منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ذكرى استقلال الجزائر
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-17, 19:14   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
الهامل الهامل
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

أيها المسلمون:

لقد ضرب لنا جيلنا الأول من الصحابة والتابعين أروع ما عرفه التاريخ من التضحيات والإقدام والشجاعة حتى خافت الفرس والروم آنذاك من هذا السيل الجارف والقوة الكاسرة.

لقد كانت المبادئ عندهم والغايات التي يسعون لتحقيقها هي رفعة الدين، ونصرة الدعوة وحماية العقيدة فبذلوا لتحقيقها كل غاية ووسيلة صغرت أم كبرت.

كان هذا الهم وهذه المبادئ لا يختص به الرجال فقط بل حتى النساء والصبيان.

فهذا الزبير بن العوام كان جالساً يوماً عند الكعبة مسنداً ظهره إليها، وإذا بمنادٍ ينادي لقد قتل محمد، لقد قتل محمد، فقام الزبير فزعاً مضموماً وسل سيفه، وانطلق يبحث عن مصدر الصوت، وكان عمره آنذاك (اثنى عشرة سنة) نعم أيها الأخوة عمره (اثنا عشرة سنة). فبينما هو كذلك إذا به يقابل النبي فانكب عليه، فقال: يا رسول الله لقد سمعت عنك كذا وكذا، ووالله لقد خرجت بسيف لأقابل قريش أجمع أقتل أو يقتلوني.

نعم أيها الأخوة، عمره اثنا عشرة سنة وهذه اهتماماته وهذه بطولته، يريد أن يقاتل قريشاً أجمع وحده ثأراً للنبي .

فما هي اهتمامات شبابنا اليوم، ولست أقول الذين أعمارهم اثنا عشرة، ولكن الذين أعمارهم في العقد الثاني والثالث.

أخرج ابن عساكر والحاكم والبغوي بمعناه: عن سعد بن أبي وقاص قال: رد رسول الله عمير بن أبي وقاص عن مخرجه إلى بدر، واستصغره، فبكى عمير فأجازه النبي قال سعد: فعقدت عليه (أي ربطت) حمالة سيفه، قال سعد: فقتل ببدر وهو ابن ست عشر سنة.

واسمع معي هذه البطولة التي يقوم بها غلامان صغيران.

أخرج الشيخان عن عبد الرحمن بن عوف قال: إني لواقف يوم بدر في الصف، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما. فقال: يا عماه أتعرف أبا جهل ؟ فقلت: نعم، وما حاجتك إليه؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا؟ فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي أيضاً مثلها، فلم أنشب (أي لم ألبث) أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول بين الناس، فقلت: ألا تريان هذا صاحبكم الذي تسألاني عنه؟ فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى النبي فأخبراه، فقال: أيكما قتله؟ قال كل منهما: أنا قتلته، قال: هل مسحتما سيفيكما، قالا: لا، قال: فنظر النبي في السيفين فقال كلاهما قتله.

ولم تكن الشجاعة والإقدام والتضحية في أطفالهم ورجالهم فسحب بل كانت الشجاعة حتى في نسائهم، جيل متكامل، جيل يمثل الأمة المؤمنة الفاضلة التي يحلم بها الفلاسفة وعلماء الاجتماع منذ زمن بعيد.

نعم إنها تكامل الشخصيات وعلو الهمة، وسمة النظرة، وقوة اليقين، وصدق الإيمان، فله درُّهم.

فهذه صفية تدافع عن حصن المسلمين وذلك حينما كان النبي خارج في غزوة الخندق فمر رجل يهودي فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله: تقول صفية: وليس بيننا وبين أحد يدفع عنا، فلما أحست صفية أنه يريد أن يتأكد هل بالحصن رجالٌ أم لا؟ حتى يغير على النساء، فلما دخل الحصن أخذت عمود فسطاط فقتلته ثم ألقته من أعلى الحصن فلما رأى ذلك اليهود، قالوا: ما كان لمحمد أن يخرج ويثرك النساء بلا رجال.

