المحلي إذا وقع التصادم في المياه الإقليمية أو الداخلية التابعة لإحدى الدول.



كما أنه يخرج من نطاق تطبيق المعاهدة إذا كان أساس الخطأ المرتكب هو الإخلال بالتزام تعاقدي فمناط المعاهدة هو المسؤولية المترتبة على التصادم البحري بوصفها مسؤولية تقصيرية وهذا ما كرسته المادة 10

من الإتفاقية. وعليه فالدعوى التي سيرفعها مثلا الشاحن ضد الناقل جراء الضرراللاحق بالبضاعة المشحونة بالسفينة نتيجة التصادم لا يخضع لأحكام المعاهدة بل يطبق بشأنها القانون المختص بمقتضى قواعد التنازع المعمول بها في قانون القاصي الذي ينظر النزاع.



المبحث الثاني : التصادم البحري في القانون الجزائري

لقد نظم المشرع الجزائري التصادم البحري في القسم الأول من الفصل الرابع من القانون البحري والمتضمن الحوادث البحرية تحت عنوان تصادم السفن في البحار إبتداءا من المادة 273 إلى المادة 298 وكما سبق أن قسمنا أحكام التصادم البحري في القانون الدولي سنقسمها في القانون الداخلي فنتطرق إلى مفهومه في القانون الداخلي ثم أحكامه.



المطلب الأول : مفهوم التصادم البحري في القانون الجزائري



الفرع الأول : تعريف التصادم البحري في القانون الوطني

لقد عرف المشرع الجزائري التصادم البحري على أنه كل إرتطام مادي أو إصطدام بين السفن في البحر أو بين السفن وبواخر الملاحة الداخلية دون إعتيار للمياه التي وقع فيها التصادم ، بل ولم يقف عند هذا الحد بل إعتبر من قبيل التصادم الإرتطام الذي يحصل بين سفينة ومنشأة ثابتة أو شيء ثابت في نقطة معينة وواقعة في الأملاك العمومية البحرية

ويلاحظ أن المشرع الجزائري قد تأثر بتعريف التصادم البحري الذي جاءت به معاهدة بروكسل في مادتها الأولى. حتى فيما يخص الخسائر التي تسببها سفينة لسفينة أخرى أو للأشياء أو الأشخاص الموجودين على متنها على إثر تنفيذ أو إهمال مناورة في الملاحة أو عدم مراعاة القواعد مع عدم حصول إصطدام أو إرتطام بصفة مباشرة.



الفرع الثاني : الشروط الواجب توافرها لتطبيق أحكام التصادم في القانون الجزائري.

لا يختلف الأمر بالنسبة للشروط الواجب توافرها في التصادم في القانون الجزائري عنه في معاهدة بروكسل لسنة 1910 وهو أن يقع التصادم بين سفينتين أو بين سفينة وباخرة للملاحة الداخلية ، وأن يقع التصادم بين آليات عائمة وأن يكون الإرتطام ماديا .



أولا : أن يقع التصادم بين السفينتين أو بين سفينة وأخرى للملاحة الداخلية :

لقد إعتبر المشرع الجزائري الحادث تصادما بحريا عندما يحصل ذلك بين سفينة بحرية أو بينه وبين مركب للملاحة الداخلية ، وقد نص صراحة على أنه لا يهم المكان الذي يقع فيه التصادم عكس المشرع الليبي الذي لم يأخذ بهذا الحكم بحيث يشترط أن يحصل التصادم بين سفينتين أو أكثر وبالتالي فأحكام التصادم في هذا القانون لا تشمل الإرتطام الذي يحصل بين سفينة بحرية ومركب للملاحة الداخلية

كما أن المشرع الجزائري لم يحدد نوع السفن المتصادمة وعليه فلا يهم ما إذا كانت تجارية أو للصيد أو للنزهة.



ثانيا : أن يقع التصادم بين سفن عائمة :

يشترط في الحادث حتى يعتبر تصادما بحريا أن يقع بين منشأتين أو آليتين عائمتين فإذا إرتطمت السفينة بجسم ثابت لا يعد ذلك تصادما بحريا كأن تصطدم برصيف أو صخور ففي مثل هذه الحالات تطبق القواعد العامة في المسؤولية.

