منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - طبيعة النظام السياسي الجزائري
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-11, 21:40   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 طبيعة النظام السياسي الجزائري

مقــــــــدمة:


النظم السياسية هي أنظمة الحكم أو أنواعها في الدول المختلفة, كل حسب مجتمعاتها ووفقا لقانونها الدستوري الذي يحدد شكل الدولة, والتي لا يكفي لوجودها توافر ركن الشعب وركن الإقليم, لكن من الضروري وجود سلطة سياسية عليا تعتبر الهيئة الحاكمة, التي تفرض إحترام التشريعات والتنظيمات الضرورية لتحقيق الأمن لأفراد الجماعة, ولقد ظهرت أنظمة الحكم منذ ظهور الدول القديمة, كمصر الفرعونية والدول الفارسية, حيث كانت جُل هذه النظم منبثقة من الأعراف السائدة آنذاك, ولم يكن للقانون الدستوري معالم إلا بظهور الدستور البريطاني, الذي جعل من مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ
عام لتنظيم سلطة الدولة, والذي يحقق الحرية ويمنع الإستبداد, ويساهم في تحقيق الدولة القانونية وحسن آداء وظائفها, والدليل على ذلك هو أن معظم النظم السياسية المعاصرة قد تبنت هذا المبدأ, كل حسب مفهومه, فمنهم من يأخذ بالفصل المطلق كالنظام الرئاسي, ومهم من يأخذ بالفصل المرن كالنظام البرلماني, وهذه الأنظمة السالف ذكرها معمول بها في دول العالم, كما جارتها في ذلك الدول العربية, إلا أن هذه الأخيرة بسبب عدم إستقرارها السياسي أدت إلى ظهور مشكلة المشروعية – والتي تعتبر مصدر النظام السياسي – ذات العمقين التاريخي والسياسي في الوطن العربي, وخصوصا في الجزائر مع تزايد الدعوة إلى التعددية والديمقراطية, مما يجعل إشكالية المشروعية مثالا واضحا للتباين بين المواقف والقوى السياسية الجزائرية, التي لم ترسى حتى الوقت الحاضر على نموذج معين من المشروعية حتى يقوم ويستند إليها النظام الجزائري, ورغم الجهود المبذولة لإصلاح النظام السياسي الجزائري وتحديد طبيعته, إلا أن هذه الجهود لم ترقى إلى مستوى المشروعية المطلوبة لتحديد هذه الطبيعة, ذلك أنه لتحديد طبيعة نظام الحكم في أي دولة يجب أن تتوفر هذه الدولة على وثيقة هامة ألا وهي الدستور لأنه مصدر لمن يطلب المشروعية, فإذا إنعدمت هذه الوثيقة إنعدمت معها المشروعية, لكن مع هذا يجب أن تتعزّز هذه الوثيقة الدستورية بالإستقرار وأن تحظى بالإحترام من طرف الدولة , لأن الوثيقة الدستورية تكفل كل المبادئ والحقوق في حين تتجه إرادة حكام الدول إلى السيطرة وكبت

هذه الحريات, ولهذا أردنا طرح الإشكالية التالية:
- ما هي طبيعة النظام السياسي الجزائري في ظل مبدأ الفصل بين السلطات؟











أهمية الدراسة:

توجد عدة معايير يمكن من خلالها التعرّف على طبيعة النظام السياسي الجزائري, ولعل من أبرز المعايير, التحولات الديمقراطية التي مرت بها الدولة الجزائرية, بإعتبارها المحرك الأساسي لتغيير الدساتير عبر المراحل التاريخية, لكن الوثيقة الدستورية لا تعكس حقيقة ما هو سائد في النظم السياسية
المعمول بها.
والدساتير الجزائرية الأربعة, لم تحدد معالم نظامها السياسي, ولهذا نجد أنه لتحديد طبيعته أهمية بالغة يجب التعرض لها بالدراسة.































أسباب الدراسة:
السبب الموضوعي:
إن دراسة النظام السياسي الجزائري قليلة بالنظر إلى النظم الأخرى, وغير محددة لملامح هذا النظام بدقة, مما أدى بنا إلى الإتجاه صوب هذه الدراسة.
السبب الذاتي:
نتيجة للأوضاع السياسية غير المستقرة في الجزائر, والتي أدت بالدولة الجزائرية إلى عدم تبني نظام سياسي واضح, تولد لدينا ميول تجاه معرفة نوع هذا النظام.

































هف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تحديد طبيعة النظام السياسي الجزائري الغامض, وما إذا كان هذا النظام متماشيا مع آمال وطموحات الشعب الجزائري.


























مناهج الدراسة:
من خلال موضوع الدراسة, فإن المناهج المتبعة تتمثل في:
1- المنهج التاريخي بصفة أساسية: على إعتبار أن الموضوع يتطلب منا متابعة التطورات التاريخية لهذا النظام.
2- المنهج المقارن: وذلك للإطلاع على النظم السياسية المعاصرة (المقارنة), ومعرفة أي هذه الأنظمة يتماشى وطبيعة المجتمع الجزائري.
3- المنهج الوصفي والتحليلي: وذلك لوصف النظام السياسي الجزائري, ما إذا كان رئاسي, برلماني, جمعوي أو إسلامي......الخ, وكذلك لتحليل الأوضاع السياسية السائدة في ظل كل نظام, حتى يتسنى لنا التعرف بوضوح على النظام السياسي الجزائري.




الفصل الأول: دراسة تحليلية للأنظمة السياسية المعاصرة:

قبل الغوص في دراستنا لا بد من التعرض لمعنى " النظام السياسي " أولا, فهذه العبارة لغة تتكون من كلمتين:
أما النظام فجمعها نظم, ويعني النظام ترتيب الأمور على نحو معيّن, لتحصيل هدف محدّد.
وأما السياسية, فصفة مشتقة من السياسة, والسياسة هي القيام على الشيء بما يصلح, فيُقال: هو يسوس الدواب, بمعنى أن يقوم عليها ويرعاها, والوالي يسوس الرعيّة, قال (ص) :" كان بنو إسرائيل يسوسهم أبنائهم" أي يتولوا أمورهم(1).
وهناك إرتباط وطيد بين السياسة والسلطة, فالأولى تتضمن إستخدام السلطة من طرف الحكام, ليتمكّنوا من قيادة المحكومين لتحقيق مصلحة الأمة أما إصطلاحا فالمقصود بالنظم السياسية أنظمة الحكم في الدول والتي سنتعرض إليها لاحقا.

المبحث الأول: نظام حكومة الجمعية النيابية – النظام المجلسي –

إن تنظيم كيفية ممارسة السلطة قد يتم على أساس الفصل بين السلطات, الذي دعى له منتسكيو إما فصلا جامدا أو مرنا, وقد يقوم على أساس إندماجها, أي تركيز السلطة سواء في يد فرد واحد كالملكية المطلقة والدكتاتورية, أو لصالح هيئة نيابية وهي: حكومة الجمعية النيابية, والتي نشأت نتيجة الدور الهام الذي لعبته أفكار جان جاك روسو والذي يرى أن السلطة التشريعية هي التي تمثل السيادة الموحدة والمركّزة.
فروسو يرى ضرورة وجود حكومة تتولى التنفيذ والإدارة, لكن هذه الحكومة لا تكون مستقلة ولا يجب أن يكون لها جزء من السيادة, فهي يجب أن تكون خاضعة وتابعة للسلطة التشريعية, لكن ما يجب أن نؤكد عليه هو أن السلطة التشريعية عند روسو تتمثل في المواطنين أنفسهم وليس المجلس النيابي, فهو يؤمن بالديمقراطية المباشرة (1).
ونظام حكومة الجمعية النيابية هو نظام محدود التطبيق في الدول الديمقراطية, ولا يقارن بالنظام البرلماني أو الرئاسي, وهما الأكثر انتشارا وذيوعا إلى حد بعيد. فالنظام المجلسي يتميز بخضوع السلطة التنفيذية وتبعيتها للسلطة التشريعية أو البرلمان, فلا مساواة بين السلطتين ولا توازن وإنما العلاقة بينهما هي علاقة خضوع وتبعية, بحيث ترتكز السلطة السياسية كلها في يد المجلس النيابي وفقا لمبدأ أن السيادة لا تتجزأ أو لا تقبل التجزئة وان المجلس المنتخب هو الذي يمثل الشعب, فيتولى الوظيفة التشريعية ولإستحالة مباشرة المجلس للوظيفة التنفيذية فإنه يعهد بها إلى هيئات أخرى في الدولة تكون خاضعة له خضوعا تاما تنفذ سياسته وتعليماته وتسأل أمامه سياسيا. ويستند نظام الحكومة النيابية إلى مجموعة من الأسس و المتطلبات إضافة إلى تمتعه بمزايا وعيوب كباقي الأنظمة السياسية, وسنتناول هذا بشيء من التفصيل إضافة إلى تطبيقه العملي في سويسرا التي تعتبر المثال الوحيد لتطبيق هذا النظام.

المطلب الأول: نشأة وتطور نظام الجمعية النيابية تاريخيا.

النظام المجلسي لم يطبق كثيرا, فلقد طبق لأول مرة في فرنسا لفترات قصيرة وفي مراحل تاريخية متفاوتة, فنجدها قد أخذت به سنة 1792 واستمر إلى غاية 1795, وذلك بتولي البرلمان الذي اشتهر باسم: la convention زمام الأمور (2).

(1)- ماجد راغب الحلو, النظم السياسية والقانون الدستوري, الإسكندرية, منشأة المعارف, طبعة 2005’ ص02.
(2)- محمد رفعت عبد الوهاب, الأنظمة السياسية, منشورات الحلبي الحقوقية, طبعة 2005, ص 365.
(3)- عبد الغني بسيوني عبد الله, النظم السياسية, أسس التنظيم السياسي, منشأة المعارف للنشر, الإسكندرية, طبعة 1995, ص 265.

وطبق للمرة الثانية بعد ثورة 1848, وذلك بواسطة الجمعية التأسيسية:l'assemblée constituante والتي أنابت عنها لجنة تنفيذية مكونة من خمسة أشخاص, وعهدت إلى الجنرال " كافينياك " CAVAIGNAC بالسلطة التنفيذية بعد ذلك (1).
وعادت فرنسا وأخذت به سنة 1871 بعد سقوط الإمبراطورية الثانية أمام الغزو الألماني لفرنسا وأُختير " السير تيير" THIERS من طرف الجمعية الوطنية L'assemblée nationale ليتولى السلطة التنفيذية, والذي عزل بعد ذلك وعين المارشال " مكامهون " مكانه (2).
اضافة إلى اخذ فرنسا بهذا النظام نجد أن دستور النمسا لعام 1920 قد أخذ به وكذلك دستور بروسيا وبفاريا الألمانيتين (3).
وكذا دستور تركيا لعام 1924 ألا أن التطبيق العملي لهذا النظام تحول إلى نظام دكتاتوري بزعامة – الغازي – " كمال أتاتورك " الذي سيطر على مقاليد الحكم طوال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين (4).
إلا أن تطبيق النظام المجلسي في سويسرا هو الذي لاقى نجاحا له و أعطاه قيمة دستورية حقيقية, وذلك منذ 1848 والتي لازالت تأخذ به إلى يومنا هذا.

المطلب الثاني: أساس و خصائص نظام الجمعية النيابية:

أولا: أسس و متطلبات هذا النظام:
لنجاح نظام الجمعية النيابية و لإمكانية تطبيقه يجب أن نحدد الأسس التي يستلزم توافرها لذلك وتتمثل فيما يلي:
1- تركيز السلطة بيد البرلمان وتبعيتها له:
إذ تقوم حكومة الجمعية على أساس دمج السلطتين وليس الفصل بينهما, فالبرلمان المنتخب من قبل الشعب هو الذي يتحكم في البلاد ويضطلع بكافة السلطات والأعمال سواء كانت على الصعيد التشريعي أو التنفيذي, وهو الذي يقوم بتعيين الوزراء ورئيس الوزراء لإدارة الشؤون التنفيذية ويخضع رئيس الوزراء للبرلمان في تلك الإدارة (5).
ففي هذا النظام ترجّح كفة البرلمان على الهيئة التنفيذية, فهو الذي يضع السياسة العامة للدولة فيوجه الأوامر للحكومة ويعدّل قراراتها أو يلغيها, كما له سلطة تعيين الوزراء, وله كذلك سلطة عزلهم عند اللزوم وله مسائلتهم سياسيا هم ورئيس الحكومة لعدم وجود توازن بين السلطتين.

2- الدمج بين السلطتين التنفيذية والتشريعية:
فعمل نظام حكومة الجمعية النيابية يتطلب الدمج بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وليس الفصل بينهما كما في النظام الرئاسي أو التعاون والمساواة بينهما, كما هو الحال في النظام البرلماني, ففي هذا النظام السلطة التشريعية والتنفيذية كأنهما سلطة واحدة أي هناك دمج بينهما وليس هناك إختصاصات محدّدة لكل منهما وإنما خضوع تام من قبل السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية والتي لا تملك حلها أو فرض رقابتها عليها (6).


(1)- عبد الغني بسيوني عبد الله, النظم السياسية, أسس التنظيم السياسي, مرجع سبق ذكره, ص 265.
(2)- عبد الغني بسيوني عبد الله, نفس المرجع, ص 265.
(3)- الموقع الالكتروني: https://www.f-law.net/law/archive/index.php?t-2324.html
(4)- مولود ديدان, مباحث في القانون الدستوري والنظم السياسية, الجزائر, دار النجاح للكتاب, الطبعة الأولى, ص 286.
(5)- الموقع الالكتروني:https://www.tamiu.edu/~mbenruvin/gove...systems-1e.htm
(6)- الموقع الالكتروني:https://www.tamiu.edu/~ mbenruvin/governing-systems-1e.htm



أ‌- إن هذا النظام لا يعترف أبدا بمبدأ الفصل بين السلطات سواء كان جامدا أو مرنا, وإنما يقوم على وحدة السلطة وتركيزها في السلطة التشريعية أو البرلمان الممثل الحقيقي للشعب.
ب‌- نظام يعترف بحتمية وضرورة وجود حكومة تمارس المسائل التنفيذية والإدارية بشرط أن تكون تابعة دائما للسلطة التشريعية صاحبة السلطة الأصلية.
ت‌- تبعية الحكومة للسلطة التشريعية تتحقق بإختيار هذه الأخيرة لأعضائها, عن طريق الإنتخاب وهي التي تحدد إختصاصات الحكومة بحرّية تامة ومن حق البرلمان إلزامها بسياسة عامة يجب أن تراعيها و أن يوجه لها الأوامر الملزمة لها ولأعضائها.
ث‌- ليس للحكومة أن تراقب أعمال البرلمان, فلا يجوز لها حله كما في النظام البرلماني, لأنه يتعارض مع سيادة البرلمان وسيطرته عليها, بينما يحق له – البرلمان – توجيه أسئلة وإستجوابات للحكومة و أعضائها, وله أن يسائلهم سياسيا عن تنفيذ قوانينه وسياسته (1).
كما لا يحق لها أن تطرح الثقة أمام البرلمان أو أن تقدم إستقالتها.
ج‌- يجب أن تكون الحكومة التي تتولى العمل التنفيذي هيئة جماعية وتصدر القرارات منها بهذه الصفة (2).
فكل أعضائها متساوون ولا يتمتع رئيسها بأي مركز خاص وليست له إختصاصات مستقلة بأي حال.

