منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ملخص القانون الجنائي الخاص
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-04-14, 20:28   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
abbes8
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية abbes8
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/abbes/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/03/clip_image001.gif[/IMG]الفصل الأول
جريمتا رشوة الموظفين العموميين و تلقي الهدايا في ظل القانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته




















الفصل الأول: جريمتا رشوة الموظفين وتلقي الهدايا في ظل القانون 06/01 المتعلق بالوقاية من
الفساد ومكافحته
لقد اختلفت التشريعات الجنائية في التفصيلات, إلا أن أغلبها يأخذ بأحد النظامين، الأول يقوم على أن الرشوة تتكون من جريمتين منفصلتين: جريمة الراشي وجريمة المرتشي، فعمل الراشي لا يعد اشتراكا في جريمة المرتشي ولكن يعد عملا مستقلا يعاقب عليه على إنفراد ([1]).
أما النظام الثاني فأساسه اعتبار الرشوة جريمة واحدة وهي جريمة الموظف العمومي الذي يتاجر بوظيفته، فالفعل الأصلي يقوم به الموظف أما الراشي فيعد شريك يستعير منه إجرامه وتتجه التشريعات الحديثة للأخذ بهذا النظام.([2])
وقد أخذ المشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي بنظام ثنائية الرشوة الذي يقوم على أن الرشوة تشمل جريمتين متميزتين وهما الرشوة السلبية والرشوة الإيجابية.([3])

المبحث الأول: صور جريمة رشوة الموظف العمومي وأركانها:
من خلال دراسة قانون الوقاية من الفساد ومكافحته يتضح أن المشرع أدخل تعديلات على النصوص العقابية القديمة الخاصة بالرشوة، فنص على جريمة رشوة الموظف العمومي في مادة واحدة هي المادة 25 من القانون 06/01، وألغى أحكام المواد 126، 126 مكرر، 127، 129 من قانون العقوبات، وبقي المشرع يأخذ بنظام ثنائية الرشوة أي وجود جريمتين: سلبية من جانب الموظف ,وإيجابية من جانب صاحب المصلحة، وهما جريمتان مستقلتان عن بعضهما ولا مجال للقول بأن الراشي شريك للمرتشي أو أنه فاعل أصلي مساعد coauteur و المرتشي فاعل أصلي .
وكما سبق القول فإن المشرع حصر جريمة رشوة الموظفين العموميين ونص عليها في مادة واحدة هي المادة 25 مع تخصيص فقرة لكل صورة حيث نصت المادة على: «يعا قب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر سنوات(10) وبغرامة من 200.000دج إلى 1000.000دج
1/ كل من وعد موظفا عموميا بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها بشكل مباشر أو غير مباشر، سواءا كان ذلك لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر لكي يقوم بأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته.
2/ كل موظف عمومي طلب أو قبل، بشكل مباشر أو غير مباشر ، مزية غير مستحقة، سواء لنفسه أو لصالح شخص آخر أو كيان آخر ، لأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته»
المطلب الأول: جريمة الرشوة السلبية وأركانها.
لقد نصت على هذه الصورة المادة 25/2 من القانون 06/01، وبعد دراسة المادة يتضح أن أركان جريمة الرشوة السلبية "جريمة المرتشي " هي ثلاثة:
-1/ صفة الجاني"المرتشي" أن يكون موظف عمومي.
-2/طلب أو قبول مزية غير مستحقة.
-3/ غرض المزية غير المستحقة و هو أداء المرتشي لعمل من واجباته أو الامتناع عن أدائه.
الفرع الأول: الركن المفترض – صفة الجاني.
تقتضي جريمة الرشوة السلبية أو جريمة المرتشي أن يكون الجاني موظفا عموميا Agent Public وذلك حسب مفهوم المادة 2/ فقرة ب من القانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، وهو الركن المفترض في جميع جرائم الفساد، ولقد سبق لي أن، عرفت الموظف العمومي في الفصل التمهيدي.
الفرع الثاني: الركن المادي.
وهو طلب الموظف العمومي المرتشي أو قبوله مزية غير مستحقة من أجل القيام بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته وعليه فينقسم الركن المادي إلى أربعة عناصر.
1/ النشاط الإجرامي.
2/محل الجريمة "الارتشاء"
3/ لحظة الارتشاء.
4/الغرض من الارتشاء
وسوف أقوم باختصار بشرح هاته العناصر فيما يلي:


