منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الأثبات بشهادة الشهود في المواد المدنية و التجارية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-15, 23:06   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع للفصل الثاني

المبحث الثاني: إجراءات الإثبات بالشهادة
بعدما تعرضنا إلى الشروط المتطلبة في الشاهد لقبول شهادته أمام القضاء، والشروط المتطلبة في الشهادة ذاتها، سنتطرق إلى الإجراءات التي نص المشرع الجزائري على إتباعها عند إجراء التحقيق بسماع الشهود، والمتمثلة في طلب الإثبات بالشهادة والحكم به، ونتناوله في المطلب الأول، ثم إجراء التحقيق ونخصص المطلب الثاني لدراسته، أما المطلب الثالث فنتطرق فيه إلى الإجراء المتمثل في عرض التحقيق على المحكمة لاستخلاص وجه الحكم فيه.
المطلب الأول: طلب الإثبات بالشهادة والحكم به
ونتطرق في هذا المطلب إلى طلب الإثبات بالشهادة في الفرع الأول، ثم إلى حكم المحكمة بالاستجابة له أو رفضه في الفرع الثاني.
الفرع الأول: طلب الإثبـات بالشهـادة
حتى تأمر المحكمة بسماع الشهود حول واقعة معينة، يجب أن يقدم طلب الإثبات بالشهادة، ولكن من له الحق بتقديم هذا الطلب ؟ وكيف يقدم ؟ وهل يقدم طلب سماع شهود الإثبات فقط ،أم يمكن تقديم طلب سماع شهود النفي أيضا ؟ نحاول الإجابة على هذه الأسئلة في الفقرات التالية.
أولا- من له الحق بتقديم الطلب؟
بالرجوع إلى المادة 43 ق إ م الواردة تحت الأحكام العامة في إجراء التحقيق، نجدها تنص على أنه: " يجوز للقاضي بناء على طلب الأطراف، أو أحدهم، أو من تلقاء نفسه، أن يأمر قبل الفصل في الموضوع ... وبموجب أمر كتابي بإجراء الخبرة، أو التحقيق في الكتابة، أو بأي إجراء آخر من إجراءات التحقيق ..."، نستخلص أنه يجوز لكل من طرفي الخصومة، أن يطلب إجراء التحقيق، فقد يطلبه المدعي ليثبت مزاعمه، وقد يطلبه المدعى عليه، لنفي مزاعم المدعي أو ليثبت دفاعه، ويكون الطلب جائزا من باب أولى، إذا طلبه الطرفين معا( )، كما يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها، أن تأمر بالتحقيق لسماع الشهود، في الأحوال التي يجيز فيها القانون الإثبات بشهادة الشهود، متى رأت في ذلك فائدة للحقيقة، طالما أن الوقائع التي أحيلـت للتحقيق وقائع مادية، يجوز إثباتها بكل طرق الإثبات.( )
والملاحظ أن المشرع لم يعد يقنع بأن يكون دور القاضي المدني فيما يتعلق بإثبات مزاعم الخصوم أمامه دورا سلبيا، فسار نحو توسيع سلطة القاضي فيما يتعلق بإجراءات الإثبات والتحقيق، لذلك خوله سلطة الإحالة على التحقيق من تلقاء نفسه، أي دون طلب الخصوم، ولكن لا يجوز للمحكمة أن تستعمـل
هذه السلطة في حالتين هما:
- إذا كانت الدعوى خالية من أي دليل.
- إذا كان في الدعوى دليل قانوني كامل من الأدلة الملزمة للقاضي كالكتابة واليمين فمجال استعمال هذه السلطة هو وجود دليل ناقص يجب استكماله بالشهود.
ونص المادة 43 ق إ م جاء موافقا ما نصت عليه المادة 75 من القانون 08/09 على أنه: "يمكن للقاضي بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه أن يأمر...بأي إجراء من إجراءات التحقيق التي يسمح بها القانون".
ثانيا- كيفية تقديـم الطلـب
يقدم الطلب إما شفويا أو كتابيا، فيقدم شفويا أثناء نظر الدعوى أمام المحكمة، وفي هذه الحالة يثبته كاتب الضبط في محضر الجلسة، ويبلغه إلى الخصم في حالة غيابه، ويقدم كتابة برفعه إلى المحكمة، أو في مذكرة تعرض عليها وتلحق بملف الدعوى، ويجب أيضا في هذه الحالة تبليغ الطلب للخصم، وعلى طالب الإثبات بشهادة الشهود، أن يحدد الوقائع التي يريد إثباتها بالشهادة، فليس كاف أن يكون طلب التحقيق بعبارات عامة، مبهمة، لا يستخلص منها على وجه التحديد، والدقة الواقعة المراد إثباتها بالشهادة، وإذا لم يبين طالب التحقيق في طلبه، الوقائع التي يريد إثباتها بطريق الشهادة بيانا كافيا، كان طلبه غير مقبول، لأنه لا يمكن المحكمة من تقدير توافر الشروط اللازمة لقبوله، أو عدم قبوله.( )
ويجوز طلب الإثبات بشهادة الشهود في أية مرحلة تكون عليها الدعوى، ولو أمام المجلس القضائي عند النظر في الاستئناف، إذا لم يسبق تحقيق المراد إثباتها أمام المحكمة، ذلك أن التحقيق ليس من الطلبات، وإنما من وسائل الدفاع التي يجوز إبداؤها في أية مرحلة تكون عليها الدعوى، ولا يوجد ما يشير إلى ذلك في قانون الإجراءات المدنية، إلا أن القانون 08/09 نص على ذلك صراحة في المادة 76 منه: "يجوز الأمر بإجراء التحقيق في أية مرحلة تكون عليها الدعوى"، وللمجلس القضائي أن يرفض طلب الخصم بالإحالة على التحقيق إذا سبق وإن مكن بمعرفة محكمة أول درجة من إبداء دفاعه، وتقاعس هو عن إحضار شهود النفي الذين صرح له بإحضارهم. ( )
ثالثا- تحقيـق الإثبـات وتحقيـق النفــي
ويطلق البعض على ذلك مصطلح شهود الإثبات وشهود النفي، فإذا كان للمدعي حقا في الإثبات بالشهود، فللمدعى عليه نفس الحق, لكننا يجب أن نفرق في هذا الموضوع بين حالتين:
1. إذا كان المدعى عليه يقتصر على إثبات عكس الوقائع التي تمسك بها المدعي، فله الحق في سماع شهوده دون حاجة إلى بيان الوقائع، ودون حاجة إلى صدور حكم بالتحقيق، وهذا ما ينص عليه صراحة المشرع المصري في المادة 69 من قانون الإثبات، بينما لا يوجد نص يقابله في القانون الجزائري، لكن منطق العدالة يقتضي الأخذ بذلك لأن المشرع لم يفرق بين حقوق المتقاضين فالمدعي، والمدعى عليه في مركز سوي: "الإذن لأحد الخصوم بإثبات الواقعة بشهادة الشهود يقتضي دائما أن يكون للخصم الآخر في نفيها بهذا الطريق".
2. إذا أراد المدعى عليه أن يثبت وقائع غير الوقائع التي طالب المدعي بإثباتها، وإنما يرمي إلى إثبات وقائع جديدة مستقلة عنها، فيجب في هذه الحالة أن يتحصل على حكم آخر يرخص له بذلك، لأننا نكون في هذه الحالة أمام تحقيق الإثبات وليس تحقيق النفي.
ولهذه التفرقة بين الحالتين ما يبررها، لأن شهود المدعى عليه في الحالة الأولى ستقتصر شهادتهم على تناول الوقائع التي حكم بتحقيقها، والتي تعينت في الحكم الصادر بالتحقيق، أماالتي يريد المدعى عليه إثباتها في الحالة الثانية، فلم تكن محل تقدير أو مناقشة أو حكم.