المطلب الثالث: التطبيق العملي لنظام الجمعية النيابية وتقييمه:
أولا: التطبيق العملي لنظام الجمعية النيابية:
إذا كانت إنجلترا هي مهد النظام البرلماني, والولايات المتحدة الأمريكية هي نموذج النظام الرئاسي, فإن الفقه الدستوري يقدم سويسرا على أنها منشأ النظام المجلسي وهي تكاد أن تكون الدولة الوحيدة التي يطبق فيها هذا النظام على الأقل في الديمقراطية الغربية.
و هذا عرض لتطبيق هذا النظام في سويسرا:
سويسرا بلد إتحادي لأن شعبها يتكون من عدة مجموعات عرقية ولغوية ودينية مختلفة (3).
ورغم هذه الإختلافات إلا أنه بلد يضرب لنا مثال عن كيفية تكوين وحدة قومية دون اللجوء للعنف, فهو مثال طيّب لمن يفكر في إنشاء وحدة عالمية أو على الأقل وحدة أوروبية أو إفريقية فهي بلد الحرية الحقيقية, فقد إرتقت الحرية الفردية إلى مستوى ديني وسياسي حقيقي, إضافة إلى حرص السويسريين على إبعاد النفوذ الأجنبي عن حكومتهم فوصل حرصهم هذا إلى أن نصّوا في دستورهم على منع الحكام والموظفين والضباط من قبول أي هبات أو هدايا من أي حكومة أجنبية (4).
1- مؤسسات النظام السويسري:
أولا: المقاطعات:
يتكون الإتحاد السويسري من: 20 مقاطعة و 06 شبه مقاطعات تعتمد نظام المجلس الواحد, وينتخب أعضاء هذا المجلس على أساس الإقتراع النسبي, وهذا المجلس يقوم بإنتخاب أعضاء حكومة المقاطعة المتكونة من: 05 إلى 11 عضو حسب كل مقاطعة بحيث:
- يمكن لمجلس المقاطعة إقالة الحكومة.
- كل مقاطعة تحتفظ بإستقلالها ويحدد دستورها الخاص إختصاصاتها وكيفية ممارستها.


(1)- محمد رفعت عبد الوهاب, مرجع سبق ذكره, ص 266.
(2)- محمد رفعت عبد الوهاب, نفس المرجع, ص 266.
(3)- بوكرا إدريس, الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية, دار الكتاب الحديث, طبعة 2003, ص 226.
(4)- عبد الحميد متولي, القانون الدستوري والأنظمة السياسية مع المقارنة بالمبادئ الدستورية في الشريعة الإسلامية, الإسكندرية, منشأة المعارف, طبعة 1993, ص 257.

وهذه المقاطعات لا تزال تطبق نظام ديمقراطي مباشر, وذلك يتجلى بتجمع المواطنين في مجالس شعبية لإتحاذ التشريع والتنفيذ, والمصادقة على الميزانية السنوية وللمصادقة على التعديلات المحتملة لدستور المقاطعة وغيرها (1).

ثانيا: المؤسسات الفدرالية:
تنقسم إلى الجمعية الفدرالية أو الجمعية الإتحادية والمجلس الفدرالي أو المجلس الإتحادي.
أ‌- الجمعية الإتحادية - البرلمان -:
يتألف البرلمان السويسري من مجلسين هما:
أ-1: المجلس الوطني أو مجلس النواب le conseil national : هو الذي يمثل الشعب, ينتخب أعضائه بالإقتراع العام المباشر والنسبي لمدة: 04 سنوات.
يراعى في تشكيله التناسب مع عدد سكان الولايات, فكل عضو يمثل حوالي: 25000 مواطن (2).
أ-2: مجلس المقاطعات أو الولايات le conseil de l'Etats: وهو يمثل الولايات بحيث يراعى في تأليفه تحقيق المساواة بين هذه الولايات, ويبلغ عدد أعضائه: 46 عضو, وكل مقاطعة تمثل بعضوين, وكل شبه مقاطعة بعضو واحد, وهذا بصرف النظر عن عدد السكان, ويتم تعيينهم إما عن طريق الإقتراع العام لسكان المقاطعة أو من طرف أعضاء المقاطعة (3).
إختصاصات البرلمان:
يتمتع كل من المجلسين السابق ذكرهما بنفس الصلاحيات, خاصة ما يتعلق بإقتراح القوانين ودراستها, فهما يجتمعان حكما في جلسة سنوية, لكن جرت العادة على عقد 04 دورات قصيرة في السنة, ويأخذ كل مجلس منفصلا عن الآخر قراراته.
كما يجتمعان لإنتخاب أعضاء المجلس الإتحادي ولتعيين رئيس الدولة الإتحادية, ولتعيين أعضاء المحكمة الإتحادية ومحكمة الضمان وقائد الجيش (4).

ب‌- المجلس الفدرالي – الإتحادي - :
تتكون الحكومة من: 07 أعضاء منتخبين لمدة: 04 سنوات من طرف الجمعية الفدرالية, وينتخب رئيس الحكومة – رئيس المجلس – ونائبه من طرف الجمعية لمدة سنة.
لا يمارس رئيس المجلس الفدرالي – رئيس الدولة – سوى دور شرفي لأن الصلاحيات الفعلية يمارسها أعضاء المجلس كل حسب نشاطه الوزاري (5).
وتتخذ القرارات عن طريق التوافق من طرف المجلس الفدرالي بإعتباره هيئة جماعية.
وأعضاء المجلس السبعة (07) يختلفون, فأربعة منهم ناطقين بالألمانية وإثنان ناطقين بالفرنسية وواحد بالإيطالية, وذلك لكون سويسرا متعددة اللغات, فـ 65 % من شعبها يتحدثون الألمانية و 18 % الفرنسية و 12 % الإيطالية, إلى جانب أقلية أنجلوسكسونية (6).
وينتخب البرلمان رئيس السلطة التنفيذية لمدة سنة من بين الأعضاء السبعة, مع عدم إعادة إنتخابه مباشرة بعد نهاية ولايته الأولى, وهو لا يملك أية سلطة على باقي أعضاء المجلس الإتحادي.
ولا يمكن للمجلس أن ينعقد إلا إذا توفّر وجود 04 أعضاء في الجلسة.

(1)- بوكرا إدريس, مرجع سبق ذكره, ص 227.
(2)- تيسير عواد, محاضرات في النظم السياسية المقارنة, ديوان المطبوعات الجامعية, الطبعة الثانية, طبعة 1993, ص 118.
(3)- تيسير عواد, مرجع سبق ذكره, ص 119.
(4)- مولود ديدان, مرجع سبق ذكره, ص 288.
(5)- بوكرا إدريس, نفس المرجع, ص 228.
(6)-مولود ديدان, نفس المرجع, ص 289.

ونظرا لقوة البرلمان فإن بعض الفقهاء وصفوا النظام السويسري بالنظام المجلسي, وذلك لكونه ينتخب لجنة خاضعة لتوجيهاته دون أن يكون لهذه الأخيرة حق حل البرلمان أو الإستقالة أو التهديد بها.
والمجلس الإتحادي يتمتع بقدر كبير من الإستقرار, ذلك أن أعضائه يُعاد إنتخابهم بعد مدة: 04 سنوات دون قيد, لدرجة أن بعض أعضائه قد بقوا في السلطة لأكثر من: 30 سنة بالمقارنة مع الجمعية الإتحادية التي لا تتوافر فيها ميزة الإستقرار (1).

2- وسائل التأثير المتبادل بين الحكومة الفدرالية والمجلس الفدرالي:
توجد وسائل للتأثير المتبادل بين المؤسستين على الرغم من أن النظام يقوم على تركيز السلطة في يد الجمعية الفدرالية.
فالجمعية الفدرالية هي التي تتولى إختيار أعضاء المجلس الفدرالي, لكن لا يكون هذا المجلس ملزم بطلب الثقة من الجمعية.
تلتزم الحكومة بأن تقدم سنويا أمام الجمعية الفدرالية تقريرا عن سير الشؤون العمومية.
تعد الحكومة تقرير أحوال المسائل التي تعتبرها الجمعية ذات أهمية.
يمكن للجمعية أن تقدم لوائح للمجلس على أن يتقيّد بها أثناء تحديد السياسة العامة للدولة.
يمكن للمجلس الفدرالي أن يبادر بالقوانين, والذي هو حق له وللجمعية أيضا.
يمكن للأعضاء المشاركة في المناقشات داخل غرفتي البرلمان, وهذه المشاركة تمكن من صياغة القوانين حسب رغبة المجلس, وذلك للتحضير التقني الجيّد لهذه القوانين من طرفهم(2).
وفي حالة وجود خلاف بين المؤسستين يملك البرلمان حق إستجواب الحكومة, وذلك بالمصادقة على لائحة تنتقد سير الحكومة دون أن يؤدي ذلك إلى إستقالتها.
يستطيع البرلمان التأثير على الحكومة وذلك برفض الموافقة على القوانين ومنح التراخيص المالية أو فرض قوانين تتعارض مع السياسة الحكومية (3).

مما سبق ذكره نجد أن النظام السويسري يمتاز بتطبيق وسائل الديمقراطية شبه المباشرة, مثل اللجوء إلى الإستفتاء والإقتراع الشعبي للقوانين, مما يجعل الشعب صاحب السيادة المباشرة.
وهذا النظام لم يستمر إلا بفضل نظام التعاون بين السلطات الذي يشكل أساس هذا النظام.

ثانيا: تقييم نظام الجمعية النيابية:
1- المزايا:
كأي نظام فإن نظام حكومة الجمعية له مزايا عديدة نجملها فيما يلي:
- بما أن حكومة الجمعية النيابية نظام يتحقق عقب الحركات الثورية غالبا, وذلك إذا ما دعيت جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد, فهو بذلك يمثل مرحلة إنتقالية تستطيع الدول من خلالها تجاوز مرحلة حرجة من تاريخها.
- بما أنه ستكون هناك هيئة تنفيذية وليس مجرّد شخص واحد, مما يعطي – كما يرى مؤيدوا هذا النظام – إمكانية تعدد الآراء, وبالتالي تعدد الآراء والحلول وشمولية الرؤية.
- بما أن الهيئة التنفيذية مسؤولة سياسيا أمام البرلمان, فهذا يمنع إستبداد السلطة التنفيذية.
- يرى البعض أن النظام المجلسي أكثر النظم ديمقراطية, وذلك لأن الشعب هو من يمارس السلطة الحقيقية, وهذا من الناحية النظرية أي يمارس الديمقراطية الحقيقية.

(1)- تيسير عواد, مرجع سبق ذكره, ص 120.
(2)- بوكرا إدريس, مرجع سبق ذكره, ص 229.
(3)- بوكرا إدريس, نفس المرجع, ص 229.

2- العيوب:
مثلما لأي نظام مميزات وعيوب, فإن لنظام الجمعية النيابية أيضا عيوب نجملها فيما يلي:
- بما أن نظام حكومة الجمعية النيابية يمنع إستبداد السلطة التنفيذية كميزة من مزاياه, لكن هذا لا يحول دون إمكانية إستبداد السلطة التشريعية – البرلمان -.
- عمليا هناك هيئة تابعة للسلطة التشريعية التي تنفذ القوانين, وبالتالي ليس للشعب وبالتالي تصبح السلطة الحقيقية لهذه الهيئة وليست للشعب.
- إدماج السلطات كلها بيد سلطة واحدة يؤدي إلى الإستبداد والقضاء على الديمقراطية تدريجيا, وسيفوق إستبدادها إستبداد الملوك والحكام.

خاتمة المبحث:
خلاصة القول أنه إذا أردنا أن نحكم على نظام حكومة الجمعية النيابية, فلا يجب أن نحكم عليه من تطبيقات بعض الدول لهذا النظام في الظروف الإستثنائية غير العادية, كما حدث في فرنسا أو تركيا مما أدى إلى نهاية هذه التجربة بدكتاتوريات وإستبداد, ولهذا يجب أن نأخذ التجربة السويسرية, كتجربة تستحق الإعجاب في بلد تتنوع فيه اللغات والإنتماءات, وتجتمع فيه عدة نظم سياسية في آن واحد.
فقد لاقى نظام حكومة الجمعية النيابية نجاحا مشهودا في سويسرا, مما أدى إلى منح هذا البلد إستقرارا سياسيا نادرا وتقدّما حضاريا كبيرا.
ولهذا لا يمكن أن نقول بعدم نجاح هذا النظام كنظام ديمقراطي.

المبحث الثاني: النظام السياسي الرئاسي:
إن النظام الرئاسي يقوم على أساس محورية دور السلطة التنفيذية في العملية السياسية, ولاسيما في المجال الخارجي, حيث يتمتع رئيس الدولة بسلطات واسعة مع نوع من التوازن في المجال الداخلي بين سلطة الرئيس وسلطة البرلمان, أي أن هناك رئيسا قويا وبرلمانا قويا يحتاج كلاهما إلى الآخر لآداء عمله.
فنجد مثلا في حين يحتاج الرئيس لأخذ موافقة البرلمان عند تعيين وزرائه, فإنه من اللحظة التي يتم فيها تعيينهم لا يعود للبرلمان سلطات عليهم, وكذلك في الوقت الذي لا يستطيع فيه البرلمان سحب الثقة من الرئيس, فإن الرئيس بدوره لا يتمتع بسلطة حل البرلمان, وسنتطرق في المطالب الآتية إلى نشأته والأسس التي يقوم عليها وتقييمه.

المطلب الأول: نشأة وتطور النظام الرئاسي:
إستمد النظام الرئاسي أصله من النظام الذي كان سائدا في بريطانيا في الفترة الممتدة بين 1681 إلى 1782, وتأثر أيضا بأفكار " جان لوك " و " مونتسكيو " المنادية بمبدأ الفصل بين السلطات, كمبدأ أساسي لتنظيم العلاقة بين السلطات العامة في الدولة, ومنع الإستبداد بالسلطة, وخاصة كتابه الشهير " روح القوانين ".
ولقد إستلهمت الولايات المتحدة الأمريكية من ذلك و أدرجته في دستورها الذي تم إقراره في 1787 في مؤتمر عُقد في مدينة " فيلادلفيا " وحضرته 13 ولاية مستقلة عن بريطانيا إتبعت هذا المبدأ لكن " بمعنى متطرف يتضمن الفصل الجامد والمطلق بين السلطات, وعلى نحو يحول دون التعاون بينهما, على خلاف الفكرة الأصلية لمونتسكيو, والتي تفيد الفصل المرن بينهما وبالذات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية " (1).
ونتيجة لنجاح التجربة الأمريكية في هذا المجال وتحقيق الإستقرار السياسي لشعبها وبلوغها درجة من الرقي والحضارة, دفع بالكثير من الدول وخاصة أمريكا اللاتينية ومصر إلى تبني هذا النظام بحذافيره نظريا وعمليا.