أ/ صور الركن المادي: وهما القبول أو الطلب.
1/ الطلب:هو تعبير يصدر عن الإرادة المنفردة للموظف العمومي يطلب فيه مقابلا لأداء وظيفته أو خدمته أو مقابلا للامتناع عن أدائها .([4])
وإذا كان المشرع الجزائري حدد الطلب بالمزية غير المستحقة، فإنه يتسع في معناها ليشمل صورا عديدة يصعب حصرها، ويمكن القول أنه كل ما يجعل الموظف يستغل وظيفته من أجل أخذ أي منفعة، أو أن وظيفته تسهل له ذلك يصلح أن يتابع من أجله على أساس جريمة الرشوة([5]).
فمجرد الطلب يكفي لقيام الجريمة (طبعا إذا توافرت باقي الأركان) دون الحاجة لصدور قبول من صاحب المصلحة "الراشي"، بل أنه حتى في حالة الرفض تقوم جريمة المرتشي([6])
ومجرد الطلب يعتبر جريمة تامة، أي في هذه الحالة يصبح الشروع بمثابة الجريمة التامة بسبب أن الغاية المقصودة منه هي الاتجار بالوظيفة، ذلك أن طابع الجريمة الشكلية جعل تجريم المحاولة غير لازم.
وقد يكون الطلب شفاهة أو كتابة، صراحة أو ضمنا سواءا كان المرتشي يطلب لنفسه أو للغير، كما يستوي في ذلك أن يطلب الجاني بنفسه أو يقوم شخص بمباشرة الطلب باسمه ولحسابه([7])
2/ القبول:
يتمثل القبول في وجود إيجاب من صاحب المصلحة، وقبول الموظف العمومي لهذا الإيجاب الذي ينصب على المزية، ويفترض فيه أن يعبر فيه صاحب المصلحة عن إرادته بتعهده بتقديم المزية أو المنفعة، ويشترط أن يكون العرض "الإيجاب"جدي ولو في ظاهره فقط، أما إذا انتفى العرض الجدي فلا تقوم الجريمة حتى وإن قبل الموظف, مثل أن يعد صاحب الحاجة الموظف بأن يقدم له فؤاده لقاء قيامه بعمل معين.
كما يشترط أن يكون قبول الموظف جديا وحقيقيا، فإذا تظاهر الموظف بالقبول لتمكين السلطات العمومية من ضبط العارض متلبسا بالجريمة، فلا تقوم الجريمة وقد يكون القبول شفويا أو مكتوبا، صريحا أو ضمنيا، بالقول أو الإشارة وتتحقق الجريمة سواءا تسلم المرتشي المزية بالفعل أو تلقى وعدا بالحصول على الفائدة.
وتتم الجريمة عند القبول وكذلك في الطلب دون مراعاة النتيجة، وبالتالي فلا يهم إذا امتنع صاحب المصلحة بإرادته عن الوفاء بوعده بسبب نكوله أو لظروف مستقلة عن إرادته.
ويجدر القول أن إثبات القبول جائز بكافة طرق الإثبات، لكنه من الناحية العملية صعب الإثبات، وعلى القضاة توخي الحذر في هذه المسألة
ب/ محل الجريمة:
يقصد به حسب المادة 25/2 من القانون 06/01 "المزية غير المستحقة"، وكان محل الجريمة في ظل المادتين 126/127 الملغيتان من قانون العقوبات هو "عطية أو وعد بها، أو هبة أو هدية أو أي منفعة أخرى يستفيد منا المرتشي"
والمزية قد تكون إما عطية أو هبه أو هدية أو أية منفعة، أي قد تكون ذات طبيعة مادية أو معنوية وقد تكون صريحة أو ضمنية، مشروعة أو غير مشروعة، كما قد تكون محددة أو غير محددة.
فقد تكون المزية مادية، والفائدة المادية أمثلتها عديدة لا تحصى مثل ساعة أو سيارة أو نقدا أو اعتماد مالي كما قد تكون ظاهرة أو مقنعة (1) كما لو بيع لموظف عقار ثمنه أو أشتري منه عقار بأكثر من ثمنه.
كما قد تكون الفائدة غير مادية أي معنوية ومثال ذلك الحصول على ترقية أو توظيف أحد أقارب الموظف المرتشي أو عارية استعمال طويلة الأجل.
و قد تكون صريحة ظاهرة أو ضمنية مستترة مثل إصلاح سيارة الموظف المرتشي بدون مقابل.
كما قد تكون المزية مشروعة في محلها أو غير مشروعة مثل تقديم أشياء مسروقة، وقد أختلف الفقه حول المواقعة الجنسية ومدى اعتبارها مزية يحصل عليها المرتشي أم لا، إلا أن الراجح في الفقه والقضاء الفرنسي اعتبارها من قبيل المزية لأن النص على المنفعة ضمن عناصر الجريمة جاء عاما دون تخصيص، وقضى في فرنسا بأن عرض الموظف مواقعة امرأة مقابل قضاء المصلحة يحقق جريمة الرشوة.(2)
إلا أنه في إيطاليا أختلف الرأي حول ذلك حيث إعتبر الفقيه "مانزيني" بأن الموظف الذي يواقع إمرأة ليقضي لها مصلحتها من أعمال وظيفته لا يجني من ذلك فائدة مادية وبالتالي لا يعد مرتشيا، فضلا على أن المواقعة لو صح إعتبارها فائدة من ناحية المتعة, فهي على هذا الوصف مشتركة بين المرأة والموظف على حد سواء, واعتبر أن المواقعة الجنسية لا تعد محلا للرشوة إلا إذا كانت قابلة لأن تقدر بقيمة مادية كما لو حدثت من موظف على مومس أعفته من دفع الثمن (3)
كما قد تكون المزية محددة أو غير محددة إذ يكفي أن تكون قابلة للتحديد وبتحقق المزية مع توافر باقي الشروط تقع جريمة الرشوة، أما إذا انتفت المنفعة إنتقت معها جريمة الرشوة كأن تكون الهدية تبررها صلة القرابة التي تجمع الموظف مع صاحب الحاجة.
والأصل أنه لكي يعتد بالمزية، فيجب أن تكون لها قيمة أو على الأقل وجود تناسب بين العمل والمصلحة وذلك بالرغم أن المشرع لم يشترط حدا معينا لقدر المال أو المنفعة,إلا أنه حسب رأيي لا يمكن اعتبار قبول دعوة لشرب الشاي بمثابة المنفعة.
ويشترط في المزية أن تكون غير مستحقة، أي ليس للموظف المرتشي الحق في أخذها, وعلى هذا الأساس يعاقب الموظف حتى وإن كان العمل الذي وعد بأدائه مشروعا و يدخل في صميم وظيفته نظير طلب المال للقيام به(1)
ج/ علاقة الجاني بمحل الجريمة وسبب الرشوة وهدفها
الأصل أن يطلب المرتشي المزية لنفسه أو يقبلها لنفسه وذلك نظير قيامه بأداء عمل للراشي إلا انه حسب المادة 25/2، فإنه يمكن أن يكون ذلك مجرما إذا كان لصالح شخص آخر أو كيان آخر يعينه المرتشي لتقدم المزية له, حتى وإن لم يعلم هذا الشخص بسبب المزية، ولا يجوز للموظف المرتشي الدفع بأنه لم يقبل أو يطلب المزية لنفسه.
والغير في هذه الحالة عموما ما يكون في وضعيتين: (2)
· مساهم بمساعدة أو معاونة المرتشي أو الراشي، كأن يتوسط بينهما وفي هذا الحالة يعد شريكا.
· مستفيد من الرشوة دون أن يتدخل في ارتكابها، فيعد بذلك مخفي وتطبق عليه أحكام المادة 387 من قانون العقوبات بشأن إخفاء الأشياء المتحصلة من جنحة متى توافرت الأركان خصوصا العلم بالمصدر الإجرامي لتلك الأشياء.
والغرض من الرشوة أو المزية هو النزول عند رغبة الراشي لأداء عمل أو الإمتناع عن أداء عمل من واجبات المرتشي وعليه فلتحقق الغرض من الرشوة يجب توافر عنصرين.
1/ أداء المرتشي لعمل إيجابي أو الإمتناع عنه:/
أي إتخاذ الموظف المرتشي موقف إيجابي أو سلبي بسبب تلقيه المزية ويكون سلوكه إيجابي إذا قام الموظف العمومي بأداء عمل تتحقق به مصلحة صاحب الحاجة كالشرطي الذي يأخذ مالا ليحرر محضرا من الواجب عليه تحريره وقد يكون سلوكه سلبي إذا كان العمل الذي ينتظره صاحب الحاجة من الموظف العمومي يتمثل في الإمتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته، ويتحقق الإمتناع حتى ولو كان العمل في نطاق السلطة التقديرية للموظف العمومي.
كما يتحقق الإمتناع سواءا كان كلي أي تام أو جزئي مثل التأخر في القيام بالعمل بالصفة التي تجلب المنفعة لصاحب المصلحة.
كما لا يشترط أن يكون العمل أو الإمتناع المطلوب من الموظف العمومي مطابقا لواجبات الوظيفة والقوانين واللوائح التنظيمية أو مخالفا لها.
2/ أن يكون العمل من أعمال وظيفة المرتشي:/

