منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - القضاء الدولي الجنائي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-10-19, 22:44   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










Bounce تابع

ü مشروع لجنة نيويورك :
اجتمعت اللجنة في نيويورك من 27 يوليو إلى 20أغسطس 1953 ودرست جملة من المشاريع السابقة، ونوقشت أثناء الاجتماع مختلف الآراء المؤيدة والمعارضة لإنشاء مثل هذا النوع من القضاء، وتبنت اللجنة في النهاية استنادا إلى جملة من الحجج ضرورة إنشائه.
وعند مناقشة مشروع النظام الأساسي لمحكمة جنائية دولية كانت هناك عدة وجهات نظر حول هذه الطريقة كما حدث أثناء المشاريع السابقة، إلا أنه تم تبني الطريقة التي بموجبها تنشأ المحكمة باتفاقية دولية يبرمها مؤتمر ديبلوماسي يعقد تحت رعاية الأمم المتحدة، بحيث لا تنشأ المحكمة إلا إذا تحدد اختصاصها وصودق على نظامها الأساسي بواسطة عدد معين من الدول(1).
وعن علاقاتها بمنظمة الأمم المتحدة، وفي حين ذهب البعض إلى أن الطبيعة الجنائية الخاصة لهذه المحكمة تقتضي أن تكون مستقلة عن هذه المنظمة وذلك لضمان استقرارها وبقائها، ذهب آخرون إلى وجوب قيام علاقة قوية بين المنظمة والمحكمة نظراً لاتصال عمل المحكمة بأهم مقاصد المنظمة خاصة عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وهذا الرأي الأخير هو الذي تم ترجيحه وتبنته لجنة نيويورك عند إعداد مشروعها (2) .
ولأهمية المشروع المقدم من لجنة نيويورك حول النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية سنحاول الإشارة إلى أهم المرتكزات التي يقوم عليها هذا النظام.
يشمل مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهو الشق الثاني من التقرير الذي تقدمت به اللجنة ولا يختلف كثيرا عن المشروع الذي تقدمت به لجنة جنيف، سبعة فصول ضمت خمساً وخمسين مادة موزعة على النحو التالي: (1)
المبادئ العامة :
تضمنت المواد 3،2،1 أهم خصائص المحكمة والهدف الأساسي من إنشائها وكذا القانون الواجب تطبيقه، فالغرض من إنشاء المحكمة هو محاكمة الأشخاص الطبيعيين المتهمتين بارتكاب الجرائم الدولية التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية، أو تلك التي تكون محل اعتراف كامل من المجتمع الدولي.
أما القانون الواجب التطبيق فقد تطرقت المادة الثانية إلى أن القانون الدولي الجنائي هو القانون الذي تطبقه المحكمة.
كما أشارت المادة الثالثة إلى طبيعة المحكمة، معتبرة المحكمة مؤسسة دائمة على ألا تنعقد جلساتها إلا عند الاقتضاء، وكانت لجنة جنيف قد اقترحت بهذا الخصوص أن تكون المحكمة مؤقتة تنشأ لغرض معين، على شكل محكمة " نور مبرج" وهو أمر لم تقبله كل الدول كما كان مثار انتقاد حينها.
تنظيم وإدارة المحكمة :
اشتمل الفصل الثاني من المشروع على 20 مادة من المادة الرابعة حتى المادة الرابعة والعشرين، تناولت كلها ما يتعلق بتنظيم وإدارة المحكمة فتطرقت المادة الرابعة لمؤهلات القضاة وحياديتهم واستقلاليتهم، وهي شبيهة بالشروط المنطبقة على قضاة محكمة العدل الدولية، وتناولت المادة الخامسة عدد القضاة الذين أصبحوا خمسة عشر قاضياً بعد أن كانوا تسعة قضاة فقط في مشروع لجنة جنيف،مع جعل نصاب الانعقاد سبعة قضاة وغرفة الاتهام خمسة قضاة، كما عالجت المواد من 6-19 جنسية القضاة وإجراءات انتخابهم وترشيحهم ومدة عضويتهم وامتيازاتهم وحصاناتهم وأحوال ردهم وعزلهم وحظر بعض الممارسات عليهم أثناء قيامهم بأداء مهامهم أو ما يتعارض مع عملهم القضائي وحددت مدة مباشرة القضاء لعملهم تسع سنوات، كما نصت المادة 20على الجهاز الإداري للمحكمة والذي يتكون من رئيس ونائب و مسجل وقلم كتاب.