الفرع الثاني: الحكـم بـه
قبل أن يحكم القاضي بقبول طلب الإثبات بشهادة الشهود، يتحقق أولا من أن الوقائع المطلوب إثباتها مما يجوز إثباتها بالشهود، وأن تكون الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالدعوى وجائزا قبولها، ومنتجة في الدعوى، وألا يكون في الدعوى ما يكفي لإقناع المحكمة بالفصل فيها، ويجب على القاضي أن يدرس طلب الإثبات بالشهود بجدية، وألا تأذن به إلا في الأحوال التي ترجح فيها جدية الإدعاء، لأن عدم التأكد من ذلك يكون خطرا على الخصم من كذب الشهود أو نسيانهم( )، ولا يوجد ما يجبر المحكمة على سماع الشهود، فلا يتحتم عليها إجابة الخصوم على إجراء التحقيق لإثبات وقائع يجوز إثباتها بالشهود، فلها سلطة تقديرية واسعة في ذلك، متى رأت أن في أوراق الدعوى والقرائن المستنبطة منها ما يكفي لتكوين اقتناعها( )، وفي حالة ما إذا استجابت المحكمة لطلب الإحالة على التحقيق، فهي ليست مجبرة على تسبيب حكمها، أما إذا رفضت الطلب، فيجب عليها أن تسبب رفضها تسبيبا سائغا، لتتمكن المحكمة العليا من ممارسة رقابتها، وإلا كان الحكم معيبا بالقصور وجب نقضه.
لكن هل يمكن للمحكمة أن تقبل طلب الإثبات بشهادة شهود النفي، إذا كانت قد قبلت طلب الإثبات بشهادة شهود الإثبات ؟
لا يوجد أي نص قانوني فيما يخص هذه المسألة، لكن منطق العدالة يقتضي أنه إذا طالب المدعى عليه أن ينفي بالشهود نفس الوقائع التي طالب المدعي بإثباتها، فإن المحكمة مجبرة على الاستجابة لطلب المدعى عليه، في حالة ما إذا كانت قد قبلت طلب المدعي، أما إذا عين المدعى عليه في طلبه بالإثبات بالشهود وقائع جديدة، فإن المحكمة ليست مجبرة على الاستجابة لطلبه.
ويعتبر الحكم القاضي بسماع الشهود, حكما صادرا قبل الفصل في الموضوع، طبقا للمادة 43 ق إ م التي تنص على أنه: "... أن يأمر قبل الفصل في الموضوع ..."، فلا تنتهي به الخصومة، لذلك لا يجوز الطعن فيه إلا مع الحكم الصادر في الموضوع( )، ويجب أن يتضمن الحكم بإجراء سماع الشهود، الوقائع التي يريد المكلف بالإثبات أن يثبتها بالشهود، كما يجب أن يشمل على اليوم والساعة المحددين للجلسة لإجراء هذا التحقيق.
قرار رقم 43.134 مؤرخ في 01/06/1988 ( )" من المقرر قانونا أنه تبين في الحكم بإجراء التحقيق الوقائع المراد التحقيق فيها ويوم وساعة الجلسة المحددة لإجرائه، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للإجراءات الجوهرية، ولما كان الثابت -في قضية الحال- أن قضاة الموضوع أسسوا قرارهم على تحقيق أمرت به المحكمة دون أن يذكروا نوعية الأمر بالتحقيق، وهل المحكمة فعلا أجرت ذلك التحقيق أم لا ومن ثم فإنهم بقضائهم كما فعلوا قد أغلفوا قاعدة جوهرية في الإجراءات".
كما يجب أن يتضمن الحكم تكليف الخصوم بالحضور، واستحضار شهودهم في اليوم والساعة المحددين أو أن يخطروا كاتب الضبط بأسماء الشهود الذين يريدون سماعهم خلال 8 أيام من إعلان الحكم للخصم وذلك طبقا للمادة 62 ق إ م التي تنص على أنه: "تبين في الحكم بإجراء التحقيق الوقائع المراد التحقيق فيها ويوم وساعة الجلسة المحددة لإجرائه، كما يتضمن تكليف الخصوم بالحضور واستحضار شهودهم في اليوم والساعة المحددين، أو بأن يخطروا قلم الكتاب خلال ثمانية أيام -فيما عدا حالات الاستعجال- بأسماء الشهود الذين يريدون سماعهم"، يتبين لنا من هذه المادة أن تعيين أسماء الشهود يمكن أن يكون في طلب الإثبات بالتحقيق أو يعده وذلك بإحضار كاتب الضبط بأسمائهم( ).
وقد نصت المادة 151 من القانون 08/09 على أنه: " يحدد القاضي في الحكم الآمر بسماع الشهود الوقائع التي يسمعون حولها، ويوم وساعة الجلسة المحددة لذلك، مع مراعاة الظروف الخاصة بكل قضية. يتضمن هذا الحكم دعوة الخصوم للحضور، وإحضار شهودهم في اليوم والساعة المحددين في الجلسة".
ما يفهم من هذا النص أنه يجب على طالب الإثبات بالشهادة أن يعين أسماء الشهود المراد سماعهم في الطلب الذي يتقدم به، وذلك لأن هذا النص قد ألغى إمكانية إخطار كاتب الضبط بأسمائهم بعد صدور الحكم الآمر بسماعهم، كما وفق المشرع حينما استبدل عبارة "تكليف الخصوم بالحضور" بعبارة "دعوة الخصوم للحضور، لأن التكليف بالحضور إجراء قانوني يقوم به المكلف بالإثبات عن طريق المحضر القضائي لتكليف خصمه الغائب عن الجلسة بالحضور إلى جلسة التحقيق، وبالتالي لا يمكن أن يتضمن الحكم الآمر بسماع الشهود تكليف الخصوم للحضور بمعناه القانوني، وإنما هي مجرد دعوة لحضور الجلسة محددة اليوم والساعة.
المطلب الثاني: إجـراء التحقيـق
يجب على من هو مكلف بالإثبات من الخصمين أي يستخرج نسخة من الحكم القاضي بإجراء التحقيق، ويبلغها لخصمه، ثم يكلف الشهود بالحضور للجلسة في اليوم والساعة المحددين في الحكم أو يحضرهم معه يوم الجلسة، وبعد التأكد من أهلية الشهود، تقوم المحكمة بسماعهم واحدا تلو الأخر، في محضر يحرره كاتب الجلسة، وسنتكلم عن هذه الأمور تباعا في الفروع التالية:
الفرع الأول : إحضار الشهود
يجب على المكلف بالإثبات إحضار شهوده، أو تكليفهم بالحضور للجلسة المحددة في الحكم الأمر بسماع الشهود مع إيداع كتابة ضبط المحكمة مصاريف هذا الإجراء، وإذا تخلف الشهود عن الحضور قرر لهم المشرع عقوبة جزاء تخلفهم، وسنتطرق لهذه النقاط فيما يلي:
أولا- تكليف الشهود بالحضور
قد يحضر الشاهد مع الخصم طواعية، ودون تكليفه بالحضور وهذا هو الأصل، وإما أن يكلف الخصم شاهده بالحضور إلى الجلسة المحددة لسماعه وذلك بإعلانه على يد محضر قضائي، وفقا لإجراءات التكليف المنصوص عليها في القواعد العامة وذلك طبقا للمادة 63 ق إ م التي نصت على أنه: "يجوز للخصوم أن يتقدموا مباشرة بشهودهم، أو بطلب تبليغهم للحضور بواسطة قلم الكتاب وفقا للمواد المنصوص عليها في المواد من 22 إلى 26"، وطبقا للمادة 154 من القانون 08/09 التي نصت على أنه :"يتم تكليف الشهود بالحضور بسعي من الخصم الراغب في ذلك وعلى نفقته ..."