وهنا يجب التمييز بين عدم الإختصاص وعدم مطابقة العمل للقانون، لأن خروج العمل عن إختصاص الموظف ينفي جريمة الرشوة لانتفاء أحد عناصرها، في حين إذا كان غير مطابق للقانون فتقوم الجريمة(1)
والمادة 126 من قانون العقوبات الملغاة كانت تنص على أن يكون العمل من إختصاص الموظف أو من شأن وظيفته أن تسهل له أداءه أو كان من الممكن أن تسهله له وهذا ما اقره الإجتهاد القضائي آنذاك (2) , إلا أن النص الحالي للمادة 25 من القانون 06/01 المتعلق بالفساد يحصر الرشوة إذا كان العمل يدخل ضمن إختصاص الجاني.
-ويشترط لقيام جريمة الرشوة أن يكون طلب المزية أو قبولها قبل أداء العمل المطلوب أو الإمتناع عن أدائه، أما إذا كان طلب المزية أو قبولها لاحقا، أي جاء بعد أداء العمل أو الإمتناع عنه، فلا محل للرشوة في هذه الحالة, إذن فالعبرة بالاتفاق السابق عن أداء العمل أو الإمتناع عنه .
تجدر الإشارة أن المشرع الفرنسي في القانون المؤرخ في 30/06/2000 المعدل والمتمم لقانون العقوبات نص في المادة 432-فقرة 11 على عدم اشتراط الإتفاق المسبق كما أن المشرع المصري كان سباقا في وضع تجريم خاص: أطلق عليه وصف "المكافأة اللاحقة" وجعلها صورة من صور الرشوة طبقا للمادة (103), وحسب رأيي فإنه من الأصح تجريم هذه الحالة لعدم إفلات الجناة وغلق الباب لتقديم مثل هذه الدفوع.


الفرع الثالث: الركن المعنوي.
جريمة الرشوة هي جريمة قصدية وعمدية أي تقتضي لقيامها توافر القصد العام الذي يتكون من العلم والإرادة، أي علم المرتشي بتوافر جميع أركان الجريمة مما يعني علمه بأنه موظف عمومي حسب مفهوم المادة 02/ فقرة ب من القانون 06/01 وإرادته بطلب أو قبول المزية من أجل القيام بعمل أو الإمتناع عن عمل يدخل ضمن اختصاصه ووظيفته من أجل حصوله على مزية([8])
والقصد العام وحده كافي لقيام الجريمة، ولا يشترط القصد الخاص المتمثل في نية المتاجرة بالوظيفة واستغلالها لأن ذلك يدخل في عنصر العلم الذي يعتبر أحد عناصر القصد العام.
كما يجب توافر القصد العام لحظة الطلب أو القبول، لأن القصد اللاحق لا يعتد به، ذلك أنه لحظة ارتكاب النشاط الإجرامي لم يكن القصد متوافر.([9])
ويقع عبء إثبات القصد الجاني على النيابة العامة، والواقع أن إثباته جد صعب ما عدا في حالة الاعتراف.
ويتعين على قضاة الموضوع إبراز أركان الجريمة وإلا أعتبر قرارهم قاصرا يستوجب النقض، حيث ثم تقض القرار الذي لم يبين من هو الراشي, وما هي المزية التي تلقاها المرتشي, أو العمل الذي قام به في مقابل ذلك. ([10])
ولا تقوم الجريمة في انعدام القصد العام، كأن يعلم الموظف بأركان الجريمة، لكنه لم يرد المزية، وتظاهر بأنه يريدها وقبلها من أجل الإيقاع بالراشي([11])
مع الملاحظة أنه إذا لم يطلب الموظف أي شيء وقام بأداء عمله أو الإمتناع عنه بدافع مهني أو وظيفي خالص وعلى أحسن وجه ثم قدمت له هدية أو عرضت عليه تقديرا لسلوكه الاجتماعي، أو تقديرا لحسن أدائه لعمله فقبلها وأخذها علانية فلا جريمة رشوة ولا عقاب ([12]).
المطلب الثاني: جريمة الرشوة الإيجابية وأركانها.
وهي الجريمة المنصوص والمعاقب عليها في المادة 25/1 من قانون الفساد والتي ألغت المادة 129 من قانون العقوبات، حيث يتعلق الأمر فيها بشخص (الراشي) الذي يعرض على موظف عمومي (المرتشي) مزية غير مستحقة نظير حصوله على منفعة بإمكان ذلك الشخص توفيرها له، وأركان هذه الجريمة هي:
الفرع الأول: صفة الجاني
إذا كان المشرع يشترط في جريمة الرشوة السلبية صفة معينة في الجاني "أي المرتشي" وذلك باعتباره موظف عمومي حسب المادة 02/فقرة ب من قانون مكافحة الفساد، فالمشرع لم يشترط صفة معينة
في الجاني في جريمة الرشوة الإيجابية إذا يمكن أن يكون الجاني أي شخص طبيعي أو أي كيان خاص.(1)
الفرع الثاني: الركن المادي
يتحقق بوعد الموظف العمومي بمزية غير مستحقة، أو عرضها عليه أومنحها له، مقابل قيام الموظف العمومي بأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته، وعليه فالركن المادي يتكون من ثلاثة عناصر وهي السلوك المادي، والمستفيد من المزية، وغرض الراشي.
أ/ صور الركن المادي:
السلوك المادي:
ويتمثل في إحدى الصور التالية: الوعد بمزية أو عرضها أو منحها.
1/ الوعد بمزية:
ويجب أن يكون الوعد جديا والغرض منه هو تحريض الموظف العمومي على الاتجار بوظيفته، كما يجب أن يكون محددا، وعلى أساس ذلك يعد راشيا الشخص الذي يعرض فائدة على الموظف العمومي أو يعطيها له لحمله على أداء عمل من أعمال وظيفته، ولا يعفى من العقاب إلا إذا كان مضطرا على ارتكاب الجريمة بقوة ليس في استطاعته مقاومتها وفقا "لأحكام المادة 48 من قانون العقوبات (2)".
كما يستوي أن يكون الوعد مباشر أو غير مباشر، فحتى لو تم الوعد عن طريق الغير فإن الجريمة تقوم في حق صاحب المصلحة.


