منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ذكرى استقلال الجزائر
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-06-27, 10:32   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
الهامل الهامل
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

ذكرى استقلال الجزائر
_________
ملخص الخطبة
_________
1- عيد وذكرى. 2- نعمة الاستقلال. 3- الجزائر من مغارس الإسلام. 4- شيء من تاريخ الجزائر ومخازي الاستعمار. 5- من مكائد الاستعمار. 6- الواجب بعد التمكين في الأرض.
_________
الخطبة الأولى
_________
أما بعد: يومكم هذا هو اليوم الأنور الأزهر، واليوم المحجَّل الأغر، اجتمع لكم فيه عيد وذكرى، أمَّا العيد فهو يوم الجمعة، وأمَّا الذكرى فكان حقُّها أن تعدَّ بالتقويم الإسلامي الهجري الهلالي، لكنَّها عدَّت بالتقويم الميلادي المسيحي، فتوافقت مع هذا العيد، إنَّها ذكرى استقلال الجزائر. والجزائر قطعة من أرض الإسلام، فيها نبتنا، وعلى حبِّها ثبتنا.
والاستقلال نعمة تستوجب شكر الله تعالى، ولا يشكر الله عليها حقَّ شكره، إلاَّ من عرف مخازي الاستعمار، وذاق مرارة الذلِّ والاستعباد، وعانى حياة البؤس والشقاء في ظلِّ الاستعمار، أو تواترت إليه بذلك الأخبار.
فإلى الله نتوجَّه بالشكر على ما أنعم به علينا من تخليصنا من أنياب شيطان الاستعمار، وأعاد أرض الإسلام إلى أمَّة الإسلام، وأحال كنائس التثليث إلى مساجد للتوحيد.
ومسجدكم هذا مسجد التقوى قد نال حصَّته من مغانم الاستقلال، إذ تحوَّل مسجد توحيد بعدما كان كنيسة تثليث، فنحمد الله على ذلك.
ونستنزل من رحمات الله الصيِّبة، وصلواته الزكيَّة الطيبَّة، لشهدائنا الأبرار ـ والله أعلم بمن مات شهيدًا في سبيله ـ ما يكون كفاء لبطولتهم في الدفاع عن شرف الحياة وحرمات الدين وعزَّة الإسلام وحقوق هذا الوطن الغالي، وطن الجزائر.
والجزائر ـ أيُّها السامعون ـ من أزكى المغارس التي غرست فيها شجرة الإسلام، فنمت وترعرت ثمَّ آتت أكلها طيِّبًا مباركًا فيه، من القرن الأوَّل للهجرة: فقد حمل الفاتحون وفيهم أولو بقيَّة من أصحاب رسول الله تعاليمَ الإسلام إلى شمال إفريقيا، وقلب هذا الشمال هو الجزائر، نشروا عقائد الإسلام حتَّى استقرَّت في النفوس، واجتثُّوا وثنية البربر وبقايا العتوِّ الروماني. ومن قرأ تاريخ المدن الجزائريَّة التي كانت لها في الحضارة الإسلامية أوفر نصيب؛ تلمسان وبجاية وتيهرت وقلعة بني حمَّاد وزواوة والمسيلة وطبنة وبسكرة وقسنطينة وغيرها، من قرأ التواريخ علم أيَّة سمات خالدة وَسم بها الإسلام هذا القطر.
فلم يزل حصنًا منيعًا في وجه أطماع المستعمر الصليبي، لأنَّ من دخله سهل عليه دخول بقيَّة أوطان المسلمين، ولهذا لم يزل فيه طامعًا، متربِّصًا به مبيِّتًا الفرصة المواتية، فكانت الفرصة في عام 1246 هـ، الموافق لعام 1830م، حين تدهورت أمور البلاد، واختلَّ الدين واعتلَّ الاعتقاد، وفشا في الحاكم والمحكوم الفساد، فتداعت علينا عساكر الاستعمار، وانقضَّت علينا جيوش الاستدمار.
احتلَّت فرنسا الجزائر المسلمة احتلالاً مدبَّرًا مبيَّتًا على برنامج يدور كلُّه على محور واحد، ويرمي إلى غاية واحدة، وهي إذلال المسلمين ومحو الإسلام في الشمال الإفريقي كلِّه، وكان الإسلام في الجزائر يوم الاحتلال قويًّا بمعنويَّاته ومادِّيَّاته، مكينًا في النفوس، متمكِّنًا في الأرض بمقوِّماته من مساجد لإقامته، ومدارس لعلومه، وأوقاف دارَّة الريع للقيام به وحمايته، وكان هو المرجع في التشريع والتنفيذ.