وهذه أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية: دافعت عن رسول الله ، وكانت تسقي الناس يوم أحد فلما رأت رسول الله قد أحيط به، وانهزم عنه الناس وضعت سقاءها، وأخذت سيفاً فجعلت تقاتل أشد القتال وحتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً وظل على عاتقها من هذه الجراح جُرح أجوف له غور أصابها به ابن قَمِئَة فأماته الله في نار جهنم.

وفي بعض الروايات، لما كانت تدافع عن النبي وكثرت عليها الجراح وهي تدافع، والنبي يقول: ((من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة)).

سليني يا أم عمارة فقالت: ادع الله أن نرافقك في الجنة. تريد نفسها وزوجها وابناها حبيب وعبد الله فقال: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة.

إن هذا القرآن الذي قرأه الصحابة وتأثروا به وعملوا بما فيه، والذي أصبح المحرك لهم لجميع بطولتهم ومواقفهم الخالدة التي لا تنسى، إن هذا القرآن أيها الأخوة الذي تأثروا به تأثراً بالغاً هو نفس القرآن الذي بين أيدينا، لكن القلوب غير القلوب والنفوس غير النفوس.

وإلا فالقرآن واحد، والأسماع واحدة، والتلاوة نفسها، لكن التي تغيرت هي القلوب فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.

لقد كان الواحد منهم رضي الله عنهم من الصحابة فمن بعدهم، ربما سمع الآية فتغيرت مسيرة حياته، فهذا أبو طلحة لما كبرت سنه ورق عظمه وشابت لحيته، كان يقرأ سورة براءة (التوبة) فلما بلغ قوله تعالى: انفروا خفافاً وثقالاً فقال لا أرى ربنا إلا يستنفرنا شباباً وشيوخاً بآية، جهزوني جهزوني. فجهزوه فغزا في البحر فمات في البحر. فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام فدفنوه بها وهو لم يتغير.

أما نحن فقد سمعنا آيات كثيرة، وترنمنا بسماعها وقراءتها، فما فعلت فينا شيئا، عجباً لنا نسمع الآيات والمواعظ والخطب والكلمات، فموعظة في المسجد وموعظة عبر الشريط وموعظة في الجمعة وموعظة عبر المذياع. ولكن أحوالنا على ما هي عليه، بل كل يوم نزداد بعداً وتقصيراً وتفريطاً في طاعة الله إلا من رحم الله.

أيها المسلمون:

قد سمعنا بعض تضحيات نسائهم وأطفالهن، فماذا عسى أن تكون تضحيات رجالهم.

فهذا عبد الله بن جحش في معركة أحد يدعو يقول: اللهم أني أقسم عليك أن ألقى العدو غداً فيقتلوني ثم يبقروا بطني، ويجدعوا أنفي وأذني، ثم تسألني فيم ذلك يا عبدي؟ فأقول: فيك يا رب.

وهذا عمرو بن الجموح كان أعرجاً شديد العرج، وكان له أربعة أبناء يغزون مع رسول الله إذا غزا، فلما توجه رسول الله إلى أحد، أراد أن يتوجه معه، فمنعه أبناؤه لكبره، فأتى عمرو بن الجموح رسول الله فقال: يا رسول الله إن بني هؤلاء يمنعوني أن أخرج معك، والله إني لأرجو أن استشهد فأطأ بعرجتي هذه الجنة فقال له رسول الله: أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد، وقال لبنيه: وما عليكم أن تدعوه، لعل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة، فخرج مع رسول الله فقتل يوم أحد شهيداً.

وهذا أنس بن النضر آلى نفس إذ تخلف عن غزوة بدر أن إذا جاءت غزوة أخرى ليرين الله ما يصنع، فلما انكشف المسلمون في غزوة أحد انطلق وقال: اللهم أني أعتذر إليك من صنع هؤلاء، (ويعني أصحابه حينما نزلوا الجبل) وأبرأ إليك من صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد.

قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس بن مالك: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون، فما عرفه أحدٌ إلا أخته ببنانه (إصبعه)، قال أنس: فكنا نظن أن هذه الآية نزلت في أشباهه من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

وهذا رجل آخر من الصحابة يهجم عليه رجلٌ فيطعنه طعنة في صدره فلما سال الدم، أمسك الدم بيمينه ونظر إليه وقال: فزت بها ورب الكعبة، فزت بها ورب الكعبة، فزت بها ورب الكعبة.

ولما انكشف المسلمون في معركة أحد ظهرت البطولات والتضحيات، وفي وسط هذه الدهشة المذهلة والمفاجأة المحزنة، حين خرج المشركون بقيادة خالد بن الوليد (قبل أن يسلم) على المسلمين من خلف الجبل وبعد أن نزل الرماة من جبل أحد، صرخ الشيطان إبليس بأعلى صوته: إن محمداً قد قتل، ووقع ذلك في قلوب كثير المسلمون، ومرّ أنس بن النضر صاحب القصة السابقة بقوم من المسلمين وقد ألقوا ما بأيديهم، فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: قتل رسول الله فقال: فما تصنعون بالحياة بعده، قوموا موتوا على ما مات عليه.

ولكن الحقيقة أن رسول الله لم يقتل، وخلص المشركون إلى رسول الله ، وثبت في وجه العدو وقاتلهم قتالاً شديداً فظل يرمي بالنبل حتى فني نبله، وانكسر قوسه، ثم ظل يرمي بالحجارة حتى دفعهم عنه.

وثبت معه نفر من أصحابه قيل أنهم دون العشرة، وقيل أنهم فوق العشرة وأحاطوا به يصدون هجمات العدو الذي أحدق بهم من كل ناحية، وشدوا عليه يريدون أن يقتلوه، فما زال هؤلاء النفر يذودون عنه ويقاتلوه دونه ويتلقون ضربات العدو.

وترّس أبو دجانة نفسه دون رسول الله فجعل النبل يقع على ظهره وهو منحن على رسول الله حتى كثر فيه النبل، ورمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله فجعل رسول الله يناوله النبل وبعد يقول: ارم فداك أبي وأمي.

ودافعت عن رسول الله أم عمارة وقد ذكرنا قصتها.

ولكن رغم ذلك كله جرح العدو وجه النبي وكسروا رباعيته، وهشموا البيضة، (الخوذة) التي على رأسه الشريف، ورموه بالحجارة، حتى وقع وسقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق يكيد بها المسلمين، فأخذ علي بيده، واحتضنه طلحة بن عبيد الله، وكان الذي تولى أذى النبي عمرو بن قمئة وعتبة بن أبي وقاص، ونشبت حلقتان من حلق المغفر في وجهه، فانتزعها أبو عبيدة بن الجراح، وعض عليها حتى سقطت ثنيتاه من شدة غوصهما في وجهه .

أرأيتم أيها الأخوة كيف نحن تغيرنا، وأصبحت أمجادنا رهن الذكريات وسجينة كتب التاريخ.

تكدّر من بعـد النبي محمـدِ عليه س،لام الله ما كان صافياً

فكم من منار كان أوضحه لنا ومن علم أمسى وأصبح عافيا

ركنا إلى الدنيـا الدنية بعـده وكشفت الأطماع منا المساويا

وإنا لنمـر من كـل يوم بنكبة نراهـا فما تزداد إلا تعاميـا

أيها المسلمون: أفيقوا واعلموا أنكم أصحاب أمجاد وتاريخ عريق، وأصحاب بطولات لم يعرف التاريخ لها نظيراً، فاربؤوا بأنفسكم أن تكونوا أذلاء صاغرين لا قيمة لكم ولا عزة لكم.

وارفعوا أنفسكم عن سفاسف الأمور، وتطلعوا إلى معاليها، وإياكم والمعاصي والاستسلام للمحرمات صغرت أم كبرت، وإن الخلق لا يهونون عند الله إلا حينما يخالفون أمره، كما قال أبو الدرداء: "ما أهون الخلق على الله إذا هم خالفوا أمره". وإذا كتب الله علينا الهون فمن يكرمنا، ومن يهن الله فما له من مكرم.

.
خالد الشارخ










رد مع اقتباس