منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - القبائل الأمازيغية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-04-17, 22:24   رقم المشاركة : 67
معلومات العضو
basic2000
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية basic2000
 

 

 
إحصائية العضو










Hourse الحضارة المصرية الأمازيغية(4)

تحــنو

في نهاية الجزء الثالث توقفنا عند احتمال أن يكون بيومي مهران قد اختلط عليه أمر الجمع بين المعبد والهرم من خلال حديثه عن صور الليبيين المقهورين التي تؤدي إلى الهرم الذي يبدو أن الأمازيغ هم الذين شيدوه على يد أونيس. كما نستشف من حديث موسالامي، على الأقل، بأن أونيس هذا من أصل أمازيغي. لنعد الآن إلى مسألة التشابه بين المصريين والأمازيغ كما جاءت في حديث بيومي مهران وغيره. لتحليل وتوضيح هذا الكلام أكثر أود أن أشير إلى ما قاله المؤرخون، في مواطن أخرى، عن هذا التشابه وهؤلاء الليبيين المقهورين الذين نجد صورهم في الطريق المؤدية إلى معبد هرم ساحورع (أو بالأحرى معبد ساحورع). يقول بعض المؤرخين: " لقد انعكست انتصارات نعرمر، على الليبيين، في الفلكلور المصري. ويقال أنه الرجل الذي فر من بيته إلى مسقط رأسه ، ليبيا، بسبب استفزاز من زوجة أخيه. ونجد أن العنصر التاريخي ملحوظ في هذا الصدد يتمثل في أن الأخ الهارب يقال أنه "نارباتا Narbata" (نعرمر Narmer)."[1] هل نفهم من هذا أن الفرعون نعرمر (الذي أسس الأسرة الأولى في مصر) أمازيغي؟ ! وإلا فما معنى الحديث عن مسقط رأسه في ليبيا؟ وإذا افترضنا بأنه أمازيغي (من ليبيا)، كما نستشف من هذا الكلام، فهل هذا يعني أنه كان يحارب قومه التحنو؟ قبل متابعة الإجابة على هذا التساؤل أود أن أذكر القارئ بأن ما يدل على الأصل الأمازيغي للفرعون "نعرمر" وغيره هو بالضبط ما أعنيه عندما أقول بأن الفراعنة الأوائل أو المصريين القدامى يحتمل، وبقوة، أن يكونوا من أصول أمازيغية، أي دون أن ننفي بأن وادي النيل قد التقت واختلطت فيه عناصر مختلفة سواء من قبل أو من بعد. فكما نرى عند الباحث موسالامي إذا كان الفرعون "نعرمر" من أصل أمازيغي فهذا يعني أن الأسرة الفرعونية الأولى في مصر كانت أمازيغية الأصل بكل بساطة. وسوف نسلط ما استطعنا من الضوء على باقي الأسرات التي أعقبت هذه الأسرة لاحقا. إن هذه الأسئلة تقودنا إلى المزيد من الحفر والمقارنات بين الوقائع التاريخية والأثرية بشكل معمق لعلنا نصل إلى نتيجة مقنعة في هذه النقطة. إذا كان الملك نعرمر (الفرعون "مينا" الذي وحد مصر أول مرة كما يذهب بعض المؤرخين) قد حارب التحنو (الأمازيغ الموجودين في مصر آنذاك) فإننا سرعان ما نجد خلفه يلقي بنفسه في أحضانهم ! بخلاف ما وجدناه في حديث مصطفى كمال عبد العليم، من خلال الفصل الثاني من هذا البحث، كما سيأتي بعد قليل توضيح ذلك. وفي هذا يقول بعض المؤرخين "إن نعرمر كان مضطرا لمعاقبة الأقاليم الليبية المتمردة في غرب الدلتا وأخذ عددا كبيرا من الأسرى. وكان هذا يعتبر كنوع من النفي لكل المقاطعة."