ولم يتم تحديد مقر دائم للمحكمة مع أنه سمح لها بالانعقاد في أي مكان تراه مناسبا كما ورد في المادة 21 ، أما المادة 22 فقد تعرضت للأجور والمرتبات التي تمنح للقضاة، وحددت المادة 23 نظام التمويل ونسبة الاشتراك التي تلتزم بها الدول،وتدفع من هذه الحصيلة نفقات المحكمة ومصاريف الدفاع عن المتهم غير القادر على توكيل محام ولجنة العفو والإفراج،كما تضمنت المادة 24 لائحة إجراءات المحكمة ومن بينها القواعد العامة للإثبات.
اختصاص المحكمة :
تضمن الفصل الثالث من المشروع المواد من 25-32 ،حيث قصر اختصاص المحكمة على الأشخاص الطبيعيين أياً كانت صفاتهم.
وتنص المادة 26 على أن اختصاص المحكمة يكون بمقتضى معاهدة أو اتفاق خاص أو حتى تصريح فردي، بمعنى أنه يجب الموافقة على اختصاص المحكمة وحكمها مع مراعاة أية نصوص توردها الدولة أو الدول المانحة، ولا يؤثر ذلك على الاختصاص الجنائي الوطني،ما لم تنص الوثيقة المانحة للاختصاص على خلاف ذلك.
وعليه فكما أن للدول حق منح الاختصاص فلها كذلك الحق في سحبه من المحكمة بشرط ضرورة إخطار السكرتير العام للأمم المتحدة، ومعلوم أن الهدف من هذا الإجراء تشجيع الدول على منح المحكمة الاختصاص اللازم.
وبالنسبة لوجود المتهم في دولة ثالثة لم يشترط المشروع موافقة هذه الدولة على الاختصاص، إلا أن المادة 34 بينت أنه يقع على عاتق هذه الدولة تقديم مساعدتها للمحكمة، كما أنها ملزمة إذا قبلت هذا الالتزام بموجب معاهدة دولية أو أي وثيقة أخرى.
ولأنه لم يتم تحديد الجرائم التي ستنظر بها المحكمة بدقة، الأمر الذي قد يجعل من اختصاصها محل نزاع من جانب الخصوم أو من جانب أية دولة لذا تضمن المشروع أن المحكمة هي التي تنظر وتفصل في أي دفع يثار عند بدء النظر في الدعوى، ولكن إذا أثيرت المسألة أثناء المرافعات وإجراءات المحاكمة فإن المحكمة من حقها أن تختار الوقت الملائم للفصل في القضية بموجب ما تضمنته المادة 30 من المشروع.
أما العقوبات فقد تركت لسلطة المحكمة التقديرية مع مراعاة أية بنود منصوص عليها في أي اتفاقية أو تصريح منفرد،كما يجوز للمحكمة أن تحكم بعقوبة الإعدام في الجرائم ضد السلام وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
الهيئات المعاونة للمحكمة :
وتشمل هيئة الاتهام والإحالة وهيئة الإدعاء العام، وخصصت لها المادتان 33-34 بحيث تتكون من خمسة قضاة يختارون سنوياً لمدة سنة،على أنه ليس لقاضي التحقيق والإحالة في قضية ما أن يجلس للحكم في موضوع تلك القضية، وهذه الغرفة هي التي تقوم بفحص أدلة الإثبات المقدمة من الشاكي مؤيدة لادعائه، وتحدد الإجراءات أمام هذه الغرفة، وتتخذ كافة الإجراءات لضمان محاكمة نزيهة وعادلة.
