منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التّصوّف ليس علمًا من عُلوم الشّريعة الإسلاميّة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-02-15, 20:13   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سعيد هرماس
كاتب و باحث
 
الصورة الرمزية سعيد هرماس
 

 

 
إحصائية العضو









افتراضي التّصوّف ليس علمًا من عُلوم الشّريعة الإسلاميّة

التّصوّف ليس علمًا من عُلوم الشّريعة الإسلاميّة

الحمد لله حقّ حمده، و الصّلاة و السّلام على من لا نبيّ بعده ؛ سيّدنا مُحمّدٍ، و على آله و أصحابه الجارين على سُنّنه من بعده. و بعد،
لقد عرف أتباع الإسلام، مُنذ نهاية المئة الهجريّة الأولى. بداية المئة الثّامنة النّصرانيّة، تقريبًا، لفيفًا من العُلوم و الفُنون، المُتعلّقة من قريبٍ، أو من بعيدٍ، بقراءة و دراسة المصدرين المعصومين ؛ القُرآن الكريم، و السُّنّة النّبويّة الشّريفة، من كُلّ جوانبهما و مناحيهما و مدلُولاتهما. و من جُملتها ؛ الكلام أو العقائد (السّمعيات و الغيبيات)، و القراءات و أُصول الرّواية، و أحكام القُرآن و تفاسيره، و مُصطلح الحديث و أُصوله و كُتبه، و الفقه و أُصوله و قواعده و مقاصده، و الفرائض، و السّير و التّراجم و التّاريخ، و عُلوم اللّسان العربي جميعها (1)... و شهدت هذه العُلوم، توسّعًا و تطوّرًا، ثُمّ استقرّت جُلّ مبادئها و أُصولها و مُصطلحاتها و مباحثها، بعد القرن الرّابع الهجريّ، و كانت قد قُسّمت إلى قسمين : العُلوم الوسائل، و العُلوم الأهداف، و تسمّت بعُلوم الشّريعة الإسلاميّة.

و بالتّوازي مع ذلك، شهدت الأمّة الإسلاميّة، في نفس الحقبة الزّمنيّة، و بعدها، نشأة الفرق و الطّوائف و النّحل
(2) و المذاهب، و ظهر بينها رُؤوسٌ و دُعاةٌ و مُجتهدون، و كان مدعاة ذلك، اختلاف في تبنّي العقائد (أُصولاً و فُروعًا)، و في منهج التّلقّي، و في اعتبار المرجعيات العلميّة، و في فهم أحكام الفقه (أُصولاً و فُروعًا)، و في اعتماد أوجه اللُّغة العربيّة و ألفاظها و معانيها و أساليبها. و ما إن انصرم القرن الثّالث الهجريّ. القرن التّاسع الميلادي، و أربى عليه القرن الرّابع الهجريّ. القرن العاشر الميلادي، حتّى تبلورت هذه الفرق و المذاهب، و نضجت آراؤها و برزت، و ظهرت دواوينها و استقلّت. و أقول تحديدًا، بالنّسبة للمذاهب، و هي الفقهيّة اصطلاحًا ـ كما لا يخفى ـ استقرّت تماما عند نهاية القرن الثالث الهجريّ(3) ، و اُعتبر ما اُعتبر منها، و أُلغي ما أُلغي منها، و تقلّد السّواد الأعظم من أتباع الإسلام، و هُم أهل السُّنّة و الجماعة ؛ أبا حنيفة و مالكًا و الشّافعيّ و أحمد و داود (داوود) الظّاهريّ، و غيرهم ممّن اندثرت مذاهبهم ؛ كالأوزاعيّ و اللّيث و السّفيانين و ابن أبي ليلى و ابن مهدي و ابن المُبارك و ابن شُبرمة و ابن أبي ذئب و ابن راهويه و أبي ثور و أبي عُبيد و ابن أبي شيبة و ابن خُزيمة و العنبري، و رضوا بهم عبر الأمصار و الأعصار. و كان آخر من عُرف بالاجتهاد المُطلق، عند سواد الأمّة ـ في ما نعلم ـ هُم أبو عبد الله مُحمّد بن نصر المَرْوزي (ت 294 هـ)، و أبو جعفر مُحمّد بن جرير الطّبريّ (ت 310 هـ)، و أبو بكر مُحمّد بن إبراهيم بن المُنذر (ت 319 هـ)(4) .