وفي حالة تكليف الشاهد بالحضور لأداء الشهادة توجب المادة 67 ق إ م ألا تقل المهلة المحددة لحضور الشاهد عن خمسة أيام من تاريخ استلامه التكليف إلى يوم حضور التحقيق حيث نصت على أنه: "فيما عدا الحالات الاستعجال لا تقل المهلة المحددة لحضور الشاهد عن خمسة أيام، من تاريخ استلامه التبليغ إلى يوم الحضور إلى التحقيق"، وهذه المهلة منحت للشاهد حتى يكون له متسع من الوقت لترتيب أموره، لأن غيابه دون عذر سيترتب عنه عقوبة تتمثل في غرامة لا تتجاوز 50 د ج، وإذا أعيد تبليغه لعدم حضوره في المرة الأولى، ولم يحضر ثانية، فإن العقوبة لا تجاوز مئة (100) د ج، مع تحميل مصاريف حضوره، إلا إذا حضر الشاهد وقدم عذر لغيابه، فإن القاضي يعفيه من الغرامة، ويجب عليه أن يؤدي الشهادة إذا رأى القاضي ذلك، طبقا للمادة 67 ق إ م التي نصت على أنه: " ويجوز الحكم على الشهود الذين يتخلفون عن الحضور بغرامة مدنية لا تجاوز خمسين دينار مع النفاذ المعجل رغم المعارضة والاستئناف، ويجوز إعادة تبليغهم وتحميلهم المصاريف، وإذا تخلف الشهود الذين أعيد تبليغهم يحكم عليهم بغرامة مدنية لا تجاوز مائة دينار، ومع ذلك إذا أبدى الشاهد أعذار مقبولة عن عدم إمكانه الحضور جاز للمحكمة إعفاؤه من الغرامات المحكوم بها عليه مع سماع شهادته".
لكن ويتفحص مواد القانون 08/09 المتعلقة بسماع الشهود، نجده قد ألغى الغرامة المقررة كجزاء لتخلف الشاهد المبلغ قانونا للحضور لجلسة سماع الشهود المحددة في الحكم الآمر بذلك، وما دام أن الشاهد إذا تخلف عن الحضور للإدلاء بشهادته يحكم عليه بغرامة مدنية فالمنطق يقتضي أنه إذا حضر، وأدلى بشهادته، تقرر له على الأقل مصارف تنقله، فالشاهد يؤدي شهادته إظهار للحقيقة دون مقابل، وفي سبيل ذلك قد يتكبد مصاريف كثيرة قد ترهقه خاصة إذا كان بعيدا عن المحكمة التي يسمع فيها، فمن العدل أن يعوض عن كل المصاريف والنفقات التي يكون قد تحملها ولكن السؤال الذي يطرح هو من يتحمل هذه المصاريف؟
ثانيا- مصاريف الشهود
نصت المادة 73 ق إ م على أن: "الخصم الذي يحضر أكثر من خمسة شهود على واقعة واحدة، يتحمل في جميع الأحوال مصروفات الشهود الآخرين في هذا الشأن"، يتضح من هذه المادة أن الخصم الذي يحضر أكثر من خمسة شهود فإنه يتحمل مصاريف ما زاد عن خمسة شهود، ولكن من يتحمل مصروفات الشهود الخمس؟ وكيف يتم ذلك؟
لقد نصت المادة 44 ق إ م الواردة في الأحكام العامة في إجراءات التحقيق على أنه: "يمكن للقاضي قبل إجراء التحقيق أن يكلف الخصوم، أو أحدهم بأن يودع كتابة ضبط المحكمة مبلغا يحدد مقداره على ذمة المصروفات التي تستلزمها إجراءات التحقيق التي أمر بها"، وهو نفس ما تضمنته المادة 79/1 من القانون 08/09 حيث نصت على أنه :"يأمر القاضي عند الاقتضاء الخصوم أو أحدهم بإبداع مصاريف إجراءات التحقيق أو التبسيقات المالية -بعد تحديدها- لدى أمانة ضبط الجهة القضائية"، وأضافت المادة 45 ق إ م أن: "المبلغ المقرر إيداعه لحساب أتعاب ومصروفات الخبراء، والشهود لا يمكن بأي حال من الأحوال أداؤه مباشرة من الخصوم إلى الخبراء أو الشهود".
وعمليا القاضي لا يأمر بإيداع هذه التسبيقات قبل إجراء التحقيق على اعتبارها عند البعض أنها مقررة للقاضي يمكن التنازل عنها، إلا أنها في حقيقة الأمر تتضمن مصاريف إجراء التحقيق، وكذا مصاريف الشهود، وبالتالي لا يمكن التنازل عنها خاصة وأن المشرع نص على أن محضر التحقيق يلحق بأصل الحكم ليؤشر عليه لدى مصلحة التسجيل مع الأحكام وبالتالي تودع مصاريف إجراء التحقيق لدى الخزينة العمومية، وهو ما لا يعمل به حاليا، حيث توضع هذه المحاضر ضمن أوراق الملف فقط.
وقضت المادة 229 ق إ م أنه: "إذا طلب شاهد تقدير مصاريف له يراعي في شأنها ما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 227"، وبالرجوع إلى المادة 227 ق إ م نجدها تنص على تقدير مصروفات الخبير والمترجم، ويتبع نفس الأمر فيما يخص تقدير مصروفات الشاهد، فيجب أن يصدر من المحكمة أمر بتقديرها، ويؤشر على النسخة الرسمية بالصيغة التنفيذية بمعرفة كاتب الجلسة، وتسلم إلى الشاهد ليطلب حقه بواسطتها، ولكن إلى من يجب على الشاهد أن يتجه للمطالبة بحقه؟
المادة 227 ق إ م تحيلنا إلى نص المادة 233 التي تنص على أنه: "في حالة سقوط الخصومة يحكم على المدعي الأصلي بجميع مصاريف الإجراءات التي قضي بسقوطها" وتقابلها في ذلك المادة 230 من القانون 08/09 التي تنص على أنه : "إذا تم النطق بسقوط الخصومة، يتحمل المصاريف القضائية الطرف الذي خسرها".
كما أضافت المادة 225 ق إ م أن:"الخصم الذي خسر الدعوى هو الذي يتولى دفع المصاريف،وفي حالة ترك الخصومة تكون المصاريف على الطرف الذي تخلى عنها"،ويتفق نصها مع ما جاءت به المادة 419 من القانون 08/09 حيث تنص على أنه: "يتحمل الخصم الذي خسر الدعوى المصاريف المترتبة عليها، ما لم يقرر القاضي تحميلها كليا أو جزئيا لخصم آخر مع تسبيب ذلك"، ومع ما جاءت به المادة 234 من نفس القانون والتي تنص على أنه: " يحمل الحكم القاضي بالتنازل المدعي مصاريف إجراءات الخصومة ..."
واستنتاجا من كل المواد المذكورة فإنه يتحمل مصاريف الشهود، الخصم الذي خسر الدعوى، أو تركها، أو المدعي الأصلي عند سقوط الخصومة، كما أن الشاهد المتخلف عن الحضور دون عذر مقبول يتحمل نفسه مصروفات حضوره، وفي حالة ما إذا استدعت المحكمة شهودا من تلقاء نفسها، فهي التي تتحمل مصاريفهم، وإذا لم يودع طالب الإثبات بالشهادة المبالغ التي أمر بها القاضي كتابة ضبط المحكمة في الآجال التي حددت له استغنى القاضي عن إجراء سماع الشهود الذي أمر به، وحكم في القضية على الحالة التي هي عليها، طبقا للمادة 44/2 ق إ م وهو نفس الحكم الذي جاءت به المادة 79/2 من القانون 08/09 حيث تنص على أنه: "إذا لم تودع هذه المبالغ في الآجال التي حددها القاضي استغنى عن الإجراء الذي أمر به، وحكم في القضية على الحالة التي عليها".