الإجراءات :
تضمن الفصل الخامس المواد35-52 والتي تناولت كل مراحل الإجراءات من اتهام ومرافعات وحكم وطرق الطعن فيه،بحيث تشمل ورقة الاتهام عرضاً موجزاً وواضحاً للوقائع التي تكوَّن الجريمة، وقواعد القانون الذي بمقتضاه أسند الاتهام، وللمحكمة أن تأذن بإدخال تعديلات على الاتهام وتعلن ورقة الاتهام للمتهم والدولة التي يتبعها بجنسيته.
كما لا يمكن حسب المادة 37 أن تخضع القضايا المعروضة أمام المحكمة لهيئة محلفين إلا إذا تم التنصيص على خلاف ذلك في وثيقة منح الاختصاص للمحكمة.
وتضمنت المادة 38 جملة من الضمانات والحقوق لصالح المتهم،على انه إذا تبين للمحكمة أنها لا يمكن أن تكفل العدالة في الدعوى،فلها أن تصدر حكماً مسبباً بإيقاف كل الإجراءات...، وتكون جلسات المحكمة علنية، إلا إذا رأت المحكمة لصالح تحقيق العدالة عكس ذلك...
وفي حالة إذا ما سحبت الدولة الشاكية الادعاء فالمحكمة وحدها هي التي تقرر الإفراج عن المتهم، ويصدر حكم المحكمة بحضور سبعة قضاة على الأقل ويكون الحكم مسبباً وموقعاً عليه من قبل القضاة الذين أصدروه ومن رئيس المحكمة والمسجل.
ويصدر الحكم بجلسة علنية، ولا يجوز الطعن في أحكامها، والطريقة الوحيدة للاستئناف هي التماس إعادة النظر بشرط اقتناع المحكمة بظهور واقعة جديدة لها تأثير حاسم على القضية كانت مجهولة على المحكمة والمتهم معاً.
أما التنفيذ فقد أنيط بحسب اتفاق يوقع بين الدول التي منحت الاختصاص للمحكمة يتعلق بهذا الغرض.
لجنة العفو والإفراج :
وتتكون هذه اللجنة من خمسة أعضاء تختارهم الدولة مانحة الاختصاص للمحكمة، وعلى اللجنة قبل الفصل في الالتماس بالعفو أو الإفراج المشروط أن تستطلع رأي المحكمة دون أن تتقيد به.
المحاكم الخاصة :
تناولت المادة 54 من مشروع لجنة جنيف والمادة 55من مشروع لجنة نيويورك مسألة المحاكم الخاصة مؤكدة على أنه ليس في هذا النظام ما يخل أو يمس حق دولتين أو أكثر من الدول مانحة الاختصاص للمحكمة في إنشاء محاكم خاصة لمحاكمة مرتكبي الجرائم التي تكون المعاقبة عليها من اختصاص كل من هذه الدول طبقاً للمبادئ العامة في القانون الدولي العام.
وبعد هذه الإحاطة الموجزة بأهم وأكثر المراحل أساسية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية وبالجهود الدولية السياسية وكذلك الفقهية المبذولة والساعية نحو إنشائها، والتوقف عند أهم المشاريع المقدمة تنفيذاً لهذه الفكرة، يمكن القول أن الفكرة قد استوفت حقها من البحث النظري الجاد والمتعمق وأن تحول المحكمة إلى شيء واقعي وملموس أضحى مسألة إرادة سياسية.