و تقرّر اتّفاقًا بين عُلماء الأُمّة ؛ أنّه إذا اختلف السّلف، من القُرون الثّلاثة الأولى، في مسألة ما إلى مذهبين أو ثلاثة، فلا يجوز إحداث مذهبٍ ثالثٍ أو رابعٍ ؛ لأنّ في ذلك خُروجًا عليهم و اتّهامهم بعدم الفهم و المعرفة، و حاشاهم من ذلك، ففُهومهم مُقدّرة و مُقدّمة على فُهوم غيرهم، قال الله تعالى : (و من يُشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهُدى و يتّبع غير سبيل المُؤمنين نُولّه ما تولّى و نُصله جهنم و ساءت مصيرًا)
(5) ، و عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه و سلّم) : (خيرُ النّاس قرني، ثمّ الّذين يلُونهم ثمّ الّذين يلُونهم، ثمّ يجيء أقوامٌ تسبق شهادة أحدهم يمينَه و يمينُه شهادتَه)(6، 7).

و أمّا التّصوّف
(8) فهُو نزعةٌ مُستحدثةٌ في الإسلام، و كانت نشأته ببغداد، في النّصف الأخير، من المئة الهجريّة الثّانية. نهاية القرن الثّامن الميلادي. و هُو لا يخلو من الرّطانات الفارسيّة، و له أوصافٌ مُشابهةٌ للتّشيّع، و ظاهر أمره المُبالغة في الزّهد، و مُجاهدة النّفس، و كثرة الاستغفار، و التّبتّل إلى الله، و استدبار الدُّنيا، و استقبال الآخرة، و الانقطاع عن مُخالطة عوام النّاس، و أهل التّرف. و صار له وجهتان ؛ هُما : القصد الّذي يتبنّاه و يُمثّله الإمام أبو القاسم الجُنيد البغدادي (ت 297 هـ) ؛ و هو ظاهر أمر التّصوّف الّذي أشرنا إليه آنفا. و الغُلو الّذي جاء به أبو مُغيثٍ حُسين بن منصور الحلّاج (ت 309 هـ) ؛ القائل بالحُلول و الاتّحاد. و كان لأئمّة التّحقيق من أهل السُّنّة و الجماعة فيه، تفصيلٌ و ميزانٌ، بصريح القُرآن، و صحيح السُّنّة النّبويّة الشّريفة المُطهّرة ؛ فقالوا نقبل من التّصوّف ما يُساير منه المأثور، و لا يُخالف المعروف، من هدي و سَنن النّبيّ مُحمّدٍ (صلّى الله عليه و سلّم)، و صحابته الكرام ؛ فإنّ الدّين قد خُتم بختام الوحيّ، فما لم يكن يومئذٍ دينًا فلا يكون اليوم دينًا، و الزّيادة في الدّين كالنّقص منه، فكلاهما لا يجوز، و كلاهما ممّا يجب إنكاره و دفعه.

و أغلب حاملي نزعة التّصوّف، زعموا أنّ التّصوّف علمًا مُستقلًّا، من عُلوم الشّريعة الإسلاميّة، و وضعوا له قاموسًا خاصًّا لمُصطلحاته، و كتبوا فيه كُتبًا، و جمعوا فيه خُطبًا و دواوين
(9) ، و وضعوه ضمن المُقرّرات العلميّة الّتي تُحفّظ و تُدرّس، في الجوامع و الرّوابط و التّكايا و الزّوايا و المدارس، الّتي تُعنى بالتّعليم العتيق (الأصيل)، في الخافقين، و رفعوا عقيرتهم بعد نهاية القرن السّابع الهجريّ. الثّالث عشر الميلادي، و انتشرت بين أتباعهم الأهواء و الضّلالات و البدع و المعاصي.

