منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - القضاء الدولي الجنائي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-10-19, 23:02   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










Icon22 تابع

وعليه كان من الطبيعي أن تجمع مختلف الرؤى عند اعتماد الصيغة النهائية للنظام الأساسي للمحكمة إلى أن هذه الجريمة تفي بمعايير الإدماج المبينة في ديباجة هذا النظام والمؤكد عليها في مادته الأولى " كونها من أشد الجرائم خطورة محل الاهتمام الدولي" وتشكل بالتالي أساساً لولاية المحكمة الجنائية وأنها كذلك معرفة تعريفاً يفي بمتطلبات مبدأ الشرعية " إذ أن التعريف الموثوق لهذه الجريمة موجود في اتفاقية 9 ديسمبر 1948 التي لاقت قبولاً واسع النطاق من جانب الدول بحيث اعتبرت مجسدة للقانون الدولي العرفي الذي تطبقه محكمة العدل الدولية(1) " وتم إدراجه كذلك في النظام الأساسي للمحكمة.
ومع أن المادة السادسة من النظام الأساسي والتي تصدت لتعريف هذه الجريمة لم تشر إلى الجماعات الثقافية والسياسية (2) في صدد تعدادها للأفعال التي تشكل جريمة الإبادة، إلا أن هذه المسألة تمت معالجتها في سياق الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
ثانياً : الجرائم ضد الإنسانية:
عرفت المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الجرائم ضد الإنسانية عبر تعداد الأفعال التي تشكل في حالة ارتكابها في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين عن علم بهذا الهجوم باعتبارها جرائم ضد الإنسانية وهذه الأفعال التي تشكل جرائم هي :
1- القتل العمد .
2- الإبادة التي تعني هنا تعمد فرض أحوال معيشية من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء بقصد إهلاك جزء من السكان.
3- الاسترقاق وتعني ممارسة أي من السلطات حق الملكية على شخص ما بما في ذلك ممارسة هذه السلطات في سبيل الاتجار بالأشخاص لا سيما النساء والأطفال.
4- إبعاد السكان أو النقل القسري لهم أي نقلهم قسراً من المنطقة التي يتواجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي فعل قسري أخر من دون مبررات يسمح بها القانون الدولي.
5- السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي.
6- التعذيب أي تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة سواء بدنياً أو عقلياً بشخص موجود تحت إشراف المتهم أو سيطرته، على أن لا يشمل هذا المعنى أي ألم أو معاناة ينجمان فحسب عن عقوبات قانونية أو تكون جزء منها أو نتيجة لها.
7- الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري بقصد التأثير على التكوين العرقي لأي مجموعة من السكان أو أي شكل أخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة.
8- اضطهاد أي جماعة محددة من السكان أو مجموع السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية، وذلك فيما يتعلق بأي فعل مشار إليه هنا، أو بأي جريمة تدخل ضمن اختصاصات المحكمة. ويعني الاضطهاد حرمان أي جماعة من السكان حرماناً متعمداً وشديداً من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي وذلك بسبب هوية هذه الجماعة أو مجموع السكان .
9- الاختفاء القسري للأشخاص ويعني إلقاء القبض على أي أشخاص واحتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية أو بإذن ودعم منها لهذا الفعل أو سكوتها عليه، ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة طويلة .
10- الفصل العنصري: أية أفعال لا إنسانية تماثل في طابعها الأفعال السابقة وترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية إزاء جماعة أو جماعات أخرى وترتكب بغية الإبقاء على ذلك النظام.
11- أي أفعال غير إنسانية أخرى ذات طابع مماثل تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.
بالنسبة لهذا النوع من الجرائم الدولية فقد انصرفت أراء كثيرة من أعضاء الفريق العامل المعني بوضع نظام أساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى ضرورة إدماجها ضمن الولاية القضائية الجنائية الدولية للمحكمة، مع مراعاة أن يكون اختصاص المحكمة فيما يتعلق بهذه الجريمة مرهوناً بمزيد من الوصف للتأكد من إفساح المجال لتحقيق معيار الجسامة...، وبما أنه لا توجد اتفاقية تشمل تعريفاً قضائياً لهذا النوع من الجرائم معترف به بصفة عامة ودقيق بما فيه الكفاية، فقد اعتبر أن التعريفات الواردة في لائحة نورمبرج المادة السادسة والمادة الخامسة من النظام الأساًسي لمحكمة يوغسلافيا السابقة والمادة الثالثة من محكمة رواندا توفر توجيها مناسباً عند وضع مثل هذا التعريف الدقيق، وبالاستفادة كذلك من ردود وتعليقات الدول الواردة حول هذه النقطة (1) .
