السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما أصعب أن تعيشَ لحْظةً بِلحظةٍ معاناة شخصٍ قريبٍ إلى قلبِك
لحظات تتباطأ فيها عقارب السّاعة، تباطُؤَ ليالي الألم التي ترسُم ُ للمريضِ
خطّا باهتا يوحي له بدنوّ أجله،
إثْرَ كلّ خُطوةٍ تجرُّ معها فكرةَ الرّحيل عن كونٍ فقد بريقَ أنوارِه
ما أصْعبَ أن تكونَ الأقربَ لمريضٍ اقتحم السّرطانُ جسَدَه،
فثبّتَ جذورَه على مكمنِ راحتِه
وكم من مشْهَدٍ تحمله لنا الذّكرياتُ بعد فقْدِه
ذكرياتٌ لا تفارقُنا..بل تصبحُ امتداداً لحياةٍ تستمرُّ مع استمراريّةِ أنفاسِنا
هي واحدةٌ من بين مرضى السّرطان..ابتلاها اللهُ فصبِرت على ما به ابتلاها
كانت تبتسمُ حتّى لحْظة الوجع، لتُسكِتَ وجعا يتملّكنا حزنا عليها
كانت تدرك أنّها كشمعةٍ تحترقُ شيئا فشيء لتختفي وسطَ أثرِها
ومع ذلك فقد صمدت مستأنسةً بسواعدِ الرّعايةِ من أهلها وكلّ محبّيها
بل وكانت ترسُمُ دوائِرَ الأملِ بأنامل مرتجفة ..
يسندها يقينها وثقتها في أنّ قدر الله كلّه خير
هي زوجة أخي ، التي أمضت سنوات مرضها خاضعة لقضائه سبحانه
فقد اختارت مجابهة الألم ..وانتهجَت -نُصْحا- طيبَ الكلم
سبّاقة للخيْرِ..متّزنة الفِكرِ ..مهما حاصرَها السّقم
كنتُ اشعرُ بالقوّة والسّكينة كلّما ولجتُ البيت، ووجدتّها متربّعة على سجّادتها
رافعة إلى الله يداها، ودموع الخشوعِ إليهِ تبوحُ بما كلّلَ
ذكريات الشّوقِ إليْها
إلى أجواءٍ بجمالِ خصالِها لوّنَتْها.
أسأل الله العليّ القدير أن يسكنها فسيحَ جنانِه
وأحمده أن وهبها ثمارا خلّفتْها بعدَها
ثلاث أبناءٍ وجودهم بيننا كنسيمٍ ممتَدٍّ لِنسيمِها.
أيّها الأفاضل،
قد تُقرئكم كلماتي حُزن ذكرياتٍ نُقِشَتْ على ناصيةِ حياتي
لكنّها كلمات أبت إلاّ أن تُسْقِطَ مشاعر صادقة أردتُ مقاسمتَكُم إيّاها
وأمنيتي أن يجِد كلّ مريضٍ الحبَّ والرّعاية الخالصيْنِ من أهلهِ وأقاربِه
فعلى قدْرِ اهتمامِهِم به يخفّ ألمه ويتعزّزُ صبره على قدْرِ ثقته بخالقِه
أمرينِ إن حقّقناهُما له تغلّبَ على مخاوِفِه وتمكّن من مقاومةِ مرضِه
وقدرُ اللهِ كلّه خيْرٌ مهما كان مآله
وأغتنم الفرصة لأذكّر بأنّ للمجتمعِ دورٌ كبيرٌ في تخفيفِ أوْجاعِ
مرْضى السّرطان والأخْذِ بأيديهم ..
فلا تفوّتوا فرصَةَ إسْعادهِم، فهُم بحاجةٍ ماسّةٍ إليْنا.