و زعمهم هذا مردودٌ ؛ فالتّصوّف أمره مُتعلّقٌ بالمنهج، في السُّلوك، و في الاختيارات النّفسيّة و تذوّقاتها و مواجيدها و أحلامها، فإن اُصطلح عليه تجوّزًا علمًا، فإنّ ماهيته تكون في غير الشّريعة الغرّاء. ثمّ جعلناك على شريعةٍ من الأمر فاتّبعها و لا تتّبع أهواء الّذين لا يعلمون. الجاثية / 18.


و شريعة التّكليف فيها ما يُغني، في ما يخصّ الآداب و الأخلاق، و أعمال القلب و الجوارح، جاء في الحديث : (إنّما بُعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق. أو قال بُعثت لأُتمّم صالح الأخلاق)، أخرجه أحمد و البيهقي و الحاكم و وافقه الذّهبيّ، عن ابن عجلان بإسناده عن أبي هُريرة (رضي الله عنه)، عن رسول الله (صلّى الله عليه و سلّم)، و صحّحه الحافظ العراقيّ. و عُلماء المُسلمين كتبوا في مُتعلّقات النُّفوس و أحوالها، و في الرّقائق و أعمال الزُّهد و صنائع الفضل و المعروف، حدًّا تجاوزا فيه قدر الكفاية، و كانت من كتاباتهم و مُؤلّفاتهم في ذلك، نماذج رائعة، مشفوعة بالنُّصوص القُرآنيّة و الحديثيّة، و مُترعة بأقوال و آثار السّلف الصّالح. و من خيرة هؤلاء العُلماء، الإمامان الجهبذان، أبو الفرج عبد الرّحمان بن عليّ بن الجوزي (ت 597 هـ)، و أبو عبد الله مُحمّد بن أبي بكر، المعروف بابن قيّم الجوزيّة (ت 751 هـ).


و أثناء عصر التّدوين و الأئمّة المُجتهدين، لم تُعرف تلك الألفاظ، الّتي صدّع المُتصوّفة بها رُؤوس النّاس ؛ الحقيقة، و الميثاق، و الطّريق، و التّلقين، و الورد، و الوُجد، و الإلهام
(10)، و غيرها... الّتي لم تكن على عهد السّلف، من الصّحابة و التّابعين و الأئمّة المُجتهدين، و جاؤوا ببدع و عادات شوّهت جمال الإسلام.
فالحقيقة هي الشّريعة الّتي جاء بها الإسلام، و هي مناط التّكليف. و الميثاق هو الإيمان بالله و توحيده، و الإيمان بكُتبه و رُسُله و قضائه و اليوم الآخر، و إتيان أوامره و اجتناب نواهيه. و الطّريق هو اتّباع هدي و سَنن و طريقة رسوله و نبيّه مُحمّدٍ المُصطفى (عليه الصّلاة و السّلام).


و الّذين يتغنّون بالتّصوّف اليوم، أغلبهم ابتعدوا عن الرُّسوم الّتي خطّها الأُول، من جيل المُتصوّفة، الّذين كان قصدهم صحيحا شريفا ؛ و هُو تهذيب النُّفوس، و تقويم الأخلاق، و التّرويض على الأعمال الصّالحات، و هداية النّاس، و نشر الخير، و إسعاف الفُقراء و المحرومين، و بثّ العلم و الفضيلة، و مُحاربة البدع و الخُرافة و الرّذيلة، بالبيّنات و الهُدى ؛ كتاب الله، و سُنّة رسوله (صلّى الله عليه و سلّم)، و آثار صحابته المرضيين. و لا نجاة إلّا باتّباع ذلك ؛ فالتّحقّق لا يكون إلّا بمعارف القُرآن و السُّنّة، و التّخلّق لا يصلح إلّا بآدابهما. و قد كثر في أوساطهم، بنو هَنبر لا خَلاق لهم، قومٌ يهرفون بما لا يعرفون، و ينعقون بما لا يسمعون، و يتمسّحون لكسب حُطامٍ زائلٍ، بالمُداراة و التّملّق و المُداهنة. ودّوا لو تُدهن فيدهنون. القلم / 09.