4- تعثر جهود الأمم المتحدة في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية :
رغم أن الجمعية العامة تلقت مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مفصلا ومتضمناً أهم المسائل الأساسية لإنشائها من قبل لجنة نيويورك، إلا أن الجمعية العامة ومنذ دورتها التاسعة في سبتمبر1954 ظلت ترحل مسألة مناقشة إنشاء المحكمة إلى الدورات الموالية تحت عدة مبررات سياسية وقانونية من أهمها ضرورة التوصل أولاً إلى تعريف العدوان بوصفه جريمة من جرائم القانون الدولي الجنائي، وكذا التوصل إلى صياغة مدونة الجرائم ضد السلام وأمن البشرية هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية أرادت الجمعية العامة بهذا التأجيل المتكرر تجنب إمكانية فشل كل هذه المجهودات بسبب اشتداد الحرب الباردة حينئذ والتخوف من أن تتكلف الدول مواقف سلبية من المشروع فقط لمآرب سياسية.
وعلى الرغم من أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد توصلت في 14ديسمبر1974 بتوافق الآراء إلى وضع تعريف للعدوان، فإن تكريس فكرة القضاء الدولي الجنائي وإنشاء المحكمة الدولية الجنائية الدائمة لم يكتب له النجاح.
ومع أن الجمعية العامة قد والت جهودها ومطالبتها للجنة القانون الدولي بمتابعة أعمالها من أجل التوصل إلى إعداد مشروع خاص بالجرائم ضد السلام وأمن البشرية (1)، والبحث في إمكانية إنشاء محكمة جنائية دولية يمكن أن يتضمنها مشروع التقرير الجاري به العمل، إلا أن استمرار الخلافات الإيديولوجية والسياسية الشديدة التي كانت سائدة في فترة القطبية الثنائية والعلاقات الدولية المتوترة والتباينات الكبيرة حول مدونة الجرائم المخلة بسلم وأمن البشرية، كلها عوامل ساهمت في تأجيل إنشاء المحكمة..
بمعنى أنه بالرغم من صدق الجهود المبذولة والرامية إلى إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة وأن المحكمة قد استوفت أهم جوانبها من البحث النظري المتعمق فقد ظلت العوامل السياسية بجانب القانونية أهم العراقيل التي جابهت إنشائها، لتواجد مكان المحكمة أصلاً في مفترق الطرق بين ما هو سياسي وقانوني.
وكأنه كان على المجتمع الدولي الانتظار حتى مطلع التسعينيات عقب الانقلاب الكبير الذي شهدته العلاقات الدولية لتدخل المحكمة الجنائية الدولية مرحلة ثانية تكون الظروف فيها مهيأة أكثر للتوقيع على نظامها الأساسي بواسطة اتفاقية دولية تنشأ بموجبها المحكمة بصفة رسمية.
ثانياً : مرحلة وضع مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية :
الواقع أنه لا يهمنا كثيراً التوقف عند الظروف التي مهدت لتجسيد الفكرة على أرض الواقع وبالتالي التوقيع باتفاق دولي على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية،هكذا هي أصلاً طبيعة أي تطور يمس بنيان النظام القانوني الدولي الذي تطور غالباً فقط بملاحقة الأحداث والتي تهيء لنمو الفكر القانوني فالصياغة القانونية ثم القبول العام.
1- ملاءمة الظروف الدولية لاعتماد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية :
إن المتغيرات الدولية الكبرى التي عرفها العالم مطلع التسعينيات، وانهيار نظام القطبية الثنائية الذي هيمن على العلاقات الدولية طوال المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية حتى بداية سنوات التسعينيات، قد جعلت من هذه الفترة سنوات تحول دولي سريع نحو إنجاز جهاز جنائي دولي،مؤسسة بذلك لأهم مرحلة من مراحل تطور المحكمة الجنائية الدولية والمتمثلة في التوقيع على نظامها الأساسي بروما في السابع عشر من يوليو سنة ألف وتسعمائة وثمانية وتسعين للميلاد.