2/ عرض المزية:
ويشترط كذلك في العرض أن يكون جدي ومحدد سواءا كان بصفة مباشرة أو غير مباشرة ويمكن أن يكيف العرض على أساس أنه إيجاب ينتظر القبول من طرف الموظف العمومي، أي أنه في هذه المرحلة الموظف العمومي المرتشي لم يستلم بعد المزية ولم يتحصل بعد على الفائدة، وذلك لا يعد شرط ضروريا لقيام جريمة الراشي حسب نظري لوجود استقلالية بين الجريمتين.
3/ منح المزية:
ويمكن أن تتكيف هذه الصورة على أنها لاحقة على العرض، أي نتصور هذه الحالة بعد تطابق الإرادتين بالتوافق، إلى وجود وعد أو عرض من طرف الراشي وبقبول من الموظف العمومي المرتشي، وهنا يتم استلام المزية، فتقوم كلا الجريمتين أي جريمة الراشي والمرتشي في آن واحد رغم استقلالهما عن بعضهما البعض.
ب/ محل الجريمة:
وهو المزية غير المستحقة، والتي سبق وأن فصلتها بدقة في الفرع الثاني من المطلب الأول من هذا الفصل، والتي يشترط فيها أن تكون ذات طبيعة مادية أو معنوية وقد تكون صريحة أو ضمنية، مشروعة أو غير مشروعة، كما قد تكون محددة أو غير محددة.
ج/ المستفيد من المزية وسبب الرشوة وهدفها:
المستفيد من الرشوة أي المزية في جريمة الرشوة الإيجابية هو الموظف العمومي كونه هو من يستفيد من الفائدة المتحصلة من المزية الموعود بها أو المعروضة أو الممنوحة، إلا أنه يمكن أن يكون المستفيد شخصا آخر غير الموظف العمومي المقصود, سواءا تعلق الأمر بشخص طبيعي أو معنوي، أو فرد أو كيان خاص.
أما الغرض من المزية فهو حمل الموظف العمومي على أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته، وهنا تشترك الرشوة الايجابية مع الرشوة السلبية.
إلا أنه لدي ملاحظة فيما يخص نص المادة 25/1 من قانون مكافحة الفساد بالمقارنة بين النص العربي والنص الفرنسي, إذا جاء في النص العربي "لكي يقوم بأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته" أما النص الفرنسي "لكي يقوم بأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل في أثناء تأدية وظيفته".(1)
حيث نلاحظ وجود اختلاف بسيط بين الصيغتين .
كما يجب أن يكون العمل المطلوب من الموظف تأديته ، أو الامتناع عن تأديته لقاء المزية ، يدخل ضمن اختصاصه سواء الشخصي أو المحلي أو النوعي ، ولا يهم تحقق النتيجة المطلوبة أم لا ، بل يكفي تحقق الوسيلة ، لان الوسيلة المستعملة هي المقصودة من العقاب.
وهنا نلاحظ ملاحظة أخرى كون المادة 129 من قانون العقوبات الملغاة كانت أكثر وضوحا في هذه النقطة أين كانت تنص : "سواء أدت الرشوة إلى النتيجة المرجوة أم لم تؤد ".
كما لا يهم المستفيد الحقيقي من أداء العمل أو الامتناع عنه، فقد تكون المصلحة التي يسعى الراشي لتحقيقها من وراء عرضه أو منحه المزية أو الوعد بها هي له أو لصالح شخص أخر غيره.
الفرع الثالث: الركن المعنوي
يتمثل الركن المعنوي في جريمة الرشوة الايجابية في اتجاه إرادة الجاني إلى الفعل أو النتيجة مع العلم بجميع العناصر القانونية للجريمة فعرض الراشي هو أساس الركن المعنوي الذي تتجه إرادته لتحقيقه ، ويجب أن يعلم بأنه يقوم بفعل الوعد أو العرض أو المنح على الموظف العمومي من اجل تحقيق ما يريده ، ونلاحظ أن قصده في هذه الحالة بالإضافة إلى القصد العام المتمثل في العلم والإرادة ,هو قصد خاص أيضا.([13])
ونية الراشي هي أساس الركن المعنوي للجريمة ، كونها جريمة مستقلة بذاتها عن الرشوة السلبية ، فلا يعد راشيا إذا انتفى الغرض السيئ من الفعل لأنه يجب أن يكون الراشي مدركا بأنه يوجه سلوكه المادي إلى الموظف من اجل القيام بالعمل الذي يبتغيه في حدود وظيفته ، ولا تقوم جريمة ارتشاء الموظفين متى ثبت أن نية الاستجابة كانت لغرض شريف أو أن إرادة المعني كانت مشوبة بإكراه ، ومن الأمثلة على ذلك ما قضت به المحكمة العليا في الملف رقم 77162 قرار بتاريخ 12/04/1992 أين رفضت طعن (د م) ضد النيابة وصرحت " انه من المقرر قانونا أن كل من يلجا إلى العطايا والهبات أو غيرها من المزايا أو استجاب لطلبات يكون الغرض منها الارتشاء للحصول على مزايا أو منافع أو خدمات تمنحها السلطة العمومية يتحمل المسؤولية الجزائية ولا يعفى من العقوبات إلا الشخص الذي اضطرته إلى ارتكابها قوة لا قبل له بدفعها .
ولما ثبت أن الطاعن دفع مبلغا ماليا لمدير البنك مقابل الحصول على قرض فان الإعفاء من المسؤولية لا يتحقق إلا إذا وجدت قوة لا قبل للإنسان بدفعها ، وان الأمر ليس كذلك في قضية الحال وعليه فان هذا الدفع جاء في غير محله مما يتعين رفضه ."