والواقع أن مثل هذه الأفعال التي تنطوي على عدوان صارخ على إنسان أو مجموعات إنسانية، قد اعتبرت في ظل الاتجاهات الحديثة في القانون الدولي العام جرائم دولية بالنظر إلى المكانة التي أصبح الفرد يحتلها في النظام القانوني الدولي الحديث، وللخطورة التي تشكلها هذه الجريمة على بنيان وقيم النظام القانوني الدولي.
وعلى الرغم من حداثة مفهوم الجرائم ضد الإنسانية(2) في القانون الدولي العام" فإن تأتيم الأفعال المكونة لهذه الجرائم وسيلة فعالة لتوفير الحماية الجنائية لحقوق الإنسان وقت السلم والحرب، بل ويمثل أحد الضمانات الأساسية للحد من طغيان الحكام الذين يتنكرون للقيم الإنسانية العليا ويهددون حقوق بعض الفئات أو الجماعات الإنسانية لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية. (1) "
وفوق ذلك فقد تضمنتها العديد من الاتفاقيات الدولية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى خصوصاً المتعلقة بحماية الأقليات، وكذلك المعاهدات الدولية التي شكلت بداية للمسألة الجنائية وتقرير المسؤولية الجنائية الشخصية ...، كما تضمنها المبدأ السادس من مبادئ محاكمات نور مبرج والمتعلق بتعيين وتحديد الجرائم الدولية عندما صنف أن الجرائم ضد الإنسانية جرائم دولية خطيرة.
لكن ومع ذلك فإن مختلف التأكيدات والاتفاقيات الدولية تلك، وما نتج عنها كانت تنظر إلى هذه الجرائم بارتباطها بجرائم الحرب، ومن هنا لم تستطع محكمة نورمبرج مثلاً أن تدين الألمان عن ارتكاب مثل تلك الجرائم التي ارتكبت منذ سنة 1939، لأنه كما ذهبت المحكمة إلى ذلك " يتعذر عليها أن تعلن أن تلك الأفعال كانت تمثل جرائم ضد الإنسانية بالمعنى الذي حدده ميثاق نورمبرج، أما بالنسبة للأفعال المرتكبة بعد هذا التاريخ فقد أكدت المحكمة وجود علاقة بينها كجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة ومن ثم أصدرت حكمها بالإدانة على هذا الأساس".
فهذه الجرائم اللاإنسانية التي وجهها الإدعاء- كما جاء في حكم المحكمة-، تم ارتكابها بعد نشوب الحرب لكنها ليست جرائم حرب بالمعنى المعروف، إلا أنها ارتكبت بسبب ارتباطها ولعلاقتها بها يمكن اعتبارها جرائم ضد الإنسانية.
التساؤل المتعلق بارتباط ارتكاب هذه الأفعال المكونة للجرائم ضد الإنسانية بمناسبة ارتكاب جريمة أخرى وهي جريمة الحرب نوقش كذلك داخل اللجنة المكلفة بإعداد مشروع النظام الأساسي للمحكمة، فذهبت كثير من الآراء إلى أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية برواندا والقرار الذي اتخذته المحكمة الجنائية الدوليـــة بيوغسلافيا من قضيــــة (دتاديتسTadec ) وكذلك التطورات التي حدثت منذ سابقة نورمبرج ترجح استبعاد أي شرط يتعلق بالنزاع المسلح،(1) على أنه تم الإعراب كذلك على أن الجرائم المذكورة كانت ترتكب عادة أثناء نزاعات مسلحة ولم ترتكب وقت السلم إلا بصفة استثنائية(2). ومع ذلك فهذه الجريمة تعد جريمة دولية مستقلة عن جرائم الحرب وذلك لإمكان وقوعها في غير زمان ومكان القتال وإن تيسر ارتكابها في أثنائه، نظرا لما تنطوي عليه من إنكار لحقوق الإنسان الأساسية(1) ، وإضراراً خطيراً بمصلحة جوهرية للنظام الدولي.