(1)- محمد رفعت عبد الوهاب, مرجع سبق ذكره, ص 192.


لكن والدارس للنظام السائد في الدولتين المذكورتين سابقا يلاحظ بأنها أدت إلى الكثير من المشاكل السياسية والإضطرابات والإنقلابات, فتحول من رئاسي إلى دكتاتوري, وهذا يرجع إلى الإختلاف الخارق والفادح بين أمريكا وبين الدولتين من حيث: المعطيات السياسية, الإقتصادية, الإجتماعية, الثقافية و الدينية.
فمثلا أمريكا اللاتينية " تغلب على طباع شعوبها التأثر بالأشخاص أكثر من التعليق بالمبادئ والأفكار, ويحتل الجيش فيها مركزا سياسيا هاما, وهذا ما يحول دون نشأة الأحزاب الكبيرة " (1).
مما يؤدي إلى بروز الدكتاتورية.

المطلب الثاني: الأسس والأركان التي يقوم عليها النظام الرئاسي:
يقوم النظام الرئاسي على مجموعة من الأسس والمتطلبات التي يتميّز بها عن غيره من الأنظمة السياسية الأخرى, ويمكن الإشارة إلى هذه الأسس فيما يلي:
1- تركيز السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية المنتخب من قبل الشعب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة:
ما يمكن قوله, أنه في النظام الرئاسي بصفة عامة يكون فيه رئيس الجمهورية هو نفسه رئيس الحكومة ويتمتع بإمتيازات وصلاحيات السلطة التنفيذية المنظمة والمحدّدة تحديدا حصريا في الدستور, ولقد تقرّر نتيجة لهذه الصفة, أنه يتم إنتخاب رئيس الدولة عن طريق الإقتراع العام مباشرة أو بطريقة غير مباشرة من طرف الشعب الذي يستمد منه هو قوّته وسلطاته, فهو بمثابة الأساس الشرعي لهته السلطات حتى لا يصبح ديكتاتوريا, وبالتالي ونتيجة لهته المميزات والخصائص فإنه لا يمكن تطبيق هذا النظام في النظام الملكي, وإنما فقط في الأنظمة الجمهورية الديمقراطية, ونأخذ على سبيل المثال: الولايات المتحدة الأمريكية والتي قرّرت في دستورها الأخير المعمول به الآن كيفية إنتخاب رئيسها, وتكون عبر درجتين اثنتين كالتالي: فهو يتم إختيار مرشحين رئاسيين من 50 ولاية أمريكية (إتحادية فدرالية) والذين يقومون بإنتخاب شخص الرئيس ونائبه في عاصمة كل ولاية وترسل أصوات المندوبين إلى العاصمة واشنطن التي يقرر فيها الكونقرس اسم الرئيس الذي يكون قد حصل على أعلى الأصوات المندوبين ومعه النائب.
وبالتالي فالنظام الإنتخابي في أمريكا هو على درجتين, غير أنه وعمليا تم إلغاء الدرجة الأولى والإبقاء على الدرجة الثانية (يكون مباشرة من الشعب), ونستنتج أن الناحية القانونية غير مطابقة للناحية الواقعية والتي فرضتها الأحزاب السياسية, التي ظهرت مؤخرا في أمريكا (الجمهوري والديمقراطي).
فإنه " وبمجرد إختيار الناخبين الرئاسيين أصبح في الإمكان معرفة المرشح الذي سوف يفوز بمنصب رئيس الجمهورية, وذلك لأن أنصار كل حزب من بين الناخبين الرئاسيين سوف يعطون أصواتهم بالضرورة لمرشح الحزب الذي ينتمون إليه " (2).
وبذلك يقف رئيس الجمهورية الأمريكي على قدم المساواة مع البرلمان, لأنه قد إنتخب مثله بواسطة الشعب, إلا أن الواقع العملي واضح بأن الكفة تميل لصالح الرئيس نتيجة لإستئثارها بإختصاصات جمّة وتمتعه بنفوذ وقوة في مواجهة البرلمان.
2 - إختيار الوزراء بيد رئيس الدولة فقط دون تدخل من السلطات الأخرى:
في النظام الرئاسي يشرف رئيس الجمهورية على إختيار وتعيين الوزراء وإقالتهم من مناصبهم دونما تدخل لأي سلطة من سلطات الدولة الأخرى, ولا سيما البرلمان فهم يخضعون له ومسئولون أمامه فقط عما قرّره لهم رئيس الجمهورية تنفيذه من برامج ( فمهمتهم تنفيذية فنية بحتة ) وهو الذي يضطلع بتحديد السياسة العامة للدولة لوحده, وهذا ما يؤدي إلى القول بأنه في النظام الرئاسي لا يوجد رئيس مجلس الوزراء ولا مجلس الوزراء, حتى ولو إجتمعوا فإنه مجرد إجتماع من قبيل المشورة. والدليل على ذلك هو أن قراراته غير ملزمة أبدا للرئيس, وهذا يذكّر بقضية الرئيس الأمريكي " إبراهام لنكولن " – بإعتبار أمريكا منشأ النظام الرئاسي - .


(1)- محمود عاطف البنا, الوسيط في النظم السياسية مدينة نصر, دار الفكر العربي, الطبعة الثانية, طبعة 1994, ص 393.
(2)- تيسير عواد, مرجع سبق ذكره, ص 104.

حيث قال: " جميع وزراءه السبعة وعرض عليهم أحد المسائل, ووجدهم جميعا يرفضون الأخذ برأي الرئيس فإذ به يقول كلمته المشهورة "سبعة أصوات بالرفض في ناحية وفي الناحية الأخرى صوت واحد بالموافقة, إذ الرأي القائل بالموافقة هو الرأي الراجح " (1).
وما يستنتج من هذه العبارة هو أن الوزراء أبدا غير مستقلين عن رئيس الجمهورية, ويخضعون له في كل الأحوال وهذا ما يدعم الأساس الأول الذي يقوم عليه النظام الرئاسي, إذ أنه في الولايات المتحدة الأمريكية الوزراء هم مجرد مساعدين ويطلق عليهم إسم " سكريتيري الدولة " والوزارة يطلق عليها إسم السكريتاريا ".

3- الفصل التام أو المطلق بين السلطات:
يعتبر هذا الأساس هو جوهر النظام الرئاسي, بل لا تقوم له قائمة دونه, ويُعنى به إقامة الفصل المطلق التام بين السلطات الموجودة في الدولة, بحيث لا تتدخل أي سلطة في عمل السلطات الأخرى نهائيا, أي يكون هناك نوع من الجمود في العلاقة وهذا بغية تحقيق الإستقلال التام, مما يؤدي فعلا إلى تحقيق المساواة بين تلك السلطات وهذا عكس ما جاء به الفقيه " مونتسكيو " حول هذا المبدأ لأنه قد قصد به :" الفصل المتوازن بين السلطات العامة الثلاث في الدولة, مع قيام قدر من التعاون فيما بينها لتنفيذ وظائفها في توافق وإنسجام, ووجود رقابة متبادلة بينهما لضمان وقوف كل سلطة عند حدودها دون أن تتجاوز أو تتعدى على سلطة أخرى " (2).
وتتجلى مظاهر الفصل التام فيما يلي:
فالسلطة القضائية مثلا تستقل بممارستها وظيفتها حيث يتم إختيار القضاة عادة عن طريق الإنتخاب, كما يتمتع أعضاء السلطة القضائية بحصانات معيّنة وبنظام قانوني للمحاكم له ضمانات خاصة (3).
بينما السلطة التنفيذية في النظام الرئاسي فتستقل عضويا و وظيفيا عن البرلمان, فبالنسبة للأولى: لا يمكن أن يكون الوزير عضوا في البرلمان وإن كان كذلك فعليه الإستقالة فورا, كما لا يجوز لهم (الوزراء) حضور جلسات البرلمان, و هم بهته الصفة يعتبرون زائرين فقط.
أما الثاني: وكما بيّنا سابقا في الأساس الثاني للنظام الرئاسي أنه لا يجوز للبرلمان توجيه الإستجوابات أو سحب الثقة من الوزراء لأنهم جزء لا يتجزأ من رئيس الجمهورية, ومسئولون أمامه فقط إلا في مسألة واحدة وهي المسؤولية الجنائية عما يرتكبوه من جرائم مثل: جرائم الخيانة العظمى, والرشوة.
" وتتم محاكمة الرئيس بعد توجيه الإتهام من طرف مجلس النواب بالأغلبية البسيطة لأعضائه, ويتولى مجلس الشيوخ محاكمته, ويصدر حكمه بأغلبية الثلثين في إثبات التهمة الموجهة له, وفي هذه الحالة يتم عزل الرئيس " (4).
إلا أنه لم يتحقق ذلك في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية أبدا, أما بالنسبة للسلطة التشريعية فإنه لا يجوز للسلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان للإنعقاد العادي أو فض دورته أو حله عكس النظام البرلماني, والذي يجوز فيه للرئيس حل البرلمان ويقابله حق البرلمان في تحريك المسؤولية السياسية, بينما في النظام الرئاسي لا يحق لرئيس الجمهورية حل البرلمان, كما لا يحق للبرلمان مساءلة الرئيس أو من يتبعه سياسيا.
كما أنه أي الرئيس ليس له حق إقتراح القوانين مثال: ب‘تبار أن السلطة التنفيذية خبيرة في إعداد قانون الميزانية إلا أنه ليس من حقها إعداده, فالبرلمان في النظام الرئاسي ينحصر بوظيفة إعداد المسائل المالية عن طريق لجانه الفنية.



(1) – محمد رفعت عبد الوهاب, مرجع سبق ذكره, ص 343.
(2)- عبد الغني بسيوني عبد الله, مرجع سبق ذكره, ص 261.
(3)- عبد الغني بسيوني عبد الله, نفس المرجع, ص 271.
(4)- بوكرا إدريس, مرجع سبق ذكره, ص 223.



وما تجدر الإشارة إليه أن هذا كأصل عام لأن الدستور الأمريكي قد أقرّ بعض الإستثناءات التي تمثل نوعا من التعاون وإيجاد الإتصال والرقابة المتبادلة بين السلطتين وهي كالتالي:

أولا: في مواجهة السلطة التشريعية:
1- حيث أنه يحق للرئيس تقديم توصيات تشريعية بعبارات عامة غير مفصلة بعد أن كان لا يجوز له أصلا حتى إقتراح القوانين.
2- حق الإعتراض التوفيقي (حق الفيتو): ومعناه أن يقوم الرئيس بالإعتراض على القوانين التي وافق عليها البرلمان, لكن هذا مؤقتا, لأنه بمجرّد موافقة الكونقرس على هذا القانون بأغلبية ثلثي أعضائها, فإن الإعترااض يسقط ويلزم الرئيس بتنفيذه.
3- حق دعوة البرلمان للإنعقاد في دورات غير عادية: في حالات الضرورة التي تتطلب ذلك الإنعقاد.

ثانيا: في مواجهة السلطة التنفيذية:
1- عند إقدام الرئيس على تعيين بعض كبار موظفي الدولة مثل: السفراء وقضاة المحكمة الإتحادية العليا, عليه أن يطلب موافقة مجلس الشيوخ.
2- ضرورة موافقة المجلس على المعاهدات والإتفاقيات الدولية التي يبرمها رئيس الجمهورية, وهذا ما حدث فعلا في " حادثة عصبة الأمم التي هندسها الرئيس الأمريكي الأسبق و درويلس بعد نهاية الحرب العالمية الأولى, وفي مؤتمر فرساي عام 1920, إلا أن عدم موافقة مجلس الشيوخ عليها حال دون دخول الولايات المتحدة الأمريكية للعصبة " (1).
إلا أنه وللهروب من موافقة مجلس الشيوخ على المعاهدات, فلقد تم اللجوء إلى الإتفاقيات التنفيذية, إلا أنه ومنذ 1972 وبموجب case act كان لا بد من إعلام الكونقرس بوجود هذه الإتفاقيات دون الإطلاع على مضمونها, ويمكن للكونقرس أن يرفض هذه الإتفاقيات في غضون 60 يوما عن طريق لائحة خاصة.
ومنذ التسعينات نجد محاولات الكونقرس للتأثير على السياسة الخارجية, عن طريق الإعتمادات المالية الممنوحة لبعض الدول, وكذلك المساعدة العسكرية.
أما عمليا فيتحقق التعاون عن طريق عنصران هامين وهما: حضور الوزراء لإجتماعات اللجان البرلمانية لمناقشة بعض المسائل وإنتماء رئيس الجمهورية للحزب الذي له الأغلبية البرلمانية, سواء كان هذا الحزب جمهوري أم ديمقراطي, وهذا فعلا ما يربط ويوثّق العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية للوصول إلى الإستقرار السياسي في الدولة ككل, وعدم خروج هذا النظام عن ديمقراطيته.
كما أن للسلطة القضائية في النظام الأمريكي دور مهم يتلخص في الرقابة على مدى دستورية القوانين الصادرة من البرلمان بالرغم من أن الدستور الأمريكي لا يمنحها هته الوظيفة إلا أن ذلك يرجع إلى عوامل أهمها: طبيعة النظام الفيدرالي الأمريكي وكذلك الإعتماد على مبدأ الفصل بين السلطات.......الخ.
ولعل من أهم الأساليب التي تتبعها المحاكم الأمريكية ما يلي:
1- أسلوب الرقابة عن طريق الدفع:
ويتم عن طريق تقديم الخصوم لطلب في دعوى مرفوعة أمام المحكمة ولا يترتب عن الحكم بعم الدستورية إلغاءه بالنسبة للكافة, بل بالنسبة للدعوى المطروحة أمام المحكمة
2- أسلوب الرقابة عن طريق الأم القاضي:
وهو الذي يجوز فيه للفرد التقدم أمام المحكمة لطلب إيقاف تنفيذ القانون على أساس أنه غير ستوري, و إذا إتضح للمحكمة أنه غير دستوري فهي تقوم بإصدار أمر قضائي إلى الموظف المختص بالإمتناع عن تنفيذ القانون موضوع الطعن وتكون مجالاته: الضرائب, التجارة, الشغل.....


(1)- http:/www.f-law.net/law/archive/index.php?t-2322.html



أسلوب الرقابة عن طريق الحكم التقديري:
" يلجأ الفرد للمحكمة طالبا منها إصدار حكم يقرر ما إذا كان القانون المراد تطبيقه عليه دستوريا أم غير دستوري, ويترتب عن ذلك توقف الموظف المختص عن تطبيق القانون إلى أن تصدر المحكمة حكمها بشأن دستورية القوانين وبدأ العمل بهذا الأسلوب سنة 1918. " (1).