المبحث الثاني: صور جريمة تلقي الهدايا في ظل القانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد
ومكافحته وأركانها

كما سبق وان قلت فان جريمة تلقي الهدايا تعرف حسب المادة 38 من القانون 06/01 على أنها قبول الموظف العمومي لهدية أو أية مزية غير مستحقة من شخص في ظروف من شانها أن تؤثر في سير إجراء ما أو معاملة لها صلة بمهامه .
وحسب الاتجاه الذي أخذ به المشرع الجزائري في تجريم جرائم الرشوة وصورها باعتبار أن جريمة الرشوة تتكون من جريمتين منفصلتين أين لا يعد عمل أي فاعل فيها اشتراكا في عمل الفاعل الثاني, وإنما يعد عملا مستقلا يعاقب عليه بإنفراد .
وبتطبيق نفس الاتجاه على جريمة تلقي الهدايا حسب المادة 38 من القانون 06/01 والتي جاءت في فقرتين ، نستنتج أن المشرع اخذ بثنائية التجريم إذ جرم وعاقب في الفقرة الأولى جريمة تلقي الهدايا من الموظف العمومي وفي الفقرة الثانية جرم وعاقب الشخص مقدم الهدايا أي اعتبرها جريمة مستقلة يستقل فيها عمل الموظف العمومي عن عمل الشخص مقدم الهدية, ولا يعد اشتراكا في تلقي الموظف العمومي للهدية .
وعليه فانه حسب المادة 38 من القانون 06/01 فانه يكون لجريمة تلقي الهدايا صورتان هما : جريمة تلقي الهدايا وجريمة تقديم الهدايا ([14]) ، ولي ملاحظة في هذه النقطة ، إذ كان من الأجدر على المشرع تسمية هذه الجريمة بتقديم وتلقي الهدايا ليبين فيها صورتي التجريم واستقلالهما .
ويتضح من عمق هذه المادة توجه المشرع الجزائري في تجريم الرشوة بالاتفاق المسبق والذي إذا قامت الأدلة والقرائن على وجوده كانت الرشوة قائمة حتى ولو كانت المزية غير المستحقة سابقة على أداء العمل أو الامتناع عن أدائه ، وحتى لو لم يثبت الوعد أو العرض أو المنح .
ومن هذا المنطلق لو لم تكن المادة 38 موجودة لامكن للراشي التأثير على المرتشي بعرض في شكل هدية دون الاتفاق معه على أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل ، وهنا يكون النموذج القانوني لجريمة الرشوة قاصرا على الإحاطة بهذا المنح المعزول عن أي اتفاق والذي سيؤثر لاحقا على قرار الموظف العمومي.
ويبقى لقضاة الموضوع تقدير طبيعة الهدية وهل من شانها التأثير في سير إجراء أو معاملة لها صلة بمهام الموظف، لان المشرع لم يقل من شانها التأثير في مهامه وإنما في إجراء أو معاملة بحد ذاتها.
وعليه ,فالهدف من التجريم هو ليس الهدية بذاتها ، وإنما الظروف والوقائع التي يثبت منها تأثير الهدية على واجبات الموظف العمومي فهي تجرم بوصفها جزءا أو مرحلة سابقة أو وسيلة لمخطط الفساد والرشوة ولا تجرم إذا كانت معزولة عن أي قصد غير مشروع وصادرة عن حسن نية.
وعليه, فالمقصود من هذه الجريمة المستحدثة في ظل القانون 06/01 بالمادة 38 هو بالدرجة الأولى درء الشبهة عن الموظف العمومي .([15])
من خلال ما سبق شرحه سوف أتطرق بإيجاز لصورتي جريمة تلقي الهدايا في ما يلي:
المطلب الأول: جريمة تلقي الهدايا وأركانها
تتفق هذه الجريمة في بعض عناصرها مع جريمة الرشوة السلبية، وتختلف عنها في البعض الأخر، خاصة في القصد من التجريم والهدف من تقديم الهدية أو المزية غير المستحقة، وتتكون أركان جريمة تلقي الهدايا حسب المادة 38/ فقرة 01 مما يلي:
1/ صفة الجاني" أن يكون موظف عمومي
2/ قبول هدية أو مزية غير مستحقة
3/ غرض المزية غير المستحقة هو من شانها أن تؤثر في سير إجراء ما أو معاملة لها صلة بمهامه
الفرع الأول : الركن المفترض – الموظف العمومي-
- تقتضي جريمة تلقي الموظف العمومي للهدايا، أن يكون الجاني موظفا عموميا "agent public» وذلك حسب مفهوم المادة 02 (فقرة ب من القانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، وهو الركن المفترض في جرائم الفساد، وهذا حسب المفهوم الذي سبق لي وان قدمته في الفصل التمهيدي.
الفرع الثاني: الركن المادي