والمشرع الجزائري شبه الآليات العائمة Les engins flottants

بالسفن وبواخر الملاحة الداخلية فيما يخص التصادم البحري. وبهذا فالمشرع الجزائري قد فصل فيما يخصها لأنه يثار التساؤل بشأنها فهل هي أية عائمة معدة للملاحة سواء في البحر أو في المياه الداخلية ولو لم ينطبق عليها الوصف القانوني للسفينة الوارد في المادة 13 من هذا القانون و التي تعرف السفينة على أنها كل عمارة بحرية أو آلية عائمة تقوم بالملاحة البحرية إما بوسيلتها الخاصة وإما عن طريق قطرها بسفينة أخرى أو مخصصة لمثل هذه الملاحة.



ثالثا : الإرتطام المادي : جاءت المادة 273 من القانون البحري مشترطة حتى تطبق أحكام التصادم البحري أن يحصل إرتطام مادي بين السفن أي أن يحدث احتكاك مادي بين المنشأتين ، لكن سرعان ماتدارك الأمر المشرع بالمادة 274 وشمل الضرر الناشئ عن قيام السفينة بتنفيذ أو إهمال مناورة في الملاحة أو عدم مراعاة القواعد مع عدم حصول اصطدام أو إرتطام بصفة مباشرة.

غير أن المشرع وطبقا للمادة 286 من نفس القانون أخرج من نطاق تطبيق أحكام التصادم البحري السفن البحرية الوطنية وسفن حراسة الشواطئ إذا تسببت للغير عن أضرار وذلك خلال الخدمات أو التمارين العسكرية في المياه البحرية المصرح بأنه خطرة للملاحة. أي أنه في الحالات العادية فهي تخضع لأحكام التصادم البحري وذلك ماتؤكده المادة 298 من القانون البحري الجزائري.



الفرع الثالث : الحالات المستثناة من تطبيق أحكام التصادم البحري

هناك حالات ورغم توافرها على شروط التصادم البحري إلا أن أحكامه لا تطبق وهي حالة السفن البحرية الوطنية وسفن حراسة الشواطئ خلال التمارين العسكرية أو الخدمات في المياه البحرية و المصرح بأنها خطرة للملاحة.



غير أن القانون المصري وضع حكم خاص بالإرشاد في المادة 288 من قانون التجارة البحرية رقم 8 لسنة 1990 على أن أحكام التصادم البحري لا تسري على التصادم الذي يحصل بين لنش الإرشاد والسفينة التي إستخدمته فلا يسأل مجهز السفينة على الأضرار التي لحقت باللنش أثناء عملية الإرشاد إلا إذا أثبت أن الضرر نشأ عن خطأ جسيم من المرشد وهذا الحكم خاص فقط بالضرر اللاحق باللنش وليس بالمرشد وهذا الحكم نجد ما يقابله في القانون الجزائري وهو المادة 284 إذ جاءت هذه المادة عامة ولاتخص الإرشاد فقط

بل تخص كل أنواع عقود الخدمات التي يمكن أن تربط السفن المتصادمة.



المطلب الثاني : أحكام التصادم البحري في القانون الجزائري

ونتطرق في هذا المطلب إلى أحكام المسؤولية والتي على أساسها يتم تنظيم تعويض الأضرار والذي سيأتي تفصيلها في الفصل الثاني لذا سنكتفي هنا بإعطاء المفاهيم ، إذ يختلف حكم التصادم البحري بإختلاف سببه ويميز المشرع الجزائري بين أربعة أنواع وهي : التصادم القهري ، التصادم المشتبه في أسبابه ، التصادم

بخطأ أحد السفن ، وأخيرا التصادم بسبب خطأ مشترك.



الفرع الأول : التصادم بخطأ إحدى السفن

وتضمنته المادة 277 والتي تطابق المادة 03 من المعاهدة والتي تنص على أنه إذا حصل التصادم بخطأ

إحدى السفن وقع تعويض الأضرار على عاتق السفينة التي إرتكبت الخطأ.

ويعتبر هذا النص في الحقيقة تطبيق للقواعد العامة في المسؤولية إذ تنص المادة 124 من القانون المدني

على أن : (كل عمل أي كان يرتكبه المرء ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض)

وقد يكون الخطأ منسوبا إلى الربان أو قد يكون خطأ الطاقم أو مالك السفينة أو المجهز لأن المادة في صياغتها ذكرت خطأ السفينة. ومثال الخطأ الفردي أن يسمح مالك السفينة بسفر السفينة رغم أنها غير صالحة للملاحة فتتسبب في حادث تصادم مع سفينة أخرى.



