منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ماجستير البلاغة والأسلوبية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-09-16, 18:21   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
meriem saghira
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية meriem saghira
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مدخل إلى الأسلوبية
تعريف الأسلوب اصطلاحا

نعرف الأسلوب على أنه الطريقة التي يستعملها الكاتب في التعبير عن موقفه، والإبانة عن شخصيته الأدبية المتميزة عن سواها، إذ يختار المفردات ويصوغ العبارات، ويأتي بالمجاز والإيقاع اللذين يناسبان نصه، حتى قيل الأسلوب هو الرجل.

تعريف الأسلوبية ونشأتها

ترجع بوادر الأسلوبية إلى العالم اللغوي السويسري فرديناند دي سوسير (1857-1913م)، واضع علم اللسانيات، والذي استطاع التفريق بدقة بين اللغة والكلام بمعادلته الشهيرة: "اللسان في نظرنا هو اللغة ناقص الكلام"، وأوضح أن اللسان هو: "نتاج اجتماعي لملكة اللغة، فهو مجموعة من الأعراف الضرورية التي يستخدمها المجتمع لمزاولة هذه الملكة عند الأفراد" ، وأنه نتيجة لعلميات متواصلة للكلام عبر الزمن، أما الكلام فهو تطبيق صوتي، وتركيبي ومعجمي، واللسان هو الذي ينتجه.

ثم أتى تلميذه المختص في السنسكريتية واليونانية الباحث اللساني شارل بالي (1865-1947م)، ليشرح مفاهيم دي سوسير في اللسانيات، ليعكف بعدها على دراسة الأسلوب، فكان هو أول من أرسى قواعد الأسلوبية المعاصرة منذ سنة 1902م.

ووصف جوليان غريماس، وجوزيف كورتيس الأسلوبية بأنها: "مجال بحثي يندرج ضمن التقليد البلاغي،لم تفلح في تنظيم نفسها في علم مستقل"، بينما وسم كل من تزفيتان تودور، وأوسوالد دوكرو (ولد 1930م) الأسلوبية أنها: "الوريث المباشر جدا للبلاغة".

لكننا في المقابل نجد مجموعة من الذين اختاروا السير قدما في درب الأسلوبية قد تهجموا على البلاغة ووصفوها بالعجوز، ومنهم ميكائيل ريفاتير حيث اعتبر البلاغة المعيارية من عراقيل الأسلوبية.
والأسلوبية بوصفها منهجا نقديا يصنفها جون دوبوا على أنها:"فرع من فروع علم اللسان"، وهذا ما يؤكده ميشال أريفي بقوله: "الأسلوبية وصف للنص الأدبي حسب طرائق مستقاة من اللسانيات"، وهو إثبات لدور اللسانيات في بلورة مفهوم الأسلوبية،

وقد نادى رومان ياكبسون (1896-1982) في إحدى محاضراته الشهيرة إلى توثيق العلاقة بين اللسانيات والأدب عموما".

ثم نادى عبد السلام المسدي بمد الجسور بين النقد وعلم اللسان عن طريق علم الأسلوب"، مؤكدا أن المعرفة الإنسانية هي مدينة للسانيات بفضل كثير، سواء في مناهج بحثها أو في تقدير حصيلتها العلمية"، وكذلك جون لويس كابانيس الذي دافع عن قوة العلاقة بين علم اللسان والنقد الأدبي، من خلال بيان مظاهر التأثير اللساني في النقد (دروس سوسير، مبادئ الشكلانيين الروس، ...).

وترتبط الأسلوبية مع المدارس النقدية الأخرى ومنها الشعرية (أو ما يصطلح عليها بالإنشائية)، هذه الأخيرة التي يصنفها جون دوبوا أيضا على أنها:"جزء لا يتجزأ من اللسانيات، وهي العلم الشامل الذي يبحث في البنيات اللسانية"، أما جون كوهين فيقول:"دل مصطلح الشعر على كل موضوع خارج عن الأدب، أي كل ما من شأنه إثارة الإحساس، فاستخدمت في الفنون الأخرى: شعر الموسيقى، شعر الرسم، والأشياء الموجودة في الطبيعة" . فالشعرية هي ذلك الأثر الذي يلي إنتاج العمل الأدبي وتبقى بصماته باقية بعد ذلك، وهذا ما يقرره تودوروف بقوله:"ليس العمل الأدبي في حد ذاته هو موضوع الشعريات، إذ ما تستنطقه هو خصائص هذا الخطاب النوعي الذي هو الخطاب الأدبي".