[2] أول ما علينا أن ننتبه إليه هو أن هذه المعاقبة لا تعني دخول نعرمر إلى المناطق الأمازيغية في ليبيا، بل تتعلق بمعاقبة الأمازيغ الذين كانوا داخل الدلتا. هذا بالنسبة إلى الحديث عن موقف نعرمر تجاه الأمازيغ والذي لا ننسى أن ليبيا يفترض أنها مسقط رأسه، كما وجدنا من خلال الإشارة السالف ذكرها، أما بالنسبة لخلفه فيضيف موسالامي قائلا: "وإذا كان نعرمر قد حارب الليبيين، دون مصريي الدلتا، فإن الأمر مع خلفه "أخا Aha" كان مختلفا. فلقد شيد هذا الأخير معبدا في سايس للربة "نايت" وتزوج امرأة ربما من نفس المدينة اسمها "نايت- حوتب"، كما جاء اسمها في الأختام. وبعض أختامها يحمل اسم " سايسا sa isa" التي تحيل على هذه المدينة وتعني "ابن إيسا" ."[3] أود القول بأن محاربة نعرمر أو غيره لليبيين هنا لا تعكس ثقافة محاربة الغرباء بالضرورة، بل إننا لو ذهبنا مع ما يقوله المؤرخون، الذين قالوا بأن أصل الفرعون نعرمر من ليبيا، لوجدنا نوعا من التناحر الأمازيغي داخل مصر على الحكم. ولا مانع من القول بأن نعرمر ربما كان يمثل الأمازيغ الذين هاجروا إلى النيل في وقت مبكر سابق لتحنو كما أشرت سالفا. أعني أن الملك نعرمر ليس من الضروري أن يكون مصريا حتى يسعى لمحاربة الأمازيغ داخل مصر. خاصة أولائك الذين يفترض أنهم وقفوا حجر عثرة في طريق مشروعه التوحيدي. يقول موسالامي في حديثه عن هذا الملك: "واسم هذا الملك (أخا) نجده أحيانا في شكل "حور-أحا Hur-aha" الذي كان رمزه (الصقر) وكان على علاقة بالصحراء. "[4] سنتحدث لاحقا عن "حور" أو "حورس" وسنجد بأنه أمازيغي بخلاف ما يروج المؤرخ المشرقي النمطي. وبالعودة إلى التعليق عما أدرجته من حديث موسالامي عن تشييد الملك أونيس لمعبد الربة نايت، في سايس، أقول أنه لا يجب أن ننسى بأن "سايس" كانت تشكل مركزا للوجود الأمازيغي في مصر كما يضيف قائلا:"إن معبد سايس في غرب الدلتا، المركز الرئيسي للتأثير الليبي في مصر، نقش اسم "بيت لملك مصر السفلى". والإلهة السيدة لهذا المعبد هي "نايت Neht " الرهيبة بسهامها وأقواسها" وكانت تسكن في الغرب. إن الليبيين الذين يسكنون الشمال الغربي لمصر، خاصة في منطقة سايس، كانوا يشمون سواعدهم برمز الربة "نايت" . ويبدو أن سايس هي الموطن الذي كان يقيم فيه الملك الليبي للدلتا في زمن معين." [5] أولا أود أن أقول بأن هناك اختلافا بين ما نجده عند موسالامي وما نجده عند الدكتور مصطفى كمال عبد العليم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، فيما يتعلق بخلف الملك نعرمر. فكما ذكرنا، من خلال الفصل الثاني من هذا البحث، أن مصطفى كمال قد أشار إلى أن الملك عجا (خلف نعرمر) قد حارب الليبيين (الأمازيغ) وهذا ما ينفيه موسالامي هنا مع اتفاق الاثنين