الفرع الثاني : التصادم بسبب الخطأ مشترك

وجاء حكم هذا الفرع بنص المادة 278 بحيث إذا نتج التصادم بسبب خطأ مشترك لسفينتين أو عدة سفن فإن المسؤولية توزع بينهما بحسب نسبة جسامة الأخطاء التي إرتكبتها كل منها، فإذا لم يمكن تحديد هذه النسبة وزعت المسؤولية على حصص متساوية بينها وهذا الحكم تقابله المادة 04 من المعاهدة وهو في الحقيقة أيضا تطبيق لقواعد المسؤولية التقصيرية في القواعد العامة.



الفرع الثالث : التصادم القهري و المشتبه في سببه

لقد سوى المشرع الجزائري بين حكم التصادم القهري و المشكوك في سببه ، ومعنى التصادم القهري هو ذلك الحادث الذي يثبت أنه يرجع إلى قوة قاهرة و الذي سبق أن فصلنا فيه بحيث في كلا النوعين يتحمل الخسارة

من وقعت له مهما كانت وضعية السفن عائمة أو إحداها راسية.



الفصل الثاني: المسؤولية المترتبة عن التصادم البحري

إن طبيعة المسؤولية المترتبة عن التصادم البحري هي مسؤولية تقصيرية في الأصل ، مالم يكن هناك بين السفينتين المتصادمتين علاقة تعاقدية سابقة تخضع لقانون العقد ، وتطبيقا لذلك فإنه لا تسري أحكام التصادم البحري على التصادم الذي يقع بين سفينة القطر و السفينة المقطورة لأنعقدالقطر ينظم العلاقة بينهما وكذلك فإن مسؤولية مالك السفينة أو مجهزها عن الأضرار المترتبة عن التصادم و التي أصابت أحد المسافرين أو البضائع المشحونة لا تعد مسؤولية تقصيرية وفقا للمبادئ العامة و إنما هي مسؤولية عقدية يحكمها قانون العقد أو بوليصة الشحن .

وقد يثار التساؤل عن جدوى تحديد وصف التصادم وما إذا كان يعد تصادما بحريا من عدمه ،و طبقا للقانون الجزائري المادة 9 من القانون المدني فإن مسألة التكييف تخضع لقانون القاضي في نزاع يتضمن عنصرا أجنبيا .

البحث الأول: أنواع التصادم و قواعد المسؤولية .

المطلب الأول : المسؤولية الناتجة عن التصادم بقوة قاهرة أو سبب مشكوك فيه .

تنص المادة 281 من القانون البحري الجزائري على أنه "إذا كان التصادم قهرياأو بسبب حالة القوة القاهرة أو ظهرت شكوك في أسباب الحادث ، تحمل الأضرار من تعرض للتصادم بدون تمييزللحالة التي كانت فيها السفن أو إحداها راسية عند وقوع التصادم".

وحينما يتعذر الوقوف على سبب وقوع التصادم على وجه القطع ، فإنه يكون أقرب إلي إعتباره تصادما قهريا، وقد أخذت التشريعات البحرية العربية و غيرها بهذا المنطق كما أخذت به معاهدة بروكسل لسنة 1910 .

وعلى مدعي حالة القوة القاهرة إثباتها و أنه لم يرتكب أي خطأ ، وأنه اتخذ كل التدابيرو الإحتياطات التي تتطلبها ظروف الحال ، و في الغالب تحدث القوة القاهرة في الموانئ و المراسي نتيجة عاصفة قوية تؤدي إلي قطع الحبال التي تربط السفينة بالرصيف و إقتلاع مرساها ، ومن إستقراء الأحكام القضائية نجدها تعتبر أن قوة العاصفة و الإحتياطات التي تتخذها السفن و الإرتفاع المفاجئ للماء في الميناء أو الضباب تصادما قهريا.

ومتى كان التصادم واقعا نتيجة قوة قاهرة فإن كل سفينة من السفن المتصادمة تتحمل ما أصابها من ضرر، وفي ذلك محض تطبيق للقواعد العامة التي تعفي المدين من المسؤولية إذا كان الضرر قد نشأ عن قوة قاهرة إذ لا يمكن نسبة الخطأ إليه.