فماذا صنع الاحتلال الفرنسي من أوَّل يوم؟ بدأ بخطَّة كانت مرسومة من قبل، وكشف عن مقاصده المبيَّتة للإسلام بعد أسابيع من احتلال الجزائر العاصمة، بدأ بمصادرة الأوقاف الإسلاميَّة بجميع أنواعها في العاصمة وإلحاقها بأملاك الدولة المحتلَّة، وأصدر قانونًا بتعميم المصادرة في كلِّ شبر يحتلُّه، ثم عمد إلى المساجد فأحال بعضها كنائس وبعضها مرافق عامَّة، وهدم بعضها لتوسيع الشوارع وإنشاء الميادين، ثمَّ عمد إلى المساجد الباقية فاحتكر التصرُّف فيها لنفسه، واستأثر بتعيين الأئمَّة والخطباء والمؤذِّنين والمفتين، وأجرى عليهم الأرزاق من خزينته العامَّة ليبقوا دائمًا تحت رحمته، يدورون في فلكه، يتوخَّون رضاه، ويخدمون مصالحه.
وله أعمال من دون ذلك هو لها عاملٌ، وكلُّها تتلاقى عند غاية واحدة وهي محو الإسلام من الجزائر حتَّى تصفو له، وتصبح فرنسيَّة الهوى واللسان والعاطفة والفكر والاتجاه.
ومن مكائده الخفيَّة لمحو الإسلام تشجيعه للخرافات والبدع والضلالات الشائعة بين مسلمي الجزائر لعلمه أنَّها تفسد عقائد الإسلام الصحيحة، وتحبط عباداته، وتبطل آثارها، وتخلط الموازين، فتلتبس السنَّة بالبدعة، والحق بالباطل، خبَّ الاستعمار وأولع في هذا المضمار وجمع على حرب الإسلام كلَّ ضالٍّ من أبنائه، وكلَّ دجَّال وكلَّ مبتدع وكلَّ متَّجر بالدين، يشجِّعهم ويرعاهم، وظاهرهم بجيش آخر من المبشِّرين يحميهم ويمهِّد لهم الطريق، ثمَّ بجيش آخر من الملاحدة الذين أنشأتهم مدارسه على درجات تبدأ بالزهد في الإسلام، ثمَّ بالتنكر له، ثمَّ بالخروج منه والازدراء بأهله والسخرية بهم، وسمَّوهم: المفكِّرين والمثقَّفين والمتنوِّرين ونخبةَ المجتمع، والحقيقة أنَّهم دوابٌّ مسيَّرة بخطَّة مدبَّرة، أعدَّهم المستعمر إعدادًا، ليكونوا له امتدادًا، وللهدم والتدمير إمدادًا، ولنشر الإلحاد والفساد أعوانًا ومددا.
فإنَّ نشره للإلحاد بين المسلمين وسيلة لمحو الإسلام، وحمايته للفواحش كالخمر والبغاء والقمار، وسيلة أخرى لنفس الغرض والمرام.
ففي الجزائر يبيح الاستعمار الفرنسي فتح المقامر لتبديد أموال المسلمين، وفتح المخامر لإفساد عقولهم وأبدانهم، وفتح مواخر البغاء والزنا لإفساد نسلهم ومجتمعهم، لكنَّه في المقابل لا يسمح بفتح مدرسة عربيَّة تحيي لغتهم، ولا بفتح مدرسة دينيَّة تحفَظ عليهم دينهم.
هذا بعض ما فعله المستعمر الفرنسي من موبقات نحو الإسلام، وما جنَّده من جنود لحرب الإسلام في الجزائر، لعلمه أنَّه لا بقاء لسلطانه وجبروته ما دام القرآن محفوظًا، والعقائد الصحيحة ثابتة، والشعائر المرفوعة قائمة، والسنن المأثورة مشهودة، ولغة القرآن مالكة للأسنة، ومظاهر الإسلام ظاهرة.
فنحمد الله ونشكره على ما منَّ به علينا من نعمة الاستقلال.
_________
الخطبة الثانية
_________
عباد الله، يقول الله عز وجل: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ [الحج:41].
هذا شرط شرطه الله عز وجل على الذين مكّن لهم في الأرض وأصبح أمرهم بيدهم أن يقوموا بهذه الأربعة.