فيما يتعلق ببناء المعابد المذكورة الخ. وإذا دققنا فيما قاله الاثنان نجد أن حديث موسالامي أقرب إلى المنطق من حديث مصطفى كمال عبد العليم، لأن هذا الأخير في الوقت الذي يشير إلى أن هناك حروبا بين الملك عجا والأمازيغ الموجودين في مصر يتحدث أيضا عن أن هذا الملك قد شيد معابد ومن بينها معبدا للربة نايت التي هي أمازيغية. ولا بأس من إيراد ما ذكره بالحرف الواحد في هذا الصدد كما يلي: " ونرى على آثار الملك عجا خليفة الملك نعرمر إشارات كثيرة إلى حروبه مع الليبيين وإلى تشييده بعض المعابد، وبخاصة للربة نيت- حتب وربما كانت هي الأخرى من نفس هذه المدينة وقد تكرر اسم التحنو في نصوص الأسرتين الثانية والثالثة (2778-2723 ق.م) بوصفهم جماعات كان ينبغي على بعض فراعنة هاتين الأسرتين محاربتها والتصدي لوقف هجماتها". [6] ومن الواضح أن الملك عجا، كما جاء في كتاب مصطفى كمال، هو الملك "أخا Aha" بالتحديد كما جاء في كتاب موسالامي. لأن الأمر هنا يتعلق بخلف الملك نعرمر مباشرة. بيد أنه من الواضح أن موسالامي قد تحدث بعمق وبتفصيل أكثر عن الملك عجا (Aha) فهو مثلا يتحدث عن احتمال زواجه من مدينة سايس التي هي مركز للأمازيغ في مصر على حد تعبيره، كما يشير إلى الاسم الثاني لهذا الملك وهو "حور-أحا Hur-aha" الذي له علاقة بالإله الأمازيغي "حورس" كما سنجد لاحقا في حديثه. وهذا خلاف ما نجده عند مصطفى كمال الذي اكتفى بالإشارة إلى حرب الملك عجا ضد الأمازيغ واتفق مع موسالامي، كما نرى، في مسألة تشييد المعابد وعلى رأسها معبد الربة نايت الخ وهو ما استدل به وبغيره موسالامي على إيجابية العلاقة التي كانت تربط بين الأمازيغ وهذا الملك وليس كما يقول مصطفى كمال أو المرجع الذي ينقل عنه. هذا ومن الواضح أننا لا نجد في كلام موسالامي ما يدل على أن سايس كانت تشكل مركزا للوجود الأمازيغي في مصر فحسب، بل لا بد من الملاحظة أن هناك إشارة إلى احتمال أن يكون هناك ملك أمازيغي للدلتا في زمن مبكر. وبهذا يقوي الرأي المتجه إلى وجود مملكة أمازيغية في شمال الدلتا، كما تقدم ذكر ذلك. نعود الآن إلى ما نقله بيومي مهران عن جاردنر- كما أسلفت- فيما يخص الليبيين المقهورين الذين نجد صورهم على تلك الجدران المؤدية إلى معبد (هرم) ساحورع [7] ونقارن ذلك بما ورد في أبحاث أخرى عن هؤلاء، ففي حديثه عن الملك "أونيس" يقول موسالامي: "وتجدر الإشارة إلى أن النصوص السالفة على هرم "اونيس Unis" لا تربط هذا الملك بأصول ليبية فحسب بل تحيل أيضا على مناطق يقال أن التحنو قد احتلوها. وحسب هذه الإشارات والمراجع لأونيس كان هذا الأخير مرتبطا بغرب الدلتا، والفيوم، وإحناسيا Ihnasia وسايس التي كانت مناطق للتحنو على الأقل إلى غاية 1200 . ولذلك يقال بأن أونيس هو ابن صاحبة الشعر الأشقر والعينين الحمروين، كما توصف، في رسوم تعود إلى عهد الأسرة الرابعة. ويعتقد أنها أميرة ليبية