وعليه فقد حرص واضعوا النظام الأساسي عند إعداد صيغته النهاية " كما ذهبت كذلك أيضا مختلف تعليقات وردود الدول حول المشروع المقدم (2) ". إلى ضرورة تعيين وتحديد الأفعال المكونة لهذه الجريمة بوضع تعريفات دقيقة ومركزة لها بحيث يمكن تجنب الخلط مثلاً بين فعل الإبادة كجريمة من الجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية ( ( Génocideوكذلك القتل العمد الذي يمكن تصنيفه ضمن جريمة إبادة الجنس إذا ارتكب ضد أي مجموعة كما أشارت إلى ذلك المادة السادسة من النظام، وفي نفس الوقت يمكن أن تشكل كذلك إحدى الجرائم ضد الإنسانية إذا ارتكبت في مناسبات أخرى وما إلى ذلك من الأفعال التي حرص على وضع تعريفات ومعاني محددة لها في المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة.
كما تم التشديد في ذات النظام على أن هذه الجريمة تتحقق في إطار هجوم واسع النطاق موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين " متى كان ذلك نهجاً سلوكياً يتضمن الارتكاب المتكرر للأفعال التي تشكل هذه الجريمة ضد أية مجموعة من السكان المدنيين عملا بسياسة دولة أو منظمة تقضى بارتكاب هذا الهجوم، أو تعزيزا لهذه السياسة" حسب الفقرة الثانية من المادة السابعة(1) .
وبناء على ما سبق ولأنه قد ثم تحديد وتعيين وتعريف مختلف الأفعال التي تشكل الجرائم ضد الإنسانية والتي يشكل اقترافها إنكاراً صارخاً لحقوق الإنسان الأساسية، واعتداءاً جسيماً على مصلحة جوهرية من مصالح النظام القانوني الدولي، فقد اعتبرت الجرائم ضد الإنسانية جريمة تنطبق عليها المعايير المحددة في الفقرة التاسعة من ديباجة النظام الأساسي وكذلك المادة الأولى من هذا النظام بوصفها من أشد الجرائم الدولية خطورة وأفظع الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره، وذلك وفقاً للتحديد والتعيين الذي جاءت به المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ثالثاً : جرائم الحرب :
تعني جرائم الحرب لغرض هذا النظام الأساسي كما حددت ذلك المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ما يلي :
أ - الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 أغسطس 1949م بمعنى أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقيات جنيف ذات الصلة وهذه الأفعال هي:
1- القتل العمد .
2- التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية.
3- تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة.
4- إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والإستيلاء عليها دون ضرورة عسكرية وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة.
5- إرغام أي أسير حرب أو شخص مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية .
6- تعمد حرمان أي أسير أو أي شخص مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونزيهة.
7- الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع.
8- أخذ الرهائن.
ب- الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي لأي فعل من الأفعال التالية :
1- تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية .
2- تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية ( المواقع التي لاتشكل أهداف عسكرية).
3- تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملاً بميثاق الأمم المتحدة ما دامو يستحقون الحماية.
4- تعمد شن هجوم مع العلم بأنه سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل وشديد للبيئة الطبيعية بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية.
5- مهاجمة أو قصف المدن والمساكن العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأي وسيلة كانت.
6- قتل أو جرح مقاتل استسلم مختاراً لكونه قد ألقى السلاح ولم يعد له وسيلة للدفاع.
7- إساءة استعمال علم الهدنة أو علم العدو أو شارته وزيه العسكري أو علم وزي الأمم المتحدة أو الشارات المميزة لاتفاقيات جنيف، مما يسفر عن موت الأفراد أو إلحاق أي ضرر بهم.
8- قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها.(1)
9- تعمد مهاجمة المباني المعدة للأغراض الدينية والتعليمية أو الآثار التاريخية أو المستشفيات أو أماكن تجمع المرضى والجرحى. 10- إخضاع الأشخاص الموجودين تحت سلطة طرف معادي للتشويه البدني أو لأي نوع من التجارب الطبية أو العلمية التي لا تبررها الحالة الطبية للشخص، أو أي معالجة لا تجرى لصالحه وتتسبب في وفاته أو تعرض صحته للخطر.
11- قتل أفراد منتمين إلى دولة معادية أو إصابتهم غدراً.
12- إعلان أنه لن يبق أحد على قيد الحياة.
13- تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو الاستيلاء مما تحتمه الضرورة العسكرية.
14- إعلان أن حقوق ودعاوى رعايا الطرف المعادي ملغاة أو معلقة أو لن تكون مقبولة في أية محكمة.
15- إجبار رعايا الطرف المعادي على الاشتراك في عمليات حربية موجهة ضد بلدهم وإن كانوا قبل نشوب الحرب في خدمة الدولة المحاربة.
16- نهب أي بلد أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة.
17- استخدام السموم والأسلحة المسممة.
18- استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات وجميع ما في حكمها من السوائل أو المواد أو الأجهزة .
19- استخدام الرصاصات التي تتمدد أو تتسع بسهولة داخل الجسم البشري ..
20- استخدام أسلحة أو قذائف أو مواد أو أساليب حربية تسبب بطبيعتها أضراراً زائدة أو آلاماً لا لزوم لها، أو تكون عشوائية بالمخالفة للقانون الدولي للمنازعات المسلحة بشرط أن تكون موضع حظر شامل(1) ، وأن تدرج في مرفق هذا النظام عن طريق تعديل يتفق والأحكام ذات الصلة.
21- الاعتداء على الكرامة الشخصية وخاصة المعاملة المهينة والحاطة للكرامة .
22- الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء والحمل القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي يشكل أيضاً انتهاكا ًلاتفاقيات جنيف.
23- استغلال وجود شخص مدني أو أشخاص آخرين متمتعين بحماية لإضفاء الحصانة من العمليات العسكرية على نقاط أو مناطق أو قوات عسكرية معينة.
24- تعمد توجيه هجمات ضد المباني والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي المميزات المبينة في اتفاقيات جنيف.
25- تعمد تجويع المدنيين بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم بما في ذلك عرقلة مواد الإغاثة على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف.
26- تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزامياً أو طوعياً في القوات المسلحة الوطنية أو استخدامهم للمشاركة فعليا في الأعمال الحربية.
ج-في حالة وقوع نزاع مسلح غير ذي طابع دولي(1)، والانتهاكات الجسيمة للمادة 3 المشتركة بين اتفاقية جنيف الأربعة، وهي أي من الأفعال التالية المرتكبة ضد أشخاص غير مشتركين اشتراكاً فعلياً في الأعمال الحربية بما في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا أسلحتهم...
1- استعمال العنف ضد الحياة والأشخاص خاصة القتل والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب .
2- الاعتداء على كرامة الشخص .
3- أخذ الرهائن.
4- إصدار أحكام وتنفيذ إعدامات دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلاً نظامياً تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف عموما أنه لا غنى عنها .
د-بالنسبة للاعتداء على كرامة الشخص والمعاملة القاسية والحاطة بالكرامة لا تطبق في حالة الاضطرابات والتوترات الداخلية مثل أعمال الشغب وأعمال العنف المنفردة أو المنظمة وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة.
هـ- الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي وتشمل كلاً من الأفعال التالية :
1- تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين أو أفرادا لا يشاركون مباشرة في الأعمال العسكرية .
2- تعمد توجيه هجمات ضد المباني والوحدات والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة وفقاً لاتفاقية جنيف .
3- تعمد شن هجمات ضد موظفي أو منشآت أو وحدات ..مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام ماداموا يستحقون الحماية التي توفر للمدنيين أو للمواقع المدنية بموجب قانون المنازعات المسلحة.
4- تعمد شن هجمات ضد المباني الدينية أو العلمية أو التاريخية والأماكن التطبيبية، شريطة إن لا تكون أهدافاً عسكرية .
5- نهب أي بلد أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليها عنوة .
6- الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء والحمل القسري كما وضحته المادة السابعة من هذا النظام الأساسي.
7- تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة إلزامياً أو طوعياً أو استخدامهم للمشاركة في الأعمال العسكرية.
8- إصدار أوامر بتشريد السكان المدنيين لأسباب تتصل بالنزاع .
9- قتل أحد المقاتلين من أفراد العدو أو إصابته غدراً.
10- إعلان أنه لن يبق أحد على قيد الحياة .
11- إخضاع الأشخاص الموجودين تحت سلطة طرف آخر في النزاع للتشويه البدني أو لأي نوع من التجارب التي لا تبررها المعالجة الطبية والتي لا تجري لصالحهم .
12- تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها ما لم يكن ذلك لضرورة عسكرية .
و- بالنسبة لتعمد توجيه هجمات ضد المباني والوحدات الطبية ووسائل نقل الأفراد من مستعملي الإشارات المميزة في اتفاقية جنيف في حالة المنازعات غير ذات الطابع الدولي، لا يمكن تطبيقها على حالة الاضطرابات والتوترات الداخلية مثل أعمال الشغب وأعمال العنف المنفردة وما يماثلها، بينما تنطبق على المنازعات ََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََ ََََََََََََََ التي تقع في إقليم دولة عندما يوجد صراع مسلح متطاول الأجل بين السلطات الحكومية وجماعات مسلحة أو فيما بين هذه الجماعات .