لقد تحقَّق الاستقلال ومكَّن الله العباد في البلاد، وأصبح أمرنا بأيدينا لا بأيدي المستعمر، فهل أقمنا الصلاة وآتينا الزكاة وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر؟!
كلاَّ، فالصلاة لا آمر بها ولا زاجر عنها، وكأنَّها من شأن المسلم ونفسه، إن شاء أقامها وإن شاء تركها. والمسلمون قد أجمع علماؤهم أنَّ المصرَّ على ترك صلاة واحدة يجب على الحاكم أن يقيم عليه حدَّ القتل، وحدِّث عن مانعي الزكاة التي حين تركها حيٌّ من العرب جهَّز لهم أبو بكر جيشًا لقتالهم، وأجمع الصحابة على ذلك، ولم يمنعهم من ذلك الخطر المداهم من قبل الروم الذين كانوا يجمعون لهم في اليرموك، وما ذاك إلاَّ لعظمة هذه الفريضة وخطورة الامتناع عن أدائها، وحدِّث عن تاركي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الرعيَّة عمومًا ومن الرعاة خصوصًا، كلّ حسب ما هو فيه من مسؤوليَّة ورعاية.
هل حققنا لأنفسنا في مدة أربعين سنة ـ وهي ثلث المدَّة التي قضاها المستعمر في بلادنا ـ ما كنا نطالب به الاستعمار؟! هل قضينا على الموبقات والمحرمات التي نشرها الاستعمار في بلادنا؟! هل قضينا على الخمر والقمار والدعارة المنظَّمة؟! قد كان من أوَّل ما ألغاه الاستعمار المحاكم الشرعيَّة، فهل أعدنا بناءها بعد أزيد من ثلث قرن؟!
إنَّ كلَّ محاولة اليوم لمحو مظاهر الإسلام وسمة التديُّن والعبث بلغة القرآن ومقوِّمات الأمَّة وتاريخها إنَّما تصبُّ في مصبٍّ واحد، وهو ما كان يرمي إليه المستعمر من قبل، وقد خرج المستعمر، لكنَّه خلَّف من ورائه أفراخًا ليكونوا امتدادًا له، وأيديَ موصولة بخيوطه، من دجاجلة الخرافة والبدع، ومن المنصِّرين، ومن المسمِّين أنفسهم بالمثقَّفين والنَّخبَوِيِّين المتنوِّرين الذين لسانهم لسان المستعمر، وفكرهم فكره، وعواطفهم عواطفه، وحنينهم إليه، وهو بالأشواق إلى وطنهم يستنزف خيراته.
يا معشر الجزائريِّين، إنَّ الاستعمار كالشيطان الذي قال فيه نبيُّنا : ((إنَّ الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنَّه رضي بالتحريش بينكم)).
فهو قد خرج من أرضكم، ولكنَّه لم يخرج من مصالح أرضكم، ولم يخرج من ألسنتكم، ولم يخرج من قلوب بعضكم، فلا تعاملوه إلاَّ فيما اضطررتم إليه، فإنَّ الاستعمار العسكري ذنبٌ، والاستعمار الثقافي والفكري هو الرأس، والحيَّة لا تموت بقطع ذنبها، بل كما قال الشاعر:
لا تقطعنَّ ذنب الأفعى وترسلها إن كنت شهمًا فأتبع رأسها الذنبا
وعلى الجزائر أن تحرِّر ثقافتها من التبعيَّة كما حرَّرت أرضها من الاستعمار، والخطوات البطيئة في هذا المضمار لا ترضي شهداءها الأبرار، بل البدار البدار، ليتأكَّد الانتصار، ويكتمل الاستقلال والانتصار.
نسأل الله تعالى لأهل هذه البلدة وللقائمين عليها عودةً إلى الله تعالى وإلى دينه، تعود بها العزَّة والكرامة، وحكمةً مستمدَّةً من تعاليم الإسلام، تسدِّد الرأي وتثبِّت الأقدام، وألفة تجمع الشمل، ووحدةً تبعث القوَّة، وعزيمةً تقطع دابر الاستعمار من النفوس، بعد أن قطعت دابره من الأرض.
ونعوذ بالله من كلِّ داع يدعو إلى الفرقة والخلاف، وكل ساع إلى التفريق والتمزيق، وكل ناعق ينعق بالفتنة والفساد.










رد مع اقتباس