لقبيلة قريبة من الفيوم." [8] هنا نجد موسالامي يؤكد بوضوح على أمازيغية "اونيس" وهذا، كما قلنا، يؤكد من جهة أخرى بأن الهرم المذكور أيضا شيده الأمازيغ. بيد أنه لا عجب من الحديث عن تشييد الأمازيغ للأهرام مادام لهم وجود في أرض النيل بهذه الأقدمية وما دام هناك حتى بعض الفراعنة، على الأقل، من أصول أمازيغية قد حكموا مصر منذ زمن مبكر جدا. يتابع موسالامي حديثه عن هذه الأميرة التي يفترض أنها والدة أونيس فيقول: "ورغم أن بعض المؤرخين يشكون في أصلها الليبي ويعتقدون بأن أي أصل ليبي في عهد الأسرة الرابعة يحتاج إلى أدلة قوية فإن صور أولائك المقهورين Exhausted على جدران أونيس في الطريق المؤدية إلى هرمه يمكن أن تمثل الليبيين الذين واصلوا محاولاتهم الاستقرار في المناطق المجاورة لأبيدوس ABYDOS. فإلى أي حد استطاع هؤلاء الليبيون أن يساعدوا "اونيس" في ثورته هو سؤال إشكالي بالفعل." [9] قبل الانتقال نحو العلاقة الرابطة بين هذا الملك والأمازيغ، كما جاءت في هذه الفقرة، سنعود إلى أمر هذا الهرم، الذي ذكرته آنفا، حيث نجد هنا بأن موسالامي يقول بوضوح أن هذا الهرم لأونيس خلاف ما وجدناه في حديث بيومي مهران. فحسب ما نجده أعلاه أن ما جاء في حديث بيومي مهران، عن هؤلاء المقهورين، يشير إلى أن الأمر يتعلق بهرم ساحورع، ومن المعلوم أن هذا الأخير هو الملك الأول من الأسرة الخامسة، أما ما نجده هنا في حديث موسالامي فهو يعني أن هذا الهرم للملك أونيس، كما هو واضح، مع العلم أن أونيس هو آخر ملوك هذه الأسرة. إذن لا عجب من الحديث عن أن الأسرة الخامسة لم تكن أسرة بالمعنى الكامل، أي أن أونيس لا ينتمي إليها، وفي الواقع هناك احتمال أن يكون أونيس هذا قد حصل على عرش الأسرة الخامسة عن طريق الثورة أو الانقلاب أو ما شابه. وربما كان لهجوم الأسيويين على مصر علاقة بذلك. أما إذا كان من سلالة الأسرة الخامسة مائة بالمائة فهذا يعني أن هذه الأسرة (الخامسة) أيضا أمازيغية ! وكل ما في الأمر أن الباحثين قد أدركوا ما يدل على أمازيغية أونيس ولم يدركوا بعد ما يدل على أمازيغية الأسرة الخامسة بكاملها. وإلا فإن أونيس ليس أمازيغيا كما نجد عند موسالامي وغيره. على كل حال هذه النقطة ما تزال بحاجة إلى مزيد من التحري والتدقيق. أود أن أؤكد هنا بأن ما نجده من الإشارات القوية إلى كون أونيس أمازيغيا وأنه صاحب الهرم المذكور يعني، كما أسلفت، أن الأمازيغ قد بنوا هرما، على الأقل، في مصر. ومن هنا نمر إلى العلاقة الجيدة التي ربطت هذا الملك بالأمازيغ، من جهة أخرى، بالموازاة مع ما رأيناه من الإشارات إلى كونه أمازيغيا. ففي الواقع ليس هناك أي مانع من القول بأنه أمازيغي ما لم يتبين لنا صحة العكس. إذا تحدثنا عن الوجود الأمازيغي في مصر نجد أنهم كانوا موجودين هناك بكثافة. وإذا تحدثنا عن الأقدمية نجدهم بأقدمية الفراعنة على ما يبدو، وإذا تحدثنا عن الجوانب