المطلب الثالث: تقييم النظام الرئاسي:
يعتمد هذا النظام على فكرة النظام الإنتخابي المباشر من الشعب ( هيئة كبيرة وشعبية ) لرئيس الجمهورية, فإن هذا يساعد على القضاء على جميع الولاءات والمحاباة والمحسوبية تجاه أية سلطة من سلطات الدولة, خاصة عند اتخاذ القرارات, كما أنه يوفر هذا النظام الإستقرار السياسي, لأن المواعيد فيه دقيقة ومحدوة ولا يمكن تجاوزها مثلا: مواعيد الانتخابات, مدة الرئاسة, مدة البقاء في المنصب, كما تتمتع كل من الحكومة والبرلمان بفرصة العمل بكل حرية دون المعوّقات التي تحول ون القيام بالمسؤوليات على أكمل وجه.
ولعل أبرز مثال عملي على نجاعة هذا النظام - بالرغم من رجحان كفة السلطة التنفيذية فيه – وهي دولة قوية سياسيا, إقتصاديا,.........الخ ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية, فهي منشأه وتبنّته, وحاولت إستبعاد كل العيوب التي وجهت إليه, وهذا نتيجة لأن الشعب الأمريكي لديه درجة كبيرة من اليقظة والوعي السياسي, وكذلك إهتمام الرؤساء بمصالح شعبهم الذي إختارهم, كما أن إعمال وسائل التأثير المتبادل قضى على فكرة الفصل الجامد بين السلطات, فالشعب الأمريكي يحاول البحث عن رئيس قوي, لكن هته القوة لا تجعله مستبد بالسلطات الممنوحة له.
لكن لا يعني نجاحه في أمريكا كل هذا النجاح أنه لا يمكن أن تتبناه دول أخرى و أن يوفر لها الإستقرار السياسي, رغم النقد الذي وجّه له في هته النقطة وهو كونه لا يصلح في دول عالم الجنوب, لكن هنا نشير إلى أنه ينبغي توافر عوامل ( وعي الشعب, توفير بيئة سياسية وإجتماعية لإحتضان هذا النظام....الخ).
ومن العيوب الموجهة أيضا هو أنه قد يؤدي إلى حدوث تصام بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في حالة ما إذا كانت البرامج التي يتبناها كل منهما مختلفة, مما يصعب معه إيجاد الحل, وهذا يعود لإعتماده على مبدأ الفصل بين السلطات.
كما أنه من تبعات إعمال هذا المبدأ, وكذلك إلغاء المسؤولية السياسية يصعب معه تحميل المسؤولية, وتصبح السياسة السائدة هي: " سياسة الإتهام ( اللوم ) لبعضهم البعض ".
كذلك فقد قال الكثير من الفقهاء من بينهم " ألمان كجيلنك " و " لاباند الفرنسي ", و العميد " ديكي " أنه يهدم وحده الدولة, كما يرى الفقيه " روسو " أن فيه نوع من التجزئة للسيادة. ونوضح النظام السياسي الرئاسي في الشكل أدناه.
(2).

(1)- بوكرا إدريس, مرجع سبق ذكره, ص 109.
(2)- http:/www.libya-watanona.com/adab/mberweem/mb04027a.htm


أخيرا نجد أن النظام السياسي الرئاسي, هو نظام ديمقراطي نيابي يكون فيه الحكم للشعب, الذي يُنيب عنه من يمارس السلطة بإسمه ولحسابه وهو نظام يعتمد على أساسين, أولهما أحادية رئاسة السلطة التنفيذية وثانيهما الفصل الجامد بين السلطات, ويهدف هذا النظام من خلال دراسته إلى تقوية مركز رئيس الجمهورية وذلك من خلال جمعه بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة.

المبحث الثالث: النظام السياسي البرلماني

إن النظام البرلماني هو صورة من صور النظام النيابي, وهو نوع من أنظمة الحكم ينقسم فيه الحكم "السلطة" بين هيئتين, إحداهما الحكومة أو مجلس الوزراء "الوزارة" وثانيهما البرلمان الذي يتم إنتخاب أعضاءه من قبل الشعب مباشرة, ومنه تنبثق الحكومة ويجوز فيه للبرلمان سحب الثقة عن الحكومة, كما يجوز للحكومة حل البرلمان, فهو إذا نظام يعتمد على التعاون والتوازن بين السلطات, وعلى مسؤولية الحكومة أمام البرلمان.

المطلب الأول: نشأة وتطور النظام البرلماني
النموذج السياسي البريطاني: تعتبر بريطانيا مهد النظام البرلماني, حيث ظهرت معالمه هناك وتحّددت أسسه, خصائصه ومميزاته فيها, وقد مرّ النظام البرلماني بتطورات كثيرة وفترة طويلة قبل أن يستقر على الشكل الذي هو عليه اليوم, حيث إنتقلت السلطة الفعلية من ي الملك غير المسؤول إلى يد الوزارة المسئولة أمام البرلمان (1).
وكذلك الحال بالنسبة للدول التي إقتبست النظام البرلماني, إذ نرى تفاوتا واضحا في تطبيقات هذا النموذج.
وجاء هذا التطور موازيا و متناغما مع التطور التاريخي السياسي لبريطانيا نفسها. فمن الملكية المطلقة في العصور الوسطى إلى الملكية المقيّدة منذ القرن 13 إلى النظام البرلماني الذي أخذ صورته الكاملة في القرن 19.
لقد كان للديانة المسيحية واعتناقها من طرف أهل الجزيرة دورا كبيرا في توحيد المماليك المنتشرة في إنجلترا, فبعد تنظيم الكنيسة, إتحدت هذه المقاطعات ضمن المملكة المتحدة, وبفضل هذا الإتحاد ظهر مجلس الحكماء يضم الأشراف, فضلا عن رجال الملك, ولهذا المجلس أن يعزل الملك ويشاركه في إختيار رؤساء المقاطعات, وهذه هي مرحلة الملكية المقيدة.
إن أصل نشأة الوزارة في إنجلترا يرجع إلى لجنة الدولة التي تفرّعت عن المجلس الخاص الإنجليزي, وأعضائها هم مستشاري التاج, إذ أن مجلس العموم لم يكن بقادر على رقابة هؤلاء المستشارين, إلا عن طريق الإتهام الجنائي.
وفي أثناء حكم أسرة " أوراتج " طغى مركز الوزارة على المجلس الخاص, إذ برزت ككيان مستقل عنه, تتولى تحديد السياسة العامة للبلاد, وفي عهد " جورج الأول " ظهر مركز رئيس الوزراء سنة 1814, أول ملوك أسرة " هانوفر " نظرا لعدم معرفته باللغة الإنجليزية, فترك رئاسته للوزارة لأحد الوزراء, وعند قيام الأحزاب, فأعضاء الوزارة من قادة الحزب الفائز في الإنتخابات وتطورت بعدها المسؤولية الوزارية من المسؤولية الفردية لكل وزير عن أعماله, إلى المسؤولية القضائية أو الجماعية في منتصف القرن 18.
عند إضطرار رئيس الوزراء " والبول " إلى تقديم إستقالته, عند فقده ثقة البرلمان, وظهرت بذلك قاعدة تولي المعارضة للحكم عند سقوط الوزارة, بأمر من الملك زعيم المعارضة, وتوالت بعد ذلك إستقالة الوزارات.


(1)- تيسير عواد, مرجع سبق ذكره, ص 71.


إذن فبعد أن كان الملوك في العصور الوسطى يتمتعون بسلطات مطلقة, أخذت هذه السلطات تنكمش قليلا, حتى تضاءلت تماما وأصبحت مجرد سلطات إسمية أو رمزية, وكان التطور الأخير نتيجة تقرير المسؤولية الوزارية أمام البرلمان, و إنتقال سلطات الملك إليهم في ظل حكومة أسرة " هانوفر " التي ’وليّت عرش البريطانيين من 1714 إلى 1873, والتي عجز ملوكها عن مباشرة سلطاتهم وإضطرو لأسباب مختلفة أن يتركوها بيد الوزراء (1).
إن تطور ونجاح التجربة البريطانية في النظام البرلماني كشكل من أشكال الأنظمة السياسية الموجودة في دول العالم, إلى الأخذ بهذا الشكل لأنظمتهم السياسية, ولكن اختلاف البيئة الداخلية والخارجية لهذه الدولة, أو تلك قد كان لها دور بارز, وواضح في نجاح أو عدم نجاح هذه التجربة, ولعل فشل التجربة البرلمانية العراقية في عشرينات القرن المنصرم خير دليل على ذلك.
أما عن حل البرلمان , فقد بدا لأول مرة من قبل وزارة (وليمبت "w.pit" ) الذي إحتكم إلى الشعب لحسم الخلاف الذي نشب بينه وبين البرلمان, وأدى إلى حلّه بحصوله على أغلبية أصوات الناخبين.
وهنا بدأت تظهر أركان النظام البرلماني, وبرز هناك حزبان كبيران في إنجلترا في أواخر القرن 18, حزب الأحرار وحزب المحافظين (2).
حيث كانت الإنتخابات مع ضمان أغلبية مؤيدة للوزارة في البرلمان, و بأحد الحزبين, مما أدى إلى إستقلال الحكومة إستقلالا كاملا عن الملك مقابل مسؤوليته أمام البرلمان, ونتج عن ذلك عدم مسؤولية الملك عن تصرفات الوزارة, وتخلى الملك (وليم بت) عن سلطة إختيار الوزراء سنة 1835, وترك هذا الأمر لرئيس الوزراء ليضع من يثق بهم طاقما لوزارته.
إذن فنظام بريطانيا بدأ بالملكية المطلقة ثم تحوّلت إلى ملكية مقيّدة, ومنها إلى الملكية البرلمانية, التي حقّقت في ما بعد النظام الديمقراطي البرلماني (3).
وأدى نجاح هذا النظام في بريطانيا إلى إقتباسه من طرف العديد من الدول في أوروبا وغيرها, و إتخاذه نظاما للحكم بها.
ولقد أدى التغيير والتعديل في هذا النظام من طرف العيد من الدول إلى فقدانه الكثير من خصائصه التقليدية التي ’عرف بها في إنجلترا, فإذا أُعطي رئيس الجمهورية مركزا شرفيا, فيقترب من نظام حكومة الجمعية النيابية (النظام المجلسي), كما أن القول بإيجابية دوره, يغيّر النظام إلى رئاسي, ومن هنا يتجلى دور رئيس الدولة في النظام البرلماني, فهو ليس سلبي ولا إيجابي, وإنما - رغم أن المسؤولية تقع على الوزارة كونها تمارس المهام الفعلية لحكم البلاد- فإنه تقع عليه المسؤولية الجنائية, إضافة إلى أنه له إختصاصات تشريعية وتنفيذية في تعيين الوزراء, وإقالة الوزارة, وحق دعوة البرلمان إلى الإنعقاد وحلّه, وهذه الإختصاصات كلها تكون عن طريق الحكومة, ولا يملك العمل منفردا.
والخلاصة أن النظام النيابي الإنجليزي نشأ نشأة تاريخية, ولا يزال يحمل الكثير من خصائصه الأصلية, فمجلس اللوردات ظل محتفظا بطابعه الأصلي, فهو مكوّن من الأشراف الوراثيين, وكبار رجال الدين ( الأساقفة ), كما أنه وإن فقد إختصاصه المالي منذ قانون 1911, إلا أنه لا يزال معتبرا محكمة عليا, تُستأنف أمامها جُل الأحكام الموجودة في الدولة, كما أنه يشارك في التشريع, وغلب عليه طابعه العام, حيث يعتبر أكثر تمثيلا للشعب (4).
من هنا إنتشر النظام البرلماني إلى أغلب بلدان العالم, فجاءت بعد ذلك محاولات لتبريره نظريا للتوفيق بينه وبين المبدأ الديمقراطي إنطلاقا من طرح إشكال: كيف يمكن أن تُنسب إرادة النوّاب إلى الشعب صاحب السيادة ؟

(1)- ثروت بدوي, النظم السياسية, طبعة 1975, ص 293.
(2)- عبد الغني بسيوني عبد الله, مرجع سبق ذكره, ص 290.
(3)- عبد الغني بسيوني عبد الله, نفس المرجع, ص 290, 291.
(4)- محمود عاطف البنا, مرجع سبق ذكره, ص 201.


و إستقر الفقه بذلك على أنه يجد تبريره في الإعتبارات العملية والسياسية بعد النقد الذي وُجّه إلى نظريتي النيابة والعضو, فالرأي الأول يقول بأن البرلمان نائبا عن الشعب, والثانية تقوم على أساس أن أفراد الأمة شخص واحد له إرادة جماعية, يعبر عنها بواسطة أعضائها وما الهيئات المختلفة كالبرلمان إلا أعضاء أي أدوات لتنفيذ إرادة هذا الشخص, وأنتقدت الأولى على أساس أنها إعتبرت الشعب شخصا معنويا له إرادة عامة, بينما النيابة تكون بين شخصي النائب والمنيب.
وهنا تكون الشخصية المعنوية للدولة وليست للشعب, أما النظرية الثانية فأنتقدت خاصة في كونها تقوم على المجاز والخيال, لأن الشعب ككتلة ليست له شخصية قانونية, وهي تؤدي إلى الإستبداد وقهر الحرّيات, لعدم تفريقها بين إرادة الحكام والمحكومين (1).
أما عن الأساس الذي أتى به الفقيهات " بارتلمي و دويز " والذي يقوم على الإعتبارات العملية والسياسية, فهو أن النظام النيابي, وجود الحكومة به ضرورة لا غنى عنها, وينبغي أن تكون لصالح المجموع.
لذا فمن المعقول مشاركة أكبر عدد ممكن من المحكومين في إدارة الحكومة, ذلك أن القانون العام والدستوري خاصة وثيق الصلة بالحياة العامة, وكما يرى الباحثون, فإن القرن 19 حمل ظهور فئات جديدة, تبدو أكثر حيوية وحركة ونهوضا, إستطاعت أن تبرهن على أهمية العامل الإقتصادي, وأثره في الحياة الإجتماعية والسياسية والثقافية, ما جعل هذه الفئات تُطالب بالمشاركة في الحياة السياسية, بعد أن كانت هذه القوى بعيدة ومنعزلة نوعا ما, إثر هيمنة الملكية المتعاقبة على سُدّة الحكم في الكثير من بلدان أوروبا.
وبهذا السياق الإجتماعي المتحرك, برزت مظاهر الشكل السياسي الجديد, الذي يُطلق عليه بالديمقراطيات النيابية التي تُعطي صلاحيات مميّزة للبرلمان ونُوابه, بحيث يكونون أصحاب قرار, في إطار الحياة الدستورية التي تهدف إلى حماية الحريات الفردية, وحقوق الأقليات في المجتمع, مثل حرية التعبير والتجمع والدين والحق في التملّك, وحماية الخصوصية الفردية فضلا عن المساواة أمام القانون, وأن تأخذ العدالة مجراها في مختلف المستويات (2).
ونجمل هذه الأسباب العملية فيما يلي:
صعوبة تطبيق الديمقراطية شبه المباشرة, لإتساع مساحة الدول و إرتفاع عدد السُكان.
خطورة ما ينتج عن الديمقراطية المباشرة, نظرا لأن الشعوب لم تنضج بقدر كافي, لأن تمارس سلطة الحكم بنفسها بطريقة مباشرة.
والسبب الأساسي في عدم الأخذ بالديمقراطية المباشرة هو أفضلية النظام النيابي لقصور الشعب على حُكم نفسه مباشرة.
إن أغلب رجال السياسة يُسلّمون بإستحالة تطبيق الديمقراطية المباشرة في العصر الحديث و " مونتسكيو " كذلك يقول بهذا الرأي, لكنه في نفس الوقت يرى بأن التمثيل تتجلى ميزته في سهولة مناقشة المواضيع المطروحة لكن إشكالية التخصيص المهني, وقلة الوقت – إذ أن العضو يقضي مُعظم وقته في قضاء حاجاته الإجتماعية – مما يحول دون تخصيصه لوقت كاف للسياسة, ويرى أن الشعب يُحسن إختيار ممثليه, وهذا ما جعل " دوجي " يقول: " أن مونسكيو لو عاش بداية القرن 20, لما جاء بهذا الإستنتاج " (3).
ولذلك يمكن القول أن التمثيل النيابي يجب أن يكون في ظل الوعي الثقافي والسياسي والمستوى التعليمي لدى أفراد الشعب.
خلافا لذلك " روسو " يُعارض الحكم التمثيلي, لأن الإرادة الخاصة تهدف أساسا حسب رأيه إلى التفضيل , في حين أن الإرادة العامة تهدف إلى المساواة ¬(4).
وهو بذلك يُعارض مونتسكيو.