ونشير هنا إلى أن مختلف الأفعال التي عددتها المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة تستند في تجريمها إلى كتلة كبيرة من الاتفاقيات والمعاهدات والجهود الدولية في سبيل الحد من الحرب والتخفيف من مآسيها، بدايةً باتفاقية جنيف 1868م مروراً بقواعد مؤتمري لاهاي1896 ، 1907م المتعلقة بقوانين وعادات الحرب إلى اتفاقيات جنيف الأربع 1949م بخصوص الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني(1) وغيرها من المبادئ والأحكام التي حازت مركز القانون الدولي العرفي، خاصة المبادئ المستخلصة من محاكمات نورمبرج(2) .
ومراعاة لطبيعة النزاعات التي عرفها العالم في مطلع التسعينيات والتي اتسمت بالطابع الإقليمي، وكذلك النزاعات القومية التي شكلت بالفعل تهديدًا خطيراً للسلم والأمن الدوليين وللقيم الإنسانية والحضارية، كان لابد من التركيز على المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع 1949م وبرتوكولها الإضافي الثاني كذلك، وذلك أسوة بالنظام الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية برواندا وأيضاً القرار الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة والتي اعترفت فيه بأن المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع قد حازت المركز القانوني العرفي(3) . هذه النقطة الأخيرة كانت موضع نقاش كبير بين أعضاء اللجنة المخصصة لإنشاء محكمة جنائية دولية حيث أثيرت تساؤلات عن مدى انسجام ذلك مع كون المحكمة مكملة للإجراءات القضائية الوطنية، ثم كيف يمكن التصرف إزاء الأطراف الأخرى غير الدول والتي قد تكون ذات تأثير كبير على الأحداث الجارية في المنازعات المسلحة الداخلية خاصة أن البرتوكول الثاني لاتفاقية جنيف لم يحز مركز القانون الدولي العرفي ولا يلزم إلا الدول الأطراف فيه .
وبالإضافة إلى ذلك فقد اعتبرت بعض الوفود أيضاً أن الإشارة إلى الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف التي تسري على المنازعات المسلحة ليست دقيقة بما يكفي لأغراض مبدأ الشرعية، كما أن مفهوم الجسامة نفسه بحاجة إلى توضيح وإرفاقه بمعايير تبين الانتهاكات التي هي أكبر أو أقل خطراً أو اتساعا ًأو نطاقاً ، والتأكد من إدراج الانتهاكات الأكبر خطورة ضمن اختصاصات المحكمة... (1)
من هنا أعيد التأكيد على أن المحكمة بالفعل مكملة للإجراءات الوطنية، وأن تضمين المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع وكذلك البرتوكول الإضافي لها لا يتنافى مع ذلك.
أما بخصوص مسؤولية الأطراف من غير الدولة إزاء هذه النزاعات المسلحة غير الدولية، فقد حسم فيها مند 1955 عندما أكدت لجنة الخبراء "أن احترام المبادئ الإنسانية ليس قاصراً على الحكومات وحدها فقط بل يتعداها ليشمل جميع الأشخاص المشتركين في الاضطرابات الداخلية". (2)
ومراعاة لكل الاعتبارات السابقة فقد تم الاهتداء عند إعداد الصيغة النهائية للنظام الأساسي بمختلف التعاريف الواردة في المعاهدات السابقة المتناولة لهذه الانتهاكات المؤثمة، كما تم الاستئناس بالأحكام ذات الصلة في محاكمات نورمبرج والنظام الأساسي لمحكمة رواندا والنظام الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، بحيث تضمنت المادة الثامنة من نظام روما الأساسي للمحكمة وضع تعاريف واضحة ومفصلة لكل العناصر الأساسية لمختلف الانتهاكات المكونة لهذه الجريمة تحقيقاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وحتى تستوفي معايير الإدماج الضرورية المتضمنة في النظام الأساسي باعتبارها كذلك من أشد الجرائم خطورة، بحيث يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بهذه الجريمة، لاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم حسب الفقرة الأولى من المادة الثامنة .
بل إن المحكمة كما لوحظ أثناء مناقشة هذه المسألة عند إعداد مشروع النظام الأساسي انبثقت بالأساس كمحفل لمقاضاة جرائم الحرب والإبادة والتي تبقى لولا إنشاء المحكمة بدون عقاب .