وهو قبول الموظف العمومي لهدية أو مزية غير مستحقة من شانها أن تؤثر في سير إجراء ما أو معاملة لها صلة بمهامه ، وعليه فينقسم الركن المادي إلى أربعة عناصر هي :
1/ النشاط الإجرامي
2/ محل الجريمة
3/ لحظة تلقي الهدية
4/ الغرض من تلقي أو قبول الهدية
وسوف أقوم بشرح هاته العناصر باختصار فيما يلي :
أ / صور الركن المادي :
المادة 38 من القانون 06/01 جاءت بعبارة "تلقي الهدايا" وهي العبارة التي تفيد الاستلام ,أي تسلم الهدية بمعنى وضع الجاني يده على الهدية ، لكن في المقابل في النص الفرنسي للمادة 38 استعمل المشرع عبارة "قبول" أي " accepter " والتي لا تفيد بالضرورة أن الجاني استلم الهدية فعلا .
وعليه نفهم من سياق النص أن المقصود هو تلقي الهدايا ، أي استلامها ، وليس مجرد قبولها كما في جريمة الرشوة السلبية التي يتحقق فيها القبول سواء تسلمها الجاني بالفعل أو الوعد بالحصول عليها قصد قضاء المصلحة فهذا يعد وجها للاختلاف بين جريمة تلقي الهدايا والرشوة السلبية .
استلام الهدية أو المزية:
وهو التسليم الفعلي للهدية من طرف مقدمها للموظف العمومي ، سواء كان ذلك باتفاق مسبق بينهما بعد وعد بتقديم هدية ، أو باتفاق مسبق كان القبول فيه لاحقا للإيجاب وتم تنفيذ الاتفاق بالاستلام وقد يكون الاتفاق عرضيا يتلوه مباشرة تسليم الهدية وعليه يشترط الاستلام الفعلي ولا يكفي مجرد القبول لقيام الجريمة ولكن يشترط أن يكون استلام الهدية في ظروف من شانها التأثير في سير إجراء ما أو معاملة لها صلة بمهام الموظف العمومي .
والاستلام (إذا توافرت معه باقي الأركان ) يعتبر جريمة تامة ولا يمكن تصور الشروع فيه لان الشروع يعتبر بمثابة الجريمة التامة بسبب أن الهدف هو الظروف المحيطة بالجريمة التي من شانها التأثير على حسن سير الإجراءات والمعاملات والطابع الشكلي للجريمة جعل تجريم المحاولة غير لازم ، لكون مجرد المحاولة تعتبر بمثابة الجريمة التامة ، لكن بالرجوع إلى المادة 52من القانون 06/01 نجد أن جميع جرائم الفساد يعاقب على الشروع فيها.
وقد يكون الاستلام فعليا بإدخال الهدية في حيازة متلقيها ، أي الموظف العمومي ,أو حكميا بتسليمه مثلا: سيارة كهدية وتقدم له وثائقها على أن يسعى الموظف للذهاب لإحضارها فهذا يعد تسليما حكميا ،كما قد يكون الاستلام من طرف الموظف العمومي أو من طرف شخص وسيط ينوب عنه.
و تقوم الجريمة بمجرد الاستلام دون الحاجة لإحداث النتيجة ، بل يكفي أن يكون الاستلام في ظروف من شانها التأثير على حسن الإجراءات والمعاملات .
ب/ محل الجريمة
يقصد به حسب المادة 38 من القانون 06/01 الهدية أو المزية غير المستحقة وكان من الأجدر على المشرع التعبير عليه بمصطلح المزية كما فعل في نص المادة 25 من القانون 06/01 لان مصطلح المزية هو شامل ليشمل الهدية والعطية والهبة والجعل أو أية منفعة أخرى .
وقد تكون الهدية أو المزية مادية أو معنوية ، صريحة أو ضمنية ، مشروعة أو غير مشروعة ، كما قد تكون محددة أو غير محددة أو قابلة للتحديد, المهم انه لكي يعتد بالمزية فيجب أن تكون لها قيمة أو على الأقل وجود تناسب بين المصلحة المبتغاة والهدية المقدمة والمسلمة ، وذلك بالرغم من أن المشرع لم يشترط حدا معينا لقدر المال أو الهدية أو المنفعة .
لكن يشترط في الهدية أو المزية أن تكون غير مستحقة ، أي ليس للموظف الحق في أخذها ، وفي هذه النقطة لا يمكن اعتبار المكافأة المقدمة من السلطات الوصية أو الرئاسية أو الترقيات بمثابة مزايا غير مستحقة بالرغم من انه في بعض الحالات يمكن أن تؤثر في السير الحسن للإجراءات أو المعاملات.
ج/ علاقة الجاني بمحل الجريمة وسبب الهدية وهدف التجريم
الأصل حسب المادة 38 من القانون 06/01 أن يستلم الموظف الجاني الهدية أو المزية غير المستحقة لنفسه ، إلا انه يمكن أن يستلمها لنفسه ليقدمها لغيره وفي هذه الحالة يبقى الفعل مجرما في حق الموظف العمومي ، ولا يجوز للموظف الذي تلقى الهدية الدفع بأنه لم يستلم الهدية لنفسه ولكن لغيره ، والغير في هذه الحالة عموما ما يكون في وضعيتين :
- مساهم بمساعدة أو معاونة الموظف متلقي الهدية أو مقدم الهدية، كان يتوسط بينهما وفي هذه الحالة يعد شريكا.
- مستفيد من الهدية ، دون ان يتدخل في تسلمها ، ويعد بذلك مخفي وتطبق عليه أحكام المادة 387 من قانون العقوبات بشان الإخفاء لأشياء متحصلة من جنحة متى توافرت الأركان خصوصا العلم بالمصدر الإجرامي لتلك الأشياء .
والسبب من تقديم الهدية هو التأثير على حسن سير الإجراءات أو المعاملات التي لها صلة بمهام الموظف دون اشتراط طلب تقديم العمل أو الامتناع عنه ، لأنه في هذه الحالة تتحول الجريمة إلى رشوة
ومناسبة تلقي الهدايا وقبولها لا يشترط فيه قضاء مصلحة ذلك أن المشرع لم يربطه بأداء عمل أو لامتناع عن أداء عمل.
وعليه فلتحقق الغرض من الهدية يجب توافر عنصرين :
1/ من شان الهدية أن تؤثر في معالجة ملف أو سير إجراء أو معاملة :