و إذ قبل عُلماء الإسلام هذه النّحلة ؛ المُصطلح عليها التّصوّف، و قبلوا أدراج مُنتسبيها الّذين تسمّوا بالمُتصوّفة، أو بالصُّوفيين، ثمّ صاروا ـ و لا زالوا ـ طرائق قِددًا، تحسبهم جميعًا و قُلُوبهم شتّى. أتواصوا به ؟؟؟. و هُم بذلك يعبثون بتقاسيم وجه الإسلام الجميل و النّاصح، و يُعقّدون قواعده و أصوله و مقاصده، و يُركبون أهلَه الصّعب، على غير مُراد و هدي الشّارع الحكيم ؛ فإنّما قبلوا ما كان منها و منهم مُوافقًا للكتاب و السُّنّة و الإجماع، و قطُّ لم يجعلوا التّصوّف علمًا من عُلوم دين و شريعة الله الإسلام. أبدًا أبدًا أبدًا ؛ فعند انصرام العقد الثّالث الهجريّ. بداية القرن العاشر الميلادي، و بذلك أُفول عُصور التّشريع الإسلامي تماما. عُدّدت هذه العُلوم و الفُنون، و تأكّدت مبانيها و أهدافها، و تماثلت علاقة كُلّ علمٍ منها، بهذا الدّين العظيم، و بهذا الشّريعة الغرّاء، تماثلا مُبينا. أمّا هذا الشّيء المُسمّى التّصوّف، فهو ـ حقيقة ـ دخيلٌ عليها، و قد أراد المُنافحون عنه، أن يُدرجوه ضمنها، و قد جاءوا شيئا إدًّا، و إن كان مُرادهم منه التّربية النّفسيّة و تهذيبها بالسُّنن و الصّفات و الأخلاق و الفضائل النّبويّة، و إلزامها بالذّكر و الورد الشّرعيين، فذاك أمرٌ مطلوبٌ شرعًا، و هو من دواخل و مُخرجات ديننا الحنيف، و هو من مُجمل الآداب و الأخلاق الإسلامية، المُطالب بها الفرد التزامها، و لا علاقة له بتلك الرُّسوم و الخُطط المزعومة منهم، فعليهم أن أن يتخلّوا عن زعمهم هذا، و يُرِيحوا الأمّة ممّا جنوه عليها، بهذه الرّجرجات و السّخافات، و يُلزموا النّاس بالنُّصوص المعصومة، و يسيروا على ما سار عليه سلف هذه الأمّة الأخيار الّذين سبقونا إلى كُلّ خيرٍ، و أن لا يدّعوا مرّة أخرى، و يُلبّسوا على شُداة العلم و المعرفة، أنّ التّصوّف من عُلوم الشّريعة الإسلاميّة ؛ فالّذي استقرّ عند عُلمائنا الأثبات، أنّ العلوم المُتعلّقة بشريعتنا، من قريبٍ أو من بعيدٍ، هي :

01) ـ العقائد، أو التّوحيد، أو الأُصول، أو الكلام، أو الفكر (اصطلاحًا).
02) ـ القراءات و أُصول الرّواية و التّجويد.
03) ـ القُرآن و أحكامه و تفاسيره.
04 ) ـ الحديث النّبويّ و عُلومه و دواوينه و رجاله و أُصوله و مُصطلحه.
05) ـ الفقه و قواعده و مقاصده و مذاهبه.
06) ـ الأحكام و الأقضية و المواثيق.
07) ـ الفرائض، أو التّرائك، أو المواريث.
08) ـ أُصول الفقه و تاريخ التّشريع الإسلامي.
09) ـ السّيرة النّبويّة الشّريفة.
10) ـ الوعظ و الإرشاد و الخطابة.
11) ـ عُلوم اللّسان العربيّ : النّحو و الصّرف و البلاغة (البيان و المعاني و البديع) و العَروض و علم اللّغة و فقهها.
12) ـ المنطق و الجِدال و الحِجاج و المُناظرة.
13) ـ تاريخ الفرق و النّحل و الطّوائف و المذاهب الإسلاميّة.
14) ـ التّراجم و السِّير.
هذا ما أَدين الله به، و هُو المُستعان و عليه التّكلان، و صلّى الله و سلّم على سيّدنا مُحمّدٍ، و على آله و صحبه، في كُلّ وقتٍ و حينٍ.