(1)- محمود عاطف البنا, مرجع سبق ذكره, ص 202, 204.
(2)- الموقع الإلكتروني: http:/www.demoislam.com/modules.php?name=news&file=article6cid=491
(3)- سعيد بوشعير, القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة, الجزء الأول, الطبعة الثالثة, طبعة 1992, ص 251, 252.
(4)-سعيد بوشعير, مرجع سبق ذكره, ص 252.


المطلب الثاني: أسس ومتطلبات النظام البرلماني
قبل التطرق إلى الأسس, لا بُدّ من معرفة خصائص النظام البرلماني, لتفريقه عن الديمقراطية المباشرة والديمقراطية شبه المباشرة.
ففي الديمقراطية المباشرة, يتولى الشعب بنفسه سلطة الحكم, أما في الديمقراطية النيابية فيتولى الشعب السلطة عن طريق ممثليه, أما الديمقراطية شبه المباشرة فهي وسط بين النظامين السابقين, حيث يقوم الشعب بإنتخاب من يمثله لممارسة سلطة الحكم, مع إحتفاظه بحق التدخل أحيانا في مباشرة السلطة مثل: الإستفتاء الشعبي, وهو بذلك يُراقب البرلمان.
إن واحدا من أبرز الخصائص التي تتميّز بها العديد من الديمقراطيات تتمثل في دستور يحُد من صلاحيات الحكومة ويحمي الحقوق المدنية فضلا عن خلق وعي وإدراك بين المواطنين المتعلمين, من الذين يُدركون معنى ودلالات حقوقهم, ومسؤولياتهم المدنية, ليُسهموا حقا في الحفاظ على المجتمع المدني الراسخ والقوي, فضلا عن وجود القضاء المستقل الذي يحكم بالعدالة والمساواة.
І- خصائص النظام البرلماني:
إن النظام البرلماني لم ينشأ جاهزا, فقد نشأ نتيجة الحاجة لتطبيق حدود الملكية المطلقة, فتطور النظام الملكي, هو الذي يحدد إذن تطور النظام البرلماني, فعملية تكوّن هذا الأخير تبرز خلال تحليل تساقط السلطة الملكية, وصعود البرلمان (1).
ولهذا النظام خصائص نبرزها فيما يأتي:
1- الإنتخاب لمدة معينة : أ- هو برلمان منتخب من طرف الشعب: على أن هذا الوضع لم يكن كذلك دائما, فأحيانا تخلع الدساتير الوصف النيابي على ملوك وارثين, فمجلس اللوردات في إنجلترا, رغم تكوينه بغير طريق الإنتخاب كان يعتبر ممثلا للأمة, والملك نائبا عنها, يستمد منها سلطته, ويتقيّد في إستعمال السلطة بصالح الأمة وبقوانينها (2).
ب- إنتخاب البرلمان لمدة محدّدة: ذلك أن البرلمان يعبر عن إرادة الشعب, وهذا الأخير رغباته غير ثابتة, إنما تتغير بتغير الزمن, وحدوث التطورات الإقتصادية و السياسية, لذلك وجب أن يكون إنتخاب البرلمان لمدة موقوتة, ويتعيّن الرجوع إلى الشعب من وقت إلى آخر بإجراء إنتخابات جديدة لضمان أن يبقى ممثلا للشعب بإستمرار تمثيلا حقيقيا, بقدر الإمكان.
أما إذا كان البرلمان منتخبا مدى الحياة, فهذا يُفقد النظام البرلماني أساسه, حيث لا تكون رقابة شعبية على نوابه.
2- إختصاص البرلمان: يستقل بسلطة التشريع دون مشاركة الشعب مباشرة, وهو بذلك له سلطة حقيقية وكاملة بالتشريع, وليست له مهمة إستشارية فقط.
3- تحديد العلاقة بين البرلمان والناخبين: وفي هذا وُجدت نظريات, لكن التكييف الصحيح للعلاقة بينهما, لا تستند إلى نظرية الوكالة في القانون الخاص, ولا على أساس نظرية عامة للإنتخاب الذي يُقيم علاقة بين هيئة ما والشخص الذي إختاره للقيام بأعباء وظيفة معيّنة, وإنما هي علاقة سياسية, تحقق التوازن بين البرلمان والرأي العام, من ناحية فهو مستقل, ومن ناحية أخرى يمثل رغبات الشعب حتى لا تتعارض أعمال البرلمان مع الرأي العام, فالإنتخاب ليس وكالة بل إختيار (3).

П – أسس ومتطلبات النظام البرلماني:
يقوم النظام البرلماني على مجموعة من الأسس والمتطلبات التي يتميّز بها عن غيره من الأنظمة السياسية الأخرى, ويمكن إيجاز هذه الأسس فيما يلي:

(1)- بوكرا إدريس, مرجع سبق ذكره, ص 205.
(2)- محمود عاطف البنا, مرجع سبق ذكره, ص 210.
(3)- محمود عاطف البنا, نفس المرجع, ص 225.


1- وجود ثنائية الجهاز التنفيذي: يقوم تشكيل السلطة التنفيذية في النظام البرلماني على مبدأ الإزدواجية بين الرئيس (الملك أو المنتخب) والوزارة (1).
إن ذلك يعني وجود منصبي رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة, وتكون المسؤولية السياسية مُلقاة على عاتق الحكومة, وتكون الوزارة مسؤولة مسؤولية تضامنية أمام البرلمان, أما الرئيس فيُسأل جنائيا في الأنظمة الملكية التي يُعد فيها الملك مُنزّها عن الخطأ والمسؤولية, ومهما يكن فإن رئيس الدولة في ظل هذا النظام يقوم بدور أساسي في إستقرار النظام, لترفُعه عن التنافس والصراع السياسي بين الأحزاب, وهو الذي تُعهد له مهمة إصدار القوانين, التي يُصوّت عليها البرلمان بعد إعدادها, ويُبرم المعاهدات (2).
وله حق المراجعة الدستورية, فلماذا ينفرد بهذه السلطة على رأس السلطة التنفيذية, خاصة وأن من شأن هذا أن يُجمّد مراجعة ذات أهمية (3).
أما الجهاز التنفيذي فهو الحكومة أو الوزارة, حيث هي التي تضطلع بأعباء الحُكم بوصفها المحور الرئيس للسلطة التنفيذية في النظام البرلماني.
لذلك فالمسؤولية السياسية الكاملة تقع على عاتقها أمام الهيئة النيابية, وعليه فالمسؤولية الوزارية تُعد بالفعل حجر الزاوية في النظام البرلماني, والركن الأساسي في بنائه, وبدونها يفقد هذا النظام جوهره, وتتغيّر طبيعته, وقد تكون هذه المسؤولية جماعية, كما قد تكون فردية يتحملها وزير واحد, فالأولى مسؤولية جماعية عن السياسة العامة التي إن لم يوافق عليها البرلمان, سحب الثقة من الحكومة, أما الثانية فتتعلق بمسؤولية الوزير عن وزارته, وسحب الثقة منه يُحتّم عليه تقديم إستقالته من الوزارة(4).
وتختص الوزارة بممارسة السلطة التنفيذية من تنفيذ القانون, ورسم السياسة العامة للدولة, وتقديم مشاريع قوانين للبرلمان (5).
2- وجود تعاون بين السلطات (مبدأ الفصل المرن بين السلطات):
ويعني هذا أن توزيع الإختصاصات ما بين السلطات مرنا غير جامد, فمع قيام السلطة التشريعية بوظيفة التشريع, فإن للسلطة التنفيذية الحق في إقتراح القوانين والتصديق عليها, وبالمقابل فإن للسلطة التشريعية الحق في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية, والتصديق على الإتفاقيات, التي تُقدمها السلطة التنفيذية, وتنظيم العلاقة بين السلطتين يكون قائما على فكرة التوازن بينهما, فهناك مساواة وتداخل بين السلطتين, ولعلّ هذا الأمر أكثر وضوحا في بريطانيا منشأ النظام, على إعتبار أن الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية, هو الذي يشكل الحكومة, ورئيس الوزراء يكون رئيس الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية, وهنا تظهر وشائح العلاقة الواضحة بين الحكومة – بوصفها جزءا من السلطة التنفيذية – والبرلمان – بوصفه جزءا من السلطة التشريعية – كما للبرلمان كذلك كالسلطة التنفيذية حق المراجعة الدستورية, فإذا إنفرد بها يُعد هذا من باب فقدان التوازن بينه وبين الحكومة, لذلك في بعض النُظم المشرع الدستوري ردّ هذا الأمر إلى السلطتين معا (6).
3- وجود نوع من الصرامة الحزبية أو الإنضباط الحزبي:
وهو مطلب أساسي آخر, إذ يتطلب النظام البرلماني نوع من الإنضباط الحزبي, لأنه كما أسلفنا الذكر أن الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية هو الذي يشكل الحكومة, وبالتالي فإن الحكومة ومن الناحية النظرية سوف تتمتع بأغلبية برلمانية مساندة, مما يُسهّل عمل الحكومة.


(1)- سعيد بوشعير, مرجع سبق ذكره, ص193.
(2)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص194.
(3)- عبد الله بوقفة, أساليب ممارسة السلطة في النظام السياسي الجزائري (دراسة مقارنة), دار هومة للنشر, طبعة 2002, ص409.
(4)- عبد الغني بسيوني, مرجع سبق ذكره, ص 299.
(5)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 412.
(6)- عبد الله بوقفة, نفس المرجع, ص 412.



" وقد يثور التساؤل: لماذا؟ فالجواب: لأننا وكما نعرف أن السلطة المالية مثلا بيد البرلمان , فإنه في حالة وجود إنضباط حزبي لا تكون أية خلافات وعدم إلتزام نائب من حزب الأغلبية بالتصويت لمشروع الحكومة, سيؤدي إلى نوع من الجمود في العمل الحكومي, ولذلك نرى أنه بمرور الوقت, فإن الأحزاب البريطانية ولكونها تتبع النظام البريطاني, نرى أنها تتميّز بالإنضباط الحزبي العالي " (1).
وهذا لا يعني دمج السلطة التشريعية والتنفيذية معا, لأن هذا يعني إنعدام المعارضة, فوجود المعارضة التي تنتقد أعمال الحكومة " الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية " يكفل الرقابة الجيّدة لأعمال الحكومة, حتى لا تحيد عن السياسة العامة المفروضة لصالح الشعب.

المطلب الثالث: معايير معرفة النظام البرلماني وتقييمه
إن تسمية هذا النظام لا يعني وجود برلمان, لأن وجود برلمان منتخب من الشعب ليس خصّيصة أو ميزة ينفرد بها, بل هو أساس مشترك, إذ في كل من النظام الرئاسي و الجمعوي يوجد برلمان أيضا, وفي كلاهما يكون منتخب من الشعب, بل ما يميّز هذا النظام عن البقية, هو الفصل المرن بين السلطات, حيث تكون رقابة متبادلة لكلا السلطتين, التشريعية والتنفيذية, فمعيار التمييز إذن هو وجود سلطة تنفيذية فيها حكومة, يحق لها حل البرلمان, وهذا البرلمان يستطيع بدوره سحب الثقة منها وإسقاطها, وفي هذه السلطة التنفيذية نجد رئيس الجمهورية ليس مسؤولا سياسيا – وهنا يكون التهديد المتبادل لكفالة نظام حكم ديمقراطي – ونجد الوزارة, وهذه هي الميزة الثانية لهذا النظام, ومعايير التمييز هي أساسا: І – معيار النظرية التقليدية (التعاون والتوازن), وП المعيار الحديث (المسؤولية الوزارية).

І- المعيار التقليدي (نظرية التعاون):
ويقوم على عنصرين:
1- التوازن: ويكون خارجيا وداخليا
أ‌- التوازن الخارجي: إذ لكل من السلطتين وسائل للتأثير على الأخرى.
- البرلمان له مراقبة الحكومة وتقرير المسؤولية السياسية.
- رئيس السلطة التنفيذية له سلطة حل البرلمان والإحتكام للأمة.
ب‌- التوازن الداخلي: البرلمان له غرفتين:
- غرفة دنيا منتخبة بطريق الإقتراع المباشر, وغرفة عليا بالوراثة (التعيين أو الإنتخاب غير المباشر), ودورها المحافظة على الغرفة الشعبية (المجلس العام).
- الجهاز التنفيذي: وينقسم إلى: رئيس الجمهورية (الدولة), وهو غير مسؤول سياسيا, وله أساسا سلطة شكلية وشرفية, والحكومة يُسيّرها الوزير الأول (رئيس الوزراء), ويكون مسؤولا أمام البرلمان.
2- التعاون:
- من الناحية الشكلية: تبدو في مشاركة الحكومة في العملية التشريعية, كالمبادرة بمشاريع القوانين أو إصدارها, والتشريع بأوامر من طرف رئيس الجمهورية.
- من الناحية المادية: السلطة التنفيذية تمارس السلطة التنظيمية, أما البرلمان فيساهم في الوظيفة التنفيذية بالإذن والترخيص المالي, والموافقة على بعض الأعمال الدبلوماسية (2).
نقد المعيار:
- أنتقد من حيث تعميمه على جميع مراحل تطور النظام البرلماني, ذلك أن فكرة التعاون ظهرت في المرحلة الثانية, وإنهارت في المرحلة الثالثة من مراحل التطور التاريخي.

(1)- الموقع الالكتروني, https://www.law.net/law/showthread.php?t=2323
(2)- بوكرا إدريس, مرجع سبق ذكره, ص 206.
قاعدة التوازن ليست أساسا لإعتبار النظام برلماني, بالنسبة للسلطة التشريعية, إذ هناك من الأنظمة البرلمانية ما يقوم على مجلس واحد أو على مجلسين يسيطر أحدهما على الآخر, أو يكون لأحدهما دور شكلي على عكس السلطة التنفيذية , إذ أن التوازن أساسي إذ لا بد من وجود وزارة ورئيس أعلى للدولة, قد يكون ملكا أو منتخبا, لأن الرئيس يضمن إستمرار السلطة في حالة وجود صراع أو مواجهة بين الحكومة و البرلمان.