ويعود فضل كبير إلى جاكبسون في الاهتمام بالشعريات، ونظريته اللسانية التواصلية التي اهتدى فيها إلى مفهوم الرسالة، وما يمكن أن تولده من دلالات كالوظيفة الشعرية التي تكون فيها الرسالة غاية في ذاتها، لأنها العمل الفني المعني بالدراسة" ،

والشعريات:"هي بخلاف تأويل الأعمال النوعية لا تسعى إلى تسمية المعنى، بل إلى معرفة القوانين العامة التي تنظم ولادة كل علم، ولكنها بخلاف هذه العلوم التي هي علم النفس، وعلم الاجتماع تبحث عن هذه القوانين داخل الأدب ذاته، فالشعريات إذن مقاربة للأعمال مجردة وباطنية في الآن نفسه" ، وهي:"الكليات النظرية عن الأدب نابعة من الأدب نفسه إلى تأسيس مساره، فهي تناول تجريدي للأدب مثلما هي تحليل داخل له"

وتبرز مسألة التداخل بين الأسلوبية والشعرية، إذ إن للأسلوبية علاقة بالشعرية، بحيث تشمل هذه الشعريةُ الأسلوبيةَ بوصفها مجالا من مجالاتها البارزة"، لكن جون لويس كابانيس يبين ذلك بطريقته الخاصة، حيث يؤكد أن التداخل بين الشعريات والأسلوبيات راجع إلىاهتمامها-في الفترات الأخيرة- بالأسلوب، ومفهوم الانحراف، وفكرة الجنس، فهو على الرغم من انه حاول أن يفرق بين أسلوبيات شارل بالي التي كانت تهتم بالتعبير عن العواطف في اللسان دون الاعتناء بالآثار الأدبية، وأسلوبيات ليو سبيتزر (1887-1960) التي عمدت إلى دراسة أسلوب الكاتب، ونظرت إلى الأسلوب على انه انحراف نسبة القاعدة التي يكونها اللسان المعاصر، فتطورت الأسلوبيات حتى وجدت نفسها معنية بالأسلوب، ومفهوم الانحراف، والجنس الأدبي، والخطاب، فتقاطعت مع الشعريات التي كانتتقوم على دراسة هذه الموضوعات خصوصا ذلك المسمى بالأسلوب الشعري الرمزي، والأسلوب النثري، كما فعله جون كوهين

لكنه يعود ويحاول وضع الفرق بينهما في قوله:"الدرس اللساني يفرق بين الشعريات والأسلوبيات من حيث حدودهما العلميةوطبيعتهما، ذلك أن الاتجاه الشعري يظل مسوسا بمنظار منهجي لا يبحث عن الصفة المميزة للأسلوب، ولا يدرس الخصائص المميزة للعلامات إلا داخل منظومة الأثر، لأن الأعمال من مشمولات الأسلوبيات، وذلك هو الفرق بينهما

وتقر الأسلوبية بدور القارئ أو المتلقي، حيث يرى ميكائيل ريفاتير أن:"كل بنية نصية تثير رد فعل لدى القارئ تشكل موضوعا للأسلوب"، كما اقترح فرانسوا راستيي نظرية للقراءة عمدتها القارئ"، وذلك إقرار بأهمية القارئ حين تلقيه للعمل الأدبي ودعوة صريحة لإشراكه في شرح وتفسير النص الأدبي، وهنا تبرز مسألة التأثير وتأثر الأعمال الأدبية بالنظرية التواصلية التي طرحها رامان سلدان الذي:"أبرز دور الرسالة، ودور القارئ الذي يفكك شفرة الرسالة في بناء الفعل التواصلي وإدراك الدلالات المختلفة