أما التصادم المشكوك في سبب وقوعه فيكون عند ماتجد المحكمة أن البيانات المقدمة لها لا تثبت القوة القاهرة ، و لا تثبت وجود خطأ إحدى السفن أو خطأ مشترك تسبب في وقوع الحادث ، وقد قضى باعتبار التصادم مشتبها في سببه لأن أقوال رباني و طاقمي السفينتين في دعوى التصادم كانت متضاربة بحيث لم يكن في الإمكان تغليب إحداهما على الأخرى (محكمة fecomp 6-12- 19- 1953. D.M.F 753)(1).

وخلاصة القول أننا نكون بصدد تصادم مشتبه في سببه عندما لا يمكن للطرفين إثبات حالة القوة القاهرة

أو خطأ نتج عنه الحادث .

وهنا المشرع وحد بين حكم التصادم نتيجة القوة القاهرة و بين حكم التصادم المجهول السبب أو المشتبه في سببه فيما يخص المسؤولية ففي الحالتين تتحمل كل سفينة ما أصابها من ضرر، و ذلك بدون تمييز للحالة التي كانت فيها السفن أو إحداها راسية عند وقوع التصادم كما جاء في نص المادة 281 السالفة الذكر.

المطلب الثاني : المسؤولية الناتجة عن التصادم بسبب خطأ إحدى السفن

المبدأ أنه إذا نشأ التصادم عن خطأ إحدى السفن إلتزمت هذه السفينة بتعويض الضرر الذي يترتب على التصادم وهذا ماجاءت به المادة 277/3 من القانون البحري الجزائري و التي تنص : "... إذا نتج التصادم بخطأ إحدى السفن وقع تعويض الأضرار على عاتق السفينة التي إرتكبت الخطأ ".

و تجدرالإشارة إلى أنه بصريح نص المشرع لا يفترض الخطأ في المسؤولية الناشئة عن التصادم ، ويترتب على ذلك أن على المدعي بالمسؤولية إثبات خطأ ربان أو مجهز السفينة التي تسببت في وقوع الحادث وهذا النص من شأنه إستبعاد العمل بالقرائن التي دأب القضاء على الأخذ بها ، مثل إفتراض خطأ السفينة البخارية عند تصادمها مع سفينة شراعية ، أو إفتراض خطأ السفينة السائرة عند تصادمها مع سفينة راسية أو منشأة عائمة غير مخصصة للملاحة البحرية.

وهنا عندما تحصل أضرار مادية أو بدنية للغير تنشأ المسؤولية عن التصادم البحري و ليس الأضرار التي تحدث لركاب السفينة التي تصطدم بخطئها ، ولا للبضائع المشحونة على هذه السفينة ، فلا ترتب حقا ناشئا عن التصادم، وإنما تعد في الواقع ناشئة عن إخلال بتنفيذ عقد نقل البضائع أو الأشخاص ،فالتعويض هنا أساسه العلاقة التعاقدية ، والمدعي بالتعويض عن الأضرار ليس بحاجة إلي إثبات الخطأ للحصول على التعويض ، وإنما لكل من الشاحن و الراكب أن يتمسك بقرينة المسؤولية المنصوص عليها في القانون .



المطلب الثالث: المسؤولية الناتجة عن التصادم بسبب خطأ مشترك بين السفينتين

قد يقع التصادم بسبب خطأ مشترك بين المنشأتين كأن يخطئ ربان كل سفينة في المناورات اللازمة لحركة سفينته مما يؤدي إلى وقوع التصادم ولتحديد حكم التصادم بسبب خطأ مشترك ، يجب التمييز بين توزيع المسؤولية بين المنشأتين و مسؤوليتهما اتجاه الغير

الفرع الأول : توزيع المسؤولية بين المنشأتين

طبقا للقانون إذا كان الخطأ مشتركا قدرت مسؤولية كل سفينة من السفن التي حدث بينها التصادم بنسبة الخطأ الذي وقع منها ، وهذا ما نصت عليه المادة 287 من القانون البحري الجزائري، وعلى ذلك يجب إقامة الدليل على الخطأ الذي ينسب إلي كلتا السفينتين مع إثبات مساهمة كل منهما في الخطأ الذي وقع منها والمثال على ذلك أن يتسبب خطأ إحدى السفن في وقوع التصادم بنسبة 60% بينما الأخرى بنسبة 40% في هذه الحالة يتحمل مجهز السفينة الأولى 60% من التعويضات المستحقة ،بينما يتحمل مجهز السفينة الأخرى 40% من هذه التعويضات