رابعاً : جريمة العدوان : (1)
بدأت المحاولات الحقيقية لتعريف العدوان عقب إنشاء منظمة الأمم المتحدة وفي إطارها، وما عدا ذلك فقد ظلت هذه الجريمة مفهوماً سياسياً تفسره الدول حسب رغبتها، واستمرت الصراعات الإيديولوجية أثناء الحرب الباردة عائقا دون التوصل إلى تعريف محدد ودقيق للعدوان.. بالرغم من التوصل إلى تعريف إرشادي للعدوان بموجب توصية الجمعية العامة بتاريخ (1) 4 سبتمبر 1974 ، حصره في استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو بأي شكل يتنافى مع ميثاق الأمـــــم المتحدة (1) .
ورغم أن المادة الثالثة من توصية الجمعية العامة قد حددت مجموعة من الأفعال التي تكون شروط الفعل العدواني، فقد ظل المفهوم عموما غير دقيق ولا واضح، وظل دور مجلس الأمن الدولي تحكميا هنا إذ بيده السلطة الكاملة والمخولة له بموجب الفصل السابع من الميثاق " بتقدير أي حالة لتهديد السلم أو أي إخلال به أو أي عمل من أعمال العدوان".
ولحساسية هذه المسألة فقد كانت من البداية نقطة خلاف كبير داخل اللجنة المخصصة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وفي ردود وتعليقات الدول لإتصالها من ناحية بعمل مجلس الأمن الذي يعتبر الأداة الأكثر فعالية لتحقيق مصالح الدول الكبرى وتنفيذ سياستها وتحقيق التوازن فيما بينها، ولكونها من ناحية ثانية تمثل الشكل الأشد عنفاً في العلاقات الدولية، من هنا ظلت هذه المسألة دون حسم حتى بعد التوقيع على النظام الأساسي للمحكمة .
لقد عارضت عدة دول إدراج العدوان ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية هذه المرة، لا لكونها ليست مستوفية لمعايير الإدماج الواردة في ديباجة النظام الأساسي وفي مادته الأولى، وإنما بدرجة أساسية بسبب أولاً: غياب تعريف واضح ومحدد وثانياً: صعوبة التوفيق بين مسؤولية مجلس الأمن في صون السلم والأمن وتحديد العدوان من جهة، والمسؤولية التي سوف تؤول إلى المحكمة لتقرير المسؤولية الجنائية الفردية عن نفس العمل، من جهة ثانية، وكذا لأنه لا ينبغي التضحية من أجل أهداف سياسية بالهدف النهائي المتمثل في إنشاء جهاز قضائي لتطبيق العدالة بسبب هذه المسألة، والتي سيؤدي النقاش حولها بالضرورة إلى تأخير لا مبرر له في الانتهاء من وضع النظام الأساسي للمحكمة في صيغته النهائية. (1)
وبالمقابل فقد أيد البعض إدراج جريمة العدوان ضمن اختصاصات المحكمة رغم الصعوبات التي تكتنف مسألة تعريف هذه الجريمة، وذلك لاستيفائه المعايير الواردة في ديباجة النظام الأساسي وفي مادته الأولى، بالاستناد إلى المادة السادسة من ميثاق نورمبرج والمادة الأولى من توصية الجمعية العامة 3314 سنة 1974 والتعريف المقترح من قبل لجنة الخبراء 1955. وفوق ذلك ليس بوسع الأمم المتحدة الذي يكرس ميثاقها مبدأ عدم استخدام القوة، والتي أنشئت بالأساس لإنقاذ الأجيال من ويلات الحروب بعد 50 عاماً من إنشائها وقيام أول محاكمات جنائية دولية أن تستبعد العدوان من اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية دون أن تكون بذلك قد خطت خطوات إلى الوراء، وتجاهلت الموقف المخالف لذلك الذي اتخذته لجنة القانون الدولي في سياق أعمالها المتعلقة بمشروع مدونة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية .
وفي الواقع فإن أغلب النقاشات وتعليقات الدول فيما يتعلق بجريمة العدوان دارت حول كيفية التوفيق بين مسؤولية مجلس الأمن في صون السلم والأمن وتحديد جريمة العدوان من جهة، ومسؤولية المحكمة في تقرير المسؤولية الجنائية الفردية عن نفس الجريمة. (1)
ومن هنا كان لابد من السعي إلى إيجاد حل وسط يوازن بين استقلالية المحكمة، وضرورة احترام الدور الرئيسي لمجلس الأمن في الحفاظ على السلم والأمن، بحيث يمكن للمحكمة أن تنظر في أي شكوى عن التعرض لعدوان معين إذا لم يكن مجلس الأمن الدولي قد اتخذ قرارا بشأن المسألة، كما أن سلطة مجلس الأمن في اعتبار تصرف معين عدوانا لا يؤدي إلى حرمان المحكمة من دورها في تحديد مسؤولية الأفراد الجنائية فيما يتعلق بنفس الموضوع، ولعل هذا مثل الحل الأمثل حينئذ لكن ظلت مسألة تحديد جريمة العدوان دون حسم شامل فرغم إقرار النظام الأساسي للمحكمة باختصاص هذه الأخيرة بالمتابعة عن جريمة العدوان لاستيفاء الجريمة الشروط الضرورية لإدماجها ضمن الولاية القضائية للمحكمة، إلا أن مختلف التساؤلات ظلت عالقة وبدأ تحديد الأعمال المكونة لجريمة العدوان دون تعيين حقيقي، وبدا أن ممارسة المحكمة على هذه الجريمة لاختصاصاتها حتى وإن دخل النظام الأساسي حيز النفاد، مؤجلة إلى حين .
وعليه وبالرغم من الإجماع على أن جريمة العدوان تمثل الشكل الأشد خطورة على السلم والأمن الدوليين بحيث تستوفي معايير إدماجها ضمن الولاية القضائية للمحكمة، وتم تضمينها فعلاً في نظامها الأساسي إلا أن المحكمة لن تمارس ولايتها على هذه الجريمة إلا متى ما تم اعتماد حكم بهذا الشأن، وذلك عقب استعراض هذا النظام الأساسي، أو إدخال أي تعديلات عليه بموجب المادتين 121 و123 ، بحيث يتم وضع تعريف دقيق لهذه الجريمة وكذلك الشروط التي على أساسها ستمارس المحكمة ولايتها إزاء جريمة العدوان (1) .
هذه هي الجرائم الدولية الأربع التي أمكن إدماجها ضمن الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية باعتبارها جرائم من الخطورة بحيث تثير قلق المجتمع الدولي بأسره، وتنطبق عليها بالتالي معايير الإدماج المبينة في ديباجة النظام الأساسي وفي مادته الأولى، وفصلتها بدقة المواد السادسة والسابعة والثامنة من هذا النظام.
وإذا كانت المادة التاسعة من النظام الأساسي قد أحالت على جمعية الدول الأطراف مسألة اعتماد أركان هذه الجرائم، فإنه يمكن الإشارة إلى أن أي جريمة دولية لابد من أن يتوفر فيها ثلاثة أركان أساسية وهي : (1)
1- الركن المادي : المتمثل في سلوك مادي ملموس -سواء كان إيجابياً أو سلبياً- يفضي إلى نهاية يؤثمها القانون.
ويتحقق الركن المادي في حالة جريمة الإبادة عند ارتكاب أي عمل يفضي إلى إحداث عملية الإبادة بصفة كلية أو جزئية، على النحو الذي فصلته المادة السادسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما يتحقق في حالة جرائم الحرب عند البدء في مباشرة الحرب سواء صدر إعلان رسمي بذلك أو لم يصدر مع ضرورة أن يصاحبها اقتراف للمخالفات الجسيمة التي بينتها المادة الثامنة من النظام الأساسي.
أما في حالة الجرائم ضد الإنسانية فإن الركن المادي يتخذ شكلين اثنين من الممارسة الإجرامية، وهما الفعل المادي اللاإنساني المتمثل في عدوان يصيب أحد المصالح الجوهرية للإنسانية كالقتل والتعذيب وغيرها من الممارسات التي تتنكر لأهم الحقوق الأساسية للإنسانية، وكذا الفعل المتمثل في اضطهاد مجموعة محدودة من السكان لأسباب سياسية أو دينية أوقومية، وفي كلتا الحالتين فإن جسامة الفعل تعد شرطاً جوهرياً لقيام الركن المادي هنا.
2- الركن المعنوي: أوضحت المادة الثلاثون من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مدلول الركن المعنوي لهذه الجرائم عندما نصت على أنه لا يسأل الشخص جنائياً عن ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، ولا يكون عرضه للمقاضاة إلا إذا تحققت الأركان المادية مع توافر القصد والعلم، واعتبرت أن توافر القصد لدى أي شخص يكون عندما:
- يقصد هذا الشخص فيما يتعلق بسلوكه ارتكاب هذا السلوك.
- يقصد هذا الشخص فيما يتعلق بالنتيجة التسبب في تلك النتيجة أو يدرك أنها ستحدث في إطار المسار العادي للأحداث .
أما لفظة العلم فتعني أن يكون الشخص مدركاً أنه توجد ظروف أو ستحدث نتائج في المسار العادي للأحداث. وتفسر لفظتا يعلم أو عن علم تبعاً لذلك.