أما في القانون المصري فإن الشاهد يطلب بعد أداءه الشهادة من المحكمة تقدير مصروفات حضوره، وتعويضا مقابل تعطيله عما فاته من كسب، وتجيبه المحكمة بذلك، ويثبت أمر التقدير في محضر الجلسة، وتعطى للشاهد صورة من الأمر ينفذها على الخصم الذي استدعاه قبل الفصل في القضية ويجب على هذا الخصم سواء كان المدعي أو المدعى عليه أن يقدم المصاريف للشاهد بموجب ذلك الأمر وإذا كسب دعواه يستطيع أن يرجع بهذه المصروفات على خصمه، أما إذا خسرها فلا يرجع على أحد.( )
ولكن في الواقع العملي، الشاهد عندنا لا ترد له المصاريف التي أنفقها في التنقل والإطعام، وما فاته من كسب في ذلك اليوم حتى أثناء الإدلاء بشهادته أمام القضاء الجزائي فما بالك بالقضاء المدني، كما أن المحكمة لا تلزم طالب الإثبات بالشهادة بإيداع التسبيقات المالية التي تغطي مصاريف الشهود ومصاريف إجراء التحقيق بسماع الشهود.
الفرع الثاني: سمـاع الشهــود
قبل أن يدلي الشاهد بشهادته، لا بد من أن يعرف بهويته كاملة، وأن يؤدي اليمين، ويتم ساعتها رد الشاهد عن طريق التجريح إذا بدا لأحد الخصوم سببا من أسباب التجريح ليفصل فيه القاضي، ثم يتم تلقي شهادة الشاهد، وسنتكلم عن هذه النقاط في الفقرات التالية:
أولا: تعريف الشاهد بهويته وأدائه ليمين
يجب على الشاهد أن يحضر في الميعاد القانوني، وقبل أن يبدأ في شهادته يقوم بذكر اسمه ولقبه، وسنه، وموطنه، ودرجة قرابته، أو مصاهرته، أو تبعيته للخصوم، وذلك ليتأكد القاضي من الشاهد، ويعرف مدى علاقته بالخصم، واستخلاص أوجه رد الشاهد إن أمكن وليعرف ما إذا كان الشاهد سيسمع على سبيل الاستدلال، أو يأخذ بشهادته كاملة، أو تستبعد.
كما يجب على الشاهد أيضا -وقبل الإدلاء بشهادته- أن يؤدي اليمين، لأن المادة 65/2 ق إ ج تنص على ما يلي: "ويحلف الشاهد اليمين بأن يقول الحق، وإلا كانت شهادته باطلة" غير أنها لم تبين كيفية حلف اليمين، وما هي صيغته، فالعبارة التي جاءت بها المادة المذكورة عبارة غامضة، وغير شاملة للموضوع، لأنه إذا حلف الشاهد بأن يقول الحق، فإننا نرى عدم كفاية ذلك، فمن الأفضل أن يؤدي الشاهد اليمين بأن يقول الحق وألا يقول إلا الحق( )، لأنه إذا حلف بأن يقول الحق فإنه يستطيع أن يقول الحق مع إمكانية إضافة شيء من الكذب، أو إخفاء بعض الحق فيكون قد قال الحق، لذلك من المستحسن أن يؤدي الشاهد اليمين بأن "يقول كل الحق ولا شيء إلا الحق"، ولكون قانون الإجراءات المدنية لم ينص على صيغة اليمين التي يؤديها الشاهد، فإنه وقياسا على نص المادة 434 ق إ م المتضمنة صيغة اليمين التي يؤديها الخصم، فإن اليمين التي يؤديها الشاهد تكون صيغتها كالتالي : "أحلف بالله العظيم أن أقول الحق" وحسب رأينا ونظرا للسبب الذي ذكرناه يكون من الأفضل لو يحلف الشاهد بالصيغة التالية : "أقسم بالله العظيم أن أقول كل الحق ولا شيء غير الحق".
وقد كان صدور القانون 08/09 فرصة لتدارك المشرع هذا النقص، إلا أنه قد تغافله مرة أخرى، لأن المادة 152/2 منه نصت على أنه: "يؤدي الشاهد اليمين بأن يقول الحقيقة..."، وإذا كان الشاهد غير مسلم فيؤدي اليمين حسب الأوضاع الخاصة بديانته إذا طلب ذلك طبقا لما نصت عليه المادة 434 ق أ م، ويترتب على عدم أداء الشاهد اليمين بطلان الشهادة، وتعرض الحكـم المبني عليهـا للنقض طبقا
لما أقرته المحكمة العليا في عدة قرارات.
قرار رقم 391134 بتاريخ 21/12/2005 ( ): "وحيث أن أداء اليمين للشاهد في حالة عدم وجود مانع قانوني من أدائها يعتبر من النظام العام، ويتعين على المحكمة مراعاتها، فإن هي أغفلت ذلك ترتب عنه بطلان الإجراءات، ومعه بطلان الحكم وإذا كان هناك ما يبرر إعفاء الشاهد منها تعين إبراز سبب الإعفاء، حتى تتمكن الحكمة العليا من بسط رقابتها، لكن الحكم المطعون فيه قد أعفى جميع الشهود من أدائها دون توضيح سبب هذا الإعفاء الأمر الذي يشكل مخالفة لقاعدة جوهرية في الإجراءات ينجر عنها النقض".
قرار رقم 90.683 مؤرخ في 25/05/1993( ): "من المقرر قانونا... ثم يحلف بان يقول الحق، ولما كان ثابتا -في قضية الحال- أن قضاة المجلس أغفلوا توجيه اليمن القانونية للشاهدات... مما يجعل قرارهم عرضة للنقض".
قرار رقم 57775 مؤرخ في 15/07/1989( ): "إذا كان مؤدى المادة 65 من ق إ م توجب أن يحلف الشاهد بأن يقول الحق، وإلا كانت شهادته باطلة فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفـًا للقانون. ولما كان الثابت -في قضية الحال- أن القاضي المنتدب لإجراء التحقيق لم يؤدي اليمين للشهود ومن ثم فإن التحقيق باطل طبقا للنص القانوني المذكور أعلاه، ومتى كان ذلك استوجب إبطال التحقيق، والأمر بتحقيق جديد".
إلا أن 08/09 تراجع عن هذا الحكم ورتب على عدم أداء اليمين قبل الإدلاء بالشهادة قابلية هذه الشهادة للإبطال، أي أن الشهادة تكون صحيحة، وإجراء سماع الشهود صحيح، ولا تصبح باطلة إلا إذا تمسك الخصم صاحب المصلحة ببطلانها لعدم أداء الشاهد اليمين.
ثانيا: التجريـح فـي الشاهـد
يجب على الخصم الذي يريد أن يتمسك بإبعاد أحد شهود خصمه إذا رأى في ذلك مستساغا قانونيا، أن يبدي أوجه التجريح قبل إدلاء الشاهد بشهادته، لكن إذا لم يظهر سبب التجريح إلا بعد أداء الشهادة، ففي هذه الحالة تعد الشهادة باطلة إذا قبل التجريح وذلك طبقا للمادة 70 ق إ م التي تنص على أنه: "تبدى أوجه التجريح قبل إدلاء الشاهد بشهادته إلا إذا ظهر سبب التجريح بعد أداء الشهادة، وفي هذه الحالة الأخيرة إذا قبل التجريح أصبحت الشهادة باطلة".