وأسهم نؤام تشومسكي (ولد 1928) من خلال نظريته التحويلية التي تُقَّدِم:"أداة للتحليل الأسلوبي يفسر العلاقة بين الإبداع عند الأديب والإبداع الذهني عند المتلقي"، والحديث عن الإبداع عند المتلقي الذي يتواصل بالإبداع عند الأديب يطرح أهمية تزود المتلقي بالثقافة المطلوبة وإحاطته بالمجال الذي هو بصدد قراءته، كما يرى مصطفى ناصف أن:"النص الأدبي الرفيع لا يمكن أن يتفتح أمامنا دون ثقافة واسعة في المجال العقلي والروحي الذي ينتمي إليه هذا النص" بمعنى أن هناك:"ظواهر أساسية في تركيب اللغة أو المعنى تحتاج إلى تنوير من خلال الربط بين الشعر واللغة والفلسفة والدين" ، وهنا يتأكد دور القراءة الواعية في تشكيل رؤية جديدة تتكشف لدى القارئ مع كل نص يقرأه، ومع تعدد القراءات يكتسب القارئ مجموعة من الطاقات التحليلية التي كانت غائبة عنه قبل ذلك في شتى مجالات إبداع الفكر البشري، مثلما يقول ليونارد بلومفيلد (1887-1949) لكي يتسنى لنا تحديد دلالة صيغة لغوية معينة تحديدا علميا دقيقا، لا بد لنا من معرفة علمية حقيقية بكل ما يشكل عالم المتكلم" ، وإذا كان هذا منطبقا على شتى أنواع الأدب، فإن الضرورة تقتضي ذلك خاصة في الشعر الذي يحفل بكثير من الإنزياحات ويطلق العنان للخيال والرمز، مما يحتِّم على القارئ الإبحار مع الشاعر والإمساك بالدلالة وإن تعددت أوجه التناص، ولعل هذا ما دفع هنري بير إلى أن يقول:"الحقيقة أظهرت لهاوي الشعر وللذييقرأه لنفسه وينعم به دون الغوص فيه على تلميح مخفي أو رسالة فلسفية، أن الشعر الجيّد للقارئ الجيّد" أو كما قال ملارميه في مقابلة أجراها معه جول هوريه عام 1891:"على الشعر دائما أن يحمل لغزا، وهو هذا هدف الأدب. أعتقد أن الشعر موجود للنخبة، في مجتمع يعرف ما الأبهة" ، هذه النخبة لا بد أن تكون المتلقي المتمكن والحصيف الذي يستطيع فك الألغاز وبالتالي الإحاطة بالدلالة.
يقول شكري عزيز الماضي:"يرى البنيويون بأن القارئ ليس ذاتا، إنه مجموعة من المواصفات التي تشكلت من خلال قراءاته السابقة، وبالتالي فإن قراءاته للنص وردّ فعله إزاءه تتحدد بتلك القراءات، وبما أن هناك قراء عديدين فإن هناك قراءات متعددة للنص الواحد" ، وهذا يعني أن قراءة جديدة تفيدنا بجانب من جوانب النص النابضة بالحياة، والتعدد في القراءة بقدر ما يستجلي إضاءات مختلفة حول النص، فهو يثري النص وقارئه معا، وكثرة القراءات بقدر ما تبيِّن لنا أهمية النص المقروء، فهي تطلعنا على الزوايا الممكنة والمحتملة التي يمكن النظر من خلالها إلى هذا النص، وبالتالي إمكانية القراءة والتأويل الذي يفرضه الانزياح في بنية النص الأدبي، وتحاول الأسلوبية الإمساك به.