П – المعيار الحديث (المسؤولية السياسية):
وأخذت بها العديد من الدول مثل: كندا, أستراليا, السويد, الدانمارك, ألمانيا........الخ
ويقصد بها أن تكون الحكومة وليس الرئيس أو الملك (مثل بريطانيا) هي المسؤولة أمام البرلمان, أي أن البرلمان يستطيع سحب الثقة من الحكومة, وتستطيع الحكومة هي الأخرى سحب الثقة من البرلمان, أي أن هناك توازن بين السلطتين (التشريعية والتنفيذية), فللسلطة التنفيذية الحق في دعوة البرلمان للإنعقاد, وحتى حلّه كما للبرلمان الحق في إستجواب الوزارة, وتتجسّد المسؤولية السياسية في ما يلي:
1- لائحة اللوم ( كما تسمى في الدستور الجزائري ملتمس الرقابة): وتمارس من طرف البرلمان ضد الحكومة, ولكي لا يتعسف البرلمان, وتصبح الحكومة غير مستقرة, عادة لممارسة لائحة اللوم يشترط أغلبية مطلقة لأعضاء البرلمان لإسقاط الحكومة.
2- مسألة الثقة: تمارس عادة في حالة ظهور عراقيل من طرف البرلمان, لما يقدم من مشاريع من طرف الحكومة, حيث تكون المبادرة من طرف الحكومة, وذلك عن طريق رئيسها, وتطرح المسألة على البرلمان, وهو الذي يقوم بالإجراء, فإذا تحصل ذلك الموضوع على الأغلبية المشترطة, تكون الحكومة ملزمة بتقديم إستقالتها الجماعية لرئيس الدولة, وذلك طبقا للمسؤولية التضامنية بين أعضائها, إلا أنه يستطيع رئيس الدولة تعيين رئيس حكومة جديد وهو بدوره الذي يقدم حكومته الجديدة, كما لرئيس الجمهورية حل البرلمان, والإبقاء على رئيس الحكومة المستقيل.
 مظاهر رقابة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية: إضافة إلى الوظيفة التشريعية التي يتمتع بها البرلمان, هناك وظيفة رقابية تتجلى في المظاهر التالية:
1- حق السؤال: فمن حق أي عضو من البرلمان أن يوجه أسئلة إلى أي وزير للإستفسار عن موقف الوزراء من موضوع معيّن للإستعلام لا الإتهام أو المساءلة, إذ ليس من شأن باقي الأعضاء التدخل, ومن ذلك يمكن القول أن للنائب أن يسحب سؤاله (1).
2- حق الإستجواب: وه أخطر من السؤال إذ يعني محاسبة الوزير أو الوزارة بمجملها بسبب السياسة الخاطئة والمشروع الفاشل, وهو بذلك لا ينحصر فقط على مقدمه والوزير بل يؤدي إلى فتح مناقشة عامة ولكل عضو التدخل في المناقشة, وإذا سحب العضو مقدم الإستجواب إستجوابه يجوز لأي عضو آخر أن يستمر في المناقشة حول نفس الإستجواب. وقد ينتهي الإستجواب بإقتناع البرلمان بالردود والمبرّرات المقدمة من طرف الوزراء, أما في الحالة العكسية يتم تحريك المسؤولية السياسية للوزارة وطرح الثقة بها وتستكمل بإجراءات سحب الثقة وإسقاط الحكومة.
ونظرا لما بهذا الإستجواب من خطورة فقد أحاط الدستور حماية بالحكومة من تعسف البرلمان, حيث منح للوزير مهلة أسبوع تستطيع فيها الحكومة تحضير ردودها ودفاعها ومستنداتها .
3- حق إجراء التحقيق: وهو إجراء للتأكد من مدى سير مرفق معيّن من المرافق العامة للوقوف على أوجه التقصير أو الإنحراف في الإدارة, وعادة ما تكون بتشكيل البرلمان للجان تحقيق متخصصة لها سلطة إستدعاء الموظفين, والتثبّت في المستندات للوصول إلى الحقيقة, وفي نهاية التحقيق تقدم اللجنة تقريرها للبرلمان ليتّخذ ما يراه مناسبا وقد تنتهي بإستجواب الوزير المسؤول وتحريك المسؤولية الوزارية (2).


(1)- محمد رفعت عبد الوهاب, مرجع سبق ذكره, ص 326.
(2)- محمد رفعت عبد الوهاب, نفس المرجع, ص 327.




4- المسؤولية الوزارية: وتكون بناء على إقتراح عدد معيّن من النواب يحدّده الدستور, وقد تكون المسؤولية فردية لكل وزير على حدى, في ما يخص وزارته, كما قد تكون جماعية بسبب وضع سياسة عامة لا تتلاءم ومصالح الدولة, وتكون سحب الثقة من الحكومة بتصويت الأغلبية.
 مظاهر رقابة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية:
1- حق دعوة البرلمان للإنعقاد وفضه وتأجيله: سواء دعوة للإنعقاد في دورة عادية أو غير عادية, الأولى أثناء عمل البرلمان عادة في كل عام والثانية أثناء العطلة السنوية وذلك لحالة من حالات الضرورة , كما من سلطة الحكومة فض الدورة العادية لمدة محدّدة لكن هذا وفق قيود دستورية.
أ- أن لا تتأخر الدعوة عن تاريخ معيّن: وإلا إنعقد البرلمان بقوة القانون دون دعوة وأن لا تقل فترة الإنعقاد السنوي العادية عن عدد معيّن من الشهور.
ب- عدم إنهاء الدورة السنوية قبل إقرار الميزانية العامة: حتى لا تتعطل مرافق الدولة ومثال ذلك ما نص عليه الدستور المصري لسنة 1923 في مادته 96 : " يدعو الملك البرلمان سنويا إلى عقد جلساته العادية قبل يوم السبت الثالث من شهر نوفمبر, إذا لم يدع لذلك يجتمع بحكم القانون وفي اليوم المذكور ويدوم دورة إنعقاده العادية مدة ستة شهور على الأقل ويعلن الملك فض إنعقادها " (1).
2- حق الإعتراض على القانون (حق التصديق): ويتمثل في حق رئيس الجمهورية في التصديق على القوانين التي يقرّها البرلمان, ويعني حق الإعتراض حق رئيس الجمهورية في رفضه التصديق على قانون معيّن لإعتقاده عدم ملاءمته للمصلحة العامة .
3- حل البرلمان كأهم سلاح رقابي: ويعني هذا حق الحكومة في إنهاء نيابة البرلمان للأمة قبل إنتهاء مدته الطبيعية وفقا للدستور, وهذا الحق هو ذلك السلاح الذي يوازي حق البرلمان في المساءلة السياسية للوزارة وبدون حق الحل يختل التوازن بين السلطتين (التشريعية والتنفيذية), وإلا أصبح النظام نظاما نيابيا وليس برلمانيا أين تكون السلطة التنفيذية تابعة للسلطة التشريعية وتحت رقابتها.
ويعود الثقل الكبير للوظيفة الرقابية في نظر المجتمع وأعضاء البرلمان إلى عدد من الأمور التي أملتها التطورات السياسية أهمها:
1- هيمنة الحكومة على صنع السياسات العامة: فهي مصدر معظم التشريعات وهي التي تمتلك القدرة على التنفيذ, وهي المخوّلة بوضع اللوائح التنفيذية للقوانين وتمتلك القدرات الفنية والإدارية وقواعد المعلومات اللازمة لصنع وتنفيذ السياسة, بحيث لا يتبقى للبرلمان الكثير من هذه القدرات لكي يقوم بصنع السياسة ورسم الأولويات, وبالتالي يتجه إهتمام البرلمانات في ظل هذه الأوضاع إلى محاولة إستثمار وتفعيل ما هو ممكن من وسائل وآليات للمساهمة في صنع القرار (وأهمها الرقابة).
2- إن التوازنات السياسية والحزبية في البرلمان قد تحد من قدرته على توجيه الحياة السياسية وصنع السياسات العامة , لا سيما في ظل وجود تكتل وأغلبية حزبية كبيرة مؤيّدة للحكومة, وبالتالي تصبح الرقابة أهم الوسائل المتبقية أمام المعارضة للتأثير في السلطة التنفيذية.
3- إن الثقافة السياسية السائدة في المجتمع قد تنظر إلى الدور الرقابي للبرلمان بشكل أكثر تقديرا وإعجابا في نظرتها لدوره التشريعي (2).
فبالنسبة إذن لنجاعة الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة فنرى إذا كانت الحكومة تتمتع بالأغلبية البرلمانية, تستطيع أن تفرض على حزبها في البرلمان نظاما رقابيا وولاء تاما, وهذا يؤدي إلى إبعاد الحكومة من الوقوع في أي حرج (يعني أنه لا معنى للمسؤولية والرقابة) وعكس ذلك إذا لم تكن الحكومة تتمتع بالأغلبية خاصة وأن النظام الفرنسي مثلا يقوم على التعدّدية الحزبية التي تؤدي إلى تشكيل إئتلاف لتشكيل الأغلبة ومن ثم فرئيس الجمهورية يعتمد على حزبه والحكومة تعتمد على الإئتلاف, والإنشقاق يعرضها للإنسحاب.

(1)- محمد رفعت عبد الوهاب, مرجع سبق ذكره, ص 330.
(2)- http//www.lybyaforum.org.php?option=com_*******&task=vie w&id=1380&Ilemid=177.

 أنواع النظام البرلماني:
من خلال المعايير التي تميّز النظام البرلماني, أثبتت التجارب السياسية للدول أن لهذا النظام أنواع وهي:
І- من حيث تكوين الجهاز التنفيذي:
1- النظام البرلماني الثنائي: وفي هذا النظام رئيس الجمهورية غير مسؤول سياسيا, لكن له دور فعّال ويحتفظ بسلطات حقيقية, أما الحكومة فهي مسؤولة أمام رئيس الجمهورية والبرلمان, فالمسؤولية هنا مزدوجة والجهاز التنفيذي كذلك مزدوج.
2- النظام البرلماني الموحّد: وهنا رئيس الجمهورية مسؤول سياسيا ودوره غير فعّال وله دور شرفي, أما الحكومة فهي منبثقة عن الأغلبية البرلمانية وهي مسؤولية أمام الغرفة الدنيا, إذن الجهاز التنفيذي مزدوج في القانون موحّد في الواقع مثل النظام البريطاني (1).
П- من حيث مكانة رئيس الجمهورية في الأجهزة: هناك أنظمة برلمانية يحوز فيها لرئيس الجمهورية على مكانة معتبرة ومركز قوي, والسلطة التنفيذية تكون للحكومة.
Ш- من حيث الأغلبية البرلمانية:
1- الأنظمة التي تحوز فيها الحكومة على أغلبية مستقرة في البرلمان: وتدوم هذه الأغلبية طوال الفترة التشريعية (بريطانيا, ألمانيا, السويد.....) وتعرف تصدُّرا حزبيا, ولكن تحالفا كبيرا لبعض الأحزاب, وتتميّز بـ:
- عدم تأثير البرلمان إذ لا يتهجّم على الحكومة والحكومة قوية (مثل بريطانيا).
- الحزب الحائز على الأغلبية يشكل الحكومة, وهي التي تمارس السلطة السياسية, فالمواطن البريطاني مثلا يصوّت لصالح برنامج وحكومة ورئيس حكومة.
- رئيس الوزراء هو زعيم الحزب الحائز على الأغلبية البرلمانية, ويؤدي هذا النظام إلى الإنعكاسات التالية:
 إستقرار واسع للحكومة.
 حكومة قوية.
 ضعف البرلمان: فالأغلبية تُدعّم الحكومة والأقلية ليس لها دور فعّال.
2- الأنظمة البرلمانية غير الحائزة على الأغلبية (الأقلية): هنا الحكومة ليست لها أغلبية في البرلمان, وهي عرضة للتصويت بسحب الثقة, وذلك بسبب تعدد الأحزاب داخل البرلمان مثل: (هولندا, بلجيكا, اليابان, إيطاليا) وتمتاز هذه الأنظمة بـ:
- تعدد حزبي: يحول دون تكوين إئتلاف برلماني مستقر.
- عدوانية البرلمان: إذ يمتاز البرلمان بالسيادة, فيملك كل شيء ولا يخضع للرقابة.
- حكومة ضعيفة: رئيس الحكومة هو رئيس التحالف الهش, وترتبط هذه الحكومة بالبرلمان, ويؤدي هذا النظام إلى الإنعكاسات التالية:
 عدم الإستقرار الحكومي وعادة ما تكون مدة الحكومة قصيرة.
 عدم إمكانية الحكم: حيث يمضي رئيس الحكومة معظم أوقاته في البحث عن تهدئة الصراع داخل الإئتلاف الحكومي, والسهر على وحدته (2).
 هيمنة دور البرلمان: الحكومة لا تتمتع بالسلطة, كما أن البرلمان لا يشرع بسبب عدم تحقق الأغلبية المستقرة, وهنا تبدو ضرورة تفويض السلطة التشريعية (القوانين, مراسيم القوانين) (3).
VІ – الأنظمة البرلمانية ذات الحزب المسيطر: وهي الأنظمة ذات الأحزاب المتعدّدة, إذ من بين هذه الأحزاب أحزاب مسيطرة مثل: الأحزاب الإشتراكية في بلاد الشمال والديمقراطية المسيحية في إيطاليا بإستثناء حزب المؤتمر في الهند, مما يسمح له بالبقاء في السلطة لمدة طويلة ومع ذلك توجد معارضة قوية تراقبه, إلى جانب تطبيق الإنتخابات الحرّة مما يسمح للمواطنين بمراقبة الحزب.

(1)- بوكرا إدريس, مرجع سبق ذكره, ص 210.
(2)- بوكرا إدريس, نفس المرجع, ص 211.
(3)- بوكرا إدريس, نفس المرجع, ص 211.