فعلاوة على انهيار نظام القطبية والصراع الأيديولوجي الذي كان يدفع الدول إلى اتخاذ مواقف متناقضة إزاء العديد من القضايا الدولية والذي كان له أثر كبير في عرقلة تطور النظام القانوني الدولي في جانبه القضائي عامة والجنائي خاصة،فإن انهيار ذلك النظام كان مصحوباً بتفكك بعض الكيانات التي وحدتها الفكرة الإيديولوجية ذاتها، وتزامن هذا التفكك في حالات عدة مع بروز النزاعات العرقية والقومية التي اتخذت منحاً عنيفا ًومأساوياً تمثل في اندلاع حروب أهلية أكثر وحشية وأعمال قتل أكثر بربرية وهمجية من أي حرب سبقتها،كما حدث في منطقة البلقان بجمهورية يوغوسلافيــــا السابقــــة (1) على سبيل المثال، أو في رواندا بسبب صراع طائفي بين قبيلتين تشكلت منهما الدولة.
هذه الأحداث المؤلمة والتي أبان النظام الدولي الحالي بآلياته القائمة عن عجز واضح للتصدي لها، بجانب المعالجات غير الناجحة للعديد من القضايا الدولية الأخرى والتي بالعكس قد تسببت في نتائج عكسية تماماً كما يحدث للشعب العراقي حاليا، بجانب التطور في الفكر القانوني الدولي،... كلها عوامل عززت ودعمت المطلب الدولي الملح نحو ضرورة استعجال إنشاء المحكمة الجنائية الدولية،بل وخلقت القبول والتحبيذ الشعبي والفقهي وحتى السياسي في أحيان كثيرة لها(1) .
وفي الواقع فقد استجابت "الأمم المتحدة " لتلك المتغيرات ورأت بالفعل أن الظروف أصبحت مهيأة ومناسبة أكثر من أي وقت مضى لإنجاز المحكمة الجنائية، وكما صرح السيد (ستيفني مكافري) عضو لجنة القانون الدولي سنة 1990... أنه يوجد حاليا اتفاق عام مبدئي يحبذ إنشاء محكمة جنائية دولية ضمن نظام الأمم المتحدة وأن المناخ الدولي يبدو الآن مؤيدا بشكل خاص لفكرة هذه المحكمة.. وسوف يكون من سوء الحظ إضاعة مثل هذه الفرصة... (2)
ولهذا ورد على الطلب المقدم من (ترينداد وتوباغو) في ديسمبر1989 كانت الجمعية العامة قد طالبت لجنة القانون الدولي في توصيتها رقم49/44 في ديسمبر1989 بإعادة العمل ومتابعة الجهود لتأسيس المحكمة الجنائية الدولية.
وحتى بعد هذا التاريخ كذلك يمكن أن نميز بين مرحلتين أساسيتين من مراحل إعداد مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية :
المرحلة الأولى والتي امتدت من سنة 1990 حتى سنة1992 والتي تميزت بالربط بين مدونة الجرائم المخلة بسلم وأمن البشرية، والمرحلة الثانية التي ابتدأت بصدور توصية الجمعية العامة إلى لجنة القانون الدولي بالشروع فوراً بوضع مشروع نظام أساسي للمحكمة الجنائية الدولية بوصفها مسألة ذات أولوية.
2- تجاوز العديد من المعوقات القانونية :
أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصيتين اثنتين: توصية رقم45/41 في تاريخ 28نوفمبر 1991 والتوصية 46/54 في ديسمبر 1991 دعت فيها لجنة القانون الدولي إلى متابعة دراسة وتحليل القضايا المتعلقة بمسألة ولاية جنائية دولية،بما في ذلك مسألة إنشاء محكمة جنائية دولية(1) وذلك في نطاق دراسة اللجنة لمشروع قانون الجرائم المخلة بسلم وأمن البشرية.