والأسلوبية تهتم بالسياق للإحاطة بالدلالة، فالسياق وحده:"هو الذي يوضح لنا ما إذا كانت الكلمة ينبغي أن تؤخذ على أنها تعبير موضوعي صرف، أو أنها قصد بها أساسا التعبير عن العواطف، والانفعالات وإلى إثارة هذه العواطف والانفعالات، ويتضح هذا بخاصة في مجموعة معينة من الكلمات نحو:حرية، عدل، التي قد تشحن في كثير من الأحيان بمضامين عاطفية" ، أو كما يقول بلومفيلد:"إن دلالة صيغة لغوية ما إنما هي المقام الذي يفصح فيه المتكلم عن هذه الدلالة والرد اللغوي أو السلوكي الذي يصدر عن المخاطب" ، وهذا ما يوضحه أكثر أندري مارتيني (1908-1999) بقوله:"خارج السياق لا تتوفر الكلمة على معنى" ، وأعطى بول جون أنطوان مييي (1866-1936) وجها إحصائيا للسياق حينما أكَّد أنه:"لا يتحدد معنى الكلمة إلا من خلال معدل استخداماتها" ، لهذا كان أشهر شعار لدى لودفيغ فيتغنشتاين (1889-1951) "المعنى هو الاستعمال"، وهو الشعار الذي تلقَّفه عبد السلام المسدي حينما وسم الأسلوب بالعبارة التالية:"الأسلوب هو الاستعمال ذاته، فكأن اللغة مجموعة شحنات معزولة. فالأسلوب هو إدخال بعضها في تفاعل مع البعض الآخر كما لو كان ذلك في مخبر كيماوي" ، فالكلمة لوحدها معزولة لا نستطيع الجزم بمدلولها، وتبقى الدلالة المعجمية لها مفتوحة على كل التأويلات، أما حين استخدامها في الجملة والنص فيمكن استبعاد بعض الدلالات والاقتراب من دلالات ممكنة أخرى، أو حصرها في دلالة واحدة لا غير.

1- اتجاهات الأسلوبية : وبناء على ما سبق يمكن أن نستخلص اتجاهات الأسلوبية ومقولاتها ومستويات التحليل فيها، وبالتالي الاستعانة بذلك في تحليلنا للنصوص الأدبية، وهي كما يلي:

أ- أسلوبية التعبير:

أسلوبية التعبير أو الأسلوبية الوصفية تعنى بمعالجة تعبير اللغة بوصفه ترجمان أفكارنا. ويعد شارل بالّي رائدها بدون منازع ولا مدافع. وهو يحدد الأسلوبية بأنها: "دراسة أحداث التعبير اللغوي المنظم لمحتواه العاطفي، أي دراسة تعبير اللغة عن أحداث الحساسية، وفعل أحداث اللغة على الحساسية" . فهذه الأسلوبية –كما يؤكد بيير غيرو- تعبيرية بحتة، ولا تعني إلا الإيصال المألوف والعفوي، وتستبعد كل اهتمام جمالي أو أدبي".

ومن أشياع هذا الاتجاه المتأثرين بمنهاج بالي ومفهومه للأسلوبية نجد كلا من جول ماروزو، ومارسيل كروسو.

ب- أسلوبية الفرد:

أسلوبية الفرد أو الأسلوبية التكوينية ظهرت على يد النمساوي ليو سبيتزر، كرد فعل على أسلوبية بالي، وبتأثير مباشر من أستاذه الألماني كارل فوسلير (1872-1949). ويرى سبيتزر أن الفرد مستعمِلَ اللغة غير ملزم بالتقيد بقواعد اللغة المتعارف عليها، بلبإمكانه أن يتملص منها، ويبدع تركيبا لغويا جديدا يميزه عن غيره، ويكون بمثابة أسلوب خاص به وحده. وتكمن مهمة الناقد الأسلوبي في دراسة تلك الخواص اللغوية المتفردة الدالة على شخصية الكاتب. ويبدو أن سبيتزر قد تأثر في رأيه هذا بآخرين سبقوه إلى توكيد صلة الأسلوب بصاحبه. بحيث يروى أن ( أفلاطون) قال: "كما تكون طباع الشخص يكون أسلوبه". واعتبر (سينيك) الأسلوب صورة الروح. وكان الكونت بوفون (1707-1788) قد ألقى في المجمع العلمي الفرنسي عام 1753 محاضرة نفيسةبعنوان "مقالات في الأسلوب"، مما جاء فيها: "الأسلوب هو الرجل عينه"؛ بمعنى أنه صورة لصاحبه، تبرز مزاجه وطريقته في التفكير ورؤيته إلى العالم. وبعبارة المسدي، فهو "فلسفة الذات في الوجود" . وقد أثَّر بوفون بنظريته هذه في كل الذين جاؤوا من بعده من نقاد الأدب ومنظّري الأسلوب (بول كلودال، شوبنهاور، فلوبير، ماكس جاكوب...). إن الأسلوب الفردي – كما يقول فريديريك دولوفر : "حقيقة بما أنه يتسنى لمن كان له بعض الخبرة أن يميز عشرين بيتا من الشعر إن كانت لـ:راسين أم لـ: كورناي، وأن يميز صفحة من النثر إن كانت لـ:بلزاك أم لـ:ستاندال