قرار رقم 56.651 مؤرخ في 28/12/1988( ): "من المقرر قانونا أنه يجوز لأي من الخصوم إبداء أوجه التجريح ضد شاهد أو شهود حتى بعد إدلاء الشهود بشهادتهم إذا ظهر سبب التجريح بعد
التصريح بالشهادة.
ولما كان الثابت -في قضية الحال- أن الطاعن جرح شهادة الشهود بسبب القرابة أو المصاهرة فإن قضاة الموضوع الذين قضوا بإتمام إجراءات بيع السيارة المتنازع عليها، دون مناقشة طلب التجريح شهادة الشهود يكون قد خرقوا الأشكال الجوهرية في الإجراءات، ومتى كان ذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه"، وأسباب تجريح الشاهد هو عدم أهليته للشهادة، أو بسبب قرابته للخصم، أو لأي سبب جدي آخر طبقا للمادة 69/2 التي نصت على أنه: "يجرح الشاهد إما بسبب عدم أهليته للشهادة وإما لقرابته القريبة، أو لأي سبب جدي آخر"، وإذا رفع الخصم أمر تجريح الشاهد إلى القاضي فصل فيه هذا الأخير في الحال بحكم نهائي غير قابل للاستئناف.
ثالثا: تلقـي الشهـادة
عند افتتاح جلسة التحقيق يؤدي كل شاهد شهادته على انفراد بحضور الخصوم، أو غيابـهم ومن المستحسن حضورهم ليتسنى لكل منهم مناقشة الشاهد( )، ومعنى الإنفراد هو أنه بعد أن تتأكد المحكمة من أسماء الشهود الذين حضروا، تخرجهم من قاعة الجلسة ثم تستدعيهم واحدا بعد الأخر، وكل شاهد يدلي بشهادته يبقى في قاعة الجلسة ولا يغادرها إلى أن يتم سماع جميع شهود الإثبات، وشهود النفي في الميعاد، ويجري سماع شهود النفي في نفس الجلسة التي يسمع فيها شهود الإثبات إلا أن هذا الأمر ليس حتميا، بل ترك المشرع تنظيم هذه المسألة للمحكمة التي تتولى إجراء التحقيق، فلها أن ترجئ سماع شهود النفي إلى جلسة أخرى غير التي سمعت فيها شهود الإثبات إذا حال دون سماعهم في نفس الجلسة مانع، كعدم حضورهم، أو عدم اتساع الوقت لسماعهم جميعا، وتقدير هذا المانع مما يدخل في نطاق سلطة المحكمة الموضوعية فلا رقابة عليها من المحكمة العليا( ).
ويكون توجيه الأسئلة -سواء كانت من الخصوم أو المحكمة- إلى الشاهد من المحكمة أو القاضي المنتدب، والخصم الذي استشهد بالشاهد هو الذي يبدأ بالأسئلة، فإذا فرغ منها جاز لخصمه أن يطرح ما يشاء من الأسئلة طبقا للمادة 71 ق إ م التي نصت على أنه: "وللقاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم أو أحدهم أن يوجه إلى الشاهد جميع الأسئلة اللازمة"، وقد وافقتها في ذلك المادة 158/2 من القانون 08/09 التي نصت على أنه: "يجوز للقاضي من تلقاء نفسه أو بطلب من الخصوم أو من أحدهم أن يطرح على الشاهد الأسئلة التي يراها مفيدة"، ولا يجوز لأحد الخصوم أن يقاطع كلام الأخر أو كلام الشاهد وقت أداء الشهادة( )، طبقا للمادة 72 ق إ م التي نصت على أنه: "لا يجوز لأحد الخصوم أن يقاطع الشاهد أثناء تأديته لشهادته، ولا أن يوجه إليه الأسئلة مباشرة"، وتثبت إجابات الشهود في محضر ثم تتلى على الشاهد، ويوقع عليها بعد تصحيح ما يرى لزوما تصحيحه منها، ثم يثبت في المحضر ما ذكره أولا، وما صححه به، وإذا امتنع الشاهد عن التوقيع ذكر ذلك، وسببه إن وجد في المحضر، وذلك طبقا للمادة 72 ق إ م التي نصت على أنه: "تتلى على كل شاهد أقواله، ويقوم بالتوقيع عليها، أو ينوه بأنه لا يعرف، أو لا يمكنه أو أنه يمتنع عن ذلك"، وتوافقها في ذلك المادة 161/1 من القانون 08/09 التي نصت على أنه: "تتلى على الشاهد أقواله من طرف أمين الضبط فور الإدلاء بها".
يحرر هذا المحضر في دفتر الكاتب، إذا كان الحكم الصادر في الدعوى غير قابل للاستئناف، أما إذا كان الحكم الذي سيصدر في الدعوى مما يجوز استئنافه، يجب أن يحرر المحضر في ورقة مستقلة، حتى يمكن إلحاقه بملف الدعوى عند استئناف الحكم، وهذا ما جاءت به المادة 74/1 ق إ م، وأكد ذلك القرار رقم 74.167 المؤرخ في24/04/1991( ): "من المقرر قانونا أنه في الدعاوى الجائز استئنافها، يحرر الكاتب محضرا خاصا بأقوال الشـهود ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للقواعد الجوهرية في الإجراءات، ولما كان من الثابت -في قضية الحال- أن قاضي الدرجة الأولى الذي أمر بإجراء تحقيق وسماع الشهود دون أن يتم تحرير محضر بذلك، فإن قضاء المجلس بتأييدهم للحكم دون أن يصححوا هذا الإجراء بالرغم من التمسك به أمامهم يكون قد خرقوا الإجراءات الجوهرية".
قرار رقم 271118 مؤرخ في 26/03/2003: "حيث أن شهادة الشهود الذين يسمعهم القاضي الأول هي تكملة لبداية إثبات اعتمادا على الوثيقة المحررة في 21/02/1999، فكان على القضاة تحرير محضر حول التحقيق تقيد فيه أقوال الشهود وفقا للمادة 72 ق إ م، وكان على المجلس أن يلاحظ ذلك، في حين أنه اكتفى بتأييد الحكم المعاد، رغم شهادة الشهود التي تثبت أن الطاعن دفع مبلغ 90 مليون للمطعون ضده، ومن جهة أخرى كان على المجلس مناقشة الشيك المدفوع بما فيه الكفاية، وما هو مصير شهادة الشهود والتحقيق، هل رفضته المحكمة، أو اعتمدت عليه للقول أن الطاعن مدين بالمبلغ الكامل، حيث أن المجلس لم يناقش كل ذلك بما فيه الكفاية، وقصر في التسبيب، كما انه خرق إجراءات جوهرية، حيث أنه لم يحترم المادة 72 ق إ م، وعليه فما يعيبه الطاعن مؤسس ويجب نقض القرار دون مناقشة الأوجه الأخرى".
وقد أوجبت المادة 74/2 ق إ م أن يشمل هذا المحضر على البيانات التالية:
- مكان ويوم وساعة سماع الشاهد.
- حضـور أو غيـاب الخصـوم.
- اسم وللقب ومهنة وموطن الشاهد.
- أداء اليمين من طرف الشاهد.
- درجة قرابة الشاهد أو مصاهرته مع الخصوم أو تبعيته لهم.
- أوجه التجريح المقدََََمة ضد الشاهد.
- أقوال الشاهد والتنويه بتلاوتها عليه.
- توقيع القاضي على النسخة الأصلية لمحضر التحقيق.