وإذا حالت الظروف دون تحديد نسبة الخطأ الذي وقع من كل سفينة وزعت المسؤولية بينهما بالتساوي

وعليه فإن تحديد النسبة بالتساوي لا يكون إلا في حالة إقرار المحكمة بعجزها و عدم قدرتها على تحديد نسبة الأخطاء التي وقعت من كل سفينة ، هذا ولم نجد أي حكم من الأحكام التي طبقت هذا المبدأ أعلن صراحة عن هذا العجز و إنما تستند المحكمة إلي مبدأ التقييم بالتساوي عندما تعجز عن إثبات نسبة نصيب كل سفينة من التصادم

الفرع الثاني : المسؤوليــة إتجـاه الغيـر

يثور التساؤل حول مدى قيام التضامن بين المنشأتين المتصادمتين إتجاه الغير، و التضامن يعني
إلتزام كل مجهز على حدى بدفع كامل التعويضات للغير ،على أن يعود بعد ذلك على المجهز الآخر بنصيب هذا الأخير في التعويضات المستحقة ، ولقد أبقي القانون البحري تطبيقا للقواعد العامة في القانون المدني على قاعدة التضامن بين المسئولين (4) وهذا الحل موجود في فرنسا منذ سنة 1915 كما يوجد حاليا في كافة التشريعات الحديثة العربية و الأجنبية .(5)


ويجب التمييز بين المسؤولية من الأضرار المادية و المسؤولية من الأضرار البدنية لتحديد مدى قيام التضامن بين مجهزي السفن المتسببة في وقوع التصادم البحري .





أ‌-فيما يخص المسؤولية عن الأضرار المادية

إذا إقتصر التصادم البحري على إلحاق أضرار مادية بالغير كهلاك أو تلف البضائع أو الأمتعة، فلا يقوم التضامن بين مجهزي السفن المتسببة في وقوع التصادم، وبالتالي يتعين على المضرور أن يطالب كل مجهز على حدة بنسبة التعويض التي يتحملها من التعويض المستحق له، ولا يجوز له مطالبته بكامل هذا التعويض

و قد أخذت المحكمة العليا – الغرفة التجارية – في قرارها المؤرخ في 11/07/1995 ملف رقم 137054 منشور بالمجلة القضائية العدد الأول لسنة 1998 بعدم إفتراض التضامن بين الدائنين أو المدينين في غياب أي مستند يثبت قيام علاقة قانونية بينهما، ومنه يكون التعويض عن أضرار التصادم على عاتق السفينة المرتكبة للخطأ طبقا للمادة المذكورة أعلاه .

ب- المسؤولية عن الأضرار البدنية

إذا نتج عن التصادم البحري إصابة الركاب أو البحارة بأضرار بدنية ، ففي هذه الحالة يسأل مجهز كل سفينة تسببت في وقوع التصادم بالتضامن مع غيره من المسؤولين عن هذا التصادم.

وتطبيقا لذلك يحق للمضرور مطالبة أي مجهز بتعويض الضرر بغض النظر عن نسبة الخطأ المنسوب إليه.

وللمجهز الذي يكون قد دفع أكثر من نصيبه أن يرجع على الآخر أو على الآخرين في حالة ما إذا كان التصادم قد وقع بين سفن متعددة ، من أجل إحترام المساهمة النهائية التي تتفق مع توزيع المسؤولية تبعا لدرجة أخطائهم الخاصة ، ويجب أن يتم هذا الرجوع خلال سنة من تاريخ الوفاء إعمالا لنص المادتين 280-289 من القانون البحري الجزائري.

الفرع الثالث : الملتـزم بالتعويـــض

إذا أخطأت سفينة ما رغم أهميتها وما تتميز به عن غيرها من المنقولات فإنها ليست شخصا قانونيا، و لا يقبل أن نقول أنها ستقوم بدفع التعويض فالمدين في هذه الحالة يكون عادة المالك المجهز للسفينة، المؤجرللسفينة وقت التصادم ، و المستأجر في حالة التأجير الزمني أو العادي ويمكن القول أن على المدعي بالتعويض أن يوجه دعواه إلي من تكون له الإدارة الملاحية للسفينة ، ومع ذلك إذا كان الخطأ منسوبا إلى المؤجر كما لو قامت السفينة بمناورة معينة نتيجة خطأ يرجع إليه ،فإنه يمكن رفع الدعوى ضد المؤجر

والمستأجر في ذات الوقت.