ويجرنا الإقرار بحقيقة الأسلوب الفردي إلى القول باختلاف الأساليب من كاتب إلى آخر. وقيل كذلك:" إن هنالك إلى جانب الأساليب الخاصة بواحد من أئمة الفن أسلوبا عاما مطلقا يصلح لكل زمان ومكان، وهذا الأسلوب العام هو الطريقة الكلية التي تعبر عن كيفية تأثير العقل في الطبيعة.
وإلى جانب هاتين الأسلوبيتين يتحدث بعضهم عن أسلوبيات أخر، كالأسلوبية البنيوية التي وضع أسسها فرديناند دي سوسير. ومن أعلامها ريفاتير الذي يؤمن بوجود بنية في النص، وبوجوب البحث فيها. ويضيف إلى ذلك أهمية "المتلقي" في تحديد الأسلوب والأسلوبية. فهو يزعم أن هذه الأخيرة " تدرس في الملفوظ اللساني تلك العناصر التي تستعمل لإلزام المرسل إليه أو متلقي الشفرة ومفسرها بطريقة تفكير مرسل هذه الشفرة. بمعنى أنها تدرس فعل التواصل لا كإنتاج صرف لمتسلسلة لفظية، بل كأثر شخصية المتحاور وكانتباه المرسل إليه. باختصار، فهي تدرس الإيراد اللساني عندما يتعلق الأمر بنقل شحنة قوية من المعلومة" . ويرى أيضا أن كل بنية نصية تثير رد فعل لدى القارئ تشكل موضوعا للأسلوب. وكلما كان هذا الرد واعيا، كان الإحساس أقوى بميزة هذا الموضوع . واهتم ريفاتير كثيرا "بالسياق الأسلوبي"، وعرّفه على أنه نسق لغوي يقطعه عنصر غير متوقع ، أي مضاد للسياق، وغير متنبأ به، بحيث عقد له فصلا خاصا في كتابه الشهير(محاولات في الأسلوبية البنيوية)، وقسمه إلى "سياق أصغر" و"سياق أكبر". ونجد في هذا التيار كذلك ياكبسون، وإن كان جيرو يصنفه ضمن أسلوبية أخرى مستقلة، سماها" الأسلوبية الوظيفية".
وبالرغم من اختلاف الدارسين حول جدوى استخدام تقنية الإحصاء في دراسة الأسلوب بين معارض لها (غريماس مثلا)، ومؤيد (مولر مثلا)، وكما وسم اولمان الطرق الإحصائية بافتقارها للحساسية الكافية لالتقاط الخبايا الدقيقة للنص، وعدم احتفالها بالسياق، وتقديمها الكم على الكيف، وحشدها لعناصر متباينة على صعيد واحد بناء على تشابه سطحي بينهما ، وذهاب تشومسكي إلى أن:"المصطلحات العلمية الفخمة والإحصاءات المؤثِّرة التي يكسو بها السلوكيون دراساتهم ما هي إلا لون من ألوان الخداع والتمويه يخفون به عجزهم عن تفسير الحقيقة البسيطة التي تقول أن اللغة ليست نمطا من العادات، وأنها تختلف جوهريا عن طرق الاتصال عند الحيوان" . إلا أن الفرنسي جيرو استطاع أن يؤسس لاتجاه أسلوبي بمؤازرة بعض رفاقه، وسمي "بالأسلوبية الإحصائية"، التي تتخذ من الأسلوب واقعة قابلة للقياس الكمي

2- مقولات الأسلوبية :

وتتحدد مقولات الأسلوبية في ثلاثة عناصر: الاختيار-التركيب-الانزياح.