التاريخية نجد أن هذا الملك يحتمل أن يكون ابن تلك الأميرة الليبية المذكورة. وإذا تحدثنا عن الجوانب السياسية نجد هذا الملك يميل إلى مدينة سايس بشكل كبير إضافة إلى اهتمامه بغير ذلك من الثقافة المتضح أنها أمازيغية مثل اهتمامه بالربة نايت وبنائه معبدا لها الخ. ويؤكد موسالامي، بعد ذلك، على العلاقة الإيجابية والجيدة، التي جمعت بين هذا الفرعون والأمازيغ في مصر، بقوله: "ليس هناك دليل على أن هذا الملك قد خاض حروبا ضد الليبيين وهذا ما يوازي علاقته الوجدانية المفترضة بسكان سايس أي تحنو."[10] ففي حديثه عن علاقة ساحورع بالأمازيغ وأنه قد هادنهم في مصر، بسبب الهجمات الأسيوية التي كانت مصر تتعرض لها، يخلص إلى جعل أونيس من بين الملوك الثلاثة الذين أعطى بهم مثلا على أمازيغية بعض الفراعنة وأن أسمائهم لا تشير إلى غير ذلك بقوله: "يبدو أن هجمات الأسيويين على الشرق، كما تظهر لنا المشاهد المرسومة على قبر "ديشاشيه Deshasheh، قد أقنعت ساحورع ليربط علاقة ديبلوماسية مع التحنو ." [11] على أن هذا الدافع ليس هو الوحيد الذي استند إليه الباحث في القول باحتمال أن يكون أونيس أمازيغيا وهذا يذكرنا حتى بإشارته إلى أمازيغية الملك نعرمر نفسه من خلال ذكره لتلك الأسطورة أو تلك القصة مع الإشارة إلى ما يدعمها على المستوى التاريخي كما ذكرت سالفا. يستطرد في حديثه عن علاقة أونيس بالأمازيغ قائلا: "إن الهجوم الأتي من الشرق كان جادا لدرجة أنه قد مهد الطريق أمام "أونيس Unis"، آخر ملوك الأسرة الخامسة، ليثور. فأونيس كان معروفا بـ "أوني" الذي ظهر مع الزعيم الليبي المهزوم على يد ساحورع. إذا كان هذا التعريف صحيحا، تصبح العلاقة بين آخر الملوك الثلاثة للأسرة الخامسة، "منكاحور Menkahur " و "أونيس Unis" و " وجيدكور Gedkure " ذات دلالة معينة، بما أن هؤلاء لم يصروا على "رع Re " في أسمائهم ولم يبنوا له معبدا في أبوصير Abusir. فأونيس، على سبيل المثال، سمى نفسه "ابن تفنوت Tefnut و حات-حور "Hat-Hur " ، اللذين كانا معبودين في المناطق الغربية لمصر وفي ليبيا.[12] وبهذا ينتهي إلى استناجه بأن هؤلاء الملوك الثلاثة كانوا أمازيغ من خلال عمله على إغناء آليات الاستدلال بقوله: "ولقد صرح أونيس أيضا بأنه كان قد أحرز تاجا أبيض في بلد عظيم جنوب ليبيا، وأنه كان السيد العظيم لـ( شريت Shreet ) (الفيوم حاليا) وأنه ابن "هيرشيف" (Her Shef) ربة إحناسيا Ihnasia . وقال أيضا بأنه قد توحدAssociated مع "حور" صاحب العينين الحمروين" [13] واضح أن طبيعة الاستنتاج هذا تقود إلى القول بأن هؤلاء الملوك من أصول أمازيغية بالنسبة لموسالامي والمؤرخين الذين أخذ منهم على الأقل. هذا ولعل التشابه الشديد بين المصري والأمازيغي، في كثير من الأحيان والأمور، قد ساعد بعض الباحثين، خاصة الشرقيين، على اختزال كل ما يوجد على ضفاف النيل في أبناء هذا الأخير، ولعله