المطلب الرابع : تقديـر التعويـض

الفرع الأول : تطبيق القواعد العامة

لم تتناول معاهدة التصادم لسنة 1910 بيان طريقة تقدير التعويض ، كما خلت نصوص القانون البحري الجزائري شأنه شأن غيره من التشريعات البحرية من أية نصوص تتعلق بعناصر أو طريقة تقدير التعويض وعليه فإنه يتعين الرجوع إلي القواعد العامة الواردة في القانون المدني في المواد : 131-132-182-182 مكرر.

و القاعدة في التعويض القضائي هي التعويض الكامل الذي يشمل الضرر المباشر و المتوقع وما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب، لكن تحديد التعويض على هذا النحو قد لا يتفق و العدالة ، لذلك أقر المشرع على تعويض الضرر الذي يمكن توقعه وقت التعاقد في حالة مسؤولية المدين العقدية ،أو المسؤولية التقصيرية و التي ينشأ عنها التصادم عادة فإن قاعدة عدالة التعويض تتمثل ليس في المسؤولية عن الضرر المتوقع وحده وإنما في الاعتداد بعدم جسامه الخطأ كمبرر لتخفيف التعويض "لفظ الظروف الملابسة" يعني عدم الاعتداء بجسامة الخطأ في تقدير التعويض وكل ظرف آخر من ظروف التخفيف أو التشديد (جسامة الخطأ أو بساطته).

الفرع الثاني: عناصر الضرر القابل للإصلاح

على مدعي التعويض أن يثبت دعواه طبقا للقواعد العامة ، إلا أن السفينة المخطئة ليست ملزمة بدفع التعويض الكامل الذي يطالب به المدعي ، فلا تلزم بدفع أية زيادة مقابل التعطل الذي تقتضيه أعمال الصيانة التكميلية ،وبوجه عام فإن على المحاكم أن تحدد ماهية الأضرار التي أدخلتها في إعتبارها من أجل تحديد التعويض و الأصل في المساءلة المدنية أن التعويض عموما يقدر بمقدار الضرر المباشر الذي أحدثه الخطأ ، على أن يراعي القاضي في ذلك الظروف الملابسة للحادث.

وقد حكم القضاء الإنجليزي بأنه عندما تتضرر السفينة في حادث تصادم يرجع إلي خطأ سفينة أخرى ثم تغرق فيما بعد ، فإن ملاك السفينة المخطئة يسألون فقط إذا كان الغرق هو النتيجة المباشرة للتصادم وتتعلق القضية بالسفينة fritg thyssen the التي صدمتها السفينة miteramargio وحدث لها ضرر أسفل خط الشحن ، إلا أن ربانها رفض المساعدة من أحد قوارب الإنقاذ و إستمرت السفينة المصدومة في رحلتها إلى روتردام و بعدها غيرت الطريق إلى فالموث بسبب زيادة المياه في العنبر ،وفي هذا الوقت طلب من قارب الإنقاذ إستعمال مضخاته و بعد أن بدأت المضخات في العمل غرقت السفينة ، فطلب ملاكها التعويض إلا أن محكمة الإستئناف رفضت الدعوى على أساس أن الغرق لم يكن النتيجة المباشرة للتصادم ،وإنما كان نتيجة رفض الربان للمساعدة التي عرضها عليه قارب الإنقاذ .

إلا أن الصعوبة تظهر عندما يدخل سبب ثان في الخسارة، كوجود سفينة ثالثة أخرى مخطئة ، فمجهز السفينة المتضررة له حق الرجوع على السفينتين، علما بأنه لا يمكنه أن يطالب السفينة المخطئة الثانية إلا بقيمة السفينة منقوصا بقيمة أثر الضرر الذي يرجع إلى التصادم الأول .

غير أنه إذا كانت السفينة المصدومة هي المخطئة أو وجود سبب قهري أدى إلى غرقها ، ذهبت بعض الأحكام إلى أن السفينة الصادمة الأولى لا تلتزم بشيئ إلا انه كيف نسلم بأن التصادم الثاني و الذي لا علاقة له بالتصادم الأول يؤدي إلى زوال الدين المتولد عن التصادم الأول.