أ-الاختيار:
إن لغة النص الأدبي هي لغة مميزة، وهذا التميز يبين لنا أن الكاتب أو الشاعر قد اختار من المعجم اللغوي الضخم مجموعة من الكلمات حتى يستطيع تكوين رسالته وإحداث الأثر المرجو منها وبالتالي التواصل مع المتلقي، فلغة النص الإبداعي الأدبي هي لغة مختارةة بعناية ودقة، ولهذا أجمع الباحثون على أن الكتابة أو النظم قوامها اختيار المعجم الخاص لإحداث الأثر الفني، ومن ذلك ما قاله جوزيف شريم:"إن الكتابة إجمالا والكتابة الشعرية خاصة هي نوع من =الاختيار=، يقوم به الشاعر على مستوى كل بيت من أبيات قصيدته" ، وأثبت تشومسكي ذلك بقوله:"الجُمل تولد عن طريق سلسلة من الاختيارات للكلمات داخل الجملة" ، وهو صاحب النحو التوليدي (أو التحويلي)، والذي يسمح بتوليد جملة من البدائل الأسلوبية والكلمات حتى تمكن الكاتب أو الشاعر من فرصة إيجاد خيارات واسعة في استعمال اللغة، وهذا أيضا ما كرره رجاء عيد بقوله:"كانت قناعة البنيويين أن المتكلم ينتقي خطابه على حسب اختياره من تلك الطاقة المختزنة في الذاكرة:اللغة، وفيها يكون انتقاءه لما يناسبه، وعليه فالأسلوب هو دراسة تلك الاختلافات، وتحليل أنماط التباينات"

ب-التركيب:
إن تركيب النص الإبداعي خاصة حين ثورته على النمط النحوي المعتاد الذي يحترم قانون النحو، وتكوينه لتركيب جديد غير مألوف لدى المتلقي هو الذي يبعث الدهشة والتوتر، ومن هنا كانت الأسلوبية متتبعة له محاولة طرح السؤال "لماذا؟"، والإجابة عن هذا السؤال والتوصل إلى فهم التركيب الطارئ لهو بحق السبيل إلى فهم العمل الأدبي والوقوف على فنيته وإبداعيته، فـ:جون كوهين يرى بأنه:"لا يتحقق الشعر إلا بقدر تأمل اللغة وإعادة خلقها مع كل خطوة.

وهذا يفترض تكسير الهياكل الثابتة للغة وقواعد النحو" ، لأن:"لكل أديب طريقة خاصة في استخدام الكلمة وتركيب الجملة من حيث النحو البلاغي...يجب أن ندرك أن التركيب=التشكيل=اللغوي هو المادة الحقيقية المشكلة لفن الأدب، لهذا ينبغي بذل جهد كبير في التعرف على كيفية استخدام الأديب للغة" ، خاصة إذا علمنا أن واحدا من الشعراء الكبار وهو ملارميه:"عرَّف نفسه بالعبارة العجيبة=أنا مركِّب="، وقد اعتنى قدماء علماء العرب بفكرة أهمية التركيب فهذا عبد القاهر الجرجاني يقول:"الكلام لا يستقيم ولا تحصل منافعه التي هي الدلالات على المقاصد إلا بمراعاة أحكام النحو في الإعراب والترتيب الخاص"، الأمر الذي دفع بـ:مصطفى ناصف إلى التصريح بأنه( عبد القاهر):"حرّض الباحثين على أن يعيدوا قراءة الشعر العربي في ضوء فكرة تنظيم الكلمات"، ولا سبيل إذن من أجل الوقوف على أدبية الأدب إلا النظر في كيفية تشكيله وهندسته.
ج-الانزياح:
يشرح لنا انكفست الانزياح (أو الانحراف)بقوله: سنستعمل مصطلح انحراف لنقصد به الخلاف بين النص والمعيار النحوي العام للغة، ولهذا فالانحراف يعني عدم النحوية وعدم القبول" ، ويحدد بول فاليري الأسلوب بأنه انحراف عن قاعدة أو معيار ما، أي انحراف عن قانون النحو، وبيّن مصطفى ناصف أن:"الاستعارة انحراف عن الأسلوب الواضح الدقيق" .