وتنفيذاً لذلك شرعت اللجنة بتشكيل فريق عامل خاص أسندت إليه مهمة البحث في إمكانية إنشاء قضاء دولي جنائي، وبعد مناقشات طويلة ودقيقة للموضوع، ودراسة عدة تقارير تقدم المقرر الخاص بتقريره العاشر الذي خصص بالكامل لبحث إمكانية إنشاء قضاء دولي جنائي،مؤكدا أثناء عرضه للتقرير أمام أعضاء اللجنة،على أن الجمعية العامة لم تطلب منه القيام بوضع نظام أساسي للمحكمة الجنائية المزمع إنشاءها، وإنما طلبت مواصلة دراسة وتحليل المسائل المرتبطة بهذه المسألة.
وفي هذا التقرير تناول المقرر الخاص في الجزء الأول منه بعض الاعترافات والتحفظات التي أثيرت من قبل بعض الدول أثناء عدة لقاءات دولية، أو حتى في إطار مؤسساتها الوطنية حول هل من المستحسن إنشاء مثل هذه الآلية والفائدة المرجوة منها ومدى ملاءمة تأسيسها مع أحكام القوانين الوطنية(1) وهل إنشاء القضاء الدولي الجنائي أمر مرغوب فيه؟، أما الجزء الثاني من تقريره فقد خصص للمسائل المتعلقة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
ولأن التغيير الذي طرأ على الأوضاع الدولية يزيد من إمكانية جمع الدعم الدولي لتأسيس القضاء الدولي الجنائي، ولأنه من غير الممكن أن يبقى مشروع قانون الجرائم المخلة بأمن الإنسانية على اختصاص المحاكم الوطنية للمقاضاة على عدة جرائم دولية تضمنها المشروع ومنها العدوان وغيره...، فإنه لا يمكن تصور صدور هذا القانون دون أن يكون مقترناً بجهاز جنائي دولي(2)، بل إن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية هو الذي يوفر التطبيق المناسب والأكثر موضوعية لمشروع قانون الجرائم المخلة بسلم البشرية وأمنها.
هذه الفكرة أبرزتها جملة من ردود الحكومات وتعليقاتها على المشروع وكذا المناقشات التي دارت بين أعضاء اللجنة بحيث تكرست فعلاً فكرة أن تطبيق المدونة غير ممكن إلا من خلال وجود هيئة قضائية دولية تتمتع باختصاصات واضحة في محاكمة المتهمين بالجرائم المحددة بداخل المدونة وقادرة كذلك على فرض العقوبات اللازمة.
لقد كان من أبرز ما جاء في تعليقات الدول دعماً لهذه الفكرة ما أوردته حكومة "ترينداد وتوباغو" من تأكيد "على أن من شأن هذا القانون عندما تقبله الدول أن يكون بمثابة صك قانوني دولي يعدد أخطر الجرائم التي تهز ضمير العالم وتخل بالسلم والأمن الدوليين..، إلا أن قانوناً بدون عقوبات ودون قضاء ومحكمة مختصين لن يكون فعالا، ومن أجل ضمان فعالية هذا القانون سيكون من الضروري إنشاء آلية لتنفيذه، وفي هذا الخصوص تؤيد الدولتان إنشاء قضاء دولي جنائي"(1) .
لكن بالرجوع إلى نفس التقرير العاشر وعلاوة على كونه قد خصص الجزء الأول منه للاعتراضات التي أثيرت حول إمكانية قيام قضاء دولي جنائي،بينما تناول الجزء الثاني فيه أهم المسائل المتعلقة بإنشائه وهي الاختصاص والقانون الواجب التطبيق،.. ولأن اللجنة تزاول أعمالها أساساً بتوافق الآراء للحصول على موافقة أغلب الدول،ولأنه لم يتم التوصل إلى هذا التوفيق بين مختلف الآراء حول مشروع المدونة، وفي ظل الانتقادات التي ظلت توجه باستمرار إلى ما سمي بثغرات أساسية بداخله من قبل قوى مهمة ومؤثرة في المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية (1) أدى في النهاية إلى اعتبار أن الربط بين مشروع المدونة وإنشاء المحكمة أمر غير مستساغ وربما يعرقل إمكانية تأسيسها والتوقيع على نظامها.