أي يشترط لقيام الجريمة أن يكون لمقدم الهدية أو المزية غير المستحقة حاجة أو مصلحة أو مظلمة أو مطلبا معروضا على الموظف العمومي الذي قبل واستلم الهدية أو المزية ومثال ذلك أن يأخذ المطلب شكل الدعوى القضائية أو العريضة الإدارية أو الترشح لمشروع أو التظلم أو الطعن في قرار .
ولم يربط المشرع تلقي الهدايا بقضاء حاجة ، خلافا لما في جريمة الرشوة السلبية التي ربط فيها المشرع قبول الهدايا بأداء عمل أو الامتناع عن أدائه كما لا يشترط أن يطلب مقدم الهدية من الموظف العمومي قضاء حاجاته في مقابل تقديم الهدية لأنه في هذه الحالة تتوفر إحدى صور الرشوة , بل يكفي أن تقدم له الهدية في ظروف يكون فيها ملف أو إجراء أو معاملة خاصة بمقدم الهدية موضوع قيد الدراسة لدى الموظف ، وان يستلم الموظف الهدية مع علمه بذلك .
وبالمقابل ، تتفق جريمة تلقي الهدايا من الموظف العمومي والرشوة السلبية في شرط تلقي الموظف العمومي قبل إخطاره بالأمر ، أو قبل البث فيه, أي في لحظة تلقي الهدية ، أما إذا تلقاها بعد البث في الأمر فلا جريمة ، أي أن المكافأة اللاحقة غير مجرمة كما سبق بيانه.
واستعمال المشرع لعبارة من شانها أن تؤثر يدل على أن الهدف من التجريم هو درء الشبهة.
2/ أن يكون الإجراء أو المعاملة لهما صلة بمهام الموظف العمومي:
المشرع استعمل عبارة" لها صلة بمهام " وفي المادة 25 من القانون 06/01 استعمل عبارة "من واجباته" أي من اختصاصه ، وبالمقارنة بين العبارتين نجد أن عبارة "لها صلة بمهامه" أوسع من "من واجباته" ذلك أنها تشمل الاختصاص وكذلك الأعمال التي من شان وظيفة الموظف أن تسهل له أداء هذا الإجراء أو المعاملة أو كان من الممكن أن يسهل له.
- وعليه فانه يشترط أن يكون الإجراء أو المعاملة التي بسببها تم تقديم الهدية له صلة بمهام الموظف العمومي.
- ونظرا لان الهدف من التجريم هو درء الشبهة, فانه في هذه الحالة على الموظف العمومي أن لا يقبل أي هدية مقدمة له من طرف شخص له ملف عنده أو معاملة ,فمثلا على القاضي عدم قبول أو تلقي أي هدية من المتقاضي ولا يهم هنا الغرض.
ولكن في حالة افتراض وجود علاقة صداقة أو علاقة عائلية ، ويتلقى الموظف هدية مع جهله لوجود ملف أو معاملة عنده فهنا لا تقوم الجريمة, الا انه توجد حالة تقوم فيها الجريمة وهي الحالة التي يكون فيها الملف ليس عند الموظف ولكنه حتما سيصل إليه, فهنا تقوم الجريمة إذا كانت مثلا القضية عند الموظف العمومي (القاضي مثلا) أو حتما قادمة إليه فمثلا الموظف هو قاضي حكم والقضية مازالت عند النيابة, لكن هنا توجد صعوبة في الإثبات .
الفرع الثالث: الركن المعنوي
جريمة تلقي الهدايا ، هي جريمة قصدية وعمدية ، أي تقتضي لقيامها توافر القصد العام الذي يتكون من العلم والإرادة ، أي علم الموظف العمومي الذي تلقى الهدية بتوافر جميع أركان الجريمة ، أي يعلم انه موظف عمومي حسب مفهوم المادة 02فقرة ب من القانون 06/01 والعلم فيه مفترض في هذه الحالة لأنه لا يعذر بجهل القانون, وإرادته بتلقي هدية أو مزية مع علمه بان من قدمها له عنده ملف أو إجراء أو معاملة عنده .
فالقصد العام وحده كاف لقيام الجريمة، ولا يشترط القصد الخاص والمتمثل في التلاعب بالوظيفة العامة واستغلالها لان ذلك يدخل في عنصر العلم الذي يعتبر احد عناصر القصد العام.
ويشترط توافر القصد العام لحظة تلقي أو استلام الهدية، لأن القصد اللاحق لا يعتد به,بل يعتد بالقصد المعاصر للحظة ارتكاب النشاط الإجرامي ويبقى عبء إثبات القصد الجنائي على النيابة العامة, والواقع أن إثباته جد صعب.
ولا تقوم الجريمة في حالة انعدام القصد الجنائي.
المطلب الثاني: جريمة تقديم الهدايا وأركانها:
وهي الجريمة المنصوص والمعاقب عليها بالمادة 38/02 من القانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته حيث يتعلق الأمر فيها بشخص سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا يقدم لموظف عمومي هدية أو مزية غير مستحقة في ظروف من شانها أن تؤثر قي سير إجراء ما أو معاملة لها صلة بمهام الموظف العمومي.
وقد نصت المادة 38/02 من القانون 06/01 على انه " يعاقب الشخص مقدم الهدية بنفس العقوبة المذكورة في الفقرة السابقة. "
وقد وقع اختلاف في اعتبار مقدم الهدية كشريك للموظف العمومي الذي تلقى هدية وبالتالي يستمد وصفه الإجرامي من وصف الفاعل الأصلي الذي هو الموظف العمومي، أم اعتباره بمثابة فاعل أصلي في جريمة مستقلة أخرى وهي جريمة تقديم الهدايا.
وهذا الإشكال تسببت فيه الصياغة التي جاءت بها المادة 38 من القانون 06/01 في فقرتها الثانية
إلا انه ونظرا إلى كون المشرع الجزائري اخذ بنظام ثنائية التجريم في تجريم جرائم الرشوة وما شابهها فإننا نقول أننا نعتبره كفاعل أصلي في جريمة تقديم الهدايا وذلك إذا توافرت باقي الأركان ، وهو نفسه الرأي الذي يأخذ به الأستاذ الدكتور أحسن بوسقيعة الذي يعتبر أن نظام ثنائية الرشوة يقتضي استقلال الجريمتين .
الفرع الأول: صفة الجاني