ساعدهم على التنكر للدور الأمازيغي في إنشاء وتطوير الحضارة المصرية. ولعل موسالامي كان على درجة من الصواب أيضا عندما قال: "إن الملك ساحورع الذي هزم التحنو كان يسمي زعيمهم "حاتي تحنو Hati Tehenu" أي أميرهم. وهذا يعني أن التحنو لم يكونوا يعتبرون أجانب تماما. "[14]. عندما نقارن بين هذه النقطة وما تحدثنا عنه من خلال الفصل الأول من هذا البحث، أي المقارنة بين الاسم الهيروغليفي" حاتيوعا"، الذي كان يطلق على التحنو والأمراء المصريين، نجد ربما هناك علاقة لهذا بما ذكره موسالامي هنا، وكأن نخبة من التحنو، التي كان يحاربها الفراعين، بما في ذلك نعرمر، هي نخبة الأمراء الأمازيغ والتي لا مانع منطقي من محاربتها في سبيل هدف سياسي من عيار توحيد مصر وما شابه حتى وإن قلنا بأن نعرمر، وغيره من الفراعنة الذين حاربوا التحنو، كانوا منهم؛ أي أمازيغ. يبدو أن كل هذه النقاط أصبحت واردة. وهناك نقطة أخرى تجعلني أرجح كفة الاحتمال بأن تكون مصر ما قبل الأسرات قد شهدت إمارات تحنوية (أمازيغية) والتي اضطر الفرعون "نعرمر" إلى محاربتها من أجل توحيد مصر حتى وإن قبلنا وجهة نظر المؤرخين الذين يشيرون إلى ألأصول الأمازيغية للفرعون نعرمر نفسه مثل التحنو، فيبدو أن هناك ما يدل على أن التحنو، أو بعض النخب منهم، على الأقل، كانوا أثرياء في مصر ولم يكونوا مجرد بسطاء. وفي هذا الصدد يقول المؤرخون: "إن الآثار المصرية تسجل ما يؤكد بأن التحنو قد بلغوا درجة لا بأس بها من القوة والنفوذ الاقتصادي وذلك من خلال ما تدلنا عليه الغنائم التي انتزعها من الليبيين كل من "خا-سيشيم" في عهد الأسرة الثانية، و"نيفركارع Nefercare" في عهد الأسرة الثالثة و"سنفرو" مؤسس الأسرة الرابعة".[15] وكما سبق أن قلت هناك إشارات قوية على أن هؤلاء التحنو كانوا أمراء بمصر في زمن ما قبل الأسرات، فها نحن نجد إشارة إضافية إلى نفوذهم الاقتصادي داخل مصر وهو ما يمكن القول بأنه يتنافى مع افتراضنا بأنهم قد هاجروا إلى مصر طلبا للقمة العيش على طريقة غيرهم من المهاجرين النمطيين. على كل حال لا شك أن نفوذهم كان قويا في مصر على كل المستويات. لكن الحديث عن هذه الغنائم، التي كان يحصل عليها ملوك مصر من التحنو، يجعلنا في نوع من الحيرة أو التناقض حيث نجد أن كل ما قام به الفراعنة من تسليط البأس على أمازيغ مصر، منذ ما قبل التاريخ إلى نهاية التاريخ، لم يسمن ولم يغنهم من جوع. بل وكأنهم كانوا يصبون مزيدا من الزيت في النار. وهذا ما فطن إليه موسالامي الذي استطرد، بعد حديثه عن تلك الغنائم، قائلا: "ولكن التحريات الدقيقة تدل على أن مناطق الليبيين كانت تتمدد بالتدريج رغم أن النقوش المصرية تسجل دائما انتصارات الفراعنة والأسرى الليبيين. فلقد قام التحنو باحتلال غرب الدلتا والفيوم وبلغوا جنوب ممفيس في عهد الأسرة الخامسة، كما يمكن أن نلاحظ من خلال الرسوم الموجودة في معبد "ساحورع