وفي ظل تلك الانتقادات والاعتراضات الشديدة على هذا الربط،ناهيك عن أن مختلف المشاريع السابقة كانت مشاريع استطلاعية هدفت إلى إبقاء الموضوع محل اهتمام أعضاء اللجنة والاهتمام الدولي خلال هذه المرحلة الأولى، لم تكن الجمعية العامة قد طلبت من لجنة القانون الدولي الشروع بإنجاز مشروع بالنظام الأساسي للمحكمة بوصفه مسألة ذات أولوية،كان على هذه الأخيرة الاستجابة والأخذ في الحسبان مختلف الظروف والاعتبارات السابقة.
ومن هنا فقد طلبت الجمعية العامة في توصيتها رقم47/33 بتاريخ 25 نوفمبر 1992 و48/31 بتاريخ 9 ديسمبر1993 إلى لجنة القانون الدولي أن تشرع فورا هذه المرة بوضع مشروع نظام أساسي للمحكمة الجنائية الدولية بوصفه مسألة ذات أولوية، لتبدأ مرحلة جديدة تتميز بعدم الربط بين إنشاء المحكمة والتوقيع على مدونة الجرائم ضد السلام وأمن البشرية والشروع في إنجاز المشروع الخاص بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
3-إنجاز مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية :
تضمنت الفقرات 4 - 5 - 6 من توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة 47/33 بتاريخ 25 نوفمبر 1992 ثلاثة مسائل أساسية: (1)
4-تحيط الجمعية علما مع التقدير بالفصل الثاني من تقرير لجنة القانون الدولي المعنون بمشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم وأمن الإنسانية والذي كرس لمسألة إمكانية إنشاء قضاء دولي جنائي.
5-تدعو الدول إلى تقديم تعليقات كتابية على تقرير الفريق العامل المعني بمسألة إنشاء قضاء دولي جنائي قبل الدورة 45 إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
6-يطلب إلى لجنة القانون الدولي أن تواصل أعمالها بشأن هذه المسألة بالإضطلاع والشروع بوضع نظام أساسي لمحكمة جنائية دولية بوصفها مسألة ذات أولوية اعتباراً من الدورة المقبلة..على أن تبدأ بدراسة المسائل التي حددت في تقرير الفريق العامل، وفي المناقشة التي جرت في اللجنة السادسة بغية صياغة نظام أساسي على أساس تقرير الفريق العامل،واضعة في الاعتبار الآراء التي أبديت خلال المناقشات في اللجنة السادسة وكذا أي تعليقات ترد من الدول.
وبالفعل فإن لجنة القانون الدولي كانت قد نظرت في مسألة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ابتداء من دورتها الثانية والأربعين سنة1990 إلى دورتها السادسة والأربعين من سنة 1994 عندما أنجزت في تلك الدورة مشروع نظام أساسي لمحكمة جنائية دولية وقدمته إلى الجمعية العامة(1) . ذلك أن اللجنة كانت قد شكلت فريقا عاملاً لدراسة التقارير المقدمة وتحليل المشاكل الأساسية المتعلقة بإنشاء القضاء الدولي الجنائي يسمى ( الفريق العامل المعني بوضع مشروع نظام أساسي لمحكمة دولية جنائية) ، وبعد أن عقد الفريق عدة جلسات توصل بعدها إلى وضع تقرير يتضمن بيانا مفصلا لعدة قضايا فيما يتعلق بهذه المسألة، واقتراحات محددة بشأن المحكمة الجنائية الدولية، وعند عرض التقرير في جلسة اللجنة 17 يوليو1992 اعتبر التقرير المنجز وثيقة ذات أهمية بالغة نظراً للتحليلات الفقهية الواردة فيه، وتحليل المشاكل التي ينطوي عليها إنشاء هذه المحكمة..علاوة على أن الفريق قد توصل لأول مرة إلى توصيات محددة تعد بمثابة الحد الأدنى والقاسم المشترك لاحتمال الوصول عن طريقها إلى توافق أعمال اللجنة فيما يخص العمل المقبل وقد اعتبر أن من المهم الحسم في عدة أمور أساسية تتعلق بإنشاء المحكمة وهي أمور تشكل في الواقع المحور الرئيسي لتقريره وهذه الأمور هي2)
1-ينبغي أن تنشأ المحكمة بموجب نظام أساسي في شكل معاهدة دولية توافق عليها الدول الأطراف.