إذا كان المشرع يشترط في جريمة تلقي الهدايا صفة معينة في الجاني وذلك باعتباره موظف عمومي حسب المادة 02 فقرة ب من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته ، فان المشرع لم يشترط صفة معينة في الجاني في جريمة تقديم الهدايا ، إذ يمكن أن يكون الجاني أي شخص طبيعي أو أي كيان خاص .
الفرع الثاني: الركن المادي
يتحقق بتقديم هدية أو مزية غير مستحقة للموظف العمومي ومنحها له ، في ظروف من شانها أن تؤثر على إجراء أو معاملة لها صلة بمهام الموظف العمومي أي يجب أن يكون للشخص مقدم الهدية مصلحة عند الموظف العمومي أو إجراء أو معاملة أثناء لحظة تقديم الهدية .
وعليه فالركن المادي يتكون من ثلاثة عناصر وهي:
السلوك المادي.
المستفيد من المزية.
غرض تقديم الهدية.




أ / صور الركن المادي :
السلوك المادي
ويتمثل في تقديم الهدية أو المزية غير المستحقة للموظف العمومي ومنحها إياها, ويقصد بالتقديم التسليم الفعلي أي تمكين الموظف العمومي من الحيازة الفعلية للهدية أو المزية أو تحويل ملكية الهدية من الشخص مقدم الهدية إلى الموظف العمومي الذي تلقاها.
ولا يكفي مجرد الوعد أو العرض بل يجب أن يكون التسليم الفعلي للهدية دون طلب من الموظف العمومي أداء عمل أو الامتناع عن عمل لأنه في هذه الحالة تقوم جريمة الرشوة الايجابية بل يكفي فقط أن يقدم الشخص الهدية في ظروف من شانها التأثير على مهام الموظف العمومي وذلك إذا كانت للشخص مقدم الهدية مصلحة أو إجراء أو معاملة أو ملف لدى الموظف العمومي.
ولا يعفى من العقاب إلا إذا كان مضطرا على ارتكاب الجريمة بقوة ليس في استطاعته مقاومتها وفقا لأحكام المادة 48 من قانون العقوبات وهذا ماهو غير متوقع في هذه الجريمة لان تقديم الهدية في الأصل والغالب يكون بإرادة صريحة وغير مشوبة بأي عيب و بالأخص الإكراه, خاصة انه لا يشترط في المقابل تقديم خدمة أو قضاء حاجة .
ب/ محل الجريمة :
هو الهدية أو المزية غير المستحقة ، والتي سبق وان شرحتها بدقة في الفرع الثاني من المطلب الأول من هذا المبحث ، والتي يشترط فيها أن تكون ذات طبيعة مادية أو معنوية أو قد تكون صريحة أو ضمنية, مشروعة أو غير مشروعة ، كما قد تكون محددة أو غير محددة .
ج/ المستفيد من المزية وسبب الهدية وهدفها :
المستفيد من الهدية أو المزية هو الموظف العمومي كونه هو من يحصل على الفائدة من المزية أو الهدية ، وهو من ينتفع بها وتنتقل إليه ملكيتها والحيازة .
إلا انه يمكن أن يكون المستفيد شخصا أخر غير الموظف العمومي المقصود سواء تعلق الأمر بشخص طبيعي أو معنوي أو فرد أو كيان خاص, أما سبب الهدية هو وجود مصلحة أو ملف أو إجراء أو معاملة لمقدم الهدية عند ذلك الموظف العمومي .
أما الهدف منها هو التأثير سلبا أم إيجابا على السير الحسن للإجراءات أو المعاملات المتعلقة بمهام الموظف العمومي .
ويشترط أن تكون المصلحة التي يسعى مقدم الهدية لتحقيقها من وراء تقديم الهدية أو المزية هي له وليست لصالح شخص أخر غيره ، وهنا تختلف جريمة تقديم الهدية عن جريمة الرشوة الايجابية .
الفرع الثالث: الركن المعنوي

يتمثل الركن المعنوي في جريمة تقديم الهدايا في اتجاه إرادة الجاني إلى تقديم الهدية مع علمه بان له مصلحة أو إجراء أو معاملة متعلقة بمهام الموظف العمومي الذي أهدى له المزية أو الهدية.
أي تقديم الهدية يجب أن يكون مصحوبا بجميع العناصر القانونية للجريمة وإلا فان الجريمة لا تقوم في حقه
وعليه فيشترط القصد العام وهو العلم والإرادة ، إضافة إلى القصد الخاص وهو نية التأثير على مهام الموظف العام أثناء قيامه بالإجراءات أو المعاملات أو أثناء دراسة ملف مقدم الهدية .
فلا تقوم الجريمة إذا انتفى الغرض السيئ من الفعل، لأنه يجب أن يدرك مقدم الهدية بأنه يوجه سلوكه المادي إلى الموظف من اجل التأثير عليه ولا تقوم الجريمة إذا ثبت أن نية الاستجابة كانت لغرض شريف.


















[1]- قضت المحكمة العليا «الفصل بين الجرائم المنسوبة إلى الفاعلين يسمح بدون صعوبة عدم متابعة الراشي والمرتشي في وقت واحد، ولا يمكن لأحد الفاعلين أن يعرقل ممارسة الدعوى العمومية بإلحاحه على متابعة الفاعل الآخر في وقت واحد معه» الغرفة الجنائية – قرار بتاريخ 05/01/1971- نشرة القضاة سنة 1971 عدد 1 ص 84

[2]- أنظر: د. محمد صبحي نجم/ شرح قانون العقوبات الجزائري "القسم الخاص" ص09.

[3]- أنظر: د.أحسن بوسقيعة المرجع السايق. ص 58.

[4] - الدكتور أحسن بوسقيعة/ المرجع السابق ص 60.

[5] - أنظر: أديب إسطمبولي/ نشرح قانون العقوبات- الجزء الأول ص 492.

[6] - أنظر: د. عبد المجيد زعلاني/ المرجع السابق.ص 144.

[7] -أنظر: د. أحسن بوسقيعة/ المرجع السابق. ص 60.

1-أنظر : الدكتور رمسيس بهنام/ المرجع السابق. ص 331.

2-tribunal de Sarreguemines, 11/05/1967, je p 1968.2.15359

3 - أنظر : الدكتور رمسيس بهنام/ المرجع السابق. ص 331.نقلا عن الفقيه مانزيني في كتابه "trattato di diritto pénale italiano"

1- المجلة القضائية: قرار مؤرخ في 12/05/1991 ملف 69673. ص 184

2- أنظر طه شريف: جريمة الرشوة معلقا عليها بأحكام محكمة النقض / دار الكتاب الذهبي طبعة 1999.ص 62.

1- أنظر: الدكتور: أحمد سمير أبو شادي / مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها محكمة النقض – الدائرة الجنائية- الجزء 03- ص 139.

2-نشرة القضاة 1971- العدد 1 غ ج 2 قرار 05/01/1971 ص 84.

[8] - أنظر: محمد زكي أبو عامر/ القانون الجنائي الخاص "القسم الخاص" الدار الجامعية. ص 386.

[9] - الدكتور. أحسن بوسقيعة/ المرجع السابق ذ. ص 67.

[10] - المجلة القضائية للمحكمة العليا 1990 العدد4 غ ج 2 قرار 27/10/1987 ملف 47745. ص 238.

[11] - الدكتور: محمد نجيب حسني / شرح قانون العقوبات "القسم الخاص"- القاهرة 1972.ص 64.

[12] - عبد العزيز سعد/ جرائم الاعتداء على الأموال العامة والخاصة / دار هومة ص 17.

1- أنظر: محمد زكي أبو عامر / المرجع السابق ص 115

2 - المجلة القضائية للمحكمة العليا / قرار 12/04 / 1992 ملف 77162 ص 271. 1994 العدد 1


1 "a fin qu'il accomplisse ou s'abstienne d'accomplir un acte dans l'exercice de ses fonction "

[13] انظر: عبد الله سليمان / دروس في شرح قانون العقوبات الجزائري ( القسم الخاص) ديوان المطبوعات الجامعية – الطبعة الثالثة 1990 ص: 88





[14] انظر : office centrale pour la répression de la corruption / corruption en Belgique (une première analyse stratégique édition 2002)

[15] انظر الدكتور أحسن بوسقيعة / الوجيز في القانون الجزائي الخاص ص 71