Sahure"[16] كل هذا الكلام يشير، في الحد الأدنى، إلى أن هؤلاء الملوك الثلاثة المذكورون كانوا أمازيغ أيضا خاصة أونيس. ولعل التدقيق في علاقة أونيس هذا بالأسرة الخامسة، التي أصبح آخر فراعينها، يدل على أن العلاقة بين المصريين والأمازيغ كانت شبه أخوية، وكأنهم كانوا يتحاربون في السراء ويتوحدون في الضراء ولا داعي لتسيل الدماء حتى نجد هذا أو ذاك الفرعون أمازيغيا قد أصبح ملكا في مصر. ولعل موسالامي كان على درجة من الصواب حين قال: "إن النتيجة الطبيعية لطول مدة الامتزاج بين السلالات كانت تتمثل في الاندماج التدريجي الذي توسع لدرجة أنه أصبح، في بعض الأحيان، من الصعب علينا أن نميز بين المصري والليبي. والمثل على ذلك ما نجده في اللوح الذي عنونه ما سبيرو Maspero "جماعة من الصيادين الليبيين". ولكن مظهرهم يبدو وكأنهم مصريين" [17] إن ما يبدو جليا أكثر، مما تقدم ذكره، أن الوعي بالاختلاف العرقي يكاد يكون منعدما لدى المصريين تجاه الأمازيغ والعكس صحيح، مما يدل على قرابة كبيرة جدا كانت تجمع بعضهم ببعض وأن تلك الحروب التي كانت تشتعل بين وقت وآخر لا تحمل طابع التنافر الثقافي والعرقي أو التقليدي وإنما كانت سياسية لا أكثر ولا أقل. أعتقد، في ظل هذه المعطيات، أنه من المستحيل أن يتبوأ الأمازيغ هذه المكانة وهذا النفوذ كله، في أراضي مصر، ومن المستحيل أن يبلغوا هذا المستوى من الانسجام الذي تحدث عنه المؤرخون في حالة ما لو دخلوا مصر في ظل مملكة مصرية فرعونية مهما كان الأمر. فقد كان مصيرهم هو الطرد أو، على الأقل، الاستعباد داخل مصر كما حدث مع اليهود على سبيل المثال. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا نكاد نجد ذكرا لاجتياح عسكري قوي قام به الأمازيغ، فيما قبل الأسرات أو بعيد قيامها، وتم إخضاع مصر والاستيلاء عليها بشكل واضح مما يسمح لنا بالقول أن ذلك النفوذ وتلك القوة التي، بلغها التحنو وغيرهم من العناصر الأمازيغية في مصر، كان طبيعيا وامتدادا لاستيلائهم على مصر كما نجد مع النوبيين والهكسوس والإغريق فيما بعد على سبيل المثال. من هنا تدفعنا طبيعة ما نجده من العلاقة بين المصري والأمازيغي إلى القول بأن الأمازيغ قد تغلغلوا في الهيكل العظمي لمصر وأن الفراعنة الأوائل، على الأقل، لا يستبعد أن يكونوا من أصول أمازيغية إضافة إلى الأسر التي اتضحت لنا أمازيغيتها فيما بعد. ومن هنا أميل إلى ما يقوله المؤرخون من أن نعرمر وغيره، من الملوك الثلاثة المشار إليهم سالفا، يحتمل أن يكونوا أمازيغ. فبهذا وحده نستطيع أن نفهم طبيعة ما يبدو لنا من التناقض بين قوة النفوذ الأمازيغي، داخل مصر، وعدم اتضاح الاجتياح العسكري الذي يكفي لتأديب الفراعنة والإطاحة بهم وبالتالي فرض التاريخ الأمازيغي هناك بوضوح وبشكل يميزه عن باقي الفراعنة المصريين كما هو الحال مع اليونان الذين استولوا على وادي النيل، فيما بعد، وغيرهم.