وهي نفس البيانات التي نصت عليها المادة 160 من القانون 08/09 إلا أنه أوجب في المادة 161 منه توقيع كل من القاضي، وأمين الضبط، والشاهد، ويلحق بأصل الحكم، وقد قصد المشرع بتحديد هذه البيانات على النحو المفصل أن يكون محضر التحقيق أو ما يسمى بمحضر السماع مشتملا على بيان وافي بظروف السماع وحالاته لتتمكن المحكمة من استخلاص وجه الحكم منه بما يطابق الحقيقة وقواعد القانون.
ملف رقم 54.472 مؤرخ في 25/10/1989 :" متى كان من المقرر قانونا أنه يجوز الأمر بالتحقيق للإثبات شهادة الشهود، فإن محضر التحقيق المعتمد على أقوال طرفي النزاع دون الاستماع إلى الشهود يعد إساءة في تطبيق القانون، ولما كان الثابت في قضية الحال أن محضر التحقيق لم يتضمن الاستماع إلى شهادة الشهود، فإن قضاة الموضوع برفضهم لطلبات الطاعنين اعتمادا على محضر التحقيق يكون بقضائهم كما فعلوا أساءوا تطبيق القانون".
المطلب الثالث: عرض التحقيق على المحكمة لاستخلاص وجه الحكم منه
بمجرد انتهاء التحقيق بسماع الشهود يجوز للقاضي أن يصدر حكمه، وله أن يؤجل الدعوى إلى جلسة مقبلة، وفي هذه الحالة يجب عليه تحديد تاريخ أقرب جلسة لنظر الدعوى وذلك طبقا لما تنص عليه المادة 75 ق إ م: "للقاضي أن يصدر حكمه فور إجراء التحقيق وله أن يؤجل الدعوى إلى جلسة مقبلة، وفي هذه الحالة الأخيرة يصرح لأطراف الخصومة بالاطلاع على التحقيق قبل المناداة على القضية من جديد في الجلسة المحددة"، أي يمكن للخصوم الحصول على نسخة من محضر سماع الشهود. ونفس الأحكام جاءت بها المادة 163 من القانون 08/09 التي نصت على أنه: "يجوز للقاضي أن يفصل في القضية فور سماع الشهود أو يؤجلها إلى جلسة لاحقة"، والمادة 162 التي نصت على أنه: "يجوز للخصوم الحصول على نسخة من محضر السماع"، وقبل أن تصدر المحكمة حكمها يجب أن تفحص مسألتين وهما: أوجه بطلان التحقيق التي يقدمها لها الخصوم، وفحص شهادة الشهود لاستخلاص وجه الحكم في موضوع القضية.
الفرع الأول: فحـص أوجـه بطـلان التحقيـق
يجب على المحكمة وهي تفحص أوجه البطلان في التحقيق أن تراعي ما نص عليه القانون في الأحكام الخاصة بالإثبات بالشهادة، ذلك أن القانون قد رتب البطلان جزاء على مخالفة الأحكام التي وضعها في هذا الشأن، ومثال ذلك ما أوجبته المادة 65 من ق إ م، من حلف اليمين وإلا بطلت الشهادة، فإن لم يرد نص صريح بالبطلان كان على المحكمة في فحصها لأوجه البطلان أن ترجع إلى القواعد العامة في البطلان ، ويمكن إجمال هذه القواعد فيما يتعلق ببطلان التحقيق بما يلي:
‌أ- إذا كان البطلان واردا على البيانات الجوهرية، تقضي به المحكمة بغير حاجة للنص عليه في القانون متى تحقق الضرر، وأما إذا كان متعلقا بالبيانات غير الجوهرية فلا يقضي به إلا بنص صريح.
‌ب- إذا كان البطلان يتعلق بالنظام العام، يجوز التمسك به في أي حال كانت عليه الدعوى وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، وإذا كان متعلقا بمصلحة الخصوم الخاصة، فلا يجوز لغير من له مصلحة منهم التمسك به، ويجوز التنازل عنه صراحة أو ضمنا.
‌ج- إذا كان العيب مؤثرا في التحقيق بجملته، يكون البطلان شاملا ومتناولا كل الإجراءات أما إذا كان متعلقا بشهادة أحد الشهود أو بعضهم، فلا يتناول البطلان إلا الشهادة أو الشهادات التي لم تستوف في أدائها الإجراءات القانونية.
‌د- بطلان تحقيق الإثبات لا يؤثر في صحة تحقيق النفي، والعكس بالعكس، لأن كل منهما مستقل عن الآخر.
‌ه- ليس القاضي مسؤولا إذا كان البطلان مترتبا على خطئه، ما دام لم يقع منه ما يستوجب المخاصمة.
‌و- ليس من بين نصوص القانون ما يمنع من أن يعاد التحقيق الذي قضي ببطلانه، فإذا أعيد التحقي وجب أن يقتصر على النقاط السابق بينها في الحكم الأول، ولا يجوز أن يتناول وقائع جديدة إلا إذا أذنت المحكمة بذلك.
‌ز- لا يؤثر بطلان التحقيقات في الحكم الذي يصدر في الموضوع إذا كان قد استند إلى أدلة غير مستقاة من التحقيقات الباطلة.
‌ح- لا يجوز التمسك بالبطلان المتعلق بمصلحة الخصوم الخاصة أمام محكمة ثاني درجة إلا إذا سبق التمسك به أمام محكمة أول درجة.
الفرع الثاني: فحص شهادة الشهـود لاستخـلاص وجـه الحكـم في القضية
بعد أن تفرغ المحكمة من النظر، والفصل في أوجه البطلان المتعلقة بالتحقيق، تنتقل إلى فحص هذه الشهادات ذاتها لتكون اعتقادها الذي يمكنها من الحكم في موضوع النزاع، وهي في تكوين اعتقادها هذا ليست ملزمة باحترام شهادة معينة، أو استبعاد بعض الشهادات، والأخذ بالبعض الأخر، فلها أن تبني اعتقادها على ما تستخلصه من شهادة شاهد واحد، وترد شهادة كثيرين منهم لعدم الثقة بهم، ولو اتفقت أقوالهم، بل ليس هناك ما يمنع المحكمة من أن تصدق الشاهد في بعض أقواله دون البعض الأخر، دون أن يعتبر ذلك حذفا لبعض شهادة الشاهد، متى أوردت جميع أقواله، وأشارت إلى ما فيها من تناقض، ثم عولت في حكمها على ما صدقته منها.
وإذا تعارضت أقوال شهود الخصمين في الواقعة الواحدة فهي ترجح بعض الأقوال على البعض الآخر مسترشدة في ذلك بما يساعدها في هذا الترجيح من ظروف سن الشهود ومركزهم الأدبي، أو العلمي، أو غير ذلك من الصفات الأخرى.
وإذا أخذت المحكمة بشهادة شهود الإثبات دون شهود النفي، فليس هناك ما يلزمها بتبرير ذلك، لأن هذا منوط بتصديقها إياهم واطمئنانها إليهم، بغير رقابة عليها من المحكمة العليا، ولكن هذه السلطة التقديرية التي أعطيت للمحكمة، لا تجيز لها أن تخرج بأقوال الشاهد عن ما يؤدي إليه مدلولها، كما أن سلطتها في تقدير أقوال الشهود مشروطة بألا يكون هذا التقدير مبنيا على سبب مخالف للثابت من الأوراق، وعلى المحكمة في جميع الأحوال، أن تبين في حكمها ماهية أقوال الشهود ومؤداها، وما استخلصته منها، وإلا كان حكمها معيبا بعيب القصور في التسبيب ولكن لا التزام على المحكمة أن تذكر جميع أقوال الشاهد، كما وردت في محضر التحقيق، وإنما حسبها الإشارة إلى ما ورد بها، مما ينبأ عن مراجعتها تلك الأقوال.