هوامش



[1] ـ العربيّة هي لسان الشريعة الإسلاميّة، و هي القناة المُوصلة إلىفهم الكتاب و السُّنّة ، فإن سَلمت القناة سَلُم وصلها و فهمها ؛ لذا كانت العناية بها ضروريّة و أكيدة. و من سلامتها معرفة نحو كلامها، و صرف ألفاظها، و بلاغة بيانها و معانيها، و تركيب إنشائها و أُسلوبها، و استقامة نثرها، و توازن قريضها.
[2] ـ هذه المُصطلحات الثّلاثة ( الفرق و الطّوائف و النّحل ) تُطلق على الاختلاف العقدي ؛ أي بمعنى المذاهب العقديّة، الّتي انتشرت بين مُعتنقي الإسلام ؛ كالشّيعة، و الخوارج، و المُعتزلة، و الجهميّة، و القدريّة، و المُرجئة، و الكراميّة، و الأشاعرة ( الأشعريّة )، و الماترديّة، و الكُلّابيّة،... و غيرها، و كُلّ فرقة من ورائها فرقٌ. و تتباين في بينها، في مدى قُربها أو بُعدها، عنأُصول السّواد الأعظم ؛ أهل السّنّة و الجماعة. و هُنالك فرقٌ ظهرت أيضا بين ظهراني الأمّة الإسلاميّة، و خرجت خُروجا واضحا، باجتهاداتها الباطلة، عن أُصول الإسلام .
[3] ـ فقه النّوازل أوالمُستجدّات، هُو فقه الجُزئيّات، و هُو لا ينحصر كما لا يخفى ؛ لأنّ مدارهالزّمان و المكان و الحال. يقول كُبراء الأصول : الفتوى تُقدّر زمانًا و مكانًا وحالاً.
[4] ـ كان هؤلاء الثّلاثة على مذهب الشّوافع، و قد بلغوا رُتبة الاجتهاد المُطلق، و لم يخرجوا عن أُصوله. و يرى آخرون أنّ الّذين بلغوارُتبة الاجتهاد، من أهل السُّنّة و الجماعة، كُثرٌ ؛ منهم مثلا : الفخر الرّازي، و العزّ بن عبد السّلام، و ابن دقيق العيد، و ابن تيميّة، و.....، و عامّة أهل الحديث ؛ من طراز الذّهبي و ابن القيّم و ابن حجر و العيني و القسطلاني و الأنصاريّ و الهيتمي و الصّنعاني و الشّوكاني، و غيرهم، و أنّ باب الاجتهاد مفتوحٌ، إلى قيام السّاعة، بلغه من بلغه، و أنّ الأمّة الإسلاميّة لا يخلو منها أهل الاجتهاد أبدا. و قد تكون قالتهم هذه صحيحة. و اللهأعلى و أعلم. و أقول : لأهل الاجتهاد ـ عند أهل السُّنّة ـ مراتب أربع :
01ـ مُجتهدٌ مُطلقٌ : و هُو الّذي يستطيع أن يستخرج حُكما شرعيّا من الأدلّة الشّرعيّة لأيّ مسألة ما، كحال الأئمّة الأربعة، و سفيان الثّوري، و اللّيث بن سعد، و عبد الرّحمان الأوزاعي، و عبد الله بن المبارك، و أبي بكر بن خُزيمة، و غيرهم ممّن ذكرنا آنفا، في متن المقال .