ويتحقق الركن المعنوي بالنسبة لجريمة الإبادة الجماعية بقصد الجاني وإرادته قتل أفراد الجماعة أو إلحاق أذى بدني أو عقلي جسيم بها بهدف إحداث عملية الإبادة الكلية أو الجزئية لجماعة محددة، وهذا القصد الخاص أساسي في هذه الجريمة بغض النظر عن صفة ومركز الجاني، مع ملاحظة أنه في جريمة الإبادة فإن النية الجرمية والعمد متوفر في كل صور ارتكابها إذ لا توجد أي إمكانية لحدوث خطأ وهو ما يوضح بشاعتها. (1)
أما في جرائم الحرب فيتوفر الركن المعنوي بالاتجاه غير المشروع للإدراك والإرادة الحرة إلى ارتكاب المخالفات والممارسات التي يعد إتيانها بعلم الجاني جرائم دولية لا تقتضيها ولا تتطلبها الضرورة العسكرية، وأخيراً يتحقق الركن المعنوي في الجرائم ضد الإنسانية بتوفر القصد الجنائي الذي يقوم على علم الجاني وانصراف إرادته الحرة إلى أن فعله الإجرامي ينطوي على إهدار صارخ ولا إنساني للحقوق الأساسية والجوهرية لجماعة دينية أو عرقية أو سياسية بهدف الحرمان أو القضاء على هذه الجماعة.
3- الركن الدولي: يتطلب الركن الدولي أن يكون الفعل المرتكب صادراً بناء على طلب الدولة أو رضاها أو تشجيعها ومنطوياً على مساس بالمجتمع الدولي. (2)
ولخطورة الجرائم الدولية المتضمنة في النظام الأساسي للمحكمة فإن الركن الدولي يتوفر فيها حتى ولو مورست صورها من قبل أي دولة إزاء رعاياها كما في حالة جريمة الإبادة أو الجرائم ضد الإنسانية أو حتى جرائم الحرب عندما يتعلق الأمر بالمنازعات الداخلية، ومرد ذلك في الواقع نابع من الطبيعة الجوهرية للمصلحة المعتدى عليها والمتمثلة بحماية حياة وأرواح البشر أولاً، والمتصلة كذلك بقضية الإنسانية الأولي وهي قضية السلم والأمن الدوليين ثانياً.
ومن هنا كان من الطبيعي جداً أن يعتبر إتيان أي من هذه الجرائم بمثابة عدوان على قيم ومبادئ النظام القانوني الدولي وتهديد لأركانه الأساسية، لاعتبارها باعتراف كل الدول أنها مستوفية لمعايير الإدماج ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية، والعمل في نفس الوقت على خلق نطاق معين من الاختصاص الدولي المشترك وتوسيع نطاقه تدريجياً بما يكفل تطوير النظام القانوني الدولي وصون قيمه السامية، خاصة الحقوق الأساسية للإنسان، وكفالة استمرار الحياة الدولية وثبات مظاهر العلاقات الودية بين الدول، وذلك وفقاً للمحددات الأساسية لعمل المحكمة كما تضمنها نظامها الأساسي ، وبالمراعاة للتوازنات التي تقتضيها طبيعة العلاقات الدولية. فماهي محددات دور المحكمة الجنائية الدولية؟ وما مدى مساهمتها في تعزيز وتطوير النظام القانوني الدولي؟.
دون أن ننسى التأكيد على أن عملية إنشاء المحكمة يُعد في حد ذاته نجاحاً يوازي النضج الذي وصلت إليه البشرية ، وتقدم الوعي بأهميتها الحالية والمستقبلية وانعكاساً لما بلغته القيم العليا في المجتمع الدولي من تنظيم . ولأن الهدف الحقيقي من هذه الدراسة لا ينحصر فقط في محاولة الإجابة عن التساؤل حول إمكانية قيام عدالة جنائية دولية ، بل يمتد إلى النظر للمحكمة بوصفها حتمية إنسانية وضرورة عملية لتجاوز حالات القصور التي أبانت عنها تجربة المحاكم الدولية الخاصة ، ومحاولة لسد ثغرة كبيرة في النظام القانوني الدولي من أهم أسبابها خلو ذلك النظام من محكمة جنائية دولية ، والعمل بالتالي من أجل أن تكون المحكمة الجنائية محكمة فعلية ذات كفاءة واستقلال ، وفاعلة من حيث قدرتها على المبادرة والتصرف بهدف تفعيل وتعزيز القانون الدولي .