2- ينبغي للمحكمة في فترة عملها الأولى على الأقل أن تمارس ولايتها فقط على الأشخاص العاديين فقط.
3- ينبغي أن تقتصر الولاية القضائية للمحكمة على الجرائم ذات الطابع الدولي والمحددة في معاهدات دولية نافذة وبالجرائم المحددة في المدونة،مع إمكانية أن تصبح أي دولة طرفاً في النظام دون أن تكون طرفاً في المدونة.
4- ينبغي أن لا تكون في مرحلة عملها الأول على الأقل هيئة دائمة ومتفرغة لكن يمكن أن تنعقد عند الطلب.
وعلى ضوء هذا التقدم المحرز في هذا المجال والتوافق الكبير الذي بدأ داخل اللجنة حول الكيفية التي يمكن أن تنشأ بها المحكمة المنظورة وتعليقات الدول المنصبة نحو هذا الاتجاه ،بدا أنه قد تم الحسم في أهم المسائل المركزية في إنشاء المحكمة، وأن مواضيع التقرير تصلح أساساً لمشروع نظام أساسي لها، من هنا جاءت توصية الجمعية العامة سالفة الذكر .
وبناء على ما سبق كان أمام اللجنة عند مناقشتها لمشروع النظام الأساسي عدة مشاريع وتقارير مهمة، منها تقرير الفريق العامل المشار إليه والتقرير الحادي عشر للمقرر الخاص والمتضمن لمشروع نظام أساسي للمحكمة الجنائية الدولية،بالإضافة إلى تعليقات الحكومات على تقرير الفريق العامل، ومجموعة نصوص أعدتها الأمانة العامة لمشاريع نظم أساسية لمحكمة جنائية دولية أعدت فيما سبق في إطار مجهودات الأمم المتحدة،أو من جهات أخرى عامة أو خاصة... (1)
وبغية الإسراع في إنجاز مشروع النظام شكل الفريق العامل المعني بوضع مشروع نظام أساسي لمحكمة جنائية دولية والذي شكلته اللجنة ثلاث فرق فرعية للنظر في أهم الجوانب العامة والتنظيمية للمشروع بحيث يعالج كل فريق منها بصورة رئيسيه أحد المواضيع الآتية 2)
- الاختصاص والقانون الواجب التطبيق.
- التحقيق والادعاء.
- التعاون والمساعدة القضائية.
وبموازاة ذلك تم توزيع مواضيع جديدة على مختلف الفرق الفرعية باعتبارها ضمن نطاق النظام الأساسي، وبمناقشة تقارير مختلف الفرق الفرعية... أصدر الفريق نصا أوليا موحدا من بين عدة مشاريع نصوص لمشروع النظام الأساسي للمحكمة تكون من 7 أبواب وسمي"مشروع النظام الأساسي لمحكمة جنائية دولية"(3) .
وتوضح ورود أجزاء كبيرة من نصوص المشروع بين أقواس مدى الصعوبات الكبيرة التي واجهها الفريق العامل في صياغة نص محدد حول نقطة ما ومختلف الآراء والتحفظات التي آثارها النص، وكذا عدم التوصل بعد إلى اتفاق عام على المضمون أو على طبيعته أو لكي يتلقى الفريق توجيهات بخصوصه من الجمعية العامة، وكانت التعليقات التي ترد على بنود المشروع تشرح كثيراً من تلك الصعوبات.