ولقد إستمرّت سيطرة حزب السيّدة (غاندي) بعد الإنقسام الذي حدث سنة 1971 وتشكيلها لحزب المؤتمر الجديد, وفوزه بالإنتخابات في نفس السنة, لكنه فقد السلطة في بداية الثمانينات, وإسترجعها ثم فقدها سنة 1989 الأمر الذي أدى إلى زوال فكرة الحزب المسيطر في أحد المراحل (1).
V – النظام شبه الرئاسي (البرلماني العقلاني): ويجمع بين النظامين البرلماني والرئاسي, لهذا إرتأينا أن ندرجه بين أنواع النظام البرلماني.
وفي هذا النظام يحق لرئيس الجمهورية أن يعيّن رئيس الوزراء بعد موافقة البرلمان (مجلس النواب) على ذلك وبعد إختيار رئيس الوزراء يطلب منه إختيار الوزراء بالإستشارة مع رئيس الجمهورية, وفي هذا النظام لا يشترط أن يكون الوزير عضوا في البرلمان, كما هو الحال في النظام البرلماني ويتميّز عنه بـ :
1- الرئيس يتمتع بالأغلبية البرلمانية : وبذلك يكون دور الأقلية ضعيف وإذا كانت الأغلبية تؤيد الرئيس فإن ذلك يعني أن هذه الأغلبية برلمانية ورئاسية, وهنا تكون الأغلبية مساندة للرئيس والحكومة, وبذلك تتجاوز سلطات الرئيس في هذا النظام سلطة الرئيس في النظام الرئاسي.
2- الرئيس لا يتمتع بالأغلبية: لا يكون للحكومة هنا وسيلة المبادرة مما يؤثر على إستقرارها, وهنا قد يوجد حزب يملك الأغلبية رغم تعدّد الأحزاب, حيث يترك الرئيس المبادرة للحكومة, أو أنه لا يوجد حزب يملك الأغلبية مما يجعل المبادرة للرئيس نتيجة الانقسامات الحزبية (2).
وفي خضم كل هذه الأنواع فالنظام البرلماني هو صورة من النظام النيابي, وعليه فمعظم النظم البرلمانية أخذت بنظام المجلسين إقتداء بالنظام الإنجليزي من جهة ومن جهة أخرى نظرا للمزايا التالية:
- تمثيل الطبقات الممتازة (الأرسطوقراطية) قديما في أحد المجلسين, مثل مجلس اللوردات في إنجلترا.
- وجود مجلس واحد يؤدي إلى إستبداده, كما أثبتت التجربة إذ أن وجود مجلسين يعني تقييد كل واحد منهما سلطات الآخر ويحد من تعسفه, وهذه أهم ميزة لإزدواج المجلسين وهذا رأي الفقيه "بونار" (3).
وكلما إتسعت سلطات البرلمان في العصر الحديث, كلما إزدادت الضرورة لهذه الميزة.
- نظام المجلس الواحد قد يؤدي إلى الأخطاء الناجمة عن العجلة, لذلك وجب أن يكون مجلس ثاني يراجع أعماله في مجلس النواب زيادة للتمحيص في القوانين.
- الاستفادة من ذوي الكفايات والمصالح الكبيرة بإدخالهم مجلس الشيوخ عن طريق التعيين.
 إضافة إلى أن من أخذت بنظام المجلس الواحد من الدول مثل البرتغال وإسبانيا قد عدلت عنه في السنوات الأخيرة, وأخذت بنظام المجلسين (4).
 المغايرة بين المجلسين: أي الإختلاف في تكوين كل منهما في مدة نيابة الأعضاء.
- فمثلا إنتخاب مجلس النواب في بعض البلدان: 05 سنوات (إقتراع عام ومباشر).
- أما أعضاء مجلس الشيوخ, ينتخبون لمدة: 10 سنوات (إنتخاب مقيّد) بشرط الكفاءة والنصاب المالي (إنتخاب غير مباشر).
- كذلك إختلاف السن: مثلا في مصر: 30 سنة بالنسبة لعضو النواب, فهو يقل بـ 10 سنوات عن سن عضو مجلس الشيوخ (دستور 1923 المصري).
 والحكمة من هذه المغايرة ترجع إلى:
أ- إختلاف مهمة كل من هذين المجلسين, فمهمة مجلس النواب تمثيل الرأي العام, أما مجلس الشيوخ فهو المجلس المحافظ الذي يمثل التقاليد وروح الماضي وروح الإعتدال (5).

(1)- سعيد بوشعير, القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة, ديوان المطبوعات الجامعية, الجزء الثاني, الطبعة الخامسة, ص 188.
(2)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 195, 196.
(3)- عبد الحميد متولي, مرجع سبق ذكره, ص 109.
(4)- عبد الحميد متولي, نفس المرجع, ص 109.
(5)- عبد الحميد متولي, نفس المرجع, ص 110.
ب – دون مغايرة يخشى أن يصبح كل مجلس صورة من الأخرى من حيث العقلية والنزعة الحزبية, وذلك يقلل من فائدة الإزدواج ومراجعة أحدهما للآخر.
 أما عن نظام المجلس الفردي أُخذ به في بداية عصر الثورة الفرنسية إستنادا إلى خاصية: سيادة الشعب تحت قيادة مجلس واحد, أي أنه إذا وجد مجلسين فالتعبير عن إرادة الشعب تكون بإرادتين, ربما تكونان متعارضتين, ضف إلى ذلك الخوف من قيام المنازعات بين المجلسين مما يؤدي إلى عرقلة العمل التشريعي وتأخيره.

تقييم النظام البرلماني:
للنظام البرلماني 05 وظائف لا بد من التعرض لها, حتى يتم تقييمه: هل يمارس هذه الوظائف على أكمل وجه أم لا؟ وحتى نعرف ما مصير هذا النظام؟.
إضافة إلى الوظيفة الرقابية التي يبسطها البرلمان على الحكومة, هناك عدّة وظائف أخرى وهي:
1- الترشيح لمنصب رئاسة الدولة: تتولى البرلمانات في النظم النيابية ترشيح رئيس الحكومة وذلك تطبيقا لفكرة الحكم بواسطة الأغلبية البرلمانية وكذلك ففي بعض الدول التي تجمع بين خصائص النظام البرلماني والنظام الرئاسي, يقوم البرلمان بترشيح رئيس الدولة, ثم يقرّر الناخبون ترشيحه في هيئة إستفتاء عام كما هو الحال في مصر بمعنى يتولى البرلمان ترشيح رئيس الحكومة ورئيس الدولة وليس تعيينهما, أما في النظام الملكي فيتولى الملك لمنصبه بالوراثة ولا دور للبرلمان في ذلك وفي حالة النظام الجمهوري, فالبرلمان قد يقوم بترشيح رئيس الجمهورية والقرار النهائي للناخبين, أما في حالة النظام الرئاسي فيتولى رئيس الدولة منصبه عن طريق الإنتخاب المباشر من طرف الشعب, كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية (1).
دون تدخل البرلمان وهذا تجسيدا للفصل بين السلطات.
2- صنع وإقرار السياسة العامة: مع تضخم دور السلطة التنفيذية في ظل التقدم الصناعي, وتزاحم العمل الحكومي, - بحيث أصبحت الإدارات التنفيذية أكثر إنشغالا وتعقيدا في مهام الحياة اليومية, وتفصيلات الآداء الإداري - , برز دور البرلمان في التأثير على السياسة العامة نظرا لما يتمتع به من قدرة على التعبير على المطالب الشعبية وأولويات الرأي العام (2).
3- الوظيفة المالية: حصلت البرلمانات على سلطتها المالية, عبر مرحلة صراع طويل مع الحكومة, منذ القرن 19 حتى أصبحت تلك السلطة من أهم مصادر قوتها في مواجهة الحكومة, وتتمثل السلطة المالية للبرلمان في تحديد حجم نفقات الدولة وإتخاذ الوسائل الضرورية لتغطية العجز المالي في الميزانية, سواء عن طريق الضرائب أو طرق أخرى, إذ تتجلى الوظيفة المالية في مراقبة المؤسسة التنفيذية في كيفية تحصيل الأموال وصرفها, وذلك عن طريق إقرار الميزانية, وبيان الحساب الختامي لها, وتستمد هذه الوظيفة من قاعدة " لا ضريبة دون تمثيل " (3).
4- الوظيفة الإقتصادية: وهي حديثة, وتتمثل في مراقبة البرلمان تدخّل الحكومة في النشاط الإقتصادي, وهذا بسبب تدخل الدولة في الإقتصاد العام.
5- الوظيفة شبه القضائية: إذ يختص البرلمان بالمسائل الداخلية له ويفصل في مدى صحة عضوية النوّاب, وإسقاط العضوية وهي مسائل دستورية لا تخضع إلى رقابة القضاء بل لرقابة البرلمان كسلطة قضائية.
6- التأثير على الرأي العام: إرتبطت مسيرة التطور السياسي ونمو الإتجاهات الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم بدور البرلمان, حيث كان نقطة الإنطلاق لأفكار الحرية والمساواة والمشاركة السياسية الشعبية في الحكم.

(1)- http//www.lybyaforum.org.php?option=com_*******&task=vie w&id=1380&Ilemid=177
(2)- نفس الموقع
(3)- سعيد بوشعير, القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة, الجزء الأول,.......ص, 201.



كما أنه كان منبع الحركة الوطنية والمطالبة بالإستقلال في الدول النامية خلال الفترة الإستعمارية (ما إتّضح في الحركة الوطنية المصرية)منذ أوائل القرن العشرين, وهو بذلك يساهم في تشكيل الرأي العام وبلورة الإتجاهات السياسية العامة حول النظام السياسي, وذلك بإعتبار هذا الأخير نيابيا فالبرلمان له فرصة في التأثير على مختلف الإتجاهات والتيارات السياسية المتباينة داخل الدولة. كما يُعد منبرا لعقد المناقشات الدائمة بين المواطنين الذي يعبّر عنهم.
7- الوساطة بين المواطنين وأجهزة السلطة التنفيذية: يقوم عضو البرلمان بنوعين من الأدوار النيابية الأول: تمثيل الشعب في مجموعة وذلك من خلال عمله البرلماني في أمور التشريع والرقابة على الحكومة, وتمثيل مصالح الناخبين في دائرته المحلية (1).
والعمل على تلبية مطالبهم بعبارة أخرى, فإن أعضاء البرلمان يقومون بدور الوساطة بين دوائرهم الإنتخابية من ناحية والحكومة والأجهزة الإدارية والرسمية من ناحية أخرى.
8- الوظيفة التشريعية: إذ هي تجسيد لقيم الديمقراطية في إنشاء نظام حكم يعتمد على التمثيل, وتحقيق حرية المشاركة, فالتشريع يأتي تاليا لوضع الأولويات السياسية, وتحديد ملامح السياسات العامة المرغوبة من طرف الشعب.
من خلال ما تقدم هل النظام النيابي نظام ديمقراطي أم لا؟
يذهب بعض الكتاب إلى إعتبار أن النظام النيابي لا ينبغي أن يكون ديمقراطيا بالضرورة, ذلك لأن هذا النظام في نظرهم لا يكون ديمقراطيا إلا إذا أخذنا بمبدأ الإنتخاب العام والحر (إنعدام الديمقراطية إذا كان الإنتخاب مقيّد) (2).
لكن إذا ما سلّمنا بذلك, فكيف نستطيع التوفيق بين القول: أن الشعب هو صاحب السيادة, وهو لا يباشر السلطة مباشرة؟ لذلك توصل بعض الفقهاء إلى إعتبار أن هذا النظام هو من أنظمة الحكم التي تندرج ضمن الديمقراطية غير المباشرة, فمشكلة صحة تمثيل البرلمان للشعب؟ هناك من يرى أن البرلمان لا يمثل سوى أقلية من الناخبين , وذلك لأننا نكون قد أسقطنا الأصوات الفاشلة في الإنتخابات المتمثلة في الأصوات التي تحصل عليها المرشحون الذين لم ينجحوا في الإنتخابات وبذلك فهو لا يمثل الأمة ككل, أما الرأي الآخر فيعتمد على مبدأ الحكومة النيابية: وهي تلك التي يختار الشعب فيها من آن إلى آخر وبصفة دورية لمدة محدودة من يمارسون السيادة أو السلطة بإسمه وبالتالي فإرادة هذه الهيئة الحاكمة تعبّر عن إرادة الشعب, كما هو الحال في إنجلترا وفرنسا (3).
و أركانها:
- وجود برلمان منتخب " بارتلمي يرى أن البرلمان جوهر النظام النيابي ".
- عضو البرلمان يمثل الأمة كلها وليس دائرته فقط.
- لأعضاء البرلمان قسط من الإستقلال عن الناخبين في ممارسة السلطة.
- إنتخاب أعضاء البرلمان يجب أن يكون لمدة محدّدة.
- للمجلس النيابي بعض خصائص السيادة (السلطة التشريعية) وليس مجرّد دور إستشاري فقط.
وعلى هذا الأساس فإن السعي لخلق التوازن المطلوب, سواء في الأطر النيابية أو ما يماثلها من تشريعات وقوانين, يتعلق بتأكيد أسس العمل الديمقراطي في أي مجتمع هو بالضرورة مساحة مهمة لبناء الأنظمة الديمقراطية وإمكانية توسيع دائرة ثقافتها في جميع الإتجاهات, ويضطلع البرلمان بالدور الريادي في نجاح التجربة الديمقراطية من خلال إقرار القوانين بوصفه الهيئة التشريعية المنتخبة التي تمثل إرادة الجمهور.


(1)- http//www.lybyaforum.org.php?option=com_*******&task=vie w&id=1380&Ilemid=177
(2)- تيسير عواد, مرجع سبق ذكره, ص 57.
(3)- عبد الحميد متولي, مرجع سبق ذكره, ص 155.




 مزايا النظام البرلماني:
1- بالرغم من أن رئيس الوزراء هو الذي يختار مجلس الوزراء و إلا أنه في الحقيقة متساوي مع كل وزير ولهذا نجد أن رئيس الوزراء في بعض الدول يطلق عليه إسم الوزير الأول, وهو مجرّد الناطق الرسمي ولا يمكن إملاء وفرض سياسته على الوزراء (1).
2- الملك أو الرئيس في النظام البرلماني يقوم بوظيفة رياسة الدولة فقط بمعنى أنه يملك ولا يحكم, كما هو الحال في بريطانيا وإسبانيا أو رئيس يرأس ولا يحكم كما هو الحال في الهند و ألمانيا, وعليه فالرئيس أو الملك يجب أن يكون محايدا وهذا ما يجسّد الديمقراطية ويمنع الإستبداد والدكتاتورية.
3- مجلس الشعب يستطيع عزل رئيس الوزراء عن طريق سحب الثقة وتشكيل حكومة جديدة, وفي بعض الدول كألمانيا يشترط قبل سحب الثقة أن يكون المجلس قد إختار البديل له (2).
4- المحكمة العليا في هذا النظام هي عبارة عن اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ بمعنى لا توجد مرجعية قضائية في هذا النظام, وإنما توجد مرجعية تنفيذية أي أن البرلمان في هذا النظام هو أعلى سلطة في البلد.
5- النظام البرلماني يمكن إعتباره أكثر إستجابة ومرونة في إتخاذ القرارات من النظام الرئاسي.
6- النظام البرلماني يشجع على وجود حوار ونقاش جاد بين كل القوى السياسية حول القضايا التي تواجه البلاد, وهو بذلك يؤدي إلى وحدة السيادة للدولة.
7- يؤدي إلى التفاعل الحقيقي بين السلطات الثلاث, التي تعد كلا منها مكملة للأخرى.
8- هناك المسؤولية السياسية, مما يعني إستحالة التهرّب من الخطأ السياسي وسهولة معرفة المسؤول الحقيقي عن الخطأ.