فالانحراف إذن هو الخروج عن المألوف المعتاد في الكلام العادي بين الأفراد في المجتمع، والاتجاه نحو صيغة كلامية تبعث الإيحاء وتحثعلى التأويل، وبالتالي خلق التوتر والاستغراق في حالة التأثر ومحاولة الشرح، أو كما يسميه بعض الباحثين بـ:"مواطن الخروج على المستوى العام الذي عليه الاستعمال العادي للغة.

ولإضاءة مفهومه للانحراف عن السياق يورد ريفاتير مصطلحين هامين وهما: الارتداد والتناص، ويعني بالأول تلك الوقائع الأسلوبية التي سبق للقارئ اكتشاف قيمها ثم لا تلبث أن تعدّل معانيها بأخرى بناء على ما يكتشفه القارئ وهو ماض في قراءته، كما يعني بالتناص ذلك الأثر الذي ينشأ عن تراكم عدد من المسالك الأسلوبية لتحدث قوة تعبيرية لافتة، والتي يعدها مثالا للوعي البالغ باستعمال اللغة .

وهنا يطرح برنرد شبلنرن بعض الأسئلة الوجيهة مثل: على أي مستوى لغوي ينبغي أن تكون الانحرافات ممكنة؟ كيف يتحدد مستوى المعيار الذي ينحرف عنه النص؟ أي: عن أي شيء بدقة ينحرف النص؟

لا بد أنها أسئلة مهمة خاصة إذا أدرجنا الفعل التواصلي بين الأديب والمتلقي، فالأديب يهدف من رسالته إلى ملاقاة القارئ وإشراكه معه في الشرح والتحليل، فماذا يحدث إذا تعمق الانزياح كثيرا وأدى إلى غموض الرسالة؟، وهذا ممكن لأن القارئ قد لا يكون قادرا على فك الشفرة والإمساك بالدلالة، وهذا الإشكال يطرحه أحد الباحثين بقوله أن:"الانزياح يؤدي إلى غموض الرسالة، وإضعاف بنيتها، وهذا يعني أنه كلما عمد الشاعر إلى تعميق الانزياح ازداد انفصاله عن الجمهور"، وقد حدث مثل هذا من قبل فـ:"الشاعر الانجليزي=كيتس= يوم كتب إلى أخيه رسالة في 18 شباط 1819، لام السذج الذين يأخذون الكلمة بمعناها الحرفي دون بعد في خلفياتها" ، ولعل هذا ما يسميه أتباع فيتغنشتاين:"التشنجات العقلية التي تنشأ عن المتاهات التي تخلقها اللغة" ، فالإنزياحات العميقة تخلق متاهات للعقل، وتجعله يسير في دوامة حلزونية لا متناهية تعيق فهمه للنص الأدبي.

إن:"الانزياح هو وسيلة الشاعر إلى خلق لغة شعرية داخل لغة النثر، ووظيفة خلق الإيحاء" ، لكن يبقى السؤال جوهريا: إلى أي حد يمكن أن يستمر الانزياح؟، وهل وظيفة خلق الإيحاء مبرر كاف لمراوغة القارئ والابتعاد عن شريحة كبيرة من القراء، ما دام أن هدف الأدب حسب البعض هو تبليغ الرسالة وبناء فعل التواصل؟ إنه سؤال نضعه هنا على أمل الإجابة عليه في المستقبل.
وتتخذ الأسلوبية من الخطاب الأدبي عامة مادة وغاية لها. يقول الباحث اللبناني بسّام بركة: "إن الأسلوبية تحليل لخطاب من نوع خاص، فهي وإن كانت تعتمد على قاعدة نظرية (لسانية أو سيميائية أو براغماتية)، فإنها أولا وأخيرا تطبيق يمارس على مادة هي الخطاب الأدبي، وهي لا تقف عند حدود سطح النسج الأدبي، بل إنها" لا تلبث بعد ذلك أن تختلط بالنص ذاته عبر عمليات التفسير وشرح الوظيفة الجمالية للأسلوب لتجاوز السطح اللغوي، ومحاولة تعمق دينامية الكتابة الإبداعية في تولدها من جانب وقيامها بوظائفهاالجمالية من جانب آخر"

3- المستويات الأسلوبية:

تتحدد مستويات التحليل الأسلوبي من خلال التعريف الذي وضعه دي سوسير للكلام:"الكلام تطبيق أو استعمال للوسائل والأدواتالصوتية، والتركيبية والمعجمية، التي يوفرها اللسان" فيما يلي
أ- الصوت (أو الإيقاع):

يرى أحد الباحثين أن الإيقاع:"هو تنظيم لأصوات اللغة بحيث تتوالى في نمط زمني محدد، ولا شك أن هذا التنظيم يشمل في إطاره خصائص هذه الأصوات كافة...فإن الصوائت التي هي أطول الأصوات في اللغة العربية، هي أكثرها جهرا وأقواها إسماعا، وأما التنغيم فهو نتاج توالي نغمات الأصوات الناتجة عن درجاتها"، كما أن النبر هو:"ارتفاع في علو الصوت ينتج عن شدة ضغط الهواء المندفع من الرئتين، يطبع المقطع الذي يحمله ببروز أكثر وضوحا عن غيره من المقاطع المحيطة

ويعطي رجاء عيد لعلم الصوتيات أهمية بالغة في دراسة الأسلوب حيث يرى أن:"...هناك بعض أنواع من الأدب لها إمكانية صوتية قوية، فالدراما والشعر يكتبان بكلمات مسموعة، والسمات اللغوية الخاصة التي تعرضها لا يمكن توضيحها إلا بألفاظ صوتية مصقولة، ولا بد أن يكون هذا اللفظ الصوتي قادرا على إلقاء الضوء على مثل هذه المظاهر كالجناس والسجع والقافية، واستخدام الكلمات التي تدل ألفاظها على معانيها والوزن والإيقاعات النغمية ومعرفة الطريقة التي تتباين فيها الحروف اللينة، وتتجمع الحروف الساكنة طبقا للموقع التي ترد فيه وكيفية النطق بها، فالحروف الساكنة تتجمع، والأماكن تتبدل في الوحدات الصوتية في تركيب المقاطع المتتالية، وكلها تمتزج وتتطابق لكي تعطي التأثير الشامل في النهاية

وعليه فما على الباحث الأسلوبي إلا دراسة الوزن والنبر والتنغيم والوقوف للإحاطة بما يحمله المقطع الشعري من مشاعر وعواطف وأحاسيس الشاعر والتي تتجسد في إيقاع الحرف والكلمة والعبارة، بالإضافة إلى البحر والقافية.

ب-التركيب:

وهو عنصر مهم في بحث الخصائص الأسلوبية كدراسة طول الجملة وقصرها وعناصرها مثل المبتدأ والخبر، الفعل والفاعل، الصفة والموصوف وكذا ترتيبها، ودراسة الروابط مثل الواو، والفاء، وما، والتقديم والتأخير، والتذكير والتأنيث والتصريف، وبحث البنية العميقة للتركيب باستخدام النحو التوليدي لـ: تشومسكي في رصد الطاقة الكامنة في اللغة، ومعرفة التحويلات أو الصياغات الجديدة التي تتولد، والتي تعد أساسا من الأسس التي تكوِّن الأسلوب .

ج- الدلالة:

يهتم علم الدلالة بـ: الجانب المعجمي، وما تدل عليه الكلمات، مع تتبع لمستجدات المعنى الذي يلحق بتلك الدلالات، أو ما يدفع – بسبب التطور- إلى أن يتبدل ما تشير إليه تلك الكلمات أو سواها. ومن الممكن متابعة "الدلالة" من خلال النظام اللغوي الذي يتميز بخصائصه النحوية والصرفية، والتي تشكل لهذا النظام بنيته الخاصة به...وهذه البنية تتشكل منها ما يعرف بالحقول الدلالية، والتي تضم مجموعات تشكل مفهوما مشتركا، أو دلالة تدخل في نطاق واحد.

وعليه فإن الباحث في الدلالة عليه أن يبحث في تلك العلاقة التي تربط الدال بمدلوله في النص من خلال السياق، وبالتالي فهم وتحديد الدلالة
الدلالي السياقية إن كانت دلالة مباشرة أو تحمل دلالات إيحائية أو تأويلية أخرى( الحقل