وعليه نخلص إلي أن الأضرار المباشرة هي وحدها القابلة للإصلاح، كما أن التعويض يشمل الخسارة الحاصلة والكسب الفائت.

الفرع الثالث: تقدير قيمة الأضرار

أ‌-الهلاك الكلي للسفينة :

التعويض هنا يغطي القيمة الحقيقية للسفينة المفقودة في مكان و زمان الخسارة و هو ما يطلق عليهrestitution in integrum أي كما لوأن الخسارة لم تحصل، بالإضافة إلي تعويض صاحب السفينة عن مافاته من كسب بفقده سفينته و كذا أجرة النقل الصافية لا الإجمالية عن العقود السابق إبرامها ، وتطبق نفس القواعد بالنسبة للسفينة المستأجرة ، بالإضافة إلي مبلغ الأجرة أو الأرباح في نهاية الرحلة التي تحدد بناء على مشارطة الإيجار ، مع مراعاة الإنقاص الخاص بالحوادث الطارئة و القدم والبلي ، ويتعلق الأمر هنا بسفينة the philadelphia التي صدمت السفينة ben lee في خليج كيرتافون وكانت السفينة المصدومة مستأجرة بشحنة عامة إلى سيدني ثم إلي مالبورن وكانت تساوي وقت الخسارة 22500 جنيه إسترليني إلا أن الملاك طالبوا بمبلغ 29370 جنيه لأن هذا المبلغ يمثل قيمتها إذا كانت قد وصلت إلي سيدني في أمان

وحكمت محكمة الإستئناف في سنة 1917 أن هذه المطالبة من الملاك في غير محلها إذ أن تقدير التعويض يكون بقيمة السفينة وقت الخسارة ،بالإضافة إلي مبلغ نظير الأجرة في نهاية الرحلة إلا أنه لما كانت الأجرة قد دفعت مقدما فإنه لا يدفع شيء مقابل أجرة النقل كما يجب أن يتم الإنقاص نظير الحوادث الطارئة و القدم و البلي.

ب- التلفيــــــات:

وتشمل التعويضات التي يجب أن يتحملها المجهز لإعادة سفينته إلي الحالة التي كانت عليها قبل الخسارة إلي جانب بعض المصاريف كمصاريف المساعدة أو مصاريف البقاء أو الدخول أو الخروج من ميناء الرسو العارض.

ويشمل التعويض أيضا الكسب الفائت ويطلق عليه تعويض البطالة ،وهو يقابل المكاسب التي كان في إمكان المجهز أن يحققها إذا لم تكن سفينته قد بقيت معطلة نتيجة الحادث وبالنسبة للسفن التجارية وسفن الصيد فإن الضرر مؤكد و مبدأ تعويضه ليس محل خلاف، وإنما الصعب هو طريقة حسابه أثناء فترة الإصلاح فيمكن أن يتخذ على أساس الكسب المتوسط الذي حققته سفن مماثلة أثناء فترة بقاء السفينة جامدة.

أما بالنسبة لسفن النزهة فالمفروض أن توقفها لا يمكن أن يسبب أي ضرر مادي لمجهزها ، لأنه يعد أحد مصادر المتعة و هذا الضرر يصعب تقييمه و يتعين عدم إدخاله في التعويض ، و كذلك بالنسبة للسفن الحربية أو المخصصة لخدمة عامة إذ لا يجوز للدولة أن تدعي ضررا قد أصابها نتيجة ذلك و هذا ما أخذ به القضاء الإنجليزي.

كذلك يتم التعويض عن أجرة النقل عندما يؤدي التصادم إلى قطع رحلة السفينة مما يترتب عليه فسخ عقد النقل.

ج- الأضرارللبضائع و الأشخاص.

د- الفوائـــــد.
ه- تاريخ تقدير الأضرار:على القاضي أن يقدر الأضرار التي أصابت المضرور في اليوم الذي أصدر فيه الحكم، إلا أنه إذا كان المطالب بالتعويض قد إستبدل الشيئ الهالك أو قام بإصلاحه و كلفه ذلك مبلغا محددا فإنه لا يكون له أن يطالب إلا بهذا المبلغ و ليس بالمعادل النقدي للشيئ الهالك أو التالف مقدرا يوم الحكم .