 عيوب النظام البرلماني:
1- قد يؤدي في دول عالم الجنوب إلى ظاهرة عدم الإستقرار للحكومة.
2- في ظل الإتجاهات الحزبية المعارضة والمتعارضة من الصعوبة بما كان الحصول على تأييد قوي لعمل الحكومة.
3- إن الحكومة ستكون خاضعة لتأثير جماعات مصالح مهمة, وستكون الولاءات الضيّقة حزبيا طاغية على السطح.
4- إن رئيس الحكومة لا يتمتع بشعبية كبيرة كشخص, مما لا يضفي عليه من الهيبة والرمزية العالية كرمز الأمة (3).
5- أنه نظام غير فعّال في الدول ذات التجربة السياسية الحديثة, فهو يحتاج إلى وعي وإدراك سياسيين عاليين, إضافة إلى تعمق التجربة الحزبية. وهذا ناتج عن غياب الفصل بين السلطات الثلاث في هذا النظام, وهذا الإنصهار بين السلطات الثلاث قد يعود إلى إستقلال السلطة والإستبداد بها, خصوصا في الدول النامية والتي تفتقد لمؤسسات معاصرة وقوية (4).
6- موع الإنتخابات غير ثابت في هذا النظام ومن حق رئيس الوزراء البقاء في منصبه طالما يملك ثقة الأغلبية في البرلمان, فعلى سبيل المثال ينص القانون الإنجليزي على: أن تعقد الإنتخابات البرلمانية خلال 05 سنوات وهذا يعني أن من حق رئيس الوزراء أن يدعو إلى إنتخابات جديدة, متى رغ ذلك, خصوصا عند ما يشعر بأن الشعب يؤيد سياساته, وبالفعل فقد قامت رئيسة الوزراء البريطانية " مارقريت تاتشر " عام 1983.

(1)- الموقع الالكتروني:https://www.tamiu.edu/~mbenruvin/gove...systems-1e.htm
(2)- الموقع الالكتروني:https://www.tamiu.edu/~mbenruvin/gove...systems-1e.htm
(3)- الموقع الالكتروني:https://www.tamiu.edu/~mbenruvin/gove...systems-1e.htm
(4)- الموقع الالكتروني:https://www.tamiu.edu/~mbenruvin/gove...systems-1e.htm


بإستغلال هذا التفسير للقانون عندما إنتصرت في الحرب التي قادتها ضد الأرجنتين فيما عُرف بحرب " جزر الفالكونز " وكانت نتيجة تلك الإنتخابات أن زادت نسبة مقاعد حزب المحافظين في البرلمان من 53% إلى 61 % (1).
7- ومن العيوب كذلك في هذا النظام لا الرئيس ولا رئيس الوزراء يختارهما الشعب, وبهذا يكون من الصعب على الشعب محاسبة هؤلاء إلا من خلال ممثليه (2).

خاتمة المبحث:
- ما مصير النظام البرلماني؟
يعتقد بعض الفقهاء أن النظام البرلماني أصبح مجرّد حقيقة تاريخية بعد أن آلت السيادة إلى الشعب وحده, ذلك أنه لم يقم إلا فترة محدودة (فترة الملكية المقيّدة بسيادة الملك والشعب) أما بعد أن إنتقلت السيادة للشعب وحده فقد إنهار النظام البرلماني (3).
لكن الحقيقة أنه مازال قائما, لكن تغيّرت أطراف التوازن بين السلطات وأصبح التوازن يقوم بين حزب الحكومة بسلطتيها التنفيذية والتشريعية وبين أحزاب المعارضة.
والشعب هو صاحب السيادة, فبأصواته يعهد لبعض الأحزاب تولي شؤون الحكم لفترة محدودة, وهو بذلك يمنحها أغلبية المقاعد البرلمانية ويوكل البعض الآخر مهمة المعارضة والرقابة, بأن يجعل لممثليها عددا أقلا من هذه المقاعد, وهو بذلك لا يزال موجود كنظام ديمقراطي, لكن يجب أن يكون في ظل مؤسسات معاصرة ووجود قدر من الوعي والثقافة.
أما عن الفقه الحديث, فيعتبره قد تغيّرت بعض ملامحه, إذ يسمونه النظام البرلماني المتطور أو العقلاني, أي أنه أصبح شبه رئاسي وهذا لما يملكه هذا الأخير من مميّزات تتجلى في:
1- في هذا النظام من حق الحكومة إصدار قرارات لها فاعلية القوانين, بشرط موافقة رئيس الجمهورية على ذلك.
2- للحكومة الحق في إقتراح القضايا التي يجب مناقشتها في مجلس الشعب.
3- يعطى لرئيس الجمهورية حق حل مجلس الشعب والمطالبة بإنتخابات جديدة بشرط أن لا يسيء إستعمال هذا الحق.
4- يمكن للجمعية الوطنية فصل رئيس الوزراء أو أي وزير آخر عن طريق سحب الثقة منهم.
5- لرئيس الجمهورية الحق في فرض قانون الطوارئ.
6- لرئيس الجمهورية الحق في إستفتاء الشعب في قضايا يراها هامة, ولهذا قوة القانون في الدولة.
7- مراجعة الدستور بيد المجلس الدستوري.

ورغم وجود هذا النظام الهجين بين البرلماني والرئاسي, كبديل للأنظمة البرلمانية إلا أنه يخلق إشكالات على الصعيد السياسي, من ذلك: - ما يعاب عليه هو عندما تتصادم مصالح رئيس الجمهورية مع مصالح رئيس الحكومة, الذي يمثل مصالح البرلمان وهذه المشكلة عرفت في السياسة الفرنسية "بمشكلة التعايش المزدوج" وهي الحالة التي يتم فيها إختيار رئيس الجمهورية من إتجاه فكري مناقض للإتجاه الذي يمثله رئيس الحكومة, كما حدث للرئيس الفرنسي "ميتيران الإشتراكي" عندما فرضت عليه الجمعية العمومية أن يختار السيّد: "شيراك" (اليمين الرأسمالي) ليكون رئيسا للوزراء سنة 1986, وعليه فمن الواجب على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أن يتعاونا وأن يتحدى لكي تنجح الحكومة وتحقق أهدافها (4).

(1) - الموقع الالكتروني:https://www.tamiu.edu/~mbenruvin/gove...systems-1e.htm
(2)- الموقع الالكتروني:https://www.tamiu.edu/~mbenruvin/gove...systems-1e.htm
(3)- محمد راغب الحلو, مرجع سبق ذكره, ص 252.
(4)- الموقع الالكتروني:https://www.tamiu.edu/~mbenruvin/gove...systems-1e.htm


- كما قد يسيء رئيس الجمهورية إستخدام قانون الطوارئ مثال ذلك: (إستخدام الرئيس المصري "حسني مبارك" لهذا القانون منذ توليه السلطة سنة 1981 إلى الآن).
- إمكانية قيام الرئيس بإساءة إستعمال حقه في إستفتاء الشعب (1).


وفي ما يلي مخططان لتبيان أجهزة كل من النظام البرلماني والنظام شبه الرئاسي:




(2)

(1)- الموقع الالكتروني:https://www.tamiu.edu/~mbenruvin/gove...systems-1e.htm
(2)- http:/www.libya-watanona.com/adab/mberweem/mb04027a.htm


الفصل الثاني: النظام السياسي الجزائري
سوف نتطرق من خلال دراستنا إلى نظام الحكم في الجزائر على ضوء دساتيرها الأربعة, لذلك وجب علينا تبيان مفهوم الدستور. فالدستور جوهر القانون الدستوري وركيزته الأساسية, فهو الذي يحدّد طبيعة النظام السياسي ويحدّد العلاقة بين السلطة والمواطنين, وكذلك العلاقة بين السلطات في الدولة.
فالدستور كرمز هو الوثيقة المؤسسة للدولة, وتظهر أهميّته عند حدوث تغيير في النظام, إذ هو الذي يؤسسه ولا تكمن أهميته فقط عند نشأة الدولة, ومن الجهة الفلسفية فهو القبول بفكرة تقييد السلطة وقبول كل من المحكومين والحكام بوضع حدود السلطة, وله طبعا قيمة قانونية حيث يعتبر مجموعة من القواعد القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة التي تفرض عليها إحترام بعض القواعد الأساسية, كما تتضمن مشاركة المحكومين في من يتولى شؤون الرعية (1).
وقبل دراستنا للدساتير الجزائرية لا بد أن نعرّج على أهم الظروف والتحوّلات التي عاشتها الجزائر والتي تؤدي بها في كل مرة إلى تغيير النظام بعد تعديل الدستور.

المبحث الأول: أنظمة الحكم المعتمدة في الجزائر قبل الإستقلال.
توالت على الجزائر كغيرها من دول المغرب العربي نماذج متعددة من أنظمة الحكم, كالتي وضعها أبنائها كالمماليك البربرية والنوميدية والإمارات العربية ودولة الأمير عبد القادر, وكذا الدولة الجزائرية حاليا, وأنظمة حكم أخرى فرضت عليها من قبل قوى أجنبية إستعمارية إستغلّت خيراتها وإستعبدت أبنائها الذين لم يرضوا بهذا الوضع وقاوموه بشتى الطرق والوسائل.
وقد كان للإسلام دور كبير في تحرير الجزائر وشعبها من الإستغلال والإستعباد من طرف فرنسا وقبلها من طرف الروم فتحوّلت إلى دولة إسلامية وتكرّس ذلك في العشرية الأخيرة من القرن الأول الهجري, أين أصبح الدين المعتنق هو الإسلام واللغة الأساسية هي العربية إلى جانب اللهجات المحلية.
ونبرز في هذه المطالب نظام الحكم في الجزائر قبل الإسلام وأثناء الحكم الإسلامي وكذا نظام الحكم إبّان الإستعمار الفرنسي.
المطلب الأول: نظام الحكم في الجزائر قبل الإسلام.
أثناء حكم المماليك الأمازيغية ساد نظاما عشائريا إمتاز بالجمود والتسلّط, وذلك على مستوى العائلة الصغيرة وكذا على مستوى القبيلة, وعلى المستوى المركزي فقد كان مرنا فكوّنت القبائل والمدن شبه إتحاد فدرالي تحت سلطة ملك يفرض نفسه إما بالقوة أو بالذكاء أو بهما معا (2).
إلا أننا نجد الملك لا يتّخذ أي قرار مهم إلا بعد إستشارة وموافقة رؤساء القبائل, وذلك لإرتباطها به وذلك حسب قوة أو ضعف هذا الملك وحسب الظروف التي تعيشها هذه القبائل.
وقد توالت على الجزائر في هذه الحقبة الزمنية عدّة ممالك كان من أهمها المملكة النوميدية وكذا الملوك "ماسينيسا ويوغرطه ويوبا الثاني" وغيرهم وذلك فيما بين القرن الثالث قبل الميلاد وبداية القرن الأول الميلادي (3).
وقد قسّم الرومان الجزائر إلى مقاطعات بعد إستيلائهم عليها ونصّبوا رئيس قبيلة على كل منها يتمتّع بالسلطة المطلقة, مما أدى إلى قطع العلاقات السياسية والإجتماعية بين هذه القبائل والقضاء على النظام الواحد الذي كان سائدا فيها مما أدى إلى السيطرة على الخيرات والعباد من طرف الرومان, حيث تميّز نظامها بالإستغلالية والتمييز طيلة أربعة قرون تقريبا, خلفهم بعدها الوندال, إلا أن الرومان عادوا بعد ذلك من الشرق إلى الجزائر الإمبراطورية الشرقية سنة 553 ميلادي ¬(4).
ولكنهم طردوا من طرف أبناء الجزائر ونهائيا بعد إعتناق الجزائريين للإسلام..

(4)- بوكرا إدريس, مرجع سبق ذكره, ص 63 و 67.
(1)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, الجزائر, دار هومة للنشر, الطبعة الثانية, طبعة 1993, ص05.
(2)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص06.
(3)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص06.

المطلب الثاني: الجزائر أثناء الحكم الإسلامي.
عرفت الجزائر خلال هذه المرحلة نماذج متقاربة من الحكم, كان أشهرها حكم الأغالبة والذين حكموا شرق الجزائر وتونس وغرب ليبيا, والتي كان فيها الحكم مستبدا ووراثيا رغم الثورات التي كان يقوم بها البربر, وقد دامت دولتهم أكثر من قرن ولكن نتيجة الصراع الدائم مع الثورات ذات الطابع الديني – الخوارج – أو بدافع من العصبية – البربر – تراجعت هذه الدولة, ونتيجة تمرّد بعض هذه القبائل على الحكم الأغلبي إنتهت دولتهم على أيدي الفاطميين سنة 909 ميلادي (1).

إضافة إلى الحكم الوراثي المستبد من الأغالبة ظهرت عدّة نظم حكم منها حكم الخوارج والحمّاديين والمرابطين وأخيرا الموحّدين الذين وحّدوا بلاد المغرب الغربي تحت إمرتهم إلى أن ضعفت شوكتهم نتيجة الضعف الذي بدى على حكمهم, فإنقسمت الإمارات إلى ثلاث مناطق المعروفة الآن بالجزائر والمغرب وتونس (2).

والذين تعرضوا لإعتداءات متكرّرة من الإسبان الذين إحتلوا بعض المناطق الشمالية الساحلية – بعد سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين بالأندلس – منها موانئ وهران والجزائر والمرسى الكبير وبجاية, مما أدى إلى نشوء حركة جهاد بحرية قويّة ضد الصليبيين وظهرت هنا شخصيتين بارزتين هما: خير الدين وأخوه عروج بربروس اللذين لجأت إليهما الجزائر وهما تابعين لسلطان الإمبراطورية العثمانية.
بدأ شأن هذين الأخوين يقوى إلى أن إستطاع خير الدين سنة 923 هجري من فتح الجزائر وقام بتشكيل أسطول كبير بمساعدة السلطان سليم الأول (3).

وبفضل الجهود المبذولة من خير الدين ومن خلفوه تمّ التوّسع نحو الجنوب, ووضعوا الحاميات العثمانية في المدن الداخلية, وقد أطلقوا على الحاكم الجزائري لقب "بيلرباي" أي رئيس البكوات (4).

لكن سنة 999 هجرة غيّرت الدولة العثمانية حكمها في الجزائر وأصبح يحكمها باشا لمدة 03 سنوات.
إستمر هذا الوضع إلى غاية 1070 هجري حين أصبح الوالي ضعيفا أمام رؤساء الجند, ولقد لقب الواحد منهم بالداي إلى أن تمكّن مجلس الدايات من تعيين أحد أعضائه حاكما على الجزائر, ورغم ذلك إستمرت الدولة العثمانية في إرسال الولاة من طرفها 03 سنوات حتى قام داي الجزائر سنة 1122 هجري بطرد الوالي القادم من طرف الدولة وبذلك أصبح هو المتصرف الوحيد في شؤون البلاد (5).

وفي هذه المرحلة خضعت الجزائر إلى نظام مزدوج: النظام الأول وهو يخص الجزائر العاصمة وضواحيها "دار السلطان" ويشرف عليه أمير الأمراء, وعهدت شؤون الدار للآغا الذي يشرف على القياد والشيوخ ورؤساء الأوطان والمدن على التوالي.
أما النظام الثاني فخاص بالمناطق الثلاث الأخرى وهي: بايليك الشرق وبايليك التيطري وبايليك الغرب, المسيّرة من طرف ممثلي أمير الأمراء الذي أطلق عليه إسم الباي ثم الداي (6).