ولما كان الإثبات بالقرائن جائز في الحالات التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود فللمحكمة أن تستعين بالقرائن على هذا الترجيح، وعلى استكمال ما في شهادة الشهود من نقص أو إصلاح ما فيها من خطأ.
وليست المحكمة ملزمة بالأخذ بنتائج التحقيق، وإنما لها أن تطرحها، وأن تقضي بخلافها، بمعنى أن لها أن تأخذ بشهادة الشهود باعتبار أن الواقعة قد قامت على صحتها، أو على عدم صحتها أدلة أخرى، أو لأن شهادتهم غير معقولة، أو غير متعلقة بالدعوى، أو غير منتجة أي أن المحكمة لا تلتزم بنتائج حكمها الذي أصدرته بإجراء تحقيق.
وقد ألزمت المادة 75 ق إ م في حالة عدم نظر الدعوى في نفس الجلسة التي سمع فيها الشهود أن يصرح لأطراف الخصومة بأن لهم الحق في الإطلاع على محضر التحقيق، وهذا النص يقرر حقا ثابتا للخصوم قبل المرافعة في الدعوى، لمراجعة أقوال شهود خصومهم للاستعداد لمناقشتها في الدعوى، وتأييد وجهة نظر الخصوم، والوقوف على ما قد يكون في التحقيق من أوجه البطلان لإثارتها أمام المحكمة.

المبحث الثالث: الشهــادة الـــزور
تعتبر شهادة الزور من الجرائم التي يصيب ضررها وظيفة إقامة العدل بين الناس، فضلا عن الضرر الذي يحل بسببها بذوي الشأن من الأفراد، إذ أن الشهادة من وسائل الإثبات التي أباحها القانون المدني، والجزائي، وكثيرا ما يعول القاضي في إصدار حكمه على أقوال الشهود، فإذا لم يكن لأولئك وازع يحملهم على قول الحق، ضاع على ذوي الحقوق حقوقهم وفسد على القاضي قضاؤه، وسنتعرض في دراستنا إلى تعريف الشهادة الزور وأركانها في المطلب الأول، وإلى إجراءات المتابعة بها والعقاب المقرر لها في المطلب الثاني، أما المطلب الثالث فنتعرف فيه على حقوق المضرور من الشهادة الزور.
المطلب الأول: تعريف الشهادة الزور وأركانهـا
وسنتطرق في هذا المطلب إلى تعريف الشهادة الزور في الفرع الأول، ثم إلى أركانها في الفرع الثاني
الفرع الأول: تعريـف الشهـادة الـزور
لم يضع المشرع الجزائري تعريفا للشهادة الزور، وإنما اكتفت المواد 232 ق ع وما يليها ببيـان أنواع العقوبـات التي قررتها لها، تاركة التعريف لاجتــهاد الفقه والقضاء وبالرجوع إلى الفقه، نجده قد وضع عدة تعريفات للشهادة الزور نذكر منها:
أولا- تعريف الفقيـه جـاروGarraud
يرى الفقيه جارو أن الشهادة الزور تحدث عندما يطلب شاهد للشهادة القانونية، في قضية مدنية أو جنائية، فيؤكد عن عمد شيئا خطئا، أو ينكر عمدا شيئا صحيحا، ويتسبب بذلك الفعل في الإضرار بالآخرين، وتضليل العدالة.( )
يعتبر هدا التعريف تعريفا ناقصا، لأنه يقصر الشهادة على الشخص الذي يكلف بالحضور، مع أن القانون يسمح لكل شخص أن يحضر أمام المحكمة من تلقاء نفسه، لأداء الشهادة، ودون تكليف بالحضور. هذا ما يستفاد من المادتين 225/3، 231 ق إ ج، كما أهمل هذا التعريف عنصر اليمين ،فالشاهد ملزم بأن يحلف اليمين قبل تأدية الشهادة بأن يقول الحق ولاشيء غير الحق، وإلا كانت شهادته باطلة، فطبقا لهذا التعريف يعاقب الشاهد في حالة ما إذا شهد زورا رغم عدم حلفه اليمين، كما يؤدي هذا التعريف إلى اتهام الشاهد بشهادة الزور قبل إقفال باب المرافعة، بل وحتى إذا عدل الشاهد عن أقواله الكاذبة.

ثانيا- تعريف الفقيه جارسون
عرف هذا الفقيه شهادة الزور، بأنها شهادة تقوم على أساس الحنث باليمين في دعوى جنائية، أو مدنية، وأنها غير قابلة للرجوع فيها، وكاذبة عمدا وتحمل طابع غش العدالة لصالح أحد الأطراف، أو ضده( )، رغم أن هذا التعريف حاول تفادي الانتقادات السابقة، إلا أنه لم يشر إلى الضرر الذي ينتج عن تلك الجريمة، ويمس بمصالح الناس، لأن الضرر ركن من أركان جريمة الشهادة الزور.
ثالثا- تعريـف البرشـاوي
يعرف الدكتور شهاد هابيل البرشاوي الشهادة الزور بالتعريف الآتي "أن يشهد شخص أجازت المحكمة قبول شهادته أمامها، وسمعت يمينه، وتأكدت من أهليته للشهادة، فيقرر عمدا ما يخالف الحقيقة، بقصد الإضرار بالغير، وعرقلة سير العدالة، ولم يفكر في العدول عن أقواله الكاذبة، حتى يتم إقفال باب المرافعة في الدعوى الأصلية"( )، وبناءا على ما تقدم يمكن تعريف شهادة الزور كالأتي:
هي جريمة يتعمد فيها الشاهد الذي قبلت شهادته أمام القضاء، تغيير حقيقة الواقعة التي يشهد عليها بقصد الإضرار بالغير، وتضليل العدالة، ولم يكن قد تراجع عن أقواله الكاذبة إلى حين التوقيع على المحضر، وإقفال باب المرافعة.
الفرع الثانـي: أركان الشهـادة الـزور
لكي نكون أمام جريمة الشهادة الزور، لا بد من وجود شهادة تمت أمام القضاء، بعد حلف اليمين، تؤدي إلى تغيير في الحقيقة، يسبب ضررا حالا أو محتملا، وسوف نتعرض لهذه الأركان فيما يلي:
أولا- شهادة تمت أمام القضاء بعد حلف اليمين
لكي يتحقق الركن الأول من أركان جريمة الشهادة الزور، يجب أن تكون هذه الشهادة قد أدلي بها أمام القضاء، من شاهد لا مصلحة له في الدعوى، دعي للشهادة بناءا على طلب أحد الخصوم، طبقا للإجراءات المقررة، ولا عقاب على الشهادة الزور التي تؤدى أمام جهة غير قضائية.
ولا بد أن يكون الشاهد قد حلف اليمين قبل أداء شهادته،لأن الشهادة بغير اليمين تعد باطلة( ) ولأن الشاهد لا يعاقب في جريمة شهادة الزور على الكذب في حد ذاته، بل يعاقب لأنه حنث في يمينه، فإن كل شاهد أدى اليمين القانونية، يمكن أن يكون عرضة للمتابعة بجريمة الشهادة الزور إن هو غير الحقيقة عمدا، وألحق ضررا بالغير.
لكن يثار إشكال فيما يتعلق بالأشخاص الذين أجاز القانون سماعهم على سبيل الاستدلال، فمن هؤلاء الأشخاص ما يمكنهم حلف اليمين، ومنهم مالا يحلف اليمين.
بالنسبة للأشخاص الذين لا يحلفون اليمين لا يثور أي إشكال في المواد المدنية، فيما يخص القصر دون الخامسة عشرة سنة، وفاقدي الأهلية للشهادة أمام القضاء، لأن القانون منعهم من تأدية اليمين، وبالتالي لا يمكن تعريضهم للمتابعة بالشهادة الزور،أما المادة 66 ق إ م تثير إشكالا يتمثل في القصر دون الثامنة عشر، حيث جعل شهادتهم على سبيل الاستدلال، دون أن يوجب عليهم حلف اليمين، ودون أن ينص على عدم حلفهم لها؟ وبما أن المشرع نص صراحة على أنه لا يحلف اليمين القصر، دون الخامسة عشرة، فإننا نستنتج أنه يمكن للقاصر الذي يتراوح عمره ما بين 15 و 18 سنة أن يحلف اليمين، وتكون شهادته على سبيل الاستدلال، لكن هل إذا حلف اليمين، يعرض للمتابعة بشهادة الزور؟
وإذا كان كل شخص أدى اليمين قد يكون عرضة للمتابعة بشهادة الزور، فإنه وطبقا للمادة 228/3 ق إ ج إذا أدى الشاهد اليمين في المواد الجنائية وهو دون السادسة عشرة من غير معارضة النيابة العامة، أو أحد أطراف الدعوى، سيعاقب على الشهادة الزور إن هو غير الحقيقة عمدا، وهذا غير مستساغ قانونا ومنطقيا لحداثة سن القاصر، و عدم إدراكه لمعنى اليمين إطلاقا. كذلك الشأن بالنسبة للقاصر الذي يبلغ من العمر 17 سنة، فبمفهوم المخالفة للمادة 228/1 من ق إ ج يمكنه حلف اليمين قبل أداء شهادته. فهل يمكن تعريضه للمتابعة بالشهادة الزور إذا حلف اليمين، وغير بعدها الحقيقة ؟
يقترح لحل هذه المشاكل أن ينص المشرع الجزائري على أنه كل شخص يؤدي الشهادة على سبيل الاستدلال لا يتعرض للمتابعة بالشهادة الزور، وإن قام بحلف اليمين، ولا يبقى ساعتها إلا المشكل المطروح من خلال الفقرة 1 من المادة 228 ق إ ج فيما يتعلق بالشاهد الذي بلغ سنه 17 سنة، فكان على المشرع أن ينص على أن القاصر دون السادسة عشرة يسمع من غير حلف اليمين، أما القاصر الذي تجاوز هذا العمر ولم يبلغ سن المساءلة الجزائية فيمكنه حلف اليمين مع بقاء شهادته على سبيل الاستدلال.
ثانيا- تغيير الحقيقـة عمـدا.
يجب على الشاهد وهو يدلى بشهادته أمام القضاء أن يقول الصدق، وإذا انحرف عمدا عن الحقيقة، ونطق بأقوال كاذبة يكون قد شهد زورا، ويعاقبه القانون على ذلك، لكن كيف يتم إثبات مخالفة أقوال الشاهد للحقيقة؟
لم يضع القانون ضوابط تساعد على اكتشاف مخالفة الشاهد للحقيقة، لذا فالأمر متروك للقضاة يستخلصونه من مجموع أقوال الشهود، والظروف المحيطة بالدعوى،و هي من أصعب المهام الموكلة لتقدير المحكمة، لأن عملية اكتشاف الكذب في الشهادة فن عسير يستلزم أن يكون القاضي عالما نفسيا قبل أن يكون قاضيا، حيث يتطلب الموضوع منه أن يبحث نفسية الشاهد حتى يمكنه اكتشاف صدق أو كذب شهادته، لذلك قال الأستاذ "أدمون بيكار" البلجيكي" لا يكفي أن يتعلم القضاة قوانين المرافعات والتحقيقات فهذه كلها مسائل متعلقة بالشكل، إننا لا نعلمهم كيف يزنون الشهادة ويراقبونها، وهذه مسائل موضوعية تفوق الأولى بقدر ما يفوق اللب الغلاف"( ). ومن أهم المسائل التي تساعد القاضي في تقديره للحقيقة وبيان الكذب ما يلي:
1- الطرق التي يلجأ إليهـا الشاهد فـي تغيير الحقيقـة: لم يبين القانون الوسائل التي يستعملها الشاهد لتضليل القضاء، ولا كيف يمكن للمحكمة اكتشاف ذلك، وبصفة عامة توجد ثلاث فروض تقع فيها الشهادة الزور وهي:
- الفرض الأول: أن تقع شهادة الزور بإنكار وقائع صحيحة، وثابتة في الدعوى المطروحة أمام القضاء، كأن يشهد شخص في واقعة البيع بأن المشتري لم يدفع الثمن، فإذا تعمد إنكاره للواقعة تماما لا بد من عقابه على الشهادة الزور لأنه يعلم بالحقيقة لكنه شهد بغيرها.
- الفرض الثاني: أن يقول الشاهد جزءا من الحقيقة ويهمل الجزء الآخر عمدا وكان يعلم أن سكوته من شأنه أن يؤثر على أحد الخصوم، يتابع بالشهادة الزور، أما إذا سكت عن مسألة لا تأثير لها على أحد الخصمين فلا محل لمتابعته بهذه الجريمة، وإذا أجاب الشاهد على بعض الأسئلة دون البعض الآخر، فلا يعد مرتكبا لجريمة الشهادة الزور، بل ممتنعا عن أداء بعض أقواله، وامتناعه لا يغير من الشهادة، وإنما يجعلها ناقصة( )
- الفرض الثالث: أن يصرح عمدا بوقائع لا أساس لها من الصحة، تكون لمصلحة أو ضد أحد الخصمين، فهنا يمكن متابعته بالشهادة الزور. ( )
2- الوقائع التي يعاقب علـى تغيير الوقائع فيهـا: لا يشترط في الشهادة الزور أن تكون مكذوبة من أولها إلى آخرها، بل يكفي أن يتعمد الشاهد في تغيير حقيقة بعض الوقائع في الشهادة تغييرا تتحقق معه المحاباة التي يتطلبها القانون. لكن السؤال المطروح، هل يعاقب القانون على التغيير في الوقائع الجوهرية، أم الثانوية؟، يرى الرأي الراجح أن العقاب على الشهادة الزور لا يتوقف على درجة أهمية الوقائع المكذوبة في ذاتها، إنما على مبلغ تأثير هذه الواقعة على مركز المتهم، أو الخصم.
ثالثا- وجود ضرر حال أو محتمل
لا يعاقب على الكذب في الأقوال إلا إذا تسبب ذلك في ضرر، فيجب لعقاب الشاهد في دعوى جزائية أن تكون شهادته من شأنها أن تحدث ضررا بالمتهم، كأن يعاقب رغم براءته، أو تحدث شهادته ضررا بالمجتمع، وذلك بتبرئة متهم رغم ارتكابه الفعل المجرم، ونفس الأمر يجب أن يترتب في المواد المدنية، فلعقاب شاهد بعقوبة الشهادة الزور يجب أن ينجر عن شهادته ضرر يمس أحد الخصوم.
وإذا تفحصنا المادة 232 ق ع، والمواد الموالية لها، نلاحظ أنها تنص على عبارة "كل من شهد زورا...ضد المتهم أو لصالحه..." وهذه العبارة تدلنا على أن الضرر قد يمس العدالـة وقد يمس الأفراد، فهو يمس العدالة إذا أحدثت الشهادة تأثيرا يفيد المتهم، ويؤدي إلى تبرئته رغم ارتكابه للجريمة، ويمس الأفراد عندما تؤدي الشهادة الزور إلى عقاب البريء أو حرمان صاحب الحق من حقه والضرر المطلوب لقيام الجريمة هو الضرر العام، سواء كان ماديا أو معنويا، محققا تحققت أسبابه ونتائجه، أو محتملا( ).










رد مع اقتباس