في إطار الحديث عن التغلغل الأمازيغي داخل مصر يضيف مصطفى كمال عبد العليم، إلى ما تقدم ذكره، قائلا: "وقد نستطيع القول بأن بلاد التحنو كانت تشمل منطقة الفيوم والواحات ووادي النطرون ومارمريكا (وهي المنطقة الممتدة من السلوم إلى درنة).[18] فمن خلال مثل هذه الأقوال نجد وكأن الأمازيغ في القدم لم يتركوا لغيرهم في مصر إلا مساحات أرضية صغيرة، بالمقارنة مع ما سيطروا عليه هناك، مما يجعلنا لا نستبعد أن تكون هناك قبيلة أمازيغية قد هاجرت إلى وادي النيل في زمن مبكر جدا، أي قبل قبيلتي التحنو والتمحو الخ، ثم استقرت بوادي النيل ومن هنا جاء الفراعنة الأوائل كما يقول المؤرخون الذين تحدثوا عن أن المصريين القدماء كانوا من جنس ليبي. لو تأملنا التاريخ المصري القديم سنجد بأن التمصير كان في خط تصاعدي مما يعني أنه في يوم من الأيام كانت أرض النيل تحت النفوذ الأمازيغي شبه الكلي ومن ثم تدرج التمصير شيئا فشيئا إلى أن بلغت مصر حدودها المعروفة في العصور المتأخرة. بعد أن تحدث عن وثوق العلاقة التي كانت تربط الأمازيغ بالفراعنة يقول مصطفى كمال: "ولكن إذا سلمنا بأن التحنو كانوا يمتون بمثل هذه الصلة الوثيقة بالمصريين، فبم نفسر هذا الموقف العدائي الذي كان يقفه كل فريق من الآخر؟ وهل لم يفطن كل منهما إلى القرابة القائمة بينهما؟ والتفسير الذي يبدو محتملا هو أن الفوارق بين حضارة القومين قد أصبحت واضحة لدرجة أن المصريين لم يعودوا يشعرون باشتراكهم مع الليبيين في أصل واحد" [19] ويتحدث مؤرخون آخرون عن هذه المسألة وأن تغير المناخ قد أجبر الليبيين على التوجه نحو وادي النيل الخ [20] بيد أن مصطفى كمال، كما نرى، يطرح تساؤله بشكل معكوس بالنسبة لطريقة موسالامي، أي مادامت هذه العلاقة الوثيقة بين الأمازيغي والمصري القديمين موجودة فإن تفسير ما نراه من التنافر، في كثير من الأحيان بينهما، قد يكمن في أن القبيلة الأمازيغية التي استقرت مبكرا في منطقة النيل، والتي يفترض أنها سبقت قبيلة التحنو وغيرها، ربما كان من الطبيعي أن تسعى لحماية جنة النيل من الأمازيغ المتوافدين قبيلة بعد أخرى، وهو ما يعني مزاحمتها في هذه الأراضي الخصبة. يبدو أن هذا التفسير مقبول ومنطقي، فلا ننسى ما جاء في نقوش الكرنك، كما ذكرت في الفصل الأول، التي تركها مرنبتاح والتي تقول: "أن أمير ليبو قد انقض على أرض التحنو Hast nt Thnu ." [21] فهذا يوضح لنا بأن ذلك الانقضاض قد حدث من طرف قبيلة أمازيغية على أخرى أمازيغية أيضا، مما يدل على أنه كان هناك ضغط دائما من الغرب وأن القبائل الغربية الأمازيغية كانت تضغط على القبائل الشرقية باستمرار ولا يستبعد، في هذه الحالة، أن تكون القبيلة المستقرة على نهر النيل مبكرا قد استقرت هناك نتيجة الضغط الغربي أو أنه كان عليها، بعد أن استقرت في أرض النيل، أن تواجه غيرها من القبائل الأمازيغية التي حذت حذوها وأرادت، هي الأخرى، أن تنعم بخيرات مياه النيل وجنانه.