02 ) ـ مُجتهدٌ مُرجّحٌ : و هُو الّذي يستطيع أن يُرجّح بين الأدلّة و بين الأقوال، و حتّى بين المذاهب في أي مسالة ما، و لا يخرج عن القواعد العامّة لدى المذاهب الفقهيّة المُقرّرة، كحال النّوويّ، و شيخ الإسلام ابن تيميّة ( قدّس الله روحه و أنار ضريحه )، و غيرهما.
03 ) ـ مُجتهدُ مذهبٍ : و هُو الّذي يستطيع أن يستخرج حُكما شرعيّا لأيّ مسألة ما وفق قواعد مذهبه، نذكر على سبيل المثال لا الحصر : الإمام مُحمّد بن الحسن الشّيباني عند الحنفيّة ( الأحناف )، والإمام ابن الماجشون عند المالكيّة ( الموالك )، و الإمام المُزني عند الشّافعية (الشّوافع )، و الإمام ابن عقيل عند الحنابلة.
04 ) ـ مُجتهدُ فتوى : و هُو الّذي ينقل فقط الفتاوى المُعتمدة عند المذهب الّذي يتّبعه ؛ كحال الكثير من الفُقهاء القُدامى و المُعاصرين. و الله أعلى و أعلم.
[5] ـ النِّساء / 115.
[6] ـ رواه البُخاري ومُسلم.
[7] ـ ص 84، من كتابي تذكير العُقلاء بمسائل السُّنّة عند العُلماء.
[8] ـ قال بعضهم : التّصوّف مأخوذ من الصُّفَّة ( بضمٍّ ففتحٍ )، و جمعها صُففٌ و صِفافٌ، نسبة إلى أهل الصُّفَّة، و هُم نفرٌ من فُقراء الصّحّابة المُهاجرين ( رضي الله عنه )، لازموا صُفَّة ( مكان مُظلّل ) مسجد رسول الله (صلّى الله عليه و سلّم ) بالمدينة المُنوّرة، و انقطعوا إلى العبادة و الذّكر. و هذا على غير قياس ؛ فقواعد الصّرف ترفضه. و قال آخرون : التّصّوف من الصّفاء. و هذا أيضا على غير قياس. و قال قومٌ : التّصوّف نسبة إلى لباس الصُّوف ؛ لأنّ المُتصوّفة كانوا يُكثرون من لبسه، حتّى عُرفوا و اُشتهروا به. و هذا ـ في ظنّي ـ أقرب إلى التّفسير الصّحيح للفظة التّصوّف. و الله أعلى و أعلم. جاء في مُعجم لُغة الفُقهاء : التّصوّف مصدر تصوّف إذا صار صُوفيّا. الصّدق مع الله، و التّحرّر من سطوة الدُّنيا، و حُسن التّعامل مع النّاس. هذا هو المشروع منه. و ما أدخله بعضهم من انحرافٍ عن القُرآن و السُّنّة، من وحدة الوُجود، و الحُلول، و سُقوط التّكاليف، و نحوها، فهو كُفرٌ و زيغٌ وضلالٌ. اهـ.
[9] ـ يُقال أنّ أوّل المُتكلّمين بالتّصوّف، على رُؤوس المنابر، ببغداد، هُو أبو حمزة مُحمّد بن إبراهيم البغدادي، المعروف بالصُّوفيّ ( ت 270 هـ/ 883 هـ ). و الله أعلى و أعلم.
[10] ـ لا نقصد من ذلك وضعها اللُّغويّ، إنّما المُراد هو ما تعنيه عندهم ؛ فقد صارت أسماء مُصطلحة على معانٍ تخصّ منهجهم هذا.


و كتب أبو مُحمّد سعيد هَرماس
الجلفة المدينة في 06 جُمادى الأُولى 1438 هـ
المُوافق 03 فيفري 